6647-
قال ابن عمر : سمعت عمر يقول: «قال: لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذاكرا، ولا آثرا» قال مجاهد: (أو أثرة من علم) يأثر علما، تابعه عقيل والزبيدي وإسحاق الكلبي، عن الزهري، وقال ابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سالم، عن ابن عمر سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر.
(ذاكرا) قائلا لها من قبل نفسي.
(آثرا) حاكيا وناقلا لها عن غيري
(أثارة) خبر منقول
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( عَنْ يُونُس ) هُوَ اِبْن يَزِيد الْأَيْلِيُّ , فِي رِوَايَة مُسْلِم عَنْ حَرْمَلَة عَنْ اِبْن وَهْب " أَخْبَرَنِي يُونُسُ ".
قَوْله ( قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّه يَنْهَاكُمْ ) فِي رِوَايَة مَعْمَر عَنْ اِبْن شِهَاب بِهَذَا السَّنَد " عَنْ عُمَر سَمِعَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَحْلِف بِأَبِي فَقَالَ : إِنَّ اللَّه " فَذَكَرَ الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْهُ هَكَذَا.
قَوْله ( فَوَاَللَّهِ مَا حَلَفْت بِهَا مُنْذُ سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ " يَنْهَى عَنْهَا ".
قَوْلُهُ ( ذَاكِرًا ) أَيْ عَامِدًا.
قَوْله ( وَلَا آثِرًا ) بِالْمَدِّ وَكَسْر الْمُثَلَّثَة أَيْ حَاكِيًا عَنْ الْغَيْر , أَيْ مَا حَلَفْت بِهَا وَلَا حَكَيْت ذَلِكَ عَنْ غَيْرِي , وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة عُقَيْل عَنْ اِبْن شِهَاب عِنْد مُسْلِم " مَا حَلَفْت بِهَا مُنْذُ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا , وَلَا تَكَلَّمْت بِهَا " وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ هَذَا التَّفْسِير لِتَصْدِيرِ الْكَلَام بِحَلَفْتُ وَالْحَاكِي عَنْ غَيْره لَا يُسَمَّى حَالِفًا , وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون الْعَامِل فِيهِ مَحْذُوفًا أَيْ وَلَا ذَكَرْتهَا آثِرًا عَنْ غَيْرِي , أَوْ يَكُون ضَمَّنَ حَلَفْت مَعْنَى تَكَلَّمْت وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ عُقَيْل.
وَجَوَّزَ شَيْخُنَا فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ لِقَوْلِهِ آثِرًا مَعْنًى آخَر أَيْ مُخْتَارًا , يُقَال آثَرَ الشَّيْء إِذَا اِخْتَارَهُ , فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَا حَلَفْت بِهَا مُؤْثِرًا لَهَا عَلَى غَيْرهَا , قَالَ شَيْخنَا : وَيَحْتَمِل أَنْ يَرْجِع قَوْله آثِرًا إِلَى مَعْنَى التَّفَاخُر بِالْآبَاءِ فِي الْإِكْرَام لَهُمْ , وَمِنْهُ قَوْلهمْ مَأْثُرَة وَمَآثِر وَهُوَ مَا يُرْوَى مِنْ الْمَفَاخِر فَكَأَنَّهُ قَالَ : مَا حَلَفْت بِآبَائِي ذَاكِرًا لِمَآثِرِهِمْ.
وَجَوَّزَ فِي قَوْله " ذَاكِرًا " أَنْ يَكُون مِنْ الذُّكْر بِضَمِّ الْمُعْجَمَة كَأَنَّهُ اِحْتَرَزَ عَنْ أَنْ يَكُون يَنْطِق بِهَا نَاسِيًا , وَهُوَ يُنَاسِب تَفْسِير آثِرًا بِالِاخْتِيَارِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا عَامِدًا وَلَا مُخْتَارًا.
وَجَزَمَ اِبْن التِّين فِي شَرْحه بِأَنَّهُ مِنْ الذِّكْر بِالْكَسْرِ لَا بِالضَّمِّ , قَالَ : وَإِنَّمَا هُوَ لَمْ أَقُلْهُ مِنْ قِبَل نَفْسِي وَلَا حَدَّثْت بِهِ عَنْ غَيْرِي أَنَّهُ حَلَفَ بِهِ , قَالَ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : يُرِيد مَا حَلَفْت بِهَا وَلَا ذَكَرْت حَلِفَ غَيْرِي بِهَا كَقَوْلِهِ : إِنَّ فُلَانًا قَالَ وَحَقِّ أَبِي مَثَلًا.
وَاسْتُشْكِلَ أَيْضًا أَنَّ كَلَام عُمَر الْمَذْكُور يَقْتَضِي أَنَّهُ تَوَرَّعَ عَنْ النُّطْق بِذَلِكَ مُطْلَقًا فَكَيْف نَطَقَ بِهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّة ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ التَّبْلِيغِ.
قَوْله ( قَالَ مُجَاهِد أَوْ أَثَارَة مِنْ عِلْم يَأْثُر عِلْمًا ) كَذَا فِي جَمِيع النُّسَخ يَأْثُر بِضَمِّ الْمُثَلَّثَة , وَهَذَا الْأَثَر وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيّ فِي تَفْسِيره عَنْ وَرْقَاء عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى ( اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ) قَالَ : أَحَد يَأْثُر عِلْمًا , فَكَأَنَّهُ سَقَطَ أَحَد مِنْ أَصْل الْبُخَارِيّ , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير الْأَحْقَاف النَّقْل عَنْ أَبِي عُبَيْدَة وَغَيْره فِي بَيَان هَذِهِ اللَّفْظَة وَالِاخْتِلَاف فِي قِرَاءَتهَا وَمَعْنَاهَا , وَذَكَرَ الصَّغَانِيُّ وَغَيْره أَنَّهُ قُرِئَ أَيْضًا إِثَارَة بِكَسْرِ أَوَّله وَأَثَرَة بِفَتْحَتَيْنِ وَسُكُون ثَانِيه مَعَ فَتْح أَوَّله وَمَعَ كَسْره , وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس الْمَذْكُور هُنَاكَ أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَشَكَّ فِي رَفْعه , وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِم مَوْقُوفًا وَهُوَ الرَّاجِح , وَفِي رِوَايَة جَوْدَة الْخَطّ.
وَقَالَ الرَّاغِب فِي قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى ( أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ) : وَقُرِئَ " أَوْ أَثَرَة " يَعْنِي بِفَتْحَتَيْنِ , وَهُوَ مَا يُرْوَى أَيْ يُكْتَبُ فَيَبْقَى لَهُ أَثَر , تَقُول أَثَرْت الْعِلْم رَوَيْته آثُرُهُ أَثَرًا وَأَثَارَةً وَأَثَرَةً , وَالْأَصْل فِي أَثَر الشَّيْء حُصُول مَا يَدُلّ عَلَى وُجُوده , وَمُحَصَّل مَا ذَكَرُوهُ ثَلَاثَة أَقْوَال : أَحَدهَا الْبَقِيَّة , وَأَصْله أَثَرْت الشَّيْء أُثِيرُهُ إِثَارَة كَأَنَّهَا بَقِيَّة تُسْتَخْرَج فَتُثَار , الثَّانِي مِنْ الْأَثَر وَهُوَ الرِّوَايَة , الثَّالِث مِنْ الْأَثَر وَهُوَ الْعَلَامَةُ.
قَوْله ( تَابَعَهُ عُقَيْل وَالزُّبَيْدِيّ وَإِسْحَاق فِي الْكَلْبِيّ عَنْ الزُّهْرِيِّ ) أَمَّا مُتَابَعَة عُقَيْل فَوَصَلَهَا مُسْلِم مِنْ طَرِيق اللَّيْث بْن سَعْد عَنْهُ وَقَدْ بَيَّنْت مَا فِيهَا , وَلِلَيْثِ فِيهِ سَنَد آخَر رَوَاهُ عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِهِ وَقَدْ مَضَى فِي الْأَدَب.
وَأَمَّا مُتَابَعَة الزُّبَيْدِيِّ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرَة مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن حَرْب عَنْ مُحَمَّد بْن الْوَلِيد الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ " عَنْ عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ اللَّه يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ , قَالَ عُمَر : فَوَاَللَّهِ مَا حَلَفْت بِهَا ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا ".
