6463- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن ينجي أحدا منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة، سددوا، وقاربوا، واغدوا، وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا.»
أخرجه مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم باب لن يدخل أحد الجنة بعمله رقم 2816
(اغدوا) من الغدو وهو السير أول النهار.
(روحوا) من الرواح وهو السير في النصف الثاني من النهار.
(الدلجة) السير آخر الليل.
(القصد) الزموا الوسط المعتدل في الأمور.
(تبلغوا) مقصدكم وبغيتكم
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مِنْ رِوَايَة سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْهُ.
قَوْله ( لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ ) فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد يُنَجِّيه عَمَله " وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم مِنْ طَرِيقه , وَتَقَدَّمَ فِي كَفَّارَة الْمَرَض مِنْ طَرِيق أَبِي عُبَيْد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ : " لَمْ يُدْخِل أَحَدًا عَمَله الْجَنَّة " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم أَيْضًا وَهُوَ كَلَفْظِ عَائِشَة فِي الْحَدِيث الرَّابِع هُنَا , وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق اِبْن عَوْن عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " لَيْسَ أَحَد مِنْكُمْ يُنَجِّيه عَمَله " وَمِنْ طَرِيق الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ " لَنْ يَنْجُو أَحَد مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ " وَلَهُ مِنْ حَدِيث جَابِر " لَا يُدْخِل أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّة وَلَا يُجِيرهُ مِنْ النَّار " وَمَعْنَى قَوْله يُنَجِّي أَيْ يُخَلِّص وَالنَّجَاة مِنْ الشَّيْء التَّخَلُّص مِنْهُ , قَالَ اِبْن بَطَّال فِي الْجَمْع بَيْن هَذَا الْحَدِيث وَقَوْله تَعَالَى ( وَتِلْكَ الْجَنَّة الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) مَا مُحَصَّله أَنْ تُحْمَل الْآيَة عَلَى أَنَّ الْجَنَّة تُنَال الْمَنَازِل فِيهَا بِالْأَعْمَالِ , فَإِنَّ دَرَجَات الْجَنَّة مُتَفَاوِتَة بِحَسَبِ تَفَاوُت الْأَعْمَال , وَأَنْ يُحْمَل الْحَدِيث عَلَى دُخُول الْجَنَّة وَالْخُلُود فِيهَا.
ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا الْجَوَاب قَوْله تَعَالَى ( سَلَام عَلَيْكُمْ اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) فَصَرَّحَ بِأَنَّ دُخُول الْجَنَّة أَيْضًا بِالْأَعْمَالِ , وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَفْظ مُجْمَل بَيَّنَهُ الْحَدِيث , وَالتَّقْدِير اُدْخُلُوا مَنَازِل الْجَنَّة وَقُصُورهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ , وَلَيْسَ الْمُرَاد بِذَلِكَ أَصْل الدُّخُول.
ثُمَّ قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْحَدِيث مُفَسِّرًا لِلْآيَةِ , وَالتَّقْدِير اُدْخُلُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَعَ رَحْمَة اللَّه لَكُمْ وَتَفَضُّله عَلَيْكُمْ , لِأَنَّ اِقْتِسَام مَنَازِل الْجَنَّة بِرَحْمَتِهِ , وَكَذَا أَصْل دُخُول الْجَنَّة هُوَ بِرَحْمَتِهِ حَيْثُ أَلْهَمَ الْعَامِلِينَ مَا نَالُوا بِهِ ذَلِكَ , وَلَا يَخْلُو شَيْء مِنْ مُجَازَاته لِعِبَادِهِ مِنْ رَحْمَته وَفَضْله , وَقَدْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ اِبْتِدَاء بِإِيجَادِهِمْ ثُمَّ بِرِزْقِهِمْ ثُمَّ بِتَعْلِيمِهِمْ.
