حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر - صحيح البخاري

صحيح البخاري | سورة يوسف باب قوله حتى إذا استيأس الرسل (حديث رقم: 4695 )


4695- عن ‌عائشة - رضي الله عنها - «قالت له، وهو يسألها عن قول الله تعالى: {حتى إذا استيئس الرسل} قال: قلت: أكذبوا أم كذبوا؟ قالت عائشة: كذبوا، قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن؟ قالت: أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك، فقلت لها: وظنوا أنهم قد كذبوا، قالت: معاذ الله، لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك».
4696- عن ‌الزهري قال: أخبرني ‌عروة : «فقلت: لعلها كذبوا مخففة، قالت: معاذ الله».

أخرجه البخاري

شرح حديث (هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله : ( عَنْ صَالِح ) ‏ ‏هُوَ اِبْن كَيْسَانَ.
‏ ‏قَوْله : ( عَنْ عَائِشَة قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَسْأَلهَا عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عَقِيل عَنْ اِبْن شِهَاب فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء " أَخْبَرَنِي عُرْوَة أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَة عَنْ قَوْله تَعَالَى " فَذَكَرَهُ.
‏ ‏قَوْله : ( قُلْت كُذِّبُوا أَمْ كُذِبُوا ) ‏ ‏أَيْ مُثَقَّلَة أَوْ مُخَفَّفَة ؟ وَوَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق صَالِح اِبْن كَيْسَانَ هَذِهِ.
‏ ‏قَوْله : ( قَالَتْ عَائِشَة كُذِّبُوا ) ‏ ‏أَيْ بِالتَّثْقِيلِ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مُثَقَّلَة.
‏ ‏قَوْله : ( فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ ؟ قَالَتْ أَجَلْ ) ‏ ‏زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيّ " قُلْت فَهِيَ مُخَفَّفَة , قَالَتْ مَعَاذ اللَّه " وَهَذَا ظَاهِر فِي أَنَّهَا أَنْكَرَتْ الْقِرَاءَة بِالتَّخْفِيفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمِير لِلرُّسُلِ , وَلَيْسَ الضَّمِير لِلرُّسُلِ عَلَى مَا بَيَّنْته وَلَا لِإِنْكَارِ الْقِرَاءَة بِذَلِكَ مَعْنًى بَعْدَ ثُبُوتهَا.
وَلَعَلَّهَا لَمْ يَبْلُغهَا مِمَّنْ يُرْجَع إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ أَئِمَّة الْكُوفَة مِنْ الْقُرَّاء عَاصِم وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ , وَوَافَقَهُمْ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع , وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيِّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَمُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيِّ فِي آخَرِينَ.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : لَمْ تُنْكِر عَائِشَة الْقِرَاءَة , وَإِنَّمَا أَنْكَرَتْ تَأْوِيل اِبْن عَبَّاس.
كَذَا قَالَ , وَهُوَ خِلَاف الظَّاهِر , وَظَاهِر السِّيَاق أَنَّ عُرْوَة كَانَ يُوَافِق اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَل عَائِشَة , ثُمَّ لَا يَدْرِي رَجَعَ إِلَيْهَا أَمْ لَا.
رَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى الْقَاسِم بْن مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ إِنَّ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقْرَأ ( كُذِبُوا ) بِالتَّخْفِيفِ فَقَالَ : أَخْبِرْهُ عَنِّي أَنِّي سَمِعْت عَائِشَة تَقُول ( كُذِّبُوا ) مُثَقَّلَة أَيْ كَذَّبَتْهُمْ أَتْبَاعهمْ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير الْبَقَرَة مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي مُلَيْكَة قَالَ " قَالَ اِبْن عَبَّاس ( حَتَّى إِذَا اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) خَفِيفَة قَالَ ذَهَبَ بِهَا هُنَالِكَ " وَفِي رِوَايَة الْأَصِيلِيِّ " بِمَا هُنَالِكَ " بِمِيمٍ بَدَلَ الْهَاء وَهُوَ تَصْحِيف.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْه بِلَفْظِ " ذَهَب هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاء - وَتَلَا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُول وَاَلَّذِينَ مَعَهُ مَتَى نَصْر اللَّه أَلَا إِنَّ نَصْر اللَّه قَرِيب " وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته " ثُمَّ قَالَ اِبْن عَبَّاس كَانُوا بَشَرًا ضَعُفُوا وَأَيِسُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا " وَهَذَا ظَاهِره أَنَّ اِبْن عَبَّاس كَانَ يَذْهَب إِلَى أَنَّ قَوْله مَتَى نَصْر اللَّه مَقُول الرَّسُول , وَإِلَيْهِ ذَهَب طَائِفَة.
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْجَمِيع مَقُول الْجَمِيع , وَقِيلَ الْجُمْلَة الْأُولَى مَقُول الْجَمِيع وَالْأَخِيرَة مِنْ كَلَام اللَّه.
وَقَالَ آخَرُونَ الْجُمْلَة الْأُولَى وَهِيَ ( مَتَى نَصْر اللَّه ) مَقُول الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ.
وَالْجُمْلَة الْأَخِيرَة وَهِيَ ( أَلَا إِنَّ نَصْر اللَّه قَرِيب ) مَقُول الرَّسُول , وَقُدِّمَ الرَّسُول فِي الذِّكْر لِشَرَفِهِ وَهَذَا أَوْلَى , وَعَلَى الْأَوَّل فَلَيْسَ قَوْل الرَّسُول ( مَتَى نَصْر اللَّه ) شَكًّا بَلْ اِسْتِبْطَاء لِلنَّصْرِ وَطَلَبًا لَهُ , وَهُوَ مِثْل قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ " اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتنِي " قَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَا شَكَّ أَنَّ اِبْن عَبَّاس لَا يُجِيز عَلَى الرُّسُل أَنَّهَا تُكَذِّب بِالْوَحْيِ , وَلَا يُشَكّ فِي صِدْق الْمُخْبِر , فَيُحْمَل كَلَامه عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمَا لِطُولِ الْبَلَاء عَلَيْهِمْ وَإِبْطَاء النَّصْر وَشِدَّة اِسْتِنْجَاز مَنْ وَعَدُوهُ بِهِ تَوَهَّمُوا أَنَّ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنْ الْوَحْي كَانَ حُسْبَانًا مِنْ أَنْفُسهمْ , وَظَنُّوا عَلَيْهَا الْغَلَط فِي تَلَقِّي مَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ , فَيَكُون الَّذِي بُنِيَ لَهُ الْفِعْل أَنْفُسهمْ لَا الْآتِي بِالْوَحْيِ , وَالْمُرَاد بِالْكَذِبِ الْغَلَط لَا حَقِيقَة الْكَذِب كَمَا يَقُول الْقَائِل كَذَبَتْك نَفْسك.
قُلْت : وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة مُجَاهِد ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا ) بِفَتْحِ أَوَّله مَعَ التَّخْفِيف أَيْ غَلِطُوا , وَيَكُون فَاعِل ( وَظَنُّوا ) الرُّسُل , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون أَتْبَاعهمْ.
وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ بِأَسَانِيدَ مُتَنَوِّعَةٍ مِنْ طَرِيق عِمْرَانَ بْن الْحَارِث وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبِي الضُّحَى وَعَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة وَالْعَوْفِيّ كُلّهمْ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة قَالَ : أَيِسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ , وَظَنَّ قَوْمهمْ أَنَّ الرُّسُل كَذَبُوا.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : إِنْ صَحَّ هَذَا عَنْ اِبْن عَبَّاس فَقَدْ أَرَادَ بِالظَّنِّ مَا يَخْطِر بِالْبَالِ وَيَهْجِس فِي النَّفْس مِنْ الْوَسْوَسَة وَحَدِيث النَّفْس عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَشَرِيَّة , وَأَمَّا الظَّنّ وَهُوَ تَرْجِيح أَحَد الطَّرَفَيْنِ فَلَا يُظَنّ بِالْمُسْلِمِ فَضْلًا عَنْ الرَّسُول.
وَقَالَ أَبُو نَصْر الْقُشَيْرِيُّ وَلَا يَبْعُد أَنَّ الْمُرَاد خَطَرَ بِقَلْبِ الرُّسُل فَصَرَفُوهُ عَنْ أَنْفُسهمْ , أَوْ الْمَعْنَى قَرَّبُوا مِنْ الظَّنّ كَمَا يُقَال بَلَغْت الْمَنْزِل إِذَا قَرُبَتْ مِنْهُ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم : وَجْهه أَنَّ الرُّسُل كَانَتْ تَخَاف بَعْدَ أَنْ وَعَدَهُمْ اللَّه النَّصْر أَنْ يَتَخَلَّف النَّصْر , لَا مِنْ تُهْمَة بِوَعْدِ اللَّه بَلْ لِتُهْمَةِ النُّفُوس أَنْ تَكُون قَدْ أَحْدَثَتْ حَدَثًا يَنْقُض ذَلِكَ الشَّرْط , فَكَانَ الْأَمْر إِذَا طَالَ وَاشْتَدَّ الْبَلَاء عَلَيْهِمْ دَخَلَهُمْ الظَّنّ مِنْ هَذِهِ الْجِهَة.
قُلْت : وَلَا يُظَنّ بِابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ يُجَوِّز عَلَى الرَّسُول أَنَّ نَفْسَهُ تُحَدِّثُهُ بِأَنَّ اللَّه يُخْلِف وَعْدَهُ , بَلْ الَّذِي يُظَنّ بِابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " كَانُوا بَشَرًا " إِلَى آخِر كَلَامه مَنْ آمَنَ مِنْ أَتْبَاع الرُّسُل لَا نَفْس الرُّسُل , وَقَوْل الرَّاوِي عَنْهُ " ذَهَب بِهَا هُنَاكَ " أَيْ إِلَى السَّمَاء مَعْنَاهُ أَنَّ أَتْبَاع الرُّسُل ظَنُّوا أَنَّ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ الرُّسُل عَلَى لِسَان الْمَلِك تَخَلَّفَ , وَلَا مَانِع أَنْ يَقَع ذَلِكَ فِي خَوَاطِر بَعْض الْأَتْبَاع.
وَعَجَب لِابْنِ الْأَنْبَارِيّ فِي جَزْمه بِأَنَّهُ لَا يَصِحّ.
ثُمَّ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَوَقُّفه عَنْ صِحَّة ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ , لَكِنْ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ التَّصْرِيح بِأَنَّ الرُّسُل هُمْ الَّذِينَ ظَنُّوا ذَلِكَ , وَلَا يَلْزَم ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَة التَّخْفِيف , بَلْ الضَّمِير فِي " وَظَنُّوا " عَائِد عَلَى الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ , وَفِي " وَكُذِبُوا " عَائِد عَلَى الرُّسُل أَيْ وَظَنَّ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُل كُذِبُوا , أَوْ الضَّمَائِر لِلرُّسُلِ وَالْمَعْنَى يَئِسَ الرُّسُل مِنْ النَّصْر وَتَوَهَّمُوا أَنَّ أَنْفُسهمْ كَذَبَتْهُمْ حِينَ حَدَّثَتْهُمْ بِقُرْبِ النَّصْر , أَوْ كَذَبَهُمْ رَجَاؤُهُمْ.
أَوْ الضَّمَائِر كُلّهَا لِلْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ أَيْ يَئِسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ , وَظَنَّ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُل كَذَّبُوهُمْ فِي جَمِيع مَا اِدَّعُوهُ مِنْ النُّبُوَّة وَالْوَعْد بِالنَّصْرِ لِمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْوَعِيد بِالْعَذَابِ لِمَنْ لَمْ يُجِبْهُمْ , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا وَجَبَ تَنْزِيه اِبْن عَبَّاس عَنْ تَجْوِيزه ذَلِكَ عَلَى الرُّسُل , وَيُحْمَل إِنْكَار عَائِشَة عَلَى ظَاهِر مَسَاقهمْ مِنْ إِطْلَاق الْمَنْقُول عَنْهُ.
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ سَعِيد اِبْن جُبَيْر سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ : يَئِسَ الرُّسُل مِنْ قَوْمهمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُمْ , وَظَنَّ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُل كَذَبُوا.
فَقَالَ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم لَمَّا سَمِعَهُ : لَوْ رَحَلْت إِلَى الْيَمَن فِي هَذِهِ الْكَلِمَة لَكَانَ قَلِيلًا.
فَهَذَا سَعِيد بْن جُبَيْر وَهُوَ مِنْ أَكَابِر أَصْحَاب اِبْن عَبَّاس الْعَارِفِينَ بِكَلَامِهِ حَمَلَ الْآيَة عَلَى الِاحْتِمَال الْأَخِير الَّذِي ذَكَرْته.
وَعَنْ مُسْلِم بْن يَسَار أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيد بْن جُبَيْر فَقَالَ لَهُ : آيَة بَلَغَتْ مِنِّي كُلَّ مَبْلَغ , فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة بِالتَّخْفِيفِ , قَالَ فِي هَذَا أَلَوْت أَنْ تَظُنّ الرُّسُل ذَلِكَ , فَأَجَابَهُ بِنَحْوِ ذَلِكَ , فَقَالَ : فَرَّجْت عَنِّي فَرَّجَ اللَّه عَنْك , وَقَامَ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ.
وَجَاءَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس نَفْسه , فَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ‏ ‏قَوْله : ( قَدْ كُذِبُوا ) ‏ ‏قَالَ : اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ , وَظَنَّ قَوْمهمْ أَنَّ الرُّسُل قَدْ كَذَبُوهُمْ.
وَإِسْنَاده حَسَن.
فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَمَد فِي تَأْوِيل مَا جَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ , وَهُوَ أَعْلَم بِمُرَادِ نَفْسه مِنْ غَيْره.
وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : ( قَدْ كُذِبُوا ) خَفِيفَة أَيْ أَخْلَفُوا , أَلَا إِنَّا إِذَا قَرَّرْنَا أَنَّ الضَّمِير لِلْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ لَمْ يَضُرّ تَفْسِير كُذِبُوا بِأَخْلَفُوا , أَيْ ظَنَّ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُل أَخْلَفُوا مَا وَعَدُوا بِهِ , وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق تَمِيم بْن حَذْلَمٍ.
سَمِعْت اِبْن مَسْعُود يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ , وَظَنَّ قَوْمهمْ حِينَ أَبْطَأَ الْأَمْر أَنَّ الرُّسُل كَذَبُوهُمْ.
وَمِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث : اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ , وَظَنَّ الْقَوْم أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ.
وَقَدْ جَاءَ عَنْ اِبْن مَسْعُود شَيْء مُوهِم كَمَا جَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق صَحِيح عَنْ مَسْرُوق عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ قَرَأَ ( حَتَّى إِذَا اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) مُخَفَّفَة قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه : هُوَ الَّذِي يُكْرَه.
وَلَيْسَ فِي هَذَا أَيْضًا مَا يُقْطَع بِهِ عَلَى أَنَّ اِبْن مَسْعُود أَرَادَ أَنَّ الضَّمِير لِلرُّسُلِ , بَلْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الضَّمِير عِنْدَهُ لِمَنْ آمَنَ مِنْ أَتْبَاع الرُّسُل , فَإِنَّ صُدُور ذَلِكَ مِمَّنْ آمَنَ مِمَّا يُكْرَه سَمَاعه , فَلَمْ يَتَعَيَّن أَنَّهُ أَرَادَ الرُّسُل.
قَالَ الطَّبَرِيُّ : لَوْ جَازَ أَنْ يَرْتَاب الرُّسُل بِوَعْدِ اللَّه وَيَشُكُّوا فِي حَقِيقَة خَبَره لَكَانَ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَوْلَى بِجَوَازِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ اِخْتَارَ الطَّبَرِيُّ قِرَاءَة التَّخْفِيف وَوَجَّهَهَا بِمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ : وَإِنَّمَا اِخْتَرْت هَذَا لِأَنَّ الْآيَة وَقَعَتْ عَقِبَ قَوْله : ( فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) فَكَانَ فِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ يَأْس الرُّسُل كَانَ مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ الَّذِينَ كَذَّبُوهُمْ فَهَلَكُوا , أَوْ أَنَّ الْمُضْمَر فِي قَوْله : ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) إِنَّمَا هُوَ لِلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الْهَالِكَة.
وَيَزِيد ذَلِكَ وُضُوحًا أَنَّ فِي بَقِيَّة الْآيَة الْخَبَر عَنْ الرُّسُل وَمَنْ آمَنَ بِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَنُنَجِّي مَنْ نَشَاء ) أَيْ الَّذِينَ هَلَكُوا هُمْ الَّذِينَ ظَنُّوا أَنَّ الرُّسُل قَدْ كُذِبُوا فَكَذَّبُوهُمْ , وَالرُّسُل وَمَنْ اِتَّبَعَهُمْ هُمْ الَّذِينَ نَجَوْا , اِنْتَهَى كَلَامه , وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَر.
‏ ‏قَوْله : ( قَالَتْ أَجَلْ ) أَيْ نَعَمْ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَقِيل فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء فِي هَذَا الْمَوْضِع " فَقَالَتْ يَا عُرَيَّة " وَهُوَ بِالتَّصْغِيرِ وَأَصْله عُرَيْوَة فَاجْتَمَعَ حَرْفَا عِلَّة فَأُبْدِلَتْ الْوَاو يَاء ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِي الْأُخْرَى.
‏ ‏قَوْله : ( لَعَمْرِي لَقَدْ اِسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ ) ‏ ‏فِيهِ إِشْعَار بِحَمْلِ عُرْوَة الظَّنّ عَلَى حَقِيقَته وَهُوَ رُجْحَان أَحَد الطَّرَفَيْنِ , وَوَافَقَتْهُ عَائِشَة.
لَكِنْ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق سَعِيد عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمُرَاد بِالظَّنِّ هُنَا الْيَقِين.
وَنَقَلَهُ نَفْطَوَيْةِ هُنَا عَنْ أَكْثَر أَهْل اللُّغَة وَقَالَ : هُوَ كَقَوْلِهِ فِي آيَة أُخْرَى ( وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأ مِنْ اللَّه إِلَّا إِلَيْهِ ) وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَقَالَ : إِنَّ الظَّنّ لَا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَب فِي مَوْضِع الْعِلْم إِلَّا فِيمَا كَانَ طَرِيقه غَيْر الْمُعَايَنَة , فَأَمَّا مَا كَانَ طَرِيقه الْمُشَاهَدَة فَلَا , فَإِنَّهَا لَا تَقُول أَظُنُّنِي إِنْسَانًا وَلَا أَظُنُّنِي حَيًّا بِمَعْنَى إِنْسَانًا أَوْ حَيًّا.
قَوْله فِي الطَّرِيق الثَّانِيَة عَنْ الزُّهْرِيّ ( أَخْبَرَنِي عُرْوَة فَقُلْت لَعَلَّهَا كُذِبُوا مُخَفَّفَة قَالَتْ مَعَاذ اللَّه.
نَحْوه ) هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا , وَقَدْ سَاقَهُ أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " بِتَمَامِهِ وَلَفْظه عَنْ عُرْوَة أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَة فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث صَالِح بْن كَيْسَانَ.
‏ ‏( فَائِدَةٌ ) : ‏ ‏قَوْله تَعَالَى فِي بَقِيَّة الْآيَة ( فَنُنْجِي مَنْ نَشَاء ) قَرَأَ الْجُمْهُور بِنُونَيْنِ الثَّانِيَة سَاكِنَة وَالْجِيم خَفِيفَة وَسُكُون آخِره مُضَارِع أُنَجِّي , وَقَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامِر بِنُونٍ وَاحِدَة وَجِيم مُشَدَّدَة وَفَتْح آخِره عَلَى أَنَّهُ فِعْل مَاضٍ مَبْنِيّ لِلْمَفْعُولِ وَمَنْ قَائِمَة مَقَام الْفَاعِل , وَفِيهَا قِرَاءَات أُخْرَى.
قَالَ الطَّبَرِيُّ كُلّ مَنْ قَرَأَ بِذَلِكَ فَهُوَ مُنْفَرِد بِقِرَاءَتِهِ وَالْحُجَّة فِي قِرَاءَة غَيْره , وَاللَّهُ أَعْلَم.


حديث قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى حتى إذا استيئس الرسل قال قلت أكذبوا

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏صَالِحٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏قَالَ أَخْبَرَنِي ‏ ‏عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏ ‏قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏ { ‏حَتَّى إِذَا ‏ ‏اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ‏} ‏قَالَ قُلْتُ أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا قَالَتْ ‏ ‏عَائِشَةُ ‏ ‏كُذِّبُوا قُلْتُ فَقَدْ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ قَالَتْ أَجَلْ لَعَمْرِي لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ فَقُلْتُ لَهَا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قَالَتْ مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنْ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا قُلْتُ فَمَا هَذِهِ الْآيَةُ قَالَتْ هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْبَلَاءُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمْ النَّصْرُ حَتَّى إِذَا ‏ ‏اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنَّتْ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو الْيَمَانِ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏شُعَيْبٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الزُّهْرِيِّ ‏ ‏قَالَ أَخْبَرَنِي ‏ ‏عُرْوَةُ ‏ ‏فَقُلْتُ ‏ ‏لَعَلَّهَا كُذِبُوا مُخَفَّفَةً قَالَتْ مَعَاذَ اللَّهِ نَحْوَهُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله

عن ‌ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما...

أخبروني بشجرة تشبه الرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا...

عن ‌ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أخبروني بشجرة تشبه، أو: كالرجل المسلم، لا يتحات ورقها، ولا ولا ولا...

المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأ...

عن ‌البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلم إذا سئل في القبر: يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.<br> فذلك قوله: {يث...

ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا قال هم كفار...

عن ‌عطاء سمع ‌ابن عباس : «{ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا} قال: هم كفار أهل مكة».<br>

إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحته...

عن ‌أبي هريرة، يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كالسلسلة على صفوان، قال ع...

لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين

عن ‌عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحاب الحجر: لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين، فإن لم ت...

الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن ال...

عن ‌أبي سعيد بن المعلى قال: «مر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أصلي، فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيت فقال: ما منعك أن تأتي، فقلت: كنت أصلي، فق...

أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم

عن ‌أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم».<br>

هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعض...

عن ‌ابن عباس - رضي الله عنهما -: «{الذين جعلوا القرآن عضين} قال: هم أهل الكتاب، جزءوه أجزاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه».<br>