وَأَمَّا مُتَابَعَة إِسْحَاق الْكَلْبِيّ وَهُوَ اِبْن يَحْيَى الْحِمْصِيّ فَوَقَعَتْ لَنَا مَوْصُولَة فِي نُسْخَته الْمَرْوِيَّة مِنْ طَرِيق أَبِي بَكْر أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن شَاذَان عَنْ عَبْد الْقُدُّوس بْن مُوسَى الْحِمْصِيِّ عَنْ سُلَيْمِ بْن عَبْد الْحَمِيد عَنْ يَحْيَى بْن صَالِح الْوُحَاظِيّ عَنْ إِسْحَاق وَلَفْظه " عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " فَذَكَرَ مِثْل رِوَايَة يُونُس عِنْد مُسْلِم , لَكِنْ قَالَ بَعْد قَوْله " يَنْهَى عَنْهَا " : وَلَا تَكَلَّمْت بِهَا ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا , فَجَمَعَ بَيْن لَفْظ يُونُس وَلَفْظ عُقَيْل.
وَقَدْ صَرَّحَ مُسْلِم بِأَنَّ عُقَيْلًا لَمْ يَقُلْ فِي رِوَايَته ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا.
قَوْله ( وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَةَ وَمَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِم عَنْ اِبْن عُمَر : سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَر ) أَمَّا رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ فَوَصَلَهَا الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَده عَنْهُ بِهَذَا السِّيَاق , وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة وَجُمْهُور أَصْحَاب اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْهُ مِنْهُمْ الْإِمَام أَحْمَد , وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن أَبِي عُمَر الْعَدَنِيّ وَمُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن يَزِيد الْمُقْرِئ وَسَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَخْزُومِيّ بِهَذَا السَّنَد عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ عُمَر " سَمِعَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ : اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ وَعَلَى مَعْمَر , ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي عُمَر عَنْ سُفْيَان فَقَالَ فِي رِوَايَته " عَنْ عُمَر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَهُ يَحْلِف بِأَبِيهِ " قَالَ وَقَالَ عَمْرو النَّاقِد وَغَيْر وَاحِد عَنْ سُفْيَان بِسَنَدِهِ إِلَى اِبْن عُمَر " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ عُمَر ".
وَأَمَّا رِوَايَة مَعْمَر فَوَصَلَهَا الْإِمَام أَحْمَد عَنْ عَبْد الرَّزَّاق عَنْهُ.
وَأَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَد.
قُلْت : وَصَنِيع مُسْلِم يَقْتَضِي أَنَّ رِوَايَة مَعْمَر كَذَلِكَ , فَإِنَّهُ صَدَّرَ بِرِوَايَةِ يُونُس ثُمَّ سَاقَهُ إِلَى عُقَيْل ثُمَّ قَالَ بَعْدهَا " وَحَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم وَعَبْد بْن حُمَيْدٍ قَالَا أَنْبَأَنَا عَبْد الرَّزَّاق أَنْبَأَنَا مَعْمَر " ثُمَّ قَالَ كِلَاهُمَا : عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَاد أَيْ الْإِسْنَاد الَّذِي سَاقَهُ لِيُونُس مِثْله , أَيْ مِثْل الْمَتْن الَّذِي سَاقَهُ لَهُ.
قَالَ : غَيْر أَنَّ فِي حَدِيث عُقَيْل " وَلَا تَكَلَّمْت بِهَا " لَكِنْ حَكَى الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنَّ إِسْحَاق اِبْن إِبْرَاهِيم رَوَاهُ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق كَرِوَايَةِ أَحْمَد عَنْهُ , وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي عُمَر عَنْ عَبْد الرَّزَّاق فَقَالَ فِي رِوَايَته عَنْ عُمَر " سَمِعَنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْلِفُ " وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّد بْن أَبِي السُّرِّيّ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق , وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنَّ عَبْد الْأَعْلَى رَوَاهُ عَنْ مَعْمَر فَلَمْ يَقُلْ فِي السَّنَد " عَنْ عُمَر " كَرِوَايَةِ أَحْمَد.
قُلْت : وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده مِنْ رِوَايَة عَبْد الْأَعْلَى قَالَ يَعْقُوب بْن شَيْبَة رَوَاهُ إِسْحَاق بْن يَحْيَى عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ عُمَر , قُلْت : فَكَانَ الِاخْتِلَاف فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ رَوَاهُ إِسْحَاق بْن يَحْيَى , وَهُوَ مُتْقِن صَاحِب حَدِيث , وَيُشْبِه أَنْ يَكُون اِبْن عُمَر سَمِعَ الْمَتْن مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقِصَّة الَّتِي وَقَعَتْ لِعُمَرَ مِنْهُ فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد الزَّجْر عَنْ الْحَلِف بِغَيْرِ اللَّه , وَإِنَّمَا خُصَّ فِي حَدِيث عُمَر بِالْآبَاءِ لِوُرُودِهِ عَلَى سَبَبه الْمَذْكُور , أَوْ خُصَّ لِكَوْنِهِ كَانَ غَالِبًا عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِف بِآبَائِهَا " وَيَدُلّ عَلَى التَّعْمِيم قَوْله " مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إِلَّا بِاَللَّهِ " وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآن مِنْ الْقَسَم بِغَيْرِ اللَّه فَفِيهِ جَوَابَانِ : أَحَدهمَا أَنَّ فِيهِ حَذْفًا وَالتَّقْدِير وَرَبِّ الشَّمْسِ وَنَحْوه , وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصّ بِاَللَّهِ فَإِذَا أَرَادَ تَعْظِيم شَيْء مِنْ مَخْلُوقَاته أَقْسَمَ بِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِمَّا يُخَالِف ذَلِكَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ " أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ " فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل هَذَا الشَّرْح فِي " بَاب الزَّكَاة مِنْ الْإِسْلَام " فِي كِتَاب الْإِيمَان الْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ وَأَنَّ فِيهِمْ مَنْ طَعَنَ فِي صِحَّة هَذِهِ اللَّفْظَة , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : هَذِهِ اللَّفْظَة غَيْر مَحْفُوظَة وَقَدْ جَاءَتْ عَنْ رَاوِيهَا وَهُوَ إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر بِلَفْظِ " أَفْلَحَ وَاَللَّهِ إِنْ صَدَقَ " قَالَ : وَهَذَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَة مَنْ رَوَى عَنْهُ بِلَفْظِ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ لِأَنَّهَا لَفْظَةٌ مُنْكَرَةٌ تَرُدُّهَا الْآثَارُ الصِّحَاح.
وَلَمْ تَقَع فِي رِوَايَة مَالِك أَصْلًا.
وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ بَعْض الرُّوَاة عَنْهُ صَحَّفَ قَوْله " وَأَبِيهِ " مِنْ قَوْله " وَاَللَّهِ " وَهُوَ مُحْتَمَل وَلَكِنَّ مِثْل ذَلِكَ لَا يَثْبُت بِالِاحْتِمَالِ , وَقَدْ ثَبَتَ مِثْل ذَلِكَ مِنْ لَفْظ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق فِي قِصَّة السَّارِق الَّذِي سَرَقَ حُلِيَّ اِبْنَتِهِ فَقَالَ فِي حَقِّهِ " وَأَبِيك مَا لَيْلُك بِلَيْلِ سَارِقٍ " أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأ وَغَيْره قَالَ السُّهَيْلِيُّ : وَقَدْ وَرَدَ نَحْوه فِي حَدِيث آخَر مَرْفُوع قَالَ لِلَّذِي سَأَلَ أَيُّ الصَّدَقَة أَفْضَل فَقَالَ " وَأَبِيك لَتُنَبَّأَنَّ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَيُجَاب بِأَجْوِبَةٍ : الْأَوَّل أَنَّ هَذَا اللَّفْظ كَانَ يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَقْصِدُوا بِهِ الْقَسَم , وَالنَّهْي إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقّ مَنْ قَصَدَ حَقِيقَة الْحَلِف , وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْبَيْهَقِيُّ , وَقَالَ النَّوَوِيّ : إِنَّهُ الْجَوَاب الْمَرَضِيّ.
الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يَقَع فِي كَلَامهمْ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا لِلتَّعْظِيمِ وَالْآخَر لِلتَّأْكِيدِ , وَالنَّهْي إِنَّمَا وَقَعَ عَنْ الْأَوَّل فَمَنْ أَمْثِلَة مَا وَقَعَ فِي كَلَامهمْ لِلتَّأْكِيدِ لَا لِلتَّعْظِيمِ قَوْل الشَّاعِر " لَعَمْرُ أَبِي الْوَاشِينَ إِنِّي أُحِبُّهَا " وَقَوْل الْآخَر.
فَإِنْ تَكُ لَيْلَى اِسْتَوْدَعَتْنِي أَمَانَةً فَلَا وَأَبِي أَعْدَائِهَا لَا أُذِيعُهَا فَلَا يُظَنُّ أَنَّ قَائِل ذَلِكَ قَصَدَ تَعْظِيمَ وَالِد أَعْدَائِهَا كَمَا لَمْ يَقْصِد الْآخَر تَعْظِيم وَالِد مَنْ وَشَى بِهِ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْد بِذَلِكَ تَأْكِيد الْكَلَام لَا التَّعْظِيم.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ : هَذَا اللَّفْظ مِنْ جُمْلَة مَا يُزَاد فِي الْكَلَام لِمُجَرَّدِ التَّقْرِير وَالتَّأْكِيد وَلَا يُرَاد بِهِ الْقَسَم , كَمَا تُزَاد صِيغَة النِّدَاء لِمُجَرَّدِ الِاخْتِصَاص دُون الْقَصْد إِلَى النِّدَاء , وَقَدْ تُعُقِّبَ الْجَوَاب بِأَنَّ ظَاهِر سِيَاق حَدِيث عُمَر يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّفهُ لِأَنَّ فِي بَعْض طُرُقه أَنَّهُ كَانَ يَقُول لَا وَأَبِي لَا وَأَبِي فَقِيلَ لَهُ لَا تَحْلِفُوا , فَلَوْلَا أَنَّهُ أَتَى بِصِيغَةِ الْحَلِف مَا صَادَفَ النَّهْي مَحَلًّا , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضهمْ وَهُوَ الْجَوَاب الثَّالِث : إِنَّ هَذَا كَانَ جَائِزًا ثُمَّ نُسِخَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ , وَقَالَ السُّبْكِيُّ : أَكْثَر الشُّرَّاح عَلَيْهِ , حَتَّى قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْلِف بِأَبِيهِ حَتَّى نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ : وَتَرْجَمَة أَبِي دَاوُدَ تَدُلّ عَلَى ذَلِكَ , يَعْنِي قَوْله " بَاب الْحَلِف بِالْآبَاءِ " ثُمَّ أَوْرَدَ الْحَدِيث الْمَرْفُوع الَّذِي فِيهِ " أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ " قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَلَا يَصِحّ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَحْلِف بِغَيْرِ اللَّهِ وَلَا يُقْسِمُ بِكَافِرٍ , تَاللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ لَبَعِيدٌ مِنْ شِيمَتِهِ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ : دَعْوَى النَّسْخ ضَعِيفَة لِإِمْكَانِ الْجَمْع وَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّارِيخ.
وَالْجَوَاب الرَّابِع أَنَّ فِي الْجَوَاب حَذْفًا تَقْدِيره أَفْلَحَ وَرَبِّ أَبِيهِ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ , وَقَدْ تَقَدَّمَ.
الْخَامِس أَنَّهُ لِلتَّعَجُّبِ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ , قَالَ : وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَرِد بِلَفْظِ " أَبِي " وَإِنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظِ " وَأَبِيهِ " أَوْ " وَأَبِيك " بِالْإِضَافَةِ إِلَى ضَمِير الْمُخَاطَب حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا.
السَّادِس أَنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِالشَّارِعِ دُون غَيْره مِنْ أُمَّته , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخَصَائِص لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ.
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّه مُطْلَقًا لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ سَوَاء كَانَ الْمَحْلُوف بِهِ يَسْتَحِقّ التَّعْظِيم لِمَعْنًى غَيْر الْعِبَادَة كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَة وَالْعُلَمَاء وَالصُّلَحَاء وَالْمُلُوك وَالْآبَاء وَالْكَعْبَة , أَوْ كَانَ لَا يَسْتَحِقّ التَّعْظِيم كَالْآحَادِ , أَوْ يَسْتَحِقّ التَّحْقِير وَالْإِذْلَال كَالشَّيَاطِينِ وَالْأَصْنَام وَسَائِر مَنْ عُبِدَ مِنْ دُون اللَّه , وَاسْتَثْنَى بَعْض الْحَنَابِلَة مِنْ ذَلِكَ الْحَلِف بِنَبِيِّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : تَنْعَقِد بِهِ الْيَمِين وَتَجِب الْكَفَّارَة بِالْحِنْثِ , فَاعْتَلَّ بِكَوْنِهِ أَحَد رُكْنَيْ الشَّهَادَة الَّتِي لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهِ.
وَأَطْلَقَ اِبْن الْعَرَبِيّ نِسْبَتَهُ لِمَذْهَبِ أَحْمَد وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الْأَيْمَان عِنْد أَحْمَد لَا تَتِمُّ إِلَّا بِفِعْلِ الصَّلَاة فَيَلْزَمهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالصَّلَاةِ أَنْ تَنْعَقِد يَمِينه وَيَلْزَمهُ الْكَفَّارَة إِذَا حَنِثَ.
وَيُمْكِن الْجَوَاب عَنْ إِيرَاده وَالِانْفِصَال عَمَّا أَلْزَمَهُمْ بِهِ , وَفِيهِ الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَنَّهُ يَنْعَقِد يَمِينًا وَمَتَى فَعَلَ تَجِب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة , وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْحَنَفِيَّة وَالْحَنَابِلَة , وَوَجْه الدَّلَالَة مِنْ الْخَبَر أَنَّهُ لَمْ يَحْلِف بِاَللَّهِ وَلَا بِمَا يَقُوم مَقَام ذَلِكَ , وَسَيَأْتِي مَزِيد لِذَلِكَ بَعْدُ , وَفِيهِ أَنَّ مَنْ قَالَ أَقْسَمْت لَأَفْعَلَن كَذَا لَا يَكُون يَمِينًا ; وَعِنْد الْحَنَفِيَّة يَكُون يَمِينًا , وَكَذَا قَالَ مَالِك وَأَحْمَد لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الْحَلِف بِاَللَّهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ , وَقَدْ قَالَ بَعْض الشَّافِعِيَّة : إِنْ قَالَ عَلَيَّ أَمَانَةُ اللَّهِ لَأَفْعَلَن كَذَا وَأَرَادَ الْيَمِين أَنَّهُ يَمِين وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي مَعْنَى النَّهْي عَنْ الْحَلِف بِغَيْرِ اللَّه , فَقَالَتْ طَائِفَة هُوَ خَاصّ بِالْأَيْمَانِ الَّتِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَحْلِفُونَ بِهِ تَعْظِيمًا لِغَيْرِ اللَّه تَعَالَى كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَالْآبَاء فَهَذِهِ يَأْثَم الْحَالِف بِهَا وَلَا كَفَّارَة فِيهَا , وَأَمَّا مَا كَانَ يَؤُولُ إِلَى تَعْظِيم اللَّه كَقَوْلِهِ وَحَقّ النَّبِيّ وَالْإِسْلَام وَالْحَجّ وَالْعُمْرَة وَالْهَدْي وَالصَّدَقَة وَالْعِتْق وَنَحْوهَا مِمَّا يُرَاد بِهِ تَعْظِيم اللَّه وَالْقُرْبَة إِلَيْهِ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي النَّهْي , وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْد وَطَائِفَة مِمَّنْ لَقِينَاهُ , وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ عَنْ الصَّحَابَة مِنْ إِيجَابهمْ عَلَى الْحَالِف بِالْعِتْقِ وَالْهَدْي وَالصَّدَقَة مَا أَوْجَبُوهُ مَعَ كَوْنهمْ رَأَوْا النَّهْي الْمَذْكُور , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عِنْدهمْ لَيْسَ عَلَى عُمُومه ; إِذْ لَوْ كَانَ عَامًّا لَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُوجِبُوا فِيهِ شَيْئًا اِنْتَهَى.
وَتَعَقَّبَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ بِأَنَّ ذِكْر هَذِهِ الْأَشْيَاء , وَإِنْ كَانَتْ بِصُورَةِ الْحَلِف فَلَيْسَتْ يَمِينًا فِي الْحَقِيقَة وَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْ الِاتِّسَاع , وَلَا يَمِين فِي الْحَقِيقَة إِلَّا بِاَللَّهِ.
وَقَالَ الْمُهَلَّب : كَانَتْ الْعَرَب تَحْلِف بِأَبَائِهَا وَآلِهَتِهَا فَأَرَادَ اللَّه نَسْخ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبهمْ لِيُنْسِيَهُمْ ذِكْر كُلّ شَيْء سِوَاهُ وَيَبْقَى ذِكْره ; لِأَنَّهُ الْحَقّ الْمَعْبُود فَلَا يَكُون الْيَمِين إِلَّا بِهِ , وَالْحَلِف بِالْمَخْلُوقَاتِ فِي حُكْم الْحَلِف بِالْآبَاءِ.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : فِي حَدِيث عُمَر - يَعْنِي حَدِيث الْبَاب - إِنَّ الْيَمِين لَا تَنْعَقِد إِلَّا بِاَللَّهِ وَإِنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْكَعْبَةِ أَوْ آدَم أَوْ جِبْرِيل وَنَحْو ذَلِكَ لَمْ تَنْعَقِد يَمِينه وَلَزِمَهُ الِاسْتِغْفَار لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ وَلَا كَفَّارَة فِي ذَلِكَ , وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآن مِنْ الْقَسَم بِشَيْءٍ مِنْ الْمَخْلُوقَات فَقَالَ الشَّعْبِيّ : فَالْخَالِق يُقْسِم بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَالْمَخْلُوق لَا يُقْسِم إِلَّا بِالْخَالِقِ , قَالَ : وَلَأَنْ أُقْسِمَ بِاَللَّهِ فَأَحْنَثَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقْسِمَ بِغَيْرِهِ فَأَبَرَّ.
وَجَاءَ مِثْله عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَابْن عُمَر.
ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ مُطَرِّف عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا أَقْسَمَ اللَّه بِهَذِهِ الْأَشْيَاء لِيُعْجِب بِهَا الْمَخْلُوقِينَ وَيُعَرِّفَهُمْ قُدْرَتَهُ لِعِظَمِ شَأْنهَا عِنْدهمْ وَلِدَلَالَتِهَا عَلَى خَالِقهَا , وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى مَنْ وَجَبَتْ لَهُ يَمِين عَلَى آخَر فِي حَقٍّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحْلِف لَهُ إِلَّا بِاَللَّهِ , فَلَوْ حَلَفَ لَهُ بِغَيْرِهِ وَقَالَ نَوَيْت رَبَّ الْمَحْلُوفِ بِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَمِينًا.
وَقَالَ اِبْن هُبَيْرَة فِي كِتَاب الْإِجْمَاع : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْيَمِين مُنْعَقِدَة بِاَللَّهِ وَبِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَبِجَمِيعِ صِفَات ذَاتِهِ كَعِزَّتِهِ وَجَلَاله وَعِلْمِهِ وَقُوَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ , وَاسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَة عِلْمَ اللَّه فَلَمْ يَرَهُ يَمِينًا , وَكَذَا حَقّ اللَّه , وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْلَفُ بِمُعَظَّمٍ غَيْرِ اللَّهِ كَالنَّبِيِّ , وَانْفَرَدَ أَحْمَد فِي رِوَايَة فَقَالَ تَنْعَقِد , وَقَالَ عِيَاض : لَا خِلَاف بَيْن فُقَهَاء الْأَمْصَار أَنَّ الْحَلِف بِأَسْمَاءِ اللَّه وَصِفَاته لَازِم إِلَّا مَا جَاءَ عَنْ الشَّافِعِيّ مِنْ اِشْتِرَاط نِيَّة الْيَمِين فِي الْحَلِف بِالصِّفَاتِ , وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَة , وَتُعُقِّبَ إِطْلَاقُهُ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيّ , وَإِنَّمَا يَحْتَاج إِلَى النِّيَّة عِنْده مَا يَصِحّ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى غَيْره.
وَأَمَّا مَا لَا يُطْلَق فِي مَعْرِض التَّعْظِيم شَرْعًا إِلَّا عَلَيْهِ تَنْعَقِد الْيَمِين بِهِ وَتَجِب الْكَفَّارَة إِذَا حَنِثَ كَمُقَلِّبِ الْقُلُوب وَخَالِق الْخَلْق وَرَازِق كُلّ حَيّ , وَرَبّ الْعَالَمِينَ وَفَالِق الْحَبّ وَبَارِئ النَّسَمَة , وَهَذَا فِي حُكْم الصَّرِيح كَقَوْلِهِ وَاَللَّه , وَفِي وَجْه لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّة أَنَّ الصَّرِيح اللَّه فَقَطْ , وَيَظْهَر أَثَر الْخِلَاف فِيمَا لَوْ قَالَ قَصَدْت غَيْر اللَّه هَلْ يَنْفَعهُ فِي عَدَم الْحِنْث , وَسَيَأْتِي زِيَادَة تَفْصِيل فِيمَا يَتَعَلَّق بِالصِّفَاتِ فِي بَاب الْحَلِف بِعِزَّةِ اللَّه وَصِفَاته , وَالْمَشْهُور عَنْ الْمَالِكِيَّة التَّعْمِيم , وَعَنْ أَشْهَب التَّفْصِيل فِي مِثْل وَعِزَّة اللَّه إِنْ أَرَادَ الَّتِي جَعَلَهَا بَيْن عِبَادَة فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ , وَقِيَاسه أَنْ يَطَّرِد فِي كُلّ مَا يَصِحّ إِطْلَاقه عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْره , وَقَالَ بِهِ اِبْن سَحْنُونٍ مِنْهُمْ فِي عِزَّة اللَّه.
وَفِي الْعُتْبِيَّة أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ لَا تَنْعَقِد , وَاسْتَنْكَرَهُ بَعْضهمْ ثُمَّ أَوَّلَهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَاد إِذَا أَرَادَ جِسْم الْمُصْحَف , وَالتَّعْمِيم عِنْد الْحَنَابِلَة حَتَّى لَوْ أَرَادَ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَة الْمَعْلُوم وَالْمَقْدُور اِنْعَقَدَتْ , وَاَللَّه أَعْلَم.
( تَنْبِيهٌ ) : وَقَعَ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن عَجْلَان عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث زِيَادَةٌ أَخْرَجَهَا اِبْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقه بِلَفْظِ " سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَحْلِف بِأَبِيهِ فَقَالَ : لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَلْيَصْدُقْ وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاَللَّهِ فَلْيَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ مِنْ اللَّه " وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ سَالِمٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ قَالَ عُمَرُ فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا قَالَ مُجَاهِدٌ { أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } يَأْثُرُ عِلْمًا تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالزُّبَيْدِيُّ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بآبائكم.»
عن زهدم قال: «كان بين هذا الحي من جرم، وبين الأشعريين ود وإخاء، فكنا عند أبي موسى الأشعري فقرب إليه طعام فيه لحم دجاج، وعنده رجل من بني تيم الله، أحم...
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف فقال: في حلفه باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فل...
عن ابن عمر رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب، وكان يلبسه فيجعل فصه في باطن كفه، فصنع الناس ثم إنه جلس على المنبر فنز...
عن ثابت بن الضحاك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال، قال: ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم، ولعن المؤمن كقت...
عن البراء رضي الله عنه قال: «أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بإبرار المقسم.»
عن أسامة : «أن ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إليه، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وسعد وأبي،أن ابني قد احتضر فاشهدنا، فأرس...
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار إلا تحلة القسم.»
عن حارثة بن وهب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا أدلكم على أهل الجنة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره وأهل النار كل جواظ عتل مستكبر.»