5252-
ابن عمر قال: «طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليراجعها.
قلت: تحتسب.
قال: فمه» وعن قتادة، عن يونس بن جبير، عن ابن عمر قال: مره فليراجعها.
قلت: تحتسب؟ قال: أرأيت إن عجز واستحمق.
؟ 5253- حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، قال: «حسبت علي بتطليقة»
أخرجه مسلم في الطلاق باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها رقم 1471
(فمه) أصله فما بدلت الألف هاء ومعناها فما يكون إذا لم تحتسب الطلقة]
وعن قتادة عن يونس بن جبير عن ابن عمر قال (مره فليرجعها).
قلت تحتسب؟ قال أرأيت إن عجز واستحمق
وقال أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال حسبت علي بتطليقة
[ر 4625]
[ش (عجز واستحمق) عجز عن الرجعة وفعل فعل الأحمق فهل يسقط ذلك حكم الطلاق
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( شُعْبَة عَنْ أَنَس بْن سِيرِينَ قَالَ سَمِعْت اِبْن عُمَر قَالَ : طَلَّقَ اِبْن عُمَر اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض , فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَر لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لِيُرَاجِعْهَا.
قُلْت : تُحْتَسَبُ ؟ قَالَ : فَمَهْ ) ؟ الْقَائِل " قُلْت " هُوَ أَنَس بْن سِيرِينَ وَالْمَقُول لَهُ اِبْن عُمَر بَيَّنَ ذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَته عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر عَنْ شُعْبَة , وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن جَعْفَر , وَقَدْ سَاقَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان عَنْ اِبْن سِيرِينَ مُطَوَّلًا كَمَا سَأَذْكُرُهُ بَعْد ذَلِكَ.
قَوْله ( وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُس بْن جُبَيْر ) هُوَ مَعْطُوف عَلَى قَوْله " عَنْ أَنَس بْن سِيرِينَ " فَهُوَ مَوْصُول , وَهُوَ مِنْ رِوَايَة شُعْبَة عَنْ قَتَادَةَ , وَلَقَدْ أَفْرَدَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن جَعْفَر عَنْ شُعْبَة عَنْ قَتَادَةَ " سَمِعْت يُونُس بْن جُبَيْر ".
قَوْله ( عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ) هَكَذَا اِخْتَصَرَهُ , وَمُرَاده أَنَّ يُونُس بْن جُبَيْر حَكَى الْقِصَّة نَحْو مَا ذَكَرَهَا أَنَس بْن سِيرِينَ سِوَى مَا بَيَّنَ مِنْ سِيَاقه.
قَوْله ( قُلْت تُحْتَسَبُ ) هُوَ بِضَمِّ أَوَّله , وَالْقَائِل هُوَ يُونُس بْن جُبَيْر.
قَوْله ( قَالَ أَرَأَيْته ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " أَرَأَيْت إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ " وَقَدْ اِخْتَصَرَهُ الْبُخَارِيُّ اِكْتِفَاء بِسِيَاقِ أَنَس بْن سِيرِينَ , وَقَدْ سَاقَهُ مُسْلِم حَيْثُ أَفْرَدَهُ وَلَفْظه " سَمِعْت اِبْن عُمَر يَقُول : طَلَّقْت اِمْرَأَتِي وَهِيَ حَائِض , فَأَتَى عُمَر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : لِيُرَاجِعْهَا , فَإِذَا طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ فَلْيُطَلِّقْهَا.
قَالَ قُلْت لِابْنِ عُمَر : أَفَيُحْسَبُ بِهَا ؟ قَالَ : مَا يَمْنَعهُ ؟ أَرَأَيْت إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ ".
وَقَالَ أَحْمَدُ " حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَعَبْد اللَّه بْن بُكَيْر قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَة " فَذَكَرَهُ أَتَمَّ مِنْهُ وَفِي أَوَّله أَنَّهُ " سَأَلَ اِبْن عُمَر عَنْ رَجُل طَلَّقَ اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض - وَفِيهِ - فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ إِنْ بَدَا لَهُ طَلَاقهَا طَلَّقَهَا فِي قُبُل عِدَّتهَا وَفِي قُبُل طُهْرهَا.
قَالَ قُلْت لِابْنِ عُمَر : أَفَتَحْتَسِبُ طَلَاقَهَا ذَلِكَ طَلَاقًا ؟ قَالَ : نَعَمْ , أَرَأَيْت إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ " وَقَدْ سَاقَهُ الْبُخَارِيّ فِي آخِر الْبَاب الَّذِي بَعْد هَذَا نَحْو هَذَا السِّيَاق مِنْ رِوَايَة هَمَّام عَنْ قَتَادَةَ بِطُولِهِ وَفِيهِ " قُلْت : فَهَلْ عُدَّ ذَلِكَ طَلَاقًا ؟ قَالَ : أَرَأَيْت إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ " وَسَيَأْتِي فِي أَبْوَاب الْعِدَد فِي " بَاب مُرَاجَعَة الْحَائِض " مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ يُونُس بْنِ جُبَيْر مُخْتَصَرًا وَفِيهِ " قُلْت : فَتَعْتَدّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَة ؟ قَالَ : أَرَأَيْت إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ مُطَوَّلًا وَلَفْظه " فَقُلْت لَهُ : إِذَا طَلَّقَ الرَّجُل اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض أَيَعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَة ؟ قَالَ : فَمَهْ ؟ أَوْ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ " وَفِي رِوَايَة لَهُ " فَقُلْت : أَفَتُحْتَسَب عَلَيْهِ " وَالْبَاقِي مِثْله.
وَقَوْله " فَمَهْ " أَصْله فَمَا , وَهُوَ اِسْتِفْهَام فِيهِ اِكْتِفَاء أَيْ فَمَا يَكُون إِنْ لَمْ تُحْتَسَب , وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون الْهَاء أَصْلِيَّة وَهِيَ كَلِمَة تُقَال لِلزَّجْرِ أَيْ كُفَّ عَنْ هَذَا الْكَلَام فَإِنَّهُ لَا بُدّ مِنْ وُقُوع الطَّلَاق بِذَلِكَ , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : قَوْل اِبْن عُمَر " فَمَهْ " مَعْنَاهُ فَأَيُّ شَيْءٍ يَكُون إِذَا لَمْ يُعْتَدّ بِهَا ؟ إِنْكَارًا لِقَوْلِ السَّائِل " أَيُعْتَدُّ بِهَا " فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ بُدٌّ ؟ وَقَوْله " أَرَأَيْت إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ " أَيْ إِنْ عَجَزَ عَنْ فَرْضٍ فَلَمْ يُقِمْهُ , أَوْ اِسْتَحْمَقَ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ أَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ ؟ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِي الْكَلَام حَذْفٌ , أَيْ أَرَأَيْت إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ أَيَسْقُطُ عَنْهُ الطَّلَاقَ حُمْقُهُ أَوْ يُبْطِلُهُ عَجْزُهُ ؟ وَحَذَفَ الْجَوَاب لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون " إِنْ " نَافِيَة بِمَعْنَى مَا أَيْ لَمْ يَعْجِر اِبْن عُمَر وَلَا اِسْتَحْمَقَ , لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِفْلٍ وَلَا مَجْنُون.
قَالَ : وَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَة بِفَتْحِ أَلِف أَنْ فَمَعْنَاهُ أَظْهَرُ , وَالتَّاء مِنْ اِسْتَحْمَقَ مَفْتُوحَة قَالَهُ اِبْن الْخَشَّاب وَقَالَ : الْمَعْنَى فَعَلَ فِعْلًا يُصَيِّرُهُ أَحْمَق عَاجِزًا فَيَسْقُط عَنْهُ حُكْمَ الطَّلَاق عَجْزُهُ أَوْ حُمْقُهُ , وَالسِّين وَالتَّاء فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ تَكَلَّفَ الْحُمْق بِمَا فَعَلَهُ مِنْ تَطْلِيق اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض.
وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول بِضَمِّ التَّاء مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ , أَيْ إِنَّ النَّاس اِسْتَحْمَقُوهُ بِمَا فَعَلَ , وَهُوَ مُوَجَّهٌ.
وَقَالَ الْمُهَلَّب : مَعْنَى قَوْله " إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ " يَعْنِي عَجَزَ فِي الْمُرَاجَعَة الَّتِي أُمِرَ بِهَا عَنْ إِيقَاع الطَّلَاق أَوْ فَقَدَ عَقْله فَلَمْ تُمْكِنُ مِنْهُ الرَّجْعَةُ أَتَبْقَى الْمَرْأَةُ مُعَلَّقَةً لَا ذَاتَ بَعْلٍ وَلَا مُطَلَّقَةً ؟ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ , فَلَا بُدّ أَنْ تُحْتَسَب بِتِلْكَ التَّطْلِيقَة الَّتِي أَوْقَعَهَا عَلَى غَيْر وَجْههَا , كَمَا أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ عَنْ فَرْض آخَر لِلَّهِ فَلَمْ يُقِمْهُ وَاسْتَحْمَقَ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ مَا كَانَ يُعْذَرُ بِذَلِكَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ.
قَوْله ( حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَر ) كَذَا فِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ , وَهُوَ ظَاهِر كَلَام أَبِي نُعَيْمٍ فِي " الْمُسْتَخْرَج " وَلِلْبَاقِينَ " وَقَالَ أَبُو مَعْمَر " وَبِهِ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيّ , وَسَقَطَ هَذَا الْحَدِيث مِنْ رِوَايَة النَّسَفِيّ أَصْلًا.
قَوْله ( عَنْ اِبْنِ عُمَر قَالَ : حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ ) هُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ الْحِسَاب , وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيق عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث عَنْ أَبِيهِ مِثْل مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مُخْتَصَرًا وَزَادَ " يَعْنِي حِين طَلَّقَ اِمْرَأَته فَسَأَلَ عُمَر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ " قَالَ النَّوَوِيّ : شَذَّ بَعْض أَهْل الظَّاهِر فَقَالَ إِذَا طَلَّقَ الْحَائِض لَمْ يَقَع الطَّلَاق لِأَنَّهُ غَيْر مَأْذُون فِيهِ فَأَشْبَهَ طَلَاق الْأَجْنَبِيَّة وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْخَوَارِج وَالرَّوَافِض.
وَقَالَ اِبْنِ عَبْد الْبَرّ : لَا يُخَالِف فِي ذَلِكَ إِلَّا أَهْل الْبِدَع وَالضَّلَال يَعْنِي الْآن.
قَالَ : وَرُوِيَ مِثْله عَنْ بَعْض التَّابِعِينَ وَهُوَ شُذُوذ وَحَكَاهُ اِبْنِ الْعَرَبِيّ وَغَيْره عَنْ اِبْنِ عُلَيَّةَ يَعْنِي إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّةَ الَّذِي قَالَ الشَّافِعِيّ فِي حَقِّهِ : إِبْرَاهِيم ضَالّ , جَلَسَ فِي بَابِ الضَّوَالّ يُضِلّ النَّاس.
وَكَانَ بِمِصْرَ , وَلَهُ مَسَائِل يَنْفَرِد بِهَا.
وَكَانَ مِنْ فُقَهَاء الْمُعْتَزِلَة.
وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَنْقُول عَنْهُ الْمَسَائِل الشَّاذَّة أَبُوهُ , وَحَاشَاهُ , فَإِنَّهُ مِنْ كِبَار أَهْل السُّنَّة.
وَكَأَنَّ النَّوَوِيّ أَرَادَ بِبَعْضِ الظَّاهِرِيَّة اِبْنِ حَزْم , فَإِنَّهُ مِمَّنْ جَرَّدَ الْقَوْل بِذَلِكَ وَانْتَصَرَ لَهُ وَبَالَغَ , وَأَجَابَ عَنْ أَمْرِ اِبْنِ عُمَر بِالْمُرَاجَعَةِ بِأَنَّ اِبْنِ عُمَر كَانَ اِجْتَنَبَهَا فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدهَا إِلَيْهِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُعَاشَرَة فَحَمَلَ الْمُرَاجَعَة عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيّ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَمْل عَلَى الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة مُقَدَّم عَلَى اللُّغَوِيَّة اِتِّفَاقًا , وَأَجَابَ عَنْ قَوْل اِبْنِ عُمَر " حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ " بِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّح بِمَنْ حَسَبَهَا عَلَيْهِ , وَلَا حُجَّة فِي أَحَدِ دُونِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مِثْل قَوْل الصَّحَابِيّ " أُمِرْنَا فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا " فَإِنَّهُ يَنْصَرِف إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْر حِينَئِذٍ وَهُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَذَا قَالَ بَعْض الشُّرَّاح , وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِئْ فِيهِ الْخِلَاف الَّذِي فِي قَوْل الصَّحَابِيّ أُمِرْنَا بِكَذَا فَإِنَّ ذَاكَ مَحَلّه حَيْثُ يَكُونُ اِطِّلَاع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ صَرِيحًا , وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي قِصَّة اِبْنِ عُمَر هَذِهِ فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْآمِر بِالْمُرَاجَعَةِ وَهُوَ الْمُرْشِد لِابْنِ عُمَر فِيمَا يَفْعَل إِذَا أَرَادَ طَلَاقهَا بَعْد ذَلِكَ , وَإِذَا أَخْبَرَ اِبْنِ عُمَر أَنَّ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ حُسِبَتْ عَلَيْهِ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَ اِحْتِمَال أَنْ يَكُونَ الَّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ غَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيدًا جِدًّا مَعَ اِحْتِفَاف الْقَرَائِن فِي هَذِهِ الْقِصَّة بِذَلِكَ , كَيْف يَتَخَيَّل أَنَّ اِبْنِ عُمَر يَفْعَل فِي الْقِصَّة شَيْئًا بِرَأْيِهِ وَهُوَ يَنْقُل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيَّظَ مِنْ صَنِيعه كَيْف لَمْ يُشَاوِرْهُ فِيمَا يَفْعَل فِي الْقِصَّة الْمَذْكُورَة , وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْنِ وَهْب فِي مُسْنَده عَنْ اِبْنِ أَبِي ذِئْب أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ " أَنَّ اِبْنِ عُمَر طَلَّقَ اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض , فَسَأَلَ عُمَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُر " قَالَ اِبْنِ أَبِي ذِئْب فِي الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَهِيَ وَاحِدَة " قَالَ اِبْنِ أَبِي ذِئْب : وَحَدَّثَنِي حَنْظَلَة بْن أَبِي سُفْيَان أَنَّهُ سَمِعَ سَالِمًا يُحَدِّث عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق يَزِيد بْن هَارُونُ عَنْ اِبْنِ أَبِي ذِئْب وَابْنِ إِسْحَاق جَمِيعًا عَنْ نَافِع عَنْ اِبْنِ عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " هِيَ وَاحِدَة " , وَهَذَا نَصّ فِي مَوْضِع الْخِلَاف فَيَجِب الْمَصِير إِلَيْهِ.
وَقَدْ أَوْرَدَهُ بَعْض الْعُلَمَاء عَلَى اِبْنِ حَزْم فَأَجَابَهُ بِأَنَّ قَوْله " هِيَ وَاحِدَة " لَعَلَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَلْزَمَهُ بِأَنَّهُ نَقَضَ أَصْله لِأَنَّ الْأَصْل لَا يُدْفَع بِالِاحْتِمَالِ.
وَعِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ فِي رِوَايَة شُعْبَة عَنْ أَنَسٍ بْن سِيرِينَ عَنْ اِبْنِ عُمَر فِي الْقِصَّة " فَقَالَ عُمَر : يَا رَسُول اللَّه أَفَتُحْتَسَب بِتِلْكَ التَّطْلِيقَة ؟ قَالَ : نَعَمْ ".
وَرِجَاله إِلَى شُعْبَة ثِقَات.
وَعِنْده مِنْ طَرِيق سَعِيد اِبْنِ عَبْد الرَّحْمَن الْجُمَحِيِّ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع عَنْ اِبْنِ عُمَر " أَنَّ رَجُلًا قَالَ : إِنِّي طَلَّقْت اِمْرَأَتِي الْبَتَّة وَهِيَ حَائِض , فَقَالَ : عَصَيْت رَبِّك , وَفَارَقْتَ اِمْرَأَتك.
قَالَ فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ اِبْنَ عُمَر أَنْ يُرَاجِع اِمْرَأَته , قَالَ : إِنَّهُ أَمَرَ اِبْنَ عُمَر أَنْ يُرَاجِعَهَا بِطَلَاقٍ بَقِيَ لَهُ , وَأَنْتَ لَمْ تُبْقِ مَا تَرْتَجِع بِهِ اِمْرَأَتك " وَفِي هَذَا السِّيَاق رَدّ عَلَى مَنْ حَمَلَ الرَّجْعَة فِي قِصَّة اِبْنِ عُمَر عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيّ , وَقَدْ وَافَقَ اِبْنَ حَزْم عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ , وَلَهُ كَلَامٌ طَوِيل فِي تَقْرِير ذَلِكَ وَالِانْتِصَار لَهُ.
وَأَعْظَمُ مَا اِحْتَجُّوا بِهِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر عَنْ اِبْنِ عُمَر عِنْد مُسْلِم وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَفِيهِ " فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِيُرَاجِعْهَا , فَرَدَّهَا وَقَالَ : إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ يُمْسِك " لَفْظ مُسْلِم , وَلِلنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ " فَرَدَّهَا عَلَيَّ " زَادَ أَبُو دَاوُدَ " وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا " وَإِسْنَاده عَلَى شَرْط الصَّحِيح فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَة حَجَّاج بْن مُحَمَّد عَنْ اِبْنِ جُرَيْجٍ , وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظه ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَة أَبِي عَاصِم عَنْهُ وَقَالَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّة , ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَة عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْنِ جُرَيْجٍ قَالَ مِثْل حَدِيث حَجَّاج وَفِيهِ بَعْض الزِّيَادَة , فَأَشَارَ إِلَى هَذِهِ الزِّيَادَة , وَلَعَلَّهُ طَوَى ذِكْرهَا عَمْدًا.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ الْحَدِيث عَنْ رَوْح بْن عُبَادَةَ عَنْ اِبْنِ جُرَيْجٍ فَذَكَرَهَا , فَلَا يُتَخَيَّلُ اِنْفِرَاد عَبْد الرَّزَّاق بِهَا.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ : رَوَى هَذَا الْحَدِيث عَنْهُ اِبْنُ عُمَر جَمَاعَة , وَأَحَادِيثهمْ كُلّهَا عَلَى خِلَاف مَا قَالَ أَبُو الزُّبَيْر وَقَالَ اِبْنِ عَبْد الْبَرّ : قَوْله " وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا " مُنْكَر لَمْ يَقُلْهُ غَيْر أَبِي الزُّبَيْر , وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ مِثْله فَكَيْف بِمَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ , وَلَوْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ : وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا مُسْتَقِيمًا لِكَوْنِهَا لَمْ تَقَع عَلَى السُّنَّة.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ أَهْل الْحَدِيث : لَمْ يَرْوِ أَبُو الزُّبَيْر حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونُ مَعْنَاهُ : وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا تَحْرُم مَعَهُ الْمُرَاجَعَة , أَوْ لَمْ يَرَهَا شَيْئًا جَائِزًا فِي السُّنَّة مَاضِيًا فِي الِاخْتِيَار وَإِنْ كَانَ لَازِمًا لَهُ مَعَ الْكَرَاهَة.
وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الْمَعْرِفَة " عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّهُ ذَكَرَ رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر فَقَالَ : نَافِع أَثْبَتُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْر وَالْأَثْبَتُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذ بِهِ إِذَا تَخَالَفَا , وَقَدْ وَافَقَ نَافِعًا غَيْرُهُ مِنْ أَهْل الثَّبَتِ.
قَالَ : وَبَسَطَ الشَّافِعِيّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ وَحَمَلَ قَوْله لَمْ يَرَهَا شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعُدَّهَا شَيْئًا صَوَابًا غَيْر خَطَأ , بَلْ يُؤْمَر صَاحِبِهِ أَنْ لَا يُقِيم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ , وَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا طَاهِرًا لَمْ يُؤْمَر بِذَلِكَ , فَهُوَ كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ إِذَا أَخْطَأَ فِي فِعْله أَوْ أَخْطَأَ فِي جَوَابه لَمْ يَصْنَع شَيْئًا أَيْ لَمْ يَصْنَع شَيْئًا صَوَابًا , قَالَ اِبْنُ عَبْد الْبَرّ : وَاحْتَجَّ بَعْض مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الطَّلَاق لَا يَقَع بِمَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : إِذَا طَلَّقَ الرَّجُل اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض لَمْ يَعْتَدّ بِهَا فِي قَوْل اِبْنِ عُمَر , قَالَ اِبْنُ عَبْد الْبَرّ : وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَمْ تَعْتَدّ الْمَرْأَة بِتِلْكَ الْحَيْضَة فِي الْعِدَّة , كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مَنْصُوصًا أَنَّهُ قَالَ : يَقَع عَلَيْهَا الطَّلَاق وَلَا تَعْتَدّ بِتِلْكَ الْحَيْضَة ا ه.
وَقَدْ رَوَى عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع عَنْ اِبْنِ عُمَر نَحْوَا مَا نَقَلَهُ اِبْنُ عَبْد الْبَرّ عَنْ الشَّعْبِيّ أَخْرَجَهُ اِبْن حَزْم بِإِسْنَادٍ صَحِيح , وَالْجَوَاب عَنْهُ مِثْله.
وَرَوَى سَعِيد بْن مَنْصُور مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن مَالِك " عَنْ اِبْنِ عُمَر أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " وَهَذِهِ مُتَابَعَات لِأَبِي الزُّبَيْر , إِلَّا أَنَّهَا قَابِلَة لِلتَّأْوِيلِ , وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاء الصَّرِيح فِي قَوْل اِبْنِ عُمَر إِنَّهَا حُسِبَتْ عَلَيْهِ بِتَطْلِيقَةٍ.
وَهَذَا الْجَمْع الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْره يَتَعَيَّن , وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيظ بَعْض الثِّقَات وَأَمَّا قَوْل اِبْنِ عُمَر " إِنَّهَا حُسِبَتْ عَلَيْهِ بِتَطْلِيقَةٍ " فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّح بِرَفْعِ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ فِيهِ تَسْلِيمَ أَنَّ اِبْن عُمَر قَالَ إِنَّهَا حُسِبَتْ عَلَيْهِ , فَكَيْف يَجْتَمِع مَعَ هَذَا قَوْله إِنَّهُ لَمْ يَعْتَدّ بِهَا أَوْ لَمْ يَرَهَا شَيْئًا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُخَالِف ؟ لِأَنَّهُ إِنْ جَعَلَ الضَّمِير لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَزِمَ مِنْهُ أَنَّ اِبْن عُمَر خَالَفَ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّة بِخُصُوصِهَا لِأَنَّهُ قَالَ إِنَّهَا حُسِبَتْ عَلَيْهِ بِتَطْلِيقَةٍ فَيَكُونُ مَنْ حَسَبَهَا عَلَيْهِ خَالَفَ كَوْنه لَمْ يَرَهَا شَيْئًا , وَكَيْف يُظَنّ بِهِ ذَلِكَ مَعَ اِهْتِمَامه وَاهْتِمَام أَبِيهِ بِسُؤَالِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ لِيَفْعَل مَا يَأْمُرهُ بِهِ ؟ وَإِنْ جَعَلَ الضَّمِير فِي لَمْ يَعْتَدّ بِهَا أَوْ لَمْ يَرَهَا لِابْنِ عُمَر لَزِمَ مِنْهُ التَّنَاقُض فِي الْقِصَّة الْوَاحِدَة فَيَفْتَقِر إِلَى التَّرْجِيح , وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَخْذ بِمَا رَوَاهُ الْأَكْثَر وَالْأَحْفَظ أَوْلَى مِنْ مُقَابِله عِنْد تَعَذُّر الْجَمْع عِنْد الْجُمْهُور وَاللَّهُ أَعْلَمْ.
وَاحْتَجَّ اِبْنِ الْقَيِّم لِتَرْجِيحِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ شَيْخه بِأَقْيِسَةٍ تَرْجِع إِلَى مَسْأَلَة أَنَّ النَّهْي يَقْتَضِي الْفَسَاد فَقَالَ : الطَّلَاق يَنْقَسِم إِلَى حَلَال وَحَرَام , فَالْقِيَاس أَنَّ حَرَامه بَاطِل كَالنِّكَاحِ وَسَائِر الْعُقُود , وَأَيْضًا فَكَمَا أَنَّ النَّهْي يَقْتَضِي التَّحْرِيم فَكَذَلِكَ يَقْتَضِي الْفَسَاد , وَأَيْضًا فَهُوَ طَلَاق مَنَعَ مِنْهُ الشَّرْع فَأَفَادَ مَنْعه عَدَم جَوَاز إِيقَاعه فَكَذَلِكَ يُفِيد عَدَم نُفُوذه وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْمَنْعِ فَائِدَة , لِأَنَّ الزَّوْج لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُطَلِّق اِمْرَأَته عَلَى وَجْه فَطَلَّقَهَا عَلَى غَيْر الْوَجْه الْمَأْذُون فِيهِ لَمْ يَنْفُذ , فَكَذَلِكَ لَمْ يَأْذَنْ الشَّارِع لِلْمُكَلَّفِ فِي الطَّلَاق إِلَّا إِذَا كَانَ مُبَاحًا , فَإِذَا طَلَّقَ طَلَاقًا مُحَرَّمًا لَمْ يَصِحّ.
وَأَيْضًا فَكُلّ مَا حَرَّمَهُ اللَّه مِنْ الْعُقُود مَطْلُوب الْإِعْدَام , فَالْحُكْم بِبُطْلَانِ مَا حَرَّمَهُ أَقْرَب إِلَى تَحْصِيل هَذَا الْمَطْلُوب مِنْ تَصْحِيحه , وَمَعْلُوم أَنَّ الْحَلَال الْمَأْذُون فِيهِ لَيْسَ الْحَرَام الْمَمْنُوع مِنْهُ.
ثُمَّ أَطَالَ مِنْ هَذَا الْجِنْس بِمُعَارَضَاتٍ كَثِيرَةٍ لَا تَنْهَض مَعَ التَّنْصِيص عَلَى صَرِيح الْأَمْر بِالرَّجْعَةِ فَإِنَّهَا فَرْعُ وُقُوع الطَّلَاق عَلَى تَصْرِيح صَاحِبِ الْقِصَّة بِأَنَّهَا حُسِبَتْ عَلَيْهِ تَطْلِيقَة , وَالْقِيَاس فِي مُعَارَضَة النَّصّ فَاسِدُ الِاعْتِبَار وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَقَدْ عُورِضَ بِقِيَاسٍ أَحْسَن مِنْ قِيَاسه فَقَالَ اِبْنِ عَبْد الْبَرّ : لَيْسَ الطَّلَاق مِنْ أَعْمَال الْبِرّ الَّتِي يُتَقَرَّب بِهَا , وَإِنَّمَا هُوَ إِزَالَة عِصْمَة فِيهَا حَقِّ آدَمِيّ , فَكَيْفَمَا أَوْقَعَهُ وَقَعَ , سَوَاء أُجِرَ فِي ذَلِكَ أَمْ أَثِمَ , وَلَوْ لَزِمَ الْمُطِيع وَلَمْ يَلْزَم الْعَاصِي لَكَانَ الْعَاصِي أَخَفّ حَالًا مِنْ الْمُطِيع.
ثُمَّ قَالَ اِبْنِ الْقَيِّم : لَمْ يَرِد التَّصْرِيح بِأَنَّ اِبْنِ عُمَر اِحْتَسَبَ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَة إِلَّا فِي رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْهُ عِنْد الْبُخَارِيّ , وَلَيْسَ فِيهَا تَصْرِيح بِالرَّفْعِ , قَالَ : فَانْفِرَاد سَعِيد بْن جُبَيْر بِذَلِكَ كَانْفِرَادِ أَبِي الزُّبَيْر بِقَوْلِهِ لَمْ يَرَهَا شَيْئًا , فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاقَطَا وَإِمَّا أَنْ تُرَجَّح رِوَايَة أَبِي الزُّبَيْر لِتَصْرِيحِهَا بِالرَّفْعِ , وَتُحْمَل رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر عَلَى أَنَّ أَبَاهُ هُوَ الَّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ بَعْد مَوْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَقْت الَّذِي أَلْزَمَ النَّاس فِيهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاث بَعْد أَنْ كَانُوا فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحْتَسَب عَلَيْهِمْ بِهِ ثَلَاثًا إِذَا كَانَ بِلَفْظٍ وَاحِد.
قُلْت : وَغَفَلَ رَحِمَهُ اللَّه عَمَّا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ رِوَايَة أَنَس بْن سِيرِينَ عَلَى وِفَاق مَا رَوَى سَعِيد بْن جُبَيْر , وَفِي سِيَاقه مَا يُشْعِر بِأَنَّهُ إِنَّمَا رَاجَعَهَا فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظه " سَأَلْت اِبْنِ عُمَر عَنْ اِمْرَأَته الَّتِي طَلَّقَ فَقَالَ.
طَلَّقْتهَا وَهِيَ حَائِض , فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَر لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا لِطُهْرِهَا , قَالَ فَرَاجَعْتهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لِطُهْرِهَا قُلْت فَاعْتَدَدْت بِتِلْكَ التَّطْلِيقَة وَهِيَ حَائِض ؟ فَقَالَ مَا لِي لَا اِعْتَدَّ بِهَا وَإِنْ كُنْت عَجَزَتْ وَاسْتَحْمَقَتْ " وَعِنْد مُسْلِم أَيْضًا مِنْ طَرِيق اِبْنِ أَخِي اِبْنِ شِهَاب عَنْ عَمِّهِ عَنْ سَالِم فِي حَدِيث الْبَاب " وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر طَلَّقَهَا تَطْلِيقَة فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقهَا فَرَاجَعَهَا كَمَا أَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلَهُ مِنْ رِوَايَة الزُّبَيْدِيّ عَنْ اِبْنِ شِهَاب " قَالَ اِبْنِ عُمَر فَرَاجَعْتهَا وَحُسِبَتْ لَهَا التَّطْلِيقَة الَّتِي طَلَّقْتُهَا " وَعِنْد الشَّافِعِيّ عَنْ مُسْلِم بْن خَالِد عَنْ اِبْنِ جُرَيْجٍ " أَنَّهُمْ أَرْسَلُوا إِلَى نَافِع يَسْأَلُونَهُ : هَلْ حُسِبَتْ تَطْلِيقَة اِبْنِ عُمَر عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ".
وَفِي حَدِيث اِبْنِ عُمَر مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّجْعَة يَسْتَقِلّ بِهَا الزَّوْج دُون الْوَلِيّ وَرِضَا الْمَرْأَة , لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ دُون غَيْره , وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ) وَفِيهِ أَنَّ الْأَب يَقُوم عَنْ اِبْنِهِ الْبَالِغ الرَّشِيد فِي الْأُمُور الَّتِي تَقَع لَهُ مِمَّا يَحْتَشِم الِابْن مِنْ ذِكْره , وَيَتَلَقَّى عَنْهُ مَا لَعَلَّهُ يَلْحَقهُ مِنْ الْعِتَاب عَلَى فِعْله شَفَقَة مِنْهُ وَبِرًّا.
وَفِيهِ أَنَّ طَلَاق الطَّاهِرَة لَا يُكْرَه لِأَنَّهُ أَنْكَرَ إِيقَاعه فِي الْحَيْض لَا فِي غَيْره , وَلِقَوْلِهِ فِي آخِر الْحَدِيث " فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ ".
وَفِيهِ أَنَّ الْحَامِل لَا تَحِيض لِقَوْلِهِ فِي طَرِيق سَالِم الْمُتَقَدِّمَة " ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا " فَحَرَّمَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّلَاق فِي زَمَن الْحَيْض وَأَبَاحَهُ فِي زَمَن الْحَمْل , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ حَيْض الْحَامِل لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِير فِي تَطْوِيل الْعِدَّة وَلَا تَخْفِيفهَا لِأَنَّهَا بِوَضْعِ الْحَمْل فَأَبَاحَ الشَّارِع طَلَاقهَا حَامِلًا مُطْلَقًا , وَأَمَّا غَيْر الْحَامِل فَفَرَّقَ بَيْن الْحَائِض وَالطَّاهِر لِأَنَّ الْحَيْض يُؤَثِّر فِي الْعِدَّة فَالْفَرْق بَيْن الْحَامِل وَغَيْرهَا إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الْحَمْل لَا بِسَبَبِ الْحَيْض وَلَا الطُّهْر.
وَفِيهِ أَنَّ الْأَقْرَاء فِي الْعِدَّة هِيَ الْأَطْهَار , وَسَيَأْتِي تَقْرِير ذَلِكَ فِي كِتَاب الْعِدَّة.
وَفِيهِ تَحْرِيم الطَّلَاق فِي طُهْر جَامَعَهَا فِيهِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُور , وَقَالَ الْمَالِكِيَّة لَا يَحْرُم ; وَفِي رِوَايَة كَالْجُمْهُورِ , وَرَجَّحَهَا الْفَاكِهَانِيّ لِكَوْنِهِ شَرَطَ فِي الْإِذْن فِي الطَّلَاق عَدَم الْمَسِيس , وَالْمُعَلَّق بِشَرْطٍ مَعْدُومٌ عِنْد عَدَمه
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِيُرَاجِعْهَا قُلْتُ تُحْتَسَبُ قَالَ فَمَهْ وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا قُلْتُ تُحْتَسَبُ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ
: حدثنا الأوزاعي قال: «سألت الزهري: أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه؟ قال: أخبرني عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن ابنة الجون لما أدخلت...
عن أبي أسيد رضي الله عنه قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط، حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما، فقال النبي...
عن أبي غلاب يونس بن جبير قال: «قلت لابن عمر: رجل طلق امرأته وهي حائض، فقال: تعرف ابن عمر، إن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله علي...
عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره «أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقت...
عن عائشة «أن امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقني فبت طلاقي، وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الز...
عن عائشة، «أن رجلا طلق امرأته ثلاثا، فتزوجت فطلق، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أتحل للأول؟ قال: لا، حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول.»
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنا الله ورسوله، فلم يعد ذلك علينا شيئا.»
عن مسروق قال: «سألت عائشة، عن الخيرة فقالت: خيرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أفكان طلاقا؟» قال مسروق: لا أبالي أخيرتها واحدة أو مائة بعد أن تختارني.<b...
عن عائشة قالت: «طلق رجل امرأته فتزوجت زوجا غيره، فطلقها، وكانت معه مثل الهدبة، فلم تصل منه إلى شيء تريده، فلم يلبث أن طلقها، فأتت النبي صلى الله عليه...