حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الوصايا باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وصية الرجل مكتوبة عنده» (حديث رقم: 2738 )


2738- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» تابعه محمد بن مسلم، عن عمرو، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم

أخرجه البخاري


أخرجه مسلم في أول كتاب الوصية رقم 1627.
(ما حق) لا ينبغي له وليس من حقه.
(شيء يوصي فيه) مال يمكن أن يوصي بجزء منه

شرح حديث ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

حَدِيثُ ابْن عُمَر مِنْ وَجْهَين : ‏ ‏قَوْله : ( مَا حَقّ اِمْرِئٍ مُسْلِم ) ‏ ‏كَذَا فِي أَكْثَر الرِّوَايَات , وَسَقَطَ لَفْظ " مُسْلِم " مِنْ رِوَايَة أَحْمَد عَنْ إِسْحَاق بْن عِيسَى عَنْ مَالِك , وَالْوَصْف بِالْمُسْلِمِ خَرَجَ مَخْرَج الْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهُ , أَوْ ذُكِرَ لِلتَّهْيِيجِ لِتَقَع الْمُبَادَرَة لِامْتِثَالِهِ لِمَا يَشْعُر بِهِ مِنْ نَفْي الْإِسْلَام عَنْ تَارِك ذَلِكَ , وَوَصِيَّة الْكَافِر جَائِزَة فِي الْجُمْلَة , وَحَكَى اِبْن الْمُنْذِر فِيهِ الْإِجْمَاع , وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ السُّبْكِيّ مِنْ جِهَة أَنَّ الْوَصِيَّة شُرِعَتْ زِيَادَة فِي الْعَمَل الصَّالِح وَالْكَافِر لَا عَمَل لَهُ بَعْد الْمَوْت , وَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّة كَالْإِعْتَاقِ وَهُوَ يَصِحّ مِنْ الذِّمِّيّ وَالْحَرْبِيّ وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( شَيْء يُوصِي فِيهِ ) ‏ ‏قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : لَمْ يَخْتَلِف الرُّوَاة عَنْ مَالِك فِي هَذَا اللَّفْظ , وَرَوَاهُ أَيُّوب عَنْ نَافِع بِلَفْظِ " لَهُ شَيْء يُرِيد أَنْ يُوصِي فِيهِ " وَرَوَاهُ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع مِثْل أَيُّوب أَخْرَجَهُمَا مُسْلِم , وَرَوَاهُ أَحْمَد عَنْ سُفْيَان عَنْ أَيُّوب بِلَفْظِ " حَقّ عَلَى كُلّ مُسْلِم أَنْ لَا يَبِيت لَيْلَتَيْنِ وَلَهُ مَا يُوصِي فِيهِ " الْحَدِيث.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيّ عَنْ سُفْيَان بِلَفْظِ " مَا حَقّ اِمْرِئِ يُؤْمِن بِالْوَصِيَّةِ " الْحَدِيث , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : فَسَّرَهُ اِبْن عُيَيْنَةَ أَيْ يُؤْمِن بِأَنَّهَا حَقّ ا ه.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة مِنْ طَرِيق هِشَام بْن الْغَاز عَنْ نَافِع بِلَفْظِ " لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيت لَيْلَتَيْنِ " الْحَدِيث.
وَذَكَرَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى عَنْ نَافِع مِثْله , وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق الْحَسَن عَنْ اِبْن عُمَر مِثْله , وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق رَوْح بْن عُبَادَةَ عَنْ مَالِك وَابْن عَوْن جَمِيعًا عَنْ نَافِع بِلَفْظِ " مَا حَقّ اِمْرِئٍ مُسْلِم لَهُ مَال يُرِيد أَنْ يُوصِي فِيهِ " وَذَكَرَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ مِنْ طَرِيق اِبْن عَوْن بِلَفْظِ " لَا يَحِلّ لِامْرِئٍ مُسْلِم لَهُ مَال " وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا , وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْه وَلَمْ يَسُقْ لَفْظه قَالَ أَبُو عُمَر : لَمْ يُتَابِع اِبْن عَوْن عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَة.
قُلْت : إِنْ عَنَى عَنْ نَافِع بِلَفْظِهَا فَمُسْلِم , وَلَكِنَّ الْمَعْنَى يُمْكِن أَنْ يَكُون مُتَّحِدًا كَمَا سَيَأْتِي.
وَإِنْ عَنَى عَنْ اِبْن عُمَر فَمَرْدُود لِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا ذَكَرَ مَنْ رَوَاهُ عَنْ اِبْن عُمَر أَيْضًا بِهَذَا اللَّفْظ , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : قَوْله : " لَهُ مَال " أَوْلَى عِنْدِي مِنْ قَوْل مَنْ رَوَى " لَهُ شَيْء " لِأَنَّ الشَّيْء يُطْلَق عَلَى الْقَلِيل وَالْكَثِير بِخِلَافِ الْمَال , كَذَا قَالَ , وَهِيَ دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا , وَعَلَى تَسْلِيمهَا فَرِوَايَة " شَيْء " أَشْمَل لِأَنَّهَا تَعُمّ مَا يُتَمَوَّل وَمَا لَا يُتَمَوَّل كَالْمُخْتَصَّاتِ وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( يَبِيت ) ‏ ‏كَأَنَّ فِيهِ حَذْفًا تَقْدِيره أَنْ يَبِيت , وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَمِنْ آيَاته يُرِيكُمْ الْبَرْق ) الْآيَة.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون " يَبِيت " صِفَة لِمُسْلِمٍ وَبِهِ جَزَمَ الطِّيبِيُّ قَالَ : هِيَ صِفَة ثَانِيَة , وَقَوْله : " يُوصِي فِيهِ " صِفَة شَيْء , وَمَفْعُول " يَبِيت " مَحْذُوف تَقْدِيره آمِنًا أَوْ ذَاكِرًا , وَقَالَ اِبْن التِّين : تَقْدِيره مَوْعُوكًا , وَالْأَوَّل أَوْلَى لِأَنَّ اِسْتِحْبَاب الْوَصِيَّة لَا يَخْتَصّ بِالْمَرِيضِ.
نَعَمْ قَالَ الْعُلَمَاء.
لَا يُنْدَب أَنْ يَكْتُب جَمِيع الْأَشْيَاء الْمُحَقَّرَة وَلَا مَا جَرَتْ الْعَادَة بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْوَفَاء لَهُ عَنْ قُرْب.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( لَيْلَتَيْنِ ) ‏ ‏كَذَا لِأَكْثَر الرُّوَاة , وَلِأَبِي عَوَانَة وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيق حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب " يَبِيت لَيْلَة أَوْ لَيْلَتَيْنِ " , وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ " يَبِيت ثَلَاث لَيَالٍ " , وَكَأَنَّ ذِكْر اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاث لِرَفْعِ الْحَرَج لِتَزَاحُمِ أَشْغَال الْمَرْء الَّتِي يَحْتَاج إِلَى ذِكْرهَا فَفُسِحَ لَهُ هَذَا الْقَدْر لِيَتَذَكَّر مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ , وَاخْتِلَاف الرِّوَايَات فِيهِ دَالّ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّقْرِيبِ لَا لِلتَّحْدِيدِ , وَالْمَعْنَى لَا يَمْضِي عَلَيْهِ زَمَان وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا إِلَّا وَوَصِيَّته مَكْتُوبَة , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى اِغْتِفَار الزَّمَن الْيَسِير , وَكَأَنَّ الثَّلَاث غَايَة لِلتَّأْخِيرِ , وَلِذَلِكَ قَالَ اِبْن عُمَر فِي رِوَايَة سَالِم الْمَذْكُورَة " لَمْ أَبَتْ لَيْلَة مُنْذُ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ذَلِكَ إِلَّا وَوَصِيَّتِي عِنْدِي " قَالَ الطِّيبِيُّ : فِي تَخْصِيص اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاث بِالذِّكْرِ تَسَامُح فِي إِرَادَة الْمُبَالَغَة , أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيت زَمَانًا مَا , وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاث فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَجَاوَز ذَلِكَ.
‏ ‏قَوْله : ( تَابَعَهُ مُحَمَّد بْن مُسْلِم ) ‏ ‏هُوَ الطَّائِفِيّ ‏ ‏( عَنْ عَمْرو ) ‏ ‏هُوَ اِبْن دِينَار ‏ ‏( عَنْ اِبْن عُمَر ) ‏ ‏يَعْنِي فِي أَصْل الْحَدِيث , وَرِوَايَة مُحَمَّد بْن مُسْلِم هَذِهِ أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَاد مِنْ طَرِيقه وَقَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ عِمْرَانُ بْن أَبَان - يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ - عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم , وَعِمْرَان أَخْرَجَ لَهُ النَّسَائِيُّ وَضَعَّفَهُ , قَالَ اِبْن عَدِيّ : لَهُ غَرَائِب عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم وَلَا أَعْلَم بِهِ بَأْسًا , وَلَفْظه عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ " لَا يَحِلّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْده " وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيث مَعَ ظَاهِر الْآيَة عَلَى وُجُوب الْوَصِيَّة , وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو مِجْلَز وَعَطَاء وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف فِي آخَرِينَ , وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم , وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق وَدَاوُد , وَاخْتَارَهُ أَبُو عَوَانَة الْإِسْفَرَايِينِيّ وَابْن جَرِير وَآخَرُونَ.
وَنَسَبَ اِبْن عَبْد الْبَرّ الْقَوْل بِعَدَمِ الْوُجُوب إِلَى الْإِجْمَاع سِوَى مَنْ شَذَّ , كَذَا قَالَ , وَاسْتَدَلَّ لِعَدَمِ الْوُجُوب مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصِ لَقُسِّمَ جَمِيع مَاله بَيْن وَرَثَته بِالْإِجْمَاعِ , فَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّة وَاجِبَة لَأُخْرِجَ مِنْ مَاله سَهْم يَنُوب عَنْ الْوَصِيَّة , وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَة بِأَنَّهَا مَنْسُوخَة كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس عَلَى مَا سَيَأْتِي بَعْد أَرْبَعَة أَبْوَاب " كَانَ الْمَال لِلْوَلَدِ وَكَانَتْ الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ , فَنَسَخَ اللَّه مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الْأَبَوَيْنِ السُّدُس " الْحَدِيث.
وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ الَّذِي نُسِخَ الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِب الَّذِينَ يَرِثُونَ وَأَمَّا الَّذِي لَا يَرِث فَلَيْسَ فِي الْآيَة وَلَا فِي تَفْسِير اِبْن عَبَّاس مَا يَقْتَضِي النَّسْخ فِي حَقّه , وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوب عَنْ الْحَدِيث بِأَنَّ قَوْله : " مَا حَقّ اِمْرِئٍ " بِأَنَّ الْمُرَاد الْحَزْم وَالِاحْتِيَاط , لِأَنَّهُ قَدْ يَفْجَؤُهُ الْمَوْت وَهُوَ عَلَى غَيْر وَصِيَّة , وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَغْفُل عَنْ ذِكْر الْمَوْت وَالِاسْتِعْدَاد لَهُ , وَهَذَا عَنْ الشَّافِعِيّ , وَقَالَ غَيْره : الْحَقّ لُغَة الشَّيْء الثَّابِت , وَيُطْلَق شَرْعًا عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ الْحُكْم , وَالْحُكْم الثَّابِت أَعَمّ مِنْ أَنْ يَكُون وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا , وَقَدْ يُطْلَق عَلَى الْمُبَاح أَيْضًا لَكِنْ بِقِلَّةٍ قَالَهُ الْقُرْطُبِيّ , قَالَ : فَإِنْ اِقْتَرَنَ بِهِ " عَلَى " أَوْ نَحْوهَا كَانَ ظَاهِرًا فِي الْوُجُوب , وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَال , وَعَلَى هَذَا التَّقْدِير فَلَا حُجَّة فِي هَذَا الْحَدِيث لِمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ , بَلْ اِقْتَرَنَ هَذَا الْحَقّ بِمَا يَدُلّ عَلَى النَّدْب وَهُوَ تَفْوِيض الْوَصِيَّة إِلَى إِرَادَة الْمُوصِي حَيْثُ قَالَ : " لَهُ شَيْء يُرِيد أَنْ يُوصِي فِيهِ " فَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَة لَمَا عَلَّقَهَا بِإِرَادَتِهِ , وَأَمَّا الْجَوَاب عَنْ الرِّوَايَة الَّتِي بِلَفْظِ " لَا يَحِلّ " فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون رَاوِيهَا ذَكَرَهَا وَأَرَادَ بِنَفْيِ الْحِلّ ثُبُوت الْجَوَاز بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ الَّذِي يَدْخُل تَحْته الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَالْمُبَاح , وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْوَصِيَّة فَأَكْثَرهمْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبهَا فِي الْجُمْلَة , وَعَنْ طَاوُسٍ وَقَتَادَة وَالْحَسَن وَجَابِر بْن زَيْد فِي آخَرِينَ " تَجِب لِلْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ خَاصَّة " أَخْرَجَهُ اِبْن جَرِير وَغَيْره عَنْهُمْ , قَالُوا : فَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَته لَمْ تَنْفُذ وَيُرَدّ الثُّلُث كُلّه إِلَى قَرَابَته وَهَذَا قَوْل طَاوُسٍ , وَقَالَ الْحَسَن وَجَابِر بْن زَيْد : ثُلُثَا الثُّلُث , وَقَالَ قَتَادَة : ثُلُث الثُّلُث , وَأَقْوَى مَا يَرُدّ عَلَى هَؤُلَاءِ مَا اِحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيّ مِنْ حَدِيث عِمْرَانَ بْن حَصِين فِي قِصَّة الَّذِي أَعْتَقَ عِنْد مَوْته سِتَّة أَعْبُد لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَال غَيْرهمْ , فَدَعَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ سِتَّة أَجْزَاء فَأَعْتَقَ اِثْنَيْنِ وَأَرَقّ أَرْبَعَة , قَالَ فَجَعَلَ عِتْقه فِي الْمَرَض وَصِيَّة , وَلَا يُقَال لَعَلَّهُمْ كَانُوا أَقَارِب الْمُعْتِق لِأَنَّا نَقُول لَمْ تَكُنْ عَادَة الْعَرَب أَنْ تَمْلِك مَنْ بَيْنهَا وَبَيْنه قَرَابَة , وَإِنَّمَا تَمْلِك مَنْ لَا قَرَابَة لَهُ أَوْ كَانَ مِنْ الْعَجَم , فَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّة تَبْطُل لِغَيْرِ الْقَرَابَة لَبَطَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ , وَهُوَ اِسْتِدْلَال قَوِيّ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ أَبِي ثَوْر أَنَّ الْمُرَاد بِوُجُوبِ الْوَصِيَّة فِي الْآيَة وَالْحَدِيث يَخْتَصّ بِمَنْ عَلَيْهِ حَقّ شَرْعِيّ يَخْشَى أَنْ يَضِيع عَلَى صَاحِبه إِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ كَوَدِيعَةٍ وَدَيْن لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ , قَالَ : وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ تَقْيِيده بِقَوْلِهِ : " لَهُ شَيْء يُرِيد أَنْ يُوصِي فِيهِ " لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَة إِلَى قُدْرَته عَلَى تَنْجِيزه وَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا.
فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ سَاغَ لَهُ , وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُوصِي بِهِ سَاغَ لَهُ , وَحَاصِله يَرْجِع إِلَى قَوْل الْجُمْهُور إِنَّ الْوَصِيَّة غَيْر وَاجِبَة لِعَيْنِهَا , وَإِنَّ الْوَاجِب لِعَيْنِهِ الْخُرُوج مِنْ الْحُقُوق الْوَاجِبَة لِلْغَيْرِ سَوَاء كَانَتْ بِتَنْجِيزٍ أَوْ وَصِيَّة , وَمَحَلّ وُجُوب الْوَصِيَّة إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَنْجِيز مَا عَلَيْهِ وَكَانَ لَمْ يَعْلَم بِذَلِكَ غَيْره مِمَّنْ يَثْبُت الْحَقّ بِشَهَادَتِهِ , فَأَمَّا إِذَا كَانَ قَادِرًا أَوْ عَلِمَ بِهَا غَيْره فَلَا وُجُوب , وَعُرِفَ مِنْ مَجْمُوع مَا ذَكَرنَا أَنَّ الْوَصِيَّة قَدْ تَكُون وَاجِبَة وَقَدْ تَكُون مَنْدُوبَة فِيمَنْ رَجَا مِنْهَا كَثْرَة الْأَجْر , وَمَكْرُوهَة فِي عَكْسه , وَمُبَاحَة فِيمَنْ اِسْتَوَى الْأَمْرَانِ فِيهِ , وَمُحَرَّمَة فِيمَا إِذَا كَانَ فِيهَا إِضْرَار كَمَا ثَبَتَ عَنْ اِبْن عَبَّاس " الْإِضْرَار فِي الْوَصِيَّة مِنْ الْكَبَائِر " رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور مَوْقُوفًا بِإِسْنَادٍ صَحِيح , وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَرِجَاله ثِقَات , وَاحْتَجَّ اِبْن بَطَّال تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِأَنَّ اِبْن عُمَر لَمْ يُوصِ.
فَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّة وَاجِبَة لَمَا تَرَكَهَا وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيث , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ ثَبَتَ عَنْ اِبْن عُمَر فَالْعِبْرَة بِمَا رَوَى لَا بِمَا رَأَى , عَلَى أَنَّ الثَّابِت عَنْهُ فِي صَحِيح مُسْلِم كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " لَمْ أَبَتْ لَيْلَة إِلَّا وَوَصِيَّتِي مَكْتُوبَة عِنْدِي " وَاَلَّذِي اِحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُوصِ اِعْتَمَدَ عَلَى مَا رَوَاهُ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب عَنْ نَافِع قَالَ : " قِيلَ لِابْنِ عُمَر فِي مَرَض مَوْته.
أَلَا تُوصِي ؟ قَالَ : أَمَّا مَالِي فَاَللَّه يَعْلَم مَا كُنْت أَصْنَع فِيهِ , وَأَمَّا رُبَاعِيّ فَلَا أُحِبّ أَنْ يُشَارِك وَلَدِي فِيهَا أَحَد " أَخْرَجَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره وَسَنَده صَحِيح , وَيُجْمَع بَيْنه وَبَيْن مَا رَوَاهُ مُسْلِم بِالْحَمْلِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَكْتُب وَصِيَّته وَيَتَعَاهَدهَا ; ثُمَّ صَارَ يُنَجِّز مَا كَانَ يُوصِي بِهِ مُعَلَّقًا , وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ : " فَاَللَّه يَعْلَم مَا كُنْت أَصْنَع فِي مَالِي ".
وَلَعَلَّ الْحَامِل لَهُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثه الَّذِي سَيَأْتِي فِي الرِّقَاق " إِذَا أَمْسَيْت فَلَا تَنْتَظِر الصَّبَاح " الْحَدِيث , فَصَارَ يُنَجِّز مَا يُرِيد التَّصَدُّق بِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَعْلِيق , وَسَيَأْتِي فِي آخِر الْوَصَايَا أَنَّهُ وَقَفَ بَعْض دُوره , فَبِهَذَا يَحْصُل التَّوْفِيق وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ : " مَكْتُوبَة عِنْده " عَلَى جَوَاز الِاعْتِمَاد عَلَى الْكِتَابَة وَالْخَطّ وَلَوْ لَمْ يَقْتَرِن ذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ , وَخَصَّ أَحْمَد وَمُحَمَّد بْن نَصْر مِنْ الشَّافِعِيَّة ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ لِثُبُوتِ الْخَبَر فِيهَا دُون غَيْرهَا مِنْ الْأَحْكَام , وَأَجَابَ الْجُمْهُور بِأَنَّ الْكِتَابَة ذُكِرَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَبْط الْمَشْهُود بِهِ , قَالُوا : وَمَعْنَى " وَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْده " أَيْ بِشَرْطِهَا.
وَقَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ : إِضْمَار الْإِشْهَاد فِيهِ بُعْد , وَأُجِيب بِأَنَّهُمْ اِسْتَدَلُّوا عَلَى اِشْتِرَاط الْإِشْهَاد بِأَمْرٍ خَارِج كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة ) فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى اِعْتِبَار الْإِشْهَاد فِي الْوَصِيَّة , وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : ذِكْر الْكِتَابَة مُبَالَغَة فِي زِيَادَة التَّوَثُّق , وَإِلَّا فَالْوَصِيَّة الْمَشْهُود بِهَا مُتَّفَق عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَكْتُوبَة وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ : " وَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْده " عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّة تَنْفُذ إِنْ كَانَتْ عِنْد صَاحِبهَا وَلَمْ يَجْعَلهَا عِنْد غَيْره , وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَهَا عِنْد غَيْره وَارْتَجَعَهَا , وَفِي الْحَدِيث مَنْقَبَة لِابْنِ عُمَر لِمُبَادَرَتِهِ لِامْتِثَالِ قَوْل الشَّارِع وَمُوَاظَبَته عَلَيْهِ , وَفِيهِ النَّدْب إِلَى التَّأَهُّب لِلْمَوْتِ وَالِاحْتِرَاز قَبْل الْفَوْت , لِأَنَّ الْإِنْسَان لَا يَدْرِي مَتَى يَفْجَؤُهُ الْمَوْت , لِأَنَّهُ مَا مِنْ سِنّ يُفْرَض إِلَّا وَقَدْ مَاتَ فِيهِ جَمْع جَمّ ; وَكُلّ وَاحِد بِعَيْنِهِ جَائِز أَنْ يَمُوت فِي الْحَال , فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون مُتَأَهِّبًا لِذَلِكَ فَيَكْتُب وَصِيَّته , وَيَجْمَع فِيهَا مَا يَحْصُل لَهُ بِهِ الْأَجْر وَيُحْبِط عَنْهُ الْوِزْر مِنْ حُقُوق اللَّه وَحُقُوق عِبَاده , وَاَللَّه الْمُسْتَعَان.
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ : " لَهُ شَيْء " أَوْ " لَهُ مَال " عَلَى صِحَّة الْوَصِيَّة بِالْمَنَافِعِ , وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور.
وَمَنَعَهُ اِبْن أَبِي لَيْلَى وَابْن شُبْرُمَةَ وَدَاوُد وَأَتْبَاعه , وَاخْتَارَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ.
وَفِي الْحَدِيث الْحَضّ عَلَى الْوَصِيَّة وَمُطْلَقهَا يَتَنَاوَل الصَّحِيح , لَكِنَّ السَّلَف خَصُّوهَا بِالْمَرِيضِ , وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّد بِهِ فِي الْخَبَر لِاطِّرَادِ الْعَادَة بِهِ , وَقَوْله : " مَكْتُوبَة " أَعَمّ مِنْ أَنْ تَكُون بِخَطِّهِ أَوْ بِغَيْرِ خَطّه , وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ الْأَشْيَاء الْمُهِمَّة يَنْبَغِي أَنْ تُضْبَط بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا أَثْبَت مِنْ الضَّبْط بِالْحِفْظِ لِأَنَّهُ يَخُون غَالِبًا.


حديث ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده تابعه

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏مَالِكٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏نَافِعٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ ‏ ‏تَابَعَهُ ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَمْرٍو ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ عُمَرَ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

أحاديث أخرى من صحيح البخاري

كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية

عن ‌عائشة رضي الله عنها قالت: «كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما ن...

لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن

عن ‌أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة...

رسول الله ﷺ قال لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل...

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلإ»

أن النبي ﷺ وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشأم...

عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشأم الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن...

يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا

عن ‌أبي بكر رضي الله عنه قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ? فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم ? فقلت: يا نبي الله? لو أن بعضهم طأطأ بصره...

كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا ق...

عن ‌ابن شهاب أن ‌سهل بن سعد الساعدي أخبره «أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقت...

لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء

عن ‌ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء.»

يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجن...

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من بعض...

سبحان الله يا أبا هر إن المؤمن لا ينجس

عن أبي هريرة قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب، فأخذ بيدي، فمشيت معه حتى قعد، فانسللت، فأتيت الرحل، فاغتسلت ثم جئت وهو قاعد، فقال: «أين...