وَقَالَ عِيَاض طَرِيق الْجَمْع أَنَّ الْحَدِيث فَسَّرَ مَا أُجْمِلَ فِي الْآيَة , فَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ كَلَام اِبْن بَطَّال الْأَخِير وَأَنَّ مِنْ رَحْمَة اللَّه تَوْفِيقه لِلْعَمَلِ وَهِدَايَته لِلطَّاعَةِ كُلّ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقّهُ الْعَامِل بِعَمَلِهِ.
وَإِنَّمَا هُوَ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : يَتَحَصَّل عَنْ ذَلِكَ أَرْبَعَة أَجْوِبَة : الْأَوَّل أَنَّ التَّوْفِيق لِلْعَمَلِ مِنْ رَحْمَة اللَّه , وَلَوْلَا رَحْمَة اللَّه السَّابِقَة مَا حَصَلَ الْإِيمَان وَلَا الطَّاعَة الَّتِي يَحْصُل بِهَا النَّجَاة.
الثَّانِي أَنَّ مَنَافِع الْعَبْد لِسَيِّدِهِ فَعَمَله مُسْتَحَقّ لِمَوْلَاهُ , فَمَهْمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَزَاء فَهُوَ مِنْ فَضْله.
الثَّالِث جَاءَ فِي بَعْض الْأَحَادِيث أَنَّ نَفْس دُخُول الْجَنَّة بِرَحْمَةِ اللَّه , وَاقْتِسَام الدَّرَجَات بِالْأَعْمَالِ.
الرَّابِع أَنَّ أَعْمَال الطَّاعَات كَانَتْ فِي زَمَن يَسِير وَالثَّوَاب لَا يَنْفَد فَالْإِنْعَام الَّذِي لَا يَنْفَد فِي جَزَاء مَا يَنْفَد بِالْفَضْلِ لَا بِمُقَابَلَةِ الْأَعْمَال.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْبَاء فِي قَوْله ( بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لَيْسَ لِلسَّبَبِيَّةِ بَلْ لِلْإِلْصَاقِ أَوْ الْمُصَاحَبَة , أَيْ أُورِثْتُمُوهَا مُلَابَسَة أَوْ مُصَاحَبَة , أَوْ لِلْمُقَابَلَةِ نَحْو أُعْطِيت الشَّاة بِالدِّرْهَمِ , وَبِهَذَا الْأَخِير جَزَمَ الشَّيْخ جَمَال الدِّين بْن هِشَام فِي " الْمُغْنِي " فَسَبَقَ إِلَيْهِ فَقَالَ : تَرِدُ الْبَاء لِلْمُقَابَلَةِ وَهِيَ الدَّاخِلَة عَلَى الْأَعْوَاض كَاشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ , وَمِنْهُ ( اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) وَإِنَّمَا لَمْ تُقَدَّر هُنَا لِلسَّبَبِيَّةِ كَمَا قَالَتْ الْمُعْتَزِلَة وَكَمَا قَالَ الْجَمِيع فِي " لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ " لِأَنَّ الْمُعْطِي بِعِوَضٍ قَدْ يُعْطِي مَجَّانًا بِخِلَافِ الْمُسَبَّب فَلَا يُوجَد بِدُونِ السَّبَب , قَالَ : وَعَلَى ذَلِكَ يَنْتَفِي التَّعَارُض بَيْن الْآيَة وَالْحَدِيث.
قُلْت : سَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ اِبْن الْقَيِّم فَقَالَ فِي كِتَاب " مِفْتَاح دَار السَّعَادَة " : الْبَاء الْمُقْتَضِيَة لِلدُّخُولِ غَيْر الْبَاء الْمَاضِيَة , فَالْأُولَى السَّبَبِيَّة الدَّالَّة عَلَى أَنَّ الْأَعْمَال سَبَب الدُّخُول الْمُقْتَضِيَة لَهُ كَاقْتِضَاءِ سَائِر الْأَسْبَاب لِمُسَبَّبَاتِهَا , وَالثَّانِيَة بِالْمُعَاوَضَةِ نَحْو اِشْتَرَيْت مِنْهُ بِكَذَا فَأَخْبَرَ أَنَّ دُخُول الْجَنَّة لَيْسَ فِي مُقَابَلَة عَمَل أَحَد , وَأَنَّهُ لَوْلَا رَحْمَة اللَّه لِعَبْدِهِ لَمَا أَدْخَلَهُ الْجَنَّة لِأَنَّ الْعَمَل بِمُجَرَّدِهِ وَلَوْ تَنَاهَى لَا يُوجِب بِمُجَرَّدِهِ دُخُول الْجَنَّة وَلَا أَنْ يَكُون عِوَضًا لَهَا ; لِأَنَّهُ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى الْوَجْه الَّذِي يُحِبّهُ اللَّه لَا يُقَاوِم نِعْمَة اللَّه , بَلْ جَمِيع الْعَمَل لَا يُوَازِي نِعْمَةً وَاحِدَةً , فَتَبْقَى سَائِر نِعَمه مُقْتَضِيَة لِشُكْرِهَا وَهُوَ لَمْ يُوَفِّهَا حَقّ شُكْرهَا , فَلَوْ عَذَّبَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَة لَعَذَّبَهُ وَهُوَ غَيْر ظَالِم , وَإِذَا رَحِمَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَة كَانَتْ رَحْمَته خَيْرًا مِنْ عَمَله كَمَا فِي حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْن مَاجَهْ فِي ذِكْر الْقَدَر فَفِيهِ " لَوْ أَنَّ اللَّه عَذَّبَ أَهْل سَمَاوَاته وَأَرْضه لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْر ظَالِم لَهُمْ , وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَته خَيْرًا لَهُمْ " الْحَدِيث , قَالَ وَهَذَا فَصْل الْخِطَاب مَعَ الْجَبْرِيَّة الَّذِينَ أَنْكَرُوا أَنْ تَكُون الْأَعْمَال سَبَبًا فِي دُخُول الْجَنَّة مِنْ كُلّ وَجْه , وَالْقَدَرِيَّة الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْجَنَّة عِوَضُ الْعَمَل وَأَنَّهَا ثَمَنه وَأَنَّ دُخُولهَا بِمَحْضِ الْأَعْمَال , وَالْحَدِيث يُبْطِل دَعْوَى الطَّائِفَتَيْنِ وَاَللَّه أَعْلَم.
قُلْت : وَجَوَّزَ الْكَرْمَانِيُّ أَيْضًا أَنْ يَكُون الْمُرَاد أَنَّ الدُّخُول لَيْسَ بِالْعَمَلِ , وَالْإِدْخَال الْمُسْتَفَاد مِنْ الْإِرْث بِالْعَمَلِ , وَهَذَا إِنْ مَشَى فِي الْجَوَاب عَنْ قَوْله تَعَالَى ( أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لَمْ يَمْشِ فِي قَوْله تَعَالَى ( اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) وَيَظْهَر لِي فِي الْجَمْع بَيْن الْآيَة وَالْحَدِيث جَوَاب آخَر وَهُوَ أَنْ يُحْمَل الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْعَمَل مِنْ حَيْثُ هُوَ عَمَل لَا يَسْتَفِيد بِهِ الْعَامِل دُخُول الْجَنَّة مَا لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَمْر الْقَبُول إِلَى اللَّه تَعَالَى , وَإِنَّمَا يَحْصُل بِرَحْمَةِ اللَّه لِمَنْ يَقْبَل مِنْهُ , وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْله ( اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) أَيْ تَعْمَلُونَهُ مِنْ الْعَمَل الْمَقْبُول , وَلَا يَضُرّ بَعْد هَذَا أَنْ تَكُون الْبَاء لِلْمُصَاحَبَةِ أَوْ لِلْإِلْصَاقِ أَوْ الْمُقَابَلَة , وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُون سَبَبِيَّة.
ثُمَّ رَأَيْت النَّوَوِيّ جَزَمَ بِأَنَّ ظَاهِر الْآيَات أَنَّ دُخُول الْجَنَّة بِسَبَبِ الْأَعْمَال , وَالْجَمْع بَيْنَهَا وَبَيْن الْحَدِيث أَنَّ التَّوْفِيق لِلْأَعْمَالِ وَالْهِدَايَة لِلْإِخْلَاصِ فِيهَا وَقَبُولهَا إِنَّمَا هُوَ بِرَحْمَةِ اللَّه وَفَضْله , فَيَصِحّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُل بِمُجَرَّدِ الْعَمَل , وَهُوَ مُرَاد الْحَدِيث , وَيَصِحّ أَنَّهُ دَخَلَ بِسَبَبِ الْعَمَل وَهُوَ مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى.
وَرَدَّ الْكَرْمَانِيُّ الْأَخِير بِأَنَّهُ خِلَاف صَرِيح الْحَدِيث.
وَقَالَ الْمَازِرِيّ : ذَهَبَ أَهْل السُّنَّة إِلَى أَنَّ إِثَابَة اللَّه تَعَالَى مَنْ أَطَاعَهُ بِفَضْلٍ مِنْهُ , وَكَذَلِكَ اِنْتِقَامه مِمَّنْ عَصَاهُ بِعَدْلٍ مِنْهُ , وَلَا يَثْبُت وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بِالسَّمْعِ , وَلَهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَنْ يُعَذِّب الطَّائِع وَيُنَعِّم الْعَاصِيَ , وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَفْعَل ذَلِكَ وَخَبَره صِدْق لَا خُلْف فِيهِ.
وَهَذَا الْحَدِيث يُقَوِّي مَقَالَتهمْ وَيَرُدّ عَلَى الْمُعْتَزِلَة حَيْثُ أَثْبَتُوا بِعُقُولِهِمْ أَعْوَاض الْأَعْمَال , وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ خَبْط كَثِير وَتَفْصِيل طَوِيل.
قَوْله ( قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُول اللَّه ) ؟ وَقَعَ فِي رِوَايَة بِشْر بْن سَعِيد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد مُسْلِم " فَقَالَ رَجُل " وَلَمْ أَقِف عَلَى تَعْيِين الْقَائِل قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : إِذَا كَانَ كُلّ النَّاس لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة إِلَّا بِرَحْمَةِ اللَّه فَوَجْه تَخْصِيص رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذِّكْرِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَقْطُوعًا لَهُ بِأَنَّهُ يَدْخُل الْجَنَّة ثُمَّ لَا يَدْخُلهَا إِلَّا بِرَحْمَةِ اللَّه فَغَيْره يَكُون فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
قُلْت : وَسَبَقَ إِلَى تَقْرِير هَذَا الْمَعْنَى الرَّافِعِيُّ فِي أَمَالِيهِ فَقَالَ : لَمَّا كَانَ أَجْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّاعَة أَعْظَم وَعَمَله فِي الْعِبَادَة أَقَوْم قِيلَ لَهُ " وَلَا أَنْتَ " أَيْ لَا يُنَجِّيك عَمَلك مَعَ عِظَم قَدْره , فَقَالَ " لَا إِلَّا بِرَحْمَةِ اللَّه " وَقَدْ وَرَدَ جَوَاب هَذَا السُّؤَال بِعَيْنِهِ مِنْ لَفْظ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر بِلَفْظِ " لَا يُدْخِل أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّة وَلَا يُجِيرهُ مِنْ النَّار , وَلَا أَنَا إِلَّا بِرَحْمَةٍ مِنْ اللَّه تَعَالَى ".
قَوْله ( إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدنِي اللَّه ) فِي رِوَايَة سُهَيْل " إِلَّا أَنْ يَتَدَارَكنِي ".
قَوْله ( بِرَحْمَةٍ ) فِي رِوَايَة أَبِي عُبَيْد " بِفَضْلٍ وَرَحْمَة " وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ مِنْ طَرِيقه " بِفَضْلِ رَحْمَته " وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش " بِرَحْمَةٍ وَفَضْل " وَفِي رِوَايَة بِشْر بْن سَعِيد " مِنْهُ بِرَحْمَةٍ " وَفِي رِوَايَة اِبْن عَوْن " بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَة ".
وَقَالَ اِبْن عَوْن بِيَدِهِ هَكَذَا " وَأَشَارَ عَلَى رَأْسه " وَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَفْسِير مَعْنَى " يَتَغَمَّدنِي " قَالَ أَبُو عُبَيْد : الْمُرَاد بِالتَّغَمُّدِ السَّتْر , وَمَا أَظُنّهُ إِلَّا مَأْخُوذًا مِنْ غَمْد السَّيْف لِأَنَّك إِذَا أَغْمَدْت السَّيْف فَقَدْ أَلْبَسْته الْغِمْد وَسَتَرْته بِهِ.
قَالَ الرَّافِعِيّ : فِي الْحَدِيث أَنَّ الْعَامِل لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّكِل عَلَى عَمَله فِي طَلَب النَّجَاة وَنَيْل الدَّرَجَات لِأَنَّهُ إِنَّمَا عَمِلَ بِتَوْفِيقِ اللَّه , وَإِنَّمَا تَرَكَ الْمَعْصِيَة بِعِصْمَةِ اللَّه , فَكُلّ ذَلِكَ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَته.
قَوْله ( سَدِّدُوا ) فِي رِوَايَة بِشْر بْن سَعِيد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد مُسْلِم " وَلَكِنْ سَدِّدُوا " وَمَعْنَاهُ اِقْصِدُوا السَّدَاد أَيْ الصَّوَاب , وَمَعْنَى هَذَا الِاسْتِدْرَاك أَنَّهُ قَدْ يُفْهَم مِنْ النَّفْي الْمَذْكُور نَفْيُ فَائِدَة الْعَمَل , فَكَأَنَّهُ قِيلَ بَلْ لَهُ فَائِدَة وَهُوَ أَنَّ الْعَمَل عَلَامَة عَلَى وُجُود الرَّحْمَة الَّتِي تُدْخِل الْعَامِل الْجَنَّة فَاعْمَلُوا وَاقْصِدُوا بِعَمَلِكُمْ الصَّوَاب أَيْ اِتِّبَاع السُّنَّة مِنْ الْإِخْلَاص وَغَيْره لِيَقْبَل عَمَلكُمْ فَيُنْزِل عَلَيْكُمْ الرَّحْمَة.
قَوْله ( وَقَارِبُوا ) أَيْ لَا تُفْرِطُوا فَتُجْهِدُوا أَنْفُسكُمْ فِي الْعِبَادَة لِئَلَّا يُفْضِي بِكَمْ ذَلِكَ إِلَى الْمَلَال فَتَتْرُكُوا الْعَمَل فَتُفَرِّطُوا , وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّار مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن سُوقَة عَنْ اِبْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِر وَلَكِنْ صَوَّبَ إِرْسَاله , وَلَهُ شَاهِد فِي الزُّهْد لِابْنِ الْمُبَارَك مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو مَوْقُوف " إِنَّ هَذَا الدِّين مَتِين فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ , وَلَا تُبْغِضُوا إِلَى أَنْفُسكُمْ عِبَادَة اللَّه فَإِنَّ الْمُنْبَتّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى " وَالْمُنْبَتّ بِنُونٍ ثُمَّ مُوَحَّدَة ثُمَّ مُثَنَّاة ثَقِيلَة أَيْ الَّذِي عَطِبَ مَرْكُوبه مِنْ شِدَّة السَّيْر مَأْخُوذ مِنْ الْبَتّ وَهُوَ الْقَطْع أَيْ صَارَ مُنْقَطِعًا لَمْ يَصِل إِلَى مَقْصُوده وَفَقَدَ مَرْكُوبه.
الَّذِي كَانَ يُوَصِّلهُ لَوْ رَفَقَ بِهِ.
وَقَوْله " أَوْغِلُوا " بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة مِنْ الْوُغُول وَهُوَ الدُّخُول فِي الشَّيْء.
قَوْله ( وَاغْدُوا وَرُوحُوا وَشَيْئًا مِنْ الدُّلْجَة ) فِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب " وَخَطًّا مِنْ الدُّلْجَة " وَالْمُرَاد بِالْغُدُوِّ السَّيْر مِنْ أَوَّل النَّهَار , وَبِالرَّوَاحِ السَّيْر مِنْ أَوَّل النِّصْف الثَّانِي مِنْ النَّهَار , وَالدُّلْجَة بِضَمِّ الْمُهْمَلَة وَسُكُون اللَّام وَيَجُوز فَتْحهَا وَبَعْد اللَّام جِيمٌ سَيْر اللَّيْل يُقَال سَارَ دُلْجَة مِنْ اللَّيْل أَيْ سَاعَة فَلِذَلِكَ قَالَ شَيْئًا مِنْ الدُّلْجَة لِعُسْرِ سَيْر جَمِيع اللَّيْل , فَكَأَنَّ فِيهِ إِشَارَة إِلَى صِيَام جَمِيع النَّهَار وَقِيَام بَعْض اللَّيْل وَإِلَى أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ سَائِر أَوْجُه الْعِبَادَة , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى الْحَثّ عَلَى الرِّفْق فِي الْعِبَادَة وَهُوَ الْمُوَافِق لِلتَّرْجَمَةِ , وَعَبَّرَ بِمَا يَدُلّ عَلَى السَّيْر لِأَنَّ الْعَابِد كَالسَّائِرِ إِلَى مَحَلّ إِقَامَته وَهُوَ الْجَنَّة , وَشَيْئًا مَنْصُوب بِفِعْلٍ مَحْذُوف أَيْ اِفْعَلُوا , وَقَدْ تَقَدَّمَ بِأَبْسَط مِنْ هَذَا فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي " بَاب الدِّين يُسْر ".
قَوْله ( وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاء أَيْ اِلْزَمُوا الطَّرِيق الْوَسَط الْمُعْتَدِل , وَمِنْهُ قَوْله فِي حَدِيث جَابِر اِبْن سَمُرَة عِنْد مُسْلِم " كَانَتْ خُطْبَته قَصْدًا " أَيْ لَا طَوِيلَةً وَلَا قَصِيرَةً , وَاللَّفْظ الثَّانِي لِلتَّأْكِيدِ , وَوَقَفْت عَلَى سَبَب لِهَذَا الْحَدِيث : فَأَخْرَجَ اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث جَابِر قَالَ " مَرَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يُصَلِّي عَلَى صَخْرَة فَأَتَى نَاحِيَة فَمَكَثَ ثُمَّ اِنْصَرَفَ فَوَجَدَهُ عَلَى حَاله فَقَامَ فَجَمَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : أَيّهَا النَّاس عَلَيْكُمْ الْقَصْدَ , عَلَيْكُمْ الْقَصْدَ ".
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاغْدُوا وَرُوحُوا وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا
عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سددوا وقاربوا، واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وأن أحب الأعمال أدومها إلى الله وإن قل.»
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أدومها، وإن قل، وقال: اكلفوا من الأعمال ما تطيقون.»
عن علقمة قال: «سألت أم المؤمنين عائشة قلت: يا أم المؤمنين، كيف كان عمل النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة،...
عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سددوا، وقاربوا، وأبشروا؛ فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن ي...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعته يقول: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى لنا يوما الصلاة، ثم رقي المنبر فأشار بيده قبل قبلة المسجد، فقال قد أ...
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة، وأرسل ف...
عن أبي سعيد «أن أناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يسأله أحد منهم إلا أعطاه، حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين نفد كل شيء أنفق بيدي...
عن المغيرة بن شعبة يقول: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم أو تنتفخ قدماه، فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا.»
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب: هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون.»