5990- عن عمرو بن العاص، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جهارا غير سر يقول: " إن آل أبي - قال عمرو: في كتاب محمد بن جعفر بياض - ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين " زاد عنبسة بن عبد الواحد، عن بيان، عن قيس، عن عمرو بن العاص، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: «ولكن لهم رحم أبلها ببلاها» يعني أصلها بصلتها قال أبو عبد الله: «ببلاها كذا وقع، وببلالها أجود وأصح، وببلاها لا أعرف له وجها»
أخرجه مسلم في الإيمان باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم رقم 215
(آل أبي) أي أقربائي من النسب.
(بياض) أي بغير كتابة ووجد في بعض النسخ (آل أبي فلان).
(أوليائي) نصرائي وأعواني الذين أتولاهم ويتولونني بسبب القرابة فقط.
(صالح المؤمنين) المؤمنون الصالخون الصادقون قريبين كانوا في النسب أم بعيدين.
(لهم) أي لآل أبي وأقربائي.
(رحم) قرابة.
(أبلها) أنديها بما يجب أن تندى به من الصلة والبلال ما يبل به الحلق ويندى من ماء وغيره
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( حَدَّثَنِي ) لِغَيْرِ أَبِي ذَرّ " حَدَّثَنَا " وَعَمْرو بْن عَبَّاس بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَة هُوَ أَبُو عُثْمَان الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ وَيُقَال لَهُ الْأَهْوَازِيّ , أَصْله مِنْ إِحْدَاهُمَا وَسَكَّنَ الْأُخْرَى , وَهُوَ مِنْ الطَّبَقَة الْوُسْطَى مِنْ شُيُوخ الْبُخَارِيّ , وَانْفَرَدَ بِهِ عَنْ السِّتَّة.
وَحَدِيث الْبَاب قَدْ حَدَّثَ بِهِ أَحْمَد وَيَحْيَى بْن مَعِين وَغَيْرهمَا مِنْ شُيُوخ الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن مَهْدِيّ , لَكِنْ نَاسَبَ تَخْرِيجه عَنْهُ كَوْن صَحَابِيّه سَمِيّه وَهُوَ عَمْرو بْن الْعَاصِ , وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر شَيْخه هُوَ غُنْدَر وَهُوَ بَصْرِيّ , وَلَمْ أَرَ الْحَدِيث الْمَذْكُور عِنْدَ أَحْمَد مِنْ أَصْحَاب شُعْبَة إِلَّا عِنْدَه , إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ رِوَايَة وَهْب بْن حَفْص عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن إِبْرَاهِيم الْجَعْدِيّ عَنْ شُعْبَة , وَوَهْب بْن حَفْص كَذَّبُوهُ.
قَوْله : ( أَنَّ عَمْرو بْن الْعَاصِ قَالَ ) عِنْدَ مُسْلِم عَنْ أَحْمَد وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ يَحْيَى بْن مَعِين كِلَاهُمَا عَنْ غُنْدَر بِلَفْظِ " عَنْ عَمْرو بْن الْعَاصِ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بَيَان بْن بِشْر عَنْ قَيْس " سَمِعْت عَمْرو بْن الْعَاصِ " وَسَتَأْتِي الْإِشَارَة إِلَيْهَا فِي الْكَلَام عَلَى الطَّرِيق الْمُعَلَّقَة , وَلَيْسَ لِقَيْسِ بْن أَبِي حَازِم فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمْرو بْن الْعَاصِ غَيْر هَذَا الْحَدِيث , وَلِعَمْرٍو فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثَانِ آخَرَانِ حَدِيث " أَيّ الرِّجَال أَحَبُّ إِلَيْك " وَقَدْ مَضَى فِي الْمَنَاقِب , وَحَدِيث " إِذَا اِجْتَهَدَ الْحَاكِم " وَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَام , وَلَهُ آخَر مُعَلَّق عِنْدَ الْبُخَارِيّ مَضَى فِي الْمَبْعَث النَّبَوِيّ , وَآخَر مَضَى فِي التَّيَمُّم , وَعِنْدَ مُسْلِم حَدِيث آخَر فِي السُّحُور , وَهَذَا جَمِيع مَا لَهُ عِنْدَهمَا مِنْ الْأَحَادِيث الْمَرْفُوعَة.
قَوْله : ( سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا ) يَحْتَمِل أَنْ يَتَعَلَّق بِالْمَفْعُولِ أَيْ كَانَ الْمَسْمُوع فِي حَالَة الْجَهْر , وَيَحْتَمِل أَنْ يَتَعَلَّق بِالْفَاعِلِ أَيْ أَقُول ذَلِكَ جِهَارًا , وَقَوْله : " غَيْر سِرٍّ " تَأْكِيد لِذَلِكَ لِدَفْعِ تَوَهُّم أَنَّهُ جَهَرَ بِهِ مَرَّة وَأَخْفَاهُ أُخْرَى , وَالْمُرَاد أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ خِفْيَة بَلْ جَهَرَ بِهِ وَأَشَاعَهُ.
قَوْله : ( إِنَّ آل أَبِي ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِحَذْفِ مَا يُضَاف إِلَى أَدَاة الْكُنْيَة , وَأَثْبَتَهُ الْمُسْتَمْلِيّ فِي رِوَايَته لَكِنْ كَنَّى عَنْهُ فَقَالَ : " آل أَبِي فُلَان " وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتَيْ مُسْلِم وَالْإِسْمَاعِيلِيّ , وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَصْل مُسْلِم مَوْضِع " فُلَان " بَيَاض ثُمَّ كَتَبَ بَعْض النَّاس فِيهِ " فُلَان " عَلَى سَبِيل الْإِصْلَاح , وَفُلَان كِنَايَة عَنْ اِسْم عَلَم , وَلِهَذَا وَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاته " إِنَّ آل أَبِي يَعْنِي فُلَان " وَلِبَعْضِهِمْ " إِنَّ آل أَبِي فُلَان " بِالْجَزْمِ.
قَوْله : ( قَالَ عَمْرو ) هُوَ اِبْن عَبَّاس شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ.
قَوْله : ( فِي كِتَاب مُحَمَّد بْن جَعْفَر ) أَيْ غُنْدَر شَيْخ عَمْرو فِيهِ.
قَوْله : ( بَيَاض ) قَالَ عَبْد الْحَقّ فِي كِتَاب " الْجَمْع بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ " : إِنَّ الصَّوَاب فِي ضَبْط هَذِهِ الْكَلِمَة بِالرَّفْعِ , أَيْ وَقَعَ فِي كِتَاب مُحَمَّد بْن جَعْفَر مَوْضِع أَبْيَض يَعْنِي بِغَيْرِ كِتَابَة , وَفَهِمَ مِنْهُ بَعْضهمْ أَنَّهُ الِاسْم الْمُكَنَّى عَنْهُ فِي الرِّوَايَة فَقَرَأَهُ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ فِي كِتَاب مُحَمَّد بْن جَعْفَر إِنَّ آل أَبِي بَيَاض , وَهُوَ فَهْم سَيِّئ مِمَّنْ فَهِمَهُ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَف فِي الْعَرَب قَبِيلَة يُقَال لَهَا آل أَبِي بَيَاض , فَضْلًا عَنْ قُرَيْش , وَسِيَاق الْحَدِيث مُشْعِر بِأَنَّهُمْ مِنْ قَبِيلَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ قُرَيْش , بَلْ فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهُمْ أَخَصّ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ : " إِنَّ لَهُمْ رَحِمًا " وَأَبْعَدَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى بَنِي بَيَاضَةَ وَهُمْ بَطْن مِنْ الْأَنْصَار لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْيِير أَوْ التَّرْخِيم عَلَى رَأْي , وَلَا يُنَاسِب السِّيَاق أَيْضًا.
وَقَالَ اِبْن التِّين : حُذِفَتْ التَّسْمِيَة لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ.
وَقَالَ النَّوَوِيّ : هَذِهِ الْكِنَايَة مِنْ بَعْض الرُّوَاة , خَشِيَ أَنْ يُصَرِّح بِالِاسْمِ فَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَفْسَدَة إِمَّا فِي حَقِّ نَفْسه , وَإِمَّا فِي حَقِّ غَيْره , وَإِمَّا مَعًا.
وَقَالَ عِيَاض : إِنَّ الْمَكْنِيّ عَنْهُ هُنَا هُوَ الْحَكَم بْن أَبِي الْعَاصِ.
وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : كَذَا وَقَعَ مُبْهَمًا فِي السِّيَاق , وَحَمَلَهُ بَعْضهمْ عَلَى بَنِي أُمَيَّة وَلَا يَسْتَقِيم مَعَ قَوْله آل أَبِي , فَلَوْ كَانَ آل بَنِي لَأَمْكَنَ , وَلَا يَصِحّ تَقْدِير آل أَبِي الْعَاصِ لِأَنَّهُمْ أَخَصُّ مِنْ بَنِي أُمَيَّة وَالْعَامّ لَا يُفَسَّر بِالْخَاصِّ.
قُلْت : لَعَلَّ مُرَاد الْقَائِل أَنَّهُ أَطْلَقَ الْعَامّ وَأَرَادَ الْخَاصّ , وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة وَهْب بْن حَفْص الَّتِي أَشَرْت إِلَيْهَا " أَنَّ آل بَنِي " لَكِنْ وَهْب لَا يُعْتَمَد عَلَيْهِ , وَجَزَمَ الدِّمْيَاطِيّ فِي حَوَاشِيه بِأَنَّهُ آل أَبِي الْعَاصِ بْن أُمَيَّة , ثُمَّ قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : إِنَّهُ رَأَى فِي كَلَام اِبْن الْعَرَبِيّ فِي هَذَا شَيْئًا يُرَاجَع مِنْهُ.
قُلْت : قَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي " سِرَاج الْمُرِيدِينَ " : كَانَ فِي أَصْل حَدِيث عَمْرو بْن الْعَاصِ " أَنَّ آل أَبِي طَالِب " فَغَيَّرَ " آل أَبِي فُلَان " كَذَا جَزَمَ بِهِ , وَتَعَقَّبَهُ بَعْض النَّاس وَبَالَغَ فِي التَّشْنِيع وَنَسَبَهُ إِلَى التَّحَامُل عَلَى آل أَبِي طَالِب , وَلَمْ يُصِبْ هَذَا الْمُنْكَر فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا اِبْن الْعَرَبِيّ مَوْجُودَة فِي " مُسْتَخْرَج أَبِي نُعَيْم " مِنْ طَرِيق الْفَضْل بْن الْمُوَفَّق عَنْ عَنْبَسَةَ بْن عَبْد الْوَاحِد بِسَنَدِ الْبُخَارِيّ عَنْ بَيَان بْن بِشْر عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم عَنْ عَمْرو بْن الْعَاصِ رَفَعَهُ " إِنَّ لِبَنِي أَبِي طَالِب رَحِمًا أَبُلّهَا بِبَلَاهَا " وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْه أَيْضًا لَكِنْ أَبْهَمَ لَفْظ طَالِب , وَكَأَنَّ الْحَامِل لِمَنْ أَبْهَمَ هَذَا الْمَوْضِع ظَنّهمْ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي نَقْصًا فِي آل أَبِي طَالِب ; وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمُوهُ كَمَا سَأُوَضِّحُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي نُسْخَة مِنْ رِوَايَة أَبِي ذَرّ " بِأَوْلِيَاءٍ " فَنَقَلَ اِبْن التِّين عَنْ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا النَّفْي مَنْ لَمْ يُسْلِم مِنْهُمْ , أَيْ فَهُوَ مِنْ إِطْلَاق الْكُلّ وَإِرَادَة الْبَعْض , وَالْمَنْفِيّ عَلَى هَذَا الْمَجْمُوع لَا الْجَمِيع.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْوِلَايَة الْمَنْفِيَّة وِلَايَة الْقُرْب وَالِاخْتِصَاص لَا وِلَايَة الدِّين , وَرَجَّحَ اِبْن التِّين الْأَوَّل وَهُوَ الرَّاجِح , فَإِنَّ مِنْ جُمْلَة آل أَبِي طَالِب عَلِيًّا وَجَعْفَرًا وَهُمَا مِنْ أَخَصِّ النَّاس بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا لَهُمَا مِنْ السَّابِقَة وَالْقِدَم فِي الْإِسْلَام وَنَصْر الدِّين , وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ بَعْض النَّاس صِحَّة هَذَا الْحَدِيث لِمَا نُسِبَ إِلَى بَعْض رُوَاته مِنْ النَّصْب وَهُوَ الِانْحِرَاف عَنْ عَلِيّ وَآل بَيْته , قُلْت : أَمَّا قَيْس بْن أَبِي حَازِم فَقَالَ يَعْقُوب بْن شَيْبَة تَكَلَّمَ أَصْحَابنَا فِي قَيْس فَمِنْهُمْ مَنْ رَفَعَ قَدْره وَعَظَّمَهُ وَجَعَلَ الْحَدِيث عَنْهُ مِنْ أَصَحّ الْأَسَانِيد حَتَّى قَالَ اِبْن مَعِين : هُوَ أَوْثَق مِنْ الزُّهْرِيّ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ عَلَيْهِ وَقَالَ : لَهُ أَحَادِيث مَنَاكِير , وَأَجَابَ مَنْ أَطْرَاهُ بِأَنَّهَا غَرَائِب وَإِفْرَاده لَا يَقْدَح فِيهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبه وَقَالَ : كَانَ يَحْمِل عَلَى عَلِيّ وَلِذَلِكَ تَجَنَّبَ الرِّوَايَة عَنْهُ كَثِير مِنْ قُدَمَاء الْكُوفِيِّينَ , وَأَجَابَ مَنْ أَطْرَاهُ بِأَنَّهُ كَانَ يُقَدِّم عُثْمَان عَلَى عَلِيّ.
قُلْت : وَالْمُعْتَمَد عَلَيْهِ أَنَّهُ ثِقَة ثَبْت مَقْبُول الرِّوَايَة , وَهُوَ مِنْ كِبَار التَّابِعِينَ , سَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق فَمَنْ دُونه , وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ حَدِيث الْبَاب إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد وَبَيَان بْن بِشْر وَهُمَا كُوفِيَّانِ وَلَمْ يُنْسَبَا إِلَى النَّصْب , لَكِنَّ الرَّاوِي عَنْ بَيَان وَهُوَ عَنْبَسَةُ بْن عَبْد الْوَاحِد أُمَوِيّ قَدْ نُسِبَ إِلَى شَيْء مِنْ النَّصْب , وَأَمَّا عَمْرو بْن الْعَاصِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَه وَبَيْنَ عَلِيّ مَا كَانَ فَحَاشَاهُ أَنْ يُتَّهَم , وَلِلْحَدِيثِ مَحَلّ صَحِيح لَا يَسْتَلْزِم نَقْصًا فِي مُؤْمِنِي آلِ أَبِي طَالِب , وَهُوَ أَنَّ الْمُرَاد بِالنَّفْيِ الْمَجْمُوع كَمَا تَقَدَّمَ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِآلِ أَبِي طَالِب أَبُو طَالِب نَفْسه وَهُوَ إِطْلَاق سَائِغ كَقَوْلِهِ فِي أَبِي مُوسَى : " إِنَّهُ أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِير آلِ دَاوُدَ " وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " آل أَبِي أَوْفَى " وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ مُبَالَغَة فِي الِانْتِفَاء مِمَّنْ لَمْ يُسْلِم لِكَوْنِهِ عَمّه وَشَقِيق أَبِيهِ وَكَانَ الْقَيِّم بِأَمْرِهِ وَنَصْره وَحِمَايَته , وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمَّا لَمْ يُتَابِعهُ عَلَى دِينه اِنْتَفَى مِنْ مُوَالَاته.
قَوْله : ( إِنَّمَا وَلِيِّي اللَّه وَصَالِح الْمُؤْمِنِينَ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْإِفْرَادِ وَإِرَادَة الْجُمْلَة , وَهُوَ اِسْم جِنْس , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْبَرْقَانِيّ " وَصَالِحُو الْمُؤْمِنِينَ " بِصِيغَةِ الْجَمْع , وَقَدْ أَجَازَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْآيَة الَّتِي فِي التَّحْرِيم كَانَتْ فِي الْأَصْل " فَإِنَّ اللَّه هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيل وَصَالِحُو الْمُؤْمِنِينَ " لَكِنْ حُذِفَتْ الْوَاو مِنْ الْخَطّ عَلَى وَفْق النُّطْق , وَهُوَ مِثْل قَوْله : ( سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة ) وَقَوْله : ( يَوْم يَدْعُ الدَّاعِ ) وَقَوْله : ( وَيَمْحُ اللَّه الْبَاطِل ) وَقَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ وَلِيِّي مَنْ كَانَ صَالِحًا وَإِنْ بَعُدَ مِنِّي نَسَبه , وَلَيْسَ وَلِيِّي مَنْ كَانَ غَيْر صَالِح وَإِنْ قَرُبَ مِنِّي نَسَبه.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : فَائِدَة الْحَدِيث اِنْقِطَاع الْوِلَايَة فِي الدِّين بَيْنَ الْمُسْلِم وَالْكَافِر وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا حَمِيمًا.
وَقَالَ اِبْن بَطَّال : أَوْجَبَ فِي هَذَا الْحَدِيث الْوِلَايَة بِالدِّينِ وَنَفَاهَا عَنْ أَهْل رَحِمه إِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْل دِينه , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّسَب يَحْتَاج إِلَى الْوِلَايَة الَّتِي يَقَع بِهَا الْمُوَارَثَة بَيْنَ الْمُتَنَاسِبِينَ , وَأَنَّ الْأَقَارِب إِذَا لَمْ يَكُونُوا عَلَى دِين وَاحِد لَمْ يَكُنْ بَيْنَهمْ تَوَارُث وَلَا وِلَايَة , قَالَ : وَيُسْتَفَاد مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّحِم الْمَأْمُور بِصِلَتِهَا وَالْمُتَوَعَّد عَلَى قَطْعهَا هِيَ الَّتِي شُرِعَ لَهَا ذَلِكَ , فَأَمَّا مَنْ أُمِرَ بِقَطْعِهِ مِنْ أَجْل الدِّين فَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ , وَلَا يَلْحَق بِالْوَعِيدِ مَنْ قَطَعَهُ لِأَنَّهُ قَطَعَ مَنْ أَمَرَ اللَّه بِقَطْعِهِ , لَكِنْ لَوْ وَصَلُوا بِمَا يُبَاح مِنْ أَمْر الدُّنْيَا لَكَانَ فَضْلًا , كَمَا دَعَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرَيْشٍ بَعْد أَنْ كَانُوا كَذَّبُوهُ فَدَعَا عَلَيْهِمْ بِالْقَحْطِ ثُمَّ اِسْتَشْفَعُوا بِهِ فَرَقَّ لَهُمْ لَمَّا سَأَلُوهُ بِرَحِمِهِمْ فَرَحِمَهُمْ وَدَعَا لَهُمْ.
قُلْت : وَيُتَعَقَّب كَلَامه فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدهمَا : يُشَارِكهُ فِيهِ كَلَام غَيْره وَهُوَ قَصْره النَّفْي عَلَى مَنْ لَيْسَ عَلَى الدِّين , وَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّ مَنْ كَانَ غَيْر صَالِح فِي أَعْمَال الدِّين دَخَلَ فِي النَّفْي أَيْضًا لِتَقْيِيدِهِ الْوِلَايَة بِقَوْلِهِ : " وَصَالِح الْمُؤْمِنِينَ " , وَالثَّانِي : أَنَّ صِلَة الرَّحِم الْكَافِر يَنْبَغِي تَقْيِيدهَا بِمَا إِذَا أَيِسَ مِنْهُ رُجُوعًا عَنْ الْكُفْر , أَوْ رَجَا أَنْ يَخْرُج مِنْ صُلْبه مُسْلِم , كَمَا فِي الصُّورَة الَّتِي اِسْتَدَلَّ بِهَا وَهِيَ دُعَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرَيْشٍ بِالْخِصْبِ وَعُلِّلَ بِنَحْوِ ذَلِكَ , فَيَحْتَاج مَنْ يَتَرَخَّص فِي صِلَة رَحِمه الْكَافِر أَنْ يَقْصِد إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ , وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَلَى الدِّين وَلَكِنَّهُ مُقَصِّر فِي الْأَعْمَال مَثَلًا فَلَا يُشَارِك الْكَافِر فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي " شَرْح الْمِشْكَاة " : الْمَعْنَى أَنِّي لَا أُوَالِي أَحَدًا بِالْقَرَابَةِ , وَإِنَّمَا أُحِبّ اللَّه تَعَالَى لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقّ الْوَاجِب عَلَى الْعِبَاد , وَأُحِبّ صَالِح الْمُؤْمِنِينَ لِوَجْهِ اللَّه تَعَالَى , وَأُوَالِي مَنْ أُوَالِي بِالْإِيمَانِ وَالصَّلَاح سَوَاء كَانَ مِنْ ذَوِي رَحِم أَوْ لَا , وَلَكِنْ أَرْعَى لِذَوِي الرَّحِم حَقّهمْ لِصِلَةِ الرَّحِم , اِنْتَهَى.
وَهُوَ كَلَام مُنَقَّح.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَصَالِح الْمُؤْمِنِينَ ) عَلَى أَقْوَال : أَحَدهَا : الْأَنْبِيَاء أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَابْن أَبِي حَاتِم عَنْ قَتَادَةَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ , وَذَكَرَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , وَأَخْرَجَهُ النَّقَّاش عَنْ الْعَلَاء بْن زِيَاد.
الثَّانِي : الصَّحَابَة أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ السُّدِّيِّ , وَنَحْوه فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ قَالَ : هُمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ وَأَشْبَاههمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُنَافِقٍ.
الثَّالِث : خِيَار الْمُؤْمِنِينَ أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ الضَّحَّاك.
الرَّابِع : أَبُو بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ.
الْخَامِس : أَبُو بَكْر وَعُمَر أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَابْن مَرْدَوَيْهِ عَنْ اِبْن مَسْعُود مَرْفُوعًا وَسَنَده ضَعِيف , وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَابْن أَبِي حَاتِم عَنْ الضَّحَّاك أَيْضًا , وَكَذَا هُوَ فِي تَفْسِير عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد الثَّقَفِيّ أَحَد الضُّعَفَاء بِسَنَدِهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس مَوْقُوفًا , وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْه آخَر ضَعِيف عَنْهُ كَذَلِكَ , قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَةَ وَمُقَاتِل بْن حَيَّان كَذَلِكَ.
السَّادِس : أَبُو بَكْر خَاصَّة ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيّ عَنْ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك.
السَّابِع : عُمَر خَاصَّة أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيف عَنْ مُجَاهِد , وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ وَاهٍ جِدًّا عَنْ اِبْن عَبَّاس.
الثَّامِن : عَلِيّ أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم بِسَنَدٍ مُنْقَطِع عَنْ عَلِيّ نَفْسه مَرْفُوعًا , وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيف عَنْ مُجَاهِد قَالَ : هُوَ عَلِيّ , وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدَيْنِ ضَعِيفَيْنِ مِنْ حَدِيث أَسْمَاء بِنْت عُمَيْسٍ مَرْفُوعًا قَالَتْ : " سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول صَالِح الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب " وَمِنْ طَرِيق أَبِي مَالِك عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله مَوْقُوفًا وَفِي سَنَده رَاوٍ ضَعِيف , وَذَكَرَهُ النَّقَّاش عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُحَمَّد بْن عَلِيّ الْبَاقِر وَابْنه جَعْفَر بْن مُحَمَّد الصَّادِق.
قُلْت : فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَفِيهِ دَفْع تَوَهُّم مَنْ تَوَهُّم أَنَّ فِي الْحَدِيث الْمَرْفُوع نَقْصًا مِنْ قَدْر عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْهُ وَيَكُون الْمَنْفِيّ أَبَا طَالِب وَمَنْ مَاتَ مِنْ آلِه كَافِرًا , وَالْمُثْبَت مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُؤْمِنًا , وَخُصَّ عَلِيّ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِ رَأْسهمْ , وَأُشِيرَ بِلَفْظِ الْحَدِيث إِلَى لَفْظ الْآيَة الْمَذْكُورَة وَنُصَّ فِيهَا عَلَى عَلِيّ تَنْوِيهًا بِقَدْرِهِ وَدَفْعًا لِظَنِّ مَنْ يُتَوَهَّم عَلَيْهِ فِي الْحَدِيث الْمَذْكُور غَضَاضَة , وَلَوْ تَفَطَّنَ مَنْ كَنَّى عَنْ أَبِي طَالِب لِذَلِكَ لَاسْتَغْنَى عَمَّا صَنَعَ , وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( وَزَادَ عَنْبَسَةُ بْن عَبْد الْوَاحِد ) أَيْ اِبْن أُمَيَّة بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن الْعَاصِ بْن أَبِي أُحَيْحَةَ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا وَهُوَ سَعِيد بْن الْعَاصِ بْن أُمَيَّة ; وَهُوَ مَوْثُوق عِنْدَهمْ , وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِع الْمُعَلَّق , وَقَدْ وَصَلَهُ الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الْبِرّ وَالصِّلَة فَقَالَ : " حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَاحِد بْن عَنْبَسَةَ حَدَّثَنَا جَدِّي " فَذَكَرَهُ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ رِوَايَة نَهْدِ بْن سُلَيْمَان عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَاحِد الْمَذْكُور وَسَاقَهُ بِلَفْظِ " سَمِعْت عَمْرو بْن الْعَاصِ يَقُول سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي جَهْرًا غَيْر سِرٍّ : إِنَّ بَنِي أَبِي فُلَان لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي , إِنَّمَا وَلِيِّي اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا , وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِم " الْحَدِيث وَقَدْ قَدَّمْت لَفْظ رِوَايَة الْفَضْل بْن الْمُوَفَّق عَنْ عَنْبَسَةَ مِنْ عِنْد أَبِي نُعَيْم وَأَنَّهَا أَخَصُّ مِنْ هَذَا.
قَوْله : ( وَلَكِنْ لَهَا رَحِم أَبُلّهَا بِبَلَالِهَا , يَعْنِي أَصِلهَا بِصِلَتِهَا ) كَذَا لَهُمْ , لَكِنْ سَقَطَ التَّفْسِير مِنْ رِوَايَة النَّسَفِيّ , وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرّ بَعْده " أَبُلّهَا بِبَلَائِهَا " وَبَعْده فِي الْأَصْل : كَذَا وَقَعَ , وَبِبَلَالِهَا أَجْوَد وَأَصَحّ.
وَبِبَلَاهَا لَا أَعْرِف لَهُ وَجْهًا , اِنْتَهَى.
وَأَظُنّهُ مِنْ قَوْله " كَذَا وَقَعَ إِلَخْ " مِنْ كَلَام أَبِي ذَرّ , وَقَدْ وَجَّهَ الدَّاوُدِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ اِبْن التِّين هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَى تَقْدِير ثُبُوتهَا بِأَنَّ الْمُرَاد مَا أَوْصَلَهُ إِلَيْهَا مِنْ الْأَذَى عَلَى تَرْكهمْ الْإِسْلَام , وَتَعَقَّبَهُ اِبْن التِّين بِأَنَّهُ لَا يُقَال فِي الْأَذَى أَبُلّهُ , وَوَجَّهَهَا بَعْضهمْ بِأَنَّ الْبَلَاء بِالْمَدِّ يَجِيء بِمَعْنَى الْمَعْرُوف وَالْإِنْعَام , وَلَمَّا كَانَ الرَّحِم مِمَّا يَسْتَحِقّ الْمَعْرُوف أُضِيفَ إِلَيْهَا ذَلِكَ.
فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَصِلهَا بِالْمَعْرُوفِ اللَّائِق بِهَا.
وَالتَّحْقِيق أَنَّ الرِّوَايَة إِنَّمَا هِيَ " بِبَلَالِهَا " مُشْتَقّ مِنْ أَبُلّهَا , قَالَ النَّوَوِيّ : ضَبَطْنَا قَوْله : " بِبَلَالِهَا " بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَبِكَسْرِهَا وَهُمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ.
وَقَالَ عِيَاض : رَوَيْنَاهُ بِالْكَسْرِ , وَرَأَيْته لِلْخَطَّابِيِّ بِالْفَتْحِ.
وَقَالَ اِبْن التِّين : هُوَ بِالْفَتْحِ لِلْأَكْثَرِ وَلِبَعْضِهِمْ بِالْكَسْرِ.
قُلْت : بِالْكَسْرِ أَوْجَه , فَإِنَّهُ مِنْ الْبَلَال جَمْع بَلَل مِثْل جَمَل وَجَمَال , وَمَنْ قَالَهُ بِالْفَتْحِ بَنَاهُ عَلَى الْكَسْر مِثْل قَطَام وَحَذَام.
وَالْبَلَال بِمَعْنَى الْبَلَل وَهُوَ النَّدَاوَة , وَأُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَى الصِّلَة كَمَا أُطْلِقَ الْيُبْس عَلَى الْقَطِيعَة , لِأَنَّ النَّدَاوَة مِنْ شَأْنهَا تَجْمِيع مَا يَحْصُل فِيهَا وَتَأْلِيفه , بِخِلَافِ الْيُبْس فَمِنْ شَأْنه التَّفْرِيق.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره : بَلَلْت الرَّحِم بَلًّا وَبَلَلًا وَبِلَالًا أَيْ نَدِيَّتهَا بِالصِّلَةِ.
وَقَدْ أَطْلَقُوا عَلَى الْإِعْطَاء النَّدَى وَقَالُوا فِي الْبَخِيل مَا تَنَدَّى كَفّه بِخَيْرٍ , فَشُبِّهَتْ قَطِيعَة الرَّحِم بِالْحَرَارَةِ وَوَصْلهَا بِالْمَاءِ الَّذِي يُطْفِئ بِبَرْدِهِ الْحَرَارَة , وَمِنْهُ الْحَدِيث " بُلُّوا أَرْحَامكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ " وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْره : شَبَّهَ الرَّحِم بِالْأَرْضِ الَّتِي إِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا الْمَاء وَسَقَاهَا حَتَّى سُقِيَهَا أَزْهَرَتْ وَرُئِيَتْ فِيهَا النَّضَارَة فَأَثْمَرَتْ الْمَحَبَّة وَالصَّفَاء , وَإِذَا تُرِكَتْ بِغَيْرِ سَقْي يَبِسَتْ وَبَطَلَتْ مَنْفَعَتهَا فَلَا تُثْمِر إِلَّا الْبَغْضَاء وَالْجَفَاء , وَمِنْهُ قَوْلهمْ سَنَة جَمَاد أَيْ لَا مَطَر فِيهَا , وَنَاقَة جَمَاد أَيْ لَا لَبَن فِيهَا.
وَجَوَّزَ الْخَطَّابِيُّ أَنْ يَكُون مَعْنَى قَوْله : " أَبُلّهَا بِبَلَالِهَا " فِي الْآخِرَة أَيْ أَشْفَع لَهَا يَوْم الْقِيَامَة.
وَتَعَقَّبَهُ الدَّاوُدِيُّ بِأَنَّ سِيَاق الْحَدِيث يُؤْذِن بِأَنَّ الْمُرَاد مَا يَصِلهُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا , وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق مُوسَى بْن طَلْحَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : " لَمَّا نَزَلَتْ ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتك الْأَقْرَبِينَ ) دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا , فَعَمَّ وَخَصَّ - إِلَى أَنْ قَالَ - يَا فَاطِمَة أَنْقِذِي نَفْسك مِنْ النَّار فَإِنِّي لَا أَمْلِك لَكُمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا غَيْر أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا " وَأَصْلهُ عِنْدَ الْبُخَارِيّ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَة.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ : فِي قَوْله : " بِبَلَالِهَا " مُبَالَغَة بَدِيعَة وَهِيَ مِثْل قَوْله : ( إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْض زِلْزَالهَا ) أَيْ زِلْزَالهَا الشَّدِيد الَّذِي لَا شَيْء فَوْقه , فَالْمَعْنَى أَبُلّهَا بِمَا اُشْتُهِرَ وَشَاعَ بِحَيْثُ لَا أَتْرُك مِنْهُ شَيْئًا.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ إِنَّ آلَ أَبِي قَالَ عَمْرٌو فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بَيَاضٌ لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ زَادَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ بَيَانٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلَاهَا يَعْنِي أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ بِبَلَاهَا كَذَا وَقَعَ وَبِبَلَالِهَا أَجْوَدُ وَأَصَحُّ وَبِبَلَاهَا لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا
عن عبد الله بن عمرو قال سفيان لم يرفعه الأعمش إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورفعه حسن وفطر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الواصل بالمكافئ، ولك...
عن حكيم بن حزام أنه قال: «يا رسول الله، أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صلة وعتاقة وصدقة، هل لي فيها من أجر؟ قال حكيم: قال رسول الله صلى الله...
عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي قميص أصفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنه سنه، قال عبد الله:...
عن ابن أبي نعم قال: «كنت شاهدا لابن عمر، وسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا، يسألني عن دم البعوض وقد قتل...
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني، فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها، ثم قامت فخرج...
حدثنا أبو قتادة، قال: «خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم، وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فصلى، فإذا ركع وضع، وإذا رفع رفعها»
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما...
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تقبلون الصبيان، فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوأملك لك أن...
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببط...