2022- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي في العشر الأواخر، هي في تسع يمضين، أو في سبع يبقين» يعني ليلة القدر، وعن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس التمسوا في أربع وعشرين
(تسع يمضين) أي ليلة التاسع والعشرين.
(سبع يبقين) وتكون في ليلة الثالث والعشرين وفي نسخة (يمضين) فتكون ليلة السابع والعشرين
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( عَبْد الْوَاحِد ) هُوَ اِبْن زِيَاد , وَعَاصِم هُوَ الْأَحْوَلُ.
قَوْله : ( عَنْ أَبِي مِجْلَز وَعِكْرِمَة قَالَا قَالَ اِبْن عَبَّاس قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) كَذَا أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْ عَفَّان وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن عُقْبَة كِلَاهُمَا عَنْ عَبْد الْوَاحِد فَزَادَ فِي أَوَّله قَصَّهُ وَهِيَ " قَالَ عُمَر : مَنْ يَعْلَم لَيْلَةَ الْقَدْرِ ؟ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَذَكَرَهُ , وَبِهَذَا يَظْهَرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ الْمُبْهَم فِي رِوَايَة الْبَاب , وَقَدْ تَوَقَّفَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي اِتِّصَال هَذَا الْحَدِيث لِأَنَّ عِكْرِمَة وَأَبَا مِجْلَز مَا أَدْرَكَا عُمَر فَمَا حَضَرَا الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ , وَالْجَوَاب أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ أَنَّهُمَا أَخَذَا ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَر عَنْ عَاصِم عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَسِيَاقُهُ أَبْسَطُ مِنْ هَذَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ , وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا عَنْ اِبْن عَبَّاس فَهُوَ الْمَقْصُود بِالْأَصَالَةِ فَلَا يَضُرُّ الْإِرْسَالُ فِي قِصَّة عُمَر فَإِنَّهَا مَذْكُورَةٌ عَلَى طَرِيق التَّبَعِ أَنْ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا مُرْسَلَةٌ.
قَوْله : ( فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ أَوْ فِي سَبْع يَبْقَيْنَ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِتَقْدِيمِ السِّينِ فِي الثَّانِي وَتَأْخِيرهَا فِي الْأَوَّل وَبِلَفْظِ الْمُضِيِّ فِي الْأَوَّل وَالْبَقَاء فِي الثَّانِي , ولِلكُشْمِيهَنِيِّ بِلَفْظِ الْمُضِيِّ فِيهِمَا , وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ بِتَقْدِيمِ السِّينِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ , وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى تَخْرِيجِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ وَجْه آخَر فَإِنَّ الْمَرْفُوع مِنْهُ قَدْ رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق مَوْقُوفًا فَرَوَى عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ وَعَاصِم أَنَّهُمَا سَمِعَا عِكْرِمَة يَقُول " قَالَ اِبْن عَبَّاس : دَعَا عُمَر أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ لَيْلَة الْقَدْر , فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا الْعَشْر الْأَوَاخِر , قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَقُلْت لِعُمَر إِنِّي لَأَعْلَمُ - أَوْ أَظُنُّ - أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ , قَالَ عُمَر : أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ ؟ فَقُلْت : سَابِعَةٌ تَمْضِي أَوْ سَابِعَة تَبْقَى مِنْ الْعَشْر الْأَوَاخِر , فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ عَلِمْت ذَلِكَ ؟ قُلْت خَلَقَ اللَّه سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَسَبْع أَرْضِينَ وَسَبْعَة أَيَّام وَالدَّهْر يَدُور فِي سَبْع وَالْإِنْسَان خُلِقَ مِنْ سَبْع وَيَأْكُل مِنْ سَبْع وَيَسْجُدُ عَلَى سَبْع وَالطَّوَاف وَالْجِمَار وَأَشْيَاء ذَكَرَهَا , فَقَالَ عُمَر : لَقَدْ فَطِنْت لِأَمْرٍ مَا فَطِنَّا لَهُ " فَعَلَى هَذَا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِ هَذِهِ الْجُمْلَة وَوَقْفِهَا فَرَجَحَ عِنْد الْبُخَارِيّ الْمَرْفُوعُ فَأَخْرَجَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ الْمَوْقُوف , وَلِلْمَوْقُوفِ عَنْ عُمَر طَرِيق أُخْرَى أَخْرَجَهَا إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَده وَالْحَاكِم مِنْ طَرِيق عَاصِم بْن كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاسٍ وَأَوَّلُهُ " أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَعَا الْأَشْيَاخَ مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاس : لَا تَتَكَلَّمْ حَتَّى يَتَكَلَّمُوا , فَقَالَ ذَاتَ يَوْم : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اِلْتَمِسُوا لَيْله الْقَدْر فِي الْعَشْر الْأَوَاخِر وِتْرًا , أَيُّ الْوِتْرِ هِيَ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ تَاسِعَةٌ سَابِعَةٌ خَامِسَةٌ ثَالِثَةٌ , فَقَالَ لِي : مَا لَك لَا تَتَكَلَّم يَا اِبْن عَبَّاس ؟ قُلْت : أَتَكَلَّم بِرَأْيِي : قَالَ : عَنْ رَأْيك أَسْأَلُك , قُلْت " فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَفِي آخِرِهِ " فَقَالَ عُمَر أَعْجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ هَذَا الْغُلَامِ الَّذِي مَا اِسْتَوَتْ شُؤُونُ رَأْسِهِ " , وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْن نَصْر فِي " قِيَام اللَّيْل " مِنْ هَذَا الْوَجْه وَزَادَ فِيهِ : وَأَنَّ اللَّه جَعَلَ النَّسَبَ فِي سَبْعٍ وَالصِّهْرَ فِي سَبْعٍ , ثُمَّ تَلَا ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ) , وَفِي رِوَايَة الْحَاكِمِ " إِنِّي لَأَرَى الْقَوْلَ كَمَا قُلْتَ ".
قَوْله : ( وَعَنْ خَالِد عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : اِلْتَمِسُوا فِي أَرْبَع وَعِشْرِينَ ) ظَاهِره أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة عَبْد الْوَهَّاب عَنْ خَالِد أَيْضًا , لَكِنْ جَزَمَ الْمِزِّيُّ بِأَنَّ طَرِيق خَالِد هَذِهِ مُعَلَّقَة , وَاَلَّذِي أَظُنّ أَنَّهَا مَوْصُولَة بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّل وَإِنَّمَا حَذَفَهَا أَصْحَاب الْمُسْنَدَات لِكَوْنِهَا مَوْقُوفَةً , وَقَدْ رَوَى أَحْمَد مِنْ طَرِيق سِمَاكِ بْن حَرْب عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " أُتِيت وَأَنَا نَائِم فَقِيلَ لِي اللَّيْلَة لَيْلَة الْقَدْر , فَقُمْت وَأَنَا نَاعِس فَتَعَلَّقْت بِبَعْضِ أَطْنَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي , قَالَ فَنَظَرْت فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَإِذَا هِيَ لَيْلَة أَرْبَع وَعِشْرِينَ " وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ هَذَا مَعَ قَوْله فِي الطَّرِيق الْأُخْرَى إِنَّهَا فِي وِتْر , وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَمْع مُمْكِن بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ يَحْصُل مَا وَرَدَ مِمَّا ظَاهِره الشَّفْع أَنْ يَكُون بِاعْتِبَارِ الِابْتِدَاء بِالْعَدَدِ مِنْ آخِر الشَّهْر فَتَكُون لَيْلَة الرَّابِع وَالْعِشْرِينَ هِيَ السَّابِعَة , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مُرَاد اِبْن عَبَّاس بِقَوْلِهِ فِي أَرْبَع وَعِشْرِينَ أَيْ أَوَّل مَا يُرْجَى مِنْ السَّبْع الْبَوَاقِي فَيُوَافِق مَا تَقَدَّمَ مِنْ اِلْتِمَاسهَا فِي السَّبْع الْبَوَاقِي , وَزَعَمَ بَعْض الشُّرَّاح أَنَّ قَوْله " تَاسِعَة تَبْقَى " يَلْزَم مِنْهُ أَنْ تَكُون لَيْلَة اِثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ إِنْ كَانَ الشَّهْر ثَلَاثِينَ وَلَا تَكُون لَيْلَة إِحْدَى وَعِشْرِينَ إِلَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّهْر تِسْعًا وَعِشْرِينَ , وَمَا اِدَّعَاهُ مِنْ الْحَصْر مَرْدُود لِأَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " تَبَقَّى " هَلْ هُوَ تَبَقَّى بِاللَّيْلَةِ الْمَذْكُورَة أَوْ خَارِجًا عَنْهَا فَبَنَاهُ عَلَى الْأَوَّل , وَيَجُوز بِنَاؤُهُ عَلَى الثَّانِي فَيَكُون عَلَى عَكْسِ مَا ذُكِرَ , وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ فِي التَّعْبِير بِذَلِكَ الْإِشَارَةَ إِلَى الِاحْتِمَالَيْنِ , فَإِنْ كَانَ الشَّهْر مَثَلًا ثَلَاثِينَ فَالتِّسْع مَعْنَاهَا غَيْر اللَّيْلَة , وَإِنْ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَالتِّسْع بِانْضِمَامِهِمَا وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي لَيْلَة الْقَدْر اِخْتِلَافًا كَثِيرًا.
وَتَحَصَّلَ لَنَا مِنْ مَذَاهِبهمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَر مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا كَمَا وَقَعَ لَنَا نَظِير ذَلِكَ فِي سَاعَة الْجُمْعَة , وَقَدْ اِشْتَرَكَتَا فِي إِخْفَاء كُلّ مِنْهُمَا لِيَقَع الْجِدُّ فِي طَلَبهمَا : الْقَوْل الْأَوَّل أَنَّهَا رُفِعَتْ أَصْلًا وَرَأْسًا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّة عَنْ الرَّوَافِض وَالْفَاكِهَانِيّ فِي شَرْح الْعُمْدَة عَنْ الْحَنَفِيَّة وَكَأَنَّهُ خَطَأ مِنْهُ.
وَاَلَّذِي حَكَاهُ السُّرُوجِيّ أَنَّهُ قَوْل الشِّيعَة , وَقَدْ رَوَى عَبْد الرَّزَّاق مِنْ طَرِيق دَاوُد بْن أَبِي عَاصِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَحْنَس " قُلْت لِأَبِي هُرَيْرَة : زَعَمُوا أَنَّ لَيْلَة الْقَدْر رُفِعَتْ , قَالَ : كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ " وَمِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن شَرِيك قَالَ : ذَكَرَ الْحَجَّاج لَيْلَة الْقَدْر فَكَأَنَّهُ أَنْكَرَهَا , فَأَرَادَ زَرّ بْن حُبَيْشٍ أَنْ يُحَصِّبَهُ فَمَنَعَهُ قَوْمه.
الثَّانِي أَنَّهَا خَاصَّة بِسَنَةٍ وَاحِدَة وَقَعَتْ فِي زَمَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَاهُ الْفَاكِهَانِيّ أَيْضًا.
الثَّالِث أَنَّهَا خَاصَّة بِهَذِهِ الْأُمَّة وَلَمْ تَكُنْ فِي الْأُمَم قَبْلهمْ , جَزَمَ بِهِ اِبْن حَبِيب وَغَيْره مِنْ الْمَالِكِيَّة وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُور وَحَكَاهُ صَاحِب " الْعِدَّة " مِنْ الشَّافِعِيَّة وَرَجَّحَهُ , وَهُوَ مُعْتَرَضٌ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرّ عِنْد النَّسَائِيّ حَيْثُ قَالَ فِيهِ " قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَتَكُونُ مَعَ الْأَنْبِيَاء فَإِذَا مَاتُوا رُفِعَتْ ؟ قَالَ : لَا بَلْ هِيَ بَاقِيَة " وَعُمْدَتُهُمْ قَوْل مَالِك فِي " الْمُوَطَّأ " بَلَغَنِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَاصَرَ أَعْمَار أُمَّته عَنْ أَعْمَار الْأُمَم الْمَاضِيَة فَأَعْطَاهُ اللَّه لَيْلَة الْقَدْر , وَهَذَا يَحْتَمِل التَّأْوِيل فَلَا يَدْفَع التَّصْرِيح فِي حَدِيث أَبِي ذَرٍّ.
الرَّابِع أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ فِي جَمِيع السَّنَة , وَهُوَ قَوْل مَشْهُور عَنْ الْحَنَفِيَّة حَكَاهُ قَاضِي خَانْ وَأَبُو بَكْر الرَّازِيُّ مِنْهُمْ , وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَغَيْرهمْ , وَزَيَّفَ الْمُهَلَّبُ هَذَا الْقَوْل وَقَالَ : لَعَلَّ صَاحِبه بَنَاهُ عَلَى دَوَرَانِ الزَّمَان لِنُقْصَانِ الْأَهِلَّة , وَهُوَ فَاسِد لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي صِيَام رَمَضَان فَلَا يُعْتَبَرُ فِي غَيْره حَتَّى تُنْقَلَ لَيْلَة الْقَدْر عَنْ رَمَضَان ا ه.
وَمَأْخَذ اِبْن مَسْعُود كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاس.
الْخَامِس أَنَّهَا مُخْتَصَّة بِرَمَضَان مُمْكِنَةٌ فِي جَمِيع لَيَالِيه , وَهُوَ قَوْل اِبْن عُمَر رَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ , وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد , وَفِي " شَرْح الْهِدَايَة " الْجَزْم بِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَة وَقَالَ بِهِ اِبْن الْمُنْذِر وَالْمَحَامِلِيُّ وَبَعْض الشَّافِعِيَّة وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيّ فِي " شَرْح الْمِنْهَاج " وَحَكَاهُ اِبْن الْحَاجِب رِوَايَةً , وَقَالَ السُّرُوجِيّ فِي " شَرْح الْهِدَايَة " قَوْل أَبِي حَنِيفَة إِنَّهَا تَنْتَقِل فِي جَمِيع رَمَضَان وَقَالَ صَاحِبَاهُ إِنَّهَا فِي لَيْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُ مُبْهَمَةٍ , وَكَذَا قَالَ النَّسَفِيّ فِي " الْمَنْظُومَة " : وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ بِكُلِّ الشَّهْرِ دَائِرَةٌ وَعَيَّنَاهَا فَادْرِ ا ه وَهَذَا الْقَوْل حَكَاهُ اِبْن الْعَرَبِيّ عَنْ قَوْم وَهُوَ السَّادِس.
السَّابِع أَنَّهَا أَوَّل لَيْلَة مِنْ رَمَضَان حَكَى عَنْ أَبِي رَزِين الْعُقَيْلِيّ الصَّحَابِيّ , وَرَوَى اِبْن أَبِي عَاصِم مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ : لَيْلَة الْقَدْر أَوَّل لَيْلَة مِنْ رَمَضَان , قَالَ اِبْن أَبِي عَاصِم لَا نَعْلَم أَحَدًا قَالَ ذَلِكَ غَيْره.
الثَّامِن أَنَّهَا لَيْلَة النِّصْف مِنْ رَمَضَان حَكَاهُ شَيْخنَا سِرَاج الدِّين اِبْن الْمُلَقِّن فِي " شَرْح الْعُمْدَة " وَاَلَّذِي رَأَيْت فِي " الْمُفْهِم " لِلْقُرْطُبِيِّ حِكَايَة قَوْل أَنَّهَا لَيْلَة النِّصْف مِنْ شَعْبَان , وَكَذَا نَقَلَهُ السُّرُوجِيّ عَنْ صَاحِب " الطِّرَاز " فَإِنْ كَانَا مَحْفُوظَيْنِ فَهُوَ الْقَوْل التَّاسِع , ثُمَّ رَأَيْت فِي " شَرْح السُّرُوجِيّ " عَنْ " الْمُحِيط " أَنَّهَا فِي النِّصْف الْأَخِير.
الْعَاشِر أَنَّهَا لَيْلَة سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَان , رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة وَالطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيث زَيْد بْن أَرْقَم قَالَ : مَا أَشُكّ وَلَا أَمْتُرِيَ أَنَّهَا لَيْلَة سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَان لَيْلَة أَنْزَلَ الْقُرْآن , وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ اِبْن مَسْعُود أَيْضًا.
الْقَوْل الْحَادِي عَشَرَ أَنَّهَا مُبْهَمَة فِي الْعَشْر الْأَوْسَط حَكَاهُ النَّوَوِيّ وَعَزَاهُ الطَّبَرِيّ لِعُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَقَالَ بِهِ بَعْض الشَّافِعِيَّة.
الْقَوْل الثَّانِي عَشَر أَنَّهَا لَيْلَة ثَمَان عَشْرَة قَرَأْتُهُ بِخَطِّ الْقُطْب الْحَلَبِيّ فِي شَرْحهُ وَذَكَرَهُ اِبْن الْجَوْزِيّ فِي مُشْكِله.
الْقَوْل الثَّالِثَ عَشَرَ أَنَّهَا لَيْلَة تِسْعَ عَشْرَةَ رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ عَلِيّ , وَعَزَاهُ الطَّبَرِيّ لِزَيْدِ بْن ثَابِت وَابْن مَسْعُود , وَوَصَلَهُ الطَّحَاوِيّ عَنْ اِبْن مَسْعُود.
الْقَوْل الرَّابِعَ عَشَرَ أَنَّهَا أَوَّل لَيْلَة مِنْ الْعَشْر الْأَخِير وَإِلَيْهِ مَالَ الشَّافِعِيّ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَة مِنْ الشَّافِعِيَّة , وَلَكِنْ قَالَ السُّبْكِيّ إِنَّهُ لَيْسَ مَجْزُومًا بِهِ عِنْدهمْ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَدَم حِنْث مَنْ عَلَّقَ يَوْم الْعِشْرِينَ عِتْقَ عَبْدِهِ فِي لَيْلَة الْقَدْر أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ تِلْكَ اللَّيْلَة بَلْ بِانْقِضَاءِ الشَّهْر عَلَى الصَّحِيح بِنَاء عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْر الْأَخِير وَقِيلَ بِانْقِضَاءِ السَّنَة بِنَاء عَلَى أَنَّهَا لَا تَخْتَصّ بِالْعَشْرِ الْأَخِير بَلْ هِيَ فِي رَمَضَان.
الْقَوْل الْخَامِسَ عَشَرَ مِثْل الَّذِي قَبْله إِلَّا أَنَّهُ إِنْ كَانَ الشَّهْر تَامًّا فَهِيَ لَيْلَة الْعِشْرِين وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَهِيَ لَيْلَة إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهَكَذَا فِي جَمِيع الشَّهْر وَهُوَ قَوْل اِبْن حَزْمٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْن الْإِخْبَار بِذَلِكَ , وَيَدُلّ لَهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَد وَالطَّحَاوِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ قَالَ " سَمِعَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : اِلْتَمِسُوهَا اللَّيْلَة , قَالَ وَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَة لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ , فَقَالَ رَجُل : هَذِهِ أَوْلَى بِثَمَانٍ بَقِينَ , قَالَ بَلْ أَوْلَى بِسَبْعٍ بَقِينَ فَإِنَّ هَذَا الشَّهْر لَا يَتِمُّ.
الْقَوْل السَّادِسَ عَشَرَ أَنَّهَا لَيْلَة اِثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسَيَأْتِي حِكَايَته بَعْدُ , وَرَوَى أَحْمَد مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه اِبْن أُنَيْسٍ أَنَّهُ " سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَة الْقَدْر وَذَلِك صَبِيحَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ فَقَالَ : كَمْ اللَّيْلَة ؟ قُلْت : لَيْلَة اِثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ , فَقَالَ : هِيَ اللَّيْلَة أَوْ الْقَابِلَة ".
الْقَوْل السَّابِعَ عَشَرَ أَنَّهَا لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ مَرْفُوعًا " أُرِيت لَيْلَةَ الْقَدْر ثُمَّ نُسِّيتُهَا " فَذَكَرَ مِثْل حَدِيث أَبِي سَعِيد لَكِنَّهُ قَالَ فِيهِ " لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ بَدَلَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ " وَعَنْهُ قَالَ " قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنْ لِي بَادِيَة أَكُون فِيهَا , فَمُرْنِي بِلَيْلَةِ الْقَدْر , قَالَ : اِنْزِلْ لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ " وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ مُعَاوِيَة قَالَ " لَيْلَة الْقَدْر لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ " وَرَوَاهُ إِسْحَاق فِي مُسْنَده مِنْ طَرِيق أَبِي حَازِم عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ لَهُ صُحْبَة مَرْفُوعًا , وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوب عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر مَرْفُوعًا " مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَة سَابِعَة " وَكَانَ أَيُّوب يَغْتَسِل لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ وَيَمَسّ الطِّيبَ , وَعَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ عُبَيْدِ اللَّه اِبْن أَبِي يَزِيد عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَنَّهُ كَانَ يُوقِظ أَهْله لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ , وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق مِنْ طَرِيق يُونُس اِبْن سَيْف سَمِعَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يَقُول : اِسْتَقَامَ قَوْل الْقَوْم عَلَى أَنَّهَا لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ , وَمِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عَائِشَة , وَعَنْ طَرِيق مَكْحُول أَنَّهُ كَانَ يَرَاهَا لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ.
الْقَوْل الثَّامِنَ عَشَرَ أَنَّهَا لَيْلَة أَرْبَع وَعِشْرِينَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي هَذَا الْبَاب , وَرَوَى الطَّيَالِسِيّ مِنْ طَرِيق أَبِي نَضْرَة عَنْ أَبِي سَعِيد مَرْفُوعًا " لَيْلَة الْقَدْر لَيْلَة أَرْبَع وَعِشْرِينَ " وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَلِلشَّعْبِيِّ وَالْحَسَن وَقَتَادَة , وَحُجَّتُهُمْ حَدِيث وَاثِلَة أَنَّ الْقُرْآن نَزَلَ لِأَرْبَعِ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَان , وَرَوَى أَحْمَد مِنْ طَرِيق اِبْن لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيد اِبْن أَبِي الْخَيْر الصُّنَابِحِيّ عَنْ بِلَال مَرْفُوعًا " اِلْتَمِسُوا لَيْلَة الْقَدْر لَيْلَة أَرْبَع وَعِشْرِينَ " وَقَدْ أَخْطَأَ اِبْن لَهِيعَةَ فِي رَفْعِهِ فَقَدْ رَوَاهُ عَمْرو بْن الْحَارِث عَنْ يَزِيد بِهَذَا الْإِسْنَاد مَوْقُوفًا بِغَيْرِ لَفْظه كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي بِلَفْظِ " لَيْلَة الْقَدْر أَوَّل السَّبْع مِنْ الْعَشْر الْأَوَاخِر ".
الْقَوْل التَّاسِعَ عَشَرَ أَنَّهَا لَيْلَة خَمْس وَعِشْرِينَ حَكَاهُ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي " الْعَارِضَة " وَعَزَاهُ اِبْن الْجَوْزِيّ فِي " الْمُشْكِل " لِأَبِي بَكْرَة.
الْقَوْل الْعِشْرُونَ أَنَّهَا لَيْلَة سِتّ وَعِشْرِينَ وَهُوَ قَوْل لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا إِلَّا أَنَّ عِيَاضًا قَالَ : مَا مِنْ لَيْلَة مِنْ لَيَالِي الْعَشْر الْأَخِير إِلَّا وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا فِيهِ.
الْقَوْل الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ أَنَّهَا لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ وَهُوَ الْجَادَّة مِنْ مَذْهَب أَحْمَد وَرِوَايَة عَنْ أَبِي حَنِيفَة وَبِهِ جَزَمَ أُبَيُّ بْن كَعْب وَحَلَفَ عَلَيْهِ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَرَوَى مُسْلِم أَيْضًا مِنْ طَرِيق أَبِي حَازِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ " تَذَاكَرْنَا لَيْلَة الْقَدْر فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيّكُمْ يَذْكُر حِين طَلَعَ الْقَمَر كَأَنَّهُ شِقّ جَفْنَة ؟ قَالَ أَبُو الْحَسَن الْفَارِسِيّ : أَيْ لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ فَإِنَّ الْقَمَر يَطْلُع فِيهَا بِتِلْك الصِّفَة.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود " سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَة الْقَدْر فَقَالَ : أَيّكُمْ يَذْكُر لَيْلَة الصَّهْبَاوَات ؟ قُلْت : أَنَا , وَذَلِك لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ " وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ عُمَر وَحُذَيْفَة وَنَاس مِنْ الصَّحَابَة , وَفِي الْبَاب عَنْ اِبْن عُمَر عِنْد مُسْلِم " رَأَى رَجُل لَيْلَة الْقَدْر لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ " وَلِأَحْمَد مِنْ حَدِيثه مَرْفُوعًا " لَيْلَة الْقَدْر لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ " وَلِابْنِ الْمُنْذِر " مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ " وَعَنْ جَابِر بْن سَمُرَةَ نَحْوه أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أَوْسَطه , وَعَنْ مُعَاوِيَة نَحْوه أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَحَكَاهُ صَاحِب " الْحِلْيَة " مِنْ الشَّافِعِيَّة عَنْ أَكْثَر الْعُلَمَاء , وَقَدْ تَقَدَّمَ اِسْتِنْبَاط اِبْن عَبَّاس عِنْد عُمَر فِيهِ وَمُوَافَقَته لَهُ , وَزَعَمَ اِبْن قُدَامَةَ أَنَّ اِبْن عَبَّاس اِسْتَنْبَطَ ذَلِكَ مِنْ عَدَد كَلِمَات السُّورَة وَقَدْ وَافَقَ قَوْله فِيهَا هِيَ سَابِع كَلِمَة بَعْد الْعِشْرِينَ , وَهَذَا نَقَلَهُ اِبْن حَزْم عَنْ بَعْض الْمَالِكِيَّة وَبَالَغَ فِي إِنْكَاره نَقَلَهُ اِبْن عَطِيَّة فِي تَفْسِيره وَقَالَ : إِنَّهُ مِنْ مُلَحِ التَّفَاسِير وَلَيْسَ مِنْ مَتِين الْعِلْم.
وَاسْتَنْبَطَ بَعْضهمْ ذَلِكَ فِي جِهَة أُخْرَى فَقَالَ : لَيْلَة الْقَدْر تِسْعَة أَحْرُف وَقَدْ أُعِيدَتْ فِي السُّورَة ثَلَاث مَرَّات فَذَلِك سَبْع وَعِشْرُونَ.
وَقَالَ صَاحِب الْكَافِي مِنْ الْحَنَفِيَّة وَكَذَا الْمُحِيط : مَنْ قَالَ لِزَوْجَته أَنْتِ طَالِق لَيْلَة الْقَدْر طَلُقَتْ لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ لِأَنَّ الْعَامَّة تَعْتَقِد أَنَّهَا لَيْلَة الْقَدْر.
الْقَوْل الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ أَنَّهَا لَيْلَة ثَمَان وَعِشْرِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهه قَبْلُ بِقَوْلٍ.
الْقَوْل الثَّالِث وَالْعِشْرُونَ أَنَّهَا لَيْلَة تِسْع وَعِشْرِينَ حَكَاهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
الْقَوْل الرَّابِع وَالْعِشْرُونَ أَنَّهَا لَيْلَة ثَلَاثِينَ حَكَاهُ عِيَاض وَالسُّرُوجِيّ فِي شَرْح الْهِدَايَة وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْن نَصْر وَالطَّبَرِيّ عَنْ مُعَاوِيَة وَأَحْمَد مِنْ طَرِيق أَبِي سَلِمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة.
الْقَوْل الْخَامِس وَالْعِشْرُونَ أَنَّهَا فِي أَوْتَار الْعَشْر الْأَخِير وَعَلَيْهِ يَدُلّ حَدِيث عَائِشَة وَغَيْرهَا فِي هَذَا الْبَاب , وَهُوَ أَرْجَح الْأَقْوَال وَصَارَ إِلَيْهِ أَبُو ثَوْر وَالْمُزَنِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَجَمَاعَة مِنْ عُلَمَاء الْمَذَاهِب.
الْقَوْل السَّادِس وَالْعِشْرُونَ مِثْله بِزِيَادَةِ اللَّيْلَة الْأَخِيرَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْرَة وَأَحْمَد مِنْ حَدِيث عُبَادَة بْن الصَّامِت.
الْقَوْل السَّادِس وَالْعِشْرُونَ تَنْتَقِل فِي الْعَشْر الْأَخِير كُلّه قَالَهُ أَبُو قِلَابَة وَنَصَّ عَلَيْهِ مَالِك وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَزَعَمَ الْمَاوَرْدِيّ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ; وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَنَّ الصَّحَابَة اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْر الْأَخِير ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِهَا مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ , وَيُؤَيِّد كَوْنَهَا فِي الْعَشْر الْأَخِير حَدِيث أَبِي سَعِيد الصَّحِيح أَنَّ جِبْرِيل قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اِعْتَكَفَ الْعَشْر الْأَوْسَط " إِنَّ الَّذِي طَلَبَ أَمَامَكَ " وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُه قَرِيبًا , وَتَقَدَّمَ ذِكْر اِعْتِكَافه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْر الْأَخِير فِي طَلَب لَيْلَة الْقَدْر وَاعْتِكَاف أَزْوَاجه بَعْده وَالِاجْتِهَاد فِيهِ كَمَا فِي الْبَاب الَّذِي بَعْده , وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ فِيهِ مُحْتَمَلَة عَلَى حَدّ سَوَاء نَقَلَهُ الرَّافِعِيّ عَنْ مَالِك وَضَعَّفَهُ اِبْن الْحَاجِب , وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَعْض لَيَالِيه أَرْجَى مِنْ بَعْض فَقَالَ الشَّافِعِيّ : أَرْجَاهُ لَيْلَة إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهُوَ الْقَوْل الثَّامِن وَالْعِشْرُونَ , وَقِيلَ أَرَاهُ لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ وَهُوَ الْقَوْل التَّاسِع وَالْعِشْرُونَ , وَقِيلَ أَرْجَاهُ لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ وَهُوَ الْقَوْل الثَّلَاثُونَ , الْقَوْل الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا تَنْتَقِل فِي السَّبْع الْأَوَاخِر , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان الْمُرَاد مِنْهُ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر : هَلْ الْمُرَاد لَيَالِي السَّبْع مِنْ آخَر الشَّهْر أَوْ آخَر سَبْعَة تُعَدُّ مِنْ الشَّهْر ؟ وَيَخْرُج مِنْ ذَلِكَ الْقَوْل الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ.
الْقَوْل الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا تَنْتَقِل فِي النِّصْف الْأَخِير ذَكَرَهُ صَاحِب الْمُحِيط عَنْ أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد , وَحَكَاهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَنْ صَاحِب التَّقْرِيب.
الْقَوْل الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا لَيْلَة سِتّ عَشْرَة أَوْ سَبْع عَشْرَة رَوَاهُ الْحَارِث بْن أَبِي أُسَامَة مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر.
الْقَوْل الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا لَيْلَة سَبْع عَشْرَة أَوْ تِسْع عَشْرَة أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور مِنْ حَدِيث أَنَس بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
الْقَوْل السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا فِي أَوَّل لَيْلَة مِنْ رَمَضَان أَوْ آخَر لَيْلَة رَوَاهُ اِبْن أَبِي عَاصِم مِنْ حَدِيث أَنَس بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
الْقَوْل السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا أَوَّل لَيْلَة أَوْ تَاسِع لَيْلَة أَوْ سَابِع عَشْرَة أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ آخِر لَيْلَة رَوَاهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيره عَنْ أَنَس بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
الْقَوْل الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ أَنَّهَا لَيْلَة تِسْع عَشْرَة أَوْ إِحْدَى عَشْرَة أَوْ ثَلَاث وَعِشْرِينَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَال , وَعَبْد الرَّزَّاق مِنْ حَدِيث عَلِيّ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِع , وَسَعِيد بْن مَنْصُور مِنْ حَدِيث عَائِشَة بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ أَيْضًا.
الْقَوْل التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْع وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي الْبَاب حَيْثُ قَالَ " سَبْع يَبْقَيْنَ أَوْ سَبْع يَمْضِينَ " وَلِأَحْمَد مِنْ حَدِيث النُّعْمَان اِبْن بَشِير " سَابِعه تَمْضِي أَوْ سَابِعَة تَبْقَى " قَالَ النُّعْمَان : فَنَحْنُ نَقُول لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ.
الْقَوْل الْأَرْبَعُونَ لَيْلَة إِحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاث وَعِشْرِينَ أَوْ خَمْس وَعِشْرِينَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي بَعْده مِنْ حَدِيث عُبَادَة بْن الصَّامِت , وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثه بِلَفْظِ " تَاسِعَة تَبْقَى سَابِعَة تَبْقَى خَامِسَة تَبْقَى " قَالَ مَالِك فِي " الْمُدَوَّنَة " قَوْله تَاسِعَة تَبْقَى لَيْلَة إِحْدَى وَعِشْرِينَ إِلَخْ.
الْقَوْل الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ أَنَّهَا مُنْحَصِرَة فِي السَّبْع الْأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر فِي الْبَاب الَّذِي قَبْله.
الْقَوْل الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ أَنَّهَا لَيْلَة اِثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاث وَعِشْرِينَ لِحَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ عِنْد أَحْمَد.
الْقَوْل الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ أَنَّهَا فِي أَشِفَاع الْعَشْر الْوَسَط وَالْعَشْر الْأَخِير قَرَأْتُهُ بِخَطِّ مُغَلْطَاي.
الْقَوْل الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ أَنَّهَا لَيْلَة الثَّالِثَة مِنْ الْعَشْر الْأَخِير أَوْ الْخَامِسَة مِنْهُ رَوَاهُ أَحْمَد مِنْ حَدِيث مُعَاذ بْن جَبَل , وَالْفَرْق بَيْنه وَبَيْن مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الثَّالِثَة تَحْتَمِل لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ وَتَحْتَمِل لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ فَتَنْحَلُّ إِلَى أَنَّهَا لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ أَوْ خَمْس وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْع وَعِشْرِينَ وَبِهَذَا يَتَغَايَر هَذَا الْقَوْل مِمَّا مَضَى.
الْقَوْل الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ أَنَّهَا فِي سَبْع أَوْ ثَمَان مِنْ أَوَّل النِّصْف الثَّانِي رَوَى الطَّحَاوِيّ مِنْ طَرِيق عَطِيَّة بْن عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ " سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَة الْقَدْر فَقَالَ : تَحَرَّهَا فِي النِّصْف الْأَخِير , ثُمَّ عَادَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ : إِلَى ثَلَاث وَعِشْرِينَ , قَالَ : وَكَانَ عَبْد اللَّه يُحْيِي لَيْلَة سِتّ عَشْرَة إِلَى لَيْلَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ ثُمَّ يُقَصِّر ".
الْقَوْل السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ أَنَّهَا فِي أَوَّل لَيْلَة أَوْ أَخَّرَ لَيْلَة أَوْ الْوِتْر مِنْ اللَّيْل أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَاب " الْمَرَاسِيل " عَنْ مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم عَنْ أَبِي خَلَدَة عَنْ أَبِي الْعَالِيَة " أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ لَهُ : مَتَى لَيْلَة الْقَدْر ؟ فَقَالَ اُطْلُبُوهَا فِي أَوَّل لَيْلَة وَآخِر لَيْلَة وَالْوِتْر مِنْ اللَّيْل " وَهَذَا مُرْسَل رِجَاله ثِقَات.
وَجَمِيع هَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا بَعْد الثَّالِث فَهَلُمَّ جَرًّا مُتَّفِقَة عَلَى إِمْكَان حُصُولهَا وَالْحَثّ عَلَى اِلْتِمَاسهَا.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : الصَّحِيح أَنَّهَا لَا تُعْلَمُ , وَهَذَا يَصْلُح أَنْ يَكُون قَوْلًا آخَر , وَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ النَّوَوِيُّ وَقَالَ : قَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث بِإِمْكَانِ الْعِلْم بِهَا وَأَخْبَرَ بِهِ جَمَاعَة مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ ذَلِكَ.
وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُف قَوْلًا جَوَّزَ فِيهِ أَنَّهُ يَرَى أَنَّهَا لَيْلَة أَرْبَع وَعِشْرِينَ أَوْ سَبْع وَعِشْرِينَ , فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ فَهُوَ قَوْل آخَر.
هَذَا آخَر مَا وَقَفَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَقْوَال وَبَعْضهَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إِلَى بَعْض , وَإِنْ كَانَ ظَاهِرهَا التَّغَايُر , وَأَرْجَحهَا كُلّهَا أَنَّهَا فِي وِتْرٍ مِنْ الْعَشْر الْأَخِير وَأَنَّهَا تَنْتَقِل كَمَا يَفْهَم مِنْ أَحَادِيث هَذَا الْبَاب , وَأَرْجَاهَا أَوْتَار الْعَشْر , وَأَرْجَى أَوْتَار الْعَشْر عِنْد الشَّافِعِيَّة لَيْلَة إِحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاث وَعِشْرِينَ عَلَى مَا فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد وَعَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ , وَأَرْجَاهَا عِنْد الْجُمْهُور لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَدِلَّة ذَلِكَ.
قَالَ الْعُلَمَاء : الْحِكْمَة فِي إِخْفَاء لَيْلَة الْقَدْر لِيَحْصُل الِاجْتِهَاد فِي اِلْتِمَاسهَا , بِخِلَافِ مَا لَوْ عُيِّنَتْ لَهَا لَيْلَةٌ لَاقْتُصِرَ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ نَحْوه فِي سَاعَة الْجُمُعَة , وَهَذِهِ الْحِكْمَة مُطَّرِدَة عِنْد مِنْ يَقُول إِنَّهَا فِي جَمِيع مِنْ السَّنَة وَفِي جَمِيع رَمَضَان أَوْ فِي جَمِيع الْعَشْر الْأَخِير أَوْ فِي أَوْتَاره خَاصَّة , إِلَّا أَنَّ الْأَوَّل ثُمَّ الثَّانِي أَلْيَقُ بِهِ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ لَهَا عَلَامَة تَظْهَر لِمَنْ وُفِّقَتْ لَهُ أَمْ لَا ؟ فَقِيلَ : يَرَى كُلّ شَيْء سَاجِدًا , وَقِيلَ الْأَنْوَار فِي كُلّ مَكَان سَاطِعَة حَتَّى فِي الْمَوَاضِع الْمُظْلِمَة , وَقِيلَ يَسْمَع سَلَامًا أَوْ خِطَابًا مِنْ الْمَلَائِكَة , وَقِيلَ عَلَامَتهَا اِسْتِجَابَة دُعَاء مَنْ وُفِّقَتْ لَهُ , وَاخْتَارَ الطَّبَرِيّ أَنَّ جَمِيع ذَلِكَ غَيْر لَازِم وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِحُصُولِهَا رُؤْيَةُ شَيْءٍ وَلَا سَمَاعُهُ.
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يَحْصُل الثَّوَاب الْمُرَتَّب عَلَيْهَا لِمَنْ اِتَّفَقَ لَهُ أَنَّهُ قَامَهَا وَإِنْ لَمْ يَظْهَر لَهُ شَيْء , أَوْ يَتَوَقَّف ذَلِكَ عَلَى كَشْفِهَا لَهُ ؟ وَإِلَى الْأَوَّل ذَهَبَ الطَّبَرِيّ وَالْمُهَلَّبُ وَابْن الْعَرَبِيّ وَجَمَاعَة , وَإِلَى الثَّانِي ذَهَبَ الْأَكْثَر , وَيَدُلّ لَهُ مَا وَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " مَنْ يَقُمْ لَيْلَة الْقَدْر فَيُوَافِقهَا " وَفِي حَدِيث عُبَادَة عِنْد أَحْمَد " مَنْ قَامَهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ثُمَّ وُفِّقَتْ لَهُ " قَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَى يُوَافِقهَا أَيْ يَعْلَم أَنَّهَا لَيْلَة الْقَدْر فَيُوَافِقهَا , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد يُوَافِقهَا فِي نَفْس الْأَمْر وَإِنْ لَمْ يَعْلَم هُوَ ذَلِكَ.
وَفِي حَدِيث زَرّ بْن حُبَيْش عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ " مَنْ يَقُمْ الْحَوْل يُصِبْ لَيْلَة الْقَدْر " وَهُوَ مُحْتَمَل لِلْقَوْلَيْنِ أَيْضًا.
وَقَالَ النَّوَوِيّ أَيْضًا فِي حَدِيث " مَنْ قَامَ رَمَضَان " وَفِي حَدِيث " مَنْ قَامَ لَيْلَة الْقَدْر " : مَعْنَاهُ مَنْ قَامَهُ وَلَوْ لَمْ يُوَافِق لَيْلَة الْقَدْر حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ , وَمَنْ قَامَ لَيْلَة الْقَدْر فَوَافَقَهَا حَصَلَ لَهُ , وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا اِخْتَارَهُ مِنْ تَفْسِير الْمُوَافَقَة بِالْعِلْمِ بِهَا , وَهُوَ الَّذِي يَتَرَجَّح فِي نَظَرِي , وَلَا أُنْكِرُ حُصُول الثَّوَاب الْجَزِيل لِمَنْ قَامَ لِابْتِغَاءِ لَيْلَة الْقَدْر وَإِنْ لَمْ يَعْلَم بِهَا وَلَوْ لَمْ تُوَفَّق لَهُ , وَإِنَّمَا الْكَلَام عَلَى حُصُول الثَّوَاب الْمُعَيَّنِ الْمَوْعُود بِهِ , وَفَرَّعُوا عَلَى الْقَوْل بِاشْتِرَاطِ الْعِلْم بِهَا أَنَّهُ يَخْتَصّ بِهَا شَخْص دُون شَخْص فَيُكْشَفُ لِوَاحِدِ وَلَا يُكْشَفُ لِآخَرَ وَلَوْ كَانَا مَعًا فِي بَيْت وَاحِد وَقَالَ الطَّبَرِيّ : فِي إِخْفَاء لَيْلَة الْقَدْر دَلِيل عَلَى كَذِبِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَظْهَر فِي تِلْكَ اللَّيْلَة لِلْعُيُونِ مَا لَا يَظْهَر فِي سَائِر السَّنَة , إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا لَمْ يَخَفْ عَلَى كُلّ مَنْ قَامَ لَيَالِي السَّنَة فَضْلًا عَنْ لَيَالِي رَمَضَان.
وَتَعَقَّبَهُ اِبْن الْمُنَيِّرِ فِي الْحَاشِيَة بِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إِطْلَاق الْقَوْل بِالتَّكْذِيبِ لِذَلِك بَلْ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الْكَرَامَة لِمَنْ شَاءَ اللَّه مِنْ عِبَاده فَيَخْتَصّ بِهَا قَوْم دُون قَوْم , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْصُرْ الْعَلَّامَة وَلَمْ يَنْفِ الْكَرَامَة , وَقَدْ كَانَتْ الْعَلَامَة فِي السَّنَة الَّتِي حَكَاهَا أَبُو سَعِيد نُزُول الْمَطَر , وَنَحْنُ نَرَى كَثِيرًا مِنْ السِّنِينَ يَنْقَضِي رَمَضَان دُون مَطَر مَعَ اِعْتِقَادنَا أَنَّهُ لَا يَخْلُو رَمَضَان مِنْ لَيْلَة الْقَدْر , قَالَ : وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا نَعْتَقِد أَنَّ لَيْلَة الْقَدْر لَا يَنَالهَا إِلَّا مَنْ رَأَى الْخَوَارِق , بَلْ فَضْل اللَّه وَاسِع وَرُبَّ قَائِمٍ تِلْكَ اللَّيْلَة لَمْ يَحْصُل مِنْهَا إِلَّا عَلَى الْعِبَادَة مِنْ غَيْر رُؤْيَة خَارِق , وَآخَرَ رَأَى الْخَارِق مِنْ غَيْر عِبَادَة , وَاَلَّذِي حَصَلَ عَلَى الْعِبَادَة أَفْضَل , وَالْعِبْرَة إِنَّمَا هِيَ بِالِاسْتِقَامَةِ فَإِنَّهَا تَسْحِيل أَنْ تَكُون إِلَّا كَرَامَة , بِخِلَافِ الْخَارِق فَقَدْ يَقَع كَرَامَة وَقَدْ يَقَع فِتْنَة وَاَللَّه أَعْلَم , وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث رَدَّ لِقَوْلِ أَبِي الْحَسَن الْحَوْلِيّ الْمَغْرِبِيّ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ لَيْلَة الْقَدْر فَلَمْ تَفُتْهُ طُول عُمُرِهِ وَأَنَّهَا تَكُون دَائِمًا لَيْلَة الْأَحَد , فَإِنْ كَانَ أَوَّل الشَّهْر لَيْلَة الْأَحَد كَانَتْ لَيْلَة تِسْع وَعِشْرِينَ وَهَلُمَّ جَرًّا , وَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُون فِي لَيْلَتَيْنِ مِنْ الْعَشْر الْوَسَط لِضَرُورَةِ أَنَّ أَوْتَار الْعَشْر خَمْسَة.
وَعَارَضَهُ بَعْض مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ فَقَالَ إِنَّهَا تَكُون دَائِمًا لَيْلَة الْجُمُعَة وَذَكَرَ نَحْو قَوْل أَبِي الْحَسَن , وَكِلَاهُمَا لَا أَصْلَ لَهُ , بَلْ هُوَ مُخَالِف لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَة فِي عَهْد عُمَر كَمَا تَقَدَّمَ , وَهَذَا كَافٍ فِي الرَّدّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
( تَنْبِيهٌ ) : وَقَعَتْ هُنَا فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ زِيَادَة سَأَذْكُرُهَا فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا بَعْدَ بَابٍ آخَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ وَعِكْرِمَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ هِيَ فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَعَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْتَمِسُوا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ
عن عبادة بن الصامت، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: «خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان،...
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله»
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان»
عن عائشة رضي الله عنها، - زوج النبي صلى الله عليه وسلم -: «أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزو...
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاما، حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي ال...
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد، فأرجله وأنا حائض»
عن عائشة رضي الله عنها - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - قالت: وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليدخل علي رأسه وهو في المسجد، فأرجله، وكان لا يدخل...
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم «يباشرني وأنا حائض، 2031 - وكان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض»
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: «فأوف بنذرك»