3532- عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب "
أخرجه مسلم في الفضائل، باب: في أسمائه صلى الله عليه وسلم.
رقم: ٢٣٥٤.
(على قدمي) على أثري، وقيل معناه: يسألون عن شريعتي
لأنه لا نبي بعدي.
(العاقب) الذي ليس بعده أحد من الأنبياء.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ مُحَمَّد بْن جُبَيْر بْن مُطْعِم عَنْ أَبِيهِ ) كَذَا وَقَعَ مَوْصُولًا عِنْد مَعْن بْن عِيسَى عَنْ مَالِك , وَقَالَ الْأَكْثَر " عَنْ مَالِك عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن جُبَيْر " مُرْسَلًا , وَوَافَقَ مَعَنَا عَلَى وَصْله عَنْ مَالِك جُوَيْرِيَة بْن أَسْمَاء عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَمُحَمَّد بْن الْمُبَارَك وَعَبْد اللَّه بْن نَافِع عِنْد أَبُو عَوَانَة , وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " الْغَرَائِب " عَنْ آخَرِينَ عَنْ مَالِك , وَقَالَ : إِنَّ أَكْثَر أَصْحَاب مَالِك أَرْسَلُوهُ.
قُلْت : وَهُوَ مَعْرُوف الِاتِّصَال عَنْ غَيْر مَالِك , وَصَلَهُ يُونُس بْن يَزِيد وَعَقِيل وَمَعْمَر وَحَدِيثهمْ عِنْد مُسْلِم , وَشُعْبَة وَحَدِيثه عِنْد الْمُصَنِّف فِي التَّفْسِير , وَابْن عُيَيْنَةَ عِنْد مُسْلِم أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيّ كُلّهمْ عَنْ الزُّهْرِيّ , وَرَوَاهُ عَنْ جُبَيْر بْن مُطْعِم أَيْضًا وَلَده الْآخَر نَافِع وَفِي حَدِيثه زِيَادَة , وَعِنْد الْمُصَنِّف فِي التَّارِيخ , وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد وَابْن سَعْد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم , وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عِنْد مُسْلِم وَالْمُصَنِّف فِي التَّارِيخ , وَعَنْ حُذَيْفَة عِنْد الْمُصَنِّف فِي التَّارِيخ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن سَعْد , وَعَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي الطُّفَيْل عِنْد اِبْن عَدِيّ , وَمِنْ مُرْسَل مُجَاهِد عِنْد اِبْن سَعْد , وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتهمْ مِنْ زِيَادَة فَائِدَة.
قَوْله : ( عَنْ مُحَمَّد بْن جُبَيْر ) فِي رِوَايَة شُعَيْب الْمَذْكُورَة عَنْ الزُّهْرِيّ " أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن جُبَيْر ".
قَوْله : ( لِي خَمْسَة أَسْمَاء ) فِي رِوَايَة نَافِع بْن جُبَيْر عِنْد اِبْن سَعْد أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان فَقَالَ لَهُ : أَتُحْصِي أَسْمَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ جُبَيْر بْن مُطْعِم يَعُدُّهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , هِيَ سِتّ.
فَذَكَرَ الْخَمْسَة الَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّد بْن جُبَيْر وَزَادَ الْخَاتَم , لَكِنْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِل " مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي حَفْصَة عَنْ الزُّهْرِيّ فِي حَدِيث مُحَمَّد بْن جُبَيْر بْن مُطْعِم " وَأَنَا الْعَاقِب " قَالَ يَعْنِي الْخَاتَم , وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة " أَحْمَد وَمُحَمَّد وَالْحَاشِر وَالْمُقَفَّى وَنَبِيّ الرَّحْمَة " وَكَذَا فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُر الْحَاشِر , وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ الْعَدَد لَيْسَ مِنْ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الرَّاوِي بِالْمَعْنَى , وَفِيهِ نَظَر لِتَصْرِيحِهِ فِي الْحَدِيث بِقَوْلِهِ : " إِنَّ لِي خَمْسَة أَسْمَاء " وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ لِي خَمْسَة أَسْمَاء أَخْتَصّ بِهَا لَمْ يُسَمَّ بِهَا أَحَد قَبْلِي , أَوْ مُعَظَّمَة أَوْ مَشْهُورَة فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة , لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْحَصْر فِيهَا.
قَالَ عِيَاض : حَمَى اللَّه هَذِهِ الْأَسْمَاء أَنْ يُسَمَّى بِهَا أَحَد قَبْله , وَإِنَّمَا تَسَمَّى بَعْضُ الْعَرَب مُحَمَّدًا قُرْب مِيلَاده لِمَا سَمِعُوا مِنْ الْكُهَّان وَالْأَحْبَار أَنَّ نَبِيًّا سَيُبْعَثُ فِي ذَلِكَ الزَّمَان يُسَمَّى مُحَمَّدًا فَرَجُوا أَنْ يَكُونُوا هُمْ فَسَمَّوْا أَبْنَاءَهُمْ بِذَلِكَ , قَالَ : وَهُمْ سِتَّة لَا سَابِع لَهُمْ , كَذَا قَالَ , وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي " الرَّوْض " لَا يُعْرَف فِي الْعَرَب مَنْ تَسَمَّى مُحَمَّدًا قَبْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ثَلَاثَة : مُحَمَّد بْن سُفْيَان بْن مُجَاشِع , وَمُحَمَّد بْن أُحَيْحَة بْن الْجُلَاح , وَمُحَمَّد بْن حُمْرَان بْن رَبِيعَة.
وَسَبَقَ السُّهَيْلِيَّ إِلَى هَذَا الْقَوْل أَبُو عَبْد اللَّه بْن خَالَوَيْهِ فِي كِتَاب " لَيْسَ " وَهُوَ حَصْر مَرْدُود , وَقَدْ جَمَعْت أَسْمَاء مَنْ تَسَمَّى بِذَلِكَ فِي جُزْء مُفْرَد فَبَلَغُوا نَحْو الْعِشْرِينَ لَكِنْ مَعَ تَكَرُّر فِي بَعْضهمْ وَوَهْم فِي بَعْض , فَيَتَلَخَّص مِنْهُمْ خَمْسَة عَشَر نَفْسًا , وَأَشْهَرهمْ مُحَمَّد بْن عَدِيّ بْن رَبِيعَة بْن سِوَاءَة بْن جُشَم بْن سَعْد بْن زَيْد مَنَاة بْن تَمِيم التَّمِيمِيّ السَّعْدِيّ , رَوَى حَدِيثه الْبَغَوِيُّ وَابْن سَعْد وَابْن شَاهِين وَابْن السَّكَن وَغَيْرهمْ مِنْ طَرِيق الْعَلَاء بْن الْفَضْل عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سَوِيَّة عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَوِيَّة عَنْ أَبِيهِ خَلِيفَة بْن عَبْدَةَ الْمَنْقَرِيِّ قَالَ : " سَأَلْت مُحَمَّد بْن عَدِيّ بْن رَبِيعَة كَيْف سَمَّاك أَبُوك فِي الْجَاهِلِيَّة مُحَمَّدًا ؟ قَالَ سَأَلْت أَبِي عَمَّا سَأَلَتْنِي فَقَالَ : خَرَجْت رَابِع أَرْبَعه مِنْ بَنِي تَمِيم أَنَا أَحَدهمْ وَسُفْيَان بْن مُجَاشِع وَيَزِيد بْن عَمْرو بْن رَبِيعَة وَأُسَامَة بْن مَالِك , بْن حَبِيب بْن الْعَنْبَر نُرِيد اِبْن جَفْنَة الْغَسَّانِيّ بِالشَّامِ , فَنَزَلْنَا عَلَى غَدِير عِنْد دَيْر , فَأَشْرَفَ عَلَيْنَا الدَّيْرَانِيُّ فَقَالَ لَنَا : إِنَّهُ يُبْعَث مِنْكُمْ وَشِيكًا نَبِيّ فَسَارِعُوا إِلَيْهِ , فَقُلْنَا مَا اِسْمه ؟ قَالَ : مُحَمَّد.
فَلَمَّا اِنْصَرَفْنَا وُلِدَ لِكُلٍّ مِنَّا وَلَد فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا لِذَلِكَ " اِنْتَهَى وَقَالَ اِبْن سَعْد " أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد عَنْ مَسْلَمَة بْن مُحَارِب عَنْ قَتَادَةَ بْن السَّكَن قَالَ : كَانَ فِي بَنِي تَمِيم مُحَمَّد بْن سُفْيَان بْن مُجَاشِع , قِيلَ لِأَبِيهِ إِنَّهُ سَيَكُونُ نَبِيّ فِي الْعَرَب اِسْمه مُحَمَّد فَسَمَّى اِبْنه مُحَمَّدًا " فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَة لَيْسَ فِي السِّيَاق مَا يُشْعِر بِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَهُ صُحْبَة إِلَّا مُحَمَّد بْن عَدِيّ.
وَقَدْ قَالَ اِبْن سَعْد لَمَّا ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَة : عِدَاده فِي أَهْل الْكُوفَة , وَذَكَرَ عَبْدَان الْمَرْوَزِيُّ أَنَّ مُحَمَّد بْن أُحَيْحَة بْن الْجُلَاح أَوَّل مَنْ تَسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّة مُحَمَّدًا , وَكَأَنَّهُ تَلَقَّى ذَلِكَ مِنْ قِصَّة تُبَّع لَمَّا حَاصَرَ الْمَدِينَة وَخَرَجَ إِلَيْهِ أُحَيْحَة الْمَذْكُور هُوَ وَالْحَبْر الَّذِي كَانَ عِنْدهمْ بِيَثْرِب فَأَخْبَرَ الْحَبْر أَنَّ هَذَا بَلَد نَبِيّ يُبْعَثُ يُسَمَّى مُحَمَّدًا فَسَمَّى اِبْنه مُحَمَّدًا.
وَذَكَرَ الْبِلَاذَرِيّ مِنْهُمْ مُحَمَّد بْن عُقْبَة بْن أُحَيْحَة , فَلَا أَدْرِي أَهُمَا وَاحِد نُسِبَ مَرَّة إِلَى جَدّه أَمْ هُمَا اِثْنَانِ.
وَمِنْهُمْ مُحَمَّد بْن الْبَرَاء الْبَكْرِيّ ذَكَرَهُ اِبْن حَبِيب , وَضَبَطَ الْبِلَاذَرِيّ أَبَاهُ فَقَالَ : مُحَمَّد بْن بَرّ بِتَشْدِيدِ الرَّاء لَيْسَ بَعْدهَا أَلِف اِبْن طَرِيف بْن عُتْوَارَة بْن عَامِر بْن لَيْث بْن بَكْر بْن عَبْد مَنَاة بْن كِنَانَة , وَلِهَذَا نَسَبُوهُ أَيْضًا الْعُتْوَارِيّ.
وَغَفَلَ اِبْن دِحْيَة فَعَدَّ فِيهِمْ مُحَمَّد بْن عُتْوَارَة وَهُوَ هُوَ نُسِبَ لِجَدِّهِ الْأَعْلَى.
وَمِنْهُمْ مُحَمَّد بْن الْيَحْمَد الْأَزْدِيّ ذَكَرَهُ الْمُفَجَّع الْبَصْرِيّ فِي كِتَاب " الْمَعْقِد " وَمُحَمَّد بْن خَوْلِي الْهَمْدَانِيُّ وَذَكَرَهُ اِبْن دُرَيْد.
وَمِنْهُمْ مُحَمَّد بْن حِرْمَاز بْن مَالِك الْيَعْمُرِيّ ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى فِي الذَّيْل.
وَمِنْهُمْ مُحَمَّد بْن حُمْرَان بْن أَبِي حُمْرَان وَاسْمه رَبِيعَة بْن مَالِك الْجُعْفِيُّ الْمَعْرُوف بِالشُّوَيْعِرِ ذَكَرَهُ الْمَرْزُبَانِيّ فَقَالَ : هُوَ أَحَد مَنْ سُمِّيَ مُحَمَّدًا فِي الْجَاهِلِيَّة , وَلَهُ قِصَّة مَعَ اِمْرِئِ الْقَيْس.
وَمِنْهُمْ مُحَمَّد بْن خُزَاعِي بْن عَلْقَمَة بْن حِرَابَة السُّلَمِيّ مِنْ بَنِي ذَكْوَانَ ذَكَرَهُ اِبْن سَعْد عَنْ عَلِيّ بْن مُحَمَّد عَنْ سَلَمَة بْن الْفَضْل عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق قَالَ : سُمِّيَ مُحَمَّد بْن خُزَاعِي طَمَعًا فِي النُّبُوَّة.
وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ أَبْرَهَة الْحَبَشِيّ تَوَجَّهَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْزُو بَنِي كِنَانَة فَقَتَلُوهُ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَاب قِصَّة الْفِيل.
وَذَكَرَهُ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سُلَيْمَان الْهَرَوِيُّ فِي كِتَاب " الدَّلَائِل " فِيمَنْ تَسَمَّى مُحَمَّدًا فِي الْجَاهِلِيَّة.
وَذَكَرَ اِبْن سَعْد لِأَخِيهِ قَيْس بْن خُزَاعِيّ يَذْكُرهُ مِنْ أَبْيَات يَقُول فِيهَا : فَذَلِكُمْ ذُو التَّاج مِنَّا مُحَمَّد وَرَايَته فِي حَوْمَة الْمَوْت تَخْفِق وَمِنْهُمْ مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن مُغْفِل بِضَمِّ أَوَّله وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَكَسْر الْفَاء ثُمَّ لَام وَهُوَ وَالِد هُبَيْب بِمُوَحَّدَتَيْنِ مُصَغَّر وَهُوَ عَلَى شَرْط الْمَذْكُورِينَ فَإِنَّ لِوَلَدِهِ صُحْبَة وَمَاتَ هُوَ فِي الْجَاهِلِيَّة.
وَمِنْهُمْ مُحَمَّد بْن الْحَارِث بْن حُدَيْج بْن حُوَيْص ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِم السِّجِسْتَانِي فِي " كِتَاب الْمُعَمَّرِينَ " وَذَكَرَ لَهُ قِصَّة مَعَ عَمْرو وَقَالَ : إِنَّهُ أَحَد مَنْ سُمِّيَ فِي الْجَاهِلِيَّة مُحَمَّدًا.
وَمِنْهُمْ مُحَمَّد الْفُقَيْمِيّ , وَمُحَمَّد الْأُسَيْدِيّ , ذَكَرَهُمَا اِبْن سَعْد وَلَمْ يَنْسُبهُمَا بِأَكْثَر مِنْ ذَلِكَ , فَعُرِفَ بِهَذَا وَجْه الرَّدّ عَلَى الْحَصْر الَّذِي ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ , وَكَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي , وَعَجَب مِنْ السُّهَيْلِيِّ كَيْف لَمْ يَقِف عَلَى مَا ذَكَرَهُ عِيَاض مَعَ كَوْنه كَانَ قَبْله , وَقَدْ تَحَرَّرَ لَنَا مِنْ أَسْمَائِهِمْ قَدْر الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَرَّتَيْنِ بَلْ ثَلَاث مِرَار فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي السِّتَّة الَّذِينَ جَزَمَ بِهِمْ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة , وَهُوَ غَلَط فَإِنَّهُ وُلِدَ بَعْد مِيلَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُدَّةٍ فَفَضَلَ لَهُ خَمْسَة وَقَدْ خَلَصَ لَنَا خَمْسَة عَشَر وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
قَوْله : ( وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّه بِي الْكُفْر ) قِيلَ الْمُرَاد إِزَالَة ذَلِكَ مِنْ جَزِيرَة الْعَرَب , وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَة عَقِيل وَمَعْمَر " يَمْحُو بِي اللَّه الْكَفَرَة " وَيُجَاب بِأَنَّ الْمُرَاد إِزَالَة الْكُفْر بِإِزَالَةِ أَهْله , وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَب لِأَنَّ الْكُفْر مَا انْمَحَا مِنْ جَمِيع الْبِلَاد , وَقِيلَ : إِنَّهُ مَحْمُول عَلَى الْأَغْلَب أَوْ أَنَّهُ يَنْمَحِي بِسَبَبِهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا إِلَى أَنْ يَضْمَحِلّ فِي زَمَن عِيسَى اِبْن مَرْيَم فَإِنَّهُ يَرْفَع الْجِزْيَة وَلَا يَقْبَل إِلَّا الْإِسْلَام , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ السَّاعَة لَا تَقُوم إِلَّا عَلَى شِرَار النَّاس ; وَيُجَاب بِجَوَازِ أَنْ يَرْتَدّ بَعْضهمْ بَعْد مَوْت عِيسَى وَتُرْسَل الرِّيح فَتَقْبِض رُوح كُلّ مُؤْمِن وَمُؤْمِنَة فَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْقَى إِلَّا الشِّرَار , وَفِي رِوَايَة نَافِع بْن جُبَيْر " وَأَنَا الْمَاحِي فَإِنَّ اللَّه يَمْحُو بِهِ سَيِّئَات مَنْ اِتَّبَعَهُ " وَهَذَا يُشْبِه أَنْ يَكُون مِنْ قَوْل الرَّاوِي.
قَوْله : ( وَأَنَا الْحَاشِر الَّذِي يُحْشَر النَّاس عَلَى قَدَمِي ) أَيْ عَلَى أَثَرِي أَيْ إِنَّهُ يُحْشَر قَبْل النَّاس , وَهُوَ مُوَافِق لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : " يُحْشَر النَّاس عَلَى عَقِبِي " وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْقَدَمِ الزَّمَان أَيْ وَقْت قِيَامِي عَلَى قَدَمِي بِظُهُورِ عَلَامَات الْحَشْر , إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بَعْده نَبِيّ وَلَا شَرِيعَة.
وَاسْتُشْكِلَ التَّفْسِير بِأَنَّهُ يَقْضِي بِأَنَّهُ مَحْشُور فَكَيْف يُفَسَّر بِهِ حَاشِر وَهُوَ اِسْم فَاعِل , وَأُجِيبَ بِأَنَّ إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى الْفَاعِل إِضَافَةٌ وَالْإِضَافَةُ تَصِحُّ بِأَدْنَى مُلَابَسَة , فَلَمَّا كَانَ لَا أُمَّة بَعْد أُمَّته لِأَنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْده نُسِبَ الْحَشْر إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقَع عَقِبه , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَوَّل مَنْ يُحْشَر كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر " أَنَا أَوَّل مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الْأَرْض " وَقِيلَ مَعْنَى الْقَدَم السَّبَب , وَقِيلَ الْمُرَاد عَلَى مُشَاهَدَتِي قَائِمًا لِلَّهِ شَاهِدًا عَلَى الْأُمَم.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة نَافِع بْن جُبَيْر " وَأَنَا حَاشِر بُعِثْت مَعَ السَّاعَة " وَهُوَ يُرَجِّح الْأَوَّل.
( تَنْبِيهٌ ) : قَوْله : " عَلَى عَقِبِي " بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَة مُخَفَّفًا عَلَى الْإِفْرَاد , وَلِبَعْضِهِمْ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّثْنِيَة وَالْمُوَحَّدَة مَفْتُوحَة.
قَوْله : ( وَأَنَا الْعَاقِب ) زَادَ يُونُس بْن يَزِيد فِي رِوَايَته عَنْ الزُّهْرِيّ " الَّذِي لَيْسَ بَعْده نَبِيّ , وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّه رَءُوفًا رَحِيمًا " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِل " قَوْله : " وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّه إِلَخْ " مُدْرَج مِنْ قَوْل الزُّهْرِيّ.
قُلْت : وَهُوَ كَذَلِكَ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا فِي آخِر سُورَة بَرَاءَة.
وَأَمَّا قَوْله : " الَّذِي لَيْسَ بَعْده نَبِيّ " فَظَاهِره الْإِدْرَاج أَيْضًا , لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَة سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عِنْد التِّرْمِذِيّ وَغَيْره بِلَفْظِ " الَّذِي لَيْسَ بَعْدِي نَبِيّ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة نَافِع بْن جُبَيْر أَنَّهُ عَقِب الْأَنْبِيَاء ; وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلرَّفْعِ وَالْوَقْف.
وَمِمَّا وَقَعَ مِنْ أَسْمَائِهِ فِي الْقُرْآن بِالِاتِّفَاقِ " الشَّاهِد الْمُبَشِّر النَّذِير الْمُبِين الدَّاعِي إِلَى اللَّه السِّرَاج الْمُنِير " وَفِيهِ أَيْضًا : " الْمُذَكِّر وَالرَّحْمَة وَالنِّعْمَة وَالْهَادِي وَالشَّهِيد وَالْأَمِين وَالْمُزَّمِّل وَالْمُدَّثِّر " وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ " الْمُتَوَكِّل " , وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْمَشْهُورَة " الْمُخْتَار وَالْمُصْطَفَى وَالشَّفِيع الْمُشَفَّع وَالصَّادِق الْمَصْدُوق " وَغَيْر ذَلِكَ قَالَ اِبْن دِحْيَة فِي تَصْنِيف لَهُ مُفْرَد فِي الْأَسْمَاء النَّبَوِيَّة : قَالَ بَعْضهمْ أَسْمَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَد أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى تِسْعَة وَتِسْعُونَ اِسْمًا , قَالَ : وَلَوْ بَحَثَ عَنْهَا بَاحِث لَبَلَغَتْ ثَلَاثمِائَةِ اِسْم , وَذَكَرَ فِي تَصْنِيفه الْمَذْكُور أَمَاكِنهَا مِنْ الْقُرْآن وَالْأَخْبَار وَضَبَطَ أَلْفَاظهَا وَشَرَحَ مَعَانِيهَا وَاسْتَطْرَدَ كَعَادَتِهِ إِلَى فَوَائِد كَثِيرَة , وَغَالِب الْأَسْمَاء الَّتِي ذَكَرَهَا وُصِفَ بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرِد الْكَثِير مِنْهَا عَلَى سَبِيل التَّسْمِيَة , مِثْل عَدّه اللَّبِنَة بِفَتْحِ اللَّام وَكَسْر الْمُوَحَّدَة ثُمَّ النُّون فِي أَسْمَائِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور فِي الْبَاب بَعْده فِي الْقَصْر الَّذِي مِنْ ذَهَب وَفِضَّة إِلَّا مَوْضِع لَبِنَة قَالَ : " فَكُنْت أَنَا اللَّبِنَة " كَذَا وَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , وَفِي حَدِيث جَابِر " مَوْضِع اللَّبِنَة " وَهُوَ الْمُرَاد.
وَنَقَلَ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ عَنْ بَعْض الصُّوفِيَّة أَنَّ لِلَّهِ أَلْف اِسْم وَلِرَسُولِهِ أَلْف اِسْم , وَقِيلَ : الْحِكْمَة فِي الِاقْتِصَار عَلَى الْخَمْسَة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهَا أَشْهَر مِنْ غَيْرهَا مَوْجُودَة فِي الْكُتُب الْقَدِيمَة وَبَيْن الْأُمَم السَّالِفَة.
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنِي مَعْنٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمما، ويلعنون مذمما وأنا مح...
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مثلي، ومثل الأنبياء كرجل بنى دارا، فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة، فجعل الناس...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن " مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زا...
عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم: «توفي، وهو ابن ثلاث وستين»، وقال ابن شهاب، وأخبرني سعيد بن المسيب مثله
عن أنس رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في السوق، فقال رجل: يا أبا القاسم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «سموا باسمي، ولا تكتن...
عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي»
عن أبي هريرة، يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «سموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي»
عن الجعيد بن عبد الرحمن، رأيت السائب بن يزيد، ابن أربع وتسعين، جلدا معتدلا، فقال: قد علمت: ما متعت به سمعي وبصري إلا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسل...
عن السائب بن يزيد، قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وقع فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشربت من...