حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

حديث المرأتان من أزواج النبي ﷺ اللتين قال الله تعالى إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب النكاح باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها (حديث رقم: 5191 )


5191- عن ‌عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب، عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين، قال الله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} حتى حج وحججت معه وعدل وعدلت معه بإداوة فتبرز، ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ فقلت له: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}؟ قال: واعجبا لك يا ابن عباس، هما عائشة وحفصة،» ثم استقبل عمر الحديث يسوقه، قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد، وهم من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك، وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصخبت على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، قالت: ولم تنكر أن أراجعك، فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل، فأفزعني ذلك وقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهن، ثم جمعت علي ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة، فقلت لها: أي حفصة، أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم، فقلت: قد خبت وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي؟ لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك؛ أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يريد عائشة، قال عمر: وكنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لغزونا، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فرجع إلينا عشاء فضرب بابي ضربا شديدا، وقال: أثم هو؟ ففزعت فخرجت إليه فقال: قد حدث اليوم أمر عظيم؟ قلت: ما هو أجاء غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأهول، طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فقلت: خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون، فجمعت علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربة له فاعتزل فيها، ودخلت على حفصة، فإذا هي تبكي، فقلت: ما يبكيك، ألم أكن حذرتك هذا، أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري، ها هو ذا معتزل في المشربة، فخرجت فجئت إلى المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلا، ثم غلبني ما أجد، فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر، فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع فقال: كلمت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له فصمت، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام: استأذن لعمر، فدخل ثم رجع فقال: قد ذكرتك له فصمت، فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثم رجع إلي فقال: قد ذكرتك له فصمت، فلما وليت منصرفا، قال: إذا الغلام يدعوني فقال: قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمال بجنبه، متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف، فسلمت عليه، ثم قلت وأنا قائم: يا رسول الله، أطلقت نساءك؟ فرفع إلي بصره فقال: لا، فقلت: الله أكبر! ثم قلت وأنا قائم: أستأنس يا رسول الله، لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قلت: يا رسول الله، لو رأيتني ودخلت على حفصة، فقلت لها: لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يريد عائشة، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة أخرى، فجلست حين رأيته تبسم، فرفعت بصري في بيته، فوالله ما رأيت في بيته شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة، فقلت: يا رسول الله، ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم قد وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئا، فقال: أوفي هذا أنت يا ابن الخطاب؟ إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا.
فقلت: يا رسول الله، استغفر لي.
فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة، وكان قال: ما أنا بداخل عليهن شهرا.
من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله، فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: يا رسول الله، إنك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا، فقال: الشهر تسع وعشرون، فكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة، قالت عائشة: ثم أنزل الله تعالى آية التخير، فبدأ بي أول امرأة من نسائه فاخترته، ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة.

أخرجه البخاري


(فصخبت) من الصخب وهو الصياح (جمعت علي ثيابي) كناية عن التهيء والعزم على الأمر والجد فيه.
(أو في هذا أنت) أأنت في هذه الحال من استعظام زخارف الدنيا وزينتها واستعجالها.
وفي رواية معمر عند مسلم (أو في شك أنت يا ابن الخطاب) وكذلك ذكرها المصنف في رواية عقيل في كتاب المظالم

شرح حديث (حديث المرأتان من أزواج النبي ﷺ اللتين قال الله تعالى إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله ( عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَل عُمَر ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن الْمَاضِيَة فِي تَفْسِير التَّحْرِيم عَنْ اِبْن عَبَّاس " مَكَثْت سَنَة أُرِيد أَنْ أَسْأَل عُمَر ".
‏ ‏قَوْله ( عَنْ الْمَرْأَتَيْنِ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عُبَيْد " عَنْ آيَة ".
‏ ‏قَوْله ( اللَّتَيْنِ ) ‏ ‏كَذَا فِي جَمِيع النُّسَخ , وَوَقَعَ عِنْد اِبْن التِّين " الَّتِي " بِالْإِفْرَادِ وَخَطَّأَهَا فَقَالَ : الصَّوَاب " اللَّتَيْنِ " بِالتَّثْنِيَةِ.
قُلْت : وَلَوْ كَانَتْ مَحْفُوظَة لَأَمْكَنَ تَوْجِيههَا.
‏ ‏قَوْله ( حَتَّى حَجَّ وَحَجَجْت مَعَهُ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عُبَيْد " فَمَا أَسْتَطِيع أَنْ أَسْأَلهُ هَيْبَة لَهُ , حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا " وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان عِنْد اِبْن مَرْدَوَيْهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَرَدْت أَنْ أَسْأَل عُمَر فَكُنْت أَهَابَهُ , حَتَّى حَجَجْنَا مَعَهُ , فَلَمَّا قَضَيْنَا حَجّنَا قَالَ : مَرْحَبًا بِابْنِ عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَا حَاجَتك " ؟ ‏ ‏قَوْله ( وَعَدَلَ ) ‏ ‏أَيْ عَنْ الطَّرِيق الْجَادَّة الْمَسْلُوكَة إِلَى طَرِيق لَا يُسْلَك غَالِبًا لِيَقْضِيَ حَاجَته , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْد " فَخَرَجْت مَعَهُ , فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيق عَدَلَ إِلَى الْأَرَاك لِحَاجَةٍ لَهُ " وَبَيَّنَ مُسْلِم فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن مِنْ طَرِيق حَمَّاد بْن سَلَمَة وَابْن عُيَيْنَةَ أَنَّ الْمَكَان الْمَذْكُور هُوَ مَرّ الظَّهْرَان , وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطه فِي الْمَغَازِي.
‏ ‏قَوْله ( وَعَدَلْت مَعَهُ بِإِدَاوَةٍ فَتَبَرَّزَ ) ‏ ‏أَيْ قَضَى حَاجَته , وَتَقَدَّمَ ضَبْط الْإِدَاوَة وَتَفْسِيرهَا فِي كِتَاب الطَّهَارَة , وَأَصْل تَبَرَّزَ مِنْ الْبِرَاز وَهُوَ الْمَوْضِع الْخَالِي الْبَارِز عَنْ الْبُيُوت , ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى نَفْس الْفِعْل , وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة الْمَذْكُورَة عِنْد الطَّيَالِسِيِّ " فَدَخَلَ عُمَر الْأَرَاك فَقَضَى حَاجَته , وَقَعَدْت لَهُ حَتَّى خَرَجَ " فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الْمُسَافِر إِذَا يَجِد الْفَضَاء لِقَضَاءِ حَاجَته اِسْتَتَرَ بِمَا يُمْكِنهُ السِّتْر بِهِ مِنْ شَجَر الْبَادِيَة.
‏ ‏قَوْله ( فَسَكَبْت عَلَى يَدَيْهِ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيِّ الْمَاضِيَة فِي الْمَظَالِم " فَسَكَبْت مِنْ الْإِدَاوَة ".
‏ ‏قَوْله ( فَقُلْت لَهُ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَنْ الْمَرْأَتَانِ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " فَقُلْت يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أُرِيدَ أَنْ أَسْأَلك عَنْ حَدِيث مُنْذُ سَنَة فَتَمْنَعنِي هَيْبَتك أَنْ أَسْأَلك " وَتَقَدَّمَ فِي التَّفْسِير مِنْ رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " فَوَقَفْت لَهُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ سِرْت مَعَهُ فَقُلْت : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَنْ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجه ؟ قَالَ : تِلْكَ حَفْصَة وَعَائِشَة.
فَقُلْت : وَاللَّه إِنْ كُنْت لَأُرِيد أَنْ أَسْأَلك عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَة فَمَا أَسْتَطِيع هَيْبَة لَك.
قَالَ : فَلَا تَفْعَل , مَا ظَنَنْت أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْم فَاسْأَلْنِي , فَإِنْ كَانَ لِي عِلْم خَبَّرْتُك بِهِ " وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان الْمَذْكُورَة فَقَالَ " مَا تَسْأَل عَنْهُ أَحَدًا أَعْلَم بِذَلِكَ مِنِّي ".
‏ ‏قَوْله ( اللَّتَانِ ) ‏ ‏كَذَا فِي الْأُصُول , وَحَكَى اِبْن التِّين أَنَّهُ وَقَعَ عِنْده " الَّتِي " بِالْإِفْرَادِ , قَالَ وَالصَّوَاب " اللَّتَانِ " بِالتَّثْنِيَةِ.
‏ ‏وَقَوْله قَالَ اللَّه تَعَالَى ( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبكُمَا ) ‏ ‏أَيْ قَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُمَا إِنْ تَتُوبَا مِنْ التَّعَاوُن عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله بَعْد ‏ ‏( وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ) ‏ ‏أَيْ تَتَعَاوَنَا كَمَا تَقَدَّمَ تَفْسِيره فِي تَفْسِير السُّورَة , وَمَعْنَى تَظَاهُرهمَا أَنَّهُمَا تَعَاوَنَتَا حَتَّى حَرَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسه مَا حَرَّمَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه , ‏ ‏وَقَوْله ( قُلُوبكُمَا ) ‏ ‏كَثُرَ اِسْتِعْمَالهمْ فِي مَوْضِع التَّثْنِيَة بِلَفْظِ الْجَمْع كَقَوْلِهِمْ وَضَعَا رِحَالهمَا أَيْ رَحْلَيْ رَاحِلَتَيْهِمَا.
‏ ‏قَوْله ( وَاعَجَبًا لَك يَا اِبْن عَبَّاس ) ‏ ‏تَقَدَّمَ شَرْحه فِي الْعِلْم وَأَنَّ عُمَر تَعَجَّبَ مِنْ اِبْن عَبَّاس مَعَ شُهْرَته بِعِلْمِ التَّفْسِير كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْر مَعَ شُهْرَته وَعَظَمَته فِي نَفْس عُمَر وَتَقَدُّمه فِي الْعِلْم عَلَى غَيْره كَمَا تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ وَاضِحًا فِي تَفْسِير سُورَة النَّصْر , وَمَعَ مَا كَانَ اِبْن عَبَّاس مَشْهُورًا بِهِ مِنْ الْحِرْص عَلَى طَلَب الْعِلْم وَمُدَاخَلَة كِبَار الصَّحَابَة وَأُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ , أَوْ تَعَجَّبَ مِنْ حِرْصه عَلَى طَلَب فُنُون التَّفْسِير حَتَّى مَعْرِفَة الْمُبْهَم , وَوَقَعَ فِي " الْكَشَّاف " كَأَنَّهُ كَرِهَ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ.
قُلْت : وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الزُّهْرِيُّ فِي هَذِهِ الْقِصَّة بِعَيْنِهَا فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق مَعْمَر عَنْهُ قَالَ بَعْد قَوْله " قَالَ عُمَر وَاعَجَبًا لَك يَا اِبْن عَبَّاس " : قَالَ الزُّهْرِيّ كَرِهَ وَاللَّه مَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكْتُمهُ وَلَا يَسْتَبْعِد الْقُرْطُبِيّ مَا فَهِمَهُ الزُّهْرِيُّ , وَلَا بُعْد فِيهِ.
قُلْت : وَيَجُوز فِي " عَجَبًا " التَّنْوِين وَعَدَمه , قَالَ اِبْن مَالِك : " وَا " فِي قَوْله " وَا عَجَبًا " إِنْ كَانَ مُنَوَّنًا فَهُوَ اِسْم فِعْل بِمَعْنَى أَعْجَب , وَمِثْله وَاهًا وَوَيْ , وَقَوْله بَعْده عَجَبًا جِيءَ بِهَا تَعَجُّبًا تَوْكِيدًا , وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَنْوِين فَالْأَصْل فِيهِ وَا عَجَبِي فَأَبْدَلَتْ الْكِسْرَة فَتْحَة فَصَارَتْ الْيَاء أَلِفًا كَقَوْلِهِمْ يَا أَسَفًا وَيَا حَسْرَتَا , وَفِيهِ شَاهِد لِجَوَازِ اِسْتِعْمَال " وَا " فِي مُنَادًى غَيْر مَنْدُوب وَهُوَ مَذْهَب الْمُبَرِّد وَهُوَ مَذْهَب صَحِيح ا ه.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مَعْمَر " وَا عَجَبِي لَك ".
‏ ‏قَوْله ( عَائِشَة وَحَفْصَة ) ‏ ‏كَذَا فِي أَكْثَر الرِّوَايَات , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة وَحْده عَنْهُ " حَفْصَة وَأُمّ سَلَمَة " كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ مُسْلِم , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيِّ فِي مُسْنَده عَنْهُ فَقَالَ " عَائِشَة وَحَفْصَة " مِثْل الْجَمَاعَة.
‏ ‏( تَنْبِيه ) : ‏ ‏هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد أَنَّ اِبْن عَبَّاس هُوَ الْمُبْتَدِئ بِسُؤَالِ عُمَر عَنْ ذَلِكَ , وَوَقَعَ عِنْد اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْه آخَر ضَعِيف عَنْ عِمْرَان بْن الْحَكَم السُّلَمِيّ " حَدَّثَنِي اِبْن عَبَّاس قَالَ : كُنَّا نَسِير فَلَحِقَنَا عُمَر وَنَحْنُ نَتَحَدَّث فِي شَأْن حَفْصَة وَعَائِشَة , فَسَكَتْنَا حِين لَحِقَنَا , فَعَزَمَ عَلَيْنَا أَنْ تُخْبِرهُ , فَقُلْنَا : تَذَاكَرْنَا شَأْن عَائِشَة وَحَفْصَة وَسَوْدَة " فَذَكَرَ طَرَفًا مِنْ هَذَا الْحَدِيث وَلَيْسَ بِتَمَامِهِ , وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ سَابِقَة وَلَمْ يَتَمَكَّن اِبْن عَبَّاس مِنْ سُؤَال عُمَر عَنْ شَرْح الْقِصَّة عَلَى وَجْههَا إِلَّا فِي الْحَال الثَّانِي.
‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ اِسْتَقْبَلَ عُمَر الْحَدِيث يَسُوقهُ ) ‏ ‏أَيْ الْقِصَّة الَّتِي كَانَتْ سَبَب نُزُول الْآيَة الْمَسْئُول عَنْهَا.
‏ ‏قَوْله ( كُنْت أَنَا وَجَار لِي مِنْ الْأَنْصَار ) ‏ ‏تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الْعِلْم , وَمَضَى فِي الْمَظَالِم بِلَفْظِ " إِنِّي كُنْت وَجَار لِي " بِالرَّفْعِ , وَيَجُوز فِيهِ النَّصْب عَطْفًا عَلَى الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي قَوْله إِنِّي.
‏ ‏قَوْله ( فِي بَنِي أُمَيَّة بْن زَيْد ) ‏ ‏أَيْ اِبْن مَالِك بْن عَوْف بْن عَمْرو بْن عَوْف مِنْ الْأَوْس.
‏ ‏قَوْله ( وَهُمْ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَة ) ‏ ‏أَيْ السُّكَّان , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُقَيْل " وَهِيَ " أَيْ الْقَرْيَة , وَالْعَوَالِي جَمْع عَالِيَة وَهِيَ قُرًى بِقُرْبِ الْمَدِينَة مِمَّا يَلِي الْمَشْرِق وَكَانَتْ مَنَازِل الْأَوْس , وَاسْم الْجَار الْمَذْكُور أَوْس بْن خَوْلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث الْأَنْصَارِيّ سَمَّاهُ اِبْن سَعْد مِنْ وَجْه آخَر عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ " وَكَانَ عُمَر مُؤَاخِيًا أَوْس بْن خَوْلِيّ لَا يَسْمَع شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ وَلَا يَسْمَع عُمَر شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ , فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد , وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فِي الْعِلْم عَمَّنْ قَالَ إِنَّهُ عِتْبَان بْن مَالِك فَهُوَ مِنْ تَرْكِيب اِبْن بَشْكُوَالٍ فَإِنَّهُ جَوَّزَ أَنْ يَكُون الْجَار الْمَذْكُور عِتْبَان لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنه وَبَيْن عُمَر , لَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْ الْإِخَاء أَنْ يَتَجَاوَرَا , وَالْأَخْذ بِالنَّصِّ مُقَدَّم عَلَى الْأَخْذ بِالِاسْتِنْبَاطِ , وَقَدْ صَرَّحَتْ الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة عَنْ اِبْن سَعْد أَنَّ عُمَر كَانَ مُؤَاخِيًا لِأَوْسٍ فَهَذَا بِمَعْنَى الصَّدَاقَة لَا بِمَعْنَى الْإِخَاء الَّذِي كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِهِ ثُمَّ نُسِخَ , وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ اِبْن سَعْد بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْن أَوْس بْن خَوْلِيّ وَشُجَاع بْن وَهْب كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِأَنَّهُ آخَى بَيْن عُمَر وَعِتْبَان بْن مَالِك , فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله " كَانَ مُؤَاخِيًا " أَيْ مُصَادِقًا , وَيُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " وَكَانَ لِي صَاحِب مِنْ الْأَنْصَار ".
‏ ‏قَوْله ( فَإِذَا نَزَلْت ) ‏ ‏الظَّاهِر أَنَّ إِذَا شَرْطِيَّة , وَيَجُوز أَنْ تَكُون ظَرْفِيَّة.
‏ ‏قَوْله ( جِئْته بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَر ذَلِكَ الْيَوْم مِنْ الْوَحْي أَوْ غَيْره ) ‏ ‏أَيْ مِنْ الْحَوَادِث الْكَائِنَة عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي رِوَايَة اِبْن سَعْد الْمَذْكُورَة " لَا يَسْمَع شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ بِهِ وَلَا يَسْمَع عُمَر شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ بِهِ " , وَسَيَأْتِي فِي خَبَر الْوَاحِد فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن بِلَفْظِ " إِذَا غَابَ وَشَهِدْت أَتَيْته بِمَا يَكُون مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " يَحْضُر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غِبْت وَأَحْضُرهُ إِذَا غَابَ وَيُخْبِرنِي وَأُخْبِرهُ ".
‏ ‏قَوْله ( وَكُنَّا مَعْشَر قُرَيْش نَغْلِب النِّسَاء ) ‏ ‏أَيْ نَحْكُم عَلَيْهِنَّ وَلَا يَحْكُمْنَ عَلَيْنَا , بِخِلَافِ الْأَنْصَار فَكَانُوا بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ , وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان " كُنَّا وَنَحْنُ بِمَكَّة لَا يُكَلِّم أَحَد اِمْرَأَته إِلَّا إِذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَة قَضَى مِنْهَا حَاجَته " وَفِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " مَا نَعُدّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا " وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " كُنَّا لَا نَعْتَدّ بِالنِّسَاءِ وَلَا نُدْخِلهُنَّ فِي أُمُورنَا ".
‏ ‏قَوْله ( فَطَفِقَ ) ‏ ‏بِكَسْرِ الْفَاء وَقَدْ تَفَتَّحَ أَيْ جَعَلَ أَوْ أَخَذَ , وَالْمَعْنَى أَنَّهُنَّ أَخَذْنَ فِي تَعَلُّم ذَلِكَ.
‏ ‏قَوْله ( مِنْ أَدَب نِسَاء الْأَنْصَار ) ‏ ‏أَيْ مِنْ سِيرَتهنَّ وَطَرِيقَتهنَّ , وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي فِي الْمَظَالِم " مِنْ أَرَب " بِالرَّاءِ وَهُوَ الْعَقْل , وَفِي رِوَايَة مَعْمَر عِنْد مُسْلِم " يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ " وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان " فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَة تَزَوَّجْنَا مِنْ نِسَاء الْأَنْصَار فَجَعَلْنَ يُكَلِّمْنَنَا وَيُرَاجِعْنَنَا ".
‏ ‏قَوْله ( فَسَخِبْت ) ‏ ‏بِسِينِ مُهْمَلَة ثُمَّ خَاء مُعْجَمَة ثُمَّ مُوَحَّدَة , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة بَدَل السِّين وَهُمَا بِمَعْنًى , وَالصَّخَب وَالسَّخَب الزَّجْر مِنْ الْغَضَب , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيِّ الْمَاضِيَة فِي الْمَظَالِم " فَصِحْت " بِحَاءٍ مُهْمَلَة مِنْ الصِّيَاح وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْت , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " فَبَيْنَمَا أَنَا فِي أَمْر أَتَأَمَّرهُ " أَيْ أَتَفَكَّر فِيهِ وَأُقَدِّرهُ " فَقَالَتْ اِمْرَأَتِي لَوْ صَنَعْت كَذَا وَكَذَا ".
‏ ‏قَوْله ( فَأَنْكَرْت أَنْ تُرَاجِعنِي ) ‏ ‏أَيْ تُرَادِدنِي فِي الْقَوْل وَتُنَاظِرنِي فِيهِ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " فَقُلْت لَهَا وَمَا تَكَلُّفك فِي أَمْر أُرِيدهُ ؟ فَقَالَتْ لِي : عَجَبًا لَك يَا ابْن الْخَطَّاب , مَا تُرِيد أَنْ تُرَاجَع " وَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاس مِنْ هَذَا الْوَجْه بِلَفْظِ " فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام وَذَكَرهنَّ اللَّه رَأَيْنَ لَهُنَّ بِذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا مِنْ غَيْر أَنْ نُدْخِلهُنَّ فِي شَيْء مِنْ أُمُورنَا , وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْن اِمْرَأَتِي كَلَام فَأَغْلَظَتْ لِي " وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان " فَقُمْت إِلَيْهَا بِقَضِيبٍ فَضَرَبْتهَا بِهِ , فَقَالَتْ : يَا عَجَبًا لَك يَا اِبْن الْخَطَّاب ".
‏ ‏قَوْله ( وَلِمَ ) ‏ ‏بِكَسْرِ اللَّام وَفَتْح الْمِيم.
‏ ‏قَوْله ( تُنْكِر أَنْ أُرَاجِعك فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُرَاجِعْنَهُ , وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لِتَهْجُرهُ الْيَوْم حَتَّى اللَّيْل ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " وَإِنَّ اِبْنَتك لِتُرَاجِع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلّ يَوْمه غَضْبَان " وَوَقَعَ فِي الْمَظَالِم بِلَفْظِ " غَضْبَانًا " وَفِيهِ نَظَر , وَفِي رِوَايَته الَّتِي فِي اللِّبَاس " قَالَتْ : تَقُول لِي هَذَا وَابْنَتك تُؤْذِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " فَقُلْت : مَتَى كُنْت تَدْخُلِينَ فِي أُمُورنَا ؟ فَقَالَتْ : يَا اِبْن الْخَطَّاب , مَا يَسْتَطِيع أَحَد أَنْ يُكَلِّمك , وَابْنَتك تُكَلِّم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلّ غَضْبَان.
‏ ‏قَوْله ( لَتَهْجُرهُ الْيَوْم حَتَّى اللَّيْل ) ‏ ‏بِالنَّصْبِ فِيهِمَا وَبِالْجَرِّ فِي اللَّيْل أَيْضًا أَيْ مِنْ أَوَّل النَّهَار إِلَى أَنْ يَدْخُل اللَّيْل , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد حَتَّى أَنَّهَا لَتَهْجُرهُ اللَّيْل مُضَافًا إِلَى الْيَوْم.
‏ ‏قَوْله ( فَقُلْت لَهَا قَدْ خَابَ ) ‏ ‏كَذَا لِلْأَكْثَرِ " خَابَ " بِخَاءٍ مُعْجَمَة ثُمَّ مُوَحَّدَة , وَفِي رِوَايَة عُقَيْل " فَقُلْت : قَدْ جَاءَتْ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ " بِالْجِيمِ ثُمَّ مُثَنَّاة فِعْلٌ مَاضٍ مِنْ الْمَجِيء , وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي هَذِهِ الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا بِعَظِيمٍ , وَأَمَّا سَائِر الرِّوَايَات فَفِيهَا " خَابَتْ وَخَسِرَتْ " فَخَابَتْ بِالْخَاءِ الْمُعَجَّمَة لِعَطْفِ وَخَسِرَتْ عَلَيْهَا , وَقَدْ أَغْفَلَ مَنْ جَزَمَ أَنَّ الصَّوَاب بِالْجِيمِ وَالْمُثَنَّاة مُطْلَقًا.
‏ ‏قَوْله ( مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ) ‏ ‏وَفِي رِوَايَة أُخْرَى " مَنْ فَعَلَتْ " فَالتَّذْكِير بِالنَّظَرِ إِلَى اللَّفْظ وَالتَّأْنِيث بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَعْنَى.
‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ جَمَعْت عَلَيَّ ثِيَابِي ) ‏ ‏أَيْ لَبِسْتهَا جَمِيعهَا.
فِيهِ إِيمَاء إِلَى أَنَّ الْعَادَة أَنَّ الشَّخْص يَضَع فِي الْبَيْت بَعْض ثِيَابه فَإِذَا خَرَجَ إِلَى النَّاس لَبِسَهَا.
‏ ‏قَوْله ( فَدَخَلْت عَلَى حَفْصَة ) ‏ ‏يَعْنِي اِبْنَته , وَبَدَأَ بِهَا لِمَنْزِلَتِهَا مِنْهُ.
‏ ‏قَوْله ( قَالَتْ : نَعَمْ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " إِنَّا لِنُرَاجِعهُ " وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة " فَقُلْت أَلَا تَتَّقِينَ اللَّه ".
‏ ‏قَوْله ( أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَب اللَّه لِغَضَبِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَهْلِكِي ) ؟ ‏ ‏كَذَا هُوَ بِالنَّصْبِ لِلْأَكْثَرِ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُقَيْل " فَتَهْلَكِينَ " وَهُوَ عَلَى تَقْدِير مَحْذُوف , وَتَقَدَّمَ فِي بَاب الْمَعْرِفَة مِنْ كِتَاب الْمَظَالِم " أَفَتَأْمَن أَنْ يَغْضَب اللَّه لِغَضَبِ رَسُوله فَتَهْلِكِينَ " قَالَ أَبُو عَلِيّ الصَّدَفِيّ : الصَّوَاب " أَفَتَأْمَنِينَ " وَفِي آخِره " فَتَهْلَكِي " كَذَا قَالَ , وَلَيْسَ بِخَطَأٍ لِإِمْكَانِ تَوْجِيهه , وَفِي رِوَايَة عُبَيْد اِبْن حُنَيْن " فَتَهْلَكْنَ " بِسُكُونِ الْكَاف عَلَى خِطَاب جَمَاعَة النِّسَاء , وَعِنْده " فَقُلْت تَعَلَّمِينَ " وَهُوَ بِتَشْدِيدِ اللَّام " إِنِّي أُحَذِّرك عُقُوبَة اللَّه وَغَضَب رَسُوله ".
‏ ‏قَوْله ( لَا تَسْتَكْثِرِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ‏ ‏أَيْ لَا تَطْلُبِي مِنْهُ الْكَثِير , وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان " لَا تُكَلِّمِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ رَسُول اللَّه لَيْسَ عِنْده دَنَانِير وَلَا دَرَاهِم , فَمَا كَانَ لَك مِنْ حَاجَة حَتَّى دُهْنَة فَسَلِينِي ".
‏ ‏قَوْله ( وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْء ) ‏ ‏أَيْ لَا تُرَادِدِيه فِي الْكَلَام وَلَا تَرُدِّي عَلَيْهِ قَوْله.
‏ ‏قَوْله ( وَلَا تَهْجُرِيهِ ) ‏ ‏أَيْ وَلَوْ هَجَرَك.
‏ ‏قَوْله ( مَا بَدَا لَك ) ‏ ‏أَيْ ظَهَرَ لَك.
‏ ‏قَوْله ( وَلَا يَغُرّنّك ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْأَلِف وَبِكَسْرِهَا أَيْضًا.
‏ ‏قَوْله ( جَارَتك ) ‏ ‏أَيْ ضَرَّتك , أَوْ هُوَ عَلَى حَقِيقَته لِأَنَّهَا كَانَتْ مُجَاوِرَة لَهَا , وَالْأَوَّل أَنْ يَحْمِل اللَّفْظ هُنَا عَلَى مَعْنَيَيْهِ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا , وَالْعَرَب تُطْلِق عَلَى الضَّرَّة جَارَة لِتَجَاوُرِهِمَا الْمَعْنَوِيّ لِكَوْنِهِمَا عِنْد شَخْص وَاحِد وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِسِّيًّا , وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْء مِنْ هَذَا فِي أَوَاخِر شَرْح حَدِيث أُمّ زَرْع , وَوَقَعَ فِي حَدِيث حَمَل بْن مَالِك " كُنْت بَيْن جَارَتَيْنِ " يَعْنِي ضَرَّتَيْنِ , فَإِنَّهُ فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فَقَالَ " اِمْرَأَتَيْنِ " وَكَانَ اِبْن سِيرِينَ يَكْرَه تَسْمِيَتهَا ضَرَّة وَيَقُول : إِنَّهَا لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع وَلَا تَذْهَب مِنْ رِزْق الْأُخْرَى بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا هِيَ جَارَة , وَالْعَرَب تُسَمِّي صَاحِب الرَّجُل وَخَلِيطه جَارًا وَتُسَمِّي الزَّوْجَة أَيْضًا جَارَة لِمُخَالَطَتِهَا الرَّجُل.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : اِخْتَارَ عُمَر تَسْمِيَتهَا جَارَة أَدَبًا مِنْهُ أَنْ يُضَاف لَفْظ الضَّرَر إِلَى أَحَد مِنْ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ.
‏ ‏قَوْله ( أَوْضَأ ) ‏ ‏مِنْ الْوَضَاءَة , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مَعْمَر " أَوْسَم " بِالْمُهْمَلَةِ مِنْ الْوَسَامَة وَهِيَ الْعَلَامَة , وَالْمُرَاد أَجْمَل كَأَنَّ الْجَمَال وَسَمَهُ أَيْ أَعْلَمَهُ بِعَلَامَةٍ.
‏ ‏قَوْله ( وَأَحَبّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ‏ ‏الْمَعْنَى لَا تَغْتَرِّي بِكَوْنِ عَائِشَة تَفْعَل مَا نَهَيْتُك عَنْهُ فَلَا يُؤَاخِذهَا بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تُدِلّ بِجَمَالِهَا وَمَحَبَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا , فَلَا تَغْتَرِّي أَنْتِ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَكُونِي عِنْده فِي تِلْكَ الْمَنْزِلَة , فَلَا يَكُون لَك مِنْ الْإِدْلَال مِثْل الَّذِي لَهَا.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن أَبْيَن مِنْ هَذَا وَلَفْظه " وَلَا يَغُرّنّك هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنهَا حُبّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن بِلَال عِنْد مُسْلِم " أَعْجَبَهَا حُسْنهَا وَحُبّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بِوَاوِ الْعَطْف وَهِيَ أَبْيَن , وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " لَا تَغْتَرِّي بِحُسْنِ عَائِشَة وَحُبّ رَسُول اللَّه إِيَّاهَا " وَعِنْد اِبْن سَعْد فِي رِوَايَة أُخْرَى " إِنَّهُ لَيْسَ لَك مِثْل حُظْوَة عَائِشَة وَلَا حُسْن زَيْنَب " يَعْنِي بِنْت جَحْش , وَالَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن بِلَال وَالطَّيَالِسِيّ يُؤَيِّد مَا حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْض الْمَشَايِخ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ بَاب حَذْف حَرْف الْعَطْف وَاسْتَحْسَنَهُ مَنْ سَمِعَهُ وَكَتَبُوهُ حَاشِيَة , قَالَ السُّهَيْلِيُّ : وَلَيْسَ كَمَا قَالَ , بَلْ هُوَ مَرْفُوع عَلَى الْبَدَل مِنْ الْفَاعِل الَّذِي فِي أَوَّل الْكَلَام وَهُوَ هَذِهِ مِنْ قَوْله " لَا يَغُرّنّك هَذِهِ " فَهَذِهِ فَاعِل و " الَّتِي " نَعْت و " حُبّ " بَدَل اِشْتِمَال كَمَا تَقُول أَعْجَبَنِي يَوْم الْجُمُعَة صَوْم فِيهِ وَسَرَّنِي زَيْد حُبّ النَّاس لَهُ ا ه.
وَثُبُوت الْوَاو يَرُدّ عَلَى رَدّه , وَقَدْ قَالَ عِيَاض : يَجُوز فِي " حُبّ " الرَّفْع عَلَى أَنَّهُ عَطْف بَيَان أَوْ بَدَل اِشْتِمَال , أَوْ عَلَى حَذْف حَرْف الْعَطْف , قَالَ : وَضَبَطَهُ بَعْضهمْ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِض.
وَقَالَ اِبْن التِّين : حُبّ فَاعِل وَحُسْنهَا بِالنَّصْبِ مَفْعُول مِنْ أَجْلِهِ وَالتَّقْدِير أَعْجَبَهَا حُبّ رَسُول اللَّه إِيَّاهَا مِنْ أَجْلِ حُسْنهَا , قَالَ : وَالضَّمِير الَّذِي يَلِي أَعْجَبَهَا مَنْصُوب فَلَا يَصِحّ بَدَل الْحُسْن مِنْهُ وَلَا الْحُبّ , وَزَادَ عُبَيْد فِي هَذِهِ الرِّوَايَة " ثُمَّ خَرَجْت حَتَّى دَخَلْت عَلَى أُمّ سَلَمَة لِقَرَابَتِي مِنْهَا " يَعْنِي لِأَنَّ أُمّ عُمَر كَانَتْ مَخْزُومِيَّة مِثْل أُمّ سَلَمَة , وَهِيَ أُمّ سَلَمَة بِنْت أَبِي أُمَيَّة بْن الْمُغِيرَة , وَوَالِدَة عُمَر حَنْتَمَة بِنْت هَاشِم بْن الْمُغِيرَة.
فَهِيَ بِنْت عَمّ أُمّه , وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان " وَدَخَلْت عَلَى أُمّ سَلَمَة وَكَانَتْ خَالَتِي " وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهَا خَالَة لِكَوْنِهَا فِي دَرَجَة أُمّه , وَهِيَ بِنْت عَمّهَا.
وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون ارْتَضَعَتْ مَعَهَا أَوْ أُخْتهَا مِنْ أُمّهَا.
‏ ‏قَوْله ( دَخَلْت فِي كُلّ شَيْء ) ‏ ‏يَعْنِي مِنْ أُمُور النَّاس , وَأَرَادَتْ الْغَالِب بِدَلِيلِ قَوْلهَا " حَتَّى تَبْتَغِي أَنْ تَدْخُل بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجه " فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ دَخَلَ فِي عُمُوم قَوْلهَا " كُلّ شَيْء " لَكِنَّهَا لَمْ تَرُدّهُ.
مَنَعَهُ عَمَّا يُرِيد أَنْ يَفْعَلهُ ‏ ‏قَوْله ( فَأَخَذَتْنِي وَاللَّه أَخْذًا ) ‏ ‏أَيْ مَنَعَتْنِي مِنْ الَّذِي كُنْت أُرِيدهُ , تَقُول أَخَذَ فُلَان عَلَى يَد فُلَان أَيْ مَنَعَهُ عَمَّا يُرِيد أَنْ يَفْعَلهُ.
‏ ‏قَوْله ( كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْض مَا كُنْت أَجِد ) ‏ ‏أَيْ أَخَذَتْنِي بِلِسَانِهَا أَخْذًا دَفَعَنِي عَنْ مَقْصِدِي وَكَلَامِي ; وَفِي رِوَايَة لِابْنِ سَعْد " فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَة : أَيْ وَاللَّه , إِنَّا لِنُكَلِّمهُ.
فَإِنْ تَحْمِل ذَلِكَ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ , وَإِنْ نَهَانَا عَنْهُ كَانَ أَطْوَع عِنْدنَا مِنْك , قَالَ عُمَر : فَنَدِمْت عَلَى كَلَامِي لَهُنَّ " وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان " مَا يَمْنَعنَا أَنْ نَغَار عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجكُمْ يَغَرْنَ عَلَيْكُمْ " وَكَانَ الْحَامِل لِعُمَر عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ شِدَّة شَفَقَته وَعِظَم نَصِيحَته فَكَانَ يَبْسُط عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول لَهُ اِفْعَلْ كَذَا وَلَا تَفْعَل كَذَا , كَقَوْلِهِ اُحْجُبْ نِسَاءَك.
وَقَوْله لَا تُصَلِّ عَلَى عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَغَيْر ذَلِكَ , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَمِل ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِصِحَّةِ نَصِيحَته وَقُوَّته فِي الْإِسْلَام.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّف فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة مِنْ حَدِيث أَنَس عَنْ عُمَر قَالَ " وَافَقْت اللَّه فِي ثَلَاث " الْحَدِيث وَفِيهِ " وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْض نِسَائِهِ فَدَخَلْت عَلَيْهِنَّ فَقُلْت : لَئِنْ اِنْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبَدّلَنّ اللَّه رَسُوله خَيْرًا مِنْكُنَّ , حَتَّى أَتَيْت إِحْدَى نِسَائِهِ فَقَالَتْ : يَا عُمَر , أَمَا فِي رَسُول اللَّه مَا يَعِظ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظهُنَّ أَنْتَ " ؟ وَهَذِهِ الْمَرْأَة هِيَ زَيْنَب بِنْت جَحْش كَمَا أَخْرَجَ الْخَطِيب فِي " الْمُبْهَمَات " , وَجَوَّزَ بَعْضهمْ أَنَّهَا أُمّ سَلَمَة لِكَلَامِهَا الْمَذْكُور فِي رِوَايَة اِبْن عَبَّاس عَنْ عُمَر هُنَا , لَكِنَّ التَّعَدُّد أَوْلَى , فَإِنَّ فِي بَعْض طُرُق هَذَا الْحَدِيث عِنْد أَحْمَد وَابْن مَرْدَوَيْهِ " وَبَلَغَنِي مَا كَانَ مِنْ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ فَاسْتَقْرَيْتهنَّ أَقُول لَتَكُفّنّ " الْحَدِيث , وَيُؤَيِّد التَّعَدُّد اِخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فِي جَوَابَيْ أُمّ سَلَمَة وَزَيْنَب وَاللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله ( وَكُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّان تَنْعِل الْخَيْل ) ‏ ‏فِي الْمَظَالِم بِلَفْظِ " تَنْعِل النِّعَال " أَيْ تَسْتَعْمِل النِّعَال وَهِيَ نِعَال الْخَيْل , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَة وَيُؤَيِّدهُ لَفْظ الْخَيْل فِي هَذِهِ الرِّوَايَة , و " تَنْعِل " فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِفَتْحِ أَوَّله , وَأَنْكَرَ الْجَوْهَرِيّ ذَلِكَ فِي الدَّابَّة فَقَالَ : أَنْعَلْتُ الدَّابَّة وَلَا تَقُلْ نَعَلْتُ , فَيَكُون عَلَى هَذَا بِضَمِّ أَوَّله.
وَحَكَى عِيَاض فِي تُنْعِل الْخَيْل الْوَجْهَيْنِ , وَغَفَلَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ : الْمَوْجُود فِي الْبُخَارِيّ تَنْعِل النِّعَال فَاعْتَمَدَ عَلَى الرِّوَايَة الَّتِي فِي الْمَظَالِم , وَلَمْ يَسْتَحْضِر الَّتِي هُنَا وَهِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا عِيَاض.
‏ ‏قَوْله ( لِتَغْزُونَا ) ‏ ‏وَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " وَنَحْنُ نَتَخَوَّف مَلِكًا مِنْ مُلُوك غَسَّان ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيد أَنْ يَسِير إِلَيْنَا , فَقَدْ اِمْتَلَأَتْ صُدُورنَا مِنْهُ " وَفِي رِوَايَته الَّتِي فِي اللِّبَاس " وَكَانَ مَنْ حَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اِسْتَقَامَ لَهُ , فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَلِك غَسَّان بِالشَّامِ كُنَّا نَخَاف أَنْ يَأْتِينَا " وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " وَلَمْ يَكُنْ أَحَد أَخْوَف عِنْدنَا مِنْ أَنْ يَغْزُونَا مَلِك مِنْ مُلُوك غَسَّان ".
