6505-
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين» يعني: إصبعين تابعه إسرائيل عن أبي حصين.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة ( حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن يُوسُف ) فِي رِوَايَة أَبِي ذَرٍّ " حَدَّثَنَا ".
قَوْله ( حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ) فِي رِوَايَة غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ " أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ اِبْن عَيَّاشٍ ".
قَوْله ( عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ) فِي رِوَايَة اِبْن مَاجَهْ " حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ " بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة أَوَّله , وَأَبُو صَالِحٍ هُوَ ذَكْوَانُ , وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ.
قَوْله ( كَهَاتَيْنِ يَعْنِي أُصْبُعَيْنِ ) كَذَا فِي الْأَصْل , وَوَقَعَ عِنْد اِبْن مَاجَهْ عَنْ هَنَّاد بْن السُّرِّىّ عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش " وَجَمَعَ بَيْن أُصْبُعَيْهِ " وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ هَنَّادٍ بِلَفْظِ " وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى " بَدَل قَوْله " يَعْنِي أُصْبُعَيْنِ " وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ الْحَسَن بْن سُفْيَان عَنْ هَنَّاد " بِلَفْظِ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ يَعْنِي أُصْبُعَيْهِ " , وَلَهُ مِنْ رِوَايَة أَبِي طَالِب عَنْ الدَّوْرِيِّ " وَأَشَارَ أَبُو بَكْر بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَة وَاَلَّتِي تَلِيهَا " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ إِدْرَاجًا , وَهَذِهِ الزِّيَادَة ثَابِتَة فِي الْمَرْفُوعِ لَكِنْ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة كَمَا تَقَدَّمَ , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيث جَابِر اِبْن سَمُرَة " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أُصْبُعَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَهُوَ يَقُول : بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَة كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ " وَجَمَعَ رِوَايَة لَهُ عَنْهُ " وَجَمَعَ بَيْن أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى , وَالْمُرَاد بِالسَّبَّابَةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد الْمُوَحَّدَة الْأُصْبُع الَّتِي بَيْن الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى وَهِيَ الْمُرَاد بِالْمُسَبِّحَةِ سُمِّيَتْ مُسَبِّحَةً لِأَنَّهَا يُشَار بِهَا عِنْد التَّسْبِيح وَتُحَرَّكُ فِي التَّشَهُّدِ عِنْد التَّهْلِيل إِشَارَةً إِلَى التَّوْحِيدِ , وَسُمِّيَتْ سَبَّابَة لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَسَابُّوا أَشَارُوا بِهَا.
قَوْله ( تَابَعَهُ إِسْرَائِيل ) يَعْنِي اِبْن يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق ( عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ) يَعْنِي بِالسَّنَدِ وَالْمَتْن , وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيل بِسَنَدِهِ قَالَ مِثْل رِوَايَة هَنَّاد عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : وَقَدْ تَابَعَهُمَا قَيْس بْن الرَّبِيع عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ , قَالَ عِيَاض وَغَيْره : أَشَارَ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى اِخْتِلَاف أَلْفَاظِه إِلَى قِلَّة الْمُدَّة بَيْنه وَبَيْن السَّاعَة , وَالتَّفَاوُت إِمَّا فِي الْمُجَاوَرَة وَإِمَّا فِي قَدْر مَا بَيْنهمَا , وَيُعَضِّدهُ قَوْله " كَفَضْلِ أَحَدهمَا عَلَى الْأُخْرَى " وَقَالَ بَعْضهمْ : هَذَا الَّذِي يَتَّجِه أَنْ يُقَال , وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد الْأَوَّل لَقَامَتْ السَّاعَة لِاتِّصَالِ إِحْدَى الْأُصْبُعَيْنِ بِالْأُخْرَى قَالَ اِبْن التِّين : اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله " كَهَاتَيْنِ " فَقِيلَ كَمَا بَيْن السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى فِي الطُّول , وَقِيلَ الْمَعْنَى لَيْسَ بَيْنه وَبَيْنهَا نَبِيّ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " حَاصِل الْحَدِيث تَقْرِيب أَمْر السَّاعَة وَسُرْعَة مَجِيئِهَا , قَالَ وَعَلَى رِوَايَة النَّصْب يَكُون التَّشْبِيه وَقَعَ بِالِانْضِمَامِ , وَعَلَى الرَّفْع وَقَعَ بِالتَّفَاوُتِ.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ : مَعْنَاهُ أَنَّ نِسْبَة تَقَدُّم الْبَعْثَة النَّبَوِيَّة عَلَى قِيَام السَّاعَة كَنِسْبَةِ فَضْل إِحْدَى الْأُصْبُعَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى , وَقِيلَ الْمُرَاد اِسْتِمْرَار دَعَوْته لَا تَفْتَرِق إِحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى , كَمَا أَنَّ الْأُصْبُعَيْنِ لَا تَفْتَرِق إِحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى.
