حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

ما وجع الرجل فقال مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الطب باب السحر (حديث رقم: 5763 )


5763- ن ‌عائشة رضي الله عنها قالت: «سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي، لكنه دعا ودعا ثم قال: يا عائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل، فقال: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه، فجاء، فقال: يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء، أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين، قلت: يا رسول الله، أفلا أستخرجه، قال: قد عافاني الله، فكرهت أن أثور على الناس فيه شرا، فأمر بها فدفنت» تابعه أبو أسامة وأبو ضمرة وابن أبي الزناد عن هشام.
وقال الليث وابن عيينة عن هشام: في مشط ومشاقة، يقال: المشاطة: ما يخرج من الشعر إذا مشط، والمشاقة من مشاقة الكتان.

أخرجه البخاري


(أن أثور) وفي بعض النسخ (أن أثير)

شرح حديث (ما وجع الرجل فقال مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُوسَى ) ‏ ‏هُوَ الرَّازِيُّ , وَفِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ " حَدَّثَنِي " بِالْإِفْرَادِ , وَهِشَام هُوَ اِبْن عُرْوَة بْن الزُّبَيْر.
‏ ‏قَوْله : ( عَنْ أَبِيهِ ) ‏ ‏وَقَعَ فِي رِوَايَة يَحْيَى الْقَطَّان عَنْ هِشَام " حَدَّثَنِي أَبِي " وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الْجِزْيَة , وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ " حَدَّثَنِي آل عُرْوَة " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ " حَدَّثَنِي بَعْض آل عُرْوَة عَنْ عُرْوَة " وَظَاهِره أَنَّ غَيْر هِشَام أَيْضًا حَدَّثَ بِهِ عَنْ عُرْوَة , وَقَدْ رَوَاهُ غَيْر عُرْوَة عَنْ عَائِشَة كَمَا سَأُبَيِّنُهُ.
وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس وَزَيْد بْن أَرْقَم وَغَيْرهمَا.
‏ ‏قَوْله : ( سَحَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُل مِنْ بَنِي زُرَيْق ) ‏ ‏بِزَايٍ قَبْل الرَّاء مُصَغَّر.
‏ ‏قَوْله : ( يُقَال لَهُ لَبِيد ) ‏ ‏بِفَتْحِ اللَّام وَكَسْر الْمُوَحَّدَة بَعْدهَا تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة ثُمَّ مُهْمَلَة ‏ ‏( اِبْن الْأَعْصَم ) ‏ ‏بِوَزْنِ أَحْمَر بِمُهْمَلَتَيْنِ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عِنْد مُسْلِم " سَحَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيّ مِنْ يَهُود بَنِي زُرَيْق " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ الْآتِيَة قَرِيبًا " رَجُل مِنْ بَنِي زُرَيْق حَلِيف الْيَهُود وَكَانَ مُنَافِقًا " وَيُجْمَع بَيْنهمَا بِأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يَهُودِيّ نَظَرَ إِلَى مَا فِي نَفْس الْأَمْر , وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ مُنَافِقًا نَظَرَ إِلَى ظَاهِر أَمْره.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ نِفَاقًا وَهُوَ وَاضِح , وَقَدْ حَكَى عِيَاض فِي " الشِّفَاء " أَنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون قِيلَ لَهُ يَهُودِيّ لِكَوْنِهِ كَانَ مِنْ حُلَفَائِهِمْ لَا أَنَّهُ كَانَ عَلَى دِينهمْ.
وَبَنُو زُرَيْق بَطْن مِنْ الْأَنْصَار مَشْهُور مِنْ الْخَزْرَج , وَكَانَ بَيْن كَثِير مِنْ الْأَنْصَار وَبَيْن كَثِير مِنْ الْيَهُود قَبْل الْإِسْلَام حِلْف وَإِخَاء وَوُدّ , فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام وَدَخَلَ الْأَنْصَار فِيهِ تَبْرَءُوا مِنْهُمْ , وَقَدْ بَيَّنَ الْوَاقِدِيُّ السَّنَة الَّتِي وَقَعَ فِيهَا السِّحْر : أَخْرَجَهُ عَنْهُ اِبْن سَعْد بِسَنَدٍ لَهُ إِلَى عُمَر بْن الْحَكَم مُرْسَل قَالَ " لَمَّا رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْحَجَّة وَدَخَلَ الْمُحَرَّم مِنْ سَنَة سَبْع جَاءَتْ رُؤَسَاء الْيَهُود إِلَى لَبِيد بْن الْأَعْصَم - وَكَانَ حَلِيفًا فِي بَنِي زُرَيْق وَكَانَ سَاحِرًا - فَقَالُوا لَهُ : يَا أَبَا الْأَعْصَم , أَنْتَ أَسْحَرنَا , وَقَدْ سَحَرْنَا مُحَمَّدًا فَلَمْ نَصْنَع شَيْئًا , وَنَحْنُ نَجْعَل لَك جُعْلًا عَلَى أَنْ تَسْحَرهُ لَنَا سِحْرًا يَنْكَؤُهُ.
فَجَعَلُوا لَهُ ثَلَاثَة دَنَانِير " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي ضَمْرَة عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ " فَأَقَامَ أَرْبَعِينَ لَيْلَة " وَفِي رِوَايَة وُهَيْب عَنْ هِشَام عِنْد أَحْمَد " سِتَّة أَشْهُر " وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنْ تَكُون السِّتَّة أَشْهُر مِنْ اِبْتِدَاء تَغَيُّر مِزَاجه وَالْأَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ اِسْتِحْكَامه , وَقَالَ السُّهَيْلِيّ : لَمْ أَقِف فِي شَيْء مِنْ الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة عَلَى قَدْر الْمُدَّة الَّتِي مَكَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فِي السِّحْر حَتَّى ظَفِرْت بِهِ فِي " جَامِع مَعْمَر " عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ لَبِثَ سِتَّة أَشْهُر , كَذَا قَالَ , وَقَدْ وَجَدْنَاهُ مَوْصُولًا بِإِسْنَادِ الصَّحِيح فَهُوَ الْمُعْتَمَد.
‏ ‏قَوْله ( حَتَّى كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَل الشَّيْء وَمَا فَعَلَهُ ) ‏ ‏قَالَ الْمَازِرِيّ : أَنْكَرَ الْمُبْتَدِعَة هَذَا الْحَدِيث وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَحُطّ مَنْصِب النُّبُوَّة وَيُشَكِّك فِيهَا , قَالُوا وَكُلّ مَا أَدَّى إِلَى ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِل , وَزَعَمُوا أَنَّ تَجْوِيز هَذَا يَعْدَم الثِّقَة بِمَا شَرَعَهُ مِنْ الشَّرَائِع إِذْ يُحْتَمَل عَلَى هَذَا أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ يَرَى جِبْرِيل وَلَيْسَ هُوَ ثَمَّ , وَأَنَّهُ يُوحِي إِلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ , قَالَ الْمَازِرِيّ : وَهَذَا كُلّه مَرْدُود , لِأَنَّ الدَّلِيل قَدْ قَامَ عَلَى صِدْق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُبَلِّغهُ عَنْ اللَّه تَعَالَى وَعَلَى عِصْمَته فِي التَّبْلِيغ , وَالْمُعْجِزَات شَاهِدَات بِتَصْدِيقِهِ , فَتَجْوِيز مَا قَامَ الدَّلِيل عَلَى خِلَافه بَاطِل.
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِبَعْضِ الْأُمُور الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَث لِأَجْلِهَا وَلَا كَانَتْ الرِّسَالَة مِنْ أَجْلهَا فَهُوَ فِي ذَلِكَ عُرْضَة لِمَا يَعْتَرِض الْبَشَر كَالْأَمْرَاضِ , فَغَيْر بَعِيد أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ فِي أَمْر مِنْ أُمُور الدُّنْيَا مَا لَا حَقِيقَة لَهُ مَعَ عِصْمَته عَنْ مِثْل ذَلِكَ فِي أُمُور الدِّين , قَالَ : وَقَدْ قَالَ بَعْض النَّاس إِنَّ الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَاته وَلَمْ يَكُنْ وَطِأَهُنَّ , وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقَع تَخَيُّله لِلْإِنْسَانِ فِي الْمَنَام فَلَا يَبْعُد أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ فِي الْيَقِظَة.
قُلْت : وَهَذَا قَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا وَلَفْظه " حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاء وَلَا يَأْتِيهِنَّ " وَفِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ " أَنَّهُ يَأْتِي أَهْله وَلَا يَأْتِيهِمْ " قَالَ الدَّاوُدِيُّ " يُرَى " بِضَمِّ أَوَّله أَيْ يُظَنّ , وَقَالَ اِبْن التِّين ضُبِطَتْ " يَرَى " بِفَتْحِ أَوَّله.
قُلْت : وَهُوَ مِنْ الرَّأْي لَا مِنْ الرُّؤْيَة , فَيَرْجِع إِلَى مَعْنَى الظَّنّ.
وَفِي مُرْسَل يَحْيَى بْن يَعْمُر عِنْد عَبْد الرَّزَّاق " سُحِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَة حَتَّى أَنْكَرَ بَصَره " وَعِنْده فِي مُرْسَل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب " حَتَّى كَادَ يُنْكِر بَصَره " قَالَ عِيَاض : فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ السِّحْر إِنَّمَا تَسَلَّطَ عَلَى جَسَده وَظَوَاهِر جَوَارِحه لَا عَلَى تَمْيِيزه وَمُعْتَقَده.
قُلْت : وَوَقَعَ فِي مُرْسَل عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب عِنْد اِبْن سَعْد " فَقَالَتْ أُخْت لَبِيد بْن الْأَعْصَم : إِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَسَيُخْبَرُ , وَإِلَّا فَسَيُذْهِلُهُ هَذَا السِّحْر حَتَّى يَذْهَب عَقْله " قُلْت : فَوَقَعَ الشِّقّ الْأَوَّل كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح.
وَقَدْ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء.
لَا يَلْزَم مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَظُنّ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْء وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ أَنْ يُجْزَم بِفِعْلِهِ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا يَكُون مِنْ جِنْس الْخَاطِر يَخْطِر وَلَا يَثْبُت , فَلَا يَبْقَى عَلَى هَذَا لِلْمُلْحِدِ حُجَّة.
وَقَالَ عِيَاض : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالتَّخْيِيلِ الْمَذْكُور أَنَّهُ يَظْهَر لَهُ مِنْ نَشَاطه مَا أَلِفَهُ مِنْ سَابِق عَادَته مِنْ الِاقْتِدَار عَلَى الْوَطْء , فَإِذَا دَنَا مِنْ الْمَرْأَة فَتَرَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ شَأْن الْمَعْقُود , وَيَكُون قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " حَتَّى كَادَ يُنْكِر بَصَره " أَيْ صَارَ كَاَلَّذِي أَنْكَرَ بَصَره بِحَيْثُ إِنَّهُ إِذَا رَأَى الشَّيْء يُخَيَّل أَنَّهُ عَلَى غَيْر صِفَته , فَإِذَا تَأَمَّلَهُ عَرَفَ حَقِيقَته.
وَيُؤَيِّد جَمِيع مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْهُ فِي خَبَر مِنْ الْأَخْبَار أَنَّهُ قَالَ قَوْلًا فَكَانَ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ.
وَقَالَ الْمُهَلَّب : صَوْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّيَاطِين لَا يَمْنَع إِرَادَتهمْ كَيَدَهُ , فَقَدْ مَضَى فِي الصَّحِيح أَنَّ شَيْطَانًا أَرَادَ أَنْ يُفْسِد عَلَيْهِ صَلَاته فَأَمْكَنَهُ اللَّه مِنْهُ , فَكَذَلِكَ السِّحْر مَا نَالَهُ مِنْ ضَرَره مَا يُدْخِل نَقْصًا عَلَى مَا يَتَعَلَّق بِالتَّبْلِيغِ , بَلْ هُوَ مِنْ جِنْس مَا كَانَ يَنَالهُ مِنْ ضَرَر سَائِر الْأَمْرَاض مِنْ ضَعْف عَنْ الْكَلَام , أَوْ عَجْز عَنْ بَعْض الْفِعْل , أَوْ حُدُوث تَخَيُّل لَا يَسْتَمِرّ , بَلْ يَزُول وَيُبْطِل اللَّه كَيْد الشَّيَاطِين.
وَاسْتَدَلَّ اِبْن الْقَصَّار عَلَى أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ مِنْ جِنْس الْمَرَض بِقَوْلِهِ فِي آخِر الْحَدِيث " فَأَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّه " وَفِي الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ نَظَر , لَكِنْ يُؤَيِّد الْمُدَّعَى أَنَّ فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة عِنْد الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِل " فَكَانَ يَدُور وَلَا يَدْرِي مَا وَجَعه " وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد اِبْن سَعْد " مَرِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُخِذَ عَنْ النِّسَاء وَالطَّعَام وَالشَّرَاب , فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ " الْحَدِيث.
‏ ‏قَوْله : ( حَتَّى إِذَا كَانَ ذَات يَوْم أَوْ ذَات لَيْلَة ) ‏ ‏شَكّ مِنْ الرَّاوِي , وَأَظُنّهُ مِنْ الْبُخَارِيّ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي صِفَة إِبْلِيس مِنْ بَدْء الْخَلْق فَقَالَ " حَتَّى كَانَ ذَات يَوْم " وَلَمْ يَشُكّ , ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الشَّكّ فِيهِ مِنْ عِيسَى بْن يُونُس , وَأَنَّ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَده عَنْهُ عَلَى الشَّكّ , وَمِنْ طَرِيقه أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم , فَيُحْمَل الْجَزْم الْمَاضِي عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيم بْن مُوسَى شَيْخ الْبُخَارِيّ حَدَّثَهُ بِهِ تَارَة بِالْجَزْمِ وَتَارَة بِالشَّكِّ , وَيُؤَيِّدهُ مَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ الِاخْتِلَاف عَنْهُ , وَهَذَا مِنْ نَوَادِر مَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ أَنْ يَخْرُج الْحَدِيث تَامًّا بِإِسْنَادٍ وَاحِد بِلَفْظَيْنِ.
‏ ‏وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة الْآتِيَة قَرِيبًا " ذَات يَوْم " بِغَيْرِ شَكّ " وَذَات " بِالنَّصْبِ وَيَجُوز الرَّفْع , ثُمَّ قِيلَ إِنَّهَا مُقْحَمَة , وَقِيلَ بَلْ هِيَ مِنْ إِضَافَة الشَّيْء لِنَفْسِهِ عَلَى رَأْي مَنْ يُجِيزهُ.
‏ ‏قَوْله : ( وَهُوَ عِنْدِي لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ) ‏ ‏كَذَا وَقَعَ , وَفِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة فِي بَدْء الْخَلْق " حَتَّى كَانَ ذَات يَوْم دَعَا وَدَعَا " وَكَذَا عَلَّقَهُ الْمُصَنِّف لِعِيسَى بْن يُونُس فِي الدَّعَوَات , وَمِثْله فِي رِوَايَة اللَّيْث , قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون هَذَا الِاسْتِدْرَاك مِنْ قَوْلهَا " عِنْدِي " أَيْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَغِلًا بِي بَلْ اِشْتَغَلَ بِالدُّعَاءِ , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مِنْ التَّخَيُّل , أَيْ كَانَ السِّحْر أَضَرَّهُ فِي بَدَنه لَا فِي عَقْله وَفَهْمه بِحَيْثُ إنَّهُ تَوَجَّهَ إِلَى اللَّه وَدَعَا عَلَى الْوَضْع الصَّحِيح وَالْقَانُونَ الْمُسْتَقِيم.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن نُمَيْر عِنْد مُسْلِم " فَدَعَا , ثُمَّ دَعَا , ثُمَّ دَعَا " وَهَذَا هُوَ الْمَعْهُود مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَرِّر الدُّعَاء ثَلَاثًا.
وَفِي رِوَايَة وُهَيْب عِنْد أَحْمَد وَابْن سَعْد " فَرَأَيْته يَدْعُو ".
قَالَ النَّوَوِيّ : فِيهِ اِسْتِحْبَاب الدُّعَاء عِنْد حُصُول الْأُمُور الْمَكْرُوهَات وَتَكْرِيره الِالْتِجَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْع ذَلِكَ.
قُلْت : سَلَكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّة مَسْلَكَيْ التَّفْوِيض وَتَعَاطِي الْأَسْبَاب , فَفِي أَوَّل الْأَمْر فَوَّضَ وَسَلَّمَ لِأَمْرِ رَبّه فَاحْتَسَبَ الْأَجْر فِي صَبْره عَلَى بَلَائِهِ , ثُمَّ لَمَّا تَمَادَى ذَلِكَ وَخَشِيَ مِنْ تَمَادِيهِ أَنْ يُضْعِفهُ عَنْ فَنُون عِبَادَته جَنَحَ إِلَى التَّدَاوِي ثُمَّ إِلَى الدُّعَاء , وَكُلّ مِنْ الْمَقَامَيْنِ غَايَة فِي الْكَمَال.
‏ ‏قَوْله : ( أُشْعِرْت ) ‏ ‏أَيْ عَلِمْت ؟ وَهِيَ رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ كَمَا فِي الْبَاب الَّذِي بَعْده.
‏ ‏قَوْله : ( أَفْتَانِي فِيمَا اِسْتَفْتَيْته ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ " أَفْتَانِي فِي أَمْر اِسْتَفْتَيْته فِيهِ " أَيْ أَجَابَنِي فِيمَا دَعَوْته , فَأَطْلَقَ عَلَى الدُّعَاء اِسْتِفْتَاء لِأَنَّ الدَّاعِي طَالِب وَالْمُجِيب مُفْتٍ , أَوْ الْمَعْنَى أَجَابَنِي بِمَا سَأَلْته عَنْهُ , لِأَنَّ دُعَاءَهُ كَانَ أَنْ يُطْلِعهُ اللَّه عَلَى حَقِيقَة مَا هُوَ فِيهِ لِمَا اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْر.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة " إِنَّ اللَّه أَنْبَأَنِي بِمَرَضِي " أَيْ أَخْبَرَنِي.
‏ ‏قَوْله ( أَتَانِي رَجُلَانِ ) ‏ ‏وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة " قُلْت : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : أَتَانِي رَجُلَانِ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مَعْمَر عِنْد أَحْمَد وَمُرْجَأ بْن رَجَاء عِنْد الطَّبَرَانِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَام " أَتَانِي مَلَكَانِ " وَسَمَّاهُمَا اِبْن سَعْد فِي رِوَايَة مُنْقَطِعَة جِبْرِيل وَمِيكَائِيل , وَكُنْت ذَكَرْت فِي الْمُقَدِّمَة ذَلِكَ اِحْتِمَالًا.
‏ ‏قَوْله : ( فَقَعَدَ أَحَدهمَا عِنْد رَأْسِي وَالْآخَر عِنْد رِجْلِي ) ‏ ‏لَمْ يَقَع لِي أَيّهمَا قَعَدَ عِنْد رَأْسه , لَكِنَّنِي أَظُنّهُ جِبْرِيل لِخُصُوصِيَّتِهِ بِهِ عَلَيْهِمَا السَّلَام.
ثُمَّ وَجَدْت فِي " السِّيرَة لِلدِّمْيَاطِيِّ " الْجَزْم بِأَنَّهُ جِبْرِيل قَالَ.
لِأَنَّهُ أَفْضَل , ثُمَّ وَجَدْت فِي حَدِيث زَيْد بِي أَرْقَم عِنْد النَّسَائِيِّ وَابْن سَعْد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم وَعَبْد بْن حُمَيْدٍ " سَحَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُل مِنْ الْيَهُود , فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا , فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ : إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُود سَحَرَك , عَقَدَ لَك عُقَدًا فِي بِئْر كَذَا " فَدَلَّ مَجْمُوع الطُّرُق عَلَى أَنَّ الْمَسْئُول هُوَ جِبْرِيل وَالسَّائِل مِيكَائِيل.
‏ ‏قَوْله : ( فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ الْآتِيَة بَعْد بَاب " فَقَالَ الَّذِي عِنْد رَأْسِي لِلْآخَرِ " وَفِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ " فَقَالَ الَّذِي عِنْد رِجْلِي لِلَّذِي عِنْد رَأْسِي " وَكَأَنَّهَا أَصْوَب , وَكَذَا هُوَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد الْبَيْهَقِيِّ.
وَوَقَعَ بِالشَّكِّ فِي رِوَايَة اِبْن نُمَيْر عِنْد مُسْلِم.
‏ ‏قَوْله : ( مَا وَجَع الرَّجُل ) ‏ ‏؟ كَذَا لِلْأَكْثَرِ , وَفِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ " مَا بَال الرَّجُل " ؟ وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد الْبَيْهَقِيِّ " مَا تَرَى " وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْمَنَام , إِذْ لَوْ جَاءَا إِلَيْهِ فِي الْيَقِظَة لَخَاطَبَاهُ وَسَأَلَاهُ.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون كَانَ بِصِفَةِ النَّائِم وَهُوَ يَقْظَان , فَتَخَاطَبَا وَهُوَ يَسْمَع.
وَأَطْلَقَ فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة أَنَّهُ كَانَ نَائِمًا , وَكَذَا فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ " فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمه ذَات يَوْم " وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا ذَكَرْت , وَعَلَى تَقْدِير حَمْلهَا عَلَى الْحَقِيقَة فَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاء وَحْي.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد سَعْد بِسَنَدٍ ضَعِيف جِدًّا " فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ وَهُوَ بَيْن النَّائِم وَالْيَقْظَان ".
‏ ‏قَوْله : ( فَقَالَ : مَطْبُوب ) ‏ ‏أَيْ مَسْحُور , يُقَال طُبَّ الرَّجُل بِالضَّمِّ إِذَا سُحِرَ , يُقَال كَنَّوْا عَنْ السِّحْر بِالطِّبِّ تَفَاؤُلًا كَمَا قَالُوا لِلَدِيغِ سُلَيْمٍ.
وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : الطِّبّ مِنْ الْأَضْدَاد , يُقَال لِعِلَاجِ الدَّاء طِبّ , وَالسِّحْر مِنْ الدَّاء وَيُقَال لَهُ طِبّ , وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْد مِنْ مُرْسَل عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى قَالَ " اِحْتَجَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسه بِقَرْنٍ حِين طُبَّ " قَالَ أَبُو عُبَيْد يَعْنِي سُحِرَ.
قَالَ اِبْن الْقَيِّم : بَنَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْر أَوَّلًا عَلَى أَنَّهُ مَرِضَ , وَأَنَّهُ عَنْ مَادَّة مَالَتْ إِلَى الدِّمَاغ وَغَلَبَتْ عَلَى الْبَطْن الْمُقَدَّم مِنْهُ فَغَيَّرَتْ مِزَاجه , فَرَأَى اِسْتِعْمَال الْحِجَامَة لِذَلِكَ مُنَاسِبًا , فَلَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ سُحِرَ عَدَلَ إِلَى الْعِلَاج الْمُنَاسِب لَهُ وَهُوَ اِسْتِخْرَاجه , قَالَ : وَيُحْتَمَل أَنَّ مَادَّة السِّحْر اِنْتَهَتْ إِلَى إِحْدَى قُوَى الرَّأْس حَتَّى صَارَ يُخَيَّل إِلَيْهِ مَا ذُكِرَ , فَإِنَّ السِّحْر قَدْ يَكُون مِنْ تَأْثِير الْأَرْوَاح الْخَبِيثَة , وَقَدْ يَكُون مِنْ اِنْفِعَال الطَّبِيعَة وَهُوَ أَشَدّ السِّحْر , وَاسْتِعْمَال الْحَجْم لِهَذَا الثَّانِي نَافِع لِأَنَّهُ إِذَا هَيَّجَ الْأَخْلَاط وَظَهَرَ أَثَره فِي عُضْو كَانَ اِسْتِفْرَاغ الْمَادَّة الْخَبِيثَة نَافِعًا فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : إِنَّمَا قِيلَ لِلسِّحْرِ طِبّ لِأَنَّ أَصْل الطِّبّ الْحِذْق بِالشَّيْءِ وَالتَّفَطُّن لَهُ , فَلَمَّا كَانَ كُلّ مَنْ عِلَاج الْمَرَض وَالسِّحْر إِنَّمَا يَتَأَتَّى عَنْ فِطْنَة وَحِذْق أُطْلِقَ عَلَى كُلّ مِنْهُمَا هَذَا الِاسْم.
‏ ‏قَوْله : ( فِي مُشْط وَمُشَاطَة ) ‏ ‏أَمَّا الْمُشْط فَهُوَ بِضَمِّ الْمِيم , وَيَجُوز كَسْرهَا أَثْبَتَهُ أَبُو عُبَيْد وَأَنْكَرَهُ أَبُو زَيْد , وَبِالسُّكُونِ فِيهِمَا , وَقَدْ يُضَمّ ثَانِيه مَعَ ضَمّ أَوَّله فَقَطْ وَهُوَ الْآلَة الْمَعْرُوفَة الَّتِي يُسَرَّح بِهَا شَعْر الرَّأْس وَاللِّحْيَة ; وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور.
وَيُطْلَق الْمُشْط بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى أَشْيَاء أُخْرَى : مِنْهَا الْعَظْم الْعَرِيض فِي الْكَتِف , وَسَلَامِيَّات ظَهْر الْقَدَم , وَنَبْت صَغِير يُقَال لَهُ مُشْط الذَّنَب.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الَّذِي سُحِرَ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَد هَذِهِ الْأَرْبَع.
قُلْت : وَفَاتَهُ آلَة لَهَا أَسْنَان وَفِيهَا هِرَاوَة يُقْبَض عَلَيْهَا وَيُغَطَّى بِهَا الْإِنَاة , قَالَ اِبْن سِيدَه فِي " الْمُحْكَم " : إِنَّهَا تُسَمَّى الْمُشْط.
وَالْمُشْط أَيْضًا سِمَة مِنْ سِمَات الْبَعِير تَكُون فِي الْعَيْن وَالْفَخِذ , وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُرَاد بِالْمُشْطِ هُنَا هُوَ الْأَوَّل , فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة " فَإِذَا فِيهَا مُشْط رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ مُرَاطَة رَأْسه " وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس " مِنْ شَعْر رَأْسه وَمِنْ أَسْنَان مُشْطه " وَفِي مُرْسَل عُمَر بْن الْحَكَم " فَعَمَدَ إِلَى مُشْط وَمَا مُشِطَ مِنْ الرَّأْس مِنْ شَعْر فَعَقَدَ بِذَلِكَ عُقَدًا ".
‏ ‏قَوْله : ( وَمُشَاطَة ) سَيَأْتِي بَيَان الِاخْتِلَاف هَلْ هِيَ بِالطَّاءِ أَوْ الْقَاف فِي آخِر الْكَلَام عَلَى هَذَا الْحَدِيث حَيْثُ بَيَّنَهُ الْمُصَنِّف.
‏ ‏قَوْله : ( وَجُفّ طَلْع نَخْلَة ذَكَر ) ‏ ‏قَالَ عِيَاض : وَقَعَ لِلْجُرْجَانِيّ - يَعْنِي فِي الْبُخَارِيّ - وَالْعُذْرِيّ - يَعْنِي فِي مُسْلِم - بِالْفَاءِ.
وَلِغَيْرِهِمَا بِالْمُوَحَّدَةِ.
قُلْت : أَمَّا رِوَايَة عِيسَى بْن يُونُس هُنَا فَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيّ بِالْفَاءِ وَلِغَيْرِهِ بِالْمُوَحَّدَةِ , وَأَمَّا رِوَايَته فِي بَدْء الْخَلْق فَالْجَمِيع بِالْفَاءِ , وَكَذَا فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ لِلْجَمِيعِ , وَلِلْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة بِالْمُوَحَّدَةِ , ولِلكُشْمِيهَنِيِّ بِالْفَاءِ , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : رِوَايَتنَا - يَعْنِي فِي مُسْلِم - بِالْفَاءِ , وَقَالَ النَّوَوِيّ : فِي أَكْثَر نُسَخ بِلَادنَا بِالْبَاءِ يَعْنِي فِي مُسْلِم , وَفِي بَعْضهَا بِالْفَاءِ , وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِد وَهُوَ الْغِشَاء الَّذِي يَكُون عَلَى الطَّلْع وَيُطْلَق عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى , فَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِالذَّكَرِ فِي قَوْله " طَلْعَة ذَكَر " وَهُوَ بِالْإِضَافَةِ اِنْتَهَى.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَتنَا هُنَا بِالتَّنْوِينِ فِيهِمَا عَلَى أَنَّ لَفْظ " ذَكَر " صِفَة لِجُفّ , وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيّ أَنَّ الَّذِي بِالْفَاءِ هُوَ وِعَاء الطَّلْع وَهُوَ لِلْغِشَاءِ الَّذِي يَكُون عَلَيْهِ , وَبِالْمُوَحَّدَةِ دَاخِل الطَّلْعَة إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الْكُفْرِيّ قَالَهُ شَمِر , قَالَ : وَيُقَال أَيْضًا لِدَاخِلِ الرَّكِيَّة مِنْ أَسْفَلهَا إِلَى أَعْلَاهَا جُفّ , وَقِيلَ هُوَ مِنْ الْقَطْع يَعْنِي مَا قُطِعَ مِنْ قُشُورهَا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَُّيْبَانِيُّ : الْجُفّ بِالْفَاءِ شَيْء يُنْقَر مِنْ جُذُوع النَّخْل.
‏ ‏قَوْله : ( قَالَ وَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : هُوَ فِي بِئْر ذَرْوَان ) ‏ ‏زَادَ اِبْن عُيَيْنَةَ وَغَيْره " تَحْت رَاعُوفَة " وَسَيَأْتِي شَرْحهَا بَعْد بَاب , وَذَرْوَان بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء , وَحَكَى اِبْن التِّين فَتْحهَا وَأَنَّهُ قَرَأَهُ كَذَلِكَ قَالَ : وَلَكِنَّهُ بِالسُّكُونِ أَشْبَه , وَفِي رِوَايَة اِبْن نُمَيْر عِنْد مُسْلِم " فِي بِئْر ذِي أَرْوَان " وَيَأْتِي فِي رِوَايَة أَبِي ضَمْرَة فِي الدَّعَوَات مِثْله , وَفِي نُسْخَة الصَّغَانِيّ لَكِنْ بِغَيْرِ لَفْظ بِئْر , وَلِغَيْرِهِ " فِي ذَرْوَان " وَذَرْوَان بِئْر فِي بَنِي زُرَيْق , فَعَلَى هَذَا فَقَوْله : " بِئْر ذَرْوَان " مِنْ إِضَافَة الشَّيْء لِنَفْسِهِ , وَيُجْمَع بَيْنهمَا وَبَيْن رِوَايَة اِبْن نُمَيْر بِأَنَّ الْأَصْل " بِئْر ذِي أَرْوَان " ثُمَّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَال سُهِّلَتْ الْهَمْزَة فَصَارَتْ " ذَرْوَان " وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ عُبَيْد الْبَكْرِيّ صَوَّبَ أَنَّ اِسْم الْبِئْر " أَرْوَان " بِالْهَمْزِ وَأَنَّ مَنْ قَالَ " ذَرْوَان " أَخْطَأَ.
وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ عَلَى مَا وَجَّهْته.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَحْمَد عَنْ وُهَيْب وَكَذَا فِي رِوَايَته عَنْ اِبْن نُمَيْر " بِئْر أَرْوَان " كَمَا قَالَ الْبَكْرِيّ , فَكَأَنَّ رِوَايَة الْأَصِيلِيُّ كَانَتْ مِثْلهَا فَسَقَطَتْ مِنْهَا الرَّاء , وَوَقَعَ عِنْد الْأَصِيلِيِّ فِيمَا حَكَاهُ عِيَاض " فِي بِئْر ذِي أَوَان " بِغَيْرِ رَاءٍ قَالَ عِيَاض : هُوَ وَهْم , فَإِنَّ هَذَا مَوْضِع آخَر عَلَى سَاعَة مِنْ الْمَدِينَة , وَهُوَ الَّذِي بُنِيَ فِيهِ مَسْجِد الضِّرَار.
‏ ‏قَوْله : ( فَأَتَاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاس مِنْ أَصْحَابه ) ‏ ‏وَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد اِبْن سَعْد " فَبَعَثَ إِلَى عَلِيّ وَعَمَّار فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَأْتِيَا الْبِئْر " وَعِنْده فِي مُرْسَل عُمَر بْن الْحَكَم " فَدَعَا جُبَيْر بْن إِيَاس الزُّرَقِيّ وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ عَلَى مَوْضِعه فِي بِئْر ذَرْوَان فَاسْتَخْرَجَهُ " قَالَ وَيُقَال الَّذِي اِسْتَخْرَجَهُ قَيْس بْن مُحْصَن الزُّرَقِيّ , وَيُجْمَع بِأَنَّهُ أَعَانَ جُبَيْرًا عَلَى ذَلِكَ وَبَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَنُسِبَ إِلَيْهِ , وَعِنْد اِبْن سَعْد أَيْضًا " أَنَّ الْحَارِث بْن قَيْس قَالَ : يَا رَسُول اللَّه أَلَا يَهُور الْبِئْر " فَيُمْكِن تَفْسِير مَنْ أُبْهِمَ بِهَؤُلَاءِ أَوْ بَعْضهمْ , وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَّهَهُمْ أَوَّلًا ثُمَّ تَوَجَّهَ فَشَاهَدَهَا بِنَفْسِهِ.
‏ ‏قَوْله ( فَجَاءَ فَقَالَ يَا عَائِشَة ) ‏ ‏فِي رِوَايَة وُهَيْب " فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ يَا عَائِشَة " وَنَحْوه فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة وَلَفْظه " فَذَهَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبِئْر فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَة فَقَالَ " وَفِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة " فَنَزَلَ رَجُل فَاسْتَخْرَجَهُ " وَفِيهِ مِنْ الزِّيَادَة أَنَّهُ " وَجَدَ فِي الطَّلْعَة تِمْثَالًا مِنْ شَمْع , تِمْثَال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِذَا فِيهِ إِبَر مَغْرُوزَة , وَإِذَا وُتِرَ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَة عُقْدَة , فَنَزَلَ جِبْرِيل بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ , فَكُلَّمَا قَرَأَ آيَة اِنْحَلَّتْ عُقْدَة , وَكُلَّمَا نَزَعَ إِبْرَة وَجَدَ لَهَا أَلَمًا ثُمَّ يَجِد بَعْدهَا رَاحَة " وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس نَحْوه كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَيْهِ , وَفِي حَدِيث زَيْد بْن أَرْقَم الَّذِي أَشَرْت إِلَيْهِ عِنْد عَبْد بْن حُمَيْدٍ وَغَيْره " فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَنَزَلَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ " وَفِيهِ " فَأَمَرَهُ أَنْ يَحِلّ الْعُقَد وَيَقْرَأ آيَة , فَجَعَلَ يَقْرَأ وَيَحِلّ حَتَّى قَامَ كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَال " وَعِنْد اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق عُمَر مَوْلَى غُفْرَة مُعْضِلًا " فَاسْتَخْرَجَ السِّحْر مِنْ الْجُفّ مِنْ تَحْت الْبِئْر ثُمَّ نَزَعَهُ فَحَلَّهُ فَكَشَفَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
‏ ‏قَوْله : ( كَأَنَّ مَاءَهَا ) ‏ ‏فِي رِوَايَة اِبْن نُمَيْر " وَاَللَّه لَكَأَنَّ مَاءَهَا " أَيْ الْبِئْر ‏ ‏( نُقَاعَة الْحِنَّاء ) ‏ ‏بِضَمِّ النُّون وَتَخْفِيف الْقَاف , وَالْحِنَّاء مَعْرُوف وَهُوَ بِالْمَدِّ أَيْ أَنَّ لَوْن مَاء الْبِئْر لَوْن الْمَاء الَّذِي يُنْقَع فِيهِ الْحِنَّاء.
قَالَ اِبْن التِّين : يَعْنِي أَحْمَر.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ.
الْمُرَاد الْمَاء الَّذِي يَكُون مِنْ غُسَالَة الْإِنَاء الَّذِي تُعْجَن فِيهِ الْحِنَّاء.
قُلْت : وَوَقَعَ فِي حَدِيث زَيْد بْن أَرْقَم عِنْد اِبْن سَعْد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم " فَوَجَدَ الْمَاء وَقَدْ اِخْضَرَّ " وَهَذَا يُقَوِّي قَوْل الدَّاوُدِيِّ.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : كَأَنَّ مَاء الْبِئْر قَدْ تَغَيَّرَ إِمَّا لِرَدَاءَتِهِ بِطُولِ إِقَامَته , وَإِمَّا لِمَا خَالَطَهُ مِنْ الْأَشْيَاء الَّتِي أُلْقِيَتْ فِي الْبِئْر.
قُلْت : وَيَرُدّ الْأَوَّل أَنَّ عِنْد اِبْن سَعْد فِي مُرْسَل عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب أَنَّ الْحَارِث بْن قَيْس هَوَّرَ الْبِئْر الْمَذْكُورَة وَكَانَ يَسْتَعْذِب مِنْهَا وَحَفَرَ بِئْرًا أُخْرَى فَأَعَانَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَفْرهَا.
‏ ‏قَوْله : ( وَكَأَنَّ رُءُوس نَخْلهَا رُءُوس الشَّيَاطِين ) ‏ ‏كَذَا هُنَا , وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي فِي بَدْء الْخَلْق " نَخْلهَا كَأَنَّهُ رُءُوس الشَّيَاطِين " وَفِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ وَأَكْثَر الرُّوَاة عَنْ هِشَام " كَأَنَّ نَخْلهَا " بِغَيْرِ ذِكْر " رُءُوس " أَوَّلًا , وَالتَّشْبِيه إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى رُءُوس النَّخْل فَلِذَلِكَ أَفْصَحَ بِهِ فِي رِوَايَة الْبَاب وَهُوَ مُقَدَّر فِي غَيْرهَا.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة " فَإِذَا نَخْلهَا الَّذِي يَشْرَب مِنْ مَائِهَا قَدْ اِلْتَوَى سَعَفه كَأَنَّهُ رُءُوس الشَّيَاطِين " وَقَدْ وَقَعَ تَشْبِيه طَلْع شَجَرَة الزَّقُّوم فِي الْقُرْآن بِرُءُوسِ الشَّيَاطِين , قَالَ الْفَرَّاء وَغَيْره : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون شَبَّهَ طَلْعهَا فِي قُبْحه بِرُءُوسِ الشَّيَاطِين : لِأَنَّهَا مَوْصُوفَة بِالْقُبْحِ , وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي اللِّسَان أَنَّ مَنْ قَالَ.
فُلَان شَيْطَان أَرَادَ أَنَّهُ خَبِيث أَوْ قَبِيح , وَإِذَا قَبَّحُوا مُذَكَّرًا قَالُوا شَيْطَان , أَوْ مُؤَنَّثًا قَالُوا غُول , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالشَّيَاطِينِ الْحَيَّات , وَالْعَرَب تُسَمِّي بَعْض الْحَيَّات شَيْطَانًا وَهُوَ ثُعْبَان قَبِيح الْوَجْه , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد نَبَات قَبِيح قِيلَ إِنَّهُ يُوجَد بِالْيَمَنِ.
‏ ‏قَوْله : ( قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَفَلَا اِسْتَخْرَجْته ) ‏ ‏فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة " فَقَالَ لَا " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ أَنَّهُ اِسْتَخْرَجَهُ , وَأَنَّ سُؤَال عَائِشَة إِنَّمَا وَقَعَ عَنْ النُّشْرَة فَأَجَابَهَا بِلَا , وَسَيَأْتِي بَسْط الْقَوْل فِيهِ بَعْد بَاب.
‏ ‏قَوْله : ( فَكَرِهْت أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاس فِيهِ شَرًّا ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " سُوءًا " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة " أَنْ أُثَوِّر " بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَة وَتَشْدِيد الْوَاو وَهُمَا بِمَعْنًى.
وَالْمُرَاد بِالنَّاسِ التَّعْمِيم فِي الْمَوْجُودِينَ قَالَ النَّوَوِيّ : خَشِيَ مِنْ إِخْرَاجه وَإِشَاعَته ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَذَكُّر السِّحْر وَتَعَلُّمه وَنَحْو ذَلِكَ ; وَهُوَ مِنْ بَاب تَرْك الْمَصْلَحَة خَوْف الْمَفْسَدَة.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن نُمَيْر " عَلَى أُمَّتِي " وَهُوَ قَابِل أَيْضًا لِلتَّعْمِيمِ , لِأَنَّ الْأُمَّة تُطْلَق عَلَى أُمَّة الْإِجَابَة وَأُمَّة الدَّعْوَة عَلَى مَا هُوَ أَعَمّ , وَهُوَ يَرُدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَاد بِالنَّاسِ هُنَا لَبِيد بْن الْأَعْصَم لِأَنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا فَأَرَادَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُثِير عَلَيْهِ شَرًّا لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْثِر الْإِغْضَاء عَمَّنْ يُظْهِر الْإِسْلَام وَلَوْ صَدَرَ مِنْهُ مَا صَدَرَ , وَقَدْ وَقَعَ أَيْضًا فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ " وَكَرِهْت أَنْ أُثِير عَلَى أَحَد مِنْ النَّاس شَرًّا " نَعَمْ وَقَعَ فِي حَدِيث عَمْرَة عَنْ عَائِشَة " فَقِيلَ يَا رَسُول اللَّه لَوْ قَتَلْته , قَالَ : مَا وَرَاءَهُ مِنْ عَذَاب اللَّه أَشَدّ " وَفِي رِوَايَة عَمْرَة " فَأَخَذَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفَ فَعَفَا عَنْهُ " وَفِي حَدِيث زَيْد بْن أَرْقَم " فَمَا ذَكَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ الْيَهُودِيّ شَيْئًا مِمَّا صَنَعَ بِهِ وَلَا رَآهُ فِي وَجْهه " وَفِي مُرْسَل عُمَر بْن الْحَكَم " فَقَالَ لَهُ : مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا ؟ قَالَ : حُبّ الدَّنَانِير " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْجِزْيَة قَوْل اِبْن شِهَاب أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلهُ , وَأَخْرَجَ اِبْن سَعْد مِنْ مُرْسَل عِكْرِمَة أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلهُ , وَنُقِلَ عَنْ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ ذَلِكَ أَصَحّ مِنْ رِوَايَة مَنْ قَالَ إِنَّهُ قَتَلَهُ , وَمِنْ ثَمَّ حَكَى عِيَاض فِي " الشِّفَاء " قَوْلَيْنِ : هَلْ قُتِلَ , أَمْ لَمْ يُقْتَل ؟ وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ لَا حُجَّة عَلَى مَالِك مِنْ هَذِهِ الْقِصَّة , لِأَنَّ تَرْك قَتْل لَبِيد بْن الْأَعْصَم كَانَ لِخَشْيَةِ أَنْ يُثِير بِسَبَبِ قَتْله فِتْنَة , أَوْ لِئَلَّا يُنَفِّر النَّاس عَنْ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام , وَهُوَ مِنْ جِنْس مَا رَاعَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَنْع قَتْل الْمُنَافِقِينَ حَيْثُ قَالَ : " لَا يَتَحَدَّث النَّاس أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُل أَصْحَابه ".
‏ ‏قَوْله : ( فَأَمَرَ بِهَا ) ‏ ‏أَيْ بِالْبِئْرِ ‏ ‏( فَدُفِنَتْ ) ‏ ‏وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن نُمَيْر وَغَيْره عَنْ هِشَام , وَأَوْرَدَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق أَبِي أُسَامَة عَنْ هِشَام عَقِب رِوَايَة اِبْن نُمَيْر وَقَالَ " لَمْ يَقُلْ أَبُو أُسَامَة فِي رِوَايَته فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ ".
قُلْت : وَكَأَنَّ شَيْخه لَمْ يَذْكُرهَا حِين حَدَّثَهُ , وَإِلَّا فَقَدْ أَوْرَدَهَا الْبُخَارِيّ عَنْ عُبَيْد بْن إِسْمَاعِيل عَنْ أَبِي أُسَامَة , كَمَا فِي الْبَاب بَعْده , وَقَالَ فِي آخِره " فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي مُرْسَل عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْب " أَنَّ الْحَارِث بْن قَيْس هَوَّرَهَا ".
‏ ‏قَوْله : ( تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَة ) ‏ ‏هُوَ حَمَّاد بْن أُسَامَة , وَتَأْتِي رِوَايَته مَوْصُولَة بَعْد بَابَيْنِ.
‏ ‏قَوْله : ( وَأَبُو ضَمْرَة ) ‏ ‏هُوَ أَنَس بْن عِيَاض , وَسَتَأْتِي رِوَايَته مَوْصُولَة فِي كِتَاب الدَّعَوَات.
‏ ‏قَوْله : ( وَابْن أَبِي الزِّنَاد ) ‏ ‏هُوَ عَبُدَ الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن ذَكْوَانَ , وَلَمْ أَعْرِف مَنْ وَصَلَهَا بَعْد.
‏ ‏قَوْله : ( وَقَالَ اللَّيْث وَابْن عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَام فِي مُشْط وَمُشَاطَة ) ‏ ‏كَذَا لِأَبِي ذَرّ , وَلِغَيْرِهِ " وَمُشَاقَة " وَهُوَ الصَّوَاب وَإِلَّا لَاتَّحَدَتْ الرِّوَايَات , وَرِوَايَة اللَّيْث تَقَدَّمَ ذِكْرهَا فِي بَدْء الْخَلْق , وَرِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ تَأْتِي مَوْصُولَة بَعْد بَاب.
وَذَكَرَ الْمِزِّيّ فِي " الْأَطْرَاف " تَبَعًا لِخَلَفٍ أَنَّ الْبُخَارِيّ أَخْرَجَهُ فِي الطِّبّ عَنْ الْحُمَيْدِيّ وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ , وَطَرِيق الْحُمَيْدِيّ مَا هِيَ فِي الطِّبّ فِي شَيْء مِنْ النُّسَخ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا , وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " مِنْ طَرِيق الْحُمَيْدِيّ وَقَالَ بَعْده " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد " لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ , وَكَذَا لَمْ يَذْكُر أَبُو مَسْعُود فِي أَطْرَافه الْحُمَيْدِيّ , وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( وَيُقَال الْمُشَاطَة مَا يَخْرُج مِنْ الشَّعْر إِذَا مُشِطَ ) ‏ ‏هَذَا لَا اِخْتِلَاف فِيهِ بَيْن أَهْل اللُّغَة , قَالَ اِبْن قُتَيْبَة.
الْمُشَاطَة مَا يَخْرُج مِنْ الشَّعْر الَّذِي سَقَطَ مِنْ الرَّأْس إِذَا سُرِّحَ بِالْمُشْطِ , وَكَذَا مِنْ اللِّحْيَة.
‏ ‏قَوْله : ( وَالْمُشَاطَة مِنْ مُشَاطَة الْكَتَّان ) ‏ ‏كَذَا لِأَبِي ذَرّ كَأَنَّ الْمُرَاد أَنَّ اللَّفْظ مُشْتَرِك بَيْن الشَّعْر إِذَا مُشِطَ وَبَيْن الْكَتَّان إِذَا سُرِّحَ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة غَيْر أَبِي ذَرّ " وَالْمُشَاقَة " وَهُوَ أَشْبَهَ , وَقِيلَ الْمُشَاقَة هِيَ الْمُشَاطَة بِعَيْنِهَا , وَالْقَاف تُبْدَل مِنْ الطَّاء لِقُرْبِ الْمَخْرَج , وَاَللَّه أَعْلَم.


حديث سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏عِيسَى بْنُ يُونُسَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏هِشَامٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏ ‏قَالَتْ ‏ ‏سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏رَجُلٌ مِنْ ‏ ‏بَنِي زُرَيْقٍ ‏ ‏يُقَالُ لَهُ ‏ ‏لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ ‏ ‏حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ عِنْدِي لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ يَا ‏ ‏عَائِشَةُ ‏ ‏أَشَعَرْتِ ‏ ‏أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانِي ‏ ‏رَجُلَانِ ‏ ‏فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ فَقَالَ ‏ ‏مَطْبُوبٌ ‏ ‏قَالَ مَنْ طَبَّهُ قَالَ ‏ ‏لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ ‏ ‏قَالَ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَالَ فِي مُشْطٍ ‏ ‏وَمُشَاطَةٍ ‏ ‏وَجُفِّ ‏ ‏طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ قَالَ وَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِي ‏ ‏بِئْرِ ذَرْوَانَ ‏ ‏فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فِي ‏ ‏نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ‏ ‏فَجَاءَ فَقَالَ يَا ‏ ‏عَائِشَةُ ‏ ‏كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا اسْتَخْرَجْتَهُ قَالَ قَدْ عَافَانِي اللَّهُ فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ ‏ ‏تَابَعَهُ ‏ ‏أَبُو أُسَامَةَ ‏ ‏وَأَبُو ضَمْرَةَ ‏ ‏وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏هِشَامٍ ‏ ‏وَقَالَ ‏ ‏اللَّيْثُ ‏ ‏وَابْنُ عُيَيْنَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏هِشَامٍ ‏ ‏فِي مُشْطٍ ‏ ‏وَمُشَاقَةٍ ‏ ‏يُقَالُ الْمُشَاطَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّعَرِ إِذَا مُشِطَ ‏ ‏وَالْمُشَاقَةُ ‏ ‏مِنْ مُشَاقَةِ الْكَتَّانِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر

عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا الموبقات: الشرك بالله، والسحر.»

أتى النبي ﷺ البئر حتى استخرجه فقال هذه البئر التي...

عن ‌عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا...

سحر النبي ﷺ حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما...

عن ‌عائشة قالت: «سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه، ثم قال: أ...

قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما

عن ‌عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، «أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحرا، أو إن...

من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك...

عن عامر بن سعد، عن ‌أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من اصطبح كل يوم تمرات عجوة، لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل».<br> وقا...

من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سح...

عن سعد رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تصبح سبع تمرات عجوة، لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر.»

لا عدوى ولا صفر ولا هامة

عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا صفر ولا هامة فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها ا...

لا عدوى ولا طيرة

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة، إنما الشؤم في ثلاث: في الفرس، والمرأة، والدار.»

سمع رسول الله ﷺ يقول لا عدوى

عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا عدوى» 5774 - قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: سمعت أبا هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم...