3426- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " مثلي ومثل الناس، كمثل رجل استوقد نارا، فجعل الفراش وهذه الدواب تقع في النار، 3427 - وقال: كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى " قال أبو هريرة: والله إن سمعت بالسكين إلا يومئذ، وما كنا نقول إلا المدية
أخرجه مسلم في الأقضية باب بيان اختلاف المجتهدين رقم 1720.
(مثلي ومثل الناس) حالي وشأني في دعوتهم إلى الإسلام المنقذ لهم من النار مع حالهم وشأنهم في إقبالهم على ما تزين لهم أنفسهم من التمادي في الباطل.
(تقع في النار) أي وهو يحاول دفعهم عنها.
(هو ابنها) قالت ذلك حتى لا يشقه خوفا عليه لأنه ابنها في الحقيقة.
(إن سمعت) ما سمعت
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله فِي الْإِسْنَاد : ( عَنْ عَبْد الرَّحْمَن ) هُوَ الْأَعْرَج , وَهُوَ كَذَلِكَ فِي نُسْخَة شُعَيْب عَنْ أَبِي الزِّنَاد عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ.
قَوْله : ( أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : مَثَلِي وَمَثَل النَّاس كَمَثَلِ رَجُل اِسْتَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْفَرَاش وَهَذِهِ الدَّوَابّ تَقَع فِي النَّار , وَقَالَ كَانَتْ اِمْرَأَتَانِ مَعَهُمَا اِبْنَاهُمَا ) هَكَذَا أَوْرَدَهُ , وَمُرَاده الْحَدِيث الثَّانِي فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَدْخُل فِي تَرْجَمَة سُلَيْمَان , وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ مَا قَبْله - وَهُوَ طَرَف مِنْ حَدِيث طَوِيل - لِكَوْنِهِ سَمِعَ نُسْخَة شُعَيْب عَنْ أَبِي الزِّنَاد , وَهَذَا الْحَدِيث مُقَدَّم عَلَى الْآخَر , وَسَمِعَ الْإِسْنَاد فِي السَّابِق دُون الَّذِي يَلِيه فَاحْتَاجَ أَنْ يَذْكُر شَيْئًا مِنْ لَفْظ الْحَدِيث الْأَوَّل لِأَجْلِ الْإِسْنَاد , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَة لِلْمُصَنِّفِ مِثْل هَذَا الصَّنِيع فَذَكَرَ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَة بِعَيْنِهَا حَدِيث " لَا يَبُولَن أَحَدكُمْ فِي الْمَاء الدَّائِم " وَذَكَرَ قَبْله طَرَفًا مِنْ حَدِيث " نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ " وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الْجُمُعَة حَدِيث " نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ " لَمْ يَضُمّ مَعَهُ شَيْئًا , وَذَكَرَ فِي الْجِهَاد حَدِيث " مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه " الْحَدِيث فَقَالَ قَبْله : " نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ " أَيْضًا , وَذَكَرَ فِي الدِّيَات حَدِيث " لَوْ اِطَّلَعَ عَلَيْك رَجُل " وَقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْله أَيْضًا , لَكِنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيث الْمَرْأَتَيْنِ فِي الْفَرَائِض وَلَمْ يَضُمّ مَعَهُ فِي أَوَّله شَيْئًا مِنْ الْحَدِيث الْآخَر وَكَذَا فِي بَقِيَّة هَذِهِ النُّسْخَة فَلَمْ يَطَّرِد لِلْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ عَمَل , وَكَأَنَّهُ حَيْثُ ضَمَّ إِلَيْهِ شَيْئًا أَرَادَ الِاحْتِيَاط , وَحَيْثُ لَمْ يَضُمّ نَبَّهَ عَلَى الْجَوَاز وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مُسْلِم فَإِنَّهُ فِي نُسْخَة هَمَّام عَنْ أَبِي هُرَيْرَة يُنَبِّه عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَع الْإِسْنَاد فِي كُلّ حَدِيث مِنْهَا فَإِنَّهُ يَسُوق الْإِسْنَاد إِلَى أَبِي هُرَيْرَة ثُمَّ يَقُول : فَذَكَرَ أَحَادِيث مِنْهَا كَذَا وَكَذَا.
وَصَنِيعه فِي ذَلِكَ حَسَن جِدًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
( تَنْبِيه ) : لَمْ أَرَ الْحَدِيث الْأَوَّل تَامًّا فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ , وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْحُمَيْدِيّ فِي " الْجَمْع " مِنْ طَرِيق شُعَيْب هَذِهِ وَسَاقَ الْمَتْن بِتَمَامِهِ وَقَالَ : إِنَّهُ لَفْظ الْبُخَارِيّ وَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَة مُغِيرَة وَسُفْيَان عَنْ أَبِي الزِّنَاد بِهِ , وَمِنْ طَرِيق هَمَّام عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الْمِزِّيُّ أَنَّ الْبُخَارِيّ أَخْرَجَهُ فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء , فَإِنْ كَانَ عَنَى هَذَا الْمَوْضِع فَلَيْسَ هُوَ فِيهِ بِتَمَامِهِ , وَإِنْ كَانَ عَنَى مَوْضِعًا آخَر فَلَمْ أَرَهُ فِيهِ.
ثُمَّ وَجَدْته فِي " بَاب الِانْتِهَاء عَنْ الْمَعَاصِي " مِنْ كِتَاب الرِّقَاق , وَيَأْتِي شَرْحه هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( مَثَلِي ) أَيْ فِي دُعَائِي النَّاس إِلَى الْإِسْلَام الْمُنْقِذ لَهُمْ مِنْ النَّار وَمَثَل مَا تُزَيِّن لَهُمْ أَنْفُسهمْ مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْبَاطِل ( كَمَثَلِ رَجُل إِلَخْ ) وَالْمُرَاد تَمْثِيل الْجُمْلَة بِالْجُمْلَةِ لَا تَمْثِيل فَرْد بِفَرْد.
قَوْله : ( اِسْتَوْقَدَ ) أَيْ أَوْقَدَ , وَزِيَادَة السِّين وَالتَّاء لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ عَالَجَ إِيقَادهَا وَسَعَى فِي تَحْصِيل آلَاتهَا.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث جَابِر عِنْد مُسْلِم " مَثَلِي وَمَثَلكُمْ كَمَثَلِ رَجُل أَوْقَدَ نَارًا " زَادَ أَحْمَد وَمُسْلِم مِنْ رِوَايَة هَمَّام عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْله ".
قَوْله : ( فَجَعَلَ الْفَرَاش ) بِفَتْحِ الْفَاء وَالشِّين الْمُعْجَمَة مَعْرُوف وَيُطْلَق الْفِرَاش أَيْضًا عَلَى غَوْغَاء الْجَرَاد الَّذِي يَكْثُر وَيَتَرَاكَم.
وَقَالَ فِي " الْمُحْكَم " الْفَرَاش دَوَابّ مِثْل الْبَعُوض وَاحِدَتهَا فَرَاشَة , وَقَدْ شَبَّهَ اللَّه تَعَالَى النَّاس فِي الْمَحْشَر بِالْفِرَاشِ الْمَبْثُوث أَيْ فِي الْكَثْرَة وَالِانْتِشَار وَالْإِسْرَاع إِلَى الدَّاعِي.
قَوْله : ( وَهَذِهِ الدَّوَابّ تَقَع فِي النَّار ) قُلْت : مِنْهَا الْبَرْغَش وَالْبَعُوض , وَوَقَعَ فِي حَدِيث جَابِر " فَجَعَلَ الْجَنَابِذ وَالْفِرَاش " وَالْجَنَابِذ جَمْع جُنْبُذ وَهُوَ عَلَى الْقَلْب , وَالْمَعْرُوف الْجَنَادِب جَمْع جُنْدُب بِفَتْحِ الدَّال وَضَمّهَا وَالْجِيم مَضْمُومَة وَقَدْ تُكْسَر , وَهُوَ عَلَى خِلْقَة الْجَرَادَة يَصِرّ فِي اللَّيْل صَرَّا شَدِيدًا , وَقِيلَ : إِنّ ذَكَرَ الْجَرَادِ يُسَمَّى أَيْضًا الْجُنْدُب.
قَوْله : ( تَقَع فِي النَّار ) كَذَا فِيهِ , وَإِنَّمَا هُوَ فِي نُسْخَة شُعَيْب كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " : " وَهَذِهِ الدَّوَابّ الَّتِي تَقَعْنَ فِي النَّار تَقَعْنَ فِيهَا " قَالَ النَّوَوِيّ : مَقْصُود الْحَدِيث أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ الْمُحَالِفِينَ لَهُ بِالْفَرَاشِ وَتَسَاقُطهمْ فِي نَار الْآخِرَة بِتَسَاقُطِ الْفِرَاش فِي نَار الدُّنْيَا مَعَ حِرْصهمْ عَلَى الْوُقُوع فِي ذَلِكَ وَمَنْعه إِيَّاهُمْ , وَالْجَامِع بَيْنهمَا اِتِّبَاع الْهَوَى وَضَعْف التَّمْيِيز وَحِرْص كُلّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى هَلَاك نَفْسه.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : هَذَا مِثْل كَثِير الْمَعَانِي , وَالْمَقْصُود أَنَّ الْخَلْق لَا يَأْتُونَ مَا يَجُرّهُمْ إِلَى النَّار عَلَى قَصْد الْهَلَكَة , وَإِنَّمَا يَأْتُونَهُ عَلَى قَصْد الْمَنْفَعَة وَاتِّبَاع الشَّهْوَة , كَمَا أَنَّ الْفَرَاش يَقْتَحِم النَّار لَا لِيَهْلَك فِيهَا بَلْ لِمَا يُعْجِبهُ مِنْ الضِّيَاء.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا لَا تُبْصِر بِحَالِ وَهُوَ بَعِيد , وَإِنَّمَا قِيلَ إِنَّهَا تَكُون فِي ظُلْمَة فَإِذَا رَأَتْ الضِّيَاء اِعْتَقَدَتْ أَنَّهَا كُوَّة يَظْهَر مِنْهَا النُّور فَتَقْصِدهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَتَحْتَرِق وَهِيَ لَا تَشْعُر.
وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ لِضَعْفِ بَصَرهَا فَتَظُنّ أَنَّهَا فِي بَيْت مُظْلِم وَأَنَّ السِّرَاج مَثَلًا كُوَّة فَتَرْمِي بِنَفْسِهَا إِلَيْهِ وَهِيَ مِنْ شِدَّة طَيَرَانهَا تُجَاوِزهُ فَتَقَع فِي الظُّلْمَة فَتَرْجِع إِلَى أَنْ تَحْتَرِق.
وَقِيلَ : إِنَّهَا تَتَضَرَّر بِشِدَّةِ النُّور فَتَقْصِد إِطْفَاءَهُ فَلِشِدَّةِ جَهْلهَا تُوَرِّط نَفْسهَا فِيمَا لَا قُدْرَة لَهَا عَلَيْهِ , ذَكَرَ مُغَلْطَاي أَنَّهُ سَمِعَ بَعْض مَشَايِخ الطِّبّ يَقُولهُ.
وَقَالَ الْغَزَالِيّ : التَّمْثِيل وَقَعَ عَلَى صُورَة الْإِكْبَاب عَلَى الشَّهَوَات مِنْ الْإِنْسَان بِإِكْبَابِ الْفَرَاش عَلَى التَّهَافُت فِي النَّار , وَلَكِنّ جَهْل الْآدَمِيّ أَشَدّ مِنْ جَهْل الْفَرَاش ; لِأَنَّهَا بِاغْتِرَارِهَا بِظَوَاهِر الضَّوْء إِذَا اِحْتَرَقَتْ اِنْتَهَى عَذَابهَا فِي الْحَال , وَالْآدَمِيّ يَبْقَى فِي النَّار مُدَّة طَوِيلَة أَوْ أَبْدًا وَاَللَّه الْمُسْتَعَان.
قَوْله : ( وَقَالَ كَانَتْ اِمْرَأَتَانِ ) لَيْسَ فِي سِيَاق الْبُخَارِيّ تَصْرِيح بِرَفْعِهِ , وَهُوَ مَرْفُوع عِنْده عَنْ أَبِي الْيَمَان عَنْ شُعَيْب فِي أَوَاخِر كِتَاب الْفَرَائِض أَوْرَدَهُ هُنَاكَ , وَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَة شُعَيْب عِنْد الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْره , وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ , مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن عَيَّاش عَنْ شُعَيْب " حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَاد مِمَّا حَدَّثَهُ عَبْد الرَّحْمَن الْأَعْرَج مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة يُحَدِّث بِهِ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بَيْنَمَا اِمْرَأَتَانِ ".
قُلْت : وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْم وَاحِدَة مِنْ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ وَلَا عَلَى اِسْم وَاحِد مِنْ اِبْنَيْهِمَا فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق.
قَوْله : ( فَتَحَاكَمَا ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " فَتَحَاكَمَتَا " وَفِي نُسْخَة شُعَيْب " فَاخْتَصَمَا ".
قَوْله : ( فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى إِلَخْ ) قِيلَ : كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الْفُتْيَا مِنْهُمَا لَا الْحُكْم , وَلِذَلِكَ سَاغَ لِسُلَيْمَان أَنْ يَنْقُضهُ.
وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيّ بِأَنَّ فِي لَفْظ الْحَدِيث أَنَّهُ قَضَى بِأَنَّهُمَا تَحَاكَمَا , وَبِأَنَّ فُتْيَا النَّبِيّ وَحُكْمه سَوَاء فِي وُجُوب تَنْفِيذ ذَلِكَ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : إِنَّمَا كَانَ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيل الْمُشَاوَرَة فَوَضَح لِدَاوُدَ صِحَّة رَأْي سُلَيْمَان فَأَمْضَاهُ.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : اِسْتَوَيَا عِنْد دَاوُدَ فِي الْيَد , فَقَدَّمَ الْكُبْرَى لِلسِّنِّ.
وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيّ وَحَكَى أَنَّهُ قِيلَ : كَانَ مِنْ شَرْع دَاوُدَ أَنْ يَحْكُم لِلْكُبْرَى قَالَ : وَهُوَ فَاسِد لِأَنَّ الْكِبَر وَالصِّغَر وَصْف طَرْدِيّ كَالطُّولِ وَالْقِصَر وَالسَّوَاد وَالْبَيَاض , وَلَا أَثَر لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّرْجِيح , قَالَ : وَهَذَا مِمَّا يَكَاد يَقْطَع بِفَسَادِهِ.
قَالَ : وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَال إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام قَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى لِسَبَب اِقْتَضَى بِهِ عِنْده تَرْجِيح قَوْلهَا , إِذْ لَا بَيِّنَة لِوَاحِدَة مِنْهُمَا , وَكَوْنه لَمْ يُعَيِّن فِي الْحَدِيث اِخْتِصَارًا لَا يَلْزَم مِنْهُ عَدَم وُقُوعه , فَيُحْتَمَل أَنْ يُقَال : إِنَّ الْوَلَد الْبَاقِي كَانَ فِي يَد الْكُبْرَى وَعَجَزَتْ الْأُخْرَى عَنْ إِقَامَة الْبَيِّنَة قَالَ : وَهَذَا تَأْوِيل حَسَن جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة وَلَيْسَ فِي السِّيَاق مَا يَأْبَاهُ وَلَا يَمْنَعهُ , فَإِنْ قِيلَ فَكَيْف سَاغَ لِسُلَيْمَان نَقْض حُكْمه ؟ فَالْجَوَاب أَنَّهُ لَمْ يَعْمَد إِلَى نَقْضِ الْحُكْم , وَإِنَّمَا اِحْتَالَ بِحِيلَة لَطِيفَة أَظْهَرَتْ مَا فِي نَفْس الْأَمْر , وَذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمَّا أَخْبَرَتَا سُلَيْمَان بِالْقِصَّةِ فَدَعَا بِالسِّكِّينِ لِيَشُقّهُ بَيْنهمَا , وَلَمْ يَعْزِم عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَاطِن , وَإِنَّمَا أَرَادَ اِسْتِكْشَاف الْأَمْر , فَحَصَلَ مَقْصُوده لِذَلِكَ لِجَزَعِ الصُّغْرَى الدَّالّ عَلَى عَظِيم الشَّفَقَة , وَلَمْ يَلْتَفِت إِلَى إِقْرَارهَا بِقَوْلِهَا هُوَ اِبْن الْكُبْرَى لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا آثَرَتْ حَيَاته , فَظَهَرَ لَهُ مِنْ قَرِينَة شَفَقَة الصُّغْرَى وَعَدَمهَا فِي الْكُبْرَى - مَعَ مَا اِنْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ الْقَرِينَة الدَّالَّة عَلَى صِدْقهَا - مَا هَجَمَ بِهِ عَلَى الْحُكْم لِلصُّغْرَى.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مِمَّنْ يَسُوغ لَهُ أَنْ يَحْكُم بِعِلْمِهِ , أَوْ تَكُون الْكُبْرَى فِي تِلْكَ الْحَالَة اِعْتَرَفَتْ بِالْحَقِّ لَمَّا رَأَتْ مِنْ سُلَيْمَان الْجِدّ وَالْعَزْم فِي ذَلِكَ.
وَنَظِير هَذِهِ الْقِصَّة مَا لَوْ حَكَمَ حَاكِم عَلَى مُدَّعٍ مُنْكِر بِيَمِين , فَلَمَّا مَضَى لِيُحَلِّفهُ حَضَرَ مَنْ اِسْتَخْرَجَ مِنْ الْمُنْكِر مَا اِقْتَضَى إِقْرَاره بِمَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِف عَلَى جَحْده , فَإِنَّهُ وَالْحَالَة هَذِهِ يَحْكُم عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ سَوَاء كَانَ ذَلِكَ قَبْل الْيَمِين أَوْ بَعْدهَا , وَلَا يَكُون ذَلِكَ مِنْ نَقْضِ الْحُكْم الْأَوَّل , وَلَكِنْ مِنْ بَاب تَبَدُّل الْأَحْكَام بِتَبَدُّلِ الْأَسْبَاب.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : اِسْتَنْبَطَ سُلَيْمَان لَمَّا رَأَى الْأَمْر مُحْتَمَلًا فَأَجَادَ , وَكِلَاهُمَا حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَاوُدُ حَكَمَ بِالنَّصِّ لَمَا سَاغَ لِسُلَيْمَان أَنْ يَحْكُم بِخِلَافِهِ.
وَدَلَّتْ هَذِهِ الْقِصَّة عَلَى أَنَّ الْفِطْنَة وَالْفَهْم مَوْهِبَة مِنْ اللَّه لَا تَتَعَلَّق بِكِبَرِ سِنّ وَلَا صِغَره.
وَفِيهِ أَنَّ الْحَقّ فِي جِهَة وَاحِدَة , وَأَنَّ الْأَنْبِيَاء يَسُوغ لَهُمْ الْحُكْم بِالِاجْتِهَادِ وَإِنْ كَانَ وُجُود النَّصّ مُمْكِنًا لَدَيْهِمْ بِالْوَحْيِ , لَكِنّ فِي ذَلِكَ زِيَادَة فِي أُجُورهمْ , وَلِعِصْمَتِهِمْ مِنْ الْخَطَأ فِي ذَلِكَ إِذْ لَا يُقِرُّونَ لِعِصْمَتِهِمْ عَلَى الْبَاطِل.
وَقَالَ النَّوَوِيّ : إِنَّ سُلَيْمَان فَعَلَ ذَلِكَ تَحَيُّلًا عَلَى إِظْهَار الْحَقّ , فَكَانَ كَمَا لَوْ اِعْتَرَفَ الْمَحْكُوم لَهُ بَعْد الْحُكْم أَنَّ الْحَقّ لِخَصْمِهِ.
وَفِيهِ اِسْتِعْمَال الْحِيَل فِي الْأَحْكَام لِاسْتِخْرَاجِ الْحُقُوق , وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إِلَّا بِمَزِيدِ الْفِطْنَة وَمُمَارَسَة الْأَحْوَال.
قَوْله : ( لَا تَفْعَل يَرْحَمك اللَّه ) وَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق وَرْقَاء عَنْ أَبِي الزِّنَاد " لَا , يَرْحَمك اللَّه " قَالَ الْقُرْطُبِيّ يَنْبَغِي عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة أَنْ يَقِف قَلِيلًا بَعْد " لَا " حَتَّى يَتَبَيَّن لِلسَّامِعِ أَنَّ الَّذِي بَعْده كَلَام مُسْتَأْنَف ; لِأَنَّهُ إِذَا وَصَلَهُ بِمَا بَعْده يَتَوَهَّم السَّامِع أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاء لَهُ , وَيَزُول الْإِيهَام فِي مِثْل هَذَا بِزِيَادَةِ وَاو كَأَنْ يَقُول : لَا وَيَرْحَمك اللَّه.
وَفِيهِ حُجَّة لِمَنْ قَالَ : إِنَّ الْأُمّ تَسْتَلْحِق , وَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ أَنَّهُ لَا يَصِحّ , وَقَدْ تَعَرَّضَ الْمُصَنِّف لِذَلِكَ فِي أَوَاخِر كِتَاب الْفَرَائِض , وَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( قَالَ أَبُو هُرَيْرَة ) يَعْنِي بِالْإِسْنَادِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ تَعْلِيقًا , وَقَدْ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق وَرْقَاء عَنْ أَبِي الزِّنَاد , وَالْمُدْيَة مُثَلَّثَة الْمِيم قِيلَ : لِلسِّكِّينِ , ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْطَع مَدَى حَيَاة الْحَيَوَان , وَالسِّكِّين تُذَكَّر وَتُؤَنَّث , قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا تُسَكِّن حَرَكَة الْحَيَوَان.
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ تَقَعُ فِي النَّارِ وَقَالَ كَانَتْ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ وَقَالَتْ الْأُخْرَى إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ الصُّغْرَى لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إِلَّا يَوْمَئِذٍ وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلَّا الْمُدْيَةُ
عن علقمة، عن عبد الله، قال: " لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82] قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أينا لم يلبس إيمانه بظ...
عن عبد الله رضي الله عنه، قال: لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا} [الأنعام: 82] إيمانهم بظلم شق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نف...
عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به " ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبري...
هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان، غير مريم واب...
عبد الله بن جعفر، قال: سمعت عليا رضي الله عنه، يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة»
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، كمل من الرجال كثير، ولم يكمل...
عن عبادة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله،...
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج، كان يصلي، جاءته أمه فدعته،...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري به: " لقيت موسى، قال: فنعته، فإذا رجل - حسبته قال - مضطرب رجل الرأس، كأنه...