4039-
عن البراء قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار، فأمر عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه، وقد غربت الشمس، وراح الناس بسرحهم، فقال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني منطلق، ومتلطف للبواب، لعلي أن أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة، وقد دخل الناس، فهتف به البواب، يا عبد الله: إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب، فدخلت فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأغاليق على وتد، قال: فقمت إلى الأقاليد فأخذتها، ففتحت الباب، وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علالي له، فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت علي من داخل، قلت: إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلي حتى أقتله، فانتهيت إليه، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، فقلت: يا أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش، فما أغنيت شيئا، وصاح، فخرجت من البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه، فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويل، إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف، قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم وضعت ظبة السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا، حتى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي، وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حتى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم: أقتلته؟ فلما صاح الديك قام الناعي على السور، فقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى أصحابي، فقلت النجاء، فقد قتل الله أبا رافع، فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، فقال: ابسط رجلك.
فبسطت رجلي فمسحها، فكأنها لم أشتكها قط.»
(راح الناس بسرحهم) رجعوا بمواشيهم التي ترعى.
(تقنع) جعله كالقناع، فتغطى بثوبه ليخفي شخصه حتى لا يعرف.
(فهتف) فنادى.
(عبد الله) لم يرد اسمه لأنه لم يعرفه، وإنما أراد المعنى الحقيقي وهو أنه عبد لله تعالى.
(فكمنت) اختبأت.
(الأغاليق) المفاتيح، جمع غلق وهو ما يغلق به الباب.
(وتد) خشبة تجعل في الحائط ويبقى قسم منها بارزا ليعلق عليه المفاتيح ونحوها.
(الأقاليد) المفايتح.
(يسمر عنده) يتحدثون عنده بعد العشاء.
(علالي) جمع علية، وهي الغرفة.
(نذروا بي) عملوا، من الإنذار، وهو الإعلام بالشيء الذي يحذر منه.
(لم يخلصوا) لم يصلوا.
(ما أغنيت شيئا) أي لم أقتله، فلم أفعل ما يجدي.
(اثخنته) بالغت في جراحته.
(ظبة) حرف حد السيف.
(صاح الديك) أي كان وجه الصبح.
(النجاء) أسرعوا وانجوا بأنفسكم.
(فكأنها لم أشتكها) لم أشعر بألم منها وكأنها لم تصب بشيء.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( حَدَّثَنَا يُوسُف بْن مُوسَى ) هُوَ الْقَطَّانُ , وَعُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى هُوَ الْعَبْسِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيّ , وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ.
قَوْله : ( بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِع الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَار ) فِي رِوَايَة يُوسُف بْن إِسْحَاق بْن أَبِي إِسْحَاق الْآتِيَة بَعْد هَذِهِ " بَعَثَ إِلَى أَبِي رَافِع عَبْدَ اللَّه بْن عَتِيك وَعَبْدَ اللَّهِ بْن عُتْبَةَ فِي أُنَاس مَعَهُمْ " وَعَبْدَ اللَّه بْن عَتِيك بِالنَّصْبِ مَفْعُول بَعَثَ وَهُوَ الْمَبْعُوث إِلَى أَبِي رَافِع وَلَيْسَ هُوَ اِسْم أَبِي رَافِع , وَعَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ لَمْ يُذْكَر إِلَّا فِي هَذَا الطَّرِيق , وَزَعَمَ اِبْن الْأَثِير فِي " جَامِع الْأُصُول " أَنَّهُ اِبْن عِنَبَةَ بِكَسْرِ الْعَيْن وَفَتْحِ النُّونِ , وَهُوَ غَلَط مِنْهُ فَإِنَّهُ خَوْلَانِيّ لَا أَنْصَارِيٌّ , وَمُتَأَخِّرُ الْإِسْلَام وَهَذِهِ الْقِصَّة مُتَقَدِّمَة وَالرِّوَايَة بِضَمِّ الْعَيْن وَسُكُون الْمُثَنَّاة لَا بِالنُّونِ وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَار ) قَدْ سُمِّيَ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْبَاب عَبْد اللَّه بْن عَتِيك وَعَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ , وَعِنْد اِبْن إِسْحَاق عَبْد اللَّه بْن عَتِيك وَمَسْعُود بْن سِنَان وَعَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ وَأَبُو قَتَادَة وَخُزَاعِي بْن أَسْوَد , فَإِنْ كَانَ عَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ مَحْفُوظًا فَقَدْ كَانُوا سِتَّة , فَأَمَّا الْأَوَّل فَهُوَ اِبْن عَتِيك بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَكَسْر الْمُثَنَّاة اِبْن قِيسَ بْن الْأَسْوَد مِنْ بَنِي سِلْمَةَ بِكَسْرِ اللَّام , وَأَمَّا عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة فَقَدْ شَرَحْت مَا فِيهِ , وَأَمَّا مَسْعُود فَهُوَ اِبْن سِنَان الْأَسْلَمِيّ حَلِيف بَنِي سِلْمَةَ , شَهِدَ أُحُدًا وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ , وَأَمَّا عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ فَهُوَ الْجُهَنِيّ حَلِيف الْأَنْصَار , وَقَدْ فَرَّقَ الْمُنْذِرِيُّ بَيْن عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ الْجُهَنِيّ وَعَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ الْأَنْصَارِيّ , وَجَزَمَ بِأَنَّ الْأَنْصَارِيّ هُوَ الَّذِي كَانَ فِي قَتْل اِبْن أَبِي الْحَقِيقِ وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ اِبْن الْمَدِينِيّ , وَجَزَمَ غَيْر وَاحِد بِأَنَّهُمَا وَاحِد وَهُوَ جُهَنِيّ حَالَفَ الْأَنْصَار , وَأَمَّا أَبُو قَتَادَةَ فَمَشْهُور , وَأَمَّا خُزَاعِيّ بْن أَسْوَد فَقَدْ قَلَبَهُ بَعْضهمْ فَقَالَ أَسْوَد بْن خُزَاعِيّ , وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ فِي " الْإِكْلِيل " أَسْوَد بْن حَرَام , وَكَذَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْن عُقْبَة فِي الْمَغَازِي , فَإِنْ كَانَ غَيْر مَنْ ذُكِرَ وَإِلَّا فَهُوَ تَصْحِيف ثُمَّ وَجَدْته فِي " دَلَائِل الْبَيْهَقِيِّ " مِنْ طَرِيق مُوسَى بْن عُقْبَة عَلَى الشَّكّ هَلْ هُوَ أَسْوَد بْن خُزَاعِيّ أَوْ أَسْوَد بْن حَرَام.
قَوْله : ( وَكَانَ أَبُو رَافِع يُؤْذِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ ) ذَكَرَ اِبْن عَائِذ مِنْ طَرِيق الْأَسْوَد عَنْ عُرْوَة أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ أَعَانَ غَطَفَانَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب بِالْمَالِ الْكَثِير عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله : ( وَقَدْ دَخَلَ النَّاس ) ذَكَرَ فِي رِوَايَة يُوسُف سَبَبًا لِتَأْخِيرِ غَلْق الْبَاب فَقَالَ " فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ - أَيْ شُعْلَةٍ مِنْ نَار - يَطْلُبُونَهُ , قَالَ فَخَشِيت أَنْ أُعْرَف فَغَطَّيْت رَأْسِي ".
قَوْله : ( وَرَاحَ النَّاس بِسَرْحِهِمْ ) أَيْ رَجَعُوا بِمَوَاشِيهِمْ الَّتِي تَرْعَى , وَسَرْح بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الرَّاء بَعْدهَا مُهْمَلَة هِيَ السَّائِمَة مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ.
قَوْله : ( تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ ) أَيْ تَغَطَّى بِهِ لِيُخْفِيَ شَخْصَهُ لِئَلَّا يُعْرَفَ.
قَوْله : ( فَهَتَفَ بِهِ ) أَيْ نَادَاهُ , وَفِي رِوَايَةِ يُوسُف " ثُمَّ نَادَى صَاحِبُ الْبَاب " أَيْ الْبَوَّابِ وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْمِهِ.
قَوْله : ( فَكَمَنْت ) أَيْ اِخْتَبَأْت , وَفِي رِوَايَةِ يُوسُف " ثُمَّ اِخْتَبَأْت فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْد بَابِ الْحِصْنِ ".
قَوْله : ( ثُمَّ عَلَّقَ الْأَغَالِيقَ عَلَى وَدٍّ ) بِفَتْحِ الْوَاو وَتَشْدِيد الدَّال هُوَ الْوَتَدُ , وَفِي رِوَايَةِ يُوسُفَ " وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ فِي كُوَّةٍ " وَالْأَغَالِيق بِالْمُعْجَمَةِ جَمْع غَلَقٍ بِفَتْحِ أَوَّله مَا يُغْلَق بِهِ الْبَابُ وَالْمُرَاد بِهَا الْمَفَاتِيح , كَأَنَّهُ كَانَ يَغْلِقُ بِهَا وَيَفْتَحُ بِهَا , كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ , وَفِي رِوَايَةِ غَيْره بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَهُوَ الْمِفْتَاحُ بِلَا إِشْكَال , وَالْكَوَّةُ بِالْفَتْحِ وَقَدْ تُضَمُّ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ غَيْرُ النَّافِذَةِ وَبِالضَّمِّ النَّافِذَةُ.
قَوْله : ( فَقُمْت إِلَى الْأَقَالِيد ) هِيَ جَمْع إِقْلِيد وَهُوَ الْمِفْتَاحُ , وَفِي رِوَايَةِ يُوسُفَ " فَفَتَحْت بَابَ الْحِصْنِ ".
قَوْله : ( يُسْمَرُ عِنْدَهُ ) أَيْ يَتَحَدَّثُونَ لَيْلًا , وَفِي رِوَايَةِ يُوسُف " فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْل , ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ ".
قَوْله : ( فِي عَلَالِيّ لَهُ ) بِالْمُهْمَلَةِ جَمْع عَلِّيَّةٍ بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهِيَ الْغُرْفَةُ , وَفِي رِوَايَةِ اِبْن إِسْحَاق " وَكَانَ فِي عَلِيَّةٍ لَهُ إِلَيْهَا عَجَلَةٌ " وَالْعَجَلَة بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيم السُّلَّمُ مِنْ الْخَشَب , وَقَيَّدَهُ اِبْن قُتَيْبَة بِخَشَبِ النَّخْل.
قَوْله : ( فَجَعَلْت كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْت عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ ) فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ عِنْد الْحَاكِم فَلَمْ يَدَعُوا بَابًا إِلَّا أَغْلَقُوهُ.
قَوْله : ( نَذِرُوا بِي ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ عَلِمُوا , أَصْلُهُ مِنْ الْإِنْذَارِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِالشَّيْءِ الَّذِي يُحْذَرُ مِنْهُ , وَذَكَرَ اِبْن سَعْد أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عَتِيك كَانَ يَرْطُن بِالْيَهُودِيَّةِ , فَاسْتَفْتَحَ , فَقَالَتْ لَهُ اِمْرَأَةُ أَبِي رَافِع مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : جِئْت أَبَا رَافِع بِهَدِيَّةٍ.
فَفَتَحَتْ لَهُ وَفِي رِوَايَةِ يُوسُف " فَلَمَّا هَدَأَتْ الْأَصْوَات " أَيْ سَكَنَتْ , وَعِنْدَهُ " ثُمَّ عَمَدْت إِلَى أَبْوَاب بُيُوتِهِمْ فَأَغْلَقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ.
ثُمَّ صَعِدْت إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ ".
قَوْله : ( فَأَهْوَيْت نَحْو الصَّوْت ) أَيْ قَصَدْت نَحْوَ صَاحِب الصَّوْتِ , وَفِي رِوَايَةِ يُوسُفَ " فَعَمَدْت نَحْوَ الصَّوْتِ ".
قَوْله : ( وَأَنَا دَهِشٌ ) بِكَسْرِ الْهَاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ.
قَوْله : ( فَمَا أَغْنَيْت شَيْئًا ) أَيْ لَمْ أَقْتُلْهُ.
قَوْله : ( فَقُلْت مَا هَذَا الصَّوْت يَا أَبَا رَافِع ) فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ " فَقَالَتْ اِمْرَأَته يَا أَبَا رَافِع هَذَا صَوْت عَبْد اللَّه بْن عَتِيك.
فَقَالَ ثَكِلَتْك أُمُّك وَأَيْنَ عَبْد اللَّه بْن عَتِيك ".
قَوْله : ( هَدَأَتْ الْأَصْوَات ) بِهَمْزَةٍ أَيْ سَكَنَتْ , وَزَعَمَ اِبْن التِّين أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ " هَدَتْ " بِغَيْرِ هَمْزٍ وَأَنَّ الصَّوَاب بِالْهَمْزِ.
قَوْله : ( فَأَضْرِبُهُ ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمُضَارِع مُبَالَغَة لِاسْتِحْضَارِ صُورَةِ الْحَالِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ مَضَى.
قَوْله : ( فَلَمْ يُغْنِ ) أَيْ لَمْ يَنْفَعْ.
قَوْله : ( ثُمَّ دَخَلْت إِلَيْهِ ) فِي رِوَايَةِ يُوسُف " ثُمَّ جِئْت كَأَنِّي أُغِيثهُ فَقُلْت مَالَك ؟ وَغَيَّرْت صَوْتِي ".
قَوْله : ( لِأُمِّك الْوَيْلُ ) فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ " زَادَ وَقَالَ أَلَا أَعْجَلْتُك " وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ " قَالَ فَعَمَدْت لَهُ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ.
ثُمَّ جِئْت وَغَيَّرْت صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُسْتَغِيثِ فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ " وَفِي رِوَايَةِ اِبْن إِسْحَاق " فَصَاحَتْ اِمْرَأَتُهُ " فَنَوَّهَتْ بِنَا , فَجَعَلْنَا نَرْفَعُ السَّيْفَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَذْكُرُ نَهْيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ فَنَكُفُّ عَنْهَا ".
قَوْله : ( ضَبِيبَ السَّيْفِ ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ وَزْن رَغِيف , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هَكَذَا يُرْوَى , وَمَا أَرَاهُ مَحْفُوظًا وَإِنَّمَا هُوَ ظُبَّةُ السَّيْفِ وَهُوَ حَرْفُ السَّيْف وَيُجْمَع عَلَى ظُبَّاتٍ , قَالَ : وَالضَّبِيب لَا مَعْنَى لَهُ هُنَا لِأَنَّهُ سَيَلَانُ الدَّمِ مِنْ الْفَمِ , قَالَ عِيَاضٌ : هُوَ فِي رِوَايَة أَبِي ذَرٍّ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ , وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَرْبِيُّ وَقَالَ : أَظُنُّهُ طَرَفَهُ.
وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ طَرَفُ السَّيْفِ , وَفِي رِوَايَةِ يُوسُفَ " فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أَتَّكِئُ عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْت صَوْتَ الْعَظْمِ ".
قَوْله : ( فَوَضَعْت رِجْلِي وَأَنَا أُرَى ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّ , وَذَكَرَ اِبْنُ إِسْحَاق فِي رِوَايَته أَنَّهُ كَانَ سَيِّئَ الْبَصَرِ.
قَوْله : ( فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتهَا ) فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ " ثُمَّ خَرَجْت دَهِشًا حَتَّى أَتَيْت السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ فَسَقَطْت مِنْهُ فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي فَعَصَبْتهَا " وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا اِنْخَلَعَتْ مِنْ الْمِفْصَلِ وَانْكَسَرَتْ السَّاقُ , وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : هَذَا اِخْتِلَافٌ وَقَدْ يُتَجَوَّزُ فِي التَّعْبِيرِ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ , لِأَنَّ الْخَلْعَ هُوَ زَوَالُ الْمِفْصَلِ مِنْ غَيْرِ بَيْنُونَةٍ , أَيْ بِخِلَافِ الْكَسْرِ.
قُلْت : وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْحَمْلِ عَلَى وُقُوعِهِمَا مَعًا أَوْلَى , وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ اِبْن إِسْحَاق " فَوَثَبَتْ يَدُهُ " وَهُوَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ رِجْلُهُ , وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَوَقَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ , وَزَادَ أَنَّهُمْ كَمَنُوا فِي نَهَرٍ , وَأَنَّ قَوْمَهُ أَوْقَدُوا النِّيرَانَ وَذَهَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَ حَتَّى أَيِسُوا رَجَعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْضِي.
قَوْله : ( قَامَ النَّاعِي ) فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ " صَعِدَ النَّاعِيَةَ ".
قَوْله : ( أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ ) كَذَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ , قَالَ اِبْنُ التِّين : هِيَ لُغَة وَالْمَعْرُوف اُنْعُوا , وَالنَّعْيُ خَبَرُ الْمَوْتِ وَالِاسْمُ النَّاعِي.
وَذَكَرَ الْأَصْمَعِيُّ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْكَبِير رَكِبَ رَاكِبٌ فَرَسًا وَسَارَ فَقَالَ : نَعْيُ فُلَانٍ.
قَوْله : ( فَقُلْت النَّجَاء ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَسْرِعُوا , فِي رِوَايَةِ يُوسُف " ثُمَّ أَتَيْت أَصْحَابِي أَحْجُلُ فَقُلْت : اِنْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَوْله : " أَحْجُلُ " هُوَ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٌ , الْحَجْل هُوَ أَنْ يَرْفَعَ رِجْلًا وَيَقِفَ عَلَى أُخْرَى مِنْ الْعَرَجِ , وَقَدْ يَكُونُ بِالرِّجْلَيْنِ مَعًا إِلَّا أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى قَفْزًا لَا مَشْيًا , وَيُقَالُ حَجَلَ فِي مَشْيِهِ إِذَا مَشَى مِثْل الْمُقَيَّد أَيْ قَارَبَ خَطْوَهُ , وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ " قَالَ وَتَوَجَّهْنَا مِنْ خَيْبَر , فَكُنَّا نَكْمُنُ النَّهَارَ وَنَسِيرُ اللَّيْلَ , وَإِذَا كَمَنَّا بِالنَّهَارِ أَقْعَدْنَا مِنَّا وَاحِدًا يَحْرُسنَا , فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَخَافُهُ أَشَارَ إِلَيْنَا , فَلَمَّا قَرُبْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ كَانَتْ نَوْبَتِي , فَأَشْرَفْت إِلَيْهِمْ فَخَرَجُوا سِرَاعًا , ثُمَّ لَحِقْتهمْ فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ , فَقَالُوا : مَاذَا رَأَيْت ؟ قُلْت : مَا رَأَيْت شَيْئًا , وَلَكِنْ خَشِيت أَنْ تَكُونُوا أُعْيِيتُمْ فَأَحْبَبْت أَنْ يَحْمِلَكُمْ الْفَزَعُ.
قَوْله : ( فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَة يُوسُفَ أَنَّهُ " لَمَّا سَمِعَ النَّاعِي قَالَ : فَقُمْت أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ " وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ عِلَّةٌ أَنْقَلِبُ بِهَا , وَقَالَ الْفَرَّاءُ.
أَصْلُ الْقِلَابِ بِكَسْرِ الْقَافِ دَاءٌ يُصِيبُ الْبَعِيرَ فَيَمُوتُ مِنْ يَوْمِهِ , فَقِيلَ لِكُلِّ مَنْ سَلِمَ مِنْ عِلَّةٍ مَا بِهِ قَلَبَة , أَيْ لَيْسَتْ بِهِ عِلَّةٌ تُهْلِكُهُ.
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْ الْبَابِ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ ثُمَّ عَلَّقَ الْأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ قَالَ فَقُمْتُ إِلَى الْأَقَالِيدِ فَأَخَذْتُهَا فَفَتَحْتُ الْبَابَ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ وَكَانَ فِي عَلَالِيَّ لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ قُلْتُ إِنْ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنْ الْبَيْتِ فَقُلْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ قَالَ مَنْ هَذَا فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا وَصَاحَ فَخَرَجْتُ مِنْ الْبَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ فَقَالَ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ قَالَ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ ثُمَّ وَضَعْتُ ظِبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الْأَبْوَابَ بَابًا بَابًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدْ انْتَهَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ فَقُلْتُ لَا أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ فَقَالَ أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ النَّجَاءَ فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ ابْسُطْ رِجْلَكَ فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ
عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء رضي الله عنه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة في ناس معهم، فانط...
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب.»
عن عقبة بن عامر قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثماني سنين، كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: إني بين أيديكم فرط،...
عن البراء رضي الله عنه قال: «لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة، وأمر عليهم عبد الله، وقال: لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظ...
عن جابر قال: «اصطبح الخمر يوم أحد ناس، ثم قتلوا شهداء».<br>
عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم : «أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام، وكان صائما، فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، كفن في بردة: إن غطي رأسه بدت ر...
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: أرأيت إن قتلت، فأين أنا؟ قال: في الجنة.<br> فألقى تمرات في يده، ثم...
عن خباب رضي الله عنه قال: «هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، ومنا من مضى، أو ذهب، لم يأكل من أجره شيئا، كان...
عن أنس رضي الله عنه: «أن عمه غاب عن بدر، فقال: غبت عن أول قتال النبي صلى الله عليه وسلم، لئن أشهدني الله مع النبي صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أج...