5729-
عن عبد الله بن عباس «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشأم حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشأم، قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشأم، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادعوا لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه.
قال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه.
قال: فحمد الله عمر ثم انصرف.»
أخرجه مسلم في السلام باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها رقم 2219
(بسرغ) قرية في طريق الشام مما يلي الحجاز.
(الأجناد) أي الجند
(الوباء) المرض العام وهو الطاعون.
(بقية الناس) أي بقية الصحابة وسماهم الناس تعظيما لهم.
(ارتفعوا عني) قوموا واذهبوا عني.
(فسلكوا سبيل المهاجرين) مشوا على طريقتهم فيما قالوه.
(مشيخة قريش) شيوخهم أي كبارهم في السن.
(مهاجرة الفتح) الذين هاجروا إلى المدينة عام الفتح
(مصبح على ظهر) مسافر في الصباح.
(لو غيرك) ممن ليس في منزلتك
(قالها) قال هذه المقالة أي لأدبته.
أو لم أتعجب منه.
(هبطت) نزلت
(عدوتان) طرفان والعدوة طرف الوادي المرتفع منه.
(خصبة) ذات عشب كثير.
(جدبة) قليلة العشب والمرعى.
(به) بوجود الطاعون.
(فحمد الله) على موافقة اجتهاده واجتهاد كثير من الصحابة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , وَفِيهِ قِصَّة عُمَر وَأَبِي عُبَيْدَة , ذَكَرَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا.
قَوْله : ( عَنْ عَبْد الْحَمِيد ) هُوَ بِتَقْدِيمِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَة عَلَى الْمِيم , وَرِوَايَته عَنْ شَيْخه فِيهِ مِنْ رِوَايَة الْأَقْرَان , وَفِي السَّنَد ثَلَاثَة مِنْ التَّابِعِينَ فِي نَسَق , وَصَحَابِيَّانِ فِي نَسَق , وَكُلّهمْ مَدَنِيُّونَ.
قَوْله : ( عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث ) أَيْ اِبْن نَوْفَل بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب , لِجَدِّ أَبِيهِ نَوْفَل اِبْن عَمّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُحْبَة , وَكَذَا لِوَلَدِهِ الْحَارِث , وَوَلَد عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث فِي عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعُدَّ لِذَلِكَ فِي الصَّحَابَة فَهُمْ ثَلَاثَة مِنْ الصَّحَابَة فِي نَسَق , وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث يُلَقَّب بَبَّة بِمُوَحَّدَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ الثَّانِيَة مُثْقَلَة وَمَعْنَاهُ الْمُمْتَلِئ الْبَدَن مِنْ النِّعْمَة , وَيُكَنَّى أَبَا مُحَمَّد , وَمَاتَ سَنَة أَرْبَع وَثَمَانِينَ.
وَأَمَّا وَلَده رَاوِي هَذَا الْحَدِيث فَهُوَ مِمَّنْ وَافَقَ اِسْمه اِسْم أَبِيهِ , وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا يَحْيَى وَمَاتَ سَنَة تِسْع وَتِسْعِينَ , وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث , وَقَدْ وَافَقَ مَالِكًا عَلَى رِوَايَته عَنْ اِبْن شِهَاب هَكَذَا مَعْمَر وَغَيْره وَخَالَفَهُمْ يُونُس فَقَالَ عَلِيّ بْن شِهَاب عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَلَمْ يَسُقْ لَفْظه , وَسَاقَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَقَالَ : قَوْل مَالِك وَمَنْ تَابَعَهُ أَصَحّ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : تَابَعَ يُونُس صَالِح بْن نَصْر عَنْ مَالِك.
وَقَدْ رَوَاهُ اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك وَيُونُس جَمِيعًا عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , وَالصَّوَاب الْأَوَّل , وَأَظُنّ اِبْن وَهْب حَمَلَ رِوَايَة مَالِك عَلَى رِوَايَة يُونُس , قَالَ : وَقَدْ رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بْن عُمَر بْن أَبِي الْوَزِير عَنْ مَالِك كَالْجَمَاعَةِ , لَكِنْ قَالَ : " عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس " زَادَ فِي السَّنَد " عَنْ أَبِيهِ " وَهُوَ خَطَأ.
قُلْت : وَقَدْ خَالَفَ هِشَام بْن سَعْد جَمِيع أَصْحَاب اِبْن شِهَاب فَقَالَ : " عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ وَعُمَر " أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ , وَهِشَام صَدُوق سَيِّئ الْحِفْظ وَقَدْ اِضْطَرَبَ فِيهِ فَرَوَاهُ تَارَة هَكَذَا وَمَرَّة أُخْرَى " عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف عَنْ أَبِيهِ وَعُمَر " أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ أَيْضًا , وَلِابْنِ شِهَاب فِيهِ شَيْخ آخَر قَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ إثْرَ هَذَا السَّنَد.