وَرَجَّحَ الطِّيبِيُّ قَوْل الْبَيْضَاوِيّ بِزِيَادَةِ الْمُسْتَوْرِد فِيهِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " التَّذْكِرَة " : مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث تَقْرِيب أَمْر السَّاعَة.
وَلَا مُنَافَاة بَيْنه وَبَيْن قَوْله فِي الْحَدِيث الْآخَر " مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم مِنْ السَّائِل " فَإِنَّ الْمُرَاد بِحَدِيثِ الْبَاب أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنه وَبَيْن السَّاعَة نَبِيّ كَمَا لَيْسَ بَيْن السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى أُصْبُع أُخْرَى , وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ عِلْم وَقْتهَا بِعَيْنِهِ لَكِنَّ سِيَاقه يُفِيد قُرْبهَا وَأَنَّ أَشْرَاطهَا مُتَتَابِعَة كَمَا قَالَ تَعَالَى { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } قَالَ الضَّحَّاك : أَوَّل أَشْرَاطهَا بَعْثَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْحِكْمَة فِي تَقَدُّم الْأَشْرَاط إِيقَاظ الْغَافِلِينَ وَحَثّهمْ عَلَى التَّوْبَة وَالِاسْتِعْدَاد.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : قِيلَ مَعْنَاهُ الْإِشَارَة إِلَى قُرْب الْمُجَاوَرَة , وَقِيلَ إِلَى تَفَاوُت مَا بَيْنهمَا طُولًا , وَعَلَى هَذَا فَالنَّظَر فِي الْقَوْل الْأَوَّل إِلَى الْعَرْض , وَقِيلَ الْمُرَاد لَيْسَ بَيْنهمَا وَاسِطَة , وَلَا مُعَارَضَة بَيْن هَذَا وَبَيْن قَوْله تَعَالَى { إِنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة } وَنَحْو ذَلِكَ لِأَنَّ عِلْم قُرْبهَا لَا يَسْتَلْزِم عِلْم وَقْت مَجِيئهَا مُعَيَّنًا , وَقِيلَ مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْن الْقِيَامَة شَيْء , هِيَ الَّتِي تَلِينِي كَمَا تَلِي السَّبَّابَة الْوُسْطَى , وَعَلَى هَذَا فَلَا تَنَافِي بَيْن مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيث وَبَيْن قَوْله تَعَالَى عَنْ السَّاعَة { لَا يَعْلَمهَا إِلَّا هُوَ } وَقَالَ عِيَاض : حَاوَلَ بَعْضهمْ فِي تَأْوِيله أَنَّ نِسْبَةَ مَا بَيْن الْأُصْبُعَيْنِ كَنِسْبَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مَضَى وَأَنَّ جُمْلَتهَا سَبْعَة آلَآف سَنَة , وَاسْتَنَدَ إِلَى أَخْبَار لَا تَصِحّ.
وَذَكَرَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي تَأْخِير هَذِهِ الْأَمَة نِصْف يَوْم وَفَسَّرَهُ بِخَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ , فَيُؤْخَذ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي بَقِيَ نِصْفُ سُبُعٍ وَهُوَ قَرِيب مِمَّا بَيْنَ السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى فِي الطُّول , قَالَ : وَقَدْ ظَهَرَ عَدَم صِحَّة ذَلِكَ لِوُقُوعِ خِلَافه وَمُجَاوَزَة هَذَا الْمِقْدَارِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا لَمْ يَقَعُ خِلَافُهُ.
قُلْت : وَقَدْ اِنْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مُنْذُ عَهْد عِيَاضٍ إِلَى هَذَا الْحِينِ ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ : قِيلَ الْوُسْطَى تَزِيد عَلَى السَّبَّابَة نِصْف سُبُعِهَا , وَكَذَلِكَ الْبَاقِي الدُّنْيَا مِنْ الْبَعْثَة إِلَى قِيَام السَّاعَة.
قَالَ : وَهَذَا بَعِيدٌ وَلَا يُعْلَمُ مِقْدَارُ الدُّنْيَا فَكَيْف يَتَحَصَّلُ لَنَا نِصْف سُبُع أَمَدٍ مَجْهُولٍ , فَالصَّوَاب الْإِعْرَاض عَنْ ذَلِكَ قُلْت : السَّابِق إِلَى ذَلِكَ أَبُو جَعْفَر بْن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ فِي مُقَدِّمَة تَارِيخِهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الدُّنْيَا جُمُعَةٌ مِنْ جُمَع الْآخِرَة سَبْعَة آلَاف سَنَةٍ , وَقَدْ مَضَى سِتَّةُ آلَاف وَمِائَة سَنَة , وَأَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن يَعْقُوب عَنْ حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْهُ.
وَيَحْيَى هُوَ أَبُو طَالِب الْقَاصُّ الْأَنْصَارِيّ , قَالَ الْبُخَارِيّ : مُنْكَر الْحَدِيث , وَشَيْخه هُوَ فَقِيهِ الْكُوفَة وَفِيهِ مَقَال.
ثُمَّ أَوْرَدَ الطَّبَرِيُّ عَنْ كَعْب الْأَحْبَار قَالَ : الدُّنْيَا سِتَّةُ آلَافِ سَنَة.
وَعَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه مِثْلُهُ وَزَادَ أَنَّ الَّذِي مَضَى مِنْهَا خَمْسَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ سَنَة , ثُمَّ زَيَّفَهُمَا وَرَجَّحَ مَا جَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس.
ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيث اِبْن عُمَر الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا " مَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ إِلَّا مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ " وَمِنْ طَرِيق مُغِيرَة بْن حَكِيمٍ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ " مَا بَقِيَ لِأُمَّتِي مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا كَمِقْدَارِ إِذَا صَلَّيْت الْعَصْر " وَمِنْ طَرِيق مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر " كُنَّا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْس عَلَى قُعَيْقِعَان مُرْتَفِعَة بَعْد الْعَصْر فَقَالَ : مَا أَعْمَاركُمْ فِي أَعْمَار مَنْ مَضَى إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا النَّهَارِ فِيمَا مَضَى مِنْهُ " وَهُوَ عِنْد أَحْمَد أَيْضًا بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيث أَنَس " خَطَبَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَقَدْ كَادَتْ الشَّمْس تَغِيب " فَذَكَرَ نَحْو الْحَدِيث الْأَوَّل عَنْ اِبْن عُمَرَ , وَمِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد بِمَعْنَاهُ قَالَ عِنْد غُرُوب الشَّمْس " إِنَّ مِثْل مَا بَقِيَ مِنْ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا كَبَقِيَّةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ " وَحَدِيث أَبِي سَعِيد أَخْرَجَهُ أَيْضًا وَفِيهِ عَلِيّ بْن زَيْد بْن جُدْعَان وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَحَدِيث أَنَس أَخْرَجَهُ أَيْضًا وَفِيهِ مُوسَى بْن خَلَف , ثُمَّ جَمَعَ بَيْنهمَا بِمَا حَاصِله أَنَّهُ حَمَلَ قَوْله " بَعْد صَلَاة الْعَصْرِ " عَلَى مَا إِذَا صَلَّيْت فِي وَسَطٍ مِنْ وَقْتِهَا.
قُلْت : وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِ أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيد , وَحَدِيث اِبْن عُمَر صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَالصَّوَابُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ , وَلَهُ مَحْمَلَان أَحَدهمَا أَنَّ الْمُرَاد بِالتَّشْبِيهِ التَّقْرِيب وَلَا يُرَاد حَقِيقَة الْمِقْدَار فِيهِ يَجْتَمِع مَعَ حَدِيث أَنَس وَأَبِي سَعِيد عَلَى تَقْدِير ثُبُوتِهِمَا , وَالثَّانِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيُقَدَّم حَدِيث اِبْن عُمَرَ لِصِحَّتِهِ وَيَكُون فِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّ مُدَّةَ هَذِهِ الْأُمَّة قَدْر خُمُس النَّهَار تَقْرِيبًا.
ثُمَّ أَيَّدَ الطَّبَرِيّ كَلَامه بِحَدِيثِ الْبَاب وَبِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبه الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم وَلَفْظه " وَاَللَّهِ لَا تَعْجِزُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ نِصْف يَوْم " وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ رَجَّحَ الْبُخَارِيّ وَقْفَهُ , وَعِنْد أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ بِلَفْظِ " إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْد رَبِّهَا أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ نِصْفَ يَوْمٍ , قِيلَ لِسَعْدٍ : كَمْ نِصْفُ يَوْمٍ ؟ قَالَ : خَمْسُمِائَةِ سَنَة " وَرُوَاته مُوَثَّقُونَ إِلَّا أَنَّ فِيهَا اِنْقِطَاعًا.
قَالَ الطَّبَرِيّ : وَنِصْف الْيَوْمِ خَمْسُمِائَةِ سَنَة أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَإِنَّ يَوْمًا عِنْد رَبّك كَأَلْفِ سَنَة } فَإِذَا اِنْضَمَّ إِلَى قَوْل اِبْن عَبَّاس إِنَّ الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَاف سَنَة تَوَافَقَتْ الْأَخْبَارُ , فَيَكُون الْمَاضِي إِلَى وَقْت الْحَدِيث الْمَذْكُور سِتَّة آلَاف سَنَة وَخَمْسمِائَةِ سَنَة تَقْرِيبًا.
وَقَدْ أَوْرَدَ السُّهَيْلِيُّ كَلَامَ الطَّبَرِيّ وَأَيَّدَهُ بِمَا وَقَعَ عِنْده فِي حَدِيث الْمُسْتَوْرِد , وَأَكَّدَهُ بِحَدِيثِ زِمْل رَفَعَهُ " الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف سَنَة بُعِثْت فِي آخِرِهَا ".
قُلْت وَهَذَا الْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عَنْ اِبْن زِمْل وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا أَخْرَجَهُ اِبْن السَّكَن فِي " الصَّحَابَة " وَقَالَ إِسْنَاده مَجْهُولٌ , وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي الصَّحَابَةِ , وَابْن قُتَيْبَة فِي " غَرِيب الْحَدِيث " وَذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَة أَيْضًا اِبْن مَنْدَهْ وَغَيْره وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ عَبْد اللَّه وَبَعْضهمْ الضَّحَّاك , وَقَدْ أَوْرَدَهُ اِبْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَوْضُوعَات , وَقَالَ اِبْن الْأَثِير : أَلْفَاظُهُ مَصْنُوعَةٌ.
ثُمَّ بَيَّنَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيث نِصْف يَوْم مَا يَنْفِي الزِّيَادَة عَلَى الْخَمْسمِائَةِ , قَالَ : وَقَدْ جَاءَ بَيَان ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ جَعْفَر بْن عَبْد الْوَاحِد بِلَفْظِ " إِنْ أَحْسَنَتْ أُمَّتِي فَبَقَاؤُهَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ أَلْف سَنَة , وَإِنْ أَسَاءَتْ فَنِصْفُ يَوْمٍ " قَالَ وَلَيْسَ فِي قَوْله " بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ " مَا يَقْطَعُ بِهِ عَلَى صِحَّة التَّأْوِيلِ الْمَاضِي , بَلْ قَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيله إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنه وَبَيْن السَّاعَة نَبِيٌّ مَعَ التَّقْرِيبِ لِمَجِيئِهَا.
ثُمَّ جَوَّزَ أَنْ يَكُون فِي عَدَد الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّوَر مَعَ حَذْف الْمُكَرَّرِ مَا يُوَافِقُ حَدِيثَ اِبْن زِمْل , وَذَكَرَ أَنَّ عِدَّتَهَا تِسْعُمِائَةِ وَثَلَاثَة.
قُلْت : وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَة الْمَغَارِبَةِ فِي عَدِّ الْحُرُوفِ , وَأَمَّا الْمَشَارِقَةُ فَيَنْقُصُ الْعَدَدُ عِنْدَهُمْ مِائَتَيْنِ وَعَشْرَة فَإِنَّ السِّينَ عِنْد الْمَغَارِبَة بِثَلَاثِمِائَةِ وَالصَّاد بِسِتِّينَ وَأَمَّا الْمَشَارِقَةُ فَالسِّين عِنْدَهُمْ سِتُّونَ وَالصَّاد تِسْعُونَ فَيَكُون الْمِقْدَارُ عِنْدَهُمْ سِتّمِائَةِ وَثَلَاثَة وَتِسْعِينَ , وَقَدْ مَضَتْ وَزِيَادَة عَلَيْهَا مِائَة وَخَمْس وَأَرْبَعُونَ سَنَة , فَالْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّة بَاطِلٌ , وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ اِبْن عَبَّاس الزَّجْرُ عَنْ عَدِّ أَبِي جَاد وَالْإِشَارَة إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَة السِّحْر , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّهُ لَا أَصْل لَهُ فِي الشَّرِيعَة.
وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِ السُّهَيْلِيِّ فِي فَوَائِد رِحْلَتِهِ مَا نَصُّهُ : وَمَنْ الْبَاطِلِ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِل السُّوَر , وَقَدْ تَحَصَّلَ لِي فِيهَا عِشْرُونَ قَوْلًا وَأَزْيَدُ وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا يَحْكُمُ عَلَيْهَا بِعِلْمِ وَلَا يَصِل فِيهَا إِلَى فَهْم إِلَّا أَنِّي أَقُول.
فَذَكَرَ مَا مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ لَهَا مَدْلُولًا مُتَدَاوَلًا بَيْنهمْ لَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بَلْ تَلَا عَلَيْهِمْ ص وحم وَفُصِّلَتْ وَغَيْرهمَا فَلَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ بَلْ صَرَّحُوا بِالتَّسْلِيمِ لَهُ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ مَعَ تَشَوُّفِهِمْ إِلَى عَثْرَةٍ وَحِرْصِهِمْ عَلَى زَلَّةٍ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ لَا إِنْكَارَ فِيهِ.
قُلْت : وَأَمَّا عَدُّ الْحُرُوفِ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّمَا جَاءَ عَنْ بَعْض الْيَهُودِ كَمَا حَكَاهُ اِبْن إِسْحَاق فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَنْ أَبِي يَاسِر بْن أَخْطَبَ وَغَيْره أَنَّهُمْ حَمَلُوا الْحُرُوفَ الَّتِي فِي أَوَائِل السُّوَرِ عَلَى هَذَا الْحِسَاب وَاسْتَقْصَرُوا الْمُدَّة أَوَّل مَا نَزَلَ الم والر , فَلَمَّا نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ المص وَطسم وَغَيْر ذَلِكَ قَالُوا أَلْبَسْت عَلَيْنَا الْأَمْرَ.
وَعَلَى تَقْدِير أَنْ يَكُون ذَلِكَ مُرَادًا فَلْيُحْمَلْ عَلَى جَمِيع الْحُرُوف الْوَارِدَةِ وَلَا يُحْذَفْ الْمُكَرَّرُ , فَإِنَّهُ مَا مِنْ حَرْفٍ مِنْهَا إِلَّا وَلَهُ سِرٌّ يَخُصُّهُ , أَوْ يُقْتَصَرُ عَلَى حَذْف الْمُكَرَّرِ مِنْ أَسْمَاء السُّوَر وَلَوْ تَكَرَّرَتْ الْحُرُوفُ فِيهَا , فَإِنَّ السُّوَر الَّتِي اُبْتُدِئَتْ بِذَلِكَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ سُورَةً وَعَدَد حُرُوف الْجَمِيع ثَمَانِيَة وَسَبْعُونَ حَرْفًا وَهِيَ الم سِتَّةٌ حم سِتَّة الر خَمْسَة طسم ثِنْتَانِ المص المر كهيعص حم عسق طه طس يس ص ق ن , فَإِذَا حُذِفَ مَا كُرِّرَ مِنْ السُّوَر وَهِيَ خَمْسٌ مِنْ الم وَخَمْس مِنْ حم وَأَرْبَع مِنْ الر وَوَاحِدَة مِنْ طسم بَقِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً عَدَدُ حُرُوفِهَا ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ حَرْفًا فَإِذَا حُسِبَ عَدَدُهَا بِالْجُمَّلِ الْمَغْرِبِيِّ بَلَغَتْ أَلْفَيْنِ وَسِتَّمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَأَمَّا بِالْجُمَّلِ الْمَشْرِقِيِّ فَتَبْلُغُ أَلْفًا وَسَبْعمِائَةِ وَأَرْبَعَة وَخَمْسِينَ وَلَمْ أَذْكُرْ ذَلِكَ لِيُعْتَمَد عَلَيْهِ إِلَّا لِأُبَيِّنَ أَنَّ الَّذِي جَنَحَ إِلَيْهِ السُّهَيْلِيُّ لَا يَنْبَغِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ لِشِدَّةِ التَّخَالُفِ فِيهِ , وَفِي الْجُمْلَةِ فَأَقْوَى مَا يُعْتَمَد فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ حَدِيثُ اِبْن عُمَر الَّذِي أَشَرْت إِلَيْهِ قَبْلُ , , وَقَدْ أَخْرَجَ مَعْمَرٌ فِي الْجَامِع عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ مَعْمَر : وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) قَالَ : الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا يَوْمٌ مِقْدَارُهُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ لَا يَدْرِي كَمْ مَضَى وَلَا كَمْ بَقِيَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى , وَقَدْ حَمَلَ بَعْض شُرَّاح " الْمَصَابِيح " حَدِيث " لَنْ تَعْجِزَ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا نِصْفَ يَوْمٍ " عَلَى حَال يَوْم الْقِيَامَة وَزَيَّفَهُ الطِّيبِيُّ فَأَصَابَ , وَأَمَّا زِيَادَة جَعْفَر فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَته وَهُوَ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَقَدْ كَذَّبَهُ الْأَئِمَّة مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسُقْ سَنَدَهُ بِذَلِكَ , فَالْعَجَبُ مِنْ السُّهَيْلِيِّ كَيْف سَكَتَ عَنْهُ مَعَ مَعْرِفَته بِحَالِهِ.
وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ يَعْنِي إِصْبَعَيْنِ تَابَعَهُ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين...
عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.<br> قالت عائشة أو بعض أزواجه...
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.»
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح: إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخير.<br> ف...
عائشة، رضي الله عنها، كانت تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين يديه ركوة - أو علبة فيها ماء، يشك عمر - فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بهما...
عن عائشة قالت: «كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة، فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: إن يعش هذا لا يدركه الهرم ح...
عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري : أنه كان يحدث «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة، فقال: مستريح ومستراح منه.<br> قالوا: يا رسول الله، ما ا...
عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مستريح ومستراح منه، المؤمن يستريح.»
عن أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبق...