2772- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أصاب عمر بخيبر أرضا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها»، فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث في الفقراء، والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقا غير متمول فيه
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( حَدَّثَنَا مُسَدَّد حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع ) كَذَا اِقْتَصَرَ عَلَيْهِ , وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّد عَنْ يَزِيد بْن زُرَيْع وَبِشْر بْن الْمُفَضَّل وَيَحْيَى الْقَطَّانِ ثَلَاثَتهمْ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَوْن , وَقَدْ زَعَمَ اِبْن عَبْد الْبَرّ أَنَّ اِبْن عَوْن تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ نَافِع , وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة صَخْر بْن جُوَيْرِيَة عَنْ نَافِع كَمَا تَقَدَّمَ قَبْل أَبْوَاب , وَأَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَأَحْمَد وَالدَّارَقُطْنِيُّ مُطَوَّلًا مِنْ رِوَايَة أَيُّوب , وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ , وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر الْأَكْبَر الْمُصَغَّر , وَأَحْمَد وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن عُمَر الْأَصْغَر الْمُكَبَّر كُلّهمْ عَنْ نَافِع , وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَتهمْ مِنْ الْفَوَائِد مُفَصَّلًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( عَنْ نَافِع ) فِي رِوَايَة الْأَنْصَارِيّ عَنْ اِبْن عَوْن الْمَاضِيَة فِي آخِر الشُّرُوط عَنْ اِبْن عَوْن " أَنْبَأَنِي نَافِع " وَالْإِنْبَاء بِمَعْنَى الْإِخْبَار عِنْد الْمُتَقَدِّمِينَ جَزْمًا , وَقَدْ وَقَعَ عِنْد الطَّحَاوِيِّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عَوْن " أَخْبَرَنِي نَافِع " وَالْأَنْصَارِيّ الْمَذْكُور أَحَد شُيُوخ الْبُخَارِيّ أَخْرَجَ عَنْهُ عِدَّة أَحَادِيث بِغَيْرِ وَاسِطَة مِنْهَا حَدِيث أَبِي بَكْر فِي أَنْصِبَة الزَّكَاة , وَأَخْرَجَ عَنْهُ فِي مَوَاضِع بِوَاسِطَةٍ , وَكَانَ الْأَنْصَارِيّ الْمَذْكُور قَاضِي الْبَصْرَة وَقَدْ تَمَذْهَبَ لِلْكُوفِيِّينَ فِي الْأَوْقَاف , وَصَنَّفَ فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الْحَدِيث جُزْءًا مُفْرَدًا.
قَوْله : ( عَنْ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ أَصَابَ عُمَر ) كَذَا لِأَكْثَر الرُّوَاة عَنْ نَافِع , ثُمَّ عَنْ اِبْن عَوْن جَعَلُوهُ فِي مُسْنَد اِبْن عُمَر , لَكِنْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَوْن , وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة أَبِي إِسْحَاق الْفَزَارِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَوْن , وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة سَعِيد بْن سَالِم عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر كِلَاهُمَا عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ عُمَر جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَد عُمَر , وَالْمَشْهُور الْأَوَّل.
قَوْله : ( بِخَيْبَر أَرْضًا ) تَقَدَّمَ فِي رِوَايَة صَخْر بْن جُوَيْرِيَة أَنَّ اِسْمهَا ثَمْغ , وَكَذَا لِأَحْمَد مِنْ رِوَايَة أَيُّوب " أَنَّ عُمَر أَصَابَ أَرْضًا مِنْ يَهُود بَنِي حَارِثَة يُقَال لَهَا ثَمْغ " وَنَحْوه فِي رِوَايَة سَعِيد بْن سَالِم الْمَذْكُورَة , وَكَذَا لِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيق الدَّرَاوَرْدِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , وَلِلطَّحَاوِيِّ مِنْ رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد , وَرَوَى عُمَر بْن شَبَّة بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم " أَنَّ عُمَر رَأَى فِي الْمَنَام ثَلَاث لَيَالٍ أَنْ يَتَصَدَّق بِثَمْغ " وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَة سُفْيَان عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر " جَاءَ عُمَر فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَصَبْت مَالًا لَمْ أُصِبْ مَالًا مِثْله قَطُّ " كَانَ لِي مِائَة رَأْس فَاشْتَرَيْت بِهَا مِائَة سَهْم مِنْ خَيْبَر مِنْ أَهْلهَا " فَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون ثَمْغ مِنْ جُمْلَة أَرَاضِي خَيْبَر وَأَنَّ مِقْدَارهَا كَانَ مِقْدَار مِائَة سَهْم مِنْ السِّهَام الَّتِي قَسَمَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن مَنْ شَهِدَ خَيْبَر , وَهَذِهِ الْمِائَة السَّهْم غَيْر الْمِائَة السَّهْم الَّتِي كَانَتْ لِعُمَر بْن الْخَطَّاب بِخَيْبَر الَّتِي حَصَلَهَا مِنْ جُزْئِهِ مِنْ الْغَنِيمَة وَغَيْره , وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِكَ فِي صِفَة كِتَاب وَقْف عُمَر مِنْ عِنْد أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره , وَذَكَرَ عُمَر بْن شَبَّة بِإِسْنَادٍ ضَعِيف عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب أَنَّ قِصَّة عُمَر هَذِهِ كَانَتْ فِي سَنَة سَبْع مِنْ الْهِجْرَة.
قَوْله : ( أَنْفَس مِنْهُ ) أَيْ أَجْوَد , وَالنَّفِيس الْجَيِّد الْمُغْتَبَط بِهِ , يُقَال نَفُسَ بِفَتْحِ النُّون وَضَمّ الْفَاء نَفَاسَة , وَقَالَ الدَّاوُدِيّ : سُمِّيَ نَفِيسًا لِأَنَّهُ يَأْخُذ بِالنَّفْسِ , وَفِي رِوَايَة صَخْر بْن جُوَيْرِيَة " إِنِّي اِسْتَفَدْت مَالًا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيس فَأَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّق بِهِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُرْسَل أَبِي بَكْر بْن حَزْم أَنَّهُ رَأَى فِي الْمَنَام الْأَمْر بِذَلِكَ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة لِلدَّارَقُطْنِيِّ إِسْنَادهَا ضَعِيف " أَنَّ عُمَر قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي نَذَرْت أَنْ أَتَصَدَّق بِمَالِي " وَلَمْ يَثْبُت هَذَا وَإِنَّمَا كَانَ صَدَقَة تَطَوُّع كَمَا سَأُوَضِّحُهُ مِنْ حِكَايَة لَفْظ كِتَاب الْوَقْف الْمَذْكُور إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( فَكَيْفَ تَأْمُرنِي بِهِ ) ؟ فِي رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد " أَنَّ عُمَر اِسْتَشَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَتَصَدَّق ".
قَوْله : ( إِنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا ) أَيْ بِمَنْفَعَتِهَا , وَبَيَّنَ ذَلِكَ مَا فِي رِوَايَة عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر " اِحْبِسْ أَصْلهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتهَا " وَفِي رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد " تَصَدَّقْ بِثَمَرِهِ وَحَبِّسْ أَصْله ".
قَوْله : ( فَتَصَدَّقَ عُمَر أَنَّهُ لَا يُبَاع أَصْلهَا وَلَا يُوهَب وَلَا يُورَث ) زَادَ فِي رِوَايَة مُسْلِم مِنْ هَذَا الْوَجْه " وَلَا تَبْتَاع " زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع " حَبِيس مَا دَامَتْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض " كَذَا لِأَكْثَر الرُّوَاة عَنْ نَافِع , وَلَمْ يَخْتَلِف فِيهِ عَنْ اِبْن عَوْن إِلَّا مَا وَقَعَ عِنْد الطَّحَاوِيِّ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن سُفْيَان الْجَحْدَرِيِّ عَنْ اِبْن عَوْن فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ صَخْر بْن جُوَيْرِيَة الْآتِي , وَالْجَحْدَرِيّ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ صَخْر لَا عَنْ اِبْن عَوْن , قَالَ السُّبْكِيّ : اِغْتَبَطْت بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ نَافِع عِنْد الْبَيْهَقِيِّ " تَصَدَّقْ بِثَمَرِهِ وَحَبِّسْ أَصْله لَا يُبَاع وَلَا يُورَث " وَهَذَا ظَاهِره أَنَّ الشَّرْط مِنْ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ بَقِيَّة الرِّوَايَات فَإِنَّ الشَّرْط فِيهَا ظَاهِره أَنَّهُ مِنْ كَلَام عُمَر , قُلْت : قَدْ تَقَدَّمَ قَبْل خَمْسَة أَبْوَاب مِنْ طَرِيق صَخْر بْن جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِع بِلَفْظِ " فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ , لَا يُبَاع وَلَا يُوهَب وَلَا يُورَث , وَلَكِنْ يُنْفَق ثَمَره " وَهِيَ أَتَمّ الرِّوَايَات وَأَصْرَحهَا فِي الْمَقْصُود فَعَزْوُهَا إِلَى الْبُخَارِيّ أَوْلَى , وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيّ فِي الْمُزَارَعَة بِلَفْظِ " قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَر : تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاع وَلَا يُوهَب وَلَكِنْ لِيُنْفِق ثَمَره فَتَصَدَّقَ بِهِ " وَحَكَيْت هُنَاكَ أَنَّ الدَّاوُدِيّ الشَّارِح أَنْكَرَ هَذَا اللَّفْظ , وَلَمْ يَظْهَر لِي إِذْ ذَاكَ سَبَب إِنْكَاره , ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ بِسَبَبِ التَّصْرِيح بِرَفْعِ الشَّرْط إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ الشَّرْط مِنْ قَوْل عُمَر فَمَا فَعَلَهُ إِلَّا لِمَا فَهِمَهُ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ لَهُ " اِحْبِسْ أَصْلهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتهَا " وَقَوْله : " تَصَدَّقْ " صِيغَة أَمْر وَقَوْله : " فَتَصَدَّقَ " بِصِيغَةِ : الْفِعْل الْمَاضِي.
قَوْله : ( فِي سَبِيل اللَّه وَفِي الرِّقَاب وَالْمَسَاكِين وَالضَّيْف وَابْن السَّبِيل ) جَمِيع هَؤُلَاءِ الْأَصْنَاف إِلَّا الضَّيْف هُمْ الْمَذْكُورُونَ فِي آيَة الزَّكَاة , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانهمْ فِي كِتَاب الزَّكَاة.
وَقَوْله : " وَلِذِي الْقُرْبَى " يَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِي مَنْ ذُكِرَ فِي الْخَمْس كَمَا سَيَأْتِي بَيَانهمْ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِمْ قُرْبَى الْوَاقِف , وَبِهَذَا الثَّانِي جَزَمَ الْقُرْطُبِيّ , وَالضَّيْف مَعْرُوف وَهُوَ مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ يُرِيد الْقِرَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ فِي الْهِبَة.
قَوْله : ( أَنْ يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ ) تَقَدَّمَ الْبَحْث فِيهِ قَبْل أَبْوَاب , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : جَرَتْ الْعَادَة بِأَنَّ الْعَامِل يَأْكُل مِنْ ثَمَرَة الْوَقْف , حَتَّى لَوْ اِشْتَرَطَ الْوَاقِف أَنَّ الْعَامِل لَا يَأْكُل مِنْهُ يُسْتَقْبَح ذَلِكَ مِنْهُ , وَالْمُرَاد بِالْمَعْرُوفِ الْقَدْر الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَة , وَقِيلَ الْقَدْر الَّذِي يَدْفَع بِهِ الشَّهْوَة , وَقِيلَ الْمُرَاد أَنْ يَأْخُذ مِنْهُ بِقَدْرِ عَمَله , وَالْأُولَى أَوْلَى.
قَوْله : ( أَوْ يُطْعِم ) فِي رِوَايَة صَخْر " أَوْ يُؤْكِل " بِإِسْكَانِ الْوَاو وَهِيَ بِمَعْنَى يُطْعِم.
قَوْله : ( غَيْر مُتَمَوِّل فِيهِ ) وَفِي رِوَايَة الْأَنْصَارِيّ الْمَاضِيَة فِي آخِر الشُّرُوط " غَيْر مُتَمَوِّل بِهِ " وَالْمَعْنَى غَيْر مُتَّخِذ مِنْهَا مَالًا أَيْ مِلْكًا , وَالْمُرَاد أَنَّهُ لَا يَتَمَلَّك شَيْئًا مِنْ رِقَابهَا , وَ " مَالًا " مَنْصُوب عَلَى التَّمْيِيز , وَزَادَ الْأَنْصَارِيّ وَسُلَيْم قَالَ : فَحَدَّثْت بِهِ اِبْن سِيرِينَ فَقَالَ : " غَيْر مُتَأَثِّل مَالًا " وَالْقَائِل " فَحَدَّثْت بِهِ " هُوَ اِبْن عَوْن رَاوِيه عَنْ نَافِع , بَيَّنَ ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي أُسَامَة عَنْ اِبْن عَوْن قَالَ : ذَكَرْت حَدِيث نَافِع لِابْنِ سِيرِينَ فَذَكَرَهُ , زَادَ سُلَيْم : قَالَ اِبْن عَوْن : وَأَنْبَأَنِي مَنْ قَرَأَ هَذَا الْكِتَاب أَنَّ فِيهِ " غَيْر مُتَأَثِّل مَالًا " وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيق اِبْن عُلَيَّة عَنْ اِبْن عَوْن " حَدَّثَنِي رَجُل أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي قِطْعَة أَدِيم أَحْمَر " قَالَ اِبْن عُلَيَّة : وَأَنَا قَرَأْتهَا عِنْد اِبْن عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر كَذَلِكَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ صِفَة كِتَاب وَقْف عُمَر مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ قَالَ : " نَسَخَهَا لِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَمِيد بْن عَبْد اللَّه اِبْن عُمَر " فَذَكَرَهُ وَفِيهِ " غَيْر مُتَأَثِّل " وَالْمُتَأَثِّل بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَة مُشَدَّدَة بَيْنهمَا هَمْزَة هُوَ الْمُتَّخِذ , وَالتَّأَثُّل اِتِّخَاذ أَصْل الْمَال حَتَّى كَأَنَّهُ عِنْده قَدِيم , وَأَثَلَة كُلّ شَيْء أَصْله , قَالَ الشَّاعِر : وَقَدْ يُدْرِك الْمَجْد الْمُؤَثَّل أَمْثَالِي وَاشْتِرَاط نَفْي التَّأَثُّل يُقَوِّي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ قَالَ : الْمُرَاد مِنْ قَوْله : " يَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ " حَقِيقَة الْأَكْل لَا الْأَخْذ مِنْ مَال الْوَقْف بِقَدْرِ الْعِمَالَة قَالَهُ الْقُرْطُبِيّ , وَزَادَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب فَذَكَرَ الْحَدِيث , قَالَ حَمَّاد : وَزَعَمَ عَمْرو بْن دِينَار أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر أَنْ يُهْدِي إِلَى عَبْد اللَّه بْن صَفْوَان مِنْ صَدَقَة عُمَر , وَكَذَا رَوَاهُ عُمَر بْن شَبَّة مِنْ طَرِيق حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ عُمَر ; وَزَادَ عُمَر بْن شَبَّة عَنْ يَزِيد بْن هَارُون عَنْ اِبْن عَوْن فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث " وَأَوْصَى بِهَا عُمَر إِلَى حَفْصَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ إِلَى الْأَكَابِر مِنْ آل عُمَر " وَنَحْوه فِي رِوَايَة عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ , وَفِي رِوَايَة أَيُّوب عَنْ نَافِع عِنْد أَحْمَد " يَلِيه ذَوُو الرَّأْي مِنْ آل عُمَر " فَكَأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا شَرَطَ أَنَّ النَّظَر فِيهِ لِذَوِي الرَّأْي مِنْ أَهْله ثُمَّ عَيَّنَ عِنْد وَصِيَّته لِحَفْصَةَ , وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ عُمَر بْن شَبَّة عَنْ أَبِي غَسَّان الْمَدَنِيّ قَالَ : هَذِهِ نُسْخَة صَدَقَة عُمَر أَخَذْتهَا مِنْ كِتَابه الَّذِي عِنْد آل عُمَر فَنَسَخْتهَا حَرْفًا حَرْفًا " هَذَا مَا كَتَبَ عَبْد اللَّه عُمَر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فِي ثَمْغ , أَنَّهُ إِلَى حَفْصَة مَا عَاشَتْ تُنْفِق ثَمَره حَيْثُ أَرَاهَا اللَّه , فَإِنْ تُوُفِّيَتْ فَإِلَى ذَوِي الرَّأْي مِنْ أَهْلهَا ".
قُلْت : فَذَكَرَ الشَّرْط كُلّه نَحْو الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيث الْمَرْفُوع ثُمَّ قَالَ : " وَالْمِائَة وَسْق الَّذِي أَطْعَمَنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا مَعَ ثَمْغ عَلَى سُنَنه الَّذِي أَمَرَتْ بِهِ , وَإِنْ شَاءَ وَلِيّ ثَمْغ أَنْ يَشْتَرِي مِنْ ثَمَره رَقِيقًا يَعْمَلُونَ فِيهِ فَعَلَ.
وَكَتَبَ مُعَيْقِيب وَشَهِدَ عَبْد اللَّه بْن الْأَرْقَم " وَكَذَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَته نَحْو هَذَا.
وَذَكَرَا جَمِيعًا كِتَابًا آخَر نَحْو هَذَا الْكِتَاب , وَفِيهِ مِنْ الزِّيَادَة " وَصِرْمَة بْن الْأَكْوَع وَالْعَبْد الَّذِي فِيهِ صَدَقَة كَذَلِكَ " وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عُمَر إِنَّمَا كَتَبَ كِتَاب وَقْفه فِي خِلَافَته لِأَنَّ مُعَيْقِيبًا كَانَ كَاتِبه فِي زَمَن خِلَافَته , وَقَدْ وَصَفَهُ فِيهِ بِأَنَّهُ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون وَقَفَهُ فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّفْظِ وَتَوَلَّى هُوَ النَّظَر عَلَيْهِ إِلَى أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَصِيَّة فَكَتَبَ حِينَئِذٍ الْكِتَاب , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَخَّرَ وَقْفِيَّته وَلَمْ يَقَع مِنْهُ قَبْل ذَلِكَ إِلَّا اِسْتِشَارَته فِي كَيْفِيَّته.
وَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَابْن عَبْد الْبَرّ مِنْ طَرِيق مَالِك عَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ : " قَالَ عُمَر : لَوْلَا أَنِّي ذَكَرْت صَدَقَتِي لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَدَدْتهَا " فَهَذَا يَشْعُر بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَأَنَّهُ لَمْ يُنَجِّز الْوَقْف إِلَّا عِنْد وَصِيَّته.
وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ بِقَوْلِ عُمَر هَذَا لِأَبِي حَنِيفَة وَزُفَر فِي أَنَّ إِيقَاف الْأَرْض لَا يَمْنَع مِنْ الرُّجُوع فِيهَا , وَأَنَّ الَّذِي مَنَعَ عُمَر مِنْ الرُّجُوع كَوْنه ذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَ أَنْ يُفَارِقهُ عَلَى أَمْر ثُمَّ يُخَالِفهُ إِلَى غَيْره , وَلَا حُجَّة فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ مُنْقَطِع لِأَنَّ اِبْن شِهَاب لَمْ يَدْرِك عُمَر , ثَانِيهمَا أَنَّهُ يَحْتَمِل مَا قَدَّمْته , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون عُمَر كَانَ يَرَى بِصِحَّةِ الْوَقْف وَلُزُومه إِلَّا إِنْ شَرَطَ الْوَاقِف الرُّجُوع فَلَهُ أَنْ يَرْجِع.
وَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلِيّ مِثْل ذَلِكَ فَلَا حُجَّة فِيهِ لِمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْوَقْف غَيْر لَازِم مَعَ إِمْكَان هَذَا الِاحْتِمَال وَإِنْ ثَبَتَ هَذَا الِاحْتِمَال كَانَ حُجَّة لِمَنْ قَالَ بِصِحَّةِ تَعْلِيق الْوَقْف وَهُوَ عِنْد الْمَالِكِيَّة وَبِهِ قَالَ اِبْن سُرَيْج وَقَالَ : تَعُود مَنَافِعه بَعْد الْمُدَّة الْمُعَيَّنَة إِلَيْهِ ثُمَّ إِلَى وَرَثَته , فَلَوْ كَانَ التَّعْلِيق مَآلًا صَحَّ اِتِّفَاقًا كَمَا لَوْ قَالَ وَقَفْته عَلَى زَيْد سَنَة ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاء , وَحَدِيث عُمَر هَذَا أَصْل فِي مَشْرُوعِيَّة الْوَقْف , قَالَ أَحْمَد : " حَدَّثَنَا حَمَّاد هُوَ اِبْن خَالِد حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه هُوَ الْعُمَرِيّ عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : أَوَّل صَدَقَة - أَيْ مَوْقُوفَة - كَانَتْ فِي الْإِسْلَام صَدَقَة عُمَر " وَرَوَى عُمَر بْن شَبَّة عَنْ عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ قَالَ : " سَأَلْنَا عَنْ أَوَّل حَبْس فِي الْإِسْلَام فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ : صَدَقَة عُمَر , وَقَالَ الْأَنْصَار : صَدَقَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي إِسْنَاده الْوَاقِدِيّ.
وَفِي مَغَازِي الْوَاقِدِيّ أَنَّ أَوَّل صَدَقَة مَوْقُوفَة كَانَتْ فِي الْإِسْلَام أَرَاضِي مُخَيْرِيق بِالْمُعْجَمَةِ مُصَغَّر الَّتِي أَوْصَى بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَهَا النَّبِيّ , قَالَ التِّرْمِذِيّ : لَا نَعْلَم بَيْن الصَّحَابَة وَالْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْل الْعِلْم خِلَافًا فِي جَوَاز وَقْف الْأَرَضِينَ , وَجَاءَ عَنْ شُرَيْح أَنَّهُ أَنْكَرَ الْحَبْس , وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة لَا يَلْزَم , وَخَالَفَهُ جَمِيع أَصْحَابه إِلَّا زُفَر بْن الْهُذَيْلِ فَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ عِيسَى بْن أَبَانٍ قَالَ : كَانَ أَبُو يُوسُف يُجِيز بَيْع الْوَقْف , فَبَلَغَهُ حَدِيث عُمَر هَذَا فَقَالَ : مَنْ سَمِعَ هَذَا مِنْ اِبْن عَوْن ؟ فَحَدَّثَهُ بِهِ اِبْن عُلَيَّة , فَقَالَ : هَذَا لَا يَسَع أَحَدًا خِلَافه , وَلَوْ بَلَغَ أَبَا حَنِيفَة.
لَقَالَ بِهِ فَرَجَعَ عَنْ بَيْع الْوَقْف حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ لَا خِلَاف فِيهِ بَيْن أَحَد اه.
وَمَعَ حِكَايَة الطَّحَاوِيِّ هَذَا فَقَدْ اِنْتَصَرَ كَعَادَتِهِ فَقَالَ : قَوْله فِي قِصَّة عُمَر " حَبِّسْ الْأَصْل وَسَبِّلْ الثَّمَرَة " لَا يَسْتَلْزِم التَّأْبِيد , بَلْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ مُدَّة اِخْتِيَاره لِذَلِكَ اه.
وَلَا يَخْفَى ضَعْف هَذَا التَّأْوِيل , وَلَا يَفْهَم مِنْ قَوْله : " وَقَفْت وَحَبَسْت " إِلَّا التَّأْبِيد حَتَّى يُصَرِّح بِالشَّرْطِ عِنْد مَنْ يَذْهَب إِلَيْهِ , وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِف عَلَى الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا " حَبِيس مَا دَامَتْ السَّمَوَات وَالْأَرْض " قَالَ الْقُرْطُبِيّ : رَدّ الْوَقْف مُخَالِف لِلْإِجْمَاعِ فَلَا يُلْتَفَت إِلَيْهِ , وَأَحْسَن مَا يُعْتَذَر بِهِ عَمَّنْ رَدَّهُ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُف فَإِنَّهُ أَعْلَم بِأَبِي حَنِيفَة مِنْ غَيْره.
وَأَشَارَ الشَّافِعِيّ إِلَى أَنَّ الْوَقْف مِنْ خَصَائِص أَهْل الْإِسْلَام , أَيْ وَقْف الْأَرَاضِي وَالْعَقَار , قَالَ : وَلَا نَعْرِف أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيَّة , وَحَقِيقَة الْوَقْف شَرْعًا وُرُود صِيغَة تَقْطَع تَصَرُّف الْوَاقِف فِي رَقَبَة الْمَوْقُوف الَّذِي يَدُوم الِانْتِفَاع بِهِ , وَتُثْبِت صَرْف مَنْفَعَته فِي جِهَة خَيْر.
وَفِي حَدِيث الْبَاب مِنْ الْفَوَائِد جَوَاز ذِكْر الْوَلَد أَبَاهُ بِاسْمِهِ الْمُجَرَّد مِنْ غَيْر كُنْيَة وَلَا لَقَب , وَفِيهِ جَوَاز إِسْنَاد الْوَصِيَّة , وَالنَّظَر عَلَى الْوَقْف لِلْمَرْأَةِ وَتَقْدِيمهَا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَقْرَانهَا مِنْ الرِّجَال ; وَفِيهِ إِسْنَاد النَّظَر إِلَى مَنْ لَمْ يُسَمِّ إِذَا وُصِفَ بِصِفَةٍ مُعَيَّنَة تُمَيِّزهُ , وَأَنَّ الْوَاقِف يَلِي النَّظَر عَلَى وَقْفه إِذَا لَمْ يُسْنِدهُ لِغَيْرِهِ , قَالَ الشَّافِعِيّ : لَمْ يَزَلْ الْعَدَد الْكَثِير مِنْ الصَّحَابَة فَمَنْ بَعْدهمْ يَلُونَ أَوْقَافهمْ , نَقَلَ ذَلِكَ الْأُلُوف عَنْ الْأُلُوف لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ.
وَفِيهِ اِسْتِشَارَة أَهْل الْعِلْم وَالدِّين وَالْفَضْل فِي طُرُق الْخَيْر سَوَاء كَانَتْ دِينِيَّة أَوْ دُنْيَوِيَّة , وَأَنَّ الْمُشِير يُشِير بِأَحْسَن مَا يَظْهَر لَهُ فِي جَمِيع الْأُمُور.
وَفِيهِ فَضِيلَة ظَاهِرَة لِعُمَر لِرَغْبَتِهِ فِي اِمْتِثَال قَوْله تَعَالَى : ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) , وَفِيهِ فَضْل الصَّدَقَة الْجَارِيَة , وَصِحَّة شُرُوط الْوَاقِف وَاتِّبَاعه فِيهَا , وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَط تَعْيِين الْمَصْرِف لَفْظًا.
وَفِيهِ أَنَّ الْوَقْف لَا يَكُون إِلَّا فِيمَا لَهُ أَصْل يَدُوم الِانْتِفَاع بِهِ , فَلَا يَصِحّ وَقْف مَا لَا يَدُوم الِانْتِفَاع بِهِ كَالطَّعَامِ.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْوَقْف لَفْظ الصَّدَقَة سَوَاء قَالَ : تَصَدَّقْت بِكَذَا أَوْ جَعَلْته صَدَقَة حَتَّى يُضِيف إِلَيْهَا شَيْئًا آخَر لِتَرَدُّد الصَّدَقَة بَيْن أَنْ تَكُون تَمْلِيك الرَّقَبَة أَوْ وَقَفَ الْمَنْفَعَة فَإِذَا أَضَافَ إِلَيْهَا مَا يُمَيِّز أَحَد الْمُحْتَمَلَيْنِ صَحَّ , بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَقَفْت أَوْ حَبَسْت فَإِنَّهُ صَرِيح فِي ذَلِكَ عَلَى الرَّاجِح , وَقِيلَ الصَّرِيح الْوَقْف خَاصَّة , وَفِيهِ نَظَر لِثُبُوتِ التَّحْبِيس فِي قِصَّة عُمَر هَذِهِ , نَعَمْ لَوْ قَالَ تَصَدَّقْت بِكَذَا عَلَى كَذَا وَذَكَرَ جِهَة عَامَّة صَحَّ , وَتَمَسَّكَ مَنْ أَجَازَ الِاكْتِفَاء بِقَوْلِهِ تَصَدَّقْت بِهَذَا بِمَا وَقَعَ فِي حَدِيث الْبَاب مِنْ قَوْله : " فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَر " وَلَا حُجَّة فِي ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ أَضَافَ إِلَيْهَا " لَا تُبَاع وَلَا تُوهَب " وَيَحْتَمِل أَيْضًا أَنْ يَكُون قَوْله : " فَتَصَدَّقَ بِهَا " عُمَر " رَاجِعًا إِلَى الثَّمَرَة عَلَى حَذْف مُضَاف أَيْ فَتَصَدَّقَ بِثَمَرَتِهَا فَلَيْسَ فِيهِ مُتَعَلِّق لِمَنْ أَثْبَتَ الْوَقْف بِلَفْظِ الصَّدَقَة مُجَرَّدًا وَبِهَذَا الِاحْتِمَال الثَّانِي جَزَمَ الْقُرْطُبِيّ.
وَفِيهِ جَوَاز الْوَقْف عَلَى الْأَغْنِيَاء لِأَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى وَالضَّيْف لَمْ يُقَيَّد بِالْحَاجَةِ وَهُوَ الْأَصَحّ عِنْد الشَّافِعِيَّة.
وَفِيهِ أَنَّ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَشْتَرِط لِنَفْسِهِ جُزْءًا مِنْ رِيع الْمَوْقُوف لِأَنَّ عُمَر شَرَطَ لِمَنْ وَلِيَ وَقْفه أَنْ يَأْكُل مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ إِنْ كَانَ هُوَ النَّاظِر أَوْ غَيْره فَدَلَّ عَنْ صِحَّة الشَّرْط , وَإِذَا جَازَ فِي الْمُبْهَم الَّذِي تُعَيِّنهُ الْعَادَة كَانَ فِيمَا يُعَيِّنهُ هُوَ أَجْوَز , وَيَسْتَنْبِط مِنْهُ صِحَّة الْوَقْف عَلَى النَّفْس وَهُوَ قَوْل اِبْن أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُف وَأَحْمَد فِي الْأَرْجَح عَنْهُ , وَقَالَ بِهِ مِنْ الْمَالِكِيَّة اِبْن شَعْبَان , وَجُمْهُورهمْ عَلَى الْمَنْع إِلَّا إِذَا اِسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُتَّهَم أَنَّهُ قَصَدَ حِرْمَان وَرَثَته , وَمِنْ الشَّافِعِيَّة اِبْن سُرَيْج وَطَائِفَة , وَصَنَّفَ فِيهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ شَيْخ الْبُخَارِيّ جُزْءًا ضَخْمًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقِصَّةِ عُمَر هَذِهِ , وَبِقِصَّةِ رَاكِب الْبَدَنَة , وَبِحَدِيثِ أَنَس فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّة وَجَعَلَ عِتْقهَا صَدَاقهَا , وَوَجْه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكه بِالْعِتْقِ وَرَدَّهَا إِلَيْهِ بِالشَّرْطِ , وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ فِي النِّكَاح.
وَبِقِصَّةِ عُثْمَان الْآتِيَة بَعْد أَبْوَاب.
وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث الْبَاب " سَبِّلْ الثَّمَرَة " وَتَسْبِيل الثَّمَرَة تَمْلِيكهَا لِلْغَيْرِ وَالْإِنْسَان لَا يَتَمَكَّن مِنْ تَمْلِيك نَفْسه لِنَفْسِهِ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اِمْتِنَاع ذَلِكَ غَيْر مُسْتَحِيل وَمَنَعَهُ تَمْلِيكه لِنَفْسِهِ إِنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْفَائِدَة وَالْفَائِدَة فِي الْوَقْف حَاصِلَة لِأَنَّ اِسْتِحْقَاقه إِيَّاهُ مِلْكًا غَيْر اِسْتِحْقَاقه إِيَّاهُ وَقْفًا وَلَا سِيَّمَا إِذَا ذَكَرَ لَهُ مَالًا آخَر فَإِنَّهُ حُكْم آخَر يُسْتَفَاد مِنْ ذَلِكَ الْوَقْف , وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث الْبَاب أَنَّ عُمَر اِشْتَرَطَ لِنَاظِرِ وَقْفه أَنْ يَأْكُل مِنْهُ بِقَدْرِ عِمَالَته وَلِذَلِكَ مَنَعَهُ أَنْ يَتَّخِذ لِنَفْسِهِ مِنْهُ مَالًا فَلَوْ كَانَ يُؤْخَذ مِنْهُ صِحَّة الْوَقْف عَلَى النَّفْس لَمْ يَمْنَعهُ مِنْ الِاتِّخَاذ , وَكَأَنَّهُ اِشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ أَمْرًا لَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَكَانَ يَسْتَحِقّهُ لِقِيَامِهِ , وَهَذَا عَلَى أَرْجَح قَوْلَيْ الْعُلَمَاء أَنَّ الْوَاقِف إِذَا لَمْ يَشْتَرِط لِلنَّاطِرِ قَدْر عَمَله جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذ بِقَدْرِ عَمَله , وَلَوْ اِشْتَرَطَ الْوَاقِف لِنَفْسِهِ النَّظَر وَاشْتَرَطَ أُجْرَة فَفِي صِحَّة هَذَا الشَّرْط عِنْد الشَّافِعِيَّة خِلَاف , كَالْهَاشِمِيِّ إِذَا عَمِلَ فِي الزَّكَاة هَلْ يَأْخُذ مِنْ سَهْم الْعَامِلِينَ ؟ وَالرَّاجِح الْجَوَاز , وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث عُثْمَان الْآتِي بَعْد , وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز الْوَقْف عَلَى الْوَارِث فِي مَرَض الْمَوْت فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُث رَدّ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ لَزِمَ , وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد لِأَنَّ عُمَر جَعَلَ النَّظَر بَعْده لِحَفْصَةَ وَهِيَ مِمَّنْ يَرِثهُ وَجَعَلَ لِمَنْ وَلِيَ وَقْفه أَنْ يَأْكُل مِنْهُ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ وَقْف عُمَر صَدَرَ مِنْهُ فِي حَيَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِي أَوْصَى بِهِ إِنَّمَا هُوَ شَرْط النَّظَر , وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَاقِف إِذَا شَرَطَ لِلنَّاظِرِ شَيْئًا أَخَذَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطهُ لَهُ لَمْ يَجُزْ إِلَّا إِنْ دَخَلَ فِي صِفَة أَهْل الْوَقْف كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين.
فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَرَضُوا بِذَلِكَ جَازَ , وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ تَعْلِيق الْوَقْف لَا يَصِحّ لِأَنَّ قَوْله : " حَبِّسْ الْأَصْل " يُنَاقِض تَأْقِيتَهُ , وَعَنْ مَالِك وَابْن سُرَيْج يَصِحّ , وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ : " لَا تُبَاع " عَلَى أَنَّ الْوَقْف لَا يُنَاقِل بِهِ , وَعَنْ أَبِي يُوسُف أَنَّ شَرْط الْوَاقِف أَنَّهُ إِذَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعه بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنه فِي غَيْره وَيُوقَف فِي مَا سُمِّيَ فِي الْأَوَّل , وَكَذَا إِنْ شَرَطَ الْبَيْع إِذَا رَأَى الْحَظّ فِي نَقْله إِلَى مَوْضِع آخَر.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وَقْف الْمَشَاع لِأَنَّ الْمِائَة سَهْم الَّتِي كَانَتْ لِعُمَر بِخَيْبَر لَمْ تَكُنْ مُنْقَسِمَة.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا سِرَايَة فِي الْأَرْض الْمَوْقُوفَة بِخِلَافِ الْعِتْق وَلَمْ يُنْقَل أَنَّ الْوَقْف سَرَى مِنْ حِصَّة عُمَر إِلَى غَيْرهَا مِنْ بَاقِي الْأَرْض , وَحَكَى بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ بَعْض الشَّافِعِيَّة أَنَّهُ حَكَمَ فِيهِ بِالسِّرَايَةِ وَهُوَ شَاذّ مُنْكَر.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ خَيْبَر فُتِحَتْ عَنْوَة , وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ فِي كِتَاب الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أَرْضًا فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ قَالَ إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ
عن ابن عمر، أن عمر رضي الله عنه وجد مالا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره قال: «إن شئت تصدقت بها»، فتصدق بها في الفقراء والمساكين وذي الق...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أمر ببناء المسجد، وقال: «يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا» قالوا: لا والله...
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر حمل على فرس له في سبيل الله أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحمل عليها رجلا، فأخبر عمر أنه قد وقفها يبيعها، فسأ...
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما ما تركت بعد نفقة نسائي، ومئونة عاملي فهو صدقة»
عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن عمر اشترط في وقفه، أن يأكل من وليه، ويؤكل صديقه غير متمول مالا»
عن أنس رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا بني النجار ثامنوني بحائطكم»، قالوا: لا نطلب ثمنه، إلا إلى الله
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري، وعدي بن بداء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدما بتركته، فقدوا جاما من فضة م...
عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: أن أباه استشهد يوم أحد وترك ست بنات وترك عليه دينا، فلما حضر جداد النخل أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم...
عن أبي عمرو الشيباني، قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: «الصلاة على م...