3191- عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم فقال: «اقبلوا البشرى يا بني تميم»، قالوا: قد بشرتنا فأعطنا، مرتين، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن، فقال: «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم»، قالوا: قد قبلنا يا رسول الله، قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر؟ قال: «كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض» فنادى مناد: ذهبت ناقتك يا ابن الحصين، فانطلقت، فإذا هي يقطع دونها السراب، فوالله لوددت أني كنت تركتها، 3192 - وروى عيسى، عن رقبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: سمعت عمر رضي الله عنه، يقول: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاما، فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه
(عقلت) من العقل وهو أن تثني وظيفه مع ذراعه فتشدهما جميعا في وسط الذراع بحبل والوظيف من الحيوان ما فوق الرسغ إلى الساق.
(هذا الأمر) أي الحاضر الوجود قال العيني وكأنهم سألوا عن أحوال هذا العالم.
(عرشه) مخلوق لله تعالى هو أعلم به سبحانه.
(على الماء) أي لم يكن تحته إلا الماء.
(الذكر) اللوح المحفوظ.
(يقطع دونها السراب) يحول بيني وبينها السراب وهو ما يرى نصف النهار كأنه ماء وليس هناك شيء
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْلُهُ : ( قَالُوا جِئْنَا نَسْأَلك ) كَذَا الْكُشْمِيهَنِيُّ , وَلِغَيْرِهِ " جِئْنَاك لِنَسْأَلك " وَزَادَ فِي التَّوْحِيد " وَنَتَفَقَّهُ فِي الدِّين " وَكَذَا هِيَ فِي قِصَّة نَافِع بْن زَيْد الَّتِي أَشَرْت إِلَيْهَا آنِفًا.
قَوْلُهُ : ( عَنْ هَذَا الْأَمْر ) أَيْ الْحَاضِر الْمَوْجُود , وَالْأَمْر يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ الْمَأْمُور وَيُرَاد بِهِ الشَّأْن وَالْحُكْم وَالْحَثّ عَلَى الْفِعْل غَيْر ذَلِكَ.
قَوْلُهُ : ( كَانَ اللَّه وَلَمْ يَكُنْ شَيْء غَيْره ) فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة فِي التَّوْحِيد " وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ " وَفِي رِوَايَة غَيْر الْبُخَارِيّ " وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مَعَهُ " وَالْقِصَّة مُتَّحِدَة فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الرِّوَايَة وَقَعَتْ بِالْمَعْنَى , وَلَعَلَّ رَاوِيهَا أَخَذَهَا مِنْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ فِي صَلَاة اللَّيْل - كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس - " أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَك شَيْءٌ " لَكِنَّ رِوَايَةَ الْبَاب أَصْرَح فِي الْعَدَم , وَفِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْء غَيْره لَا الْمَاء وَلَا الْعَرْش وَلَا غَيْرهمَا , لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ غَيْر اللَّه تَعَالَى " وَيَكُونُ قَبْلَهُ " وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ " مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَلَقَ الْمَاء سَابِقًا ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْش عَلَى الْمَاء , وَقَدْ وَقَعَ فِي قِصَّة نَافِع بْن زَيْد الْحِمْيَرِيّ بِلَفْظِ " كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ الْقَلَمَ فَقَالَ : اُكْتُبْ مَا هُوَ كَائِن , ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ " فَصَرَّحَ بِتَرْتِيبِ الْمَخْلُوقَات بَعْد الْمَاء وَالْعَرْش.
قَوْلُهُ : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء , وَكَتَبَ فِي الذِّكْر كُلَّ شَيْء , وَخَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض ) هَكَذَا جَاءَتْ هَذِهِ الْأُمُور الثَّلَاثَة مَعْطُوفَة بِالْوَاوِ , وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي فِي التَّوْحِيد " ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض " وَلَمْ يَقَع بِلَفْظِ " ثُمَّ " إِلَّا فِي ذِكْر خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض , وَقَدْ رَوَى مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو مَرْفُوعًا " أَنَّ اللَّه قَدَّرَ مَقَادِير الْخَلَائِق قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَة وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء " وَهَذَا الْحَدِيث يُؤَيِّد رِوَايَة مَنْ رَوَى " ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض " بِاللَّفْظِ الدَّالّ عَلَى التَّرْتِيب.
( تَنْبِيهٌ ) : وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُب فِي هَذَا الْحَدِيث " كَانَ اللَّه وَلَا شَيْء مَعَهُ , وَهُوَ الْآن عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ " وَهِيَ زِيَادَة لَيْسَتْ فِي شَيْء مِنْ كُتُب الْحَدِيث , نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَة تَقِيّ الدِّين بْن تَيْمِيَّةَ , وَهُوَ مُسَلَّم فِي قَوْله , " وَهُوَ الْآن " إِلَى آخِره , وَأَمَّا لَفْظ " وَلَا شَيْء مَعَهُ " فَرِوَايَة الْبَاب بِلَفْظِ " وَلَا شَيْء غَيْره " بِمَعْنَاهَا.
وَوَقَعَ فِي تَرْجَمَة نَافِع بْن زَيْد الْحِمْيَرِيّ الْمَذْكُور " كَانَ اللَّهُ لَا شَيْءَ غَيْرَهُ " بِغَيْرِ وَاو.
قَوْلُهُ : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) قَالَ الطِّيبِيُّ : هُوَ فَصْل مُسْتَقِلّ لِأَنَّ الْقَدِيم مَنْ لَمْ يَسْبِقهُ شَيْء , وَلَمْ يُعَارِضهُ فِي الْأَوَّلِيَّة , لَكِنْ أَشَارَ بِقَوْلِهِ " وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ " إِلَى أَنَّ الْمَاء وَالْعَرْش كَانَا مَبْدَأ هَذَا الْعَالَم لِكَوْنِهِمَا خُلِقَا قَبْل خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَلَمْ يَكُنْ تَحْت الْعَرْش إِذْ ذَاكَ إِلَّا الْمَاء.
وَمُحَصَّل الْحَدِيث أَنَّ مُطْلَق قَوْله " وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ " مُقَيَّد بِقَوْلِهِ " وَلَمْ يَكُنْ شَيْء غَيْره " وَالْمُرَاد ب كَانَ فِي الْأَوَّل الْأَزَلِيَّة وَفِي الثَّانِي الْحُدُوث بَعْد الْعَدَم.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيث أَبِي رَزِين الْعُقَيْلِيِّ مَرْفُوعًا " أَنَّ الْمَاء خُلِقَ قَبْل الْعَرْش " وَرَوَى السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيره بِأَسَانِيد مُتَعَدِّدَة " أَنَّ اللَّه لَمْ يَخْلُق شَيْئًا مِمَّا خَلَقَ قَبْل الْمَاء " وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِت مَرْفُوعًا " أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه الْقَلَم , ثُمَّ قَالَ اُكْتُبْ , فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " فَيُجْمَع بَيْنه وَبَيْن مَا قَبْله بِأَنَّ أَوَّلِيَّة الْقَلَم بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عَدَا الْمَاء وَالْعَرْش أَوْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مِنْهُ صَدَرَ مِنْ الْكِتَابَة , أَيْ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ اُكْتُبْ أَوَّل مَا خُلِقَ , وَأَمَّا حَدِيث " أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه الْعَقْل " فَلَيْسَ لَهُ طَرِيق ثَبْت , وَعَلَى تَقْدِير ثُبُوته فَهَذَا التَّقْدِير الْأَخِير هُوَ تَأْوِيله وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَحَكَى أَبُو الْعَلَاء الْهَمْدَانِيُّ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَيْنِ فِي أَيّهمَا خُلِقَ أَوَّلًا الْعَرْش أَوْ الْقَلَم ؟ قَالَ : وَالْأَكْثَر عَلَى سَبْق خَلْق الْعَرْش , وَاخْتَارَ اِبْن جَرِير وَمَنْ تَبِعَهُ الثَّانِي , وَرَوَى اِبْن أَبِي حَازِم مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " خَلَقَ اللَّه اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام , فَقَالَ لِلْقَلَمِ قَبْل أَنْ يَخْلُق الْخَلْق وَهُوَ عَلَى الْعَرْش : اُكْتُبْ , فَقَالَ وَمَا أَكْتُب ؟ قَالَ عِلْمِي فِي خَلْقِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " ذَكَرَهُ فِي تَفْسِير سُورَة سُبْحَان , وَلَيْسَ فِيهِ سَبْق خَلْق الْقَلَم عَلَى الْعَرْش , بَلْ فِيهِ سَبْق الْعَرْش.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْأَسْمَاء وَالصِّفَات " مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه الْقَلَم فَقَالَ لَهُ اُكْتُبْ , فَقَالَ : يَا رَبّ وَمَا أَكْتُب ؟ قَالَ أَكْتُب الْقَدَر , فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِن مِنْ ذَلِكَ الْيَوْم إِلَى قِيَام السَّاعَة " وَأَخْرَجَ سَعِيد بْن مَنْصُور عَنْ أَبِي عَوَانَة عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ مُجَاهِد قَالَ " بَدْء الْخَلْق الْعَرْش وَالْمَاء وَالْهَوَاء , وَخَلَقْت الْأَرْض مِنْ الْمَاء " وَالْجَمْع بَيْن هَذِهِ الْآثَار وَاضِح.
قَوْلُهُ : ( وَكَتَبَ ) أَيْ قَدَّرَ ( فِي الذِّكْر ) أَيْ فِي مَحَلّ الذِّكْر أَيْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ ( كُلّ شَيْء ) أَيْ مِنْ الْكَائِنَات , وَفِي الْحَدِيث جَوَاز السُّؤَال عَنْ مَبْدَأ الْأَشْيَاء وَالْبَحْث عَنْ ذَلِكَ وَجَوَاز جَوَاب الْعَالِم بِمَا يَسْتَحْضِرهُ مِنْ ذَلِكَ , وَعَلَيْهِ الْكَفّ إِنْ خَشِيَ عَلَى السَّائِل مَا يَدْخُل عَلَى مُعْتَقِده.
وَفِيهِ أَنَّ جِنْس الزَّمَان وَنَوْعه حَادِث , وَأَنَّ اللَّه أَوْجَدَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَات بَعْد أَنْ لَمْ تَكُنْ , لَا عَنْ عَجْز عَنْ ذَلِكَ بَلْ مَعَ الْقُدْرَة.
وَاسْتَنْبَطَ بَعْضهمْ مِنْ سُؤَال الْأَشْعَرِيِّينَ عَنْ هَذِهِ الْقِصَّة أَنَّ الْكَلَام فِي أُصُول الدِّين وَحُدُوث الْعِلْم مُسْتَمِرَّانِ فِي ذُرِّيَّتهمْ حَتَّى ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي أَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن عَسَاكِر.
قَوْلُهُ : ( فَنَادَى مُنَادٍ ) فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " فَجَاءَ رَجُل فَقَالَ : يَا عِمْرَان " وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه فِي شَيْء مِنْ الرِّوَايَات.
قَوْلُهُ : ( ذَهَبَتْ نَاقَتك يَا اِبْن الْحُصَيْن ) أَيْ اِنْفَلَتَتْ , وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى " فَجَاءَ رَجُل فَقَالَ : يَا عِمْرَان رَاحِلَتك " أَيْ أَدْرِكْ رَاحِلَتك فَهُوَ بِالنَّصْبِ , أَوْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتك فَهُوَ بِالرَّفْعِ , وَيُؤَيِّدهُ الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْمِ هَذَا الرَّجُل.
وَقَوْله " تَفَلَّتَتْ " بِالْفَاءِ أَيْ شَرَدَتْ.
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا هِيَ يَقْطَع ) بِفَتْحِ أَوَّله ( دُونهَا السَّرَاب ) بِالضَّمِّ أَيْ يَحُول بَيْنِي وَبَيْن رُؤْيَتهَا , وَالسَّرَاب بِالْمُهْمَلَةِ مَعْرُوف , وَهُوَ مَا يُرَى نَهَارًا فِي الْفَلَاة كَأَنَّهُ مَاءٌ.
قَوْلُهُ : ( فَوَاللَّهِ لَوَدِدْت أَنِّي كُنْت تَرَكْتهَا ) فِي التَّوْحِيد " أَنَّهَا ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ " يَعْنِي لِأَنَّهُ قَامَ قَبْل أَنْ يُكْمِل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثه فِي ظَنّه , فَتَأَسَّفَ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْحِرْص عَلَى تَحْصِيل الْعِلْم.
وَقَدْ كُنْت كَثِير التَّطَلُّب لِتَحْصِيلِ مَا ظَنَّ عِمْرَان أَنَّهُ فَاتَهُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّة إِلَى أَنْ وَقَفْت عَلَى قِصَّة نَافِع بْن زَيْد الْحِمْيَرِيّ فَقَوِيَ فِي ظَنِّيّ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ شَيْء مِنْ هَذَا الْقِصَّة بِخُصُوصِهَا لِخُلُوِّ قِصَّة نَافِع بْن زَيْد عَنْ قَدْر زَائِد عَلَى حَدِيث عِمْرَان , إِلَّا أَنَّ فِي آخِره بَعْد قَوْله وَمَا فِيهِنَّ " وَاسْتَوَى عَلَى عَرْشه عَزَّ وَجَلَّ ".
الْحَدِيث الثَّانِي حَدِيث عُمَر قَالَ " قَامَ فِينَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْء الْخَلْق حَتَّى دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة مَنَازِلهمْ " الْحَدِيث.
قَوْلُهُ : ( وَرَوَى عِيسَى عَنْ رَقَبَة ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَسَقَطَ مِنْهُ رَجُل فَقَالَ اِبْن الْفَلَكِيّ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُون بَيْن عِيسَى وَرَقَبَة أَبُو حَمْزَة , وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو مَسْعُود , وَقَالَ الطَّرْقِيّ : سَقَطَ أَبُو حَمْزَة مِنْ كِتَاب الْفَرَبْرِيِّ وَثَبَتَ فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن شَاكِر فَعِنْده عَنْ الْبُخَارِيّ " رَوَى عِيسَى عَنْ أَبِي حَمْزَة عَنْ رَقَبَة قَالَ " وَكَذَا قَالَ اِبْن رُمَيْح عَنْ الْفَرَبْرِيِّ , قُلْت : وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " وَهُوَ يَرْوِي الصَّحِيح عَنْ الْجُرْجَانِيِّ عَنْ الْفَرَبْرِيِّ , فَالِاخْتِلَاف فِيهِ حِينَئِذٍ عَنْ الْفَرَبْرِيِّ , ثُمَّ رَأَيْته أَسْقَطَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَة النَّسَفِيِّ , لَكِنْ جَعَلَ بَيْن عِيسَى وَرَقَبَة ضَبَّة , وَيَغْلِب عَلَى الظَّنّ أَنَّ أَبَا حَمْزَة أَلْحَقَ فِي رِوَايَة الْجُرْجَانِيِّ وَقَدْ وَصَفُوهُ بِقِلَّةِ الْإِتْقَان , وَعِيسَى الْمَذْكُور هُوَ اِبْن مُوسَى الْبُخَارِيّ وَلَقَبه غُنْجَارٌ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَة ثُمَّ نُون سَاكِنَة ثُمَّ جِيم , وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِع , وَقَدْ وَصَلَ الْحَدِيث الْمَذْكُور مِنْ طَرِيق عِيسَى الْمَذْكُور عَنْ أَبِي حَمْزَة وَهُوَ مُحَمَّد بْنُ مَيْمُون السُّكَّرِيّ عَنْ رَقَبَة الطَّبَرَانِيِّ فِي مُسْنَد رَقَبَة الْمَذْكُور , وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَالْقَاف وَالْمُوَحَّدَة الْخَفِيفَة اِبْن مَصْقَلَةَ بِفَتْحِ الْمِيم وَسُكُون الصَّاد الْمُهْمَلَة وَقَدْ تُبَدَّل سِينًا بَعْدهَا قَاف , وَلَمْ يَنْفَرِد بِهِ عِيسَى فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق عَنْ أَبِي حَمْزَة نَحْوه , لَكِنْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
قَوْلُهُ : ( حَتَّى دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة ) هِيَ غَايَة قَوْله " أَخْبَرَنَا " أَيْ أَخْبَرَنَا عَنْ مُبْتَدَأ الْخَلْق شَيْئًا بَعْد شَيْء إِلَى أَنْ اِنْتَهَى الْإِخْبَار عَنْ حَال الِاسْتِقْرَار فِي الْجَنَّة وَالنَّار , وَوَضَعَ الْمَاضِي مَوْضِع الْمُضَارِع مُبَالَغَة لِلتَّحَقُّقِ الْمُسْتَفَاد مِنْ خَبَر الصَّادِق , وَكَانَ السِّيَاق يَقْتَضِي أَنْ يَقُول : حَتَّى يَدْخُل , وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ فِي الْمَجْلِس الْوَاحِد بِجَمِيعِ أَحْوَال الْمَخْلُوقَات مُنْذُ اُبْتُدِئَتْ إِلَى أَنْ تَفْنَى إِلَى أَنْ تُبْعَث , فَشَمِلَ ذَلِكَ الْإِخْبَار عَنْ الْمَبْدَأ وَالْمَعَاش وَالْمَعَاد , فِي تَيْسِير إِيرَاد ذَلِكَ كُلّه فِي مَجْلِس وَاحِد مِنْ خَوَارِق الْعَادَة أَمْر عَظِيم , وَيَقْرَب ذَلِكَ مَعَ كَوْن مُعْجِزَاته لَا مِرْيَة فِي كَثْرَتهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ جَوَامِع الْكَلِم , وَمِثْل هَذَا مِنْ جِهَة أُخْرَى مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ قَالَ " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَده كِتَابَانِ , فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَده الْيُمْنَى : هَذَا كِتَاب مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاء أَهْل الْجَنَّة وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ وَقَبَائِلهمْ ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرهمْ فَلَا يُزَاد فِيهِمْ وَلَا يُنْقَص مِنْهُمْ أَبَدًا ; ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَاله مِثْله فِي أَهْل النَّار , وَقَالَ فِي آخِر الْحَدِيث " فَقَالَ بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا ثُمَّ قَالَ فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنْ الْعِبَاد , فَرِيق فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير " وَإِسْنَاده حَسَن.
