4086-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حتى إذا كان بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلا نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد، وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلا، فقال عاصم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة نفر بالنبل، وبقي خبيب وزيد ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث الذي معهما: هذا أول الغدر، فأبى أن يصحبهم فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيرا، حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث أستحد بها فأعارته، قالت فغفلت عن صبي لي، فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذاك مني وفي يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذاك إن شاء الله، وكانت تقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزق رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو، ثم قال: اللهم أحصهم عددا، ثم قال:
ما أبالي حين أقتل مسلما .
على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ .
يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء».
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ عَمْرو بْن أَبِي سُفْيَان الثَّقَفِيّ ) هَكَذَا يَقُول مَعْمَر وَوَافَقَهُ شُعَيْب وَآخَرُونَ , وَقَدْ تَقَدَّمَ مُسْتَوْفًى فِي الْجِهَادِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا , وَإِبْرَاهِيم بْن سَعْد يَقُول عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُمَر بِضَمِّ الْعَيْن , كَذَا أَخْرَجَهُ اِبْن سَعْد عَنْ مَعْنِ بْن عِيسَى عَنْهُ , وَكَذَا قَالَ الطَّيَالِسِيّ عَنْ إِبْرَاهِيم , وَبِذَلِكَ جَزَمَ الذُّهْلِيُّ فِي " الزُّهْرِيَّاتِ " , لَكِنْ وَقَعَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ عَنْ مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد " عَمْرو " بِفَتْحِ الْعَيْنِ , وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُوسَى الْمَذْكُورِ فَقَالَ " عُمَر " كَذَا قَالَ اِبْن أَخِي الزُّهْرِيُّ وَيُونُس مِنْ رِوَايَة اللَّيْثِ عَنْهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُمَر , قَالَ الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخِهِ عَمْرُو أَصَحُّ , وَقَدْ ذَكَرْت مَا فِيهِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ.
قَوْله : ( بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّة ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " بِسَرِيَّةٍ " بِزِيَادَةِ مُوَحَّدَة فِي أَوَّله , وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْد الَّتِي مَضَتْ فِي غَزْوَة بَدْر " بَعَثَ عَشَرَةَ عَيْنًا يَتَجَسَّسُونَ لَهُ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ , " بَعَثَهُمْ عُيُونًا إِلَى مَكَّةَ لِيَأْتُوهُ بِخَبَرِ قُرَيْشٍ " وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ سَبَب خُرُوجِ بَنِي لِحْيَانَ عَلَيْهِمْ قَتْلُ سُفْيَانَ بْن نُبِيح الْهُذَلِيّ , قُلْت : وَكَانَ قَتْل سُفْيَان الْمَذْكُور عَلَى يَد عَبْد اللَّه بْن أُنَيْسٍ , وَقِصَّته عِنْد أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَن , وَذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق أَنَّهُمْ كَانُوا سِتَّة وَسَمَّاهُمْ وَهُمْ : عَاصِم بْن ثَابِت الْمَذْكُور , وَمَرْثَد بْن أَبِي مَرْثَد , وَخُبَيْب بْن عَدِّي , وَزَيْد بْن الدِّثِنَّة وَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْر الْمُثَلَّثَة بَعْدهَا نُون , وَعَبْد اللَّه بْن طَارِق , وَخَالِد بْن الْبُكَيْرِ.
وَجَزَمَ اِبْن سَعْد بِأَنَّهُمْ كَانُوا عَشَرَة وَسَاقَ أَسْمَاء السِّتَّة الْمَذْكُورِينَ وَزَادَ : مُعَتِّب بْن عُبَيْد قَالَ : وَهُوَ أَخُو عَبْد اللَّه بْن طَارِق لِأُمِّهِ , وَكَذَا سَمَّى مُوسَى بْن عُقْبَة السَّبْعَة الْمَذْكُورِينَ لَكِنْ قَالَ : مُعَتِّب بْن عَوْف.
قُلْت : فَلَعَلَّ الثَّلَاثَة الْآخَرِينَ كَانُوا أَتْبَاعًا لَهُمْ فَلَمْ يَحْصُل الِاعْتِنَاء بِتَسْمِيَتِهِمْ.
قَوْله : ( وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ ) كَذَا فِي الصَّحِيح وَفِي السِّيرَةِ أَنَّ الْأَمِيرَ عَلَيْهِمْ كَانَ مَرْثَد بْن أَبِي مَرْثَد , وَمَا فِي الصَّحِيح أَصَحُّ.
قَوْله : ( حَتَّى إِذَا كَانُوا بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّة ) تَقَدَّمَ فِي غَزْوَة بَدْر حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدْأَةِ وَهِيَ لِلْأَكْثَرِ بِسُكُونِ الدَّال بَعْدهَا هَمْزَة مَفْتُوحَة , وَلِلْكُشْمِيهَنِيّ بِفَتْحِ الدَّال وَتَسْهِيل الْهَمْزَة , وَعِنْد اِبْن إِسْحَاق الْهَدَّةُ بِتَشْدِيدِ الدَّال بِغَيْرِ أَلِفٍ قَالَ : وَهِيَ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ عُسْفَانَ.
قَوْله : ( وَهُوَ جَدُّ عَاصِمِ بْن عُمَر ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ خَال عَاصِم لَا جَدّه , وَأَنَّ الرِّوَايَة الْمُتَقَدِّمَة يُمْكِن رَدّهَا إِلَى الصَّوَابِ بِأَنْ يُقْرَأ جِدُّ بِالْكَسْرِ , وَأَمَّا هَذِهِ فَلَا حِيلَةَ فِيهَا.
وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ : تَزَوَّجَ عُمَرُ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَاصِمِ بْن ثَابِت فَوَلَدَتْ لَهُ عَاصِمًا.
قَوْله : ( يُقَال لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَسُكُون الْمُهْمَلَةِ وَلِحْيَانُ هُوَ اِبْن هُذَيْلٍ نَفْسه وَهُذَيْلُ هُوَ اِبْن مُدْرِكَة بْن إِلْيَاس بْن مُضَر.
وَزَعَمَ الْهَمْدَانِيُّ النَّسَّابَةُ أَنَّ أَصْلَ بَنِي لِحْيَانَ مِنْ بَقَايَا جُرْهُمْ دَخَلُوا فِي هُذَيْلٍ فَنُسِبُوا إِلَيْهِمْ.
قَوْله : ( فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَة رَامٍ ) فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي الْجِهَاد " فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ " وَالْجَمْع بَيْنَهُمَا وَاضِح بِأَنْ تَكُون الْمِائَة الْأُخْرَى غَيْر رُمَاة , وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْم أَحَدٍ مِنْهُمْ.
قَوْله : ( فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلًا نَزَلُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ ) فِي رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَر فِي مَغَازِيهِ " فَنَزَلُوا بِالرَّجِيعِ سَحَرًا فَأَكَلُوا تَمْر عَجْوَة فَسَقَطَتْ نَوَاة بِالْأَرْضِ , وَكَانُوا يَسِيرُونَ اللَّيْل وَيَكْمُنُونَ النَّهَارَ , فَجَاءَتْ اِمْرَأَةٌ مِنْ هُذَيْلٍ تَرْعَى غَنَمًا فَرَأَتْ النَّوَاةُ فَأَنْكَرَتْ صِغَرَهَا وَقَالَتْ : هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ , فَصَاحَتْ فِي قَوْمِهَا أُتِيتُمْ , فَجَاءُوا فِي طَلَبِهِمْ فَوَجَدُوهُمْ قَدْ كَمَنُوا فِي الْجَبَلِ ".
قَوْله : ( حَتَّى لَحِقُوهُمْ ) فِي رِوَايَة اِبْن سَعْد فَلَمْ يُرَعْ الْقَوْم إِلَّا بِالرِّجَالِ بِأَيْدِيهِمْ السُّيُوفَ قَدْ غَشَوْهُمْ.
قَوْله : ( لَجَئُوا إِلَى فَدْفَد ) بِفَاءَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَمُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى سَاكِنَة وَهِيَ الرَّابِيَة الْمُشْرِفَةُ , وَوَقَعَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ إِلَى قَرْدَد بِقَافٍ وَرَاءٍ وَدَالَيْنِ , قَالَ اِبْن الْأَثِير : هُوَ الْمَوْضِعُ الْمُرْتَفِعُ , وَيُقَال : الْأَرْض الْمُسْتَوِيَة.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
قَوْله : ( فَقَالُوا لَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلًا ) فِي رِوَايَة اِبْن سَعْد فَقَالُوا لَهُمْ " أَمَا وَاَللَّهِ مَا نُرِيدَ قِتَالكُمْ إِنَّمَا نُرِيد أَنْ نُصِيبَ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ".
قَوْله : ( فَقَالَ عَاصِم : أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ ) فِي مُرْسَلِ بُرَيْدَةَ بْن سُفْيَان عَنْ سَعِيد بْن مَنْصُور " فَقَالَ عَاصِم : الْيَوْم لَا أَقْبَلُ عَهْدًا مِنْ مُشْرِك ".
قَوْله : ( فَقَالَ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا رَسُولَك ) فِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَنَد " فَاسْتَجَابَ اللَّه لِعَاصِمٍ , فَأَخْبَرَ رَسُولَهُ خَبَرَهُ , فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ يَوْمَ أُصِيبُوا " وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ " فَقَالَ عَاصِم : اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْمِي لَك دِينَك , فَاحْمِي لِي لَحْمِي " وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ.
قَوْله : ( فِي سَبْعَة ) أَيْ فِي جُمْلَةِ سَبْعَةٍ.
قَوْله : ( وَبَقِيَ خُبَيْب وَزَيْد وَرَجُل آخَر ) فِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق " فَأَمَّا خُبَيْبُ بْن عَدِيّ بْن الدِّثِنَّة وَعَبْد اللَّه بْن طَارِق فَاسْتَأْسَرُوا " وَعُرِفَ مِنْهُ تَسْمِيَة الرَّجُلِ الثَّالِث وَأَنَّهُ عَبْد اللَّه بْن طَارِق , وَفِي رِوَايَة أَبِي الْأَسْوَد عَنْ عُرْوَة أَنَّهُمْ صَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى أَعْطَوْهُمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ.
قَوْله : ( فَرَبَطُوهُمْ بِهَا فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا : هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ إِلَخْ ) وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ أَوَّل مَا أَسَرُوهُمْ , لَكِنْ فِي رِوَايَةِ اِبْنِ إِسْحَاقَ " فَخَرَجُوا بِالنَّفَرِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ اِنْتَزَعَ عَبْد اللَّه بْن طَارِق يَدَهُ وَأَخَذَ سَيْفه " فَذَكَر قِصَّةَ قَتْله , فَيُحْتَمَل أَنَّهُمْ إِنَّمَا رَبَطُوهُمْ بَعْد أَنْ وَصَلُوا إِلَى مَرِّ الظَّهْرَانِ , وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ.
قَوْله : ( حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ ) فِي رِوَايَةِ اِبْنِ إِسْحَاق وَابْن سَعْد " فَأَمَّا زَيْد فَابْتَاعَهُ صَفْوَانُ بْن أُمَيَّة فَقَتَلَهُ بِأَبِيهِ " وَعِنْد اِبْن سَعْد أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى قَتْله نَسْطَاس مَوْلَى صَفْوَان.
قَوْله : ( فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِث بْن عَامِر بْن نَوْفَل ) بَيَّنَ اِبْن إِسْحَاق أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى شِرَاءَهُ هُوَ حُجَيْنُ بْن أَبِي إِهَاب التَّمِيمِيّ حَلِيف بَنِي نَوْفَل , وَكَانَ أَخَا الْحَارِث بْن عَامِر لِأُمِّهِ , وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْن سُفْيَانَ أَنَّهُمْ اِشْتَرَوْا خُبَيْبًا بِأَمَةٍ سَوْدَاء , وَقَالَ اِبْن هِشَام بَاعُوهُمَا بِأَسِيرَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ كَانَا بِمَكَّةَ , وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ.
قَوْله : ( وَكَانَ خُبَيْب هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْن عَامِر يَوْمَ بَدْر ) كَذَا وَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة , وَاعْتَمَدَ الْبُخَارِيّ عَلَى ذَلِكَ فَذَكَرَ خُبَيْبَ بْن عَدِيٍّ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا , وَهُوَ اِعْتِمَادٌ مُتَّجَهٌ , لَكِنْ تَعَقَّبَهُ الدِّمْيَاطِيّ بِأَنَّ أَهْلَ الْمَغَازِي لَمْ يَذْكُر أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ شَهِدَ بَدْرًا وَلَا قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا أَنَّ الَّذِي قَتَلَ الْحَارِثَ بْن عَامِر بِبَدْرٍ خُبَيْبُ بْن أَسَافٍ , وَهُوَ غَيْرُ خُبَيْبِ بْن عَدِيّ , وَهُوَ خَزْرَجِيّ وَخُبَيْب بْن عَدِيٍّ أَوْسِيّ وَاَللَّه أَعْلَم.
قُلْت : يَلْزَم مِنْ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ رَدُّ هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيحِ , فَلَوْ لَمْ يَقْتُل خُبَيْبُ بْن عَدِيّ الْحَارِث بْن عَامِر مَا كَانَ لِاعْتِنَاءِ الْحَارِث بْن عَامِر بِأَسْرِ خُبَيْبٍ مَعْنًى وَلَا بِقَتْلِهِ , مَعَ التَّصْرِيحِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ بِهِ , لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتَلُوهُ بِخُبَيْب بْن عَدِيّ لِكَوْنِ خُبَيْبِ بْن أَسَافٍ قَتَلَ الْحَارِثَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِقَتْلِ بَعْضِ الْقَبِيلَةِ عَنْ بَعْضٍ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خُبَيْبُ بْن عَدِيٍّ شَرَكَ فِي قَتْلِ الْحَارِثِ , وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْله : ( فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ ) فِي رِوَايَةِ اِبْن سَعْدٍ فَحَبَسُوهُمَا حَتَّى خَرَجَتْ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ , ثُمَّ أَخْرَجُوهُمَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَقَتَلُوهُمَا , وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْن سُفْيَان فَأَسَاءُوا إِلَيْهِ فِي إِسَارِهِ , فَقَالَ لَهُمْ : مَا تَصْنَعُ الْقَوْمُ الْكِرَامُ هَذَا بِأَسِيرِهِمْ , قَالَ فَأَحْسَنُوا إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ , وَجَعَلُوهُ عِنْدَ اِمْرَأَةٍ تَحْرُسُهُ.
وَرَوَى اِبْن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ مَوْهِبٍ مَوْلَى آلِ نَوْفَلٍ قَالَ قَالَ لِي خُبَيْب وَكَانُوا جَعَلُوهُ عِنْدِي : يَا مَوْهِبُ أَطْلُبُ إِلَيْك ثَلَاثًا , أَنْ تَسْقِيَنِي الْعَذْبَ , وَأَنْ تُجَنِّبَنِي مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ , وَأَنْ تُعْلِمَنِي إِذَا أَرَادُوا قَتْلِي.
قَوْله : ( حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ اِسْتَعَارَ مُوسَى ) هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مُدْرَجَةً فِي رِوَايَةِ مَعْمَر , وَكَذَا إِبْرَاهِيم بْن سَعْد كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَزْوَة بَدْر , وَقَدْ وَصَلَهَا شُعَيْب فِي رِوَايَته كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِهَاد " قَالَ : فَلَبِثَ خُبَيْب عِنْدَهُمْ أَسِيرًا , فَأَخْبَرَنِي عُبَيْد اللَّه بْن عِيَاض أَنَّ بِنْت الْحَارِث أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِين اِجْتَمَعُوا اِسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى " وَوَقَعَ فِي الْأَطْرَافِ لِخَلَفٍ أَنَّ اِسْمَهَا زَيْنَب بِنْت الْحَارِث , وَهِيَ أُخْتُ عُقْبَة بْن الْحَارِث الَّذِي قَتَلَ خُبَيْبًا , وَقِيلَ : اِمْرَأَتُهُ.
وَعُبَيْد اللَّه بْن عِيَاض الْمَذْكُور قَالَ الدِّمْيَاطِيّ : أَغْفَلَهُ مَنْ صَنَّفَ فِي رِجَالِ الْبُخَارِيّ قُلْت : لَكِنْ تَرْجَمَ لَهُ الْمِزِّيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ تَابِعِيّ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا , وَرَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَعَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم وَغَيْرهمَا , وَالْقَائِل " فَأَخْبَرَنِي " هُوَ الزُّهْرِيُّ , وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَمْرو بْن أَبِي سُفْيَان , وَعِنْد اِبْن إِسْحَاق عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَجِيح قَالَ : " حَدَّثَتْ مَارِيَة مَوْلَاة حُجَيْنِ بْن أَبِي إِهَاب وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ قَالَتْ : حُبِسَ خُبَيْب فِي بَيْتِي , وَلَقَدْ اِطَّلَعْت عَلَيْهِ يَوْمًا وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَقِطْفًا مِنْ عِنَبٍ مِثْلَ رَأْسِ الرَّجُلِ يَأْكُلُ مِنْهُ " فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا اِحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ مَارِيَة وَزَيْنَبَ رَأَتْ الْقِطْفَ فِي يَدِهِ يَأْكُلُهُ , وَأَنَّ الَّتِي حُبِسَ فِي بَيْتِهَا مَارِيَة وَاَلَّتِي كَانَتْ تَحْرُسُهُ زَيْنَب جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَارِثُ أَبًا لِمَارِيَةَ مِنْ الرَّضَاعِ , وَوَقَعَ عِنْدَ اِبْنِ بَطَّالٍ أَنَّ اِسْمَ الْمَرْأَةِ جُوَيْرِيَةُ , فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا رَأَى قَوْلَ اِبْنِ إِسْحَاقَ إِنَّهَا مَوْلَاةُ حُجَيْنِ بْن أَبِي إِهَاب أَطْلَقَ عَلَيْهَا جُوَيْرِيَةَ لِكَوْنِهَا أَمَة , أَوْ يَكُون وَقَعَ لَهُ رِوَايَة فِيهَا أَنَّ اِسْمهَا جُوَيْرِيَةُ.
وَقَوْله : " مُوسَى " يَجُوز فِيهِ الصَّرْف وَعَدَمُهُ , وَقَوْله : " لِيَسْتَحِدَّ بِهَا " فِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْن سُفْيَان " لِيَسْتَطِيبَ بِهَا " وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْلِقُ عَانَتَهُ.
قَوْله : ( قَالَتْ فَغَفَلْت عَنْ صَبِيٍّ لِي ) ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْن بَكَّارٍ أَنَّ هَذَا الصَّبِيّ هُوَ أَبُو حُسَيْن بْن الْحَارِث مِنْ عَدِيِّ بْن نَوْفَل بْن عَبْد مَنَافٍ , وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي حُسَيْن الْمَكِّيِّ الْمُحَدِّثِ , وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِ الزُّهْرِيِّ.
وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْن سُفْيَان " وَكَانَ لَهَا اِبْن صَغِير , فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ الصَّبِيُّ فَأَخَذَهُ فَأَجْلَسَهُ عِنْدَهُ , فَخَشِيت الْمَرْأَةُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَنَاشَدَتْهُ " وَعِنْدَ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ " فَأَخَذَ خُبَيْب بِيَدِ الْغُلَامِ فَقَالَ : هَلْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْكُمْ ؟ فَقَالَتْ مَا كَانَ هَذَا ظَنِّي بِك , فَرَمَى لَهَا الْمُوسَى وَقَالَ : إِنَّمَا كُنْت مَازِحًا " وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْن سُفْيَان " مَا كُنْت لِأَغْدِرَ " وَعِنْدَ اِبْن إِسْحَاق عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح وَعَاصِم بْن عُمَر جَمِيعًا أَنَّ مَارِيَةَ قَالَتْ : " قَالَهُ لِي خُبَيْبُ حِين حَضَرَهُ الْقَتْلُ : اِبْعَثِي لِي بِحَدِيدَةٍ أَتَطَهَّرُ بِهَا , قَالَتْ فَأَعْطَيْته غُلَامًا مِنْ الْحَيِّ " قَالَ اِبْن هِشَام.
يُقَال إِنَّ الْغُلَامَ اِبْنهَا.
وَيُجْمَع بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ طَلَبَ الْمُوسَى مِنْ كُلٍّ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ , وَكَانَ الَّذِي أَوْصَلَهُ إِلَيْهِ اِبْن إِحْدَاهُمَا , وَأَمَّا الِابْن الَّذِي خَشِيَتْ عَلَيْهِ فَفِي رِوَايَة هَذَا الْبَابِ " فَغَفَلْت عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ " فَهَذَا غَيْر الَّذِي أَحْضَرَ إِلَيْهِ الْحَدِيدَةَ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله : ( لَقَدْ رَأَيْته يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ , وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ ) الْقِطْفُ بِكَسْرِ الْقَافِ الْعُنْقُودُ , وَفِي رِوَايَةِ اِبْن إِسْحَاق عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيحٍ كَمَا تَقَدَّمَ " وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَقِطْفًا مِنْ عِنَبٍ مِثْلَ رَأْسِ الرَّجُلِ ".
قَوْله : ( وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ ) فِي رِوَايَةِ اِبْنِ سَعْدٍ " رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَيْبًا " وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَثَابِتٍ " تَقُول إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنْ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا " قَالَ اِبْن بَطَّالٍ : هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَعَلَهُ آيَةً عَلَى الْكُفَّارِ وَبُرْهَانًا لِنَبِيِّهِ لِتَصْحِيحِ رِسَالَتِهِ قَالَ : فَأَمَّا مَنْ يَدَّعِي وُقُوعَ ذَلِكَ لَهُ الْيَوْمَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا وَجْهَ لَهُ , إِذْ الْمُسْلِمُونَ قَدْ دَخَلُوا فِي الدِّينِ وَأَيْقَنُوا بِالنُّبُوَّةِ , فَأَيُّ مَعْنًى لِإِظْهَارِ الْآيَةِ عِنْدَهُمْ ؟ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَقُولَ جَاهِلٌ إِذَا جَازَ ظُهُورُ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى يَدِ غَيْرِ نَبِيٍّ فَكَيْفَ نُصَدِّقُهَا مِنْ نَبِيٍّ وَالْفَرْضُ أَنَّ غَيْرَهُ يَأْتِي بِهَا لَكَانَ فِي إِنْكَارِ ذَلِكَ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ , إِلَى أَنْ قَالَ.
إِلَّا أَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْرِقُ عَادَةً وَلَا يَقْلِبُ عَيْنًا , مِثْلَ أَنْ يُكَرِّمَ اللَّهُ عَبْدًا بِإِجَابَةِ دَعْوَةٍ فِي الْحِينِ , وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ فِيهِ فَضْلُ الْفَاضِلِ وَكَرَامَةُ الْوَلِيِّ , وَمِنْ ذَلِكَ حِمَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَاصِمًا لِئَلَّا يَنْتَهِك عَدُوُّهُ حُرْمَتَهُ اِنْتَهَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اِبْنَ بَطَّالٍ تَوَسَّطَ بَيْنَ مَنْ يُثْبِتُ الْكَرَامَةَ وَمَنْ يَنْفِيهَا فَجَعَلَ الَّذِي يُثْبِتُ مَا قَدْ تَجْرِي بِهِ الْعَادَةُ لِآحَادِ النَّاسِ أَحْيَانًا , وَالْمُمْتَنِعُ مَا يَقْلِبُ الْأَعْيَانَ مَثَلًا , وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إِثْبَاتُ الْكَرَامَاتِ مُطْلَقًا , لَكِنْ اِسْتَثْنَى بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ كَأَبِي الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ مَا وَقَعَ بِهِ التَّحَدِّي لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ , وَلَا يَصِلُونَ إِلَى مِثْلِ إِيجَادِ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَنَحْو ذَلِكَ , وَهَذَا أَعْدَل الْمَذَاهِب فِي ذَلِكَ , فَإِنَّ إِجَابَةَ الدَّعْوَةِ فِي الْحَالِ وَتَكْثِيرَ الطَّعَامِ وَالْمَاءِ وَالْمُكَاشَفَةِ بِمَا يَغِيبُ عَنْ الْعَيْنِ وَالْإِخْبَار بِمَا سَيَأْتِي وَنَحْو ذَلِكَ قَدْ كَثُرَ جِدًّا حَتَّى صَارَ وُقُوعُ ذَلِكَ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الصَّلَاحِ كَالْعَادَةِ , فَانْحَصَرَ الْخَارِقُ الْآنَ فِيمَا قَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ , وَتَعَيَّنَ تَقْيِيدُ قَوْلِ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ كُلَّ مُعْجِزَةٍ وُجِدَتْ لِنَبِيٍّ يَجُوزُ أَنْ تَقَعَ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ , وَوَرَاء ذَلِكَ كُلّه أَنَّ الَّذِي اِسْتَقَرَّ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّ خَرْقَ الْعَادَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى , وَهُوَ غَلَطٌ مِمَّنْ يَقُولُهُ , فَإِنَّ الْخَارِقَ قَدْ يَظْهَرُ عَلَى يَدِ الْمُبْطِلِ مِنْ سَاحِرٍ وَكَاهِنٍ وَرَاهِبٍ , فَيَحْتَاجُ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى وِلَايَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى فَارِقٍ , وَأَوْلَى مَا ذَكَرُوهُ أَنْ يُخْتَبَرَ حَالُ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِالْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ وَالنَّوَاهِي كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةَ وِلَايَتِهِ وَمَنْ لَا فَلَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَوْله : ( فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنْ الْحَرَمِ ) بَيَّنَ اِبْن إِسْحَاق أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ إِلَى التَّنْعِيمِ.
قَوْله : ( دَعُونِي أُصَلِّ ) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيّ بِغَيْرِ يَاءٍ , وَلِغَيْرِهِ بِثُبُوتِ الْيَاءِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ , وَلِمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي مَوْضِعِ مَسْجِدِ التَّنْعِيمِ.
قَوْلُهُ : ( لَزِدْت ) فِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْن سُفْيَانَ " لَزِدْت سَجْدَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ".
قَوْله : ( ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ) زَادَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ " وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا " أَيْ مُتَفَرِّقِينَ " وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا " وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ " فَقَالَ خُبَيْب : اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَجِدُ مَنْ يُبَلِّغ رَسُولَك مِنِّي السَّلَامَ فَبَلِّغْهُ " وَفِيهِ فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى الْخَشَبَةِ اِسْتَقْبَلَ الدُّعَاءَ قَالَ : فَلَبَدُ رَجُلٌ بِالْأَرْضِ خَوْفًا مِنْ دُعَائِهِ " فَقَالَ " اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا " قَالَ فَلَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ أَحَدٌ حَيٌّ غَيْرَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي لَبَدَ بِالْأَرْضِ.
وَحَكَى اِبْن إِسْحَاق عَنْ مُعَاوِيَة بْنَ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ " كُنْت مَعَ أَبِي فَجَعَلَ يُلْقِينِي إِلَى الْأَرْضِ حِينَ سَمِعَ دَعْوَةَ خُبَيْب " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ " مِمَّنْ حَضَرَ ذَلِكَ أَبُو إِهَاب بْن عَزِيز وَالْأَخْنَس بْن شُرَيْق وَعُبَيْدَة بْن حَكِيم السُّلَمِيّ وَأُمَيَّة بْن عُتْبَةَ بْن هَمَّام " وَعِنْدَهُ أَيْضًا " فَجَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ , فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ " وَعِنْد مُوسَى بْن عُقْبَة " فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَهُوَ جَالِسٌ : وَعَلَيْك السَّلَامُ يَا خُبَيْبُ , قَتَلَتْهُ قُرَيْشُ ".
قَوْله : ( مَا إِنْ أُبَالِي ) هَكَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيّ " فَلَسْت أُبَالِي " وَهُوَ أَوَزْنُ , وَالْأَوَّلُ جَائِزٌ لَكِنَّهُ مَخْرُومٌ , وَيَكْمُلُ بِزِيَادَةِ الْفَاءِ , وَمَا نَافِيَة وَإِنْ بَعْدَهَا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ نَافِيَة أَيْضًا لِلتَّأْكِيدِ , وَفِي رِوَايَة شُعَيْب لِلْكُشْمِيهَنِيّ " وَمَا إِنْ أُبَالِي " بِزِيَادَةِ وَاو , وَلِغَيْرِهِ " وَلَسْت أُبَالِي " وَقَوْله " وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ " الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْله : ( أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ) الْأَوْصَالُ جَمْعُ وَصْلٍ وَهُوَ الْعُضْوُ , وَالشِّلْوُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الْجَسَدُ , وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْعُضْوِ وَلَكِنَّ الْمُرَاد بِهِ هُنَا الْجَسَد , وَالْمُمَزَّع بِالزَّايِ ثُمَّ الْمُهْمَلَة الْمُقَطَّع , وَمَعْنَى الْكَلَام أَعْضَاء جَسَد يُقَطَّع.
وَعِنْدَ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ زِيَادَة فِي هَذَا الشِّعْرِ : لَقَدْ أَجْمَعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِي وَأَلَّبُوا قَبَائِلَهُمْ وَاسْتَجْمَعُوا كُلَّ مَجْمَع وَفِيهِ : إِلَى اللَّهِ أَشْكُو غُرْبَتِي بَعْدَ كُرْبَتِي وَمَا أَرْصَدَ الْأَحْزَابُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي وَسَاقَهَا اِبْنُ إِسْحَاقَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَيْتًا , قَالَ اِبْن هِشَام : وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُهَا لِخُبَيْبٍ : قَوْله : ( ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَة بْن الْحَارِث فَقَتَلَهُ ) سَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ فِي الْحَدِيث الَّذِي بَعْدَهُ , وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَد عَنْ عُرْوَةَ " فَلَمَّا وَضَعُوا فِيهِ السِّلَاحَ وَهُوَ مَصْلُوبٌ نَادُوهُ وَنَاشَدُوهُ : أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا مَكَانَك ؟ قَالَ : لَا وَاَللَّهِ الْعَظِيم , مَا أُحِبُّ أَنْ يَفْدِينِي بِشَوْكَةٍ فِي قَدَمِهِ ".
قَوْله : ( وَبَعَثَتْ قُرَيْش إِلَى عَاصِمٍ لَيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ , وَكَانَ عَاصِمُ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ ) لَعَلَّ الْعَظِيمَ الْمَذْكُورَ عُقْبَةُ بْن أَبِي مُعَيْط , فَإِنَّ عَاصِمًا قَتَلَهُ صَبْرًا بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد أَنْ اِنْصَرَفُوا مِنْ بَدْرٍ.
وَوَقَعَ عِنْد اِبْن إِسْحَاق , وَكَذَا فِي رِوَايَة بُرَيْدَةَ بْن سُفْيَان أَنَّ عَاصِمًا لَمَّا قُتِلَ أَرَادَتْ هُذَيْلُ أَخْذَ رَأْسِهِ لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدٍ بْنِ شَهِيدٍ وَهِيَ أُمُّ مُسَافِع وَجُلَاس اِبْنَيْ طَلْحَة الْعَبْدَرِيّ , وَكَانَ عَاصِمًا قَتَلَهُمَا يَوْمَ أُحُدٍ , وَكَانَتْ نَذَرَتْ لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَى رَأْسِ عَاصِمٍ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ فِي قَحْفِهِ , فَمَنَعَتْهُ الدَّبْرُ , فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا اِحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشُ لَمْ تَشْعُرْ بِمَا جَرَى لِهُذَيْل مِنْ مَنْعِ الدَّبْرِ لَهَا مِنْ أَخْذِ رَأْسِ عَاصِمٍ , فَأَرْسَلَتْ مَنْ يَأْخُذُهُ , أَوْ عَرَفُوا بِذَلِكَ وَرَجَوْا أَنْ تَكُونَ الدَّبْرُ تَرَكَتْهُ فَيَتَمَكَّنُوا مِنْ أَخْذِهِ.
قَوْله : ( مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرُ ) الظُّلَّة بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ السَّحَابَةُ , وَالدَّبْرُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الزَّنَابِيرُ , وَقِيلَ ذُكُورُ النَّحْلِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ.
وَقَوْلِهِ " فَحَمَتْهُ " بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ أَيْ مَنَعَتْهُ مِنْهُمْ.
قَوْله : ( فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ ) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ " فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْطَعُوا مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ " فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ الدَّبْرُ تَطِيرُ فِي وُجُوهِهِمْ وَتَلْدَغُهُمْ , فَحَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَقْطَعُوا " وَفِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق عَنْ عَاصِم بْن عَمْرو عَنْ قَتَادَةَ قَالَ " كَانَ عَاصِم بْن ثَابِت أَعْطَى اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لَا يَمَسَّهُ مُشْرِك وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا , فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُهُ : يَحْفَظُ اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا حَفِظَهُ فِي حَيَاتِهِ " وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْأَسِيرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ الْأَمَانِ وَلَا يُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَوْ قُتِلَ , أَنَفَةً مِنْ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ كَافِرٍ , وَهَذَا إِذَا أَرَادَ الْأَخْذَ بِالشِّدَّةِ , فَإِنْ أَرَادَ الْأَخْذَ بِالرُّخْصَةِ لَهُ أَنْ يَسْتَأْمِنَ , قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : أَكْرَهُ ذَلِكَ , وَفِيهِ الْوَفَاءُ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْعَهْدِ , وَالتَّوَرُّعُ عَنْ قَتْلِ أَوْلَادِهِمْ , وَالتَّلَطُّفُ بِمَنْ أُرِيدَ قَتْله , وَإِثْبَاتُ كَرَامَةِ الْأَوْلِيَاءِ , وَالدُّعَاءُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالتَّعْمِيمِ , وَالصَّلَاةُ عِنْدَ الْقَتْلِ , وَفِيهِ إِنْشَاءُ الشِّعْرِ وَإِنْشَادُهُ عِنْدَ الْقَتْلِ وَدَلَالَة عَلَى قُوَّةِ يَقِين خُبَيْب وَشِدَّته فِي دِينه , وَفِيهِ أَنَّ اللَّه يَبْتَلِي عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ بِمَا شَاءَ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ لِيُثِيبَهُ , وَلَوْ شَاءَ رَبُّك مَا فَعَلُوهُ.
وَفِيهِ اِسْتِجَابَةُ دُعَاءِ الْمُسْلِمِ وَإِكْرَامُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ مِمَّا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ.
وَإِنَّمَا اِسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فِي حِمَايَةِ لَحْمِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ قَتْلِهِ لِمَا أَرَادَ مِنْ إِكْرَامِهِ بِالشَّهَادَةِ , وَمِنْ كَرَامَتِهِ حِمَايَتُهُ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ بِقَطْعِ لَحْمِهِ.
وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مُشْرِكُو قُرَيْش مِنْ تَعْظِيمِ الْحُرَمِ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ.
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَهُوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلًا نَزَلُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ فَلَمَّا انْتَهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فَقَالُوا لَكُمْ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلًا فَقَالَ عَاصِمٌ أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ وَبَقِيَ خُبَيْبٌ وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ فَأَعْطَوْهُمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ فَلَمَّا أَعْطَوْهُمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ نَزَلُوا إِلَيْهِمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَتَلُوهُ وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتَعَارَ مُوسًى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ لِيَسْتَحِدَّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ قَالَتْ فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي وَفِي يَدِهِ الْمُوسَى فَقَالَ أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَاكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَكَانَتْ تَقُولُ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ فَخَرَجُوا بِهِ مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ لَوْلَا أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنْ الْمَوْتِ لَزِدْتُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ثُمَّ قَالَ مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنْ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ
عن عمرو : سمع جابرا يقول: «الذي قتل خبيبا هو أبو سروعة.»
عن أنس رضي الله عنه قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا لحاجة، يقال لهم القراء، فعرض لهم حيان من بني سليم، رعل وذكوان، عند بئر يقال لها بئر...
عن أنس قال: «قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا بعد الركوع، يدعو على أحياء من العرب.»
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان، استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو، فأمدهم بسبعين من الأنصار، كنا نسميهم الق...
عن أنس : «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله، أخ لأم سليم، في سبعين راكبا، وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل، خير بين ثلاث خصال، فقال: يكون لك أهل...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: «لما طعن حرام بن ملحان، وكان خاله، يوم بئر معونة، قال بالدم هكذا، فنضحه على وجهه ورأسه، ثم قال: فزت ورب الكعبة.»
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الخروج حين اشتد عليه الأذى، فقال له: أقم.<br> فقال: يا رسول الله، أتطمع أن ي...
عن أنس رضي الله عنه قال: «قنت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا، يدعو على رعل وذكوان ويقول: عصية عصت الله ورسوله».<br>
عن أنس بن مالك قال: «دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا يعني أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحا، حين يدعو على رعل ولحيان: وعصية عصت الله ورسول...