حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء: 125] (حديث رقم: 3357 )


3357- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثا» 3358 - حدثنا محمد بن محبوب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: " لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله عز وجل، قوله {إني سقيم} [الصافات: 89].
وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا} [الأنبياء: 63].
وقال: بينا هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي، فأتى سارة قال: يا سارة: ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني، فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله فأطلق، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق، فدعا بعض حجبته، فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان، إنما أتيتموني بشيطان، فأخدمها هاجر، فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده: مهيا، قالت: رد الله كيد الكافر، أو الفاجر، في نحره، وأخدم هاجر " قال أبو هريرة تلك أمكم يا بني ماء السماء

أخرجه البخاري


أخرجه مسلم في الفضائل باب من فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام رقم 2371.
(كذبات) أي فيما يظهر للناس وبالنسبة لفهم السامعين وهي ليست كذبا في حقيقة الأمر لأنها من المعاريض.
(ذات الله) أي لأجله.
(سقيم) مريض قال ذلك لقومه حتى لا يخرج معهم ويبقى ليكسر الأصنام / الصافات 89 / و / الأنبياء 63 /.
(فأخذ) اختنق حتى ضرب برجله الأرض كأنه مصروع.
(مهيا) كلمة يستفهم بها معناها ما حالك وما شأنك.
(تلك) أي هاجر عليها السلام.
(بني ماء السماء) أراد بهم العرب لأنهم يعيشون بالمطر ويتبعون مواقع القطر في البوادي لأجل المواشي

شرح حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا سَعِيد بْن تَلِيد ) ‏ ‏بِفَتْح الْمُثَنَّاة وَكَسْر اللَّام وَبَعْد التَّحْتَانِيَّة السَّاكِنَة مُهْمَلَة الرُّعَيْنِيُّ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَنُون مُصَغَّر مِصْرِيّ مَشْهُور , وَأَيُّوب هُوَ السِّخْتِيَانِيّ , وَمُحَمَّد هُوَ اِبْن سِيرِينَ.
وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّف مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ أَيُّوب وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب , وَلَمْ يَقَع التَّصْرِيح بِرَفْعِهِ فِي رِوَايَته , وَقَدْ رَوَاهُ فِي النِّكَاح عَنْ سُلَيْمَان بْن حَرْب عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد فَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظه , وَلَمْ يَقَع رَفْعُهُ هُنَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيِّ وَلَا كَرِيمَة , وَهُوَ الْمُعْتَمَد فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد , وَكَذَا رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر غَيْر مَرْفُوع , وَالْحَدِيث فِي الْأَصْل مَرْفُوع كَمَا فِي رِوَايَة جَرِير بْن حَازِم وَكَمَا فِي رِوَايَة هِشَام بْن حَسَّان عَنْ اِبْن سِيرِينَ عِنْد النَّسَائِيِّ وَالْبَزَّار وَابْن حِبَّان وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوع مِنْ رِوَايَة الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا , وَلَكِنَّ اِبْن سِيرِينَ كَانَ غَالِبًا لَا يُصَرِّح بِرَفْعِ كَثِير مِنْ حَدِيثه.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( لَمْ يَكْذِب إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَّا ثَلَاث كَذَبَات ) ‏ ‏قَالَ أَبُو الْبَقَاء : الْجَيِّد أَنْ يُقَال بِفَتْح الذَّال فِي الْجَمْع لِأَنَّهُ جَمْع كَذْبَة بِسُكُونِ الذَّال وَهُوَ اِسْم لَا صِفَة لِأَنَّك تَقُول كَذَبَ كَذْبَة كَمَا تَقُول رَكَعَ رَكْعَة وَلَوْ كَانَ صِفَة لَكَانَ فِي الْجَمْع , وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا الْحَصْر مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي زُرْعَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي حَدِيث الشَّفَاعَة الطَّوِيل فَقَالَ فِي قِصَّة إِبْرَاهِيم : وَذَكَرَ كَذَبَاته , ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيق أُخْرَى مِنْ هَذَا الْوَجْه وَقَالَ فِي آخِره , وَزَادَ فِي قِصَّة إِبْرَاهِيم وَذَكَرَ قَوْله فِي الْكَوْكَب : ( هَذَا رَبِّي ) وَقَوْله لِآلِهَتِهِمْ : ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ) وَقَوْله : ( إِنِّي سَقِيمٌ ) اِنْتَهَى.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : ذِكْر الْكَوْكَب يَقْتَضِي أَنَّهَا أَرْبَع , وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة اِبْن سِيرِينَ بِصِيغَةِ الْحَصْر فَيَحْتَاج فِي ذِكْر الْكَوْكَب إِلَى تَأْوِيل.
قُلْت : الَّذِي يَظْهَر أَنَّهَا وَهْم مِنْ بَعْض الرُّوَاة فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَوْله فِي الْكَوْكَب بَدَل قَوْله فِي سَارَةَ , وَالَّذِي اِتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الطُّرُق ذِكْر سَارَةَ دُون الْكَوْكَب , وَكَأَنَّهُ لَمْ يُعَدَّ مَعَ أَنَّهُ أَدْخَل مِنْ ذِكْر سَارَةَ لِمَا نُقِلَ أَنَّهُ قَالَهُ فِي حَال الطُّفُولِيَّة فَلَمْ يَعُدّهَا لِأَنَّ حَال الطُّفُولِيَّة لَيْسَتْ بِحَالِ تَكْلِيف وَهَذِهِ طَرِيقَة اِبْن إِسْحَاق , وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْد الْبُلُوغ لَكِنَّهُ قَالَهُ عَلَى طَرِيق الِاسْتِفْهَام الَّذِي يُقْصَد بِهِ التَّوْبِيخ , وَقِيلَ قَالَهُ عَلَى طَرِيق الِاحْتِجَاج عَلَى قَوْمه تَنْبِيه عَلَى أَنَّ الَّذِي يَتَغَيَّر لَا يَصْلُح لِلرُّبُوبِيَّةِ وَهَذَا قَوْل الْأَكْثَر إِنَّهُ قَالَ تَوْبِيخًا لِقَوْمِهِ أَوْ تَهَكُّمًا بِهِمْ وَهُوَ الْمُعْتَمَد , وَلِهَذَا لَمْ يُعَدّ ذَلِكَ فِي الْكَذَبَات وَأَمَّا إِطْلَاقه الْكَذِب عَلَى الْأُمُور الثَّلَاثَة فَلِكَوْنِهِ قَالَ قَوْلًا يَعْتَقِدهُ السَّامِع كَذِبًا لَكِنَّهُ إِذَا حُقِّقَ لَمْ يَكُنْ كَذِبًا لِأَنَّهُ مِنْ بَاب الْمَعَارِيض الْمُحْتَمِلَة لِلْأَمْرَيْنِ فَلَيْسَ بِكَذِبٍ مَحْض , فَقَوْله : ( إِنِّي سَقِيمٌ ) يُحْتَمَل أَنْ يَكُون أَرَادَ إِنِّي سَقِيمٌ أَيْ سَأُسْقَمُ وَاسْم الْفَاعِل يُسْتَعْمَل بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَل كَثِيرًا , وَيُحْتَمَل أَنَّهُ أَرَادَ إِنِّي سَقِيمٌ بِمَا قُدِّرَ عَلَيَّ مِنْ الْمَوْت أَوْ سَقِيم الْحُجَّة عَلَى الْخُرُوج مَعَكُمْ , وَحَكَى النَّوَوِيّ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ كَانَ تَأْخُذهُ الْحُمَّى فِي ذَلِكَ الْوَقْت , وَهُوَ بَعِيد لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كَذِبًا لَا تَصْرِيحًا وَلَا تَعْرِيضًا , وَقَوْله : ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ) قَالَ الْقُرْطُبِيّ هَذَا قَالَهُ تَمْهِيدًا لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ الْأَصْنَام لَيْسَتْ بِآلِهَةٍ وَقَطْعًا لِقَوْمِهِ فِي قَوْلهمْ إِنَّهَا تَضُرّ وَتَنْفَع , وَهَذَا الِاسْتِدْلَال يَتَجَوَّز فِيهِ الشَّرْط الْمُتَّصِل , وَلِهَذَا أَرْدَفَ قَوْله : ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ) بِقَوْلِهِ : ( فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ) قَالَ اِبْن قُتَيْبَة مَعْنَاهُ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ فَقَدْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا , فَالْحَاصِل أَنَّهُ مُشْتَرَط بِقَوْلِهِ : ( إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ) أَوْ أَنَّهُ أَسْنَدَ إِلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ السَّبَب.
وَعَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقِف عِنْد قَوْله بَلْ فَعَلَهُ أَيْ فَعَلَهُ مَنْ فَعَلَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ ثُمَّ يَبْتَدِئ كَبِيرهمْ هَذَا وَهَذَا خَبَر مُسْتَقِلّ ثُمَّ يَقُول فَاسْأَلُوهُمْ إِلَى آخِره , وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفه.
وَقَوْله " هَذِهِ أُخْتِي " يُعْتَذَر عَنْهُ بِأَنَّ مُرَاده أَنَّهَا أُخْته فِي الْإِسْلَام كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا , قَالَ اِبْن عُقَيْل : دَلَالَة الْعَقْل تَصْرِف ظَاهِر إِطْلَاق الْكَذِب عَلَى إِبْرَاهِيم , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَقْل قَطَعَ بِأَنَّ الرَّسُول يَنْبَغِي أَنْ يَكُون مَوْثُوقًا بِهِ لِيُعْلَم صِدْق مَا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّه , وَلَا ثِقَة مَعَ تَجْوِيز الْكَذِب عَلَيْهِ , فَكَيْفَ مَعَ وُجُود الْكَذِب مِنْهُ , إِنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ بِصُورَةِ الْكَذِب عِنْد السَّامِع , وَعَلَى تَقْدِيره فَلَمْ يَصْدُر ذَلِكَ مِنْ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام - يَعْنِي إِطْلَاق الْكَذِب عَلَى ذَلِكَ - إِلَّا فِي حَال شِدَّة الْخَوْف لِعُلُوِّ مَقَامه , وَإِلَّا فَالْكَذِب الْمَحْض فِي مِثْل تِلْكَ الْمَقَامَات يَجُوز , وَقَدْ يَجِب لِتَحَمُّلِ أَخَفّ الضَّرَرَيْنِ دَفْعًا لِأَعْظَمِهِمَا , وَأَمَّا تَسْمِيَته إِيَّاهَا كَذَبَات فَلَا يُرِيد أَنَّهَا تُذَمّ , فَإِنَّ الْكَذِب وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا مُخِلًّا لَكِنَّهُ قَدْ يَحْسُن فِي مَوَاضِع وَهَذَا مِنْهَا.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَات اللَّه ) ‏ ‏خَصَّهُمَا بِذَلِكَ لِأَنَّ قِصَّة سَارَةَ وَإِنْ كَانَتْ أَيْضًا فِي ذَات اللَّه لَكِنْ تَضَمَّنَتْ حَظًّا لِنَفْسِهِ وَنَفْعًا لَهُ بِخِلَافِ الثِّنْتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا فِي ذَات اللَّه مَحْضًا , وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة هِشَام بْن حَسَّان الْمَذْكُورَة " إِنَّ إِبْرَاهِيم لَمْ يَكْذِب قَطُّ إِلَّا ثَلَاث كَذَبَات كُلّ ذَلِكَ فِي ذَات اللَّه " وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عَنْ أَحْمَد " وَاللَّهِ إِنْ جَادَلَ بِهِنَّ إِلَّا عَنْ دِين اللَّه ".
‏ ‏قَوْلُهُ : ( بَيْنَا هُوَ ذَات يَوْم وَسَارَةَ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة مُسْلِم " وَوَاحِدَة فِي شَأْن سَارَةَ " فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْض جَبَّار وَمَعَهُ سَارَةَ وَكَانَتْ أَحْسَن النَّاس وَاسْم الْجَبَّار الْمَذْكُور عَمْرو بْن اِمْرِئِ الْقَيْس بْن سَبَأ وَإِنَّهُ كَانَ عَلَى مِصْر , ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ وَهُوَ قَوْل اِبْن هِشَام فِي " التِّيجَان " وَقِيلَ : اِسْمه صَادُوقٌ وَحَكَاهُ اِبْن قُتَيْبَة وَكَانَ عَلَى الْأُرْدُنّ , وَقِيلَ : سِنَان بْن عِلْوَان بْن عُبَيْد بْن عَرِيج بْن عِمْلَاق بْن لَاوِدِ بْن سَام بْن نُوح حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ وَيُقَال إِنَّهُ أَخُو الضَّحَّاك الَّذِي مَلَكَ الْأَقَالِيم.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَذَا رَجُل ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي " إِنَّ هَاهُنَا رَجُلًا " وَفِي كِتَاب التِّيجَان أَنَّ قَائِل ذَلِكَ رَجُل كَانَ إِبْرَاهِيم يَشْتَرِي مِنْهُ الْقَمْح فَنَمَّ عَلَيْهِ عِنْد الْمَلِك , وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ جُمْلَة مَا قَالَهُ لِلْمَلِكِ إِنِّي رَأَيْتهَا تَطْحَن , وَهَذَا هُوَ السَّبَب فِي إِعْطَاء الْمَلِك لَهَا هَاجَرَ فِي آخِر الْأَمْر وَقَالَ إِنَّ هَذِهِ لَا تَصْلُح أَنْ تَخْدِم نَفْسهَا.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( مِنْ أَحْسَن النَّاس ) ‏ ‏فِي صَحِيح مُسْلِم فِي حَدِيث الْإِسْرَاء الطَّوِيل مِنْ رِوَايَة ثَابِت عَنْ أَنَس فِي ذِكْر يُوسُف أُعْطِيَ شَطْر الْحُسْن , زَادَ أَبُو يَعْلَى مِنْ هَذَا الْوَجْه أُعْطِيَ يُوسُف وَأُمّه شَطْر الْحُسْن يَعْنِي سَارَةَ , وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج الْمَاضِيَة فِي أَوَاخِر الْبُيُوع " هَاجَرَ إِبْرَاهِيم بِسَارَةَ فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَة فِيهَا مَلِك أَوْ جَبَّار , فَقِيلَ : دَخَلَ إِبْرَاهِيم بِامْرَأَةٍ هِيَ مِنْ أَحْسَن النِّسَاء " وَاخْتُلِفَ فِي وَالِد سَارَةَ مَعَ الْقَوْل بِأَنَّ اِسْمه هَارَان فَقِيلَ : هُوَ مَلِك حَرَّان وَإِنَّ إِبْرَاهِيم تَزَوَّجَهَا لَمَّا هَاجَرَ مِنْ بِلَاد قَوْمه إِلَى حَرَّان وَقِيلَ : هِيَ اِبْنَة أَخِيهِ وَكَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَة حَكَاهُ اِبْن قُتَيْبَة وَالنَّقَّاش وَاسْتُبْعِدَ , وَقِيلَ : بَلْ هِيَ بِنْت عَمّه , وَتُوَافِق الِاسْمَانِ , وَقَدْ قِيلَ فِي اِسْم أَبِيهَا تَوْبَل.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُخْتِي فَأَتَى سَارَةَ فَقَالَ يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْه الْأَرْض إِلَخْ ) ‏ ‏هَذَا ظَاهِر فِي أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهَا أَوَّلًا ثُمَّ أَعْلَمَهَا بِذَلِكَ لِئَلَّا تَكْذِبهُ عِنْده , وَفِي رِوَايَة هِشَام بْن حَسَّان أَنَّهُ قَالَ لَهَا : " إِنَّ هَذَا الْجَبَّار إِنْ يَعْلَم أَنَّك اِمْرَأَتِي يَغْلِبنِي عَلَيْك فَإِنْ سَأَلَك فَأَخْبِرِيهِ أَنَّك أُخْتِي , وَأَنَّك أُخْتِي فِي الْإِسْلَام , فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضه رَآهَا بَعْض أَهْل الْجَبَّار فَأَتَاهُ فَقَالَ : لَقَدْ قَدِمَ أَرْضك اِمْرَأَة لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُون إِلَّا لَك , فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا " الْحَدِيث فَيُمْكِن أَنْ يُجْمَع بَيْنهمَا بِأَنَّ إِبْرَاهِيم أَحَسَّ بِأَنَّ الْمَلِك سَيَطْلُبُهَا مِنْهُ فَأَوْصَاهَا بِمَا أَوْصَاهَا , فَلَمَّا وَقَعَ مَا حَسِبَهُ أَعَادَ عَلَيْهَا الْوَصِيَّة.
وَاخْتُلِفَ فِي السَّبَب الَّذِي حَمَلَ إِبْرَاهِيم عَلَى هَذِهِ الْوَصِيَّة مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الظَّالِم يُرِيد اِغْتِصَابهَا عَلَى نَفْسهَا أُخْتًا كَانَتْ أَوْ زَوْجَة , فَقِيلَ : كَانَ مِنْ دِين ذَلِكَ الْمَلِك أَنْ لَا يَتَعَرَّض إِلَّا لِذَوَاتِ الْأَزْوَاج , كَذَا قِيلَ , وَيَحْتَاج إِلَى تَتِمَّة وَهُوَ أَنَّ إِبْرَاهِيم أَرَادَ دَفْع أَعْظَم الضَّرَرَيْنِ بِارْتِكَابِ أَخَفّهمَا , وَذَلِكَ أَنَّ اِغْتِصَاب الْمَلِك إِيَّاهَا وَاقِع لَا مَحَالَة , لَكِنْ إِنْ عَلِمَ أَنَّ لَهَا زَوْجًا فِي الْحَيَاة حَمَلَتْهُ الْغَيْرَة عَلَى قَتْله وَإِعْدَامه أَوْ حَبْسه وَإِضْرَاره , بِخِلَافِ مَا إِذَا عَلِمَ أَنَّ لَهَا أَخًا فَإِنَّ الْغَيْرَة حِينَئِذٍ تَكُون مِنْ قِبَل الْأَخ خَاصَّة لَا مِنْ قِبَل الْمَلِك فَلَا يُبَالِي بِهِ.
وَقِيلَ : أَرَادَ إِنْ عَلِمَ أَنَّك اِمْرَأَتِي أَلْزَمَنِي بِالطَّلَاقِ , وَالتَّقْرِير الَّذِي قَرَّرْته جَاءَ صَرِيحًا عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه فِيمَا أَخْرَجَهُ عَبْد بْن حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيره مِنْ طَرِيقه.
وَقِيلَ : مِنْ دِين الْمَلِك أَنَّ الْأَخ أَحَقّ بِأَنْ تَكُون أُخْته زَوْجَته مِنْ غَيْره فَلِذَلِكَ قَالَ هِيَ أُخْتِي اِعْتِمَادًا عَلَى مَا يَعْتَقِدهُ الْجَبَّار فَلَا يُنَازِعهُ فِيهَا , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ هِيَ أُخْتِي وَأَنَا زَوْجهَا فَلِمَ اِقْتَصَرَ عَلَى قَوْله هِيَ أُخْتِي ؟ وَأَيْضًا فَالْجَوَاب إِنَّمَا يُفِيد لَوْ كَانَ الْجَبَّار يُرِيد أَنْ يَتَزَوَّجهَا لَا أَنْ يَغْتَصِبهَا نَفْسهَا.
وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ فِي " حَاشِيَة السُّنَن " عَنْ بَعْض أَهْل الْكِتَاب أَنَّهُ كَانَ مِنْ رَأْي الْجَبَّار الْمَذْكُور أَنَّ مَنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَة لَا يَقْرَبهَا حَتَّى يَقْتُل زَوْجهَا فَلِذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيم هِيَ أُخْتِي , لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ عَادِلًا خَطَبَهَا مِنْهُ ثُمَّ يَرْجُو مُدَافَعَته عَنْهَا , وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا خَلَصَ مِنْ الْقَتْل , وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ مِمَّا قَرَّرْته أَوَّلًا , وَهَذَا أُخِذَ مِنْ كَلَام اِبْن الْجَوْزِيّ فِي " مُشْكِل الصَّحِيحَيْنِ " فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ بَعْض عُلَمَاء أَهْل الْكِتَاب أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِهِ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( لَيْسَ عَلَى وَجْه الْأَرْض مُؤْمِن غَيْرِي وَغَيْرك ) ‏ ‏يَشْكُل عَلَيْهِ كَوْن لُوط كَانَ مَعَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( فَآمَنَ لَهُ لُوط ) , وَيُمْكِن أَنْ يُجَاب بِأَنَّ مُرَاده بِالْأَرْضِ الْأَرْض الَّتِي وَقَعَ لَهُ فِيهَا مَا وَقَعَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ لُوط إِذْ ذَاكَ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ ) ‏ ‏كَذَا فِي أَكْثَر الرِّوَايَات , وَفِي بَعْضهَا " ذَهَبَ يُنَاوِلهَا يَده " وَفِي رِوَايَة مُسْلِم " فَقَامَ إِبْرَاهِيم إِلَى الصَّلَاة , فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمَلِك لَمْ يَتَمَالَك أَنْ بَسَطَ يَده إِلَيْهَا فَقَبَضَتْ يَده قَبْضَة شَدِيدَة " وَفِي رِوَايَة أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج مِنْ الزِّيَادَة " فَقَامَ إِلَيْهَا فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي " وَقَوْله فِي هَذِهِ الرِّوَايَة : " فَغُطَّ " هُوَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَة فِي أَوَّله , وَقَوْله : حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ يَعْنِي أَنَّهُ اِخْتَنَقَ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ مَصْرُوع , قِيلَ : الْغَطّ صَوْت النَّائِم مِنْ شِدَّة النَّفْخ , وَحَكَى اِبْن التِّين أَنَّهُ ضُبِطَ فِي بَعْض الْأُصُول " فَغَطَّ " بِفَتْح الْغَيْن وَالصَّوَاب ضَمّهَا , وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنَّهُ عُوقِبَ تَارَة بِقَبْضِ يَده وَتَارَة بِانْصِرَاعِهِ.
وَقَوْله : " فَدَعَتْ " مِنْ الدُّعَاء فِي رِوَايَة الْأَعْرَج الْمَذْكُورَة وَلَفْظه " فَقَالَتْ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْت تَعْلَم أَنِّي آمَنْت بِك وَبِرَسُولِك وَأَحْصَنْت فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي فَلَا تُسَلِّط عَلَيَّ الْكَافِر " وَيُجَاب عَنْ قَوْلهَا " إِنْ كُنْت " مَعَ كَوْنهَا قَاطِعَة بِأَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى يَعْلَم ذَلِكَ بِأَنَّهَا ذَكَرَتْهُ عَلَى سَبِيل الْفَرْض هَضْمًا لِنَفْسِهَا.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَقَالَ اِدْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرّك ) ‏ ‏فِي رِوَايَة مُسْلِم " فَقَالَ لَهَا اِدْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِق يَدَيَّ فَفَعَلَتْ " فِي رِوَايَة أَبِي الزِّنَاد الْمَذْكُورَة " قَالَ أَبُو سَلَمَة قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : قَالَتْ اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ يَقُولُوا هِيَ الَّتِي قَتَلَتْهُ قَالَ فَأُرْسِلَ ".
‏ ‏قَوْلُهُ : ( ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَة ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْأَعْرَج " ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي ".
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة مُسْلِم " فَقَبَضَتْ أَشَدَّ مِنْ الْقَبْضَة الْأُولَى ".
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَدَعَا بَعْض حَجَبَتِهِ ) ‏ ‏بِفَتْح الْمُهْمَلَة وَالْجِيم وَالْمُوَحَّدَة جَمْع حَاجِب , فِي رِوَايَة مُسْلِم " وَدَعَا الَّذِي جَاءَ بِهَا " وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اِسْمه.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( إِنَّك لَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ , إِنَّمَا أَتَيْتنِي بِشَيْطَانٍ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْأَعْرَج " مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلَّا شَيْطَانًا , أَرْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيم " وَهَذَا يُنَاسِب مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الصَّرْع , وَالْمُرَاد بِالشَّيْطَانِ الْمُتَمَرِّد مِنْ الْجِنّ , وَكَانُوا قَبْل الْإِسْلَام يُعَظِّمُونَ أَمْر الْجِنّ جِدًّا وَيَرَوْنَ كُلّ مَا وَقَعَ مِنْ الْخَوَارِق مِنْ فِعْلهمْ وَتَصَرُّفهمْ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ ) ‏ ‏أَيْ وَهَبَهَا لَهَا لِتَخْدُمهَا لِأَنَّهُ أَعْظَمهَا أَنْ تَخْدِم نَفْسهَا.
وَفِي رِوَايَة مُسْلِم " فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِي وَأَعْطِهَا آجَرَ " ذَكَرَهَا بِهَمْزَةٍ بَدَل الْهَاء , وَهِيَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَة الْأَعْرَج وَالْجِيم مَفْتُوحَة عَلَى كُلّ حَال وَهِيَ اِسْم سُرْيَانِيّ , وَيُقَال إِنَّ أَبَاهَا كَانَ مِنْ مُلُوك الْقِبْط وَإِنَّهَا مِنْ حَفْن بِفَتْح الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْفَاء قَرْيَة بِمِصْرَ , قَالَ الْيَعْقُوبِيّ : كَانَتْ مَدِينَة اِنْتَهَى , وَهِيَ الْآن كَفْر مِنْ عَمَل أَنِصْنَا بِالْبَرِّ الشَّرْقِيّ مِنْ الصَّعِيد فِي مُقَابَلَة الْأَشْمُونِيِّينَ , وَفِيهَا آثَار عَظِيمَة بَاقِيَة.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَأَتَتْهُ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة " فَأَقْبَلَتْ تَمْشِي فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيم ".
‏ ‏قَوْلُهُ : ( مَهِيم ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي " مَهْيًا " وَفِي رِوَايَة اِبْن السَّكَن " مَهِين " بِنُونِ وَهِيَ بَدَل الْمِيم , وَكَأَنَّ الْمُسْتَمْلِي لَمَّا سَمِعَهَا بِنُونِ ظَنَّهَا نُون تَنْوِين , وَيُقَال إِنَّ الْخَلِيل أَوَّل مَنْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَة وَمَعْنَاهَا مَا الْخَبَرُ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( رَدَّ اللَّه كَيْد الْكَافِر - أَوْ الْفَاجِر - فِي نَحْره ) ‏ ‏هَذَا مَثَل تَقُولهُ الْعَرَب لِمَنْ أَرَادَ أَمْرًا بَاطِلًا فَلَمْ يَصِل إِلَيْهِ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْأَعْرَج.
أَشَعَرْت أَنَّ اللَّه كَبَتَ الْكَافِر وَأَخْدَمَ وَلِيدَة " أَيْ جَارِيَة لِلْخِدْمَةِ , وَكَبَتَ بِفَتْح الْكَاف وَالْمُوَحَّدَة ثُمَّ مُثَنَّاة أَيْ رَدَّهُ خَاسِئًا , وَيُقَال أَصْله " كَبَد " أَيْ بَلَغَ الْهَمُّ كَبِدَهُ ثُمَّ أُبْدِلَتْ الدَّال مُثَنَّاة , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون " وَأَخْدَمَ " مَعْطُوفًا عَلَى " كَبَتَ " وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون فَاعِل أَخْدَمَ هُوَ الْكَافِر فَيَكُون اِسْتِئْنَافًا.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : تِلْكَ أُمّكُمْ يَا بَنِي مَاء السَّمَاء ) ‏ ‏كَأَنَّهُ خَاطَبَ بِذَلِكَ الْعَرَب لِكَثْرَةِ مُلَازَمَتهمْ لِلْفَلَوَاتِ الَّتِي بِهَا مَوَاقِع الْقَطْر لِأَجْلِ رَعْي دَوَابّهمْ , فَفِيهِ تَمَسُّك لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَرَب كُلّهمْ مِنْ وَلَد إِسْمَاعِيل , وَقِيلَ : أَرَادَ بِمَاءِ السَّمَاء زَمْزَم لِأَنَّ اللَّه أَنْبَعَهَا لِهَاجَرَ فَعَاشَ وَلَدهَا بِهَا فَصَارُوا كَأَنَّهُمْ أَوْلَادهَا قَالَ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه : كُلّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَد إِسْمَاعِيل يُقَال لَهُ مَاء السَّمَاء , لِأَنَّ إِسْمَاعِيل وَلَد هَاجَرَ وَقَدْ رُبِّيَ بِمَاءِ زَمْزَم وَهِيَ مِنْ مَاء السَّمَاء.
وَقِيلَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِخُلُوصِ نَسَبهمْ وَصَفَائِهِ فَأَشْبَهَ مَاء السَّمَاء وَعَلَى هَذَا فَلَا مُتَمَسِّك فِيهِ , وَقِيلَ : الْمُرَاد بِمَاءِ السَّمَاء عَامِر وَلَد عَمْرو بْن عَامِر بْن بُقْيَا بْن حَارِثَة بْن الْغِطْرِيف وَهُوَ جَدّ الْأَوْس وَالْخَزْرَج , قَالُوا : إِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا قُحِطَ النَّاس أَقَامَ لَهُمْ مَاله مَقَام الْمَطَر , وَهَذَا أَيْضًا عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْعَرَب كُلّهَا مِنْ وَلَد إِسْمَاعِيل , وَسَيَأْتِي زِيَادَة فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي أَوَائِل الْمَنَاقِب إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَفِي الْحَدِيث مَشْرُوعِيَّة أُخُوَّة الْإِسْلَام وَإِبَاحَة الْمَعَارِيض , وَالرُّخْصَة فِي الِانْقِيَاد لِلظَّالِمِ وَالْغَاصِب , وَقَبُول صِلَة الْمَلِك الظَّالِم , وَقَبُول هَدِيَّة الْمُشْرِك , وَإِجَابَة الدُّعَاء بِإِخْلَاصِ النِّيَّة , وَكِفَايَة الرَّبّ لِمَنْ أَخْلَصَ فِي الدُّعَاء بِعَمَلِهِ الصَّالِح , وَسَيَأْتِي نَظِيره فِي قِصَّة أَصْحَاب الْغَار.
وَفِيهِ اِبْتِلَاء الصَّالِحِينَ لِرَفْعِ دَرَجَاتهمْ , وَيُقَال إِنَّ اللَّه كَشَفَ لِإِبْرَاهِيم حَتَّى رَأَى حَال الْمَلِك مَعَ سَارَةَ مُعَايَنَة وَإِنَّهُ لَمْ يَصِل مِنْهَا إِلَى شَيْء , ذُكِرَ ذَلِكَ فِي " التِّيجَان " وَلَفْظه " فَأَمَرَ بِإِدْخَالِ إِبْرَاهِيم وَسَارَّة عَلَيْهِ ثُمَّ نَحَّى إِبْرَاهِيم إِلَى خَارِج الْقَصْر وَقَامَ إِلَى سَارَةَ , فَجَعَلَ اللَّه الْقَصْر لِإِبْرَاهِيم كَالْقَارُورَةِ الصَّافِيَة فَصَارَ يَرَاهُمَا وَيَسْمَع كَلَامهمَا " وَفِيهِ أَنَّ مَنْ نَابَهُ أَمْر مُهِمّ مِنْ الْكَرْب يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْزَع إِلَى الصَّلَاة.
وَفِيهِ أَنَّ الْوُضُوء كَانَ مَشْرُوعًا لِلْأُمَمِ قَبْلنَا وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِهَذِهِ الْأُمَّة وَلَا بِالْأَنْبِيَاءِ , لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ سَارَةَ , وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَبِيَّةٍ.


حديث لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثا حدثنا محمد بن محبوب حدثنا حماد بن زيد

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏ابْنُ وَهْبٍ ‏ ‏قَالَ أَخْبَرَنِي ‏ ‏جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَيُّوبَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏لَمْ يَكْذِبْ ‏ ‏إِبْرَاهِيمُ ‏ ‏إِلَّا ثَلَاثًا ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَيُّوبَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏لَمْ يَكْذِبْ ‏ ‏إِبْرَاهِيمُ ‏ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏ ‏إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ ‏ { ‏إِنِّي ‏ ‏سَقِيمٌ ‏ } ‏وَقَوْلُهُ ‏ { ‏بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ‏} ‏وَقَالَ بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ ‏ ‏وَسَارَةُ ‏ ‏إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُخْتِي فَأَتَى ‏ ‏سَارَةَ ‏ ‏قَالَ يَا ‏ ‏سَارَةُ ‏ ‏لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي فَلَا تُكَذِّبِينِي فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتْ اللَّهَ فَأُطْلِقَ ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ فَأَخْدَمَهَا ‏ ‏هَاجَرَ ‏ ‏فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ ‏ ‏يُصَلِّي فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ مَهْيَا قَالَتْ رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ أَوْ الْفَاجِرِ فِي نَحْرِهِ وَأَخْدَمَ ‏ ‏هَاجَرَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَبُو هُرَيْرَةَ ‏ ‏تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

أمر بقتل الوزغ

عن سعيد بن المسيب، عن أم شريك رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، " أمر بقتل الوزغ، وقال: كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام "

لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم

عن عبد الله رضي الله عنه، قال: لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا} [الأنعام: 82] إيمانهم بظلم، قلنا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟ قال: " ليس كما تقو...

يجمع يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم يوما بلحم فقال: " إن الله يجمع يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي...

يرحم الله أم إسماعيل لولا أنها عجلت لكان زمزم عينا...

عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «يرحم الله أم إسماعيل، لولا أنها عجلت، لكان زمزم عينا معينا» قال الأنصاري، حدثنا ابن جري...

الله أمرك بهذا اذهب فلن يضيعنا الله - قصة هاجر

عن سعيد بن جبير، قال ابن عباس: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ت...

اسماعيل وامه اول من سكن مكة

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان، خرج بإسماعيل وأم إسماعيل، ومعهم شنة فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة، ف...

قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول

عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه، قال: قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام» قال: قلت: ثم أي؟ قال...

هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني...

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، طلع له أحد فقال: «هذا جبل يحبنا ونحبه، اللهم إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين لابتيه...

ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إ...

عن عائشة رضي الله عنهم، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم»...