حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها أو نسيتها فالتمسوها - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب فضل ليلة القدر باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر (حديث رقم: 2016 )


2016- عن أبي سلمة، قال: سألت أبا سعيد، وكان لي صديقا فقال: اعتكفنا مع النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا، وقال: «إني أريت ليلة القدر، ثم أنسيتها - أو نسيتها - فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليرجع»، فرجعنا وما نرى في السماء قزعة، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته

أخرجه البخاري


(أريت) أعلمت بوقتها المحدد.
(نسيتها) أنساني الله تعالى علم تحديدها.
(فالتمسوها) اطلبوها وتحروها.
(الوتر) أوتار الليالي وهي المفردة منها.
(قزعة) قطعة رقيقة من السحاب

شرح حديث (إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها أو نسيتها فالتمسوها )

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا هِشَامٌ ) ‏ ‏هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ وَيَحْيَى هُوَ اِبْن أَبِي كَثِير , وَيَأْتِي فِي الِاعْتِكَاف عَنْ طَرِيق عَلِيِّ اِبْن الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى " سَمِعْت أَبَا سَلَمَة ".
‏ ‏قَوْله : ( سَأَلْت أَبَا سَعِيدٍ وَكَانَ لِي صَدِيقًا فَقَالَ اِعْتَكَفْنَا ) ‏ ‏لَمْ يَذْكُر الْمَسْئُول عَنْهُ فِي هَذِهِ الطَّرِيق , وَفِي رِوَايَة عَلِيٍّ الْمَذْكُورَة " سَأَلْت أَبَا سَعِيد : هَلْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُر لَيْلَة الْقَدْر ؟ فَقَالَ : نَعَمْ " فَذَكَرَ الْحَدِيث.
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق مَعْمَر عَنْ يَحْيَى " تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْر فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ , فَأَتَيْت أَبَا سَعِيد " فَذَكَرَهُ , وَفِي رِوَايَة هَمَّامٍ عَنْ يَحْيَى فِي " بَابٌ السُّجُودُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ ) مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ " اِنْطَلَقْت إِلَى أَبِي سَعِيد فَقُلْت : أَلَا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْل فَنَتَحَدَّثَ ؟ فَخَرَجَ , فَقُلْت : حَدِّثْنِي مَا سَمِعْت مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَة الْقَدْر , فَأَفَادَ بَيَانَ سَبَبِ السُّؤَالِ , وَفِيهِ تَأْنِيسُ الطَّالِبِ لِلشَّيْخِ فِي طَلَبِ الِاخْتِلَاءِ بِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِمَّا يُرِيدُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ.
‏ ‏قَوْله : ( اِعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْر الْأَوْسَط ) ‏ ‏هَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ , وَالْمُرَادُ بِالْعَشْرِ اللَّيَالِي وَكَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تُوصَفَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ لَكِنْ وُصِفَتْ بِالْمُذَكَّرِ عَلَى إِرَادَةِ الْوَقْتِ أَوْ الزَّمَانِ أَوْ التَّقْدِير الثُّلُث كَأَنَّهُ قَالَ : اللَّيَالِي الْعَشْر الَّتِي هِيَ الثُّلُث الْأَوْسَطُ مِنْ الشَّهْرِ , وَوَقَعَ فِي " الْمُوَطَّأ " الْعَشْر الْوُسُط بِضَمِّ الْوَاو وَالسِّين جَمْع وُسْطَى وَيُرْوَى بِفَتْحِ السِّينِ مِثْل كُبْر وَكُبْرَى وَرَوَاهُ الْبَاجِيّ فِي " الْمُوَطَّأِ " بِإِسْكَانِهَا عَلَى أَنَّهُ جَمْع وَاسِط كَبَازِلٍ وَبَزْلٍ وَهَذَا يُوَافِق رِوَايَة الْأَوْسَط , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ " كَانَ يُجَاوِر الْعَشْر الَّتِي فِي وَسَط الشَّهْرِ " وَفِي رِوَايَة مَالِك الْآتِيَة فِي أَوَّل الِاعْتِكَاف " كَانَ يَعْتَكِفُ " وَالِاعْتِكَاف مُجَاوَرَةٌ مَخْصُوصَةٌ , وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيد " اِعْتَكَفَ الْعَشْر الْأَوْسَط مِنْ رَمَضَان يَلْتَمِسُ لَيْلَة الْقَدْر قَبْل أَنْ تُبَانَ لَهُ , فَلَمَّا اِنْقَضَيْنَ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَقُوِّضَ , ثُمَّ أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْر الْأَوَاخِر فَأَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَأُعِيدَ " وَزَادَ فِي رِوَايَة عِمَارَة بْن غَزِيَّةَ عَنْ مُحَمَّد إِبْرَاهِيم أَنَّهُ " اِعْتَكَفَ الْعَشْر الْأَوَّل ثُمَّ اِعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَط ثُمَّ اِعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِر " , وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَة هَمَّامٍ الْمَذْكُورَة وَزَادَ فِيهَا " إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك " وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ أَيْ قُدَّامَك , قَالَ الطِّيبِيُّ : وَصَفَ الْأَوَّل وَالْأَوْسَط بِالْمُفْرَدِ وَالْأَخِير بِالْجَمْعِ إِشَارَةً إِلَى تَصْوِيرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي كُلّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الْعَشْر الْأَخِير دُونَ الْأَوَّلَيْنِ.
‏ ‏قَوْله : ( فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا ) ‏ ‏فِي رِوَايَة مَالِك الْمَذْكُورَة " حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَة إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَة الَّتِي يَخْرُج مِنْ صَبِيحَتهَا مِنْ اِعْتِكَافه " وَظَاهِره يُخَالِف رِوَايَة الْبَاب , وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ خُطْبَتَهُ وَقَعَتْ فِي أَوَّل الْيَوْم الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ , وَعَلَى هَذَا يَكُون أَوَّل لَيَالِي اِعْتِكَافه الْأَخِير لَيْلَةَ اِثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ , وَهُوَ مُغَايِرٌ لِقَوْلِهِ فِي آخِر الْحَدِيث " فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاء وَالطِّين مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ " فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ فِي صُبْح الْيَوْم الْعِشْرِينَ , وَوُقُوع الْمَطَر كَانَ فِي لَيْلَة إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهُوَ الْمُوَافِق لِبَقِيَّةِ الطُّرُقِ , وَعَلَى هَذَا فَكَأَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَة مَالِك الْمَذْكُورَة " وَهِيَ اللَّيْلَة الَّتِي يَخْرُج مِنْ صَبِيحَتِهَا " أَيْ مِنْ الصُّبْح الَّذِي قَبْلَهَا , وَيَكُون فِي إِضَافَةِ الصُّبْحِ إِلَيْهَا تَجَوُّزٌ.
وَقَدْ أَطَالَ اِبْن دِحْيَةَ فِي تَقْرِير أَنَّ اللَّيْلَةَ تُضَافُ لِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْلهَا , وَرَدَّ عَلَى مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمْ يُوَافِق عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ اِبْنُ حَزْمٍ رِوَايَةَ اِبْن أَبِي حَازِم والدَّرَاوَرْدِيِّ - يَعْنِي رِوَايَة حَدِيث الْبَاب - مُسْتَقِيمَةٌ وَرِوَايَة مَالِك مُشْكِلَةٌ , وَأَشَارَ إِلَى تَأْوِيلِهَا بِنَحْوٍ مِمَّا ذَكَرْته.
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَة الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ " فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً تَمْضِي وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ رَجَعَ إِلَى مَسْكَنِهِ " وَهَذَا فِي غَايَة الْإِيضَاح , وَأَفَادَ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي " الِاسْتِذْكَارِ " أَنَّ الرُّوَاة عَنْ مَالِك اِخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِي لَفْظ الْحَدِيث فَقَالَ بَعْد ذِكْرِ الْحَدِيثِ : هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْن يَحْيَى بْن بُكَيْر وَالشَّافِعِيّ عَنْ مَالِك " يَخْرُج فِي صَبِيحَتهَا مِنْ اِعْتِكَافه " وَرَوَاهُ اِبْن الْقَاسِم وَابْن وَهْبٍ وَالْقَعْنَبِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ مَالِك فَقَالُوا " وَهِيَ اللَّيْلَة الَّتِي يَخْرُج فِيهَا مِنْ اِعْتِكَافه " قَالَ : وَقَدْ رَوَى اِبْن وَهْبٍ وَابْن عَبْد الْحَكَم عَنْ مَالِك فَقَالَ مَنْ اِعْتَكَفَ أَوَّلَ الشَّهْر أَوْ وَسَطَهُ فَإِنَّهُ يَخْرُج إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ آخِر يَوْمٍ مِنْ اِعْتِكَافه , وَمَنْ اِعْتَكَفَ فِي آخِر الشَّهْر فَلَا يَنْصَرِفُ إِلَى بَيْتِهِ حَتَّى يَشْهَد الْعِيدَ.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوَّل , وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ اِعْتَكَفَ الْعَشْر الْأَخِير هَلْ يَخْرُج إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ أَوْ لَا يَخْرُج حَتَّى يُصْبِحَ ؟ قَالَ : وَأَظُنُّ الْوَهْمَ دَخَلَ مِنْ وَقْت خُرُوج الْمُعْتَكِفِ.
قُلْت : وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا قَرَّرَهُ هُوَ مِنْ بَيَان مَحَلّ الِاخْتِلَاف.
وَقَدْ وَجَّهَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ رِوَايَةَ الْبَاب بِأَنَّ مَعْنَى قَوْله " حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ " أَيْ حَتَّى إِذَا كَانَ الْمُسْتَقْبِلُ مِنْ اللَّيَالِي لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ , وَقَوْله " وَهِيَ اللَّيْلَة الَّتِي يَخْرُج " الضَّمِير يَعُودُ عَلَى اللَّيْلَة الْمَاضِيَة , وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْله " مَنْ كَانَ اِعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ " لِأَنَّهُ لَا يَتِمّ ذَلِكَ إِلَّا بِإِدْخَالِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى.
‏ ‏قَوْله : ( أُرِيت ) ‏ ‏بِضَمِّ أَوَّله عَلَى الْبِنَاءِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ , وَهِيَ مِنْ الرُّؤْيَا أَيْ أُعْلِمَتْ بِهَا , أَوْ مِنْ الرُّؤْيَةِ أَيْ أَبْصَرْتهَا , وَإِنَّمَا أُرِيَ عَلَامَتهَا وَهُوَ السُّجُود فِي الْمَاء وَالطِّين كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَة هَمَّامٍ الْمُشَار إِلَيْهَا بِلَفْظِ " حَتَّى رَأَيْت أَثَر الْمَاء وَالطِّين عَلَى جَبْهَة رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْدِيق رُؤْيَاهُ ".
‏ ‏قَوْله : ( ثُمَّ أُنْسِيتهَا أَوْ نَسِيتهَا ) ‏ ‏شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي هَلْ أَنْسَاهُ غَيْرُهُ إِيَّاهَا أَوْ نَسِيَهَا هُوَ مِنْ غَيْر وَاسِطَةٍ , وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَ نُسِّيتهَا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيد فَهُوَ بِمَعْنَى أُنْسِيتهَا وَالْمُرَاد أَنَّهُ أُنْسِيَ عِلْمَ تَعْيِينِهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ , وَسَيَأْتِي سَبَبُ النِّسْيَانِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي حَدِيث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بَعْدَ بَابٍ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( إِنِّي أَسْجُدُ ) ‏ ‏فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ " أَنْ أَسْجُدَ ".
‏ ‏قَوْله : ( فَمَنْ كَانَ اِعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَرْجِعْ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة هَمَّامٍ الْمَذْكُورَةِ " مَنْ اِعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ " وَفِيهِ اِلْتِفَاتٌ.
‏ ‏قَوْله : ( قَزَعَة ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ سَحَابٍ رَقِيقَةٌ.
‏ ‏قَوْله : ( فَمَطَرَتْ ) ‏ ‏بِفَتْحَتَيْنِ , فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخِرَ " فَاسْتُهِلَّتْ السَّمَاءُ فَأَمْطَرَتْ ".
‏ ‏قَوْله : ( حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ ) ‏ ‏فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ " فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ " أَيْ قَطَّرَ الْمَاءُ مِنْ سَقْفِهِ , وَكَانَ عَلَى عَرِيشٍ أَيْ مِثْلِ الْعَرِيشِ وَإِلَّا فَالْعَرِيشُ هُوَ نَفْسُ سَقْفِهِ , وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ مُظَلَّلًا بِالْجَرِيدِ وَالْخُوص , وَلَمْ يَكُنْ مُحْكَمَ الْبِنَاءِ بِحَيْثُ يَكُفُّ مِنْ الْمَطَرِ الْكَثِيرَ.
‏ ‏قَوْله : ( يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْت أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ ) ‏ ‏وَفِي رِوَايَة مَالِكٍ " عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ " وَفِي رِوَايَة اِبْنِ أَبِي حَازِمٍ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ " اِنْصَرَفَ مِنْ الصُّبْح وَوَجْهُهُ مُمْتَلِئٌ طِينًا وَمَاءً " وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ قَوْلَهُ " أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ " لَمْ يُرَدْ بِهِ مَحْضُ الْأَثَرِ وَهُوَ مَا يَبْقَى بَعْدَ إِزَالَة الْعَيْن , وَقَدْ مَضَى الْبَحْث فِي ذَلِكَ فِي صِفَة الصَّلَاة.
وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد مِنْ الْفَوَائِد تَرْكُ مَسْحِ جَبْهَةِ الْمُصَلِّي , وَالسُّجُود عَلَى الْحَائِلِ , وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الْأَثَرِ الْخَفِيفِ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ " وَوَجْهُهُ مُمْتَلِئٌ طِينًا وَمَاءً " وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الِامْتِلَاءَ الْمَذْكُورَ لَا يَسْتَلْزِمُ سِتْرَ جَمِيع الْجَبْهَة.
وَفِيهِ جَوَاز السُّجُود فِي الطِّينِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَكْثَرُ ذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الصَّلَاةِ.
وَفِيهِ الْأَمْرُ بِطَلَبِ الْأَوْلَى وَالْإِرْشَادُ إِلَى تَحْصِيلِ الْأَفْضَلِ , وَأَنَّ النِّسْيَانَ جَائِزٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي تَبْلِيغِهِ , وَقَدْ يَكُون فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالتَّشْرِيعِ كَمَا فِي السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ , أَوْ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَة كَمَا فِي هَذِهِ الْقِصَّة , لِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَوْ عُيِّنَتْ فِي لَيْلَةٍ بِعَيْنِهَا حَصَلَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا فَفَاتَتْ الْعِبَادَةُ فِي غَيْرهَا , وَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ " عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ " كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث عُبَادَةَ.
وَفِيهِ اِسْتِعْمَال رَمَضَان بِدُونِ شَهْرٍ , وَاسْتِحْبَابُ الِاعْتِكَافِ فِيهِ , وَتَرْجِيحُ اِعْتِكَافِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ , وَأَنَّ مِنْ الرُّؤْيَا مَا يَقَعُ تَعْبِيرُهُ مُطَابِقًا , وَتَرَتُّبُ الْأَحْكَامِ عَلَى رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ.
وَفِي أَوَّل قِصَّة أَبِي سَلَمَة مَعَ أَبِي سَعِيد الْمَشْي فِي طَلَب الْعِلْمِ , وَإِيثَار الْمَوَاضِع الْخَالِيَةِ لِلسُّؤَالِ , وَإِجَابَةُ السَّائِلِ لِذَلِكَ وَاجْتِنَاب الْمَشَقَّةِ فِي الِاسْتِفَادَة , وَابْتِدَاءُ الطَّالِب بِالسُّؤَالِ , وَتَقَدُّم الْخُطْبَة عَلَى التَّعْلِيم وَتَقْرِيب الْبَعِيد فِي الطَّاعَة وَتَسْهِيل الْمَشَقَّة فِيهَا بِحُسْنِ التَّلَطُّف وَالتَّدْرِيج إِلَيْهَا , قِيلَ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ جَوَازُ تَغْيِير مَادَّة الْبِنَاء مِنْ الْأَوْقَاف بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا وَأَنْفَعُ.


حديث إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها أو نسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏هِشَامٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَلَمَةَ ‏ ‏قَالَ سَأَلْتُ ‏ ‏أَبَا سَعِيدٍ ‏ ‏وَكَانَ لِي صَدِيقًا ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا وَقَالَ ‏ ‏إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا ‏ ‏أَوْ نُسِّيتُهَا ‏ ‏فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَلْيَرْجِعْ فَرَجَعْنَا وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ ‏ ‏قَزَعَةً ‏ ‏فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمض...

عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر، من العشر الأواخر من رمضان»

هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتك...

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي، ويستقب...

تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر

عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «التمسوا»، 2020 - حدثني محمد، أخبرنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كا...

ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تب...

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر، في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة ت...

هي في العشر الأواخر هي في تسع يمضين أو في سبع يبق...

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي في العشر الأواخر، هي في تسع يمضين، أو في سبع يبقين» يعني ليلة القدر، وعن خالد،...

خرج النبي ﷺ ليخبرنا بليلة القدر

عن عبادة بن الصامت، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: «خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان،...

كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيق...

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله»

كان رسول الله ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان»

كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله

عن عائشة رضي الله عنها، - زوج النبي صلى الله عليه وسلم -: «أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزو...