حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الطب باب المن شفاء للعين (حديث رقم: 5708 )


5708- عن ‌عبد الملك سمعت ‌عمرو بن حريث قال: سمعت ‌سعيد بن زيد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين» قال شعبة وأخبرني الحكم بن عتيبة، عن الحسن العرني، عن عمرو بن حريث، عن سعيد بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شعبة لما حدثني به الحكم، لم أنكره من حديث عبد الملك.

أخرجه البخاري


(غندر) هو لقب محمد بن جعفر.
(الكمأة) نبات لا ورق له ولا ساق توجد في الأرض من غير أن تزرع.
(المن) قيل من جنس المن الذي نزل على موسى عليه السلام وقومه وقيل هو ما امتن الله به على عباده بدون علاج فهو شبيه به.
وكونها من المن لأنها تخرج بلا مؤونة ولا كلفة كما أن المن حصل كذلك.
وقيل لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة.
(للعين) مما يصيبها من أمراض وفي نسخة (من العين) أي من داء العين وهو أن يصاب إنسان بنظر آخر إليه

شرح حديث (الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله : ( عَنْ عَبْد الْمَلِك ) ‏ ‏هُوَ اِبْن عُمَيْر , وَصَرَّحَ بِهِ أَحْمَد فِي رِوَايَته عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر غُنْدَر , وَعَمْرو بْن حُرَيْث هُوَ الْمَخْزُومِيّ لَهُ صُحْبَة.
‏ ‏قَوْله : ( سَمِعْت سَعِيد بْن زَيْد ) ‏ ‏أَيْ اِبْن عَمْرو بْن نُفَيْل الْعَدَوِيّ أَحَد الْعَشَرَة , وَعُمَر بْن الْخَطَّاب بْن نُفَيْل اِبْن عَمّ أَبِيهِ.
كَذَا قَالَ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر وَمَنْ تَابَعَهُ , وَخَالَفَهُمْ عَطَاء بْن السَّائِب مِنْ رِوَايَة عَبْد الْوَارِث عَنْهُ فَقَالَ : " عَنْ عَمْرو بْن حُرَيْث عَنْ أَبِيهِ " أَخْرَجَهُ مُسَدَّد فِي مُسْنَده وَابْن السَّكَن فِي الصَّحَابَة وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي " الْأَفْرَاد " وَقَالَ فِي " الْعِلَل " , الصَّوَاب رِوَايَة عَبْد الْمَلِك.
وَقَالَ اِبْن السَّكَن أَظُنّ عَبْد الْوَارِث أَخْطَأَ فِيهِ.
وَقِيلَ : كَانَ سَعِيد بْن زَيْد تَزَوَّجَ أُمّ عَمْرو بْن حُرَيْث فَكَأَنَّهُ قَالَ : " حَدَّثَنِي أَبِي " وَأَرَادَ زَوْج أُمّه مَجَازًا فَظَنَّهُ الرَّاوِي أَبَاهُ حَقِيقَة.
‏ ‏قَوْله : ( الْكَمْأَة ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْكَاف وَسُكُون الْمِيم بَعْدهَا هَمْزَة مَفْتُوحَة , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَفِي الْعَامَّة مَنْ لَا يَهْمِزهُ , وَاحِدَة الْكَمْء بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُون ثُمَّ هَمْزَة مِثْل تَمْرَة وَتَمْر , وَعَكَسَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ فَقَالَ : الْكَمْأَة الْجَمْع وَالْكَمْء عَلَى غَيْر قِيَاس , قَالَ : وَلَمْ يَقَع فِي كَلَامهمْ نَظِير هَذَا سِوَى خَبْأَة وَخَبْء.
وَقِيلَ : الْكَمْأَة قَدْ تُطْلَق عَلَى الْوَاحِد وَعَلَى الْجَمْع , وَقَدْ جَمَعُوهَا عَلَى أَكْمُؤ , قَالَ الشَّاعِر : ‏ ‏وَلَقَدْ جَنَيْتُك أَكْمُؤًا وَعَسَاقِلَا ‏ ‏وَالْعَسَاقِل بِمُهْمَلَتَيْنِ وَقَاف وَلَام الشَّرَاب , وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَكْمُؤ مَحَلّ وِجْدَانهَا الْفَلَوَات.
وَالْكَمْأَة نَبَات لَا وَرَق لَهَا وَلَا سَاقَ , تُوجَد فِي الْأَرْض مِنْ غَيْر أَنْ تُزْرَع.
قِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِتَارِهَا , يُقَال كَمَأَ الشَّهَادَة إِذَا كَتَمَهَا.
وَمَادَّة الْكَمْأَة مِنْ جَوْهَر أَرْضِيّ بُخَارِيّ يَحْتَقِن نَحْو سَطْح الْأَرْض بِبَرْدِ الشِّتَاء وَيُنَمِّيه مَطَر الرَّبِيع فَيَتَوَلَّد وَيَنْدَفِع مُتَجَسِّدًا , وَلِذَلِكَ كَانَ بَعْض الْعَرَب يُسَمِّيهَا جُدَرِيّ الْأَرْض تَشْبِيهًا لَهَا بِالْجُدَرِيِّ مَادَّة وَصُورَة , لِأَنَّ مَادَّته رُطُوبَة دَمَوِيَّة تَنْدَفِع غَالِبًا عِنْد التَّرَعْرُع وَفِي اِبْتِدَاء اِسْتِيلَاء الْحَرَارَة وَنَمَاء الْقُوَّة وَمُشَابَهَتهَا لَهُ فِي الصُّورَة ظَاهِر.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : الْكَمْأَة جُدَرِيّ الْأَرْض , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَمْأَة مِنْ الْمَنّ " الْحَدِيث.
وَلِلطَّبَرِيّ مِنْ طَرِيق اِبْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر قَالَ : " كَثُرَتْ الْكَمْأَة عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَامْتَنَعَ قَوْم مِنْ أَكْلهَا وَقَالُوا : هِيَ جُدَرِيّ الْأَرْض , فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّ الْكَمْأَة لَيْسَتْ مِنْ جُدَرِيّ الْأَرْض , أَلَا إِنَّ الْكَمْأَة مِنْ الْمَنّ " وَالْعَرَب تُسَمِّي الْكَمْأَة أَيْضًا بَنَات الرَّعْد لِأَنَّهَا تَكْثُر بِكَثْرَتِهِ ثُمَّ تَنْفَطِر عَنْهَا الْأَرْض.
وَهِيَ كَثِيرَة بِأَرْضِ الْعَرَب , وَتُوجَد بِالشَّامِ وَمِصْر , فَأَجْوَدهَا مَا كَانَتْ أَرْضه رَمْلَة قَلِيلَة الْمَاء , وَمِنْهَا صِنْف قَتَّال يَضْرِب لَوْنه إِلَى الْحُمْرَة.
وَهِيَ بَارِدَة رَطْبَة فِي الثَّانِيَة رَدِيئَة لِلْمَعِدَةِ بَطِيئَة الْهَضْم , وَإِدْمَان أَكْلهَا يُورِث الْقُولَنْج وَالسَّكْتَة وَالْفَالِج وَعُسْر الْبَوْل , وَالرَّطْب مِنْهَا أَقَلّ ضَرَرًا مِنْ الْيَابِس , وَإِذَا دُفِنَتْ فِي الطِّين الرَّطْب ثُمَّ سُلِقَتْ بِالْمَاءِ وَالْمِلْح وَالسَّعْتَر وَأُكِلَتْ بِالزَّيْتِ وَالتَّوَابِل الْحَارَّة قَلَّ ضَرَرهَا , وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهَا جَوْهَر مَائِيّ لَطِيف بِدَلِيلِ خِفْتهَا , فَلِذَلِكَ كَانَ مَاؤُهَا شِفَاء لِلْعَيْنِ.
‏ ‏قَوْله : ( مِنْ الْمَنّ ) ‏ ‏قِيلَ فِي الْمُرَاد بِالْمَنِّ ثَلَاثَة أَقْوَال : ‏ ‏أَحَدهَا : أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهَا مِنْ الْمَنّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , وَهُوَ الطَّلّ الَّذِي يَسْقُط عَلَى الشَّجَر فَيُجْمَع وَيُؤْكَل حُلْوًا , وَمِنْهُ التَّرَنْجَبِين فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ بِهِ الْكَمْأَة بِجَامِعِ مَا بَيْنهمَا مِنْ وُجُود كُلّ مِنْهُمَا عَفْوًا بِغَيْرِ عِلَاج.
قُلْت : وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ وَاضِحًا فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة , وَذَكَرْت مَنْ زَادَ فِي مَتْن هَذَا الْحَدِيث " الْكَمْأَة مِنْ الْمَنّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل ".
‏ ‏وَالثَّانِي : أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهَا مِنْ الْمَنّ الَّذِي اِمْتَنَّ اللَّه بِهِ عَلَى عِبَاده عَفْوًا بِغَيْرِ عِلَاج , قَالَهُ أَبُو عُبَيْد وَجَمَاعَة , وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهَا نَوْع مِنْ الْمَنّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , فَإِنَّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل كَانَ كَالتَّرَنْجَبِين الَّذِي يَسْقُط عَلَى الشَّجَر , وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ الْكَمْأَة شَيْء يَنْبُت مِنْ غَيْر تَكَلُّف بِبَذْرٍ وَلَا سَقْي , فَهُوَ مِنْ قَبِيل الْمَنّ الَّذِي كَانَ يَنْزِل عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فَيَقَع عَلَى الشَّجَر فَيَتَنَاوَلُونَهُ.
ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل كَانَ أَنْوَاعًا , مِنْهَا مَا يَسْقُط عَلَى الشَّجَر , وَمِنْهَا مَا يَخْرُج مِنْ الْأَرْض فَتَكُون الْكَمْأَة مِنْهُ , وَهَذَا هُوَ الْقَوْل الثَّالِث وَبِهِ جَزَمَ الْمُوَفَّق عَبْد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ فَقَالُوا : إِنَّ الْمَنّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل لَيْسَ هُوَ مَا يَسْقُط عَلَى الشَّجَر فَقَطْ بَلْ كَانَ أَنْوَاعًا مِنْ اللَّه عَلَيْهِمْ بِهَا مِنْ النَّبَات الَّذِي يُوجَد عَفْوًا , وَمِنْ الطَّيْر الَّتِي تَسْقُط عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ اِصْطِيَاد , وَمِنْ الطَّلّ الَّذِي يَسْقُط عَلَى الشَّجَر.
وَالْمَنّ مَصْدَر بِمَعْنَى الْمَفْعُول أَيْ مَمْنُون بِهِ , فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ فِيهِ شَائِبَة كَسْب كَانَ مَنًّا مَحْضًا , وَإِنْ كَانَتْ جَمِيع نِعَم اللَّه تَعَالَى عَلَى عَبِيده مَنًّا مِنْهُ عَلَيْهِمْ , لَكِنْ خُصَّ هَذَا بِاسْمِ الْمَنّ لِكَوْنِهِ لَا صُنْع فِيهِ لِأَحَدٍ , فَجَعَلَ سُبْحَانه وَتَعَالَى قُوتهمْ فِي التِّيه الْكَمْأَة وَهِيَ تَقُوم مَقَام الْخُبْز , وَأُدُمهمْ السَّلْوَى وَهِيَ تَقُوم مَقَام اللَّحْم , وَحَلْوَاهُمْ الطَّلّ الَّذِي يَنْزِل عَلَى الشَّجَر , فَكَمَّلَ بِذَلِكَ عَيْشهمْ.
وَيُشِير إِلَى ذَلِكَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مِنْ الْمَنّ " فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهَا فَرْد مِنْ أَفْرَاده , فَالتَّرَنْجَبِين كَذَلِكَ فَرْد مِنْ أَفْرَاد الْمَنّ , وَإِنْ غَلَبَ اِسْتِعْمَال الْمَنّ عَلَيْهِ عُرْفًا ا ه.
وَلَا يُعَكِّر عَلَى هَذَا قَوْلهمْ : ( لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ ) لِأَنَّ الْمُرَاد بِالْوَحْدَةِ دَوَام الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة مِنْ غَيْر تَبَدُّل وَذَلِكَ يَصْدُق عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَطْعُوم أَصْنَافًا لَكِنَّهَا لَا تَتَبَدَّل أَعْيَانهَا.
‏ ‏قَوْله : ( وَمَاؤُهَا شِفَاء لِلْعَيْنِ ) ‏ ‏كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَكَذَا عِنْد مُسْلِم , وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي " مِنْ الْعَيْن " أَيْ شِفَاء مِنْ دَاء الْعَيْن , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّمَا اِخْتَصَّتْ الْكَمْأَة بِهَذِهِ الْفَضِيلَة لِأَنَّهَا مِنْ الْحَلَال الْمَحْض الَّذِي لَيْسَ فِي اِكْتِسَابه شُبْهَة , وَيُسْتَنْبَط مِنْهُ أَنَّ اِسْتِعْمَال الْحَلَال الْمَحْض يَجْلُو الْبَصَر , وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ.
قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : فِي الْمُرَاد بِكَوْنِهَا شِفَاء لِلْعَيْنِ قَوْلَانِ : ‏ ‏أَحَدهمَا : أَنَّهُ مَاؤُهَا حَقِيقَة , إِلَّا أَنَّ أَصْحَاب هَذَا الْقَوْل اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَل صِرْفًا فِي الْعَيْن , لَكِنْ اِخْتَلَفُوا كَيْف يُصْنَع بِهِ عَلَى رَأْيَيْنِ : ‏ ‏أَحَدهمَا : أَنَّهُ يُخْلَط فِي الْأَدْوِيَة الَّتِي يُكْتَحَل بِهَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْد , قَالَ : وَيُصَدِّق هَذَا الَّذِي حَكَاهُ أَبُو عُبَيْد أَنَّ بَعْض الْأَطِبَّاء قَالُوا : أَكْل الْكَمْأَة يَجْلُو الْبَصَر , ‏ ‏ثَانِيهمَا : أَنْ تُؤْخَذ فَتُشَقّ وَتُوضَع عَلَى الْجَمْر حَتَّى يَغْلِي مَاؤُهَا , ثُمَّ يُؤْخَذ الْمِيل فَيُجْعَل فِي ذَلِكَ الشِّقّ وَهُوَ فَاتِر فَيُكْتَحَل بِمَائِهَا , لِأَنَّ النَّار تُلَطِّفهُ وَتُذْهِب فَضَلَاته الرَّدِيئَة وَيَبْقَى النَّافِع مِنْهُ , وَلَا يُجْعَل الْمِيل فِي مَائِهَا وَهِيَ بَارِدَة يَابِسَة فَلَا يَنْجَع , وَقَدْ حَكَى إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ عَنْ صَالِح وَعَبْد اللَّه اِبْنَيْ أَحْمَد بْن حَنْبَل أَنَّهُمَا اِشْتَكَتْ أَعْيُنهمَا فَأَخَذَا كَمْأَة وَعَصَرَاهَا وَاكْتَحَلَا بِمَائِهَا فَهَاجَتْ أَعْيُنهمَا وَرَمِدَا.
قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : وَحَكَى شَيْخنَا أَبُو بَكْر بْن عَبْد الْبَاقِي أَنَّ بَعْض النَّاس عَصَرَ مَاء كَمْأَة فَاكْتَحَلَ بِهِ فَذَهَبَتْ عَيْنه.
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّ الْمُرَاد مَاؤُهَا الَّذِي تَنْبُت بِهِ , فَإِنَّهُ أَوَّل مَطَر يَقَع فِي الْأَرْض فَتُرَبَّى بِهِ الْأَكْحَال حَكَاهُ اِبْن الْجَوْزِيّ عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الْبَاقِي أَيْضًا , فَتَكُون الْإِضَافَة إِضَافَة الْكُلّ لَا إِضَافَة جُزْء.
قَالَ اِبْن الْقَيِّم : وَهَذَا أَضْعَف الْوُجُوه.
قُلْت : وَفِيمَا اِدَّعَاهُ اِبْن الْجَوْزِيّ مِنْ الِاتِّفَاق عَلَى أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَل صِرْفًا نَظَر , فَقَدْ حَكَى عِيَاض عَنْ بَعْض أَهْل الطِّبّ فِي التَّدَاوِي بِمَاءِ الْكَمْأَة تَفْصِيلًا , وَهُوَ إِنْ كَانَ لِتَبْرِيدِ مَا يَكُون بِالْعَيْنِ مِنْ الْحَرَارَة فَتُسْتَعْمَل مُفْرَدَة , وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَتُسْتَعْمَل مُرَكَّبَة , وَبِهَذَا جَزَمَ اِبْن الْعَرَبِيّ فَقَالَ : الصَّحِيح أَنَّهُ يَنْفَع بِصُورَتِهِ فِي حَال , وَبِإِضَافَتِهِ فِي أُخْرَى , وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ فَوُجِدَ صَحِيحًا.
نَعَمْ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ بِمَا قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ : تُرَبَّى بِهَا التُّوتِيَاء وَغَيْرهَا مِنْ الْأَكْحَال , قَالَ : وَلَا تُسْتَعْمَل صَرْفًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي الْعَيْن.
وَقَالَ الْغَافِقِيّ فِي " الْمُفْرَدَات " : مَاء الْكَمْأَة أَصْلَح الْأَدْوِيَة لِلْعَيْنِ إِذَا عُجِنَ بِهِ الْإِثْمِد وَاكْتُحِلَ بِهِ , فَإِنَّهُ يُقَوِّي الْجَفْن , وَيَزِيد الرُّوح الْبَاصِر حِدَّة وَقُوَّة , وَيَدْفَع عَنْهَا النَّوَازِل.
وَقَالَ النَّوَوِيّ : الصَّوَاب أَنَّ مَاءَهَا شِفَاء لِلْعَيْنِ مُطْلَقًا فَيُعْصَر مَاؤُهَا وَيُجْعَل فِي الْعَيْن مِنْهُ , قَالَ : وَقَدْ رَأَيْت أَنَا وَغَيْرِي فِي زَمَاننَا مَنْ كَانَ عَمِيَ وَذَهَبَ بَصَره حَقِيقَة فَكَحَّلَ عَيْنه بِمَاءِ الْكَمْأَة مُجَرَّدًا فَشُفِيَ وَعَادَ إِلَيْهِ بَصَره , وَهُوَ الشَّيْخ الْعَدْل الْأَمِين الْكَمَال بْن عَبْد الدِّمَشْقِيّ صَاحِب صَلَاح وَرِوَايَة فِي الْحَدِيث , وَكَانَ اِسْتِعْمَاله لِمَاءِ الْكَمْأَة اِعْتِقَادًا فِي الْحَدِيث وَتَبَرُّكًا بِهِ فَنَفَعَهُ اللَّه بِهِ.
قُلْت : الْكَمَال الْمَذْكُور هُوَ كَمَال الدِّين بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الْمُنْعِم بْن الْخَضِر يُعْرَف بِابْنِ عَبْد بِغَيْرِ إِضَافَة الْحَارِثِيّ الدِّمَشْقِيّ مِنْ أَصْحَاب أَبِي طَاهِر الْخُشُوعِيّ , سَمِعَ مِنْهُ جَمَاعَة مِنْ شُيُوخ شُيُوخنَا , عَاشَ ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سَنَة وَمَاتَ سَنَة اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَسِتّمِائَةِ قَبْل النَّوَوِيّ بِأَرْبَعِ سِنِينَ.
وَيَنْبَغِي تَقْيِيد ذَلِكَ بِمَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسه قُوَّة اِعْتِقَاد فِي صِحَّة الْحَدِيث وَالْعَمَل بِهِ كَمَا يُشِير إِلَيْهِ آخِر كَلَامه , وَهُوَ يُنَافِي قَوْله أَوَّلًا مُطْلَقًا , وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ فِي جَامِعه بِسَنَدٍ صَحِيح إِلَى قَتَادَة قَالَ : حُدِّثْت أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ : أَخَذْت ثَلَاثَة أَكْمُؤ أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَعَصَرْتُهُنَّ فَجَعَلْت مَاءَهُنَّ فِي قَارُورَة فَكَحَّلَتْ بِهِ جَارِيَة لِي فَبَرِئَتْ.
وَقَالَ اِبْن الْقَيِّم : اِعْتَرَفَ فُضَلَاء الْأَطِبَّاء أَنَّ مَاء الْكَمْأَة يَجْلُو الْعَيْن , مِنْهُمْ الْمُسَبِّحِيّ وَابْن سِينَا وَغَيْرهمَا.
وَاَلَّذِي يُزِيل الْإِشْكَال عَنْ هَذَا الِاخْتِلَاف أَنَّ الْكَمْأَة وَغَيْرهَا مِنْ الْمَخْلُوقَات خُلِقَتْ فِي الْأَصْل سَلِيمَة مِنْ الْمَضَارّ , ثُمَّ عَرَضَتْ لَهَا الْآفَات بِأُمُورٍ أُخْرَى مِنْ مُجَاوَرَة أَوْ اِمْتِزَاج أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَاب الَّتِي أَرَادَهَا اللَّه تَعَالَى , فَالْكَمْأَة فِي الْأَصْل نَافِعَة لِمَا اِخْتَصَّتْ بِهِ مِنْ وَصْفهَا بِأَنَّهَا مِنْ اللَّه , وَإِنَّمَا عَرَضَتْ لَهَا الْمَضَارّ بِالْمُجَاوَرَةِ , وَاسْتِعْمَال كُلّ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّة بِصِدْقٍ يَنْتَفِع بِهِ مَنْ يَسْتَعْمِلهُ , وَيَدْفَع اللَّه عَنْهُ الضَّرَر بِنِيَّتِهِ , وَالْعَكْس بِالْعَكْسِ , وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( وَقَالَ شُعْبَة ) ‏ ‏كَذَا لِأَبِي ذَرّ بِوَاوٍ فِي أَوَّله وَصُورَته صُورَة التَّعْلِيق , وَسَقَطَتْ الْوَاو لِغَيْرِهِ , وَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّهُ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور , وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ فَأَعَادَ الْإِسْنَاد مِنْ أَوَّله لِلطَّرِيقِ الثَّانِيَة , وَكَذَا أَوْرَدَهُ أَحْمَد عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر بِالْإِسْنَادَيْنِ مَعًا.
‏ ‏قَوْله : ( وَأَخْبَرَنِي الْحَكَم ) ‏ ‏هُوَ اِبْن عُتَيْبَة بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَة مُصَغَّر وَالْحَسَن الْعُرَنِيّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَة وَفَتْح الرَّاء بَعْدهَا نُون هُوَ اِبْن عَبْد اللَّه الْبَجْلِيُّ , كُوفِيّ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَة وَالْعِجْلِيّ وَابْن سَعْد , وَقَالَ اِبْن مَعِين صَدُوق.
قُلْت : وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِع.
‏ ‏قَوْله : ( قَالَ شُعْبَة لَمَّا حَدَّثَنِي بِهِ الْحَكَم لَمْ أُنْكِرهُ مِنْ حَدِيث عَبْد الْمَلِك ) ‏ ‏كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ عَبْد الْمَلِك كَبِرَ وَتَغَيَّرَ حِفْظه , فَلَمَّا حَدَّثَ بِهِ شُعْبَة تَوَقَّفَ فِيهِ , فَلَمَّا تَابَعَهُ الْحَكَم بِرِوَايَتِهِ ثَبَتَ عِنْد شُعْبَة فَلَمْ يُنْكِرهُ , وَانْتَفَى عَنْهُ التَّوَقُّف فِيهِ.
وَقَدْ تَكَلَّفَ الْكَرْمَانِيُّ لِتَوْجِيهِ كَلَام شُعْبَة أَشْيَاء فِيهَا نَظَر.
‏ ‏أَحَدهَا : أَنَّ الْحُكْم مُدَلِّس وَقَدْ عَنْعَنَ , وَعَبْد الْمَلِك صَرَّحَ بِقَوْلِهِ : " سَمِعْته " فَلَمَّا تَقْوَى بِرِوَايَةِ عَبْد الْمَلِك لَمْ يَبْقَ بِهِ مَحَلّ لِلْإِنْكَارِ.
قُلْت : شُعْبَة مَا كَانَ يَأْخُذ عَنْ شُيُوخه الَّذِينَ ذَكَرَ عَنْهُمْ التَّدْلِيس إِلَّا مَا يَتَحَقَّق سَمَاعهمْ فِيهِ , وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيْره بِبُعْدِ هَذَا الِاحْتِمَال , وَعَلَى تَقْدِير تَسْلِيمه كَانَ يَلْزَم الْأَمْر بِالْعَكْسِ بِأَنْ يَقُول لَمَّا حَدَّثَنِي عَبْد الْمُلْك لَمْ أُنْكِرهُ مِنْ حَدِيث الْحَكَم.
‏ ‏ثَانِيهَا : لَمْ يَكُنْ الْحَدِيث مَنْكُورًا لِي لِأَنِّي كُنْت أَحْفَظهُ.
‏ ‏ثَالِثهَا : يَحْتَمِل الْعَكْس بِأَنْ يُرَاد لَمْ يُنْكِر شَيْئًا مِنْ حَدِيث عَبْد الْمَلِك , وَقَدْ سَاقَ مُسْلِم هَذِهِ الطَّرِيق مِنْ أَوْجُه أُخْرَى عَنْ الْحَكَم.
وَوَقَعَ عِنْده فِي الْمَتْن " مِنْ الْمَنّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل " وَفِي لَفْظ " عَلَى مُوسَى " وَقَدْ أَشَرْت إِلَى مَا فِي هَذِهِ الزِّيَادَة مِنْ الْفَائِدَة فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الْحَدِيث فِي تَفْسِيرِ سُورَة الْبَقَرَة.


حديث الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين قال شعبة وأخبرني الحكم بن عتيبة عن الحسن العرني

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏غُنْدَرٌ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏شُعْبَةُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ الْمَلِكِ ‏ ‏سَمِعْتُ ‏ ‏عَمْرُو بْنَ حُرَيْثٍ ‏ ‏قَالَ سَمِعْتُ ‏ ‏سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏سَمِعْتُ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏الْكَمْأَةُ ‏ ‏مِنْ ‏ ‏الْمَنِّ ‏ ‏وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏شُعْبَةُ ‏ ‏وَأَخْبَرَنِي ‏ ‏الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏شُعْبَةُ ‏ ‏لَمَّا حَدَّثَنِي بِهِ ‏ ‏الْحَكَمُ ‏ ‏لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ ‏ ‏عَبْدِ الْمَلِكِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

جعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض لل...

و 5710 و 5711- عن ‌ابن عباس ‌وعائشة، «أن أبا بكر رضي الله عنه قبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت.» 5712- قال: وقالت ‌عائشة : «لددناه في مرضه، فجعل...

ما تدغرن أولادكن بهذا العلاق عليكن بهذا العود اله...

عن ‌أم قيس قالت: «دخلت بابن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أعلقت عليه من العذرة، فقال: على ما تدغرن أولادكن بهذا العلاق، عليكن بهذا العود اله...

لما ثقل رسول الله ﷺ واشتد وجعه استأذن أزواجه في أن...

عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه، استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي، فأذن، فخ...

أتت رسول الله ﷺ بابن لها قد أعلقت عليه من العذرة

عن ‌أم قيس بنت محصن الأسدية أسد خزيمة، وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أخت عكاشة أخبرته «أنها أتت رسول الله صلى ا...

إن أخي استطلق بطنه فقال اسقه عسلا

عن ‌أبي سعيد قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال: اسقه عسلا فسقاه، فقال: إني سقيته، فلم يزده إلا استطلاقا، فقال:...

لا عدوى ولا صفر ولا هامة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا صفر، ولا هامة، فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال إبلي تكون في الرمل...

عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذا...

عن أم قيس بنت محصن وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أخت عكاشة بن محصن أخبرته «أنها أتت رسول الله صلى الله عليه و...

كويت من ذات الجنب ورسول الله ﷺ حي

و 5720 و 5721- حدثنا حماد قال: قرئ على ‌أيوب من كتب ‌أبي قلابة منه ما حدث به ومنه ما قرئ عليه، وكان هذا في الكتاب عن ‌أنس : «أن أبا طلحة وأنس بن النضر...

عمدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على جرح رسول الله...

عن ‌سهل بن سعد الساعدي قال: «لما كسرت على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضة وأدمي وجهه وكسرت رباعيته، وكان علي يختلف بالماء في المجن، وجاءت فاطم...