قَوْله : ( أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب خَرَجَ إِلَى الشَّام ) ذَكَرَ سَيْف بْن عُمَر فِي " الْفُتُوح " أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَبِيع الْآخِر سَنَة ثَمَانِي عَشْرَة , وَأَنَّ الطَّاعُون كَانَ وَقَعَ أَوَّلًا فِي الْمُحَرَّم وَفِي صَفَر ثُمَّ اِرْتَفَعَ , فَكَتَبُوا إِلَى عُمَر فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الشَّام بَلَغَهُ أَنَّهُ أَشَدّ مَا كَانَ , فَذَكَرَ الْقِصَّة.
وَذَكَرَ خَلِيفَة بْن خَيَّاط أَنَّ خُرُوج عُمَر إِلَى سَرْغ كَانَ فِي سَنَة سَبْع عَشْرَة , فَاَللَّه أَعْلَم.
وَهَذَا الطَّاعُون الَّذِي وَقَعَ بِالشَّامِ حِينَئِذٍ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى طَاعُون عَمَوَاس بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَالْمِيم وَحُكِيَ تَسْكِينهَا وَآخِره مُهْمَلَة , قِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَمَّ وَوَاسَى.
قَوْله : ( حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الرَّاء بَعْدهَا مُعْجَمَة وَحُكِيَ عَنْ اِبْن وَضَّاح تَحْرِيك الرَّاء وَخَطَّأَهُ بَعْضهمْ : مَدِينَة اِفْتَتَحَهَا أَبُو عُبَيْدَة , وَهِيَ وَالْيَرْمُوك وَالْجَابِيَة مُتَّصِلَات وَبَيْنهَا وَبَيْن الْمَدِينَة ثَلَاث عَشْرَة مَرْحَلَة.
وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : قِيلَ : إِنَّهُ وَادٍ بِتَبُوك , وَقِيلَ : بِقُرْبِ تَبُوك , وَقَالَ الْحَازِمِيّ : هِيَ أَوَّل الْحِجَاز , وَهِيَ مِنْ مَنَازِل حَاجِّ الشَّام , وَقِيلَ : بَيْنهَا وَبَيْن الْمَدِينَة ثَلَاث عَشْرَة مَرْحَلَة.
قَوْله : ( لَقِيَهُ أُمَرَاء الْأَجْنَاد أَبُو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح وَأَصْحَابه ) هُمْ خَالِد بْن الْوَلِيد وَيَزِيد بْن أَبِي سُفْيَان وَشُرَحْبِيل بْن حَسَنَة وَعَمْرو بْن الْعَاصِ , وَكَانَ أَبُو بَكْر قَدْ قَسَّمَ الْبِلَاد بَيْنهمْ وَجَعَلَ أَمْر الْقِتَال إِلَى خَالِد , ثُمَّ رَدَّهُ عُمَر إِلَى أَبِي عُبَيْدَة , وَكَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ قَسَّمَ الشَّام أَجْنَادًا : الْأُرْدُنّ جُنْد , وَحِمْص جُنْد , وَدِمَشْق جُنْد , وَفِلَسْطِين جُنْد , وَقَنْسَرِينَ جُنْد , وَجَعَلَ عَلَى كُلّ جُنْد أَمِيرًا , وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّ قَنْسَرِينَ كَانَتْ مَعَ حِمْص فَكَانَتْ أَرْبَعَة , ثُمَّ أُفْرِدَتْ قَنْسَرِينَ فِي أَيَّام يَزِيد بْن مُعَاوِيَة.
قَوْله : ( فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاء قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّام ) فِي رِوَايَة يُونُس " الْوَجَع " بَدَل " الْوَبَاء " وَفِي رِوَايَة هِشَام بْن سَعْد " أَنَّ عُمَر لَمَّا خَرَجَ إِلَى الشَّام سَمِعَ بِالطَّاعُونِ " وَلَا مُخَالَفَة بَيْنهَا , فَإِنَّ كُلّ طَاعُون وَبَاء وَوَجَع مِنْ غَيْر عُكِسَ.
قَوْله : ( فَقَالَ عُمَر : اُدْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ ) فِي رِوَايَة يُونُس " اِجْمَعْ لِي ".
قَوْله : ( اِرْتَفِعُوا عَنِّي ) فِي رِوَايَة يُونُس " فَأَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا عَنْهُ ".
قَوْله : ( مِنْ مَشْيَخَة قُرَيْش ) ضُبِطَ " مَشْيَخَة " بِفَتْحِ الْمِيم وَالتَّحْتَانِيَّة بَيْنهمَا مُعْجَمَة سَاكِنَة.
وَبِفَتْحِ الْمِيم وَكَسْر الْمُعْجَمَة وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة جَمْع شَيْخ وَيُجْمَع أَيْضًا عَلَى شُيُوخ بِالضَّمِّ , وَبِالْكَسْرِ , وَأَشْيَاخ , وَشِيَخَة بِكَسْرٍ ثُمَّ فَتْح , وَشِيخَان بِكَسْرٍ ثُمَّ سُكُون , وَمَشَايِخ , وَمَشْيُخَاء بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُون ثُمَّ ضَمّ وَمَدّ , وَقَدْ تُشْبَع الضَّمَّة حَتَّى تَصِير وَاوًا فَتَتِمّ عَشْرًا.
قَوْله : ( مِنْ مُهَاجِرَة الْفَتْح ) أَيْ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَة عَامّ الْفَتْح , أَوْ الْمُرَاد مُسْلِمَة الْفَتْح , أَوْ أُطْلِقَ عَلَى مَنْ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَة بَعْد فَتْح مَكَّة مُهَاجِرًا صُورَة وَإِنْ كَانَ الْهِجْرَة بَعْد الْفَتْح حُكْمًا قَدْ اِرْتَفَعَتْ , وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ اِحْتِرَازًا مِنْ مَشْيَخَة قُرَيْش مِمَّنْ أَقَامَ بِمَكَّة وَلَمْ يُهَاجِر أَصْلًا , وَهَذَا يُشْعِر بِأَنَّ لِمَنْ هَاجَرَ فَضْلًا فِي الْجُمْلَة عَلَى مَنْ لَمْ يُهَاجِر وَإِنْ كَانَتْ الْهِجْرَة الْفَاضِلَة فِي الْأَصْل إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ هَاجَرَ قَبْل الْفَتْح لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح " , وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَكَّة بَعْد الْفَتْح صَارَتْ دَار إِسْلَام , فَاَلَّذِي يُهَاجِر مِنْهَا لِلْمَدِينَةِ إِنَّمَا يُهَاجِر لِطَلَبِ الْعِلْم أَوْ الْجِهَاد لَا لِلْفِرَارِ بِدِينِهِ , بِخِلَافِ مَا قَبْل الْفَتْح , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ.
قَوْله : ( بَقِيَّة النَّاس ) أَيْ الصَّحَابَة , أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهُمْ أَيْ لَيْسَ النَّاس إِلَّا هُمْ , وَلِهَذَا عَطَفَهُمْ عَلَى الصَّحَابَة عَطْف تَفْسِير , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِبَقِيَّةِ النَّاس أَيْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمُومًا , وَالْمُرَاد بِالصَّحَابَةِ الَّذِينَ لَازَمُوهُ وَقَاتَلُوا مَعَهُ.
قَوْله : ( فَنَادَى عُمَر فِي النَّاس : إِنِّي مُصَبِّح عَلَى ظَهْر , فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ ) زَادَ يُونُس فِي رِوَايَته " فَإِنِّي مَاضٍ لِمَا أَرَى , فَانْظُرُوا مَا آمُركُمْ بِهِ فَامْضُوا لَهُ , قَالَ فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْر ".
قَوْله : ( فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة ) وَهُوَ إِذْ ذَاكَ أَمِير الشَّام ( أَفِرَارًا مِنْ قَدَر اللَّه ) ؟ أَيْ أَتَرْجِعُ فِرَارًا مِنْ قَدَر اللَّه ؟ وَفِي رِوَايَة هِشَام بْن سَعْد " وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَة : أَمِنَ الْمَوْت نَفِرّ ؟ إِنَّمَا نَحْنُ بِقَدْرٍ , لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا ".
قَوْله : ( فَقَالَ عُمَر لَوْ غَيْرك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة ) أَيْ لَعَاقَبْته , أَوْ لَكَانَ أَوْلَى مِنْك بِذَلِكَ , أَوْ لَمْ أَتَعَجَّب مِنْهُ , وَلَكِنِّي أَتَعَجَّب مِنْك مَعَ عِلْمك وَفَضْلك كَيْف تَقُول هَذَا ؟ وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَحْذُوف : لَأَدَّبْته , أَوْ هِيَ لِلتَّمَنِّي فَلَا يَحْتَاج إِلَى جَوَاب , وَالْمَعْنَى أَنَّ غَيْرك مِمَّنْ لَا فَهُمْ لَهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ يُعْذَر.
وَقَدْ بَيَّنَ سَبَب ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَكَانَ عُمَر يَكْرَه خِلَافه , أَيْ مُخَالَفَته.
قَوْله : ( نَعَمْ , نَفِرّ مِنْ قَدَر اللَّه إِلَى قَدَر اللَّه ) فِي رِوَايَة هِشَام بْن سَعْد " إِنْ تَقَدَّمْنَا فَبِقَدَرِ اللَّه , وَإِنْ تَأَخَّرْنَا فَبِقَدَرِ اللَّه " وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ فِرَارًا لِشَبَهِهِ بِهِ فِي الصُّورَة وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِرَارًا شَرْعِيًّا.
وَالْمُرَاد أَنَّ هُجُوم الْمَرْء عَلَى مَا يُهْلِكهُ مَنْهِيّ عَنْهُ.
وَلَوْ فَعَلَ لَكَانَ مِنْ قَدَر اللَّه , وَتَجَنُّبه مَا يُؤْذِيه مَشْرُوع وَقَدْ يُقَدِّر اللَّه وُقُوعه فِيمَا فَرَّ مِنْهُ فَلَوْ فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ لَكَانَ مِنْ قَدْر اللَّه , فَهُمَا مَقَامَانِ : مَقَام التَّوَكُّل , وَمَقَام التَّمَسُّك بِالْأَسْبَابِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيره.
وَمُحَصَّل قَوْل عُمَر : " نَفِرّ مِنْ قَدَر اللَّه إِلَى قَدَر اللَّه " أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَفِرّ مِنْ قَدَر اللَّه حَقِيقَة , وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي فَرَّ مِنْهُ أَمْر خَافَ عَلَى نَفْسه مِنْهُ فَلَمْ يَهْجُم عَلَيْهِ , وَاَلَّذِي فَرَّ إِلَيْهِ أَمْر لَا يَخَاف عَلَى نَفْسه مِنْهُ إِلَّا الْأَمْر الَّذِي لَا بُدّ مِنْ وُقُوعه سَوَاء كَانَ ظَاعِنًا أَوْ مُقِيمًا.
قَوْله : ( لَهُ عُدْوَتَانِ ) بِضَمِّ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَبِكَسْرِهَا أَيْضًا وَسُكُون الدَّال الْمُهْمَلَة : تَثْنِيَة عُدْوَة , وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفِع مِنْ الْوَادِي , وَهُوَ شَاطِئُهُ.
قَوْله : ( إِحْدَاهُمَا خَصِيبَة ) بِوَزْنِ عَظِيمَة , وَحَكَى اِبْن التِّين سُكُون الصَّاد بِغَيْرِ يَاء , زَادَ مُسْلِم فِي رِوَايَة مَعْمَر " وَقَالَ لَهُ أَيْضًا : أَرَأَيْت لَوْ أَنَّهُ رَعَى الْجَدْبَة وَتَرَكَ الْخَصِبَة أَكُنْتَ مُعَجِّزه ؟ وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الْجِيم قَالَ : نَعَمْ.
قَالَ : فَسِرْ إِذًا , فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَة ".
قَوْله : ( فَجَاءَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف ) هُوَ مَوْصُول عَنْ اِبْن عَبَّاس بِالسَّنَدِ الْمَذْكُور.
قَوْله : ( وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْض حَاجَته ) أَيْ لَمْ يَحْضُر مَعَهُمْ الْمُشَاوَرَة الْمَذْكُورَة لِغَيْبَتِهِ.
قَوْله : ( إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا ) فِي رِوَايَة مُسْلِم " لَعِلْمًا " بِزِيَادَةِ لَام التَّأْكِيد.
قَوْله : ( إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ إِلَخْ ) هُوَ مُوَافِق لِلْمَتْنِ الَّذِي قَبْله عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد وَسَعْد وَغَيْرهمَا , فَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَعَ عُمَر فِي تِلْكَ السُّفْرَة.
قَوْله : ( فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ ) فِي رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن عَامِر الَّتِي بَعْد هَذِهِ وَفِي حَدِيث أُسَامَة عِنْد النَّسَائِيِّ " فَلَا تَفِرُّوا مِنْهُ " وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد مِنْ طَرِيق اِبْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ مِثْله , وَوَقَعَ فِي ذِكْر بَنِي إِسْرَائِيل " إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ " وَتَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى إِعْرَابه هُنَاكَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِي الْأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ قَالَ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ
عن عبد الله بن عامر : «أن عمر خرج إلى الشأم، فلما كان بسرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشأم، فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال...
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون.»
عن حفصة بنت سيرين قالت: «قال لي أنس بن مالك رضي الله عنه: يحيى، بما مات؟ قلت: من الطاعون، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعون شهادة لكل م...
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المبطون شهيد، والمطعون شهيد.»
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرتنا «أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرها نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه كان ع...
عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبر...
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب، فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك،...
عن ابن عباس «أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق، إن في الماء رجلا...
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يسترقى من العين.»