3436-
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج، كان يصلي، جاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غلاما، فقالت: من جريج فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين.
وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، - قال: أبو هريرة كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إصبعه - ثم مر بأمة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل "
أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة رقم 2550.
(المهد) الفراش الذي يهيأ للصبي ليضجع فيه وينام والمراد هنا حال الصغر قبل أوان الكلام.
(ذو شارة) ذو حسن وجمال وقيل صاحب هيئة وملبس حسن يتعجب منه ويشار إليه.
(أمة) امرأة مملوكة.
(لم ذلك) أي سألته عن سبب دعائه أن يكون مثل الأمة ولا يكون مثل الرجل.
(ولم تفعل) والحال أنها بريئة لم تسرق ولم تزن وتلتجئ إلى الله تعالى أن يجيرها وأن يثيبها
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
حَدَيث أَبِي هُرَيْرَة فِي قِصَّة جُرَيْجٍ الرَّاهِب وَغَيْره , وَالْغَرَض مِنْهُ ذِكْر الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي الْمَهْد , وَأَوْرَدَهُ فِي تَرْجَمَة عِيسَى أَنَّهُ أَوَّلهمْ.
قَوْله : ( لَمْ يَتَكَلَّم فِي الْمَهْد إِلَّا ثَلَاثَة ) قَالَ الْقُرْطُبِيّ : فِي هَذَا الْحَصْر نَظَر , إِلَّا أَنْ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ قَبْل أَنْ يَعْلَم الزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ , وَفِيهِ بُعْد , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون كَلَام الثَّلَاثَة الْمَذْكُورِينَ مُقَيَّدًا بِالْمَهْدِ وَكَلَام غَيْرهمْ مِنْ الْأَطْفَال بِغَيْرِ مَهْد , لَكِنَّهُ يُعَكِّر عَلَيْهِ أَنَّ فِي رِوَايَة اِبْن قُتَيْبَة أَنَّ الصَّبِيّ الَّذِي طَرَحَتْهُ أُمّه فِي الْأُخْدُود كَانَ اِبْن سَبْعَة أَشْهُر , وَصُرِّحَ بِالْمَهْدِ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , وَفِيهِ تَعَقُّب عَلَى النَّوَوِيّ فِي قَوْله : إِنْ صَاحِب الْأُخْدُود لَمْ يَكُنْ فِي الْمَهْد , وَالسَّبَب فِي قَوْله هَذَا مَا وَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد أَحْمَد وَالْبَزَّار وَابْن حِبَّانَ وَالْحَاكِم " لَمْ يَتَكَلَّم فِي الْمَهْد إِلَّا أَرْبَعَة " فَلَمْ يَذْكُر الثَّالِث الَّذِي هُنَا وَذَكَرَ شَاهِد يُوسُف وَالصَّبِيّ الرَّضِيع الَّذِي قَالَ لِأُمِّهِ وَهِيَ مَاشِطَة بِنْت فِرْعَوْن لَمَّا أَرَادَ فِرْعَوْن إِلْقَاء أُمّه فِي النَّار " اِصْبِرِي يَا أُمّه فَإِنَّا عَلَى الْحَقّ ".
وَأَخْرَجَ الْحَاكِم نَحْوه مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , فَيَجْتَمِع مِنْ هَذَا خَمْسَة.
وَوَقَعَ ذِكْر شَاهِد يُوسُف أَيْضًا فِي حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ لَكِنَّهُ مَوْقُوف , وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ مُرْسَل هِلَال بْن يَسَاف مِثْل حَدِيث اِبْن عَبَّاس إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُر اِبْن الْمَاشِطَة.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث صُهَيْب فِي قِصَّة أَصْحَاب الْأُخْدُود " أَنَّ اِمْرَأَة جِيءَ بِهَا لَتُلْقَى فِي النَّار أَوْ لِتَكْفُر , وَمَعَهَا صَبِيّ يَرْضِع , فَتَقَاعَسَتْ , فَقَالَ لَهَا : يَا أُمّه اِصْبِرِي فَإِنَّك عَلَى الْحَقّ " وَزَعَمَ الضَّحَّاك فِي تَفْسِيره أَنَّ يَحْيَى تَكَلَّمَ فِي الْمَهْد أَخْرَجَهُ الثَّعْلَبِيّ.
فَإِنْ ثَبَتَ صَارُوا سَبْعَة.
وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيره أَنَّ إِبْرَاهِيم الْخَلِيل تَكَلَّمَ فِي الْمَهْد.
وَفِي " سِيَر الْوَاقِدِيّ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ أَوَائِل مَا وُلِدَ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَارَك الْيَمَامَة وَقِصَّته فِي " دَلَائِل النُّبُوَّة لِلْبَيْهَقِيّ " مِنْ حَدِيث مُعْرِض بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
عَلَى أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي شَاهِد يُوسُف : فَقِيلَ كَانَ صَغِيرًا , وَهَذَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ اِبْن عَبَّاس وَسَنَده ضَعِيف , وَبِهِ قَالَ الْحَسَن وَسَعِيد بْن جُبَيْر.
وَأَخْرَجَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَمُجَاهِد أَنَّهُ كَانَ ذَا لِحْيَة.
وَعَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَن أَيْضًا كَانَ حَكِيمًا مِنْ أَهْلهَا.
قَوْله : ( وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل رَجُل يُقَال لَهُ جُرَيْجٌ ) بِجِيمَيْنِ مُصَغَّر , وَقَدْ رَوَى حَدِيثه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مُحَمَّد بْن سِيرِينَ كَمَا هُنَا , وَتَقَدَّمَ فِي الْمَظَالِم مِنْ طَرِيقه بِهَذَا الْإِسْنَاد , وَالْأَعْرَج كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِر الصَّلَاة , وَأَبُو رَافِع وَهُوَ عِنْد مُسْلِم وَأَحْمَد , وَأَبُو سَلَمَة وَهُوَ عِنْد أَحْمَد , وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَة عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ , وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَة كُلّ مِنْهُمْ مِنْ الْفَائِدَة.
وَأَوَّل حَدِيث أَبِي سَلَمَة " كَانَ رَجُل فِي بَنِي إِسْرَائِيل تَاجِرًا , وَكَانَ يَنْقُص مَرَّة وَيَزِيد أُخْرَى.
فَقَالَ : مَا فِي هَذِهِ التِّجَارَة خَيْر , لَأَلْتَمِسَن تِجَارَة هِيَ خَيْر مِنْ هَذِهِ , فَبَنَى صَوْمَعَة وَتَرَهَّبَ فِيهَا , وَكَانَ يُقَال لَهُ جُرَيْجٌ " فَذَكَرَ الْحَدِيث , وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَعْد عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَتْبَاعه لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ اِبْتَدَعُوا التَّرَهُّب وَحَبْس النَّفْس فِي الصَّوَامِع.
وَالصَّوْمَعَة بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْوَاو هِيَ الْبِنَاء الْمُرْتَفِع الْمُحَدَّد أَعْلَاهُ , وَوَزْنهَا فَوْعَلَة مِنْ صَمَعْت إِذَا دَقَقْت لِأَنَّهَا دَقِيقَة الرَّأْس.
قَوْله : ( جَاءَتْ أُمّه ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " فَجَاءَتْهُ أُمّه " وَفِي رِوَايَة أَبِي رَافِع " كَانَ جُرَيْجٌ يَتَعَبَّد فِي صَوْمَعَته فَأَتَتْهُ أُمّه " وَلَمْ أَقِف فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق عَلَى اِسْمهَا.
وَفِي حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ " وَكَانَتْ أُمّه تَأْتِيه فَتُنَادِيه فَيُشْرِف عَلَيْهَا فَيُكَلِّمهَا , فَأَتَتْهُ يَوْمًا وَهُوَ فِي صَلَاته " وَفِي رِوَايَة أَبِي رَافِع عِنْد أَحْمَد " فَأَتَتْهُ أُمّه ذَات يَوْم فَنَادَتْهُ قَالَتْ : أَيْ جُرَيْج أَشْرِفْ عَلَيَّ أُكَلِّمك , أَنَا أُمّك ".
قَوْله : ( فَدَعَتْهُ فَقَالَ أُجِيبهَا أَوْ أُصَلِّي ) زَادَ الْمُصَنِّف فِي الْمَظَالِم بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا " فَأَبَى أَنْ يُجِيبهُمَا " وَمَعْنَى قَوْله أُمِّي وَصَلَاتِي أَيْ اِجْتَمَعَ عَلَيَّ إِجَابَة أُمِّي وَإِتْمَام صَلَاتِي فَوَفِّقْنِي لِأَفْضَلِهِمَا , وَفِي رِوَايَة أَبِي رَافِع " فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي , فَوَضَعَتْ يَدهَا عَلَى حَاجِبهَا فَقَالَتْ : يَا جُرَيْج , فَقَالَ : يَا رَبّ أُمِّي وَصَلَاتِي , فَاخْتَارَ صَلَاته , فَرَجَعَتْ.
ثُمَّ أَتَتْهُ فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي فَقَالَتْ : يَا جُرَيْج أَنَا أُمّك فَكَلِّمْنِي , فَقَالَ مِثْله " فَذَكَرَهُ.
وَفِي حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ أَنَّهَا جَاءَتْهُ ثَلَاث مَرَّات تُنَادِيه فِي كُلّ مَرَّة ثَلَاث مَرَّات , وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ " فَقَالَ أُمِّي وَصَلَاتِي لِرَبِّي , أُوثِر صَلَاتِي عَلَى أُمِّي , ذَكَرَهُ ثَلَاثًا " وَكُلّ ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ فِي نَفْسه لَا أَنَّهُ نَطَقَ بِهِ , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون نَطَقَ بِهِ عَلَى ظَاهِره لِأَنَّ الْكَلَام كَانَ مُبَاحًا عِنْدهمْ , وَكَذَلِكَ كَانَ فِي صَدْر الْإِسْلَام , وَقَدْ قَدَّمْت فِي أَوَاخِر الصَّلَاة ذِكْر حَدِيث يَزِيد بْن حَوْشَبٍ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ " لَوْ كَانَ جُرَيْج عَالِمًا لَعَلِمَ أَنَّ إِجَابَة أُمّه أَوْلَى مِنْ صَلَاته ".
قَوْله : ( فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوه الْمُومِسَات ) فِي رِوَايَة الْأَعْرَج " حَتَّى يَنْظُر فِي وُجُوه الْمَيَامِيس " وَمِثْله فِي رِوَايَة أَبِي سَلَمَة وَفِي رِوَايَة أَبِي رَافِع " حَتَّى تَرَيْهِ الْمُومِسَة " بِالْإِفْرَادِ , وَفِي حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ " فَغَضِبَتْ فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ لَا يَمُوتَن جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُر فِي وُجُوه الْمُومِسَات " وَالْمُومِسَات جَمْع مُومِسَة بِضَمِّ الْمِيم وَسُكُون الْوَاو وَكَسْر الْمِيم بَعْدهَا مُهْمَلَة وَهِيَ الزَّانِيَة وَتُجْمَع عَلَى مَوَامِيس بِالْوَاوِ , وَجُمِعَ فِي الطَّرِيق الْمَذْكُورَة بِالتَّحْتَانِيَّةِ , وَأَنْكَرَهُ اِبْن الْخَشَّاب أَيْضًا وَوَجَّهَهُ غَيْره كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِر الصَّلَاة وَجَوَّزَ صَاحِب " الْمَطَالِع " فِيهِ الْهَمْزَة بَدَل الْيَاء بَلْ أَثْبَتَهَا رِوَايَة , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْأَعْرَج " فَقَالَتْ أَبَيْت أَنْ تُطْلِع إِلَيَّ وَجْهك , لَا أَمَاتَك اللَّه حَتَّى تَنْظُر فِي وَجْهك زَوَانِي الْمَدِينَة ".
قَوْله : ( فَتَعَرَّضَتْ لَهُ اِمْرَأَة فَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى , فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنْته مِنْ نَفْسهَا ) فِي رِوَايَة وَهْب بْن جَرِير بْن حَازِم عَنْ أَبِيهِ عِنْد أَحْمَد " فَذَكَرَ بَنُو إِسْرَائِيل عِبَادَة جُرَيْجٍ , فَقَالَتْ بَغِيّ مِنْهُمْ : إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ , قَالُوا قَدْ شِئْنَا.
فَأَتَتْهُ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِت إِلَيْهَا , فَأَمْكَنَتْ نَفْسهَا مِنْ رَاعٍ كَانَ يُؤْوِي غَنَمه إِلَى أَصْل صَوْمَعَة جُرَيْجٍ " وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْم هَذِهِ الْمَرْأَة , لَكِنْ فِي حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ أَنَّهَا كَانَتْ بِنْت مَلِك الْقَرْيَة , وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج " وَكَانَتْ تَأْوِي إِلَى صَوْمَعَته رَاعِيَة تَرْعَى الْغَنَم " وَنَحْوه فِي رِوَايَة أَبِي رَافِع عِنْد أَحْمَد , وَفِي رِوَايَة أَبِي سَلَمَة " وَكَانَ عِنْد صَوْمَعَته رَاعِي ضَأْن وَرَاعِيَة مِعْزًى " وَيُمْكِن الْجَمْع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات بِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ دَارَ أَبِيهَا بِغَيْرِ عِلْم أَهْلهَا مُتَنَكِّرَة وَكَانَتْ تَعْمَل الْفَسَاد إِلَى أَنْ اِدَّعَتْ أَنَّهَا تَسْتَطِيع أَنْ تَفْتِن جُرَيْجًا فَاحْتَالَتْ بِأَنْ خَرَجَتْ فِي صُورَة رَاعِيَة لِيُمْكِنهَا أَنْ تَاوِي إِلَى ظِلّ صَوْمَعَته لِتَتَوَصَّل بِذَلِكَ إِلَى فِتْنَته.
قَوْله : ( فَوَلَدَتْ غُلَامًا ) فِيهِ حَذْف تَقْدِيره فَحَمَلَتْ حَتَّى اِنْقَضَتْ أَيَّامهَا فَوَلَدَتْ , وَكَذَا قَوْله : " فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ " فِيهِ حَذْف تَقْدِيره فَسُئِلَتْ مِمَّنْ هَذَا ؟ فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ , وَفِي رِوَايَة أَبِي رَافِع التَّصْرِيح بِذَلِكَ وَلَفْظه " فَقِيلَ لَهَا مِمَّنْ هَذَا ؟ فَقَالَتْ هُوَ مِنْ صَاحِب الدَّيْر " وَزَادَ فِي رِوَايَة أَحْمَد " فَأُخِذَتْ , وَكَانَ مَنْ زَنَى مِنْهُمْ قُتِلَ فَقِيلَ لَهَا مِمَّنْ هَذَا ؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ صَاحِب الصَّوْمَعَة " زَادَ الْأَعْرَج " نَزَلَ إِلَيَّ مِنْ صَوْمَعَته " وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج " فَقِيلَ لَهَا مَنْ صَاحِبك ؟ قَالَتْ جُرَيْجٌ الرَّاهِب , نَزَلَ إِلَيَّ فَأَصَابَنِي " زَادَ أَبُو سَلَمَة فِي رِوَايَته " فَذَهَبُوا إِلَى الْمَلِك فَأَخْبَرُوهُ , قَالَ : أَدْرِكُوهُ فَأَتَوْنِي بِهِ ".
قَوْله : ( فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَته وَأَنْزَلُوهُ ) , وَفِي رِوَايَة أَبِي رَافِع " فَأَقْبَلُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَسَاحِيهمْ إِلَى الدَّيْر فَنَادَوْهُ فَلَمْ يُكَلِّمهُمْ , فَأَقْبَلُوا يَهْدِمُونَ دَيْره " وَفِي حَدِيث عِمْرَان " فَمَا شَعَرَ حَتَّى سَمِعَ بِالْفُؤُوسِ فِي أَصْل صَوْمَعَته فَجَعَلَ يَسْأَلهُمْ : وَيْلكُمْ مَا لَكُمْ ؟ فَلَمْ يُجِيبُوهُ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَخَذَ الْحَبْل فَتَدَلَّى ".
قَوْله : ( وَسَبُّوهُ ) زَادَ أَحْمَد عَنْ وَهْب بْنِ جَرِير " وَضَرَبُوهُ , فَقَالَ : مَا شَأْنكُمْ ؟ قَالُوا : إِنَّك زَنَيْت بِهَذِهِ " وَفِي رِوَايَة أَبِي رَافِع عِنْده " فَقَالُوا أَيْ جُرَيْج اِنْزِلْ , فَأَبَى يُقْبِل عَلَى صَلَاته , فَأَخَذُوا فِي هَدْم صَوْمَعَته , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ فَجَعَلُوا فِي عُنُقه وَعُنُقهَا حَبْلًا وَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِمَا فِي النَّاس " , وَفِي رِوَايَة أَبِي سَلَمَة " فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : وَيْحك يَا جُرَيْج , كُنَّا نَرَاك خَيْر النَّاس فَأَحْبَلْت هَذِهِ , اِذْهَبُوا بِهِ فَاصْلُبُوهُ " وَفِي حَدِيث عِمْرَان " فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ وَيَقُولُونَ : مُرَاءٍ تُخَادِع النَّاس بِعَمَلِك " وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج " فَلَمَّا مَرُّوا بِهِ نَحْو بَيْت الزَّوَانِي خَرَجْنَ يَنْظُرْنَ فَتَبَسَّمَ , فَقَالُوا : لَمْ يَضْحَك , حَتَّى مَرَّ بِالزَّوَانِي ".
قَوْله : ( فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ) وَفِي رِوَايَة وَهْب بْن جَرِير " فَقَامَ وَصَلَّى وَدَعَا " وَفِي حَدِيث عِمْرَان " قَالَ فَتَوَلَّوْا عَنِّي , فَتَوَلَّوْا عَنْهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ".
قَوْله : ( ثُمَّ أَتَى الْغُلَام فَقَالَ : مَنْ أَبُوك يَا غُلَام ؟ فَقَالَ : الرَّاعِي ) زَادَ فِي رِوَايَة وَهْب بْن جَرِير " فَطَعَنَهُ بِإِصْبَعِهِ فَقَالَ : بِاَللَّهِ يَا غُلَام مَنْ أَبُوك ؟ فَقَالَ : أَنَا اِبْن الرَّاعِي " وَفِي مُرْسَل الْحَسَن عِنْد اِبْن الْمُبَارَك فِي " الْبِرّ وَالصِّلَة " أَنَّهُ " سَأَلَهُمْ أَنْ يُنْظِرُوهُ فَأَنْظَرُوهُ , فَرَأَى فِي الْمَنَام مَنْ أَمَرَه أَنْ يَطْعَن فِي بَطْن الْمَرْأَة فَيَقُول : أَيَّتُهَا السَّخْلَة مَنْ أَبُوك ؟ فَفَعَلَ , فَقَالَ : رَاعِي الْغَنَم " وَفِي رِوَايَة أَبِي رَافِع " ثُمَّ مَسَحَ رَأْس الصَّبِيّ فَقَالَ : مَنْ أَبُوك ؟ قَالَ رَاعِي الضَّأْن " وَفِي رِوَايَته عِنْد أَحْمَد " فَوَضَعَ إِصْبَعه عَلَى بَطْنهَا " وَفِي رِوَايَة أَبِي سَلَمَة " فَأُتِيَ بِالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيّ وَفَمه فِي ثَدْيهَا فَقَالَ لَهُ جُرَيْج : يَا غُلَام مَنْ أَبُوك ؟ فَنَزَعَ الْغُلَام فَاهُ مِنْ الثَّدْي وَقَالَ أَبِي رَاعِي الضَّأْن " وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج " فَلَمَّا أُدْخِلَ عَلَى مَلِكهمْ قَالَ جُرَيْج : أَيْنَ الصَّبِيّ الَّذِي وَلَدَتْهُ ؟ فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ مَنْ أَبُوك ؟ قَالَ : فُلَان , سَمَّى أَبَاهُ ".
قُلْت وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْم الرَّاعِي , وَيُقَال إِنَّ اِسْمه صُهَيْب , وَأَمَّا الِابْن فَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِر الصَّلَاة بِلَفْظِ " فَقَالَ يَا أَبَا بَوْس " وَتَقَدَّمَ شَرْحه أَوَاخِر الصَّلَاة وَأَنَّهُ لَيْسَ اِسْمه كَمَا زَعَمَ الدَّاوُدِيُّ وَإِنَّمَا الْمُرَاد بِهِ الصَّغِير , وَفِي حَدِيث عِمْرَان " ثُمَّ اِنْتَهَى إِلَى شَجَرَة فَأَخَذَ مِنْهَا غُصْنًا ثُمَّ أَتَى الْغُلَام وَهُوَ فِي مَهْده فَضَرَبَهُ بِذَلِكَ الْغُصْن فَقَالَ : مَنْ أَبُوك " وَوَقَعَ فِي " التَّنْبِيه لِأَبِي اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ " بِغَيْرِ إِسْنَاد أَنَّهُ قَالَ لِلْمَرْأَةِ : أَيْنَ أَصَبْتُك ؟ قَالَتْ : تَحْت شَجَرَة , فَأَتَى تِلْكَ الشَّجَرَة فَقَالَ : يَا شَجَرَة أَسْأَلك بِالَّذِي خَلَقَك مَنْ زَنَى بِهَذِهِ الْمَرْأَة ؟ فَقَالَ كُلّ غُصْن مِنْهَا : رَاعِي الْغَنَم.
وَيُجْمَع بَيْن هَذَا الِاخْتِلَاف بِوُقُوعِ جَمِيع مَا ذُكِرَ بِأَنَّهُ مَسَحَ رَأْس الصَّبِيّ , وَوَضَعَ إِصْبَعه عَلَى بَطْن أُمّه , وَطَعَنَهُ بِإِصْبَعِهِ , وَضَرَبَهُ بِطَرَفِ الْعَصَا الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ.
وَأَبْعَدَ مَنْ جَمَعَ بَيْنهَا بِتَعَدُّدِ الْقِصَّة وَأَنَّهُ اِسْتَنْطَقَهُ وَهُوَ فِي بَطْنهَا مَرَّة قَبْل أَنْ تَلِد ثُمَّ اِسْتَنْطَقَهُ بَعْد أَنْ وُلِدَ , زَادَ فِي رِوَايَة وَهْب بْن جَرِير " فَوَثَبُوا إِلَى جُرَيْجٍ فَجَعَلُوا يُقَبِّلُونَهُ " وَزَادَ الْأَعْرَج فِي رِوَايَته " فَأَبْرَأَ اللَّه جُرَيْجًا وَأَعْظَمَ النَّاس أَمْر جُرَيْجٍ " وَفِي رِوَايَة أَبِي سَلَمَة " فَسَبَّحَ النَّاس وَعَجِبُوا ".
قَوْله : ( قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتك مِنْ ذَهَب , قَالَ : لَا إِلَّا مِنْ طِين ) وَفِي رِوَايَة وَهْب بْن جَرِير " اِبْنُوهَا مِنْ طِين كَمَا كَانَتْ " وَفِي رِوَايَة أَبِي رَافِع " فَقَالُوا نَبْنِي مَا هَدَمْنَا مِنْ دَيْرك بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّة , قَالَ : لَا وَلَكِنْ أَعِيدُوهُ كَمَا كَانَ , فَفَعَلُوا " وَفِي نَقْل أَبِي اللَّيْث " فَقَالَ لَهُ الْمَلِك نَبْنِيهَا مِنْ ذَهَب , قَالَ : لَا.
قَالَ مِنْ فِضَّة.
قَالَ : لَا إِلَّا مِنْ طِين " زَادَ فِي رِوَايَة أَبِي سَلَمَة " فَرَدُّوهَا فَرَجَعَ فِي صَوْمَعَته , فَقَالُوا لَهُ : بِاللَّهِ مِمَّ ضَحِكْت ؟ فَقَالَ مَا ضَحِكْت إِلَّا مِنْ دَعْوَة دَعَتْهَا عَلَيَّ أُمِّي " وَفِي الْحَدِيث إِيثَار إِجَابَة الْأُمّ عَلَى صَلَاة التَّطَوُّع لِأَنَّ الِاسْتِمْرَار فِيهَا نَافِلَة وَإِجَابَة الْأُمّ وَبِرّهَا وَاجِب , قَالَ النَّوَوِيّ وَغَيْره : إِنَّمَا دَعَتْ عَلَيْهِ فَأُجِيبَتْ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنهُ أَنْ يُخَفِّف وَيُجِيبهَا , لَكِنْ لَعَلَّهُ خَشِيَ أَنْ تَدْعُوهُ إِلَى مُفَارَقَة صَوْمَعَته وَالْعَوْد إِلَى الدُّنْيَا وَتَعَلُّقَاتهَا , كَذَا قَالَ النَّوَوِيّ , وَفِيهِ نَظَر لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ تَأْتِيه فَيُكَلِّمهَا , وَالظَّاهِر أَنَّهَا كَانَتْ تَشْتَاق إِلَيْهِ فَتَزُورهُ وَتَقْتَنِع بِرُؤْيَتِهِ وَتَكْلِيمه , وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يُخَفِّف ثُمَّ يُجِيبهَا لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَنْقَطِع خُشُوعه.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِر الصَّلَاة مِنْ حَدِيث يَزِيد بْن حَوْشَبٍ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَوْ كَانَ جُرَيْج فَقِيهًا لَعَلِمَ أَنَّ إِجَابَة أُمّه أَوْلَى مِنْ عِبَادَة رَبّه " أَخْرَجَهُ الْحَسَن بْن سُفْيَان , وَهَذَا إِذَا حُمِلَ عَلَى إِطْلَاقه اُسْتُفِيدَ مِنْهُ جَوَاز قَطْع الصَّلَاة مُطْلَقًا لِإِجَابَةِ نِدَاء الْأُمّ نَفْلًا كَانَتْ أَوْ فَرْضًا , وَهُوَ وَجْه فِي مَذْهَب الشَّافِعِيّ حَكَاهُ الرُّويَانِيّ , وَقَالَ النَّوَوِيّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ : هَذَا مَحْمُود عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا فِي شَرْعهمْ , وَفِيهِ نَظَر قَدَّمْته فِي أَوَاخِر الصَّلَاة , وَالْأَصَحّ عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنَّ الصَّلَاة إِنْ كَانَتْ نَفْلًا وَعَلِمَ تَأَذِّي الْوَالِد بِالتَّرْكِ وَجَبَتْ الْإِجَابَة وَإِلَّا فَلَا , وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا وَضَاقَ الْوَقْت لَمْ تَجِب الْإِجَابَة , وَإِنْ لَمْ يَضِقْ وَجَبَ عِنْد إِمَام الْحَرَمَيْنِ.
وَخَالَفَهُ غَيْره لِأَنَّهَا تَلْزَم بِالشُّرُوعِ , وَعِنْد الْمَالِكِيَّة أَنَّ إِجَابَة الْوَالِد فِي النَّافِلَة أَفْضَل مِنْ التَّمَادِي فِيهَا , وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيد أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصّ بِالْأُمِّ دُون الْأَب , وَعِنْد اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ مُرْسَل مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر مَا يَشْهَد لَهُ وَقَالَ بِهِ مَكْحُول , وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ مِنْ السَّلَف غَيْره.
وَفِي الْحَدِيث أَيْضًا عِظَم بِرّ الْوَالِدَيْنِ وَإِجَابَة دُعَائِهِمَا وَلَوْ كَانَ الْوَلَد مَعْذُورًا ; لَكِنْ يَخْتَلِف الْحَال فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَقَاصِد.
وَفِيهِ الرِّفْق بِالتَّابِعِ إِذَا جَرَى مِنْهُ مَا يَقْتَضِي التَّأْدِيب لِأَنَّ أُمّ جُرَيْجٍ مَعَ غَضَبهَا مِنْهُ لَمْ تَدْعُ عَلَيْهِ إِلَّا بِمَا دَعَتْ بِهِ خَاصَّة , وَلَوْلَا طَلَبهَا الرِّفْق بِهِ لَدَعَتْ عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الْفَاحِشَة أَوْ الْقَتْل.
وَفِيهِ أَنَّ صَاحِب الصِّدْق مَعَ اللَّه لَا تَضُرّهُ الْفِتَن.
وَفِيهِ قُوَّة يَقِين جُرَيْجٍ الْمَذْكُور وَصِحَّة رَجَائِهِ , لِأَنَّهُ اِسْتَنْطَقَ الْمَوْلُود مَعَ كَوْن الْعَادَة أَنَّهُ لَا يَنْطِق ; وَلَوْلَا صِحَّة رَجَائِهِ بِنُطْقِهِ مَا اِسْتَنْطَقَهُ.
وَفِيهِ أَنَّ الْأَمْرَيْنِ إِذَا تَعَارَضَا بُدِئَ بِأَهَمِّهِمَا , وَأَنَّ اللَّه يَجْعَل لِأَوْلِيَائِهِ عِنْد اِبْتِلَائِهِمْ مَخَارِج , وَإِنَّمَا يَتَأَخَّر ذَلِكَ عَنْ بَعْضهمْ فِي بَعْض الْأَوْقَات تَهْذِيبًا وَزِيَادَة لَهُمْ فِي الثَّوَاب.
وَفِيهِ إِثْبَات كَرَامَات الْأَوْلِيَاء , وَوُقُوع الْكَرَامَة لَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ وَطَلَبهمْ.
وَقَالَ اِبْن بَطَّال : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون جُرَيْجٌ كَانَ نَبِيًّا فَتَكُون مُعْجِزَة , كَذَا قَالَ , وَهَذَا الِاحْتِمَال لَا يَتَأَتَّى فِي حَقّ الْمَرْأَة الَّتِي كَلَّمَهَا وَلَدهَا الْمُرْضَع كَمَا فِي بَقِيَّة الْحَدِيث.
وَفِيهِ جَوَاز الْأَخْذ بِالْأَشَدِّ فِي الْعِبَادَة لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسه قُوَّة عَلَى ذَلِكَ.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضهمْ عَلَى أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل كَانَ مِنْ شَرْعهمْ أَنَّ الْمَرْأَة تَصْدُق فِيمَا تَدَّعِيه عَلَى الرِّجَال مِنْ الْوَطْء وَيَلْحَق بِهِ الْوَلَد , وَأَنَّهُ لَا يَنْفَعهُ جَحْد ذَلِكَ إِلَّا بِحُجَّة تَدْفَع قَوْلهَا.
وَفِيهِ أَنَّ مُرْتَكِب الْفَاحِشَة لَا تَبْقَى لَهُ حُرْمَة , وَأَنَّ الْمَفْزَع فِي الْأُمُور الْمُهِمَّة إِلَى اللَّه يَكُون بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ فِي الصَّلَاة.
وَاسْتَدَلَّ بَعْض الْمَالِكِيَّة بِقَوْلِ جُرَيْجٍ " مَنْ أَبُوك يَا غُلَام " بِأَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةِ فَوَلَدَتْ بِنْتًا لَا يَحِلّ لَهُ التَّزَوُّج بِتِلْكَ الْبِنْت خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ الْمَالِكِيَّة.
وَوَجْه الدَّلَالَة أَنَّ جُرَيْجًا نَسَبَ اِبْن الزِّنَا لِلزَّانِي وَصَدَّقَ اللَّه نِسْبَته بِمَا خَرَقَ لَهُ مِنْ الْعَادَة فِي نُطْق الْمَوْلُود بِشَهَادَتِهِ لَهُ بِذَلِكَ , وَقَوْله أَبِي فُلَان الرَّاعِي , فَكَانَتْ تِلْكَ النِّسْبَة صَحِيحَة فَيَلْزَم أَنْ يَجْرِي بَيْنهمَا أَحْكَام الْأُبُوَّة وَالْبُنُوَّة , خَرَجَ التَّوَارُث وَالْوَلَاء بِدَلِيل فَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى حُكْمه.
وَفِيهِ أَنَّ الْوُضُوء لَا يَخْتَصّ بِهَذِهِ الْأُمَّة خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا الَّذِي يَخْتَصّ بِهَا الْغُرَّة وَالتَّحْجِيل فِي الْآخِرَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قِصَّة إِبْرَاهِيم أَيْضًا مِثْل ذَلِكَ فِي خَبَر سَارَة مَعَ الْجَبَّار وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( وَكَانَتْ اِمْرَأَة ) بِالرَّفْعِ , وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْمهَا وَلَا عَلَى اِسْم اِبْنهَا وَلَا عَلَى اِسْم أَحَد مِمَّنْ ذُكِرَ فِي الْقِصَّة الْمَذْكُورَة.
قَوْله : ( إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِب ) وَفِي رِوَايَة خِلَاس عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد أَحْمَد " فَارِس مُتَكَبِّر ".
قَوْله : ( ذُو شَارَة ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة أَيْ صَاحِب حُسْن وَقِيلَ : صَاحِب هَيْئَة وَمَنْظَر وَمَلْبَس حَسَن يُتَعَجَّب مِنْهُ وَيُشَار إِلَيْهِ , وَفِي رِوَايَة خِلَاس " ذُو شَارَة حَسَنَة ".
قَوْله : ( قَالَ أَبُو هُرَيْرَة كَأَنِّي أَنْظُر ) هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور , وَفِيهِ الْمُبَالَغَة فِي إِيضَاح الْخَبَر بِتَمْثِيلِهِ بِالْفِعْلِ.
قَوْله : ( ثُمَّ مُرَّ ) بِضَمِّ الْمِيم عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ.
قَوْله : ( بِأُمَّةِ ) زَادَ أَحْمَد عَنْ وَهْب بْن جَرِير " تَضْرِب " وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة الْآتِيَة فِي ذِكْر بَنِي إِسْرَائِيل " تُجَرَّر وَيُلْعَب بِهَا " وَهِيَ بِجِيمِ مَفْتُوحَة بَعْدهَا رَاء ثَقِيلَة ثُمَّ رَاء أُخْرَى.
قَوْله : ( فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ ) أَيْ سَأَلَتْ الْأُمّ اِبْنهَا عَنْ سَبَب كَلَامه.
قَوْله : ( قَالَ الرَّاكِب جَبَّار ) فِي رِوَايَة أَحْمَد " فَقَالَ يَا أُمَّتَاهُ , أَمَّا الرَّاكِب ذُو الشَّارَة فَجَبَّار مِنْ الْجَبَابِرَة " وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج فَإِنَّهُ كَافِر.
قَوْله : ( يَقُولُونَ سَرَقْت زَنَيْت ) بِكَسْرِ الْمُثَنَّاة فِيهِمَا عَلَى الْمُخَاطَبَة وَبِسُكُونِهَا عَلَى الْخَبَر.
قَوْله : ( وَلَمْ تَفْعَل ) فِي رِوَايَة أَحْمَد " يَقُولُونَ سَرَقْت وَلَمْ تَسْرِق , زَنَيْت وَلَمْ تَزْنِ , وَهِيَ تَقُول حَسْبِي اللَّه " وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج " يَقُولُونَ لَهَا تَزْنِي وَتَقُول حَسْبِي اللَّه , وَيَقُولُونَ لَهَا تَسْرِق وَتَقُول حَسْبِي اللَّه " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة خِلَاس الْمَذْكُورَة أَنَّهَا كَانَتْ حَبَشِيَّة أَوْ زِنْجِيَّة وَأَنَّهَا مَاتَتْ فَجَرُّوهَا حَتَّى أَلْقَوْهَا , وَهَذَا مَعْنَى قَوْله فِي رِوَايَة الْأَعْرَج " تُجَرَّر ".
وَفِي الْحَدِيث أَنَّ نُفُوس أَهْل الدُّنْيَا تَقِف مَعَ الْخَيَال الظَّاهِر فَتَخَاف سُوء الْحَال , بِخِلَافِ أَهْل التَّحْقِيق فَوُقُوفهمْ مَعَ الْحَقِيقَة الْبَاطِنَة فَلَا يُبَالُونَ بِذَلِكَ مَعَ حُسْن السَّرِيرَة كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَنْ أَصْحَاب قَارُون حَيْثُ خَرَجَ عَلَيْهِمْ ( يَا لَيْتَ لَنَا مِثْل مَا أُوتِيَ قَارُون وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم وَيْلكُمْ ثَوَاب اللَّه خَيْر ).
وَفِيهِ أَنَّ الْبَشَر طُبِعُوا عَلَى إِيثَار الْأَوْلَاد عَلَى الْأَنْفُس بِالْخَيْرِ لِطَلَبِ الْمَرْأَة الْخَيْر لِابْنِهَا وَدَفْع الشَّرّ عَنْهُ وَلَمْ تَذْكُر نَفْسهَا.
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ عِيسَى وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقَالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ قَالَ الرَّاعِي قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لَا إِلَّا مِنْ طِينٍ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَصُّ إِصْبَعَهُ ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فَقَالَتْ لِمَ ذَاكَ فَقَالَ الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ وَهَذِهِ الْأَمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ وَلَمْ تَفْعَلْ
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري به: " لقيت موسى، قال: فنعته، فإذا رجل - حسبته قال - مضطرب رجل الرأس، كأنه...
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت عيسى وموسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر، وأما موسى، فآدم جسيم سبط كأنه...
عن نافع، قال عبد الله: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، يوما بين ظهري الناس المسيح الدجال، فقال: " إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين الي...
عن سالم، عن أبيه، قال: لا والله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر، ولكن قال: " بينما أنا نائم أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم، سبط الشعر، يهادى بي...
عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «أنا أولى الناس بابن مريم، وال...
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد»...
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا والله الذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالل...
عن ابن عباس، سمع عمر رضي الله عنه، يقول على المنبر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا...
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أدب الرجل أمته فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها ك...