5434-
عن أبي مسعود الأنصاري قال: «كان من الأنصار رجل يقال له أبو شعيب، وكان له غلام لحام، فقال: اصنع لي طعاما أدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم خامس خمسة فتبعهم رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك دعوتنا خامس خمسة، وهذا رجل قد تبعنا، فإن شئت أذنت له، وإن شئت تركته.
قال: بل أذنت له.»قال محمد بن يوسف: سمعت محمد بن إسماعيل، يقول: «إذا كان القوم على المائدة، ليس لهم أن يناولوا من مائدة إلى مائدة أخرى، ولكن يناول بعضهم بعضا في تلك المائدة أو يدع»
(غلام له) مملوك له.
(لحام) بائع لحم.
(محمد بن يوسف) هو الفريابي الرواي عن البخاري ومحمد بن إسماعيل هو البخاري نفسه وقال هذا الكلام استنباطا من استئذان النبي صلى الله عليه وسلم الداعي في الرجل الذي أتى بدون دعوة
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ أَبِي مَسْعُود ) فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة عَنْ الْأَعْمَش " حَدَّثَنَا شَقِيق وَهُوَ أَبُو وَائِل حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُود " وَسَيَأْتِي بَعْد اِثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ بَابًا.
وَلِلْأَعْمَشِ فِيهِ شَيْخ آخَر نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي أَوَائِل الْبُيُوع أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق زُهَيْر وَغَيْره عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر مَقْرُونًا بِرِوَايَةِ أَبِي وَائِل عَنْ أَبِي مَسْعُود وَهُوَ عُقْبَة بْن عَمْرو , وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ الْمُتَأَخِّرَة " عَنْ اِبْن مَسْعُود " وَهُوَ تَصْحِيف.
قَوْله ( كَانَ مِنْ الْأَنْصَار رَجُل يُقَال لَهُ أَبُو شُعَيْب ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الْبُيُوع أَنَّ اِبْن نُمَيْر عِنْد أَحْمَد وَالْمَحَامِلِيّ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَش فَقَالَ فِيهِ عَنْ أَبِي مَسْعُود عَنْ أَبِي شُعَيْب " جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَد أَبِي شُعَيْبٍ.
قَوْله ( وَكَانَ لَهُ غُلَام لَحَّام ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوع مِنْ طَرِيق حَفْص بْن غِيَاث عَنْ الْأَعْمَش بِلَفْظِ " قَصَّاب " وَمَضَى تَفْسِيرُهُ.
قَوْله ( فَقَالَ اِصْنَعْ لِي طَعَامًا أَدْعُو رَسُول اللَّه خَامِس خَمْسَة ) زَادَ فِي رِوَايَة حَفْص " اِجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَة فَإِنِّي أُرِيدَ أَنَّ أَدْعُو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ عَرَفْت فِي وَجْهه الْجُوع " وَفِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة " اِجْعَلْ لِي طَعِيمًا " وَفِي رِوَايَة جَرِير عَنْ الْأَعْمَش عِنْد مُسْلِم " اِصْنَعْ لَنَا طَعَامًا لِخَمْسَةِ نَفَر ".
قَوْله ( فَدَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَامِس خَمْسَة ) فِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره فَصَنَعَ فَدَعَاهُ , وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عِنْد مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَسَاقَ لَفْظهَا " فَدَعَاهُ وَجُلَسَاءَهُ الَّذِينَ مَعَهُ " وَكَأَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَة وَهُوَ خَامِسهمْ , يُقَال خَامِس أَرْبَعَة وَخَامِس خَمْسَة بِمَعْنَى , قَالَ اللَّه تَعَالَى ( ثَانِيَ اِثْنَيْنِ ) وَقَالَ ( ثَالِثُ ثَلَاثَة ) وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود " رَابِعُ أَرْبَعَة " وَمَعْنَى خَامِس أَرْبَعَة أَيْ زَائِد عَلَيْهِمْ وَخَامِس خَمْسَة أَيْ أَحَدهمْ , وَالْأَجْوَد نَصْب خَامِس عَلَى الْحَال , وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى تَقْدِير حَذْف أَيْ وَهُوَ خَامِس أَوْ وَأَنَا خَامِس وَالْجُمْلَة حِينَئِذٍ حَالِيَّة.
قَوْله ( فَتَبِعَهُمْ رَجُل ) فِي رِوَايَة أَبِي عَوَانَة عَنْ الْأَعْمَش فِي الْمَظَالِم " فَاتَّبَعَهُمْ " وَهِيَ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنَى تَبِعَهُمْ وَكَذَا فِي رِوَايَة جَرِير وَأَبِي مُعَاوِيَة , وَذَكَرهَا الدَّاوُدِيّ بِهَمْزَةِ قَطْع , وَتَكَلَّفَ اِبْن التِّين فِي تَوْجِيههَا , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة حَفْص بْن غِيَاث " فَجَاءَ مَعَهُمْ رَجُل ".
قَوْله ( وَهَذَا رَجُل تَبِعَنَا ) فِي رِوَايَة أَبِي عَوَانَة وَجَرِير " اِتَّبَعَنَا " بِالتَّشْدِيدِ , وَفِي رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة " لَمْ يَكُنْ مَعَنَا حِين دَعَوْتنَا ".
قَوْله ( فَإِنْ شِئْت أَذِنْت لَهُ وَإِنْ شِئْت تَرَكْته ) فِي رِوَايَة أَبِي عَوَانَة " وَإِنْ شِئْت أَنْ يَرْجِع رَجَعَ " وَفِي رِوَايَة جَرِير " وَإِنْ شِئْت رَجَعَ " وَفِي رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة " فَإِنَّهُ اِتَّبَعَنَا وَلَمْ يَكُنْ مَعَنَا حِين دَعَوْتنَا فَإِنْ أَذِنْت لَهُ دَخَلَ " قَوْله ( بَلْ أَذِنْت لَهُ ) فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة " لَا بَلْ أَذِنْت لَهُ " وَفِي رِوَايَة جَرِير " لَا بَلْ أَذِنْت لَهُ يَا رَسُول اللَّه " وَفِي رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة " فَقَدْ أَذِنَّا لَهُ فَلْيَدْخُلْ " وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْم هَذَا الرَّجُل فِي شَيْء مِنْ طُرُق هَذَا الْحَدِيث وَلَا عَلَى اِسْم وَاحِد مِنْ الْأَرْبَعَة.
وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد جَوَاز الِاكْتِسَاب بِصَنْعَةِ الْجِزَارَة وَاسْتِعْمَال الْعَبْد فِيمَا يُطِيق مِنْ الصَّنَائِع وَانْتِفَاعه بِكَسْبِهِ مِنْهَا.
وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة الضِّيَافَة وَتَأَكُّد اِسْتِحْبَابهَا لِمَنْ غَلَبَتْ حَاجَته لِذَلِكَ.
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ صَنَعَ طَعَامًا لِغَيْرِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْن أَنْ يُرْسِلهُ إِلَيْهِ أَوْ يَدْعُوهُ إِلَى مَنْزِله , وَأَنَّ مَنْ دَعَا أَحَدًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَدْعُو مَعَهُ مَنْ يَرَى مِنْ أَخِصَّائِهِ وَأَهْل مُجَالَسَته , وَفِيهِ الْحُكْم بِالدَّلِيلِ لِقَوْلِهِ " إِنِّي عَرَفْت فِي وَجْهه الْجُوع ".
وَأَنَّ الصَّحَابَة كَانُوا يُدِيمُونَ النَّظَر إِلَى وَجْهه تَبَرُّكًا بِهِ , وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُطِيل النَّظَر فِي وَجْهه حَيَاء مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عَمْرو بْن الْعَاصِ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُوع أَحْيَانَا , وَفِيهِ إِجَابَة الْإِمَام وَالشَّرِيف وَالْكَبِير دَعْوَة مَنْ دُونهمْ وَأَكْلهمْ طَعَام ذِي الْحِرْفَة غَيْر الرَّفِيعَة كَالْجَزَّارِ وَأَنَّ تَعَاطِيَ مِثْل تِلْكَ الْحِرْفَة لَا يَضَع قَدْر مَنْ يَتَوَقَّى فِيهَا مَا يَكْرَه وَلَا تَسْقُط بِمُجَرَّدِ تَعَاطِيهَا شَهَادَته , وَأَنَّ مَنْ صَنَعَ طَعَامًا لِجَمَاعَةٍ فَلْيَكُنْ عَلَى قَدْرهمْ إِنْ لَمْ يَقْدِر عَلَى أَكْثَر وَلَا يَنْقُص مِنْ قَدْرهمْ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّ طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الِاثْنَيْنِ , وَفِيهِ أَنَّ مَنْ دَعَا قَوْمًا مُتَّصِفِينَ بِصِفَةٍ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يَدْخُل فِي عُمُوم الدَّعْوَة , وَإِنْ قَالَ قَوْم إِنَّهُ يَدْخُل فِي الْهَدِيَّة كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ جُلَسَاء الْمَرْء شُرَكَاؤُهُ فِيمَا يُهْدَى إِلَيْهِ , وَأَنَّ مَنْ تَطَفَّلَ فِي الدَّعْوَة كَانَ لِصَاحِبِ الدَّعْوَة الِاخْتِيَار فِي حِرْمَانه فَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنه كَانَ لَهُ إِخْرَاجه , وَأَنَّ مَنْ قَصَدَ التَّطْفِيل لَمْ يَمْنَع اِبْتِدَاء لِأَنَّ الرَّجُل تَبِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدّهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَطِيب نَفْس صَاحِب الدَّعْوَة بِالْإِذْنِ لَهُ , وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون هَذَا الْحَدِيث أَصْلًا فِي جَوَاز التَّطْفِيل لَكِنْ يُقَيَّد بِمَنْ اِحْتَاجَ إِلَيْهِ , وَقَدْ جَمَعَ الْخَطِيب فِي أَخْبَار الطُّفَيْلِيِّينَ جُزْءًا فِيهِ عِدَّة فَوَائِد : مِنْهَا أَنَّ الطُّفَيْلِيّ مَنْسُوب إِلَى رَجُل كَانَ يُقَال لَهُ طُفَيْل مِنْ بَنِي عَبْد اللَّه بْن غَطَفَان كَثُرَ مِنْهُ الْإِتْيَان إِلَى الْوَلَائِم بِغَيْرِ دَعْوَة فَسُمِّيَ " طُفَيْل الْعَرَائِس " فَسُمِّيَ مَنْ اِتَّصَفَ بَعْد بِصِفَتِهِ طُفَيْلِيًّا , وَكَانَتْ الْعَرَب تُسَمِّيه الْوَارِش بِشِينٍ مُعْجَمَة وَتَقُولُ لِمَنْ يَتْبَع الْمُدَّعُو بِغَيْرِ دَعَوْهُ " ضَيْفِن " بِنُونٍ زَائِدَة , قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : فِي هَذِهِ التَّسْمِيَة مُنَاسَبَة اللَّفْظ لِلْمَعْنَى فِي التَّبَعِيَّة مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَابِع لِلضَّيْفِ وَالنُّون تَابِعَة لِلْكَلِمَةِ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْع اِسْتِتْبَاع الْمُدَّعُو غَيْره إِلَّا إِذَا عَلِمَ مِنْ الدَّاعِي الرِّضَا بِذَلِكَ , وَأَنَّ الطُّفَيْلِيّ يَأْكُل حَرَامًا , وَلِنَصْرِ بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ فِي ذَلِكَ قِصَّة جَرَتْ لَهُ مَعَ طُفَيْلِيّ , وَاحْتَجَّ نَصْر بِحَدِيثِ اِبْن عُمَر رَفَعَهُ " مَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ دَعْوَة دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا " وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ , وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ الطُّفَيْلِيّ بِأَشْيَاء يُؤْخَذ مِنْهَا تَقْيِيد الْمَنْع بِمَنْ لَا يَحْتَاج إِلَى ذَلِكَ مِمَّنْ يَتَطَفَّل , وَبِمَنْ يَتَكَرَّه صَاحِب الطَّعَام الدُّخُول إِلَيْهِ إِمَّا لِقِلَّةِ الشَّيْء أَوْ اِسْتِثْقَال الدَّاخِل , وَهُوَ يُوَافِق قَوْل الشَّافِعِيَّة لَا يَجُوز التَّطْفِيل إِلَّا لِمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن صَاحِب الدَّار اِنْبِسَاط.
وَفِيهِ أَنَّ الْمُدَّعُو لَا يَمْتَنِع مِنْ الْإِجَابَة إِذَا اِمْتَنَعَ الدَّاعِي مِنْ الْإِذْن لِبَعْضِ مَنْ صَحِبَهُ , وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَنَس " أَنَّ فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّب الْمَرَق صَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا ثُمَّ دَعَاهُ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَهَذِهِ لِعَائِشَة ؟ قَالَ : لَا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا " فَيُجَاب عَنْهُ بِأَنَّ الدَّعْوَة لَمْ تَكُنْ لِوَلِيمَةٍ وَإِنَّمَا صَنَعَ الْفَارِسِيّ طَعَامًا بِقَدْرِ مَا يَكْفِي الْوَاحِد فَخَشِيَ إِنْ أَذِنَ لِعَائِشَة أَنْ لَا يَكْفِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْفَرْق أَنَّ عَائِشَة كَانَتْ حَاضِرَة عِنْد الدَّعْوَة بِخِلَافِ الرَّجُل , وَأَيْضًا فَالْمُسْتَحَبّ لِلدَّاعِي أَنْ يَدْعُو خَوَاصّ الْمُدَّعُو مَعَهُ كَمَا فَعَلَ اللَّحَّام بِخِلَافِ الْفَارِسِيّ فَلِذَلِكَ اِمْتَنَعَ مِنْ الْإِجَابَة إِلَّا أَنْ يَدْعُوهَا , أَوْ عَلِمَ حَاجَة عَائِشَة لِذَلِكَ الطَّعَام بِعَيْنِهِ , أَوْ أَحَبَّ أَنْ تَأْكُل مَعَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْجَوْدَةِ وَلَمْ يُعْلَم مِثْله فِي قِصَّة اللَّحَّام , وَأَمَّا قِصَّة أَبِي طَلْحَة حَيْثُ دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعَصِيدَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ : قُومُوا , فَأَجَابَ عَنْهُ الْمَازِرِيّ أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَلِمَ رِضَا أَبِي طَلْحَة فَلَمْ يَسْتَأْذِنهُ وَلَمْ يَعْلَم رِضَا أَبِي شُعَيْب فَاسْتَأْذَنَهُ , وَلِأَنَّ الَّذِي أَكَلَهُ الْقَوْم عِنْد أَبِي طَلْحَة كَانَ مِمَّا خَرَقَ اللَّه فِيهِ الْعَادَة لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَ جُلّ مَا أَكَلُوهُ مِنْ الْبَرَكَة الَّتِي لَا صَنِيع لِأَبِي طَلْحَة فِيهَا فَلَمْ يَفْتَقِر إِلَى اِسْتِئْذَانه , أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنه وَبَيْن الْقَصَّاب مِنْ الْمَوَدَّة مَا بَيْنَهُ وَبَيْن أَبِي طَلْحَة , أَوْ لِأَنَّ أَبَا طَلْحَة صَنَعَ الطَّعَام لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَصَرَّفَ فِيهِ كَيْف أَرَادَ وَأَبُو شُعَيْب صَنَعَهُ لَهُ وَلِنَفْسِهِ وَلِذَلِكَ حَدَّدَ بِعَدَدٍ مُعَيَّن لِيَكُونَ مَا يَفْضُل عَنْهُمْ لَهُ وَلِعِيَالِهِ مَثَلًا وَاطَّلَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَاسْتَأْذَنَهُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا يُصْلِح نَفْسه وَعِيَاله.
وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ اُسْتُؤْذِنَ فِي مِثْل ذَلِكَ أَنْ يَأْذَن لِلطَّارِئِ كَمَا فِعْل أَبُو شُعَيْب وَذَلِكَ مِنْ مَكَارِم الْأَخْلَاق , وَلَعَلَّهُ سَمِعَ الْحَدِيث الْمَاضِي " طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الِاثْنَيْنِ " أَوْ رَجَا أَنْ يَعُمّ الزَّائِد بَرَكَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنَّمَا اِسْتَأْذَنَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْيِيبًا لِنَفْسِهِ , وَلَعَلَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَمْنَع الطَّارِئ.
وَأَمَّا تَوَقُّف الْفَارِسِيّ فِي الْإِذْن لِعَائِشَة ثَلَاثًا وَامْتِنَاع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِجَابَته فَأَجَابَ عِيَاض بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ إِنَّمَا صَنَعَ قَدْر مَا يَكْفِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْده وَعَلِمَ حَاجَته لِذَلِكَ فَلَوْ تَبِعَهُ غَيْره لَمْ يَسُدّ حَاجَته , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتَمَدَ عَلَى مَا أَلِفَ مِنْ إِمْدَاد اللَّه تَعَالَى لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَمَا اِعْتَادَهُ مِنْ الْإِيثَار عَلَى نَفْسه وَمِنْ مَكَارِم الْأَخْلَاق مَعَ أَهْله , وَكَانَ مِنْ شَأْنه أَنْ لَا يُرَاجَع بَعْد ثَلَاث فَلِذَلِكَ رَجَعَ الْفَارِسِيّ عَنْ الْمَنْع , وَفِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّهُ اِتَّبَعَنَا رَجُل لَمْ يَكُنْ مَعَنَا حِين دَعَوْتنَا " إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُمْ حَالَة الدَّعْوَة لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الِاسْتِئْذَان عَلَيْهِ , فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الدَّاعِي لَوْ قَالَ لِرَسُولِهِ اُدْعُ فُلَانًا وَجُلَسَاءَهُ جَازَ لِكُلِّ مَنْ كَانَ جَلِيسًا لَهُ أَنْ يَحْضُر مَعَهُ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُسْتَحَبّ أَوْ لَا يَجِب حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ إِلَّا بِالتَّعْيِينِ.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظْهِر الدَّاعِي الْإِجَابَة وَفِي نَفْسه الْكَرَاهَة لِئَلَّا يُطْعِم مَا تَكْرَههُ نَفْسه , وَلِئَلَّا يَجْمَع الرِّيَاء وَالْبُخْل وَصِفَة ذِي الْوَجْهَيْنِ , كَذَا اِسْتَدَلَّ بِهِ عِيَاض , وَتَعَقَّبَهُ شَيْخنَا فِي " شَرْح التِّرْمِذِيّ " بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ , بَلْ فِيهِ مُطْلَق الِاسْتِئْذَان وَالْإِذْن وَلَمْ يُكَلِّفهُ أَنْ يَطَّلِع عَلَى رِضَاهُ بِقَلْبِهِ ; قَالَ : وَعَلَى تَقْدِير أَنْ يَكُون الدَّاعِي يَكْرَه ذَلِكَ فِي نَفْسه فَيَنْبَغِي لَهُ مُجَاهِدَة نَفْسه عَلَى دَفْع تِلْكَ الْكَرَاهَة.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ النَّفْس تَكُون بِذَلِكَ طَيِّبَة لَا شَكَّ أَنَّهُ أَوْلَى لَكِنْ لَيْسَ فِي سِيَاق هَذِهِ الْقِصَّة ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ غَيْر هَذَا الْحَدِيث , وَالتَّعَقُّب عَلَيْهِ وَاضِح لِأَنَّهُ سَاقَهُ مَسَاق مَنْ يَسْتَنْبِطهُ مِنْ حَدِيث الْبَاب وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ , وَفِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اِتَّبَعَنَا رَجُل " فَأَبْهَمَهُ وَلَمْ يُعَيِّنهُ أَدَب حَسَن لِئَلَّا يَنْكَسِر خَاطِر الرَّجُل , وَلَا بُدّ أَنْ يَنْضَمّ إِلَى هَذَا أَنَّهُ اِطَّلَعَ عَلَى أَنَّ الدَّاعِي لَا يَرُدّهُ وَإِلَّا فَكَانَ يَتَعَيَّن فِي ثَانِي الْحَال فَيَحْصُل كَسْر خَاطِره , وَأَيْضًا فَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ " إِنَّ هَذَا اِتَّبَعَنَا " وَيُجْمَع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ أَبْهَمَهُ لَفْظًا وَعَيَّنَهُ إِشَارَة , وَفِيهِ نَوْع رِفْق بِهِ بِحَسَبِ الطَّاقَة.
( تَنْبِيهٌ ) : وَقَعَ هُنَا عِنْد أَبِي ذَرّ عَنْ الْمُسْتَمْلِي وَحْده " قَالَ مُحَمَّد بْن يُوسُف وَهُوَ الْفِرْيَابِيّ سَمِعْت مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل هُوَ الْبُخَارِيّ يَقُول : إِذَا كَانَ الْقَوْم عَلَى الْمَائِدَة فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوا مِنْ مَائِدَة إِلَى مَائِدَة أُخْرَى , وَلَكِنْ يُنَاوِل بَعْضهمْ بَعْضًا فِي تِلْكَ الْمَائِدَة أَوْ يَدَعُوا " أَيْ يَتْرُكُوا , وَكَأَنَّهُ اِسْتَنْبَطَ ذَلِكَ مِنْ اِسْتِئْذَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّاعِي فِي الرَّجُل الطَّارِئ , وَوَجْه أَخَذَهُ مِنْهُ أَنَّ الَّذِينَ دُعُوا صَارَ لَهُمْ بِالدَّعْوَةِ عُمُوم إِذْن بِالتَّصَرُّفِ فِي الطَّعَام الْمُدَّعُو إِلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُدْعَ فَيَتَنَزَّل مَنْ وُضِعَ بَيْن يَدَيْهِ الشَّيْء مَنْزِلَة مَنْ دُعِيَ لَهُ أَوْ يُنَزَّلُ الشَّيْء الَّذِي وُضِعَ بَيْن يَدَيْ غَيْره مَنْزِلَة مَنْ لَمْ يُدْعَ إِلَيْهِ , وَأَغْفَلَ مَنْ وَقَفْت عَلَى كَلَامه مِنْ الشُّرَّاح التَّنْبِيه عَلَى ذَلِكَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ كَانَ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ وَكَانَ لَهُ غُلَامٌ لَحَّامٌ فَقَالَ اصْنَعْ لِي طَعَامًا أَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ دَعَوْتَنَا خَامِسَ خَمْسَةٍ وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ تَبِعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ قَالَ بَلْ أَذِنْتُ لَهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُولُ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ عَلَى الْمَائِدَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوا مِنْ مَائِدَةٍ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى وَلَكِنْ يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي تِلْكَ الْمَائِدَةِ أَوْ يَدَعُ
عن أنس رضي الله عنه قال: «كنت غلاما أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على غلام له خياط، فأتاه بقصعة فيها طعام و...
أنس بن مالك : «أن خياطا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه، فذهبت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقرب خبز شعير ومرقا فيه دباء وقديد رأيت النبي صل...
عن أنس رضي الله عنه قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمرقة فيها دباء وقديد، فرأيته يتتبع الدباء يأكلها.»
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما فعله إلا في عام جاع الناس أراد أن يطعم الغني الفقير، وإن كنا لنرفع الكراع بعد خمس عشرة وما شبع آل محمد صلى الله عليه...
عن أنس بن مالك يقول: «إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرب إلى ر...
عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء.»
عن أبي عثمان قال: «تضيفت أبا هريرة سبعا،» فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، وسمعته يقول: قسم رسول الله صلى الله علي...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، «قسم النبي صلى الله عليه وسلم بيننا تمرا، فأصابني منه خمس أربع تمرات وحشفة، ثم رأيت الحشفة هي أشدهن لضرسي.»
عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «كان بالمدينة يهودي، وكان يسلفني في تمري إلى الجداد، وكان...