‏ ‏قَوْله ( فَنَزَلَ صَاحِبِي الْأَنْصَارِيّ يَوْم نَوْبَته , فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاء , فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ : أَثَمَّ هُوَ ) ؟ ‏ ‏أَيْ فِي الْبَيْت , وَذَلِكَ لِبُطْءِ إِجَابَتهمْ لَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَيْت , وَفِي رِوَايَة عُقَيْل " أَنَائِم هُوَ " ؟ وَهِيَ أَوْلَى.
‏ ‏قَوْله ( فَفَزِعْت ) ‏ ‏أَيْ خِفْت مِنْ شِدَّة ضَرْبِ الْبَاب بِخِلَافِ الْعَادَة.
‏ ‏قَوْله ( فَخَرَجْت إِلَيْهِ فَقَالَ : قَدْ حَدَث الْيَوْم أَمْر عَظِيم.
قُلْت : مَا هُوَ ؟ أَجَاءَ غَسَّان ) ‏ ‏فِي رِوَايَة مَعْمَر " أَجَاءَتْ " , وَفِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " أَجَاءَ الْغَسَّانِيّ " وَقَدْ تَقَدَّمَتْ تَسْمِيَته فِي كِتَاب الْعِلْم.
‏ ‏قَوْله ( لَا , بَلْ أَعْظَم مِنْ ذَلِكَ وَأَهْوَل ) ‏ ‏هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُمَر , لِكَوْنِ حَفْصَة بِنْته مِنْهُنَّ.
‏ ‏قَوْله ( طَلَّقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ ) ‏ ‏كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع الطُّرُق عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي ثَوْر " طَلَّقَ " بِالْجَزْمِ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة عِنْد اِبْن سَعْد " فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : أَمْر عَظِيم.
فَقَالَ عُمَر : لَعَلَّ الْحَارِث بْن أَبِي شِمْر سَارَ إِلَيْنَا.
فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : أَعْظَم مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : مَا أُرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَدْ طَلَّقَ نِسَاءَهُ " وَأَخْرَجَ نَحْوه مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة وَسَمَّى الْأَنْصَارِيّ أَوْس بْن خَوْلِيّ كَمَا تَقَدَّمَ , وَوَقَعَ قَوْله " طَلَّقَ " مَقْرُونًا بِالظَّنِّ.
‏ ‏قَوْله ( وَقَالَ عُبَيْد بْن حُنَيْن سَمِعَ اِبْن عَبَّاس عَنْ عُمَر ) ‏ ‏يَعْنِي بِهَذَا الْحَدِيث ( فَقَالَ ) يَعْنِي الْأَنْصَارِيّ ‏ ‏( اِعْتَزَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجه ) ‏ ‏لَمْ يَذْكُر الْبُخَارِيّ هُنَا مِنْ رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن إِلَّا هَذَا الْقَدْر , وَأَمَّا مَا بَعْده وَهُوَ قَوْله " فَقُلْت خَابَتْ حَفْصَة وَخَسِرَتْ " فَهُوَ بَقِيَّة رِوَايَة اِبْن أَبِي ثَوْر , لِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيق قَدْ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّف فِي تَفْسِير سُورَة التَّحْرِيم بِلَفْظِ " فَقُلْت جَاءَ الْغَسَّانِيّ ؟ فَقَالَ : بَلْ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ , اِعْتَزَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجه.
فَقُلْت : رَغِمَ أَنْف حَفْصَة وَعَائِشَة " وَظَنَّ بَعْض النَّاس أَنَّ مِنْ قَوْله " اِعْتَزَلَ " إِلَى آخِر الْحَدِيث مِنْ سِيَاق الطَّرِيق الْمُعَلَّق , وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنْته , وَالْمَوْقِع فِي ذَلِكَ إِيرَاد الْبُخَارِيّ بِهَذِهِ اللَّفْظَة الْمُعَلَّقَة عَنْ عُبَيْد بْن حُنَيْن فِي أَثْنَاء الْمَتْن الْمُسَاق مِنْ رِوَايَة اِبْن أَبِي ثَوْر , فَصَارَ الظَّاهِر أَنَّهُ تَحَوَّلَ إِلَى سِيَاق عُبَيْد بْن حُنَيْن , وَقَدْ سَلِمَ مِنْ هَذَا الْإِشْكَال النَّسَفِيّ فَلَمْ يَسُقْ الْمَتْن وَلَا الْقَدْر الْمُعَلَّق بَلْ قَالَ " فَذَكَرَ الْحَدِيث " وَاجْتَزَأَ بِمَا وَقَعَ مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي ثَوْر فِي الْمَظَالِم وَمِنْ طَرِيق عُبَيْد بْن حُنَيْن فِي تَفْسِير التَّحْرِيم , وَوَقَعَ فِي " مُسْتَخْرَج أَبِي نُعَيْم " ذِكْرُ الْقَدْر الْمُعَلَّق عَنْ عُبَيْد بْن حُنَيْن فِي آخِر الْحَدِيث وَلَا إِشْكَال فِيهِ , وَكَأَنَّ الْبُخَارِيّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّن أَنَّ هَذَا اللَّفْظ وَهُوَ " طَلَّقَ نِسَاءَهُ " لَمْ تَتَّفِق الرِّوَايَات عَلَيْهِ , فَلَعَلَّ بَعْضهمْ رَوَاهَا بِالْمَعْنَى , نَعَمْ وَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ طَرِيق سِمَاك بْن زُمَيْل عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ عُمَر قَالَ " فَدَخَلْت الْمَسْجِد فَإِذَا النَّاس يَقُولُونَ : طَلَّقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ " وَعِنْد اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق سَلَمَة بْن كُهَيْل عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ عُمَر قَالَ " لَقِيَنِي عَبْد اللَّه بْن عُمَر بِبَعْضِ طُرُق الْمَدِينَة فَقَالَ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ " وَهَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا حُمِلَ عَلَى أَنَّ اِبْن عُمَر لَاقَى أَبَاهُ وَهُوَ جَاءَ مِنْ مَنْزِله فَأَخْبَرَهُ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ الْأَنْصَارِيّ , وَلَعَلَّ الْجَزْم وَقَعَ مِنْ إِشَاعَة بَعْض أَهْل النِّفَاق فَتَنَاقَلَهُ النَّاس , وَأَصْله مَا وَقَعَ مِنْ اِعْتِزَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَلَمْ تَجْرِ عَادَته بِذَلِكَ فَظَنُّوا أَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ , وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَاتِب عُمَر الْأَنْصَارِيّ عَلَى مَا جَزَمَ لَهُ بِهِ مِنْ وُقُوع ذَلِكَ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث سِمَاك بْن الْوَلِيد عِنْد مُسْلِم فِي آخِره " وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ - إِلَى قَوْله - يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) قَالَ : فَكُنْت أَنَا أَسْتَنْبِط ذَلِكَ الْأَمْر " وَالْمَعْنَى لَوْ رَدُّوهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَكُون هُوَ الْمُخْبِر بِهِ أَوْ إِلَى أُولِي الْأَمْر كَأَكَابِر الصَّحَابَة لَعَلِمُوهُ لِفَهْمِ الْمُرَاد مِنْهُ بِاسْتِخْرَاجِهِمْ بِالْفَهْمِ وَالتَّلَطُّف مَا يَخْفَى عَنْ غَيْرهمْ , وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَاد بِالْإِذَاعَةِ قَوْلهمْ وَإِشَاعَتهمْ أَنَّهُ طَلَّقَ نِسَاءَهُ بِغَيْرِ تَحَقُّق وَلَا تَثَبُّت حَتَّى شَفَى عُمَر فِي الِاطِّلَاع عَلَى حَقِيقَة ذَلِكَ وَفِي الْمُرَاد بِالْمُذَاعِ , وَفِي الْآيَة أَقْوَال أُخْرَى لَيْسَ هَذَا مَوْضِع بَسْطِهَا.
‏ ‏قَوْله ( خَابَتْ حَفْصَة وَخَسِرَتْ ) ‏ ‏إِنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِمَكَانَتِهَا مِنْهُ لِكَوْنِهَا بِنْته.
وَلِكَوْنِهِ كَانَ قَرِيب الْعَهْد بِتَحْذِيرِهَا مِنْ وُقُوع ذَلِكَ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حَنِين " فَقُلْت : رَغِمَ أَنْف حَفْصَة وَعَائِشَة " وَكَأَنَّهُ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِمَا كَانَتَا السَّبَب فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه.
‏ ‏قَوْله ( قَدْ كُنْت أَظُنّ هَذَا يُوشِك أَنْ يَكُون ) ‏ ‏بِكَسْرِ الشِّين مِنْ " يُوشِك " أَيْ يَقْرُب , وَذَلِكَ لِمَا كَانَ تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّ مُرَاجَعَتهنَّ قَدْ تَقْضِي إِلَى الْغَضَب الْمُفْضِي إِلَى الْفُرْقَة.
‏ ‏قَوْله ( فَصَلَّيْت صَلَاة الْفَجْر مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة سِمَاك " دَخَلْت الْمَسْجِد فَإِذَا النَّاس يَنْكُثُونَ الْحَصَا وَيَقُولُونَ : طَلَّقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ يُؤْمَرْنَ بِالْحِجَابِ " كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة , وَهُوَ غَلَط بَيِّنٌ فَإِنَّ نُزُول الْحِجَاب كَانَ فِي أَوَّل زَوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَب بِنْت جَحْش كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه وَاضِحًا فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب , وَهَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ سَبَب نُزُول آيَة التَّخْيِير وَكَانَتْ زَيْنَب بِنْت جَحْش فِيمَنْ خُيِّرَ , وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ عُمَر لَهَا فِي قَوْله " وَلَا حُسْن زَيْنَب بِنْت جَحْش " وَسَيَأْتِي بَعْد ثَمَانِيَة أَبْوَاب مِنْ طَرِيق أَبِي الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " أَصْبَحْنَا يَوْمًا وَنِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِينَ , فَخَرَجْت إِلَى الْمَسْجِد فَجَاءَ عُمَر فَصَعِدَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي غُرْفَة لَهُ " فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّة مُخْتَصَرًا , فَحُضُور اِبْن عَبَّاس وَمُشَاهَدَته لِذَلِكَ يَقْتَضِي تَأَخُّر هَذِهِ الْقِصَّة عَنْ الْحِجَاب , فَإِنَّ بَيْن الْحِجَاب وَانْتِقَال اِبْن عَبَّاس إِلَى الْمَدِينَة مَعَ أَبَوَيْهِ نَحْو أَرْبَع سِنِينَ , لِأَنَّهُمْ قَدِمُوا بَعْد فَتْح مَكَّة , فَآيَة التَّخْيِير عَلَى هَذَا نَزَلَتْ سَنَة تِسْع لِأَنَّ الْفَتْح كَانَ سَنَة ثَمَان وَالْحِجَاب كَانَ سَنَة أَرْبَع أَوْ خَمْس , وَهَذَا مِنْ رِوَايَة عِكْرِمَة بْن عَمَّار بِالْإِسْنَادِ الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ مُسْلِم أَيْضًا قَوْل أَبِي سُفْيَان " عِنْدِي أَجْمَل الْعَرَب أُمّ حَبِيبَة أُزَوِّجكهَا , قَالَ نَعَمْ " وَأَنْكَرَهُ الْأَئِمَّة وَبَالَغَ اِبْن حَزْم فِي إِنْكَاره , وَأَجَابُوا بِتَأْوِيلَاتٍ بَعِيدَة , وَلَمْ يَتَعَرَّض لِهَذَا الْمَوْضِع وَهُوَ نَظِير ذَلِكَ الْمَوْضِع , وَاللَّهُ الْمُوَفِّق.
وَأَحْسَن مَحَامِله عِنْدِي أَنْ يَكُون الرَّاوِي لَمَّا رَأَى قَوْل عُمَر أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَة ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْل الْحِجَاب فَجَزَمَ بِهِ , لَكِنَّ جَوَابه أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ الدُّخُول رَفْع الْحِجَاب فَقَدْ دَخَلَ مِنْ الْبَاب وَتُخَاطِبهُ مِنْ وَرَاء الْحِجَاب , كَمَا لَا يَلْزَم مِنْ وَهْمِ الرَّاوِي فِي لَفْظَة مِنْ الْحَدِيث أَنْ يُطْرَح حَدِيثه كُلّه.
وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة مَوْضِع آخَر مُشْكِل , وَهُوَ قَوْله فِي آخِر الْحَدِيث بَعْد قَوْله فَضَحِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَنَزَلَ رَسُول اللَّه وَنَزَلْت أَتَشَبَّث بِالْجِذْعِ , وَنَزَلَ رَسُوله اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْض مَا يَمَسّهُ بِيَدِهِ , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا كُنْت فِي الْغُرْفَة تِسْعًا وَعِشْرِينَ " فَإِنَّ ظَاهِره أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَقِب مَا خَاطَبَهُ عُمَر فَيَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَكُون عُمَر تَأَخَّرَ كَلَامه مَعَهُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا , وَسِيَاق غَيْره ظَاهِر فِي أَنَّهُ تَكَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْم , وَكَيْف يُمْهِل عُمَر تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا لَا يَتَكَلَّم فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُصَرَّح بِأَنَّهُ لَمْ يَصْبِر سَاعَة فِي الْمَسْجِد حَتَّى يَقُوم وَيَرْجِع إِلَى الْغُرْفَة وَيَسْتَأْذِن , وَلَكِنَّ تَأْوِيل هَذَا سَهْل , وَهُوَ أَنْ يَحْمِل قَوْله " فَنَزَلَ " أَيْ بَعْد أَنْ مَضَتْ الْمُدَّة , وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْمُدَّة الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا , فَاتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ عِنْده عِنْد إِرَادَته النُّزُول فَنَزَلَ مَعَهُ , ثُمَّ خَشِيَ أَنْ يَكُون نَسِيَ فَذَكَّرَهُ كَمَا ذَكَّرَتْهُ عَائِشَة سَيَأْتِي , وَمِمَّا يُؤَيِّد تَأَخُّر قِصَّة التَّخْيِير مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْل عُمَر فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ الَّتِي قَدَّمْت الْإِشَارَة إِلَيْهَا فِي الْمَظَالِم " وَكَانَ مَنْ حَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اِسْتَقَامَ لَهُ إِلَّا مَلِك غَسَّان بِالشَّامِ " فَإِنَّ الِاسْتِقَامَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا إِنَّمَا وَقَعَتْ بَعْد فَتْح مَكَّة , وَقَدْ مَضَى فِي غَزْوَة الْفَتْح مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن سَلَمَة الْجَرْمِيّ " وَكَانَتْ الْعَرَب تَلُوم بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْح فَيَقُولُونَ : اُتْرُكُوهُ وَقَوْمه , فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيّ , فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَة الْفَتْح بَادَرَ كُلّ قَوْم بِإِسْلَامِهِمْ " ا ه.
وَالْفَتْح كَانَ فِي رَمَضَان سَنَة ثَمَان , وَرُجُوع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة فِي أَوَاخِر ذِي الْقَعْدَة مِنْهَا فَلِهَذَا كَانَتْ سَنَة تِسْع تُسَمَّى سَنَة الْوُفُود لِكَثْرَةِ مَنْ وَفَدَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَرَب.
فَظَهَرَ أَنَّ اِسْتِقَامَة مَنْ حَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَتْ بَعْد الْفَتْح فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ التَّخْيِير كَانَ فِي أَوَّل سَنَة تِسْع كَمَا قَدَّمْته.
وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَنَّ آيَة التَّخْيِير كَانَتْ سَنَة تِسْع الدِّمْيَاطِيّ وَأَتْبَاعه وَهُوَ الْمُعْتَمَد.
‏ ‏قَوْله ( وَدَخَلْت عَلَى حَفْصَة فَإِذَا هِيَ تَبْكِي ) ‏ ‏فِي رِوَايَة سِمَاك أَنَّهُ " دَخَلَ أَوَّلًا عَلَى عَائِشَة فَقَالَ : يَا بِنْت أَبِي بَكْر ; أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنك أَنْ تُؤْذِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ : مَا لِي وَلَك يَا اِبْن الْخَطَّاب ؟ عَلَيْك بِعَيْبَتِك " وَهِيَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة وَتَحْتَانِيَّة سَاكِنَة بَعْدهَا مُوَحَّدَة ثُمَّ مُثَنَّاة أَيْ عَلَيْك بِخَاصَّتِك وَمَوْضِع سِرّك , وَأَصْل الْعَيْبَة الْوِعَاء الَّذِي تُجْعَل فِيهِ الثِّيَاب وَنَفِيس الْمَتَاع , فَأَطْلَقَتْ عَائِشَة عَلَى حَفْصَة أَنَّهَا عَيْبَة عُمَر بِطَرِيقِ التَّشْبِيه , وَمُرَادهَا عَلَيْك بِوَعْظِ اِبْنَتك.
‏ ‏قَوْله ( أَلَم أَكُنْ حَذَّرْتُك ) ‏ ‏زَادَ فِي رِوَايَة سِمَاك " لَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحِبّك , وَلَوْلَا أَنَا لَطَلَّقَك , فَبَكَتْ أَشَدّ الْبُكَاء " لِمَا اِجْتَمَعَ عِنْدهَا مِنْ الْحُزْن عَلَى فِرَاق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَا تَتَوَقَّعهُ مِنْ شِدَّة غَضَب أَبِيهَا عَلَيْهَا , وَقَدْ قَالَ لَهَا فِيمَا أَخْرَجَهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ : وَاللَّه إِنْ كَانَ طَلَّقَك لَا أُكَلِّمك أَبَدًا وَأَخْرَجَ اِبْن سَعْد وَالدَّارِمِيُّ وَالْحَاكِم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَة ثُمَّ رَاجَعَهَا , وَلِابْنِ سَعْد مِثْله مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس عَنْ عُمَر وَإِسْنَاده حَسَن , وَمِنْ طَرِيق قَيْس بْن زَيْد مِثْله وَزَادَ " فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ جِبْرِيل أَتَانِي فَقَالَ لِي : رَاجِع حَفْصَة فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة , وَهِيَ زَوْجَتك فِي الْجَنَّة " وَقَيْس مُخْتَلَف فِي صُحْبَته , وَنَحْوه عِنْده مِنْ مُرْسَل مُحَمَّد بْن سِيرِينَ.
‏ ‏قَوْله ( هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِل فِي الْمَشْرُبَة ) ‏ ‏فِي رِوَايَة سَمَاك " فَقُلْت لَهَا أَيْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ : هُوَ فِي خِزَانَته فِي الْمَشْرُبَة " وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْط الْمَشْرُبَة وَتَفْسِيرهَا فِي كِتَاب الْمَظَالِم وَأَنَّهَا بِضَمِّ الرَّاء وَبِفَتْحِهَا وَجَمْعهَا مَشَارِب وَمَشْرُبَات.
‏ ‏قَوْله ( فَخَرَجْت فَجِئْت إِلَى الْمِنْبَر فَإِذَا حَوْله رَهْط يَبْكِي بَعْضهمْ ) ‏ ‏لَمْ أَقِف عَلَى تَسْمِيَتهمْ , وَفِي رِوَايَة سِمَاك بْن الْوَلِيد " دَخَلْت الْمَسْجِد فَإِذَا النَّاس يَنْكُثُونَ بِالْحَصَا " أَيْ يَضْرِبُونَ بِهِ الْأَرْض كَفِعْلِ الْمَهْمُوم الْمُفَكِّر.
‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِد ) ‏ ‏أَيْ مِنْ شُغُلِ قَلْبه بِمَا بَلَغَهُ مِنْ اِعْتِزَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا عَنْ غَضَب مِنْهُ , وَلِاحْتِمَالِ صِحَّة مَا أُشِيعَ مِنْ تَطْلِيق نِسَائِهِ وَمِنْ جُمْلَتهنَّ حَفْصَة بِنْت عُمَر فَتَنْقَطِع الْوُصْلَة بَيْنهمَا , وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّة عَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى.
‏ ‏قَوْله ( فَقُلْت لِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَد ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " فَإِذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَشْرُبَة يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ وَغُلَام لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَد عَلَى رَأْس الْعَجَلَة " وَاسْم هَذَا الْغُلَام رَبَاح بِفَتْحِ الرَّاء وَتَخْفِيف الْمُوَحَّدَة سَمَّاهُ سِمَاك فِي رِوَايَته وَلَفْظه " فَدَخَلْت فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِد عَلَى أُسْكُفَّة الْمَشْرُبَة مُدَلٍّ رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِير مِنْ خَشَب , وَهُوَ جِذْع يَرْقَى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْحَدِر " وَعُرِفَ بِهَذَا تَفْسِير الْعَجَلَة الْمَذْكُورَة فِي رِوَايَة غَيْره , وَسَيَأْتِي حَدِيث أَبِي الضُّحَى الَّذِي أَشَرْت إِلَى بَحْث فِي ذَلِكَ.
وَالْأُسْكُفَّة فِي رِوَايَته بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالْكَاف بَيْنهمَا مُهْمَلَة ثُمَّ فَاء مُشَدَّدَة هِيَ عَتَبَة الْبَاب السُّفْلَى , وَقَوْله " عَلَى نَقِير " بِنُونِ ثُمَّ قَاف بِوَزْنِ عَظِيم أَيْ مَنْقُور , وَوَقَعَ فِي بَعْض رِوَايَات مُسْلِم بِفَاءٍ بَدَل النُّون وَهُوَ الَّذِي جُعِلَتْ فِيهِ فِقَرٌ كَالدَّرَجِ.
‏ ‏قَوْله ( اِسْتَأْذِنْ لِعُمَر ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " فَقُلْت لَهُ قُلْ هَذَا عُمَر بْن الْخَطَّاب ".
‏ ‏قَوْله ( فَصَمَتَ ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْمِيم أَيْ سَكَتَ , وَفِي رِوَايَة سِمَاك " فَنَظَرَ رَبَاح إِلَى الْغُرْفَة ثُمَّ نَظَر إِلَيَّ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا " وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَتَانِ عَلَى أَنَّهُ أَعَادَ الذَّهَاب وَالْمَجِيء ثَلَاث مَرَّات , لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة سِمَاك بَلْ ظَاهِر رِوَايَته أَنَّهُ أَعَادَ الِاسْتِئْذَان فَقَطْ , وَلَمْ يَقَع شَيْء مِنْ ذَلِكَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ , وَمَنْ حَفِظَ حُجَّة عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظ.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ كَانَ نَائِمًا , أَوْ ظَنَّ أَنَّ عُمَر جَاءَ يَسْتَعْطِفهُ عَلَى أَزَوَاحه لِكَوْنِ حَفْصَة اِبْنَته مِنْهُنَّ.
‏ ‏قَوْله ( فَنَكَسْت مُنْصَرِفًا ) ‏ ‏أَيْ رَجَعْت إِلَى وَرَائِي ‏ ‏( فَإِذَا الْغُلَام يَدْعُونِي ) ‏ ‏وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " فَوَلَّيْت مُدْبِرًا " وَفِي رِوَايَة سِمَاك " ثُمَّ رَفَعْت صَوْتِي فَقُلْت : يَا رَبَاح اِسْتَأْذِنْ لِي فَإِنِّي أَظُنّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنِّي جِئْت مِنْ أَجْلِ حَفْصَة , وَاللَّه لَئِنْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقهَا لَأَضْرِبَنّ عُنُقهَا " وَهَذَا يُقَوِّي الِاحْتِمَال الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ فِي حَقّ اِبْنَته بِمَا قَالَ كَانَ أَبْعَد أَنْ يَسْتَعْطِفهُ لِضَرَائِرِهَا.
‏ ‏قَوْله ( فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِع عَلَى رِمَال ) ‏ ‏بِكَسْرِ الرَّاء وَقَدْ تُضَمّ , وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " عَلَى رَمْل بِسُكُونِ الْمِيم وَالْمُرَاد بِهِ النَّسْج تَقُول رَمَلْت الْحَصِير وَأَرْمَلْته إِذَا نَسَجْته وَحَصِير مَرْمُول أَيْ مَنْسُوج , وَالْمُرَاد هُنَا أَنَّ سَرِيره كَانَ مَرْمُولًا بِمَا يُرْمَل بِهِ الْحَصِير.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أُخْرَى " عَلَى رِمَال سَرِير " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سِمَاك " عَلَى حَصِير وَقَدْ أَثَّرَ الْحَصِير فِي جَنْبه " وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ حَصِيرًا تَغْلِيبًا.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : رِمَال الْحَصِير ضُلُوعه الْمُتَدَاخِلَة بِمَنْزِلَةِ الْخُيُوط فِي الثَّوْب , فَكَأَنَّهُ عِنْده اِسْم جَمْع.
وَقَوْله " لَيْسَ بَيْنه وَبَيْنه فِرَاش قَدْ أَثَّرَ الرِّمَال بِجَنْبِهِ " يُؤَيِّد مَا قَدَّمْته أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى نَسْج السَّرِير حَصِيرًا.
‏ ‏قَوْله ( فَقُلْت وَأَنَا قَائِم : أَطَلَّقْت نِسَاءَك ؟ فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَره فَقَالَ : لَا.
فَقُلْت : اللَّه أَكْبَر ) ‏ ‏قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : لَمَّا ظَنَّ الْأَنْصَارِيّ أَنَّ الِاعْتِزَال طَلَاق أَوْ نَاشِئ عَنْ طَلَاق أَخْبَرَ عُمَر بِوُقُوعِ الطَّلَاق جَازِمًا بِهِ , فَلَمَّا اِسْتَفْسَرَ عُمَر عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِد لَهُ حَقِيقَة كَبَّرَ تَعَجُّبًا مِنْ ذَلِكَ ا ه.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون كَبَّرَ اللَّه حَامِدًا لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ عَدَم وُقُوع الطَّلَاق.
وَفِي حَدِيث أُمّ سَلَمَة عِنْد اِبْن سَعْد " فَكَبَّرَ عُمَر تَكْبِيرَة سَمِعْنَاهَا وَنَحْنُ فِي بُيُوتنَا , فَعَلِمْنَا أَنَّ عُمَر سَأَلَهُ أَطَلَّقْت نِسَاءَك فَقَالَ لَا فَكَبَّرَ , حَتَّى جَاءَنَا الْخَبَر بَعْد " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سِمَاك " فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه أَطَلَّقْتهُنَّ ؟ قَالَ : لَا.
قُلْت : إِنِّي دَخَلْت الْمَسْجِد وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُثُونَ الْحَصَا يَقُولُونَ طَلَّقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ , أَفَأَنْزِل فَأُخْبِرهُمْ أَنَّك لَمْ تُطَلِّقهُنَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ إِنْ شِئْت " وَفِيهِ " فَقُمْت عَلَى بَاب الْمَسْجِد فَنَادَيْت بِأَعْلَى صَوْتِي : لَمْ يُطَلِّق نِسَاءَهُ ".
‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ قُلْت وَأَنَا قَائِم أَسْتَأْنِس : يَا رَسُول اللَّه لَوْ رَأَيْتنِي ) ‏ ‏يَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْله اِسْتِفْهَامًا بِطَرِيقِ الِاسْتِئْذَان , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الْقَوْل الْمَذْكُور بَعْده وَهُوَ ظَاهِر سِيَاق هَذِهِ الرِّوَايَة , وَجَزَمَ الْقُرْطُبِيّ بِأَنَّهُ لِلِاسْتِفْهَامِ فَيَكُون أَصْله بِهَمْزَتَيْنِ تُسَهَّل إِحْدَاهُمَا وَقَدْ تُحْذَف تَخْفِيفًا وَمَعْنَاهُ اِنْبَسَطَ فِي الْحَدِيث وَاسْتَأْذَنَ فِي ذَلِكَ لِقَرِينَةِ الْحَال الَّتِي كَانَ فِيهَا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ بِنْته كَانَتْ السَّبَب فِي ذَلِكَ فَخَشِيَ أَنْ يَلْحَقهُ هُوَ شَيْء مِنْ الْمَعْتَبَة , فَبَقِيَ كَالْمُنْقَبِضِ , عَنْ الِابْتِدَاء بِالْحَدِيثِ حَتَّى اِسْتَأْذَنَ فِيهِ.
‏ ‏قَوْله ( يَا رَسُول اللَّه , لَوْ رَأَيْتنِي وَكُنَّا مَعْشَر قُرَيْش نَغْلِب النِّسَاء ) ‏ ‏فَسَاقَ مَا تَقَدَّمَ , وَكَذَا فِي رِوَايَة عُقَيْل , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مَعْمَر أَنَّ قَوْله " أَسْتَأْنِس " بَعْد سِيَاق الْقِصَّة وَلَفْظه " فَقُلْت : اللَّه أَكْبَر , لَوْ رَأَيْتنَا يَا رَسُول اللَّه وَكُنَّا مَعْشَر قُرَيْش - فَسَاقَ الْقِصَّة - فَقُلْت أَسْتَأْنِس يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : نَعَمْ " وَهَذَا يُعَيِّن الِاحْتِمَال الْأَوَّل , وَهُوَ أَنَّهُ اِسْتَأْذَنَ فِي الِاسْتِئْنَاس فَلَمَّا أَذِنَ لَهُ فِيهِ جَلَسَ.
‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه لَوْ رَأَيْتنِي وَدَخَلْت عَلَى حَفْصَة - إِلَى قَوْله - فَتَبَسَّمَ تَبَسّمَة أُخْرَى ) ‏ ‏الْجُمْلَة حَالِيَّة أَيْ حَال دُخُولِي عَلَيْهَا , وَفِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " فَذَكَرْت لَهُ الَّذِي قُلْت لَحَفْصَة وَأُمّ سَلَمَة فَضَحِكَ " وَفِي رِوَايَة سِمَاك " فَلَمْ أَزَل أُحَدِّثهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَب عَنْ وَجْهه , وَحَتَّى كَشَّرَ فَضَحِكَ , وَكَانَ مِنْ أَحْسَن النَّاس ثَغْرًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَقَوْله تَحَسَّرَ بِمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ تَكَشَّفَ وَزْنًا وَمَعْنًى , وَقَوْله كَشَّرَ بِفَتْحِ الْكَاف وَالْمُعْجَمَة أَيْ أَبْدَى أَسْنَانه ضَاحِكًا , قَالَ اِبْن السِّكِّيت : كَشَّرَ وَتَبَسَّمَ وَابْتَسَمَ وَافَتَرَّ بِمَعْنًى , فَإِذَا زَادَ قِيلَ قَهْقَهَ وَكَرْكَرَ , وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ ضَحِكه تَبَسُّمًا ".
‏ ‏قَوْله ( فَتَبَسَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسّمَة ) ‏ ‏بِتَشْدِيدِ السِّين , وَلِلكُشْمِيهَنِيّ " تَبْسِيمَة ".
‏ ‏قَوْله ( فَرَفَعْت بَصَرِي فِي بَيْته ) ‏ ‏أَيْ نَظَرْت فِيهِ.
‏ ‏قَوْله ( غَيْر أَهَبَةٍ ثَلَاثَة ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " ثَلَاث " , الْأُهْبَة بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْهَاء وَبِضَمِّهَا أَيْضًا بِمَعْنَى الْأُهُب وَالْهَاء فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَهُوَ جَمْع إِهَاب عَلَى غَيْر قِيَاس , وَهُوَ الْجِلْد قَبْل الدِّبَاغ , وَقِيلَ هُوَ الْجِلْد مُطْلَقًا دُبِغَ أَوْ لَمْ يُدْبَغ , وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِهِ هُنَا جِلْد شُرِعَ فِي دَبْغه وَلَمْ يَكْمُل , لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة سِمَاك بْن الْوَلِيد " فَإِذَا أَفِيق مُعَلَّق " وَالْأَفِيق بِوَزْنِ عَظِيم الْجِلْد الَّذِي لَمْ يَتِمّ دِبَاغه , يُقَال أَدَم وَأَدِيم وَأَفَق وَأَفِيق وَإِهَاب وَأَهَب وَعِمَاد وَعَمُود وَعُمُد , وَلَمْ يَجِئ فَعِيلَ وَفَعُول عَلَى فَعَل بِفَتْحَتَيْنِ فِي الْجَمْع إِلَّا هَذِهِ الْأَحْرُف , وَالْأَكْثَر أَنْ يَجِيء فُعُل بِضَمَّتَيْنِ , وَزَادَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " وَأَنَّ عِنْد رِجْلَيْهِ قَرَظًا - بِقَافٍ وَظَاء مُعْجَمَة - مَصْبُوبًا " بِمُوَحَّدَتَيْنِ , وَفِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ مَصْبُورًا بِرَاءٍ , قَالَ النَّوَوِيّ , وَوَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول " مَضْبُورًا " بِضَادٍ مُعْجَمَة وَهِيَ لُغَة , وَالْمُرَاد بِالْمَصْبُورِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَة الْمَجْمُوع , وَلَا يُنَافِي كَوْنه مَصْبُوبًا بَلْ الْمُرَاد أَنَّهُ غَيْر مُنْتَثِر وَإِنْ كَانَ فِي غَيْر وِعَاء بَلْ هُوَ مَصْبُوب مُجْتَمِع , وَفِي رِوَايَة سِمَاك " فَنَظَرْت فِي خِزَانَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِير نَحْو الصَّاع , وَمِثْلهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَة الْغُرْفَة ".
‏ ‏قَوْله ( اُدْعُ اللَّه فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتك ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " فَبَكَيْت , فَقَالَ وَمَا يُبْكِيك ؟ فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَر فِيمَا هُمَا فِيهِ , وَأَنْتَ رَسُول اللَّه " وَفِي رِوَايَة سِمَاك " فَابْتَدَرْت عَيْنَايَ فَقَالَ : مَا يُبْكِيك يَا اِبْن الْخَطَّاب ؟ فَقُلْت : وَمَا لِي لَا أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِير قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبك , وَهَذِهِ خِزَانَتك لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى , وَذَاكَ قَيْصَر وَكِسْرَى فِي الْأَنْهَار وَالثِّمَار : وَأَنْتَ رَسُول اللَّه وَصَفْوَته ".
‏ ‏قَوْله ( فَجَلَسَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ : أَوَ فِي هَذَا أَنْتَ يَا اِبْن الْخَطَّاب ) ‏ ‏؟ فِي رِوَايَة مَعْمَر عِنْد مُسْلِم " أَوَ فِي شَكّ أَنْتَ يَا اِبْن الْخَطَّاب " ؟ وَكَذَا فِي رِوَايَة عُقَيْل الْمَاضِيَة فِي كِتَاب الْمَظَالِم , وَالْمَعْنَى أَأَنْتَ فِي شَكّ فِي أَنَّ التَّوَسُّع فِي الْآخِرَة خَيْر مِنْ التَّوَسُّع فِي الدُّنْيَا ؟ وَهَذَا يُشْعِر بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنَّهُ بَكَى مِنْ جِهَة الْأَمْر الَّذِي كَانَ فِيهِ وَهُوَ غَضَب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ حَتَّى اِعْتَزَلَهُنَّ , فَلَمَّا ذَكَرَ لَهُ أَمْر الدُّنْيَا أَجَابَهُ بِمَا أَجَابَهُ.
‏ ‏قَوْله ( إِنَّ أُولَئِكَ قَوْم قَدْ عُجِّلُوا طَيِّبَاتهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ) ‏ ‏وَفِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُون لَهُمْ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَة " ؟ وَفِي رِوَايَة لَهُ " لَهُمَا " بِالتَّثْنِيَةِ عَلَى إِرَادَة كِسْرَى وَقَيْصَر لِتَخْصِيصِهِمَا بِالذِّكْرِ , وَالْأُخْرَى بِإِرَادَتِهِمَا وَمَنْ تَبِعَهُمَا أَوْ كَانَ عَلَى مِثْل حَالهمَا , زَادَ فِي رِوَايَة سِمَاك " فَقُلْت بَلَى ".
‏ ‏قَوْله ( فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه اِسْتَغْفِرْ لِي ) ‏ ‏أَيْ عَنْ جَرَاءَتِي بِهَذَا الْقَوْل بِحَضْرَتِك , أَوْ عَنْ اِعْتِقَادِي أَنَّ التَّجَمُّلَات الدُّنْيَوِيَّة مَرْغُوب فِيهَا , أَوْ عَنْ إِرَادَتِي مَا فِيهِ مُشَابَهَة الْكُفَّار فِي مَلَابِسهمْ وَمَعَايِشهمْ.
‏ ‏قَوْله ( فَاعْتَزَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيث الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَة إِلَى عَائِشَة ) ‏ ‏كَذَا فِي هَذِهِ الطَّرِيق لَمْ يُفَسِّر الْحَدِيث الْمَذْكُور الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَة , وَفِيهِ أَيْضًا " وَكَانَ قَالَ مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا , مِنْ شِدَّة مَوْجِدَته عَلَيْهِنَّ حِين عَاتَبَهُ اللَّه " وَهَذَا أَيْضًا مُبْهَم وَلَمْ أَرَهُ مُفَسَّرًا , وَكَانَ اِعْتِزَاله فِي الْمَشْرُبَة كَمَا فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عَنْ عُمَر , فَأَفَادَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن الْمَخْزُومِيّ فِي كِتَابه " أَخْبَار الْمَدِينَة " بِسَنَدٍ لَهُ مُرْسَل " أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبِيت فِي الْمَشْرُبَة وَيَقِيل عِنْد أَرَاكَة عَلَى خَلْوَة بِئْر كَانَتْ هُنَاكَ " وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِ حَدِيث الْبَاب إِلَّا مَا رَوَاهُ اِبْن إِسْحَاق كَمَا أَشَرْت إِلَيْهِ فِي تَفْسِير سُورَة التَّحْرِيم وَالْمُرَاد بِالْمُعَاتَبَةِ قَوْله تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيّ لِمَ تُحَرِّم مَا أَحَلَّ اللَّه لَك ) الْآيَات.
وَقَدْ اِخْتُلِفَ فِي الَّذِي حَرَّمَ عَلَى نَفْسه وَعُوتِبَ عَلَى تَحْرِيمه كَمَا اُخْتُلِفَ فِي سَبَب حَلِفه عَلَى أَنْ لَا يَدْخُل عَلَى نِسَائِهِ عَلَى أَقْوَال : فَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ الْعَسَل كَمَا مَضَى فِي سُورَة التَّحْرِيم مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيق عُبَيْد بْن عُمَيْر عَنْ عَائِشَة , وَسَيَأْتِي بِأَبْسَط مِنْهُ فِي كِتَاب الطَّلَاق.
وَذَكَرْت فِي التَّفْسِير قَوْلًا آخَر أَنَّهُ فِي تَحْرِيم جَارِيَته مَارِيَة , وَذَكَرْت هُنَاكَ كَثِيرًا مِنْ طُرُقه.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان عَنْ عَائِشَة عِنْد اِبْن مَرْدَوَيْهِ مَا يَجْمَع الْقَوْلَيْنِ وَفِيهِ " أَنَّ حَفْصَة أُهْدِيَتْ لَهَا عُكَّة فِيهَا عَسَل , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا حَبَسَتْهُ حَتَّى تُلْعِقهُ أَوْ تَسْقِيه مِنْهَا , فَقَالَتْ عَائِشَة لِجَارِيَةٍ عِنْدهَا حَبَشِيَّة يُقَال لَهَا خَضْرَاء : إِذَا دَخَلَ عَلَى حَفْصَة فَانْظُرِي مَا يَصْنَع , فَأَخْبَرَتْهَا الْجَارِيَة بِشَأْنِ الْعَسَل , فَأَرْسَلَتْ إِلَى صَوَاحِبهَا فَقَالَتْ : إِذَا دَخَلَ عَلَيْكُنَّ فَقُلْنَ : إِنَّا نَجْد مِنْك رِيح مَغَافِير , فَقَالَ : هُوَ عَسَل , وَاللَّه لَا أَطْعَمَهُ أَبَدًا.
فَلَمَّا كَانَ يَوْم حَفْصَة اِسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَأْتِي أَبَاهَا فَأَذِنَ لَهَا فَذَهَبَتْ فَأَرْسَلَ إِلَى جَارِيَته مَارِيَة فَأَدْخَلَهَا بَيْت حَفْصَة , قَالَتْ حَفْصَة فَرَجَعْت فَوَجَدْت الْبَاب مُغْلَقًا فَخَرَجَ وَوَجْهه يَقْطُر وَحَفْصَة تَبْكِي , فَعَاتَبَتْهُ فَقَالَ : أُشْهِدك أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَام , اُنْظُرِي لَا تُخْبِرِي بِهَذَا اِمْرَأَة وَهِيَ عِنْدك أَمَانَة , فَلَمَّا خَرَجَ قَرَعَتْ حَفْصَة الْجِدَار الَّذِي بَيْنهَا وَبَيْن عَائِشَة فَقَالَتْ : أَلَا أُبَشِّرك ؟ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَرَّمَ أَمَته , فَنَزَلَتْ " وَعِنْد اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق شُعْبَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس عَنْهُ " خَرَجَتْ حَفْصَة مِنْ بَيْتهَا يَوْم عَائِشَة فَدَخَلَ رَسُول اللَّه بِجَارِيَتِهِ الْقِبْطِيَّة بَيْت حَفْصَة فَجَاءَتْ فَرَقَبَته حَتَّى خَرَجَتْ الْجَارِيَة فَقَالَتْ لَهُ " أَمَا إِنِّي قَدْ رَأَيْت مَا صَنَعْت , قَالَ فَاكْتُمِي عَلَيَّ وَهِيَ حَرَام , فَانْطَلَقَتْ حَفْصَة إِلَى عَائِشَة فَأَخْبَرَتْهَا , فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَة : أَمَّا يَوْمِي فَتَعْرِض فِيهِ بِالْقِبْطِيَّةِ وَيَسْلَم لِنِسَائِك سَائِر أَيَّامهنَّ , فَنَزَلَتْ الْآيَة " وَجَاءَ فِي ذَلِكَ ذِكْر قَوْل ثَالِث أَخْرَجَهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " دَخَلَتْ حَفْصَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتهَا فَوَجَدَتْ مَعَهُ مَارِيَة فَقَالَ : لَا تُخْبِرِي عَائِشَة حَتَّى أُبَشِّرك بِبِشَارَةٍ , إِنَّ أَبَاك يَلِي هَذَا الْأَمْر بَعْد أَبِي بَكْر إِذَا أَنَا مُتّ , فَذَهَبَتْ إِلَى عَائِشَة فَأَخْبَرَتْهَا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَة ذَلِكَ , وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ أَنْ يُحَرِّم مَارِيَة فَحَرَّمَهَا , ثُمَّ جَاءَ إِلَى حَفْصَة فَقَالَ أَمَرْتُك أَلَّا تُخْبِرِي عَائِشَة فَأَخْبَرْتهَا , فَعَاتَبَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُعَاتِبهَا عَلَى أَمْر الْخِلَافَة , فَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ( عَرَّفَ بَعْضه وَأَعْرَض عَنْ بَعْض ) وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَط " وَفِي " عِشْرَة النِّسَاء " عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْوه بِتَمَامِهِ وَفِي كُلّ مِنْهُمَا ضَعْف , وَجَاءَ فِي سَبَب غَضَبه مِنْهُنَّ وَحَلِفه أَنْ لَا يَدْخُل عَلَيْهِنَّ شَهْرًا قِصَّة أُخْرَى , فَأَخْرَجَ اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق عَمْرَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّة , فَأَرْسَلَ إِلَى كُلّ اِمْرَأَة مِنْ نِسَائِهِ نَصِيبهَا , فَلَمْ تَرْضَ زَيْنَب بِنْت جَحْش بِنَصِيبِهَا فَزَادَهَا مَرَّة أُخْرَى , فَلَمْ تَرْضَ فَقَالَتْ عَائِشَة : لَقَدْ أَقْمَأَتْ وَجْهك تَرُدّ عَلَيْك الْهَدِيَّة , فَقَالَ : لَأَنْتُنَّ أَهْوَن عَلَى اللَّه مِنْ أَنْ تُقْمِئْنَنِي , لَا أَدْخُل عَلَيْكُنَّ شَهْرًا " الْحَدِيث.
وَمِنْ طَرِيق الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة نَحْوه وَفِيهِ " ذَبَحَ ذَبْحًا فَقَسَمَهُ بَيْن أَزْوَاجه , فَأَرْسَلَ إِلَى زَيْنَب بِنَصِيبِهَا فَرَدَّتْهُ , فَقَالَ زِيدُوهَا ثَلَاثًا , كُلّ ذَلِكَ تَرُدّهُ " فَذَكَرَ نَحْوه.
وَفِيهِ قَوْل آخَر أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر قَالَ " جَاءَ أَبُو بَكْر وَالنَّاس جُلُوس بِبَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤْذَن لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْر فَدَخَلَ ثُمَّ جَاءَ عُمَر فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَوَجَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَحَوْله نِسَاؤُهُ " فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ " هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَة , فَقَامَ أَبُو بَكْر إِلَى عَائِشَة وَقَامَ عُمَر إِلَى حَفْصَة , ثُمَّ اِعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا " فَذَكَرَ نُزُول آيَة التَّخْيِير , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَجْمُوع هَذِهِ الْأَشْيَاء كَانَ سَبَبًا لِاعْتِزَالِهِنَّ.
وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بِمَكَارِمِ أَخْلَاقه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعَة صَدْره وَكَثْرَة صَفْحه , وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَع مِنْهُ حَتَّى تَكَرَّرَ مُوجِبه مِنْهُنَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُنَّ.
وَقَصَّرَ اِبْن الْجَوْزِيّ فَنَسَبَ قِصَّة الذَّبْح لِابْنِ حَبِيب بِغَيْرِ إِسْنَاد وَهِيَ مُسْنَدَة عِنْد اِبْن سَعْد , وَأَبْهَمَ قِصَّة النَّفَقَة وَهِيَ فِي صَحِيح مُسْلِم , وَالرَّاجِح مِنْ الْأَقْوَال كُلّهَا قِصَّة مَارِيَة لِاخْتِصَاصِ عَائِشَة وَحَفْصَة بِهَا بِخِلَافِ الْعَسَل فَإِنَّهُ اِجْتَمَعَ فِيهِ جَمَاعَة مِنْهُنَّ كَمَا سَيَأْتِي , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْأَسْبَاب جَمِيعهَا اِجْتَمَعَتْ فَأُشِيرَ إِلَى أَهَمّهَا , وَيُؤَيِّدهُ شُمُول الْحَلِف لِلْجَمِيعِ وَلَوْ كَانَ مَثَلًا فِي قِصَّة مَارِيَة فَقَطْ لَاخْتَصَّ بِحَفْصَةَ وَعَائِشَة.
وَمَنْ اللَّطَائِف أَنَّ الْحِكْمَة فِي الشَّهْر مَعَ أَنَّ مَشْرُوعِيَّة الْهَجْر ثَلَاثَة أَيَّام أَنَّ عِدَّتهنَّ كَانَتْ تِسْعَة فَإِذَا ضُرِبَتْ فِي ثَلَاثَة كَانَتْ سَبْعَة وَعِشْرِينَ وَالْيَوْمَانِ لِمَارِيَة لِكَوْنِهَا كَانَتْ أَمَة فَنَقَصَتْ عَنْ الْحَرَائِر وَاللَّهُ أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله ( فَاعْتَزَلَ النَّبِيّ نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيث الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَة إِلَى عَائِشَة تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَة ) ‏ ‏الْعَدَد مُتَعَلِّق بِقَوْلِهِ فَاعْتَزَلَ نِسَاءَهُ.
‏ ‏قَوْله ( وَكَانَ قَالَ مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا ) ‏ ‏فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة عِنْد مُسْلِم فِي طَرِيق عُبَيْد بْن حُنَيْن " وَكَانَ آلَى مِنْهُنَّ شَهْرًا " أَيْ حَلَفَ أَوْ أَقْسَمَ , وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهِ الْإِيلَاء الَّذِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاء اِتِّفَاقًا , وَسَيَأْتِي بَعْد سَبْعَة أَبْوَاب مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ " آلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا " وَهَذَا مُوَافِق لِلَفْظِ رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة هُنَا , وَإِنْ كَانَ أَكْثَر الرُّوَاة فِي حَدِيث عُمَر لَمْ يُعَبِّرُوا بِلَفْظِ الْإِيلَاء.
‏ ‏قَوْله ( مِنْ شِدَّة مَوْجِدَته عَلَيْهِنَّ ) ‏ ‏أَيْ غَضَبه.
‏ ‏قَوْله ( دَخَلَ عَلَى عَائِشَة ) ‏ ‏فِيهِ أَنَّ مَنْ غَابَ عَنْ أَزْوَاجه ثُمَّ حَضَرَ يَبْدَأ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ , وَلَا يَلْزَمهُ أَنْ يَبْدَأ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ وَلَا أَنْ يُقْرِع , كَذَا قِيلَ , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْبُدَاءَة بِعَائِشَة لِكَوْنِهِ اِتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمهَا.
‏ ‏قَوْله ( فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَة : يَا رَسُول اللَّه إِنَّك كُنْت قَدْ أَقْسَمْت أَنْ لَا تَدْخُل عَلَيْنَا شَهْرًا ) ‏ ‏تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَة سِمَاك بْن الْوَلِيد أَنَّ عُمَر ذَكَرَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , وَلَا مُنَافَاة بَيْنهمَا لِأَنَّ فِي سِيَاق حَدِيث عُمَر أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِذَلِكَ عِنْد نُزُوله مِنْ الْغُرْفَة وَعَائِشَة ذَكَرْته بِذَلِكَ حِين دَخَلَ عَلَيْهَا فَكَأَنَّهُمَا تَوَارَدَا عَلَى ذَلِكَ , وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر فِي هَذِهِ الْقِصَّة قَالَ " فَقُلْنَا " فَظَاهِر هَذَا السِّيَاق يُوهِم أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّة حَدِيث عُمَر فَيَكُون عُمَر حَضَرَ ذَلِكَ مِنْ عَائِشَة , وَهُوَ مُحْتَمَل عِنْدِي , لَكِنْ يَقْوَى أَنْ يَكُون هَذَا مِنْ تَعَالِيق الزُّهْرِيِّ فِي هَذِهِ الطَّرِيق , فَإِنَّ هَذَا الْقَدْر عِنْده عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة مَعْمَر عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمَ أَنَّهُ لَا يَدْخُل عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا , قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَأَخْبَرَنِي عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ.
فَذَكَرَهُ ".
‏ ‏قَوْله ( وَإِنَّمَا أَصْبَحْت مِنْ تِسْع وَعِشْرِينَ لَيْلَة ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عُقَيْل " لِتِسْعٍ " بِاللَّامِ , وَفِي رِوَايَة السَّرَخْسِيّ فِيهَا " بِتِسْعٍ " بِالْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ مُتَقَارِبَة , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : مِنْ هُنَا إِلَى آخِر الْحَدِيث وَقَعَ مُدْرَجًا فِي رِوَايَة شُعَيْب عَنْ الزُّهْرِيِّ , وَوَقَعَ مُفَصَّلًا فِي رِوَايَة مَعْمَر " قَالَ الزُّهْرِيِّ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : لَمَّا مَضَتْ تِسْع وَعِشْرُونَ لَيْلَة دَخَلَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْحَدِيث.
قُلْت : وَنِسْبَة الْإِدْرَاج إِلَى شُعَيْب فِيهِ نَظَر , فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَظَالِم مِنْ رِوَايَة عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ , وَأَخْرَجَ مُسْلِم طَرِيق مَعْمَر كَمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ مُفَصَّلَة , وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير الْأَحْزَاب أَنَّ الْبُخَارِيّ حَكَى الِاخْتِلَاف عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي قِصَّة التَّخْيِير هَلْ هِيَ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَوْ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ عَائِشَة.
‏ ‏قَوْله ( فَقَالَ : الشَّهْر تِسْع وَعِشْرُونَ لَيْلَة وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْر تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَة ) ‏ ‏فِي هَذَا إِشَارَة إِلَى تَأْوِيل الْكَلَام الَّذِي قَبْله وَأَنَّهُ لَا يُرَاد بِهِ الْحَصْر , أَوْ أَنَّ اللَّام فِي قَوْله " الشَّهْر " لِلْعَهْدِ مِنْ الشَّهْر الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُون الشُّهُور كُلّهَا كَذَلِكَ , وَقَدْ أَنْكَرْت عَائِشَة عَلَى اِبْن عُمَر رِوَايَته الْمُطْلَقَة أَنَّ الشَّهْر تِسْع وَعِشْرُونَ , فَأَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ اِبْن عُمَر رَفَعَهُ " الشَّهْر تِسْع وَعِشْرُونَ " قَالَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعَائِشَة فَقَالَتْ : يَرْحَم اللَّه أَبَا عَبْد الرَّحْمَن , إِنَّمَا قَالَ : الشَّهْر قَدْ يَكُون تِسْعًا وَعِشْرِينَ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عُمَر بِهَذَا اللَّفْظ الْأَخِير الَّذِي جَزَمَتْ بِهِ عَائِشَة وَبَيَّنْته قَبْل هَذَا عِنْد الْكَلَام عَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة سِمَاك بْن الْوَلِيد مِنْ الْإِشْكَال.
‏ ‏قَوْله ( قَالَتْ عَائِشَة : ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه آيَة التَّخْيِير ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عُقَيْل " فَأُنْزِلَتْ " وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَاب الطَّلَاق إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَفِي الْحَدِيث سُؤَال الْعَالِم عَنْ بَعْض أُمُور أَهْله وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَة إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ سُنَّة تُنْقَل وَمَسْأَلَة تُحْفَظ قَالَهُ الْمُهَلَّب , قَالَ : وَفِيهِ تَوْقِير الْعَالِم وَمَهَابَته عَنْ اِسْتِفْسَار مَا يَخْشَى مِنْ تَغَيُّره عِنْد ذِكْرِهِ , وَتَرَقُّب خَلَوَات الْعَالِم لِيُسْأَل عَمَّا لَعَلَّهُ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ بِحَضْرَةِ النَّاس أَنْكَرَهُ عَلَى السَّائِل , وَيُؤْخَذ مِنْ ذَلِكَ مُرَاعَاة الْمُرُوءَة.
وَفِيهِ أَنَّ شِدَّة الْوَطْأَة عَلَى النِّسَاء مَذْمُوم , لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِسِيرَةِ الْأَنْصَار فِي نِسَائِهِمْ وَتَرَك سِيرَة قَوْمه.
وَفِيهِ تَأْدِيب الرَّجُل اِبْنَته وَقَرَابَته بِالْقَوْلِ لِأَجْلِ إِصْلَاحهَا لِزَوْجِهَا , وَفِيهِ سِيَاق الْقِصَّة عَلَى وَجْههَا وَإِنْ لَمْ يَسْأَل السَّائِل عَنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَة مِنْ زِيَادَة شَرْح وَبَيَان , وَخُصُوصًا إِذَا كَانَ الْعَالِم يَعْلَم أَنَّ الطَّالِب يُؤْثِر ذَلِكَ.
وَفِيهِ مَهَابَة الطَّالِب لِلْعَالِمِ وَتَوَاضُع الْعَالِم لَهُ وَصَبْره عَلَى مُسَاءَلَته وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ غَضَاضَة.
وَفِيهِ جَوَاز ضَرْبِ الْبَاب وَدَقّه إِذَا لَمْ يَسْمَع الدَّاخِل بِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَدُخُول الْآبَاء عَلَى الْبَنَات وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْن الزَّوْج , وَالتَّنْقِيب عَنْ أَحْوَالهنَّ لَا سِيَّمَا مَا يَتَعَلَّق بِالْمُتَزَوِّجَاتِ.
وَفِيهِ حُسْن تَلَطُّف اِبْن عَبَّاس وَشِدَّة حِرْصه عَلَى الِاطِّلَاع عَلَى فُنُون التَّفْسِير.
وَفِيهِ طَلَب عُلُوّ الْإِسْنَاد لِأَنَّ اِبْن عَبَّاس أَقَامَ مُدَّة طَوِيلَة يَنْتَظِر خَلْوَة عُمَر لِيَأْخُذ عَنْهُ ; وَكَانَ يُمْكِنهُ أَخْذ ذَلِكَ بِوَاسِطَةٍ عَنْهُ مِمَّنْ لَا يَهَاب سُؤَاله كَمَا كَانَ يَهَاب عُمَر.
وَفِيهِ حِرْص الصَّحَابَة عَلَى طَلَب الْعِلْم وَالضَّبْط بِأَحْوَالِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِيهِ أَنَّ طَالِب الْعِلْم يَجْعَل لِنَفْسِهِ وَقْتًا يَتَفَرَّغ فِيهِ لِأَمْرِ مَعَاشه وَحَال أَهْله.
وَفِيهِ الْبَحْث فِي الْعِلْم فِي الطُّرُق وَالْخَلَوَات وَفِي حَال الْقُعُود وَالْمَشْي.
وَفِيهِ إِيثَار الِاسْتِجْمَار فِي الْأَسْفَار وَإِبْقَاء الْمَاء لِلْوُضُوءِ.
وَفِيهِ ذِكْر الْعَالِم مَا يَقَع مِنْ نَفْسه وَأَهْله بِمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَائِدَة دِينِيَّة وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ حِكَايَة مَا يُسْتَهْجَن , وَجَوَاز ذِكْر الْعَمَل الصَّالِح لِسِيَاقِ الْحَدِيث عَلَى وَجْهه , وَبَيَان ذِكْر وَقْت التَّحَمُّل.
وَفِيهِ الصَّبْر عَلَى الزَّوْجَات وَالْإِغْضَاء عَنْ خِطَابهنَّ وَالصَّفْح عَمَّا يَقَع مِنْهُنَّ مِنْ زَلَل فِي حَقّ الْمَرْء دُون مَا يَكُون مِنْ حَقّ اللَّه تَعَالَى.
وَفِيهِ جَوَاز اِتِّخَاذ الْحَاكِم عِنْد الْخَلْوَة بَوَّابًا يَمْنَع مَنْ يَدْخُل إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنه , وَيَكُون قَوْل أَنَس الْمَاضِي فِي كِتَاب الْجَنَائِز فِي الْمَرْأَة الَّتِي وَعَظَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَعْرِفهُ " ثُمَّ جَاءَتْ إِلَيْهِ فَلَمْ تَجِد لَهُ بَوَّابِينَ " مَحْمُولًا عَلَى الْأَوْقَات الَّتِي يَجْلِس فِيهَا لِلنَّاسِ , قَالَ الْمُهَلَّب : وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْتَجِب عَنْ بِطَانَته وَخَاصَّته عِنْد الْأَمْر بِطَرْقِهِ مِنْ جِهَة أَهْله حَتَّى يَذْهَب غَيْظه وَيَخْرُج إِلَى النَّاس وَهُوَ مُنْبَسِط إِلَيْهِمْ , فَإِنَّ الْكَبِير إِذَا اِحْتَجَبَ لَمْ يَحْسُن الدُّخُول إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْن وَلَوْ كَانَ الَّذِي يُرِيد أَنْ يَدْخُل جَلِيل الْقَدْر عَظِيم الْمَنْزِلَة عِنْده.
وَفِيهِ الرِّفْق بِالْأَصْهَارِ وَالْحَيَاء مِنْهُمْ إِذَا وَقَعَ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْله مَا يَقْتَضِي مُعَاتَبَتهمْ.
وَفِيهِ أَنَّ السُّكُوت قَدْ يَكُون أَبْلَغ مِنْ الْكَلَام وَأَفْضَل فِي بَعْض الْأَحَايِين , لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَوْ أَمَرَ غُلَامه بِرَدِّ عُمَر لَمْ يَجُزْ لِعُمَر الْعَوْد إِلَى الِاسْتِئْذَان مَرَّة بَعْد أُخْرَى , فَلَمَّا سَكَتَ فَهِمَ عُمَر مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْثِر رَدَّهُ مُطْلَقًا , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْمُهَلَّب.
وَفِيهِ أَنَّ الْحَاجِب إِذَا عَلِمَ مَنْع الْإِذْن بِسُكُوتِ الْمَحْجُوب لَمْ يَأْذَن.
وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة الِاسْتِئْذَان عَلَى الْإِنْسَان وَإِنْ كَانَ وَحْده لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون عَلَى حَالَة يُكْرَه الِاطِّلَاع عَلَيْهَا.
وَفِيهِ جَوَاز تَكْرَار الِاسْتِئْذَان لِمَنْ لَمْ يُؤْذَن لَهُ إِذَا رَجَا حُصُول الْإِذْن , وَأَنْ لَا يَتَجَاوَز بِهِ ثَلَاث مَرَّات كَمَا سَيَأْتِي إِيضَاحه فِي كِتَاب الِاسْتِئْذَان فِي قِصَّة أَبِي مُوسَى مَعَ عُمَر , وَالِاسْتِدْرَاك عَلَى عُمَر مِنْ هَذِهِ الْقِصَّة لِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ مِنْ الْإِذْن لَهُ فِي الْمَرَّة الثَّالِثَة وَقَعَ اِتِّفَاقًا , وَلَوْ لَمْ يُؤْذَن لَهُ فَالَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ كَانَ يَعُود إِلَى الِاسْتِئْذَان لِأَنَّهُ صَرَّحَ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغهُ ذَلِكَ الْحُكْم.
وَفِيهِ أَنَّ كُلّ لَذَّة أَوْ شَهْوَة قَضَاهَا الْمَرْء فِي الدُّنْيَا فَهُوَ اِسْتِعْجَال لَهُ مِنْ نَعِيم الْآخِرَة , وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ لَادُّخِرَ لَهُ فِي الْآخِرَة , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضهمْ إِيثَار الْفَقْر عَلَى الْغِنَى وَخَصَّهُ الطَّبَرِيُّ بِمَنْ لَمْ يَصْرِفهُ فِي وُجُوهه وَيُفَرِّقهُ فِي سُبُله الَّتِي أَمَرَ اللَّه بِوَضْعِهِ فِيهَا , قَالَ : وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ مَنَازِل الِامْتِحَان , وَالصَّبْر عَلَى الْمِحَن مَعَ الشُّكْر أَفْضَل مِنْ الصَّبْر عَلَى الضَّرَّاء وَحْده اِنْتَهَى.
قَالَ عِيَاض : هَذِهِ الْقِصَّة مِمَّا يَحْتَجّ بِهِ مَنْ يُفَضِّل الْفَقِير عَلَى الْغَنِيّ لِمَا فِي مَفْهُوم قَوْله " إِنَّ مَنْ تَنَعَّمَ فِي الدُّنْيَا يَفُوتهُ فِي الْآخِرَة بِمِقْدَارِهِ " , قَالَ وَحَاوَلَهُ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الْمُرَاد مِنْ الْآيَة أَنَّ حَظّ الْكُفَّار هُوَ مَا نَالُوهُ مِنْ نَعِيم الدُّنْيَا إِذْ لَا حَظّ لَهُمْ فِي الْآخِرَة اِنْتَهَى , وَفِي الْجَوَاب نَظَر , وَهِيَ مَسْأَلَة اِخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَف وَالْخَلَف , وَهِيَ طَوِيلَة الذَّيْل سَيَكُونُ لَنَا بِهَا إِلْمَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَاب الرِّقَاق.
وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْء إِذَا رَأَى صَاحِبه مَهْمُومًا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحَدِّثهُ بِمَا يُزِيل هَمَّهُ وَيُطَيِّب نَفْسه , لِقَوْلِ عُمَر : لَأَقُولَنّ شَيْئًا يُضْحِك النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون ذَلِكَ بَعْد اِسْتِئْذَان الْكَبِير فِي ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ عُمَر.
وَفِيهِ جَوَاز الِاسْتِعَانَة فِي الْوُضُوء بِالصَّبِّ عَلَى الْمُتَوَضِّئ , وَخِدْمَة الصَّغِير الْكَبِير وَإِنْ كَانَ الصَّغِير أَشْرَف نَسَبًا مِنْ الْكَبِير.
وَفِيهِ التَّجَمُّل بِالثَّوْبِ وَالْعِمَامَة عِنْد لِقَاء الْأَكَابِر.
وَفِيهِ تَذْكِير الْحَالِف بِيَمِينِهِ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا ظَاهِره نِسْيَانهَا لَا سِيَّمَا مِمَّنْ لَهُ تَعَلُّق بِذَلِكَ , لِأَنَّ عَائِشَة خَشِيَتْ أَنْ يَكُون صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ مِقْدَار مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ شَهْر وَالشَّهْر ثَلَاثُونَ يَوْمًا أَوْ تِسْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا , فَلَمَّا نَزَلَ فِي تِسْعَة وَعِشْرِينَ ظَنَّتْ أَنَّهُ ذَهِلَ عَنْ الْقَدْر أَوْ أَنَّ الشَّهْر لَمْ يَهُلّ , فَأَعْلَمَهَا أَنَّ الشَّهْر اِسْتَهَلَّ فَإِنَّ الَّذِي كَانَ الْحَلِف وَقَعَ فِيهِ جَاءَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
وَفِيهِ تَقْوِيَة لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ يَمِينه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُتُّفِقَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَّل الشَّهْر وَلِهَذَا اِقْتَصَرَ عَلَى تِسْعَة وَعِشْرِينَ وَإِلَّا فَلَوْ اُتُّفِقَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاء الشَّهْر فَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَع الْبِرّ إِلَّا بِثَلَاثِينَ , وَذَهَبَتْ طَائِفَة فِي الِاكْتِفَاء بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْذًا بِأَقَلّ مَا يَنْطَلِق عَلَيْهِ الِاسْم , قَالَ اِبْن بَطَّال : يُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْل شَيْء يَبَرّ بِفِعْلِ أَقَلّ مَا يَنْطَلِق عَلَيْهِ الِاسْم , وَالْقِصَّة مَحْمُولَة عِنْد الشَّافِعِيّ وَمَالِك عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ أَوَّل الْهِلَال وَخَرَجَ بِهِ فَلَوْ دَخَلَ فِي أَثْنَاء الشَّهْر لَمْ يَبَرّ إِلَّا بِثَلَاثِينَ.
وَفِيهِ سُكْنَى الْغُرْفَة ذَات الدَّرَج وَاِتِّخَاذ الْخِزَانَة لِأَثَاثِ الْبَيْت وَالْأَمْتِعَة.
وَفِيهِ التَّنَاوُب فِي مَجْلِس الْعَالِم إِذَا لَمْ تَتَيَسَّر الْمُوَاظَبَة عَلَى حُضُوره لِشَاغِلٍ شَرْعِيّ مِنْ أَمْر دِينِيّ أَوْ دُنْيَوِيّ.
وَفِيهِ قَبُول خَبَر الْوَاحِد وَلَوْ كَانَ الْآخِذ فَاضِلًا وَالْمَأْخُوذ عَنْهُ مَفْضُولًا , وَرِوَايَة الْكَبِير عَنْ الصَّغِير , وَأَنَّ الْأَخْبَار الَّتِي تُشَاع وَلَوْ كَثُرَ نَاقِلُوهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْجِعهَا إِلَى أَمْر حِسِّيّ مِنْ مُشَاهَدَة أَوْ سَمَاع لَا تَسْتَلْزِم الصِّدْق , فَإِنَّ جَزْمَ الْأَنْصَارِيّ فِي رِوَايَة بِوُقُوعِ التَّطْلِيق وَكَذَا جَزَمَ النَّاس الَّذِينَ رَآهُمْ عُمَر عِنْد الْمِنْبَر بِذَلِكَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُمْ شَاعَ بَيْنهمْ ذَلِكَ مِنْ شَخْص بِنَاء عَلَى التَّوَهُّم الَّذِي تَوَهَّمَهُ مِنْ اِعْتِزَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فَظَنَّ لِكَوْنِهِ لَمْ تَجْرِ عَادَته بِذَلِكَ أَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ فَأَشَاعَ أَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ فَشَاعَ ذَلِكَ فَتَحَدَّثَ النَّاس بِهِ , وَأَخْلِقْ بِهَذَا الَّذِي اِبْتَدَأَ بِإِشَاعَةِ ذَلِكَ أَنْ يَكُون مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَمَا تَقَدَّمَ , وَفِيهِ الِاكْتِفَاء بِمَعْرِفَةِ الْحُكْم بِأَخْذِهِ عَنْ الْقَرِين مَعَ إِمْكَان أَخْذه عَالِيًا عَمَّنْ أَخَذَهُ عَنْهُ الْقَرِين , وَأَنَّ الرَّغْبَة فِي الْعُلُوّ حَيْثُ لَا يَعُوق عَنْهُ عَائِق شَرْعِيّ , وَيُمْكِن أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِذَلِكَ أَنْ يَسْتَفِيد مِنْهُ أُصُول مَا يَقَع فِي غَيْبَته ثُمَّ يَسْأَل عَنْهُ بَعْد ذَلِكَ مُشَافَهَة , وَهَذَا أَحَد فَوَائِد كِتَابَة أَطْرَاف الْحَدِيث.
وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَة عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّة الِاطِّلَاع عَلَى أَحْوَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَّتْ أَوْ قَلَّتْ , وَاهْتِمَامهمْ بِمَا يَهْتَمّ لَهُ لِإِطْلَاقِ الْأَنْصَارِيّ اِعْتِزَاله نِسَاءَهُ الَّذِي أَشْعَرَ عِنْده بِأَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ الْمُقْتَضِي وُقُوع غَمّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ أَعْظَم مِنْ طُرُوق مَلِك الشَّام الْغَسَّانِيّ بِجُيُوشِهِ الْمَدِينَة لِغَزْوِ مَنْ بِهَا , وَكَانَ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ الْأَنْصَارِيّ كَانَ يَتَحَقَّق أَنَّ عَدُوّهُمْ وَلَوْ طَرَقَهُمْ مَغْلُوب وَمَهْزُوم وَاحْتِمَال خِلَاف ذَلِكَ ضَعِيف , بِخِلَافِ الَّذِي وَقَعَ بِمَا تَوَهَّمَهُ مِنْ التَّطْلِيق الَّذِي يَتَحَقَّق مَعَهُ حُصُول الْغَمّ وَكَانُوا فِي الطَّرَف الْأَقْصَى مِنْ رِعَايَة خَاطِره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْصُل لَهُ تَشْوِيش وَلَوْ قَلَّ وَالْقَلَق لِمَا يُقْلِقهُ وَالْغَضَب لِمَا يُغْضِبهُ وَالْهَمّ لِمَا يُهِمّهُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
وَفِيهِ أَنَّ الْغَضَب وَالْحُزْن يَحْمِل الرَّجُل الْوَقُور عَلَى تَرْكِ التَّأَنِّي الْمَأْلُوف مِنْهُ لِقَوْلِ عُمَر : ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِد ثَلَاث مَرَّات.
وَفِيهِ شِدَّة الْفَزَع وَالْجَزَع لِلْأُمُورِ الْمُهِمَّة , وَجَوَاز نَظَر الْإِنْسَان إِلَى نَوَاحِي بَيْت صَاحِبه وَمَا فِيهِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكْرَه ذَلِكَ , وَبِهَذَا يُجْمَع بَيْن مَا وَقَعَ لِعُمَر وَبَيْن مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْي عَنْ فُضُول النَّظَر , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ النَّوَوِيّ.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون نَظَرُ عُمَر فِي بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ أَوَّلًا اِتِّفَاقًا فَرَأَى الشَّعِير وَالْقَرَظ مَثَلًا فَاسْتَقَلَّهُ فَرَفَعَ رَأْسه لِيَنْظُر هَلْ هُنَاكَ شَيْء أَنْفَس مِنْهُ فَلَمْ يَرَ إِلَّا الْأُهُب فَقَالَ مَا قَالَ , وَيَكُون النَّهْي مَحْمُولًا عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ النَّظَر فِي ذَلِكَ وَالتَّفْتِيش اِبْتِدَاء.
وَفِيهِ كَرَاهَة سُخْط النِّعْمَة وَاحْتِقَار مَا أَنْعَمَ اللَّه بِهِ وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا وَالِاسْتِغْفَار مِنْ وُقُوع ذَلِكَ وَطَلَب الِاسْتِغْفَار مِنْ أَهْل الْفَضْل وَإِيثَار الْقَنَاعَة وَعَدَم الِالْتِفَات إِلَى مَا خُصَّ بِهِ الْغَيْر مِنْ أُمُور الدُّنْيَا الْفَانِيَة.
وَفِيهِ الْمُعَاقَبَة عَلَى إِفْشَاء السِّرّ بِمَا يَلِيق بِمَنْ أَفْشَاهُ.


حديث لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو الْيَمَانِ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏شُعَيْبٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الزُّهْرِيِّ ‏ ‏قَالَ أَخْبَرَنِي ‏ ‏عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏ ‏قَالَ ‏ ‏لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ ‏ ‏عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْمَرْأَتَيْنِ ‏ ‏مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏ { ‏إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ ‏ ‏صَغَتْ ‏ ‏قُلُوبُكُمَا ‏} ‏حَتَّى حَجَّ وَحَجَجْتُ مَعَهُ ‏ ‏وَعَدَلَ ‏ ‏وَعَدَلْتُ ‏ ‏مَعَهُ ‏ ‏بِإِدَاوَةٍ ‏ ‏فَتَبَرَّزَ ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ فَقُلْتُ لَهُ ‏ ‏يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏ { ‏إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ ‏ ‏صَغَتْ ‏ ‏قُلُوبُكُمَا ‏} ‏قَالَ وَاعَجَبًا لَكَ يَا ‏ ‏ابْنَ عَبَّاسٍ ‏ ‏هُمَا ‏ ‏عَائِشَةُ ‏ ‏وَحَفْصَةُ ‏ ‏ثُمَّ اسْتَقْبَلَ ‏ ‏عُمَرُ ‏ ‏الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ قَالَ كُنْتُ أَنَا ‏ ‏وَجَارٌ لِي ‏ ‏مِنْ ‏ ‏الْأَنْصَارِ ‏ ‏فِي ‏ ‏بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ ‏ ‏وَهُمْ مِنْ ‏ ‏عَوَالِي الْمَدِينَةِ ‏ ‏وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَكُنَّا مَعْشَرَ ‏ ‏قُرَيْشٍ ‏ ‏نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى ‏ ‏الْأَنْصَارِ ‏ ‏إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ ‏ ‏فَطَفِقَ ‏ ‏نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ ‏ ‏الْأَنْصَارِ ‏ ‏فَصَخِبْتُ ‏ ‏عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي قَالَتْ وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لَيُرَاجِعْنَهُ وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهَا قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكِ مِنْهُنَّ ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى ‏ ‏حَفْصَةَ ‏ ‏فَقُلْتُ لَهَا أَيْ ‏ ‏حَفْصَةُ ‏ ‏أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ قَالَتْ نَعَمْ فَقُلْتُ قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَتَهْلِكِي لَا تَسْتَكْثِرِي النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَلَا تَهْجُرِيهِ وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ وَلَا ‏ ‏يَغُرَّنَّكِ ‏ ‏أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ ‏ ‏أَوْضَأَ ‏ ‏مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يُرِيدُ ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏عُمَرُ ‏ ‏وَكُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّ ‏ ‏غَسَّانَ ‏ ‏تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِغَزْوِنَا فَنَزَلَ صَاحِبِي الْأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ أَثَمَّ هُوَ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ قَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هُوَ أَجَاءَ ‏ ‏غَسَّانُ ‏ ‏قَالَ لَا بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَهْوَلُ طَلَّقَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏نِسَاءَهُ ‏ ‏وَقَالَ ‏ ‏عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ ‏ ‏سَمِعَ ‏ ‏ابْنَ عَبَّاسٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عُمَرَ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏اعْتَزَلَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَزْوَاجَهُ فَقُلْتُ خَابَتْ ‏ ‏حَفْصَةُ ‏ ‏وَخَسِرَتْ قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَدَخَلَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مَشْرُبَةً ‏ ‏لَهُ فَاعْتَزَلَ فِيهَا وَدَخَلْتُ عَلَى ‏ ‏حَفْصَةَ ‏ ‏فَإِذَا هِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكِ أَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ هَذَا أَطَلَّقَكُنَّ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَتْ لَا أَدْرِي هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي ‏ ‏الْمَشْرُبَةِ ‏ ‏فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ ‏ ‏رَهْطٌ ‏ ‏يَبْكِي بَعْضُهُمْ فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ ‏ ‏الْمَشْرُبَةَ ‏ ‏الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقُلْتُ ‏ ‏لِغُلَامٍ ‏ ‏لَهُ أَسْوَدَ اسْتَأْذِنْ ‏ ‏لِعُمَرَ ‏ ‏فَدَخَلَ الْغُلَامُ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ كَلَّمْتُ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ ‏ ‏الرَّهْطِ ‏ ‏الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ فَقُلْتُ لِلْغُلَامِ اسْتَأْذِنْ ‏ ‏لِعُمَرَ ‏ ‏فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ ‏ ‏الرَّهْطِ ‏ ‏الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ اسْتَأْذِنْ ‏ ‏لِعُمَرَ ‏ ‏فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَلَمَّا ‏ ‏وَلَّيْتُ ‏ ‏مُنْصَرِفًا قَالَ إِذَا الْغُلَامُ يَدْعُونِي فَقَالَ قَدْ أَذِنَ لَكَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ ‏ ‏أَدَمٍ ‏ ‏حَشْوُهَا لِيفٌ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَرَهُ فَقَالَ لَا فَقُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعْشَرَ ‏ ‏قُرَيْشٍ ‏ ‏نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا ‏ ‏الْمَدِينَةَ ‏ ‏إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏ثُمَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى ‏ ‏حَفْصَةَ ‏ ‏فَقُلْتُ لَهَا لَا ‏ ‏يَغُرَّنَّكِ ‏ ‏أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ ‏ ‏أَوْضَأَ ‏ ‏مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يُرِيدُ ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏تَبَسُّمَةً أُخْرَى فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ ‏ ‏أَهَبَةٍ ‏ ‏ثَلَاثَةٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ فَإِنَّ ‏ ‏فَارِسَ ‏ ‏وَالرُّومَ ‏ ‏قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَجَلَسَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ‏ ‏ابْنَ الْخَطَّابِ ‏ ‏إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ ‏ ‏حَفْصَةُ ‏ ‏إِلَى ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ قَالَ مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَى ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏فَبَدَأَ بِهَا فَقَالَتْ لَهُ ‏ ‏عَائِشَةُ ‏ ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ كُنْتَ قَدْ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا وَإِنَّمَا أَصْبَحْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًّا فَقَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً قَالَتْ ‏ ‏عَائِشَةُ ‏ ‏ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ ‏ ‏التَّخَيُّرِ ‏ ‏فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ فَاخْتَرْتُهُ ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ ‏ ‏عَائِشَةُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه

عن ‌أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه.»

إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنته...

عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، لعنتها الملائكة حتى تصبح.»

إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة...

عن ‌أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها، لعنتها الملائكة حتى ترجع.»

لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأ...

عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت م...

قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين

عن ‌أسامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى الن...

رأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط ورأيت أكثر أهلها...

عن ‌عبد الله بن عباس أنه قال: «خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام قياما طويلا نحوا من...

اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء

عن ‌عمران، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اطلعت في الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» تابعه أيوب وسلم بن زري...

صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لزوجك علي...

عن ‌عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال:...

كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته

عن ‌ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على...