حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الطلاق باب: قول الله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن (حديث رقم: 5251 )


5251- عن ‌عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، «أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء.»

أخرجه البخاري

شرح حديث (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله ( أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته ) ‏ ‏فِي مُسْلِم مِنْ رِوَايَة اللَّيْث عَنْ نَافِع " أَنَّ اِبْن عُمَر طَلَّقَ اِمْرَأَة لَهُ " وَعِنْده مِنْ رِوَايَة عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر " طَلَّقْت اِمْرَأَتِي " وَكَذَا فِي رِوَايَة شُعْبَة عَنْ أَنَس بْن سِيرِينَ عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ النَّوَوِيّ فِي تَهْذِيبه : اِسْمهَا آمِنَة بِنْت غَفَّار قَالَهُ اِبْن بَاطِيشٍ , وَنَقَلَهُ عَنْ النَّوَوِيّ جَمَاعَة مِمَّنْ بَعْده مِنْهُمْ الذَّهَبِيّ فِي " تَجْرِيد الصَّحَابَة " لَكِنْ قَالَ فِي مُبْهَمَاته : فَكَأَنَّهُ أَرَادَ مُبْهَمَات التَّهْذِيب.
وَأَوْرَدَهَا الذَّهَبِيّ فِي آمِنَة بِالْمَدِّ وَكَسْر الْمِيم ثُمَّ نُون وَأَبُوهَا غِفَار ضَبَطَهُ اِبْن يَقَظَة بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء , وَلَكِنِّي رَأَيْت مُسْتَنِد اِبْن بَاطِيشٍ فِي أَحَادِيث قُتَيْبَة جَمْع سَعِيد الْعَيَّار بِسَنَدٍ فِيهِ اِبْن لَهِيعَة أَنَّ اِبْن عُمَر طَلَّقَ اِمْرَأَته آمِنَة بِنْت عَمَّار ; كَذَا رَأَيْتهَا فِي بَعْض الْأُصُول بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ مِيم ثَقِيلَة وَالْأَوَّل أَوْلَى , وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ مَا رَأَيْته فِي مُسْنَد أَحْمَد قَالَ " حَدَّثَنَا يُونُس حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ نَافِع أَنَّ عَبْد اللَّه طَلَّقَ اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض , فَقَالَ عُمَر : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ عَبْد اللَّه طَلَّقَ اِمْرَأَته النَّوَار , فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعهَا " الْحَدِيث , وَهَذَا الْإِسْنَاد عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْنِ , وَيُونُس شَيْخ أَحْمَد هُوَ اِبْن مُحَمَّد الْمُؤَدِّب مِنْ رِجَالهمَا , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ قُتَيْبَة عَنْ اللَّيْث وَلَكِنْ لَمْ تُسَمَّ عِنْدهمَا , وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنْ يَكُون اِسْمهَا آمِنَة وَلَقَبهَا النَّوَار.
‏ ‏قَوْله ( وَهِيَ حَائِض ) ‏ ‏فِي رِوَايَة قَاسِم بْن أَصْبَغ مِنْ طَرِيق عَبْد الْحَمِيد بْن جَعْفَر عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته وَهِيَ فِي دَمهَا حَائِض , وَعِنْد الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيق مَيْمُون بْن مِهْرَانَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته فِي حَيْضهَا.
‏ ‏قَوْله ( عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ‏ ‏كَذَا فِي رِوَايَة مَالِك وَمِثْله عِنْد مُسْلِم مِنْ رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر عَنْ اِبْن عُمَر , وَأَكْثَر الرُّوَاة لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ اِسْتِغْنَاء بِمَا فِي الْخَبَر أَنَّ عُمَر سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْتَلْزَمَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي عَهْده , وَزَادَ اللَّيْث عَنْ نَافِع " تَطْلِيقَة وَاحِدَة " أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَقَالَ فِي آخِره " جَوَّدَ اللَّيْث فِي قَوْله تَطْلِيقَة وَاحِدَة " ا ه , وَكَذَا وَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن سِيرِينَ قَالَ " مَكَثْت عِشْرِينَ سَنَةً يُحَدِّثنِي مَنْ لَا أَتَّهِم أَنَّ اِبْن عُمَر طَلَّقَ اِمْرَأَته ثَلَاثًا وَهِيَ حَائِض فَأُمِرَ أَنْ يُرَاجِعهَا , فَكُنْت لَا أَتَّهِمهُمْ وَلَا أَعْرِف وَجْه الْحَدِيث , حَتَّى لَقِيت أَبَا غَلَّاب يُونُس بْن جُبَيْر وَكَانَ ذَا ثَبَتٍ , فَحَدَّثَنِي أَنَّهُ سَأَلَ اِبْن عُمَر فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ " طَلَّقَ اِمْرَأَته تَطْلِيقَة وَهِيَ حَائِض " وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ قَالَ " طَلَّقَ اِبْن عُمَر اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض وَاحِدَة " وَمِنْ طَرِيق عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ الْحَسَن عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ " طَلَّقَ اِمْرَأَته تَطْلِيقَة وَهِيَ حَائِض ".
‏ ‏قَوْله ( فَسَأَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ نَافِع " فَأَتَى عُمَر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ " أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ , وَكَذَا سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ رِوَايَة قَتَادَةَ عَنْ يُونُس بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عُمَر , وَكَذَا عِنْد مُسْلِم مِنْ رِوَايَة يُونُس بْن عُبَيْد عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ يُونُس بْن جُبَيْر , وَكَذَا عِنْده فِي رِوَايَة طَاوُسٍ عَنْ اِبْن عُمَر , وَكَذَا فِي رِوَايَة الشَّعْبِيّ الْمَذْكُورَة , وَزَادَ فِيهِ الزُّهْرِيُّ فِي رِوَايَته كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّفْسِير " عَنْ سَالِم أَنَّ اِبْن عُمَر أَخْبَرَهُ , فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي رِوَايَة غَيْر سَالِم , وَهُوَ أَجَلُّ مَنْ رَوَى الْحَدِيث عَنْ اِبْن عُمَر , وَفِيهِ إِشْعَار بِأَنَّ الطَّلَاق فِي الْحَيْض كَانَ تَقَدَّمَ النَّهْيُ عَنْهُ.
وَإِلَّا لَمْ يَقَع التَّغَيُّظ عَلَى أَمْر لَمْ يَسْبِق النَّهْي عَنْهُ.
وَلَا يُعَكِّر عَلَى ذَلِكَ مُبَادَرَة عُمَر بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون عَرَفَ حُكْم الطَّلَاق فِي الْحَيْض وَأَنَّهُ مَنْهِيّ عَنْهُ وَلَمْ يَعْرِف مَاذَا يَصْنَع مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ , قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : سُؤَال عُمَر مُحْتَمِل لِأَنْ يَكُون أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا قَبْلهَا مِثْلهَا فَسَأَلَ لِيَعْلَم , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لَمَّا رَأَى فِي الْقُرْآن قَوْله ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) وَقَوْله ( يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء ) أَرَادَ أَنْ يَعْلَم أَنَّ هَذَا قُرْء أَمْ لَا ؟ وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون سَمِعَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْي فَجَاءَ لِيَسْأَل عَنْ الْحُكْم بَعْد ذَلِكَ.
وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : وَتَغَيُّظُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَقْتَضِي الْمَنْع كَانَ ظَاهِرًا فَكَانَ مُقْتَضَى الْحَال التَّثَبُّت فِي ذَلِكَ , أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُقْتَضَى الْحَال مُشَاوَرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ إِذَا عَزَمَ عَلَيْهِ.
‏ ‏قَوْله ( مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ) ‏ ‏قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : يَتَعَلَّق بِهِ مَسْأَلَة أُصُولِيَّة , وَهِيَ أَنَّ الْأَمْر بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ هَلْ هُوَ أَمْر بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَر مُرْهُ , فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَأْمُرهُ.
قُلْت : هَذِهِ الْمَسْأَلَة ذَكَرَهَا اِبْن الْحَاجِب فَقَالَ : الْأَمْر بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْء , لَنَا لَوْ كَانَ لَكَانَ مُرْ عَبْدك بِكَذَا تَعَدِّيًا , وَلَكَانَ يُنَاقِض قَوْلك لِلْعَبْدِ لَا تَفْعَل.
قَالُوا : فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ أَمْر اللَّه وَرَسُوله وَمِنْ قَوْل الْمَلِك لِوَزِيرِهِ قُلْ لِفُلَانٍ اِفْعَلْ.
قُلْنَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُبَلِّغ.
قُلْت : وَالْحَاصِل أَنَّ النَّفْي إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ تَجَرَّدَ الْأَمْر , وَأَمَّا إِذَا وُجِدَتْ قَرِينَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ الْآمِر الْأَوَّل أَمَرَ الْمَأْمُور الْأَوَّل أَنْ يُبَلِّغ الْمَأْمُور الثَّانِي فَلَا , وَيَنْبَغِي أَنْ يُنَزَّلَ كَلَام الْفَرِيقَيْنِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيل فَيَرْتَفِع الْخِلَاف.
وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْن الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ : إِنْ كَانَ الْأَمْر الْأَوَّل بِحَيْثُ يَسُوغ لَهُ الْحُكْمُ عَلَى الْمَأْمُور الثَّانِي فَهُوَ آمِر لَهُ وَإِلَّا فَلَا , وَهَذَا قَوِيّ , وَهُوَ مُسْتَفَاد مِنْ الدَّلِيل الَّذِي اِسْتَدَلَّ بِهِ اِبْن الْحَاجِب عَلَى النَّفْي , لِأَنَّهُ لَا يَكُون مُتَعَدِّيًا إِلَّا إِذَا أَمَرَ مَنْ لَا حُكْم لَهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَصِير مُتَصَرِّفًا فِي مِلْك غَيْره بِغَيْرِ إِذْنه , وَالشَّارِع حَاكِم عَلَى الْآمِر وَالْمَأْمُور فَوُجِدَ فِيهِ سُلْطَان التَّكْلِيف عَلَى الْفَرِيقَيْنِ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( وَأْمُرْ أَهْلَك بِالصَّلَاةِ ) فَإِنَّ كُلّ أَحَد يَفْهَم مِنْهُ أَمْر اللَّه لِأَهْلِ بَيْته بِالصَّلَاةِ , وَمِثْله حَدِيث الْبَاب , فَإِنَّ عُمَر إِنَّمَا اِسْتَفْتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ لِيَمْتَثِل مَا يَأْمُرهُ بِهِ وَيُلْزِم اِبْنه بِهِ , فَمَنْ مَثَّلَ بِهَذَا الْحَدِيث لِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فَهُوَ غَالِطٌ , فَإِنَّ الْقَرِينَة وَاضِحَة فِي أَنَّ عُمَر فِي هَذِهِ الْكَائِنَة كَانَ مَأْمُورًا بِالتَّبْلِيغِ , وَلِهَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَة أَيُّوب عَنْ نَافِع " فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعهَا " وَفِي رِوَايَة أَنَس بْن سِيرِينَ وَيُونُس بْن جُبَيْر وَطَاوُسٍ عَنْ اِبْن عُمَر وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِم " فَلْيُرَاجِعْهَا " وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ " فَرَاجَعَهَا عَبْد اللَّه كَمَا أَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر عَنْ اِبْن عُمَر " لِيُرَاجِعْهَا " وَفِي رِوَايَة اللَّيْث عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر " فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي بِهَذَا " وَقَدْ اِقْتَضَى كَلَام سُلَيْمٍ الرَّازِيّ فِي " التَّقْرِيب " أَنَّهُ يَجِب عَلَى الثَّانِي الْفِعْل جَزْمًا وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي تَسْمِيَته آمِرًا فَرَجَعَ الْخِلَاف عِنْده لَفْظِيًّا.
وَقَالَ الْفَخْر الرَّازِيّ فِي " الْمَحْصُول " : الْحَقّ أَنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا قَالَ لِزَيْدٍ أَوْجَبْت عَلَى عَمْرو كَذَا وَقَالَ لِعَمْرٍو كُلّ مَا أَوْجَبَ عَلَيْك زَيْد فَهُوَ وَاجِب عَلَيْك كَانَ الْأَمْر بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرًا بِالشَّيْءِ.
قُلْت : وَهَذَا يُمْكِن أَنْ يُؤْخَذ مِنْهُ التَّفْرِقَة بَيْن الْأَمْر الصَّادِر مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ غَيْره , فَمهمَا أَمَرَ الرَّسُول أَحَدًا أَنْ يَأْمُر بِهِ غَيْره وَجَبَ لِأَنَّ اللَّه أَوْجَبَ طَاعَته وَهُوَ أَوْجَبَ طَاعَة أَمِيره كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح " مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه , وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي " وَأَمَّا غَيْره مِمَّنْ بَعْده فَلَا , وَفِيهِمْ تَظْهَر صُورَة التَّعَدِّي الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا اِبْن الْحَاجِب.
وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَرَدَّد فِي اِقْتِضَاء ذَلِكَ الطَّلَب , وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَر فِي أَنَّ لَوَازِم صِيغَة الْأَمْر هَلْ هِيَ لَوَازِم صِيغَة الْأَمْر بِالْأَمْرِ أَوْ لَا ؟ بِمَعْنَى أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الدَّلَالَة عَلَى الطَّلَب مِنْ وَجْه وَاحِد أَوْ لَا.
قُلْت : وَهُوَ حَسَن , فَإِنَّ أَصْل الْمَسْأَلَة الَّتِي اِنْبَنَى عَلَيْهَا هَذَا الْخِلَاف حَدِيث " مُرُوا أَوْلَادكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ " فَإِنَّ الْأَوْلَاد لَيْسُوا بِمُكَلَّفِينَ فَلَا يَتَّجِهُ عَلَيْهِمْ الْوُجُوب , وَإِنَّمَا الطَّلَب مُتَوَجِّه عَلَى أَوْلِيَائِهِمْ أَنْ يُعَلِّمُوهُمْ ذَلِكَ , فَهُوَ مَطْلُوب مِنْ الْأَوْلَاد بِهَذِهِ الطَّرِيق وَلَيْسَ مُسَاوِيًا لِلْأَمْرِ الْأَوَّل , وَهَذَا إِنَّمَا عَرَضَ مِنْ أَمْر خَارِج وَهُوَ اِمْتِنَاع تَوَجُّه الْأَمْر عَلَى غَيْر الْمُكَلَّف , وَهُوَ بِخِلَافِ الْقِصَّة الَّتِي فِي حَدِيث الْبَاب.
وَالْحَاصِل أَنَّ الْخِطَاب إِذَا تَوَجَّهَ لِمُكَلَّفٍ أَنْ يَأْمُر مُكَلَّفًا آخَر بِفِعْلِ شَيْء كَانَ الْمُكَلَّف الْأَوَّل مُبَلِّغًا مَحْضًا وَالثَّانِي مَأْمُور مِنْ قِبَل الشَّارِع , وَهَذَا كَقَوْلِهِ لِمَالِك بْن الْحُوَيْرِث وَأَصْحَابه " وَمُرُوهُمْ بِصَلَاةِ كَذَا فِي حِين كَذَا " وَقَوْله لِرَسُولِ اِبْنَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ " وَنَظَائِره كَثِيرَة , فَإِذَا أَمَرَ الْأَوَّل الثَّانِي بِذَلِكَ فَلَمْ يَمْتَثِلهُ كَانَ عَاصِيًا , وَإِنْ تَوَجَّهَ الْخِطَاب مِنْ الشَّارِع لِمُكَلَّفٍ أَنْ يَأْمُر غَيْر مُكَلَّف أَوْ تَوَجَّهَ الْخِطَاب مِنْ غَيْر الشَّارِع بِأَمْرِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ الْأَمْر أَنْ يَأْمُر مَنْ لَا أَمْر لِلْأَوَّلِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ الْأَمْر بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرًا بِالشَّيْءِ فَالصُّورَة الْأَوْلَى هِيَ الَّتِي نَشَأَ عَنْهَا الِاخْتِلَاف وَهُوَ أَمْر أَوْلِيَاء الصِّبْيَان أَنْ يَأْمُرُوا الصِّبْيَان , وَالصُّورَة الثَّانِيَة هِيَ الَّتِي يَتَصَوَّر فِيهَا أَنْ يَكُون الْأَمْر مُتَعَدِّيًا بِأَمْرِهِ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَأْمُر الثَّانِي , فَهَذَا فَصْل الْخِطَاب فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَاللَّهُ الْمُسْتَعَان.
وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوب الْمُرَاجَعَة , فَذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِك وَأَحْمَد فِي رِوَايَة , وَالْمَشْهُور عَنْهُ - وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور - أَنَّهَا مُسْتَحَبَّة , وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اِبْتِدَاء النِّكَاح لَا يَجِب فَاسْتِدَامَتُهُ كَذَلِكَ , لَكِنْ صَحَّحَ صَاحِب " الْهِدَايَة " مِنْ الْحَنَفِيَّة أَنَّهَا وَاجِبَة , وَالْحُجَّة لِمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ وُرُود الْأَمْر بِهَا , وَلِأَنَّ الطَّلَاق لَمَّا كَانَ مُحَرَّمًا فِي الْحَيْض كَانَتْ اِسْتِدَامَة النِّكَاح فِيهِ وَاجِبَة , فَلَوْ تَمَادَى الَّذِي طَلَّقَ فِي الْحَيْض حَتَّى طَهُرَتْ قَالَ مَالِك وَأَكْثَر أَصْحَابه : يُجْبَر عَلَى الرَّجْعَة أَيْضًا , وَقَالَ أَشْهَب مِنْهُمْ إِذَا طَهُرَتْ اِنْتَهَى الْأَمْر بِالرَّجْعَةِ , وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا إِذَا اِنْقَضَتْ عِدَّتهَا أَنْ لَا رَجْعَة , وَأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ فِي طُهْر قَدْ مَسَّهَا فِيهِ لَا يُؤْمَر بِمُرَاجَعَتِهَا , كَذَا نَقَلَهُ اِبْن بَطَّالٍ وَغَيْره , لَكِنَّ الْخِلَاف فِيهِ ثَابِت قَدْ حَكَاهُ الْحَنَّاطِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّة وَجْهًا , وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ قَبْل الدُّخُول وَهِيَ حَائِض لَمْ يُؤْمَر بِالْمُرَاجَعَةِ إِلَّا مَا نُقِلَ عَنْ زُفَر فَطَرَدَ الْبَاب.
‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا ) ‏ ‏أَيْ يَسْتَمِرّ بِهَا فِي عِصْمَته.
‏ ‏قَوْله ( حَتَّى تَطْهُر ثُمَّ تَحِيض ثُمَّ تَطْهُر ) ‏ ‏فِي رِوَايَة عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع " ثُمَّ لِيَدَعْهَا حَتَّى تَطْهُر , ثُمَّ تَحِيض حَيْضَة أُخْرَى فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا " وَنَحْوه فِي رِوَايَة اللَّيْث وَأَيُّوب عَنْ نَافِع , وَكَذَا عِنْد مُسْلِم مِنْ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن دِينَار , وَكَذَا عِنْدهمَا مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِم , وَعِنْد مُسْلِم مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ سَالِم بِلَفْظِ " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا , ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا " قَالَ الشَّافِعِيّ : غَيْر نَافِع إِنَّمَا رَوَى " حَتَّى تَطْهُر مِنْ الْحَيْضَة الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ " رَوَاهُ يُونُس بْن جُبَيْر وَأَنَس بْن سِيرِينَ وَسَالِم قُلْت : وَهُوَ كَمَا قَالَ , لَكِنَّ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِم مُوَافَقَة لِرِوَايَةِ نَافِع , وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ , وَالزِّيَادَة مِنْ الثِّقَة مَقْبُولَة وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ حَافِظًا.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَة فِي ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيّ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون أَرَادَ بِذَلِكَ - أَيْ بِمَا فِي رِوَايَة نَافِع - أَنْ يَسْتَبْرِئهَا بَعْد الْحَيْضَة الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا بِطُهْرٍ تَامّ ثُمَّ حَيْض تَامّ لِيَكُونَ تَطْلِيقهَا وَهِيَ تَعْلَم عِدَّتهَا إِمَّا بِحَمْلٍ أَوْ بِحَيْضٍ , أَوْ لِيَكُونَ تَطْلِيقُهَا بَعْد عِلْمه بِالْحَمْلِ وَهُوَ غَيْر جَاهِل بِمَا صَنَعَ إِذْ يَرْغَب فَيُمْسِكُ لِلْحَمْلِ أَوْ لِيَكُونَ إِنْ كَانَتْ سَأَلَتْ الطَّلَاق غَيْر حَامِل أَنْ تَكُفّ عَنْهُ.
وَقِيلَ : الْحِكْمَة فِيهِ أَنْ لَا تَصِير الرَّجْعَة لِغَرَضِ الطَّلَاق , فَإِذَا أَمْسَكَهَا زَمَانًا يَحِلّ لَهُ فِيهِ طَلَاقهَا ظَهَرَتْ فَائِدَة الرَّجْعَة , لِأَنَّهُ قَدْ يَطُول مَقَامه مَعَهَا , فَقَدْ يُجَامِعهَا فَيَذْهَب مَا فِي نَفْسه مِنْ سَبَب طَلَاقهَا فَيُمْسِكُهَا.
وَقِيلَ : إِنَّ الطُّهْر الَّذِي يَلِي الْحَيْض الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ كَقُرْءٍ وَاحِد , فَلَوْ طَلَّقَهَا فِيهِ لَكَانَ كَمَنْ طَلَّقَ فِي الْحَيْض , وَهُوَ مُمْتَنَع مِنْ الطَّلَاق فِي الْحَيْض , فَلَزِمَ أَنْ يَتَأَخَّر إِلَى الطُّهْر الثَّانِي.
وَاخْتُلِفَ فِي جَوَاز تَطْلِيقهَا فِي الطُّهْر الَّذِي يَلِي الْحَيْضَة الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاق وَالرَّجْعَة.
وَفِيهِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ أَصَحّهمَا الْمَنْع , وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي , وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه ظَاهِر الزِّيَادَة الَّتِي فِي الْحَدِيث.
وَعِبَارَة الْغَزَالِيّ فِي " الْوَسِيط " وَتَبِعَهُ مُجَلِّي : هِلّ يَجُوز أَنْ يُطَلِّق فِي هَذَا الطُّهْر ؟ وَجْهَانِ.
وَكَلَام الْمَالِكِيَّة يَقْتَضِي أَنَّ التَّأْخِير مُسْتَحَبّ.
وَقَالَ اِبْن تَيْمِيَّةَ فِي " الْمُحَرَّر " : وَلَا يُطَلِّقهَا فِي الطُّهْر الْمُتَعَقِّب لَهُ فَإِنَّهُ بِدْعَة , وَعَنْهُ - أَيْ عَنْ أَحْمَد - جَوَاز ذَلِكَ.
وَفِي كُتُب الْحَنَفِيَّة عَنْ أَبِي حَنِيفَة الْجَوَاز , وَعَنْ أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد الْمَنْع , وَوَجْه الْجَوَاز أَنَّ التَّحْرِيم إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْحَيْض , فَإِذَا طَهُرَتْ زَالَ مُوجِب التَّحْرِيم فَجَازَ طَلَاقهَا فِي هَذَا الطُّهْر كَمَا يَجُوز فِي الطُّهْر الَّذِي بَعْده , وَكَمَا يَجُوز طَلَاقهَا فِي الطُّهْر إِنْ لَمْ يَتَقَدَّم طَلَاق فِي الْحَيْض , وَقَدْ ذَكَرْنَا حِجَج الْمَانِعِينَ , وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا عَقِب تِلْكَ الْحَيْضَة كَانَ قَدْ رَاجَعَهَا لِيُطَلِّقهَا , وَهَذَا عَكَسَ مَقْصُود الرَّجْعَة فَإِنَّهَا شُرِعَتْ لِإِيوَاءِ الْمَرْأَة وَلِهَذَا سَمَّاهَا إِمْسَاكًا فَأَمَرَهُ أَنْ يُمْسِكهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْر وَأَنْ لَا يُطَلِّق فِيهِ حَتَّى تَحِيض حَيْضَة أُخْرَى ثُمَّ تَطْهُر لِتَكُونَ الرَّجْعَة لِلْإِمْسَاكِ لَا لِلطَّلَاقِ , وَيُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِع أَكَّدَ هَذَا الْمَعْنَى حَيْثُ أَمَرَ بِأَنْ يُمْسِكهَا فِي الطُّهْر الَّذِي يَلِي الْحَيْض الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ , لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة عَبْد الْحَمِيد بْن جَعْفَر " مُرْهُ أَنْ يُرَاجِعهَا فَإِذَا طَهُرَتْ أَمْسَكَهَا حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ أُخْرَى فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا " فَإِذَا كَانَ قَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُمْسِكهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْر فَكَيْف يُبِيح لَهُ أَنْ يُطَلِّقهَا فِيهِ ؟ وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْي عَنْ الطَّلَاق فِي طُهْر جَامَعَهَا فِيهِ.
‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْل أَنْ يَمَسّ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة أَيُّوب " ثُمَّ يُطَلِّقهَا قَبْل أَنْ يَمَسّهَا " وَفِي رِوَايَة عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر " فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْل أَنْ يُجَامِعهَا أَوْ يُمْسِكهَا " وَنَحْوه فِي رِوَايَة اللَّيْث , وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِم " فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْل أَنْ يَمَسّهَا " وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ سَالِم " ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا " وَتَمَسَّكَ بِهَذِهِ الزِّيَادَة مَنْ اِسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيم الطَّلَاق فِي طُهْر جَامَعَ فِيهِ مَا إِذَا ظَهَرَ الْحَمْل فَإِنَّهُ لَا يَحْرُم.
وَالْحِكْمَة فِيهِ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ الْحَمْل فَقَدْ أَقْدَم عَلَى ذَلِكَ عَلَى بَصِيرَة فَلَا يَنْدَم عَلَى الطَّلَاق , وَأَيْضًا فَإِنَّ زَمَن الْحَمْل زَمَن الرَّغْبَة فِي الْوَطْء فَإِقْدَامه عَلَى الطَّلَاق فِيهِ يَدُلّ عَلَى رَغْبَته عَنْهَا , وَمَحَلّ ذَلِكَ أَنْ يَكُون الْحَمْل مِنْ الْمُطَلِّق , فَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْره بِأَنْ نَكَحَ حَامِلًا مِنْ زِنًا وَوَطِئَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ وُطِئَتْ مَنْكُوحَةٌ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ حَمَلَتْ مِنْهُ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَإِنَّ الطَّلَاق يَكُون بِدْعِيًّا , لِأَنَّ عِدَّة الطَّلَاق تَقَع بَعْد وَضْع الْحَمْل وَالنَّقَاء مِنْ النِّفَاس , فَلَا تُشْرَع عَقِب الطَّلَاق فِي الْعِدَّة كَمَا فِي الْحَامِل مِنْهُ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِي قَوْله " ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ " دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ حَائِض : إِذَا طَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِق لَا يَكُون مُطَلِّقًا لِلسُّنَّةِ , لِأَنَّ الْمُطَلِّق لِلسُّنَّةِ هُوَ الَّذِي يَكُون مُخَيَّرًا عِنْد وُقُوع طَلَاقه بَيْن إِيقَاع الطَّلَاق وَتَرْكه , وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ " قَبْل أَنْ يَمَسّ " عَلَى أَنَّ الطَّلَاق فِي طُهْر جَامَعَ فِيهِ حَرَامٌ , وَبِهِ صَرَّحَ الْجُمْهُور , فَلَوْ طَلَّقَ هَلْ يُجْبَر عَلَى الرَّجْعَة كَمَا يُجْبَر عَلَيْهَا إِذَا طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِض ؟ طَرَدَهُ بَعْض الْمَالِكِيَّة فِيهِمَا , وَالْمَشْهُور عَنْهُمْ إِجْبَاره فِي الْحَائِض دُون الطَّاهِر , وَقَالُوا فِيمَا إِذَا طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِض : يُجْبَر عَلَى الرَّجْعَة , فَإِنْ اِمْتَنَعَ أَدَّبَهُ الْحَاكِم , فَإِنْ أَصَرَّ اِرْتَجَعَ الْحَاكِم عَلَيْهِ.
وَهَلْ يَجُوز لَهُ وَطْؤُهَا ؟ بِذَلِكَ رِوَايَتَانِ لَهُمْ أَصَحّهمَا الْجَوَاز , وَعَنْ دَاوُدَ يُجْبَر عَلَى الرَّجْعَة إِذَا طَلَّقَهَا حَائِضًا وَلَا يُجْبَر إِذَا طَلَّقَهَا نُفَسَاء ; وَهُوَ جُمُود.
وَوَقَعَ فِيهِ رِوَايَة مُسْلِم مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن مَوْلَى آل طَلْحَة عَنْ سَالِم عَنْ اِبْن عُمَر " ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا " وَفِي رِوَايَته مِنْ طَرِيق اِبْن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ " فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضهَا " وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ طَاهِرًا هَلْ الْمُرَاد بِهِ اِنْقِطَاع الدَّم أَوْ التَّطَهُّر بِالْغُسْلِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ , وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد , وَالرَّاجِح الثَّانِي , لِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع فِي هَذِهِ الْقِصَّة قَالَ " مُرْ عَبْد اللَّه فَلْيُرَاجِعْهَا , فَإِذَا اِغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتهَا الْأُخْرَى فَلَا يَمَسّهَا حَتَّى يُطَلِّقهَا , وَإِنْ شَاءَ يُمْسِكهَا فَلْيُمْسِكْهَا " وَهَذَا مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ " فَإِذَا طَهُرَتْ " فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِ , وَيَتَفَرَّع مِنْ هَذَا أَنَّ الْعِدَّة هَلْ تَنْقَضِي بِانْقِطَاعِ الدَّم وَتَرْتَفِع الرَّجْعَة , أَوْ لَا بُدّ مِنْ الِاغْتِسَال ؟ فِيهِ خِلَاف أَيْضًا.
وَالْحَاصِل أَنَّ الْأَحْكَام الْمُرَتَّبَة عَلَى الْحَيْض نَوْعَانِ : الْأَوَّل يَزُول بِانْقِطَاعِ الدَّم كَصِحَّةِ الْغُسْل وَالصَّوْم وَتَرَتُّب الصَّلَاة فِي الذِّمَّة , وَالثَّانِي لَا يَزُول إِلَّا بِالْغُسْلِ كَصِحَّةِ الصَّلَاة وَالطَّوَاف وَجَوَاز اللُّبْث فِي الْمَسْجِد , فَهَلْ يَكُون الطَّلَاق مِنْ النَّوْع الْأَوَّل أَوْ مِنْ الثَّانِي ؟ وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ " ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا " مَنْ ذَهَب إِلَى أَنَّ طَلَاق الْحَامِل سُنِّيٌّ , وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور , وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَة أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَلَا بِدْعِيّ.
‏ ‏قَوْله ( فَتِلْكَ الْعِدَّة الَّتِي أَمَرَ اللَّه أَنْ يُطَلَّق لَهَا النِّسَاء ) ‏ ‏أَيْ أَذِنَ , وَهَذَا بَيَان لِمُرَادِ الْآيَة وَهِيَ قَوْله تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) وَصَرَّحَ مَعْمَر فِي رِوَايَته عَنْ أَيُّوب عَنْ نَافِع بِأَنَّ هَذَا الْكَلَام عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي رِوَايَة الزُّبَيْر عِنْد مُسْلِم قَالَ اِبْن عُمَر " وَقَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاء ) الْآيَة " وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْإِقْرَاء أَطْهَار لِلْأَمْرِ بِطَلَاقِهَا فِي الطُّهْر , وَقَوْله ( فَطُلَقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) أَيْ وَقْت اِبْتِدَاء عِدَّتهنَّ , وَقَدْ جَعَلَ لِلْمُطَلَّقَةِ تَرَبُّص ثَلَاثَة قُرُوء , فَلَمَّا نَهَى عَنْ الطَّلَاق فِي الْحَيْض وَقَالَ إِنَّ الطَّلَاق فِي الطُّهْر هُوَ الطَّلَاق الْمَأْذُون فِيهِ عُلِمَ أَنَّ الْإِقْرَاء الْأَطْهَار , قَالَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ.
وَسَأَذْكُرُ بَقِيَّة فَوَائِد حَدِيث اِبْن عُمَر فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.


حديث أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنِي ‏ ‏مَالِكٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏نَافِعٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏ ‏أَنَّهُ طَلَّقَ ‏ ‏امْرَأَتَهُ ‏ ‏وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَسَأَلَ ‏ ‏عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏ ‏رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

طلق ابن عمر امرأته وهي حائض فذكر عمر للنبي ﷺ فقا...

‌ابن عمر قال: «طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليراجعها.<br> قلت: تحتسب.<br> قال: فمه» وعن قتادة، عن يونس بن جبي...

قالت أعوذ بالله منك فقال لها لقد عذت بعظيم الحقي ب...

: حدثنا ‌الأوزاعي قال: «سألت الزهري: أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه؟ قال: أخبرني عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن ابنة الجون لما أدخلت...

أهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك

عن ‌أبي أسيد رضي الله عنه قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط، حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما، فقال النبي...

أمره أن يراجعها فإذا طهرت فأراد أن يطلقها فليطلقها

عن ‌أبي غلاب يونس بن جبير قال: «قلت لابن عمر: رجل طلق امرأته وهي حائض، فقال: تعرف ابن عمر، إن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله علي...

كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا ق...

عن ‌ابن شهاب أن ‌سهل بن سعد الساعدي أخبره «أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقت...

إن رفاعة طلقني فبت طلاقي وإني نكحت بعده

عن عائشة «أن امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقني فبت طلاقي، وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الز...

لا حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول

عن ‌عائشة، «أن رجلا طلق امرأته ثلاثا، فتزوجت فطلق، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أتحل للأول؟ قال: لا، حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول.»

خيرنا رسول الله ﷺ فاخترنا الله ورسوله

عن ‌عائشة رضي الله عنها قالت: «خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنا الله ورسوله، فلم يعد ذلك علينا شيئا.»

سألت عائشة عن الخيرة فقالت خيرنا النبي ﷺ

عن ‌مسروق قال: «سألت عائشة، عن الخيرة فقالت: خيرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أفكان طلاقا؟» قال مسروق: لا أبالي أخيرتها واحدة أو مائة بعد أن تختارني.<b...