3820-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.» 3821- عن عائشة رضي الله عنها قالت: «استأذنت هالة بنت خويلد، أخت خديجة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك، فقال: اللهم هالة قالت: فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيرا منها».
أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: فضائل خديجة رضي الله عنها، رقم: ٢٤٣٢.
(صخب) هو الصوت المختلط المرتفع.
(نصب) هو المشقة والتعب.
أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: فضائل خديجة رضي الله عنها، رقم: ٢٤٣٧.
(فعرف استئذان خديجة) تذكره، لشبه صوتها بصوتها رضي الله عنهما.
(فارتاع لذلك) تغير واهتز سرورا بذلك.
وأصل ارتاع من الروع وهو الفزع، وليس مرادا هنا، وقد يكون المعنى: تغير حزنا لتذكره فراقها.
(اللهم هالة) أي اجعلها يا الله هالة، أو: هي هالة.
(حمراء الشدقين) الشدق جانب الفم، أرادت أنها عجوز كبيرة جدا، قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبق في فمها بياض من الأسنان، وإنما حمرة اللثاث.
(هلكت في الدهر) ماتت وذهبت في غابر الأيام، ولم يبق لها وجود.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ عُمَارَة ) هُوَ اِبْن الْقَعْقَاعِ.
قَوْله : ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ) فِي رِوَايَة مُسْلِم عَنْ اِبْن نُمَيْر عَنْ اِبْن فُضَيْلٍ بِهَذَا الْإِسْنَاد " سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة ".
قَوْله : ( أَتَى جِبْرِيل ) فِي رِوَايَة سَعِيد بْن كَثِير عِنْد الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَهُوَ بِحِرَاءَ.
قَوْله : ( هَذِهِ خَدِيجَة قَدْ أَتَتْ ) فِي رِوَايَة مُسْلِم " قَدْ أَتَتْك " وَمَعْنَاهُ تَوَجَّهَتْ إِلَيْك , وَأَمَّا قَوْله ثَانِيًا , " فَإِذَا هِيَ أَتَتْك " فَمَعْنَاهُ وَصَلَتْ إِلَيْك.
قَوْله : ( إِنَاء فِيهِ إِدَام أَوْ طَعَام أَوْ شَرَاب ) شَكّ مِنْ الرَّاوِي , وَكَذَا عِنْد مُسْلِم , وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " فِيهِ إِدَام أَوْ طَعَام وَشَرَاب " وَفِي رِوَايَة سَعِيد بْن كَثِير الْمَذْكُور عِنْد الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ حَيْسًا.
قَوْله : ( فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَام مِنْ رَبّهَا وَمِنِّي ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة " فَقَالَتْ : هُوَ السَّلَام وَمِنْهُ وَالسَّلَام وَعَلَى جِبْرِيل السَّلَام " وِلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ : " قَالَ جِبْرِيل لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّه يُقْرِئ خَدِيجَة السَّلَام " يَعْنِي فَأَخْبِرْهَا " فَقَالَتْ : إِنَّ اللَّه هُوَ السَّلَام , وَعَلَى جِبْرِيل السَّلَام وَعَلَيْك يَا رَسُول اللَّه السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته " زَادَ اِبْن السُّنِّيّ مِنْ وَجْه آخَر " وَعَلَى مَنْ سَمِعَ السَّلَام , إِلَّا الشَّيْطَان " , قَالَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْقِصَّة دَلِيل عَلَى وُفُور فِقْههَا , لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ " وَعَلَيْهِ السَّلَام " كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَة حَيْثُ كَانُوا يَقُولُونَ فِي التَّشَهُّد " السَّلَام عَلَى اللَّه فَنَهَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : إِنَّ اللَّه هُو السَّلَام , فَقُولُوا التَّحِيَّات لِلَّهِ " فَعَرَفَتْ خَدِيجَة لِصِحَّةِ فَهْمهَا أَنَّ اللَّه لَا يُرَدّ عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا يُرَدّ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ , لِأَنَّ السَّلَام اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه , وَهُوَ أَيْضًا دُعَاء بِالسَّلَامَةِ , وَكِلَاهَا لَا يَصْلُح أَنْ يُرَدّ بِهِ عَلَى اللَّه فَكَأَنَّهَا قَالَتْ : كَيْف أَقُول عَلَيْهِ السَّلَام وَالسَّلَام اِسْمه , وَمِنْهُ يُطْلَب , وَمِنْهُ يَحْصُل.
فَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلِيق بِاَللَّهِ إِلَّا الثَّنَاء عَلَيْهِ فَجَعَلَتْ مَكَان رَدّ السَّلَام عَلَيْهِ الثَّنَاء عَلَيْهِ , ثُمَّ غَايَرَتْ بَيْن مَا يَلِيق بِاَللَّهِ وَمَا يَلِيق بِغَيْرِهِ فَقَالَتْ : " وَعَلَى جِبْرِيل السَّلَام " ثُمَّ قَالَتْ : " وَعَلَيْك السَّلَام " وَيُسْتَفَاد مِنْهُ رَدّ السَّلَام عَلَى مَنْ أَرْسَلَ السَّلَام وَعَلَى مَنْ بَلَّغَهُ.
وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ جِبْرِيل كَانَ حَاضِرًا عِنْد جَوَابهَا فَرَدَّتْ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ : مَرَّة بِالتَّخْصِيصِ وَمَرَّة بِالتَّعْمِيمِ , ثُمَّ أَخْرَجَتْ الشَّيْطَان مِمَّنْ سَمِعَ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقّ الدُّعَاء بِذَلِكَ.
قِيلَ : إِنَّمَا بَلَّغَهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ رَبّهَا بِوَاسِطَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِحْتِرَامًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَلِكَ وَقَعَ لَهُ لَمَّا سَلَّمَ عَلَى عَائِشَة لَمْ يُوَاجِههَا بِالسَّلَامِ بَلْ رَاسَلَهَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ وَاجَهَ مَرْيَم بِالْخِطَابِ , فَقِيلَ لِأَنَّهَا نَبِيَّة , وَقِيلَ : لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا زَوْج يُحْتَرَمُ مَعَهُ مُخَاطَبَتهَا.
قَالَ السُّهَيْلِيّ : اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّة أَبُو بَكْر بْن دَاوُدَ عَلَى أَنَّ خَدِيجَة أَفْضَل مِنْ عَائِشَة لِأَنَّ عَائِشَة سَلَّمَ عَلَيْهَا جِبْرِيل مِنْ قِبَل نَفْسه , وَخَدِيجَة أَبْلَغَهَا السَّلَام مِنْ رَبّهَا.
وَزَعَمَ اِبْن الْعَرَبِيّ أَنَّهُ لَا خِلَاف فِي أَنَّ خَدِيجَة أَفْضَل مِنْ عَائِشَة , وَرُدَّ بِأَنَّ الْخِلَاف ثَابِت قَدِيمًا وَإِنْ كَانَ الرَّاجِح أَفْضَلِيَّة خَدِيجَة بِهَذَا وَبِمَا تَقَدَّمَ.
قُلْت : وَمِنْ صَرِيح مَا جَاءَ فِي تَفْضِيل خَدِيجَة مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس رَفَعَهُ " أَفْضَل نِسَاء أَهْل الْجَنَّة خَدِيجَة بِنْت خُوَيْلِد وَفَاطِمَة بِنْت مُحَمَّد " قَالَ السُّبْكِيّ الْكَبِير كَمَا تَقَدَّمَ : لِعَائِشَة مِنْ الْفَضَائِل مَا لَا يُحْصَى , وَلَكِنَّ الَّذِي نَخْتَارهُ وَنَدِين اللَّه بِهِ أَنَّ فَاطِمَة أَفْضَل ثُمَّ خَدِيجَة ثُمَّ عَائِشَة.
وَاسْتَدَلَّ لِفَضْلِ فَاطِمَة بِمَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَتهَا أَنَّهَا سَيِّدَة نِسَاء الْمُؤْمِنِينَ.
قُلْت : وَقَالَ بَعْض مَنْ أَدْرَكْنَاهُ : الَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْجَمْع بَيْن الْحَدِيثِينَ أَوْلَى , وَأَنْ لَا نُفَضِّل إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى.
وَسُئِلَ السُّبْكِيّ : هَلْ قَالَ أَحَد إِنَّ أَحَدًا مِنْ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر خَدِيجَة وَعَائِشَة أَفْضَل مِنْ فَاطِمَة ؟ فَقَالَ : قَالَ بِهِ مَنْ لَا يُعْتَدّ بِقَوْلِهِ : وَهُوَ مِنْ فَضْل نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمِيع الصَّحَابَة لِأَنَّهُنَّ فِي دَرَجَته فِي الْجَنَّة.
قَالَ : وَهُوَ قَوْل سَاقِط مَرْدُود اِنْتَهَى.
وَقَائِله هُوَ أَبُو مُحَمَّد بْن حَزْم وَفَسَاده ظَاهِر.
قَالَ السُّبْكِيّ : وَنِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد خَدِيجَة وَعَائِشَة مُتَسَاوِيَات فِي الْفَضْل , وَهُنَّ أَفْضَل النِّسَاء لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : ( لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاء إِنْ اِتَّقَيْتُنَّ ) الْآيَة , وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ قِيلَ إِنَّهَا نَبِيَّة كَمَرْيَم , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْد الطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَة أَبِي يُونُس عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا وَقَعَ لَهَا نَظِير مَا وَقَعَ لِخَدِيجَةَ مِنْ السَّلَام وَالْجَوَاب , وَهِيَ رِوَايَة شَاذَّة , وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن خَلِيل ) كَذَا فِي جَمِيع النُّسَخ الَّتِي اِتَّصَلَتْ إِلَيْنَا بِصِيغَةِ التَّعْلِيق , لَكِنَّ صَنِيع الْمِزِّيّ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَوْصُولًا , وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى الذُّهْلِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور , وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ سُوَيْد بْن سَعِيد وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق الْوَلِيد بْن شُجَاع كِلَاهُمَا عَنْ عَلِيّ بْن مُسْهِر.
قَوْله : ( اِسْتَأْذَنَتْ هَالَة بِنْت خُوَيْلِد ) هِيَ أُخْت خَدِيجَة , وَكَانَتْ زَوْج الرَّبِيع بْن عَبْد الْعُزَّى بْن عَبْد شَمْس وَالِد أَبِي الْعَاصِ بْن الرَّبِيع زَوْج زَيْنَب بِنْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ ذَكَرُوهَا فِي الصَّحَابَة وَهُوَ ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث , وَقَدْ هَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَة لِأَنَّ دُخُولهَا كَانَ بِهَا أَيْ بِالْمَدِينَةِ , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة حَيْثُ كَانَتْ عَائِشَة مَعَهُ فِي بَعْض سَفَرَاته , وَوَقَعَ عِنْد الْمُسْتَغْفِرِيّ مِنْ طَرِيق حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ هِشَام بِهَذَا السَّنَد " قَدِمَ اِبْن لِخَدِيجَة يُقَال لَهُ هَالَة , فَسَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَائِلَته كَلَام هَالَة , فَانْتَبَهَ وَقَالَ : هَالَة هَالَة " قَالَ الْمُسْتَغْفِرِيّ : الصَّوَاب هَالَة أُخْت خَدِيجَة اِنْتَهَى.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَط " مِنْ طَرِيق تَمِيم بْن زَيْد بْن هَالَة عَنْ أَبِي هَالَة عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاقِد فَاسْتَيْقَظَ فَضَمَّهُ إِلَى صَدْره وَقَالَ : " هَالَة هَالَة " وَذَكَرَ اِبْن حِبَّان وَابْن عَبْد الْبَرّ فِي الصَّحَابَة هَالَة بْن أَبِي هَالَة التَّمِيمِيّ , فَلَعَلَّهُ كَانَ لِخَدِيجَة أَيْضًا اِبْن اِسْمه هَالَة وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله : ( فَعَرَفَ اِسْتِئْذَان خَدِيجَة ) أَيْ صِفَته لِشَبَهِ صَوْتهَا بِصَوْتِ أُخْتهَا فَتَذَكَّرَ خَدِيجَة بِذَلِكَ , وَقَوْله : " اِرْتَاعَ " مِنْ الرَّوْع بِفَتْحِ الرَّاء أَيْ فَزِعَ , وَالْمُرَاد مِنْ الْفَزَع لَازِمه وَهُوَ التَّغَيُّر.
وَوَقَعَ فِي بَعْض الرِّوَايَات " اِرْتَاحَ " بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة أَيْ اِهْتَزَّ لِذَلِكَ سُرُورًا , وَقَوْله " اللَّهُمَّ هَالَة " فِيهِ حَذْف تَقْدِيره اِجْعَلْهَا هَالَة , فَعَلَى هَذَا فَهُوَ مَنْصُوب , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون خَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف أَيْ هَذِهِ هَالَة وَعَلَى هَذَا هُوَ مَرْفُوع , وَفِي الْحَدِيث أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَحَبَّ مَحْبُوبَاته وَمَا يُشْبِههُ وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ.
قَوْله : ( حَمْرَاء الشِّدْقَيْنِ ) بِالْجَرِّ , قَالَ أَبُو الْبَقَاء : يَجُوز فِي حَمْرَاء الرَّفْع عَلَى الْقَطْع وَالنَّصْب عَلَى الصِّفَة أَوْ الْحَال , ثُمَّ الْمَوْجُود فِي جَمِيع النُّسَخ وَفِي مُسْلِم " حَمْرَاء " بِالْمُهْمَلَتَيْنِ , وَحَكَى اِبْن التِّين أَنَّهُ رُوِيَ بِالْجِيمِ وَالزَّاي وَلَمْ يَذْكُر لَهُ مَعْنًى , وَهُوَ تَصْحِيف وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : قِيلَ : مَعْنَى حَمْرَاء الشِّدْقَيْنِ بَيْضَاء الشَّدْقَيْنِ , وَالْعَرَب تُطْلِق عَلَى الْأَبْيَض الْأَحْمَر كَرَاهَة اِسْم الْبَيَاض لِكَوْنِهِ يُشْبِه الْبَرَص , وَلِهَذَا كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لِعَائِشَة يَا حُمَيْرَاء.
ثُمَّ اِسْتَبْعَدَ الْقُرْطُبِيّ هَذَا لِكَوْنِ عَائِشَة أَوْرَدَتْ هَذِهِ الْمَقَالَة مَوْرِدَ التَّنْقِيص , فَلَوْ كَانَ الْأَمْر كَمَا قِيلَ لَنَصَّتْ عَلَى الْبَيَاض لِأَنَّهُ كَانَ يَكُون أَبْلَغ فِي مُرَادهَا.
قَالَ : وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ نِسْبَتهَا إِلَى كِبَر السِّنّ , لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي سِنّ الشَّيْخُوخَة مَعَ قُوَّة فِي بَدَنه يَغْلِب عَلَى لَوْنه غَالِبًا الْحُمْرَة الْمَائِلَة إِلَى السُّمْرَة , كَذَا قَالَ , وَاَلَّذِي يَتَبَادَر أَنَّ الْمُرَاد بِالشِّدْقَيْنِ مَا فِي بَاطِن الْفَم فَكَنَّتْ بِذَلِكَ عَنْ سُقُوط أَسْنَانهَا حَتَّى لَا يَبْقَى دَاخِل فَمهَا إِلَّا اللَّحْم الْأَحْمَر مِنْ اللِّثَة وَغَيْرهَا , وَبِهَذَا جَزَمَ النَّوَوِيّ وَغَيْره.
قَوْله : ( قَدْ أَبْدَلَك اللَّه خَيْرًا مِنْهَا ) قَالَ اِبْن التِّين : فِي سُكُوت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَة دَلِيل عَلَى أَفْضَلِيَّة عَائِشَة عَلَى خَدِيجَة إِلَّا أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْخَيْرِيَّةِ هُنَا حُسْن الصُّورَة وَصِغَر السِّنّ اِنْتَهَى.
وَلَا يَلْزَم مِنْ كَوْنه لَمْ يُنْقَل فِي هَذِهِ الطَّرِيق أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدّ عَلَيْهَا عَدَم ذَلِكَ , بَلْ الْوَاقِع أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ رَدّ لِهَذِهِ الْمَقَالَة , فَفِي رِوَايَة أَبِي نَجِيح عَنْ عَائِشَة عِنْد أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّة " قَالَتْ عَائِشَة فَقُلْت أَبْدَلَك اللَّه بِكَبِيرَةِ السِّنّ حَدِيثَة السِّنّ , فَغَضِبَ حَتَّى قُلْت : وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَذْكُرهَا بَعْد هَذَا إِلَّا بِخَيْرٍ " وَهَذَا يُؤَيِّد مَا تَأَوَّلَهُ اِبْن التِّين فِي الْخَيْرِيَّة الْمَذْكُورَة , وَالْحَدِيث يُفَسِّر بَعْضه بَعْضًا.
وَرَوَى أَحْمَد أَيْضًا وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق مَسْرُوق عَنْ عَائِشَة فِي نَحْو هَذِهِ الْقِصَّة " فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَبْدَلَنِي اللَّه خَيْرًا مِنْهَا آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاس " الْحَدِيث , قَالَ عِيَاض قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء الْغَيْرَة مُسَامَحٌ لِلنِّسَاءِ مَا يَقَع فِيهَا وَلَا عُقُوبَة عَلَيْهِنَّ فِي تِلْكَ الْحَالَة لِمَا جُبِلْنَ عَلَيْهِ مِنْهَا , وَلِهَذَا لَمْ يَزْجُر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَة عَنْ ذَلِكَ.
وَتَعَقَّبَهُ عِيَاض بِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْ عَائِشَة لِصِغَرِ سِنّهَا وَأَوَّل شَبِيبَتهَا , فَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حِينَئِذٍ.
قُلْت : وَهُوَ مُحْتَمَل مَعَ مَا فِيهِ مِنْ نَظَر , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : لَا تَدُلّ قِصَّة عَائِشَة هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْغَيْرَى لَا تُؤَاخَذ بِمَا يَصْدُر مِنْهَا , لِأَنَّ الْغَيْرَة هُنَا جُزْء سَبَب , وَذَلِكَ أَنَّ عَائِشَة اجْتَمَعَ فِيهَا حِينَئِذٍ الْغَيْرَة وَصِغَر السِّنّ وَالْإِدْلَال , قَالَ فَإِحَالَة الصَّفْح عَنْهَا عَلَى الْغَيْرَة وَحْدهَا تَحَكُّمٌ , نَعَمْ الْحَامِل لَهَا عَلَى مَا قَالَتْ الْغَيْرَة لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي نَصَّتْ عَلَيْهَا بِقَوْلِهَا " فَغِرْت " وَأَمَّا الصَّفْح فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِأَجْلِ الْغَيْرَة وَحْدهَا , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لَهَا وَلِغَيْرِهَا مِنْ الشَّبَاب وَالْإِدْلَال.
قُلْت : الْغَيْرَة مُحَقَّقَة بِتَنْصِيصِهَا , وَالشَّبَاب مُحْتَاج إِلَى دَلِيل , فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ بِنْت تِسْع وَذَلِكَ فِي أَوَّل زَمَن الْبُلُوغ , فَمِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْل وَقَعَ فِي أَوَائِل دُخُوله عَلَيْهَا وَهِيَ بِنْت تِسْع.
وَأَمَّا إِدْلَال الْمَحَبَّة فَلَيْسَ مُوجِبًا لِلصَّفْحِ عَنْ حَقّ الْغَيْر , بِخِلَافِ الْغَيْرَة فَإِنَّمَا يَقَع الصَّفْح بِهَا لِأَنَّ مَنْ يَحْصُل لَهَا الْغَيْرَة لَا تَكُون فِي كَمَالِ عَقْلهَا , فَلِهَذَا تَصْدُر مِنْهَا أُمُور لَا تَصْدُر مِنْهَا فِي حَال عَدَم الْغَيْرَة , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَالَةَ قَالَتْ فَغِرْتُ فَقُلْتُ مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا
عن قيس قال: سمعته يقول: قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: «ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك.»
عن جرير بن عبد الله قال: «كان في الجاهلية بيت يقال له ذو الخلصة، وكان يقال له الكعبة اليمانية، أو: الكعبة الشأمية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وس...
عن عائشة رضي الله عنها قالت «لما كان يوم أحد هزم المشركون هزيمة بينة، فصاح إبليس: أي عباد الله أخراكم، فرجعت أولاهم على أخراهم فاجتلدت أخراهم، فنظر...
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، ف...
عن ابن عمر : «أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشأم، يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلي أن أدين دينكم فأخبرني،...
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «لما بنيت الكعبة، ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة، فقال عباس للنبي صلى الله عليه وسلم: اجع...
عن عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي يزيد قالا: «لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حول البيت حائط، كانوا يصلون حول البيت، حتى كان عمر، فبنى حول...
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما ن...
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من الفجور في الأرض، وكانوا يسمون المحرم صفرا، ويقولون: إذا برا الدبر، وعفا الأثر،...