4129- عن صالح بن خوات، «عمن شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلى صلاة الخوف: أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا، وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم.» 4130 - وقال معاذ: حدثنا هشام، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل، فذكر صلاة الخوف، قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف
أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها.
باب صلاة الخوف، رقم: ٨٤٢.
(عمن شهد) قيل: هو سهل بن أبي حثمة، وقيل هو خوات أبو صالح، رضي الله عنهما.
وقيل: سمعه منهما.
(وجاه) مواجههم ومحاذيهم.
(أحسن ما سمعت) في كيفية صلاة الخوف.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ صَالِح بْن خَوَّاتٍ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَآخِرِهِ مُثَنَّاة أَيْ اِبْن جُبَيْرِ بْن النُّعْمَان الْأَنْصَارِيّ , وَصَالِح تَابِعِيّ ثِقَة لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيث الْوَاحِد , وَأَبُوهُ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرَد , وَهُوَ صَحَابِيّ جَلِيل أَوَّل مَشَاهِده أُحُدٌ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَة أَرْبَعِينَ.
قَوْله : ( عَمَّنْ شَهِدَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم ذَات الرِّقَاع صَلَاة الْخَوْف ) قِيلَ إِنَّ اِسْم هَذَا الْمُبْهَم سَهْل اِبْن أَبِي حَثْمَة , لِأَنَّ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد رَوَى حَدِيث صَلَاة الْخَوْف عَنْ صَالِح بْن خَوَّاتٍ عَنْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَةَ , وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيّ , وَلَكِنَّ الرَّاجِح أَنَّهُ أَبُوهُ خَوَّات بْن جُبَيْر , لِأَنَّ أَبَا أُوَيْس رَوَى هَذَا الْحَدِيث عَنْ يَزِيد بْن رُومَان شَيْخ مَالِك فِيهِ فَقَالَ " عَنْ صَالِح بْن خَوَّاتٍ عَنْ أَبِيهِ " أَخْرَجَهُ اِبْن مَنْدَه فِي " مَعْرِفَة الصَّحَابَةِ " مِنْ طَرِيقه , وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق عُبَيْد اللَّهِ بْن عُمَر عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَنْ صَالِح بْن خَوَّاتٍ عَنْ أَبِيهِ , وَجَزَمَ النَّوَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ بِأَنَّهُ خَوَّات بْن جُبَيْر وَقَالَ : أَنَّهُ مُحَقَّق مِنْ رِوَايَة مُسْلِم وَغَيْره.
قُلْت : وَسَبَقَهُ لِذَلِكَ الْغَزَّالِيّ فَقَالَ : إِنَّ صَلَاة ذَات الرِّقَاع فِي رِوَايَةِ خَوَّات بْن جُبَيْر.
وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي شَرْح الْوَجِيز اُشْتُهِرَ هَذَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ , وَالْمَنْقُول فِي كُتُب الْحَدِيث رِوَايَة صَالِح بْن خَوَّات عَنْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة وَعَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَلَعَلَّ الْمُبْهَم هُوَ خَوَّات وَالِد صَالِح.
قُلْت : وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِف عَلَى رِوَايَة خَوَّات الَّتِي ذَكَرْتهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
وَيُحْتَمَل أَنَّ صَالِحًا سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَمِنْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة فَلِذَلِكَ يُبْهِمهُ تَارَة وَيُعَيِّنُهُ أُخْرَى , إِلَّا أَنَّ تَعْيِينَ كَوْنِهَا كَانَتْ ذَات الرِّقَاع إِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَة صَالِح عَنْ سَهْل أَنَّهُ صَلَّاهَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَنْفَعُ هَذَا فِيمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا مِنْ اِسْتِبْعَادُ أَنْ يَكُونَ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة كَانَ فِي سِنِّ مَنْ يَخْرُج فِي تِلْكَ الْغُزَاةِ , فَإِنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَرْوِيَهَا فَتَكُون رِوَايَته إِيَّاهَا مُرْسَل صَحَابِيّ , فَبِهَذَا يَقْوَى تَفْسِير الَّذِي صَلَّى مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَوَّاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله : ( أَنَّ طَائِفَة صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَة وِجَاهَ الْعَدُوِّ ) وِجَاهَ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِضَمِّهَا أَيْ مُقَابِلَ.
قَوْله : ( فَصَلَّى بِاَلَّتِي مَعَهُ رَكْعَة ثُمَّ ثَبَتَ وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ) هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ تُخَالِف الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ عَنْ جَابِرٍ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ , وَتُوَافِق الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ , لَكِنْ تُخَالِفهَا فِي كَوْنِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ قَائِمًا حَتَّى أَتَمَّتْ الطَّائِفَة لِأَنْفُسِهَا رَكْعَة أُخْرَى , وَفِي أَنَّ الْجَمِيعَ اِسْتَمَرُّوا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى سَلَّمُوا بِسَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْله : ( وَقَالَ مُعَاذ حَدَّثَنَا هِشَام ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ , وَعِنْد النَّسَفِيّ " وَقَالَ مُعَاذ بْن هِشَام حَدَّثَنَا هِشَام " وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي نُعَيْم وَمَنْ تَبِعَهُ فِي الْجَزْم بِأَنَّ مُعَاذًا هَذَا هُوَ اِبْن فَضَالَة شَيْخ الْبُخَارِيّ , وَمُعَاذ بْن هِشَام ثِقَة صَاحِب غَرَائِب , وَقَدْ تَابَعَهُ اِبْن عُلَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ هِشَام وَهُوَ الدَّسْتُوَائِيّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيره , وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ هِشَام عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , وَلِمُعَاذِ بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ فِيهِ إِسْنَاد آخَر أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ بُنْدَار عَنْ مُعَاذ بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَان الْيَشْكُرِيّ عَنْ جَابِر , وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنْ الِاخْتِلَافِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْلُهُ : ( كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلٍ فَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ ) أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا مُعَلَّقًا لِأَنَّ غَرَضَهُ الْإِشَارَة إِلَى أَنَّ رِوَايَات جَابِر مُتَّفِقَة عَلَى أَنَّ الْغَزْوَة الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا صَلَاة الْخَوْف هِيَ غَزْوَة ذَات الرِّقَاع , لَكِنْ فِيهِ نَظَر لِأَنَّ سِيَاق رِوَايَة هِشَام عَنْ أَبِي الزُّبَيْر هَذِهِ تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ حَدِيث آخَر فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى , وَبَيَان ذَلِكَ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْد الطَّيَالِسِيِّ وَغَيْره " أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا : دَعُوهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ صَلَاة هِيَ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ.
قَالَ فَنَزَلَ جِبْرِيل فَأَخْبَرَهُ , فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعَصْرَ , وَصَفَّهُمْ صَفَّيْنِ " فَذَكَرَ صِفَة صَلَاة الْخَوْفِ , وَهَذِهِ الْقِصَّة إِنَّمَا هِيَ فِي غَزْوَةِ عُسْفَانَ , وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيق زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة عَنْ أَبِي الزُّبَيْر بِلَفْظٍ يَدُلّ عَلَى مُغَايَرَة هَذِهِ الْقِصَّةِ لِغَزْوَةِ مُحَارِب فِي ذَات الرِّقَاعِ , وَلَفْظه عَنْ جَابِر قَالَ " غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا مِنْ جُهَيْنَةَ , فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا , فَلَمَّا أَنْ صَلَّيْنَا الظُّهْرَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ : لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً لَأَفْظَعْناهُمْ , فَأَخْبَرَ جِبْرِيل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , قَالَ وَقَالُوا : سَتَأْتِيهِمْ صَلَاة هِيَ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ الْأَوْلَادِ " فَذَكَرَ الْحَدِيث.
وَرَوَى أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن شَقِيق عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ بَيْن ضَبْحَانَ وَعُسْفَانَ , فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إِنَّ لِهَؤُلَاءِ صَلَاة هِيَ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ " فَذَكَرَ الْحَدِيث فِي نُزُول جِبْرِيل لِصَلَاةِ الْخَوْف , وَرَوَى أَحْمَد وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَيَّاش الزُّرَقِيّ قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ خَالِد بْن الْوَلِيد , فَقَالُوا : لَقَدْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ غَفْلَةً , ثُمَّ قَالَ : إِنَّ لَهُمْ صَلَاة بَعْد هَذِهِ هِيَ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ , فَنَزَلَتْ صَلَاة الْخَوْف بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ , فَصَلَّى بِنَا الْعَصْرَ فَفَرَّقَنَا فِرْقَتَيْنِ " الْحَدِيث وَسِيَاقُهُ نَحْوُ رِوَايَة زُهَيْر عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر , وَهُوَ ظَاهِر فِي اِتِّحَادِ الْقِصَّةِ.
وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ مِنْ حَدِيثِ خَالِد بْن الْوَلِيدِ قَالَ " لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ لَقِيته بِعُسْفَانَ فَوَقَفْت بِإِزَائِهِ وَتَعَرَّضْت لَهُ , فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ , فَهَمَمْنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَعْزِمْ لَنَا , فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعَصْرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ " الْحَدِيث , وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا قَرَّرْته أَنَّ صَلَاة الْخَوْف بِعُسْفَانَ غَيْر صَلَاةِ الْخَوْفِ بِذَاتِ الرِّقَاعِ , وَأَنَّ جَابِرًا رَوَى الْقِصَّتَيْنِ مَعًا.
فَأَمَّا رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ فَفِي قِصَّةِ عُسْفَانَ , وَأَمَّا رِوَايَة أَبِي سَلَمَة وَوَهْبِ بْن كَيْسَانَ وَأَبِي مُوسَى الْمِصْرِيّ عَنْهُ فَفِي غَزْوَة ذَات الرِّقَاعِ وَهِيَ غَزْوَة مُحَارَب وَثَعْلَبَة , وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَوَّل مَا صُلِّيَتْ صَلَاة الْخَوْف فِي عُسْفَانَ وَكَانَتْ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ وَقُرَيْظَةَ وَقَدْ صُلِّيَتْ صَلَاة الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ بَعْدَ عُسْفَانَ فَتَعَيَّنَ تَأَخُّرُهَا عَنْ الْخَنْدَقِ وَعَنْ قُرَيْظَةَ وَعَنْ الْحُدَيْبِيَةِ أَيْضًا , فَيَقْوَى الْقَوْلُ بِأَنَّهَا بَعْدَ خَيْبَرَ , لِأَنَّ غَزْوَةَ خَيْبَرَ كَانَتْ عَقِبَ الرُّجُوعِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ , وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَّالِيّ إِنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ آخِرَ الْغَزَوَاتِ فَهُوَ غَلَطٌ وَاضِحٌ , وَقَدْ بَالَغَ اِبْنُ الصَّلَاحِ فِي إِنْكَارِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ مَنْ اِنْتَصَرَ لِلْغَزَالِيِّ : لَعَلَّهُ أَرَادَ آخِرَ غَزْوَةٍ صُلِّيَتْ فِيهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ , وَهَذَا اِنْتِصَارٌ مَرْدُودٌ أَيْضًا , لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ , وَإِنَّمَا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرَةَ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ بِاتِّفَاقٍ , وَذَلِكَ بَعْد غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ قَطْعًا , وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا اِسْتِطْرَادًا لِتَكْمُلَ الْفَائِدَةُ.
قَوْله : ( قَالَ مَالِك ) هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ.
قَوْله : ( وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ ) يَقْتَضِي أَنَّهُ سَمِعَ فِي كَيْفِيَّتِهَا صِفَاتِ مُتَعَدِّدَة , وَهُوَ كَذَلِكَ , فَقَدْ وَرَدَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَة صَلَاةِ الْخَوْفِ كَيْفِيَّات حَمَلَهَا بَعْض الْعُلَمَاء عَلَى اِخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ , وَحَمَلَهَا آخَرُونَ عَلَى التَّوَسُّعِ وَالتَّخْيِيرِ , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي " بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ " وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِك مِنْ تَرْجِيحِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ وَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ عَلَى تَرْجِيحِهَا لِسَلَامَتِهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ وَلِكَوْنِهَا أَحْوَطُ لِأَمْرِ الْحَرْبِ , مَعَ تَجْوِيزِهِمْ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ اِبْن عُمَر.
وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ اِبْن عُمَر مَنْسُوخَة وَلَمْ يَثْبُت ذَلِكَ عَنْهُ , وَظَاهِر كَلَام الْمَالِكِيَّةِ عَدَم إِجَازَةِ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ اِبْن عُمَرَ , وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَةَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ هَلْ يُسَلِّمُ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ يَنْتَظِرُهَا فِي التَّشَهُّدِ لِيُسَلِّمُوا مَعَهُ ؟ فَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ , وَزَعَمَ اِبْن حَزْمٍ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ الْقَوْلُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمْ تُفَرِّقْ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ حَيْثُ أَخَذُوا بِالْكَيْفِيَّةِ الَّتِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَمْ لَا , وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ فَحَمَلُوا حَدِيثَ سَهْلٍ عَلَى أَنَّ الْعَدُوَّ كَانَ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَلِذَلِكَ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ وَحْدَهَا جَمِيعَ الرَّكْعَةِ , وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْإِمَامَ يُحْرِمُ بِالْجَمِيعِ وَيَرْكَعُ بِهِمْ , فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ وَحَرَس صَفٌّ إِلَخْ.
وَوَقَعَ عِنْد مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ " صَفَّنَا صَفَّيْنِ وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ " وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّرْجِيحِ , فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُعْمَلُ مِنْهَا بِمَا كَانَ أَشْبَهَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجْتَهِدُ فِي طَلَبِ الْأَخِيرِ مِنْهَا فَإِنَّهُ النَّاسِخُ لِمَا قَبْلَهُ , وَقَالَتْ طَائِفَة يُؤْخَذ بِأَصَحِّهَا نَقْلًا وَأَعْلَاهَا رُوَاة , وَقَالَتْ طَائِفَة يُؤْخَذ بِجَمِيعِهَا عَلَى حِسَاب اِخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْخَوْفِ , فَإِذَا أَشْتَدّ الْخَوْفُ أُخِذَ بِأَيْسَرِهَا مُؤْنَةً , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله : ( تَابَعَهُ اللَّيْث عَنْ هِشَام عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ أَنَّ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد حَدَّثَهُ قَالَ : صَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة بَنِي أَنْمَار ) قُلْت : لَمْ يَظْهَر لِي مُرَاد الْبُخَارِيّ بِهَذِهِ الْمُتَابَعَةِ , لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْمُتَابَعَةَ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَصِحَّ , لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ غَزْوَة مُحَارِب وَثَعْلَبَة بِنَخْلٍ , وَهَذِهِ غَزْوَةُ أَنْمَار , وَلَكِنْ يُحْتَمَل الِاتِّحَاد لِأَنَّ دِيَار بَنِي أَنْمَار تَقْرُب مِنْ دِيَار بَنِي ثَعْلَبَة , وَسَيَأْتِي بَعْد بَاب أَنَّ أَنْمَارَ فِي قَبَائِلِهِمْ مِنْهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطَفَانَ , وَإِنْ أَرَادَ الْمُتَابَعَة فِي الْإِسْنَادِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ , بَلْ الرِّوَايَتَانِ مُتَخَالِفَتَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ : الْأُولَى مُتَّصِلَة بِذِكْرِ الصَّحَابِيّ وَهَذِهِ مُرْسَلَة , وَرِجَال الْأُولَى غَيْر رِجَال الثَّانِيَة , وَلَعَلَّ بَعْض مَنْ لَا بَصَر لَهُ بِالرِّجَالِ يَظُنّ أَنَّ هِشَامًا الْمَذْكُور قَبْل هُوَ هِشَام الْمَذْكُور ثَانِيًا , وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ هِشَامًا الرَّاوِي عَنْ أَبِي الزُّبَيْر هُوَ الدَّسْتُوَائِيّ كَمَا بَيَّنْته قَبْل وَهُوَ بَصْرِيّ , وَهِشَام شَيْخ اللَّيْث فِيهِ هُوَ اِبْن سَعْد وَهُوَ مَدَنِيّ , وَالدَّسْتُوَائِيُّ لَا رِوَايَة لَهُ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ وَلَا رِوَايَة لِلَّيْثِ بْن سَعْد عَنْهُ , وَقَدْ وَصَلَ الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه هَذَا الْمُعَلَّق قَالَ " قَالَ لِي يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه بْن بُكَيْر حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ هِشَام بْن سَعْد عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ سَمِعَ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي غَزْوَة بَنِي أَنْمَار نَحْوه " يَعْنِي نَحْو حَدِيث صَالِح بْن خَوَّات عَنْ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَة فِي صَلَاة الْخَوْفِ.
قُلْت : فَظَهَرَ لِي مِنْ هَذَا وَجْهُ الْمُتَابَعَةِ , وَهُوَ أَنَّ حَدِيثَ سَهْل بْن أَبِي حَثْمَةَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مُتَّحِدٌ مَعَ حَدِيث جَابِر , لَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْ اِتِّحَاد كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ وَفِي هَذِهِ أَنْ تَتَّحِدَ الْغَزْوَة , وَقَدْ أَفْرَدَ الْبُخَارِيّ غَزْوَة بَنِي أَنْمَار بِالذِّكْرِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْد بَاب.
نَعَمْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ سَبَب غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَدِمَ بِجَلْبٍ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْت نَاسًا مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ وَمَنْ بَنِي أَنْمَار وَقَدْ جَمَعُوا لَكُمْ جُمُوعًا وَأَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ عَنْهُمْ , فَخَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْبَعمِائَة وَيُقَال سَبْعمِائَة , فَعَلَى هَذَا فَغَزْوَة بَنِي أَنْمَار مُتَّحِدَة مَعَ غَزْوَة بَنِي مُحَارِب وَثَعْلَبَة , وَهِيَ غَزْوَة ذَات الرِّقَاع , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُون مَوْضِع هَذِهِ الْمُتَابَعَة بَعْد حَدِيث الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْن خَوَّاتٍ فَيَكُون مُتَأَخِّرًا عَنْهُ , وَيَكُون تَقْدِيمُهُ مِنْ بَعْضِ النَّقَلَةِ عَنْ الْبُخَارِيّ , وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْته عَنْ تَارِيخِ الْبُخَارِيّ فَإِنَّهُ بَيَّنَ فِي ذَلِكَ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ وَقَالَ مُعَاذٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلٍ فَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ
عن سهل بن أبي حثمة قال: «يقوم الإمام مستقبل القبلة، وطائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو، وجوههم إلى العدو، فيصلي بالذين معه ركعة، ثم يقومون فيركعون...
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فوازينا العدو، فصاففنا لهم».<br>
عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «صلى بإحدى الطائفتين، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا، فقاموا في مقا...
عن جابر أخبر: «أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد.»
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره: «أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم ا...
عن ابن محيريز أنه قال: «دخلت المسجد، فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه، فسألته عن العزل، قال أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ب...
عن جابر بن عبد الله قال: «غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجد فلما أدركته القائلة، وهو في واد كثير العضاه، فنزل تحت شجرة واستظل بها وعلق س...
عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أنمار، يصلي على راحلته، متوجها قبل المشرق، متطوعا.»
عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض، و...