وَوَجْه الشَّبَه بَيْنهمَا أَنَّ الْأَوَّل فِيهِ تَيْسِير الْقَوْل الْكَثِير فِي الزَّمَن الْقَلِيل , وَهَذَا فِيهِ تَيْسِير الْجُرْم الْوَاسِع فِي الظَّرْف الضَّيِّق , وَظَاهِر قَوْله فَنَبَذَهُمَا بَعْد قَوْله وَفِي يَده كِتَابَانِ أَنَّهُمَا كَانَا مَرْئِيَّيْنِ لَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَلِحَدِيثِ الْبَاب شَاهِد مِنْ حَدِيث حُذَيْفَة سَيَأْتِي فِي كِتَاب الْقَدَر إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَمِنْ حَدِيث أَبِي زَيْد الْأَنْصَارِيّ أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَمُسْلِم قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الصُّبْح , فَصَعِدَ الْمِنْبَر فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتْ الظُّهْر , ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِنَا الظُّهْر.
ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَر فَخَطَبَنَا ثُمَّ صَلَّى الْعَصْر كَذَلِكَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس , فَحَدَّثَنَا بِمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِن , فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا " لَفْظ أَحْمَد.
وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا , وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثه مُطَوَّلًا , وَتَرْجَمَ لَهُ " بَاب مَا قَامَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " ثُمَّ سَاقَهُ بِلَفْظِ " صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا صَلَاة الْعَصْر ثُمَّ قَامَ يُحَدِّثنَا فَلَمْ يَدَع شَيْئًا يَكُون إِلَى قِيَام السَّاعَة إِلَّا أَخْبَرَنَا بِهِ , حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ " ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيث وَقَالَ : حَسَن.
وَفِي الْبَاب عَنْ حُذَيْفَة وَأَبِي زَيْد بْن أَخْطَبَ وَأَبِي مَرْيَم وَالْمُغِيرَة بْن شُعْبَة اِنْتَهَى.
وَلَمْ يَقَع لَهُ حَدِيث عُمَر حَدِيث الْبَاب وَهُوَ عَلَى شَرْطه , وَأَفَادَ حَدِيث أَبِي زَيْد بَيَان الْمَقَام الْمَذْكُور زَمَانًا وَمَكَانًا فِي حَدِيث عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَنَّهُ كَانَ عَلَى الْمِنْبَر مِنْ أَوَّل النَّهَار إِلَى أَنْ غَابَتْ الشَّمْس , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ قَالُوا قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالُوا جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ قَالَ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَنَادَى مُنَادٍ ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا ابْنَ الْحُصَيْنِ فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا هِيَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ فَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا وَرَوَى عِيسَى عَنْ رَقَبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أراه قال الله تعالى: يشتمني ابن آدم، وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني وما ينبغي له، أما...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي»
عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وكانت، بينه وبين أناس خصومة في أرض، فدخل على عائشة فذكر لها ذلك، فقالت: يا أبا سلمة، اجتنب ا...
عن سالم، عن أبيه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه، خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين»
عن أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم،...
عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أنه خاصمته أروى في حق زعمت أنه انتقصه لها إلى مروان، فقال سعيد: أنا أنتقص من حقها شيئا أشهد لسمعت رسول الله صلى الله ع...
عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لأبي ذر حين غربت الشمس: «أتدري أين تذهب؟»، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " فإنها تذهب حتى تسج...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة»
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يخبر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيا...