6149-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه ومعهن أم سليم، فقال: ويحك يا أنجشة، رويدك سوقا بالقوارير»، قال أبو قلابة: فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لو تكلم بعضكم لعبتموها عليه: قوله: سوقك بالقوارير.
أخرجه مسلم في الفضائل باب رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء وأمر السواق مطاياهن بالرفق بهن رقم 2323
(ويحك) كلمة ترحم وتوجع تقال لمن يقع في أمر لا يستحقه.
(أنجشة) غلام أسود حبشي كان مملوكا للنبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا مارية
(رويدك) اسم فعل بمعنى أمهل وارفق وقيل معناها كفاك.
(بالقوارير) جمع قارورة سميت بذلك لاستقرار الشراب فيها وكني بذلك عن النساء لضعف بنيتهن ورقتهن ولطافتهن فشبهن بالقوارير من الزجاج.
(لعبتموها عليه) أي على الذي تكلم بها لأن فيها ملاطفة وتوددا إلى النساء.
وقيل سبب العيب لأن وجه الشبه غير ظاهر وجلي والله تعالى أعلم
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( إِسْمَاعِيل ) هُوَ اِبْن عُلَيَّةَ.
قَوْله : ( أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْض نِسَائِهِ ) يَأْتِي فِي " بَاب الْمَعَارِيض " فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَر , وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس " كَانَ فِي مَنْزِله فَحَدَى الْحَادِي " وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي " بَاب الْمَعَارِيض " وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق شُعْبَة بِلَفْظِ " وَكَانَ مَعَهُمْ سَائِق وَحَادٍ " وَلِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس " كَانَ أَنْجَشَة يَحْدُو بِالنِّسَاءِ , وَكَانَ الْبَرَاء بْن مَالِك يَحْدُو بِالرِّجَالِ " وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة مِنْ رِوَايَة عَفَّانَ عَنْ حَمَّاد , وَفِي رِوَايَة قَتَادَةَ عَنْ أَنَس " كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَادٍ يُقَال لَهُ أَنْجَشَة وَكَانَ حَسَن الصَّوْت " وَسَيَأْتِي فِي " بَاب الْمَعَارِيض " وَفِي رِوَايَة وُهَيْب " وَأَنْجَشَة غُلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسُوق بِهِنَّ " وَفِي رِوَايَة حُمَيْدٍ عَنْ أَنَس , فَاشْتَدَّ بِهِنَّ فِي السِّيَاق " أَخْرَجَهَا أَحْمَد عَنْ اِبْن عَدِيّ عَنْهُ , وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثَابِت " فَإِذَا أَعْنَقَتْ الْإِبِل " وَهِيَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَة وَنُون وَقَاف أَيْ أَسْرَعَتْ وَزْنه وَمَعْنَاهُ , وَالْعَنَق بِفَتْحَتَيْنِ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه فِي كِتَاب الْحَجّ.
قَوْله : ( وَمَعَهُنَّ أُمّ سُلَيْمٍ ) فِي رِوَايَة حُمَيْدٍ عَنْ أَنَس عِنْدَ الْحَارِث " وَكَانَ يَحْدُو بِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَنِسَائِهِمْ " وَفِي رِوَايَة وُهَيْب عَنْ أَيُّوب كَمَا سَيَأْتِي بَعْد عِشْرِينَ بَابًا " كَانَتْ أُمّ سُلَيْمٍ فِي الثِّقَل " وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَس عِنْدَ مُسْلِم " كَانَتْ أُمّ سُلَيْمٍ مَعَ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق يَزِيد بْن زُرَيْعٍ عَنْهُ , وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق زُهَيْر والرّامَهُرْمُزِيّ فِي " الْأَمْثَال " مِنْ طَرِيق حَمَّاد بْن مَسْعَدَةَ كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَان فَقَالَ : " عَنْ أَنَس عَنْ أُمّ سُلَيْمٍ " جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَد أُمّ سُلَيْمٍ , وَالْأَوَّل هُوَ الْمَحْفُوظ , وَحَكَى عِيَاض أَنَّ فِي رِوَايَة السَّمَرْقَنْدِيّ فِي مُسْلِم " أُمّ سَلَمَة " بَدَلَ أُمّ سُلَيْمٍ قَالَ : وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " مَعَ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُقَوِّي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ.
قُلْت : وَتَضَافُر الرِّوَايَات عَلَى أَنَّهَا أُمّ سُلَيْمٍ يَقْضِي بِأَنَّ قَوْله أُمّ سَلَمَة تَصْحِيف.
قَوْله : ( فَقَالَ وَيْحك يَا أَنْجَشَة ) فِي رِوَايَة حَمَّاد " كَانَ فِي سَفَر لَهُ وَكَانَ غُلَام يَحْدُو بِهِنَّ يُقَال لَهُ أَنْجَشَة " وَسَيَأْتِي فِي " بَاب الْمَعَارِيض " وَفِي رِوَايَة مُسْلِم مِنْ هَذَا الْوَجْه " كَانَ فِي بَعْض أَسْفَاره وَغُلَام أَسْوَد " وَفِي رِوَايَة لِلنَّسَائِيِّ عَنْ قُتَيْبَة عَنْ حَمَّاد " وَغُلَام لَهُ يُقَال لَهُ أَنْجَشَة " وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْز وَسُكُون النُّون وَفَتْح الْجِيم بَعْدهَا شِين مُعْجَمَة ثُمَّ هَاء تَأْنِيث , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة وُهَيْب " يَا أَنْجَشُ " عَلَى التَّرْخِيم , قَالَ الْبَلَاذِرِيّ : كَانَ أَنْجَشَة حَبَشِيًّا يُكَنَّى أَبَا مَارِيَة.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث وَاثِلَة أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ نَفَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُخَنَّثِينَ.
قَوْله : ( رُوَيْدك ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ " رُوَيْدًا " وَفِي رِوَايَة شُعْبَة " أَرْفِقْ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة حُمَيْدٍ " رُوَيْدك أَرْفِقْ " جَمَعَ بَيْنَهمَا رَوَيْنَاهُ فِي " جُزْء الْأَنْصَارِيّ " عَنْ حُمَيْدٍ.
وَأَخْرَجَهُ الْحَارِث عَنْ عَبْد اللَّه بْن بَكْر عَنْ حُمَيْدٍ فَقَالَ : " كَذَلِكَ سَوْقك " وَهِيَ بِمَعْنَى كَفَاك.
قَالَ عِيَاض : قَوْله رُوَيْدًا مَنْصُوب عَلَى أَنَّهُ صِفَة لِمَحْذُوفِ دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظ أَيْ سُقْ سَوْقًا رُوَيْدًا , أَوْ اُحْدُ حَدْوًا رُوَيْدًا.
أَوْ عَلَى الْمَصْدَر أَيْ أَوْرِدْ رُوَيْدًا مِثْل اُرْفُقْ رِفْقًا.
أَوْ عَلَى الْحَال أَيْ سِرْ رُوَيْدًا , أَوْ رُوَيْدك مَنْصُوب عَلَى الْإِغْرَاء , أَوْ مَفْعُول بِفِعْلٍ مُضْمَر أَيْ اِلْزَمْ رِفْقك , أَوْ عَلَى الْمَصْدَر أَيْ أَرْوِدْ رُوَيْدك.
وَقَالَ الرَّاغِب : رُوَيْدًا مِنْ أَرْوَدَ يُرْوِد كَأَمْهَلَ يُمْهِل وَزْنه وَمَعْنَاهُ , وَهُوَ مِنْ الرَّوْد بِفَتْحِ الرَّاء وَسُكُون ثَانِيه وَهُوَ التَّرَدُّد فِي طَلَبِ الشَّيْء بِرِفْقٍ رَادَ وَارْتَادَ , وَالرَّائِد طَالِب الْكَلَأ , وَرَادَتْ الْمَرْأَة تَرُود إِذَا مَشَتْ عَلَى هَيِّنَتهَا.
وَقَالَ الرّامَهُرْمُزِيّ : رُوَيْدًا تَصْغِير رَوْد وَهُوَ مَصْدَر فِعْل الرَّائِد , وَهُوَ الْمَبْعُوث فِي طَلَبِ الشَّيْء , وَلَمْ يُسْتَعْمَل فِي مَعْنَى الْمُهْمَلَة إِلَّا مُصَغَّرًا , قَالَ وَذَكَرَ صَاحِب " الْعَيْن " أَنَّهُ إِذَا أُرِيدَ بِهِ مَعْنَى التَّرْوِيدِ فِي الْوَعِيد لَمْ يُنَوَّن.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ : قَوْله رُوَيْدًا أَيْ اُرْفُقْ , جَاءَ بِلَفْظِ التَّصْغِير لِأَنَّ الْمُرَاد التَّقْلِيل أَيْ اُرْفُقْ قَلِيلًا , وَقَدْ يَكُون مِنْ تَصْغِير الْمُرَخَّم وَهُوَ أَنْ يُصَغَّر الِاسْم بَعْد حَرْف الزَّوَائِد كَمَا قَالُوا فِي أَسْوَد سُوَيْدٌ فَكَذَا فِي أَرْوَدَ رُوَيْد.
قَوْله : ( سَوْقك ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَة حُمَيْدٍ " سَيْرك " وَهُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْع الْخَافِض أَيْ اُرْفُقْ فِي سَوْقك , أَوْ سُقْهُنَّ كَسَوْقِك.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " : رُوَيْدًا أَيْ اُرْفُقْ , وَسَوْقك مَفْعُول بِهِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم " سَوْقًا " وَكَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي رِوَايَة شُعْبَة , وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الْإِغْرَاء بِقَوْلِهِ اُرْفُقْ سَوْقًا , أَوْ عَلَى الْمَصْدَر أَيْ سُقْ سَوْقًا.
وَقَرَأْت بِخَطِّ اِبْن الصَّائِغ الْمُتَأَخِّر : رُوَيْدك إِمَّا مَصْدَر وَالْكَاف فِي مَحَلّ خَفْض , وَإِمَّا اِسْم فِعْل وَالْكَاف حَرْف خِطَاب , وَسَوْقك بِالنَّصْبِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَالْمُرَاد بِهِ حَدْوك إِطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبِّب عَلَى السَّبَب.
وَقَالَ اِبْن مَالِك : رُوَيْدك اِسْم فِعْل بِمَعْنَى أَرْوِدْ أَيْ أَمْهِلْ , وَالْكَاف الْمُتَّصِلَة بِهِ حَرْف خِطَاب , وَفَتْحَة دَاله بِنَائِيَّة.
وَلَك أَنْ تَجْعَل رُوَيْدك مَصْدَرًا مُضَافًا إِلَى الْكَاف نَاصِبهَا سَوْقك وَفَتْحَة دَالِهِ عَلَى هَذَا إِعْرَابِيَّة.
وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء : الْوَجْه النَّصْب بِرُوَيْدًا وَالتَّقْدِير أَمْهِلْ سَوْقك , وَالْكَاف حَرْف خِطَاب وَلَيْسَتْ اِسْمًا , وَرُوَيْدًا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُول وَاحِد.
قَوْله : ( بِالْقَوَارِيرِ ) فِي رِوَايَة هِشَام عَنْ قَتَادَةَ " رُوَيْدك سَوْقك وَلَا تَكْسِر الْقَوَارِير " وَزَادَ حَمَّاد فِي رِوَايَته عَنْ أَيُّوب قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : يَعْنِي النِّسَاء , فَفِي رِوَايَة هَمَّام عَنْ قَتَادَةَ " وَلَا تَكْسِر الْقَوَارِير " قَالَ قَتَادَةُ : يَعْنِي ضَعَفَة النِّسَاء وَالْقَوَارِير جَمْع قَارُورَة وَهِيَ الزُّجَاجَة سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِقْرَارِ الشَّرَاب فِيهَا.
وَقَالَ الرّامَهُرْمُزِيّ : كَنَّى عَنْ النِّسَاء بِالْقَوَارِيرِ لِرِقَّتِهِنَّ وَضَعْفهنَّ عَنْ الْحَرَكَة , وَالنِّسَاء يُشَبَّهْنَ بِالْقَوَارِيرِ فِي الرِّقَّة وَاللَّطَافَة وَضَعْف الْبِنْيَة , وَقِيلَ : الْمَعْنَى سُقْهُنَّ كَسَوْقِك الْقَوَارِير لَوْ كَانَتْ مَحْمُولَة عَلَى الْإِبِل , وَقَالَ غَيْره : شَبَّهَهُنَّ بِالْقَوَارِيرِ لِسُرْعَةِ اِنْقِلَابهنَّ عَنْ الرِّضَا , وَقِلَّة دَوَامهنَّ عَلَى الْوَفَاء , كَالْقَوَارِيرِ يُسْرِع إِلَيْهَا الْكَسْر وَلَا تَقْبَل الْجَبْر , وَقَدْ اِسْتَعْمَلَتْ الشُّعَرَاء ذَلِكَ , قَالَ بَشَّار : اُرْفُقْ بِعَمْرٍو إِذَا حَرَّكْت نِسْبَته فَإِنَّهُ عَرَبِيّ مِنْ قَوَارِير قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : فَتَكَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ : " سَوْقك بِالْقَوَارِيرِ " قَالَ الدَّاوُدِيُّ : هَذَا قَالَهُ أَبُو قِلَابَةَ لِأَهْلِ الْعِرَاق لِمَا كَانَ عِنْدَهمْ مِنْ التَّكَلُّف وَمُعَارَضَة الْحَقّ بِالْبَاطِلِ.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : لَعَلَّهُ نَظَرَ إِلَى أَنَّ شَرْط الِاسْتِعَارَة أَنْ يَكُون وَجْه الشَّبَه جَلِيًّا , وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَارُورَة وَالْمَرْأَة وَجْه لِلتَّشْبِيهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتهمَا ظَاهِر , لَكِنْ الْحَقّ أَنَّهُ كَلَام فِي غَايَة الْحُسْن وَالسَّلَامَة عَنْ الْعَيْب ; وَلَا يَلْزَم فِي الِاسْتِعَارَة أَنْ يَكُون جَلَاء وَجْه الشَّبَه مِنْ حَيْثُ ذَاتهمَا , بَلْ يَكْفِي الْجَلَاء الْحَاصِل مِنْ الْقَرَائِن الْحَاصِلَة , وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ.
قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَصَدَ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِعَارَة مِنْ مِثْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَلَاغَة , وَلَوْ صَدَرَتْ مِنْ غَيْره مِمَّنْ لَا بَلَاغَة لَهُ لَعِبْتُمُوهَا.
قَالَ وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بِمَنْصِبِ أَبِي قِلَابَةَ.
قُلْت : وَلَيْسَ مَا قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ بَعِيدًا وَلَكِنَّ الْمُرَاد مَنْ كَانَ يَتَنَطَّع فِي الْعِبَارَة وَيَتَجَنَّب الْأَلْفَاظ الَّتِي تَشْتَمِل عَلَى شَيْء مِنْ الْهَزْل.
وَقَرِيب مِنْ ذَلِكَ قَوْل شَدَّاد بْن أَوْس الصَّحَابِيّ لِغُلَامِهِ : اِئْتِنَا بِسُفْرَةٍ نَعْبَث بِهَا , فَأَنْكَرْت عَلَيْهِ , أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيُّ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : كَانَ أَنْجَشَة أَسْوَد وَكَانَ فِي سَوْقه عُنْف , فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفُق بِالْمَطَايَا.
وَقِيلَ : كَانَ حَسَن الصَّوْت بِالْحُدَاءِ فَكَرِهَ أَنْ تَسْمَع النِّسَاء الْحُدَاء فَإِنَّ حُسْن الصَّوْت يُحَرِّك مِنْ النُّفُوس , فَشَبَّهَ ضَعْف عَزَائِمهنَّ وَسُرْعَة تَأْثِير الصَّوْت فِيهِنَّ بِالْقَوَارِيرِ فِي سُرْعَة الْكَسْر إِلَيْهَا.
وَجَزَمَ اِبْن بَطَّال بِالْأَوَّلِ فَقَالَ : الْقَوَارِير كِنَايَة عَنْ النِّسَاء اللَّاتِي كُنَّ عَلَى الْإِبِل الَّتِي تُسَاق حِينَئِذٍ , فَأَمَرَ الْحَادِي بِالرِّفْقِ فِي الْحُدَاء لِأَنَّهُ يَحُثُّ الْإِبِل حَتَّى تُسْرِع فَإِذَا أَسْرَعَتْ لَمْ يُؤْمَن عَلَى النِّسَاء السُّقُوط , وَإِذَا مَشَتْ رُوَيْدًا أُمِنَ عَلَى النِّسَاء السُّقُوط , قَالَ : وَهَذَا مِنْ الِاسْتِعَارَة الْبَدِيعَة ; لِأَنَّ الْقَوَارِير أَسْرَع شَيْء تَكْسِيرًا , فَأَفَادَتْ الْكِنَايَة مِنْ الْحَضّ عَلَى الرِّفْق بِالنِّسَاءِ فِي السَّيْر مَا لَمْ تُفِدْهُ الْحَقِيقَة لَوْ قَالَ اُرْفُقْ بِالنِّسَاءِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ : هِيَ اِسْتِعَارَة لِأَنَّ الْمُشَبَّه بِهِ غَيْر مَذْكُور , وَالْقَرِينَة حَالِيَّة لَا مَقَالِيَّة , وَلَفْظ الْكَسْر تَرْشِيح لَهَا.
وَجَزَمَ أَبُو عُبَيْد الْهَرَوِيُّ بِالثَّانِي وَقَالَ : شَبَّهَ النِّسَاء بِالْقَوَارِيرِ لِضَعْفِ عَزَائِمهنَّ , وَالْقَوَارِير يُسْرِع إِلَيْهَا الْكَسْر , فَخَشِيَ مِنْ سَمَاعهنَّ النَّشِيد الَّذِي يَحْدُو بِهِ أَنْ يَقَع بِقُلُوبِهِنَّ مِنْهُ , فَأَمَرَهُ بِالْكَفِّ , فَشَبَّهَ عَزَائِمهنَّ بِسُرْعَةِ تَأْثِير الصَّوْت فِيهِنَّ بِالْقَوَارِيرِ فِي إِسْرَاع الْكَسْر إِلَيْهَا.
وَرَجَّحَ عِيَاض هَذَا الثَّانِي فَقَالَ هَذَا أَشْبَه بِمَسَاقِ الْكَلَام , وَهُوَ الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ كَلَام أَبِي قِلَابَةَ , وَإِلَّا فَلَوْ عَبَّرَ عَنْ السُّقُوط بِالْكَسْرِ لَمْ يَعِبْهُ أَحَد.
وَجَوَّزَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ : شَبَّهَهُنَّ بِالْقَوَارِيرِ لِسُرْعَةِ تَأَثُّرهنَّ وَعَدَم تَجَلُّدهنَّ , فَخَافَ عَلَيْهِنَّ مِنْ حَثِّ السَّيْر بِسُرْعَةِ السُّقُوط أَوْ التَّأَلُّم مِنْ كَثْرَة الْحَرَكَة وَالِاضْطِرَاب النَّاشِئ عَنْ السُّرْعَة , أَوْ خَافَ عَلَيْهِنَّ الْفِتْنَة مِنْ سَمَاع النَّشِيد.
قُلْت : وَالرَّاجِح عِنْدَ الْبُخَارِيّ الثَّانِي , وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ هَذَا الْحَدِيث فِي " بَاب الْمَعَارِيض " , وَلَوْ أُرِيدَ الْمَعْنَى الْأَوَّل لَمْ يَكُنْ فِي الْقَوَارِير تَعْرِيض.
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ وَمَعَهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ فَقَالَ وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَتَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَا بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ قَوْلُهُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «استأذن حسان بن ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف بنسبي؟ فقال...
عن ابن شهاب : أن الهيثم بن أبي سنان أخبره «أنه سمع أبا هريرة في قصصه يذكر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن أخا لكم لا يقول الرفث يعني: بذاك ابن روا...
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة فيقول: «يا أبا هريرة نشدتك بالله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه...
عن البراء رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان: اهجهم، أو قال: هاجهم وجبريل معك.»
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا.»
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يمتلئ جوف رجل قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا.»
عن عائشة قالت: «إن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعدما نزل الحجاب، فقلت: والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أخا أبي القعيس...
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر فرأى صفية على باب خبائها كئيبة حزينة لأنها حاضت، فقال: عقرى حلقى لغة قريش إنك لحا...
عن أم هانئ بنت أبي طالب تقول: «ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره، فسلمت عليه، فقال: من هذه؟ فقلت: أنا أ...