حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الأحكام باب كيف يبايع الإمام الناس (حديث رقم: 7207 )


7207- عن المسور بن مخرمة «أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا، قال لهم عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم، فمال الناس على عبد الرحمن، حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان، قال المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: أراك نائما، فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعدا، فدعوتهما له فشاورهما، ثم دعاني فقال: ادع لي عليا، فدعوته فناجاه حتى ابهار الليل، ثم قام علي من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئا، ثم قال: ادع لي عثمان، فدعوته، فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح، فلما صلى للناس الصبح، واجتمع أولئك الرهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: أما بعد يا علي، إني قد نظرت في أمر الناس، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا.
فقال: أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن، وبايعه الناس: المهاجرون، والأنصار، وأمراء الأجناد، والمسلمون.»

أخرجه البخاري


(الرهط) ما دون العشرة من الرجال.
(ولاهم) جعل أمر اختيار الخليفة إليهم وهم عثمان وعلي وطلحة بن عبيد الله والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم.
قال الطبري فلم يكن أحد من أهل الإسلام يومئذ له منزلتهم من الدين والهجرة والسابقة والفضل والعلم بسياسة الأمر [عيني].
(أنافسكم) أنازعكم.
(الأمر) تولي الخلافة.
(فمال الناس على عبد الرحمن) قصدوه كلهم بعضا بعد بعض.
(يطأ عقبه) يمشي خلفه وهو كناية عن الإعراض.
(طرقني) أتاني ليلا.
(هجع) قطعة من الليل من الهجوع وأصله النوم في الليل خاصة.
(ما اكتحلت) كناية عن النوم أي ما دخل النوم جفن عيني كما يدخلها الكحل (فناجاه) تكلم معه على انفراد سرا.
(ابهار الليل) انتصف وبهرة كل شيء وسطه وقيل معظمه.
(على طمع) أي أن يوليه.
(شيئا) من المخالفة.
(صلى للناس) صلى بهم إماما.
(أمراء الأجناد) هم معاوية أمير الشام وعمير بن سعد أمير حمص والمغيرة بن شعبة أمير الكوفة وأبو موسى الأشعري أمير البصرة وعمرو ابن العاص أمير مصر رضي الله عنهم.
(وافوا تلك الحجة) قدموا إلى مكة فحجوا مع عمر رضي الله عنه ورافقوه إلى المدينة.
(يعدلون بعثمان) يجعلون غيره مساويا له ويرضون به.
(فلا تجعلن على نفسك سبيلا) أي شيئا من الملامة إذا لم توافق الجماعة.

شرح حديث ( أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله ( حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَة ) ‏ ‏بِالْجِيمِ مُصَغَّر جَارِيَة هُوَ اِبْن أَسْمَاء الضُّبَعِيُّ وَهُوَ عَمّ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَسْمَاء الرَّاوِي عَنْهُ.
‏ ‏قَوْله ( أَنَّ الرَّهْط الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَر ) ‏ ‏أَيْ عَيَّنَهُمْ فَجَعَلَ الْخِلَافَة شُورَى بَيْنَهُمْ أَيْ وَلَّاهُمْ التَّشَاوُر فِيمَنْ يُعْقَد لَهُ الْخِلَافَة مِنْهُمْ , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي " مَنَاقِب عُثْمَان " فِي الْحَدِيث الطَّوِيل الَّذِي أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيق عَمْرو بْن مَيْمُون الْأَوْدِيّ أَحَد كِبَار التَّابِعِينَ فِي ذِكْر قَتْل عُمَر , وَقَوْلهمْ لِعُمَرَ - لَمَّا طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَة - اِسْتَخْلِفْ فَقَالَ " مَا أَحَد أَحَقّ بِهَذَا الْأَمْر مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّهْط فَسَمَّى : عَلِيًّا وَعُثْمَان وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَسَعْدًا وَعَبْد الرَّحْمَن " وَفِيهِ " فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنه اِجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْط " وَأَوْرَدَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " غَرَائِب مَالِك " مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن عَامِر عَنْ جُوَيْرِيَة مُطَوَّلًا وَأَوَّله عِنْده " لَمَّا طُعِنَ عُمَر قِيلَ لَهُ : اِسْتَخْلِفْ قَالَ , وَقَدْ رَأَيْت مِنْ حِرْصهمْ مَا رَأَيْت - إِلَى أَنْ قَالَ - هَذَا الْأَمْر بَيْنَ سِتَّة رَهْط مِنْ قُرَيْش , فَذَكَرَهُمْ وَبَدَأَ بِعُثْمَانَ ثُمَّ قَالَ : وَعَلِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَالزُّبَيْر وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , وَانْتَظِرُوا أَخَاكُمْ طَلْحَة ثَلَاثًا , فَإِنْ قَدِمَ فِيهِمْ فَهُوَ شَرِيكهمْ فِي الْأَمْر.
وَقَالَ : إِنَّ النَّاس لَنْ يَعْدُوكُمْ أَيّهَا الثَّلَاثَة , فَإِنْ كُنْت يَا عُثْمَان فِي شَيْء مِنْ أَمْر النَّاس فَاتَّقِ اللَّه , وَلَا تَحْمِلَنَّ بَنِي أُمَيَّة وَبَنِي أَبِي مُعَيْط عَلَى رِقَاب النَّاس , وَإِنْ كُنْت يَا عَلِيّ فَاتَّقِ اللَّه وَلَا تَحْمِلَنَّ بَنِي هَاشِم عَلَى رِقَاب النَّاس , وَإِنْ كُنْت يَا عَبْد الرَّحْمَن فَاتَّقِ اللَّه وَلَا تَحْمِلَنَّ أَقَارِبك عَلَى رِقَاب النَّاس , قَالَ : وَيَتَّبِع الْأَقَلّ الْأَكْثَر , وَمَنْ تَأَمَّرَ مِنْ غَيْر أَنْ يُؤَمَّر فَاقْتُلُوهُ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : أَغْرَبَ سَعِيد بْن عَامِر عَنْ جُوَيْرِيَة بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ , وَقَدْ رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَسْمَاء عَنْ عَمّه فَلَمْ يَذْكُرهَا , يُشِير إِلَى رِوَايَة الْبُخَارِيّ , قَالَ وَتَابَعَ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ وَسَعِيد بْن الزُّبَيْر وَحَبِيب ثَلَاثَتهمْ عَنْ مَالِك.
قُلْت : وَسَاقَ الثَّلَاثَة لَكِنَّ رِوَايَة حَبِيب مُخْتَصَرَة وَالْآخَرِينَ مُوَافِقَتَانِ لِرِوَايَةِ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَسْمَاء , وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن سَعْد بِسَنَدٍ صَحِيح مِنْ طَرِيق الزُّهْرِيّ عَنْ سَالِم عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : دَخَلَ الرَّهْط عَلَى عُمَر قَبْلَ أَنْ يَنْزِل بِهِ , فَسَمَّى السِّتَّة.
فَذَكَرَ قِصَّة , إِلَى أَنْ قَالَ " فَإِنَّمَا الْأَمْر إِلَى سِتَّة : إِلَى عَبْد الرَّحْمَن وَعُثْمَان وَعَلِيّ وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَسَعْد " وَكَانَ طَلْحَة غَائِبًا فِي أَمْوَاله بِالسَّرَاةِ , وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَرَاء خَفِيفَة , بِلَاد مَعْرُوفَة بَيْنَ الْحِجَاز وَالشَّام , فَبَدَأَ فِي هَذِهِ بِعَبْدِ الرَّحْمَن قَبْل الْجَمِيع وَبِعُثْمَانَ قَبْلَ عَلِيّ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي السِّيَاق الْأَوَّل لَمْ يَقْصِد التَّرْتِيب.
‏ ‏قَوْله ( فَقَالَ لَهُمْ عَبْد الرَّحْمَن إِلَخْ ) ‏ ‏تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ فِي " مَنَاقِب عُثْمَان " بِأَتَمَّ مِنْ سِيَاقه وَفِيهِ مَا يَدُلّ عَلَى حُضُور طَلْحَة , وَأَنَّ سَعْدًا جَعَلَ أَمْره إِلَى عَبْد الرَّحْمَن , وَالزُّبَيْر إِلَى عَلِيّ , وَطَلْحَة إِلَى عُثْمَان وَفِيهِ قَوْل عَبْد الرَّحْمَن أَيّكُمْ يَبْرَأ مِنْ هَذَا الْأَمْر وَيَكُون لَهُ الِاخْتِيَار فِيمَنْ بَقِيَ , فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَتُرْوَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي عُثْمَان أَوْ عَلِيّ , وَقَوْله " أُنَافِسكُمْ " بِالنُّونِ وَالْفَاء الْمُهْمَلَة أَيْ أُنَازِعكُمْ فِيهِ , إِذْ لَيْسَ لِي فِي الِاسْتِقْلَال فِي الْخِلَافَة رَغْبَة , وَقَوْله " عَنْ هَذَا الْأَمْر " أَيْ مِنْ جِهَته وَلِأَجْلِهِ , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " عَلَى " بَدَل " عَنْ " وَهِيَ أَوْجَه.
‏ ‏قَوْله ( فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْد الرَّحْمَن أَمْرهمْ ) ‏ ‏يَعْنِي أَمْر الِاخْتِيَار مِنْهُمْ.
‏ ‏قَوْله ( فَمَالَ النَّاس ) ‏ ‏فِي رِوَايَة سَعِيد بْن عَامِر فَانْثَالَ النَّاس , وَهِيَ بِنُونٍ وَمُثَلَّثَة أَيْ قَصَدُوهُ كُلّهمْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْء وَأَصْل " النَّثْل " الصَّبّ يُقَال " نَثَلَ كِنَانَته " أَيْ صَبَّ مَا فِيهَا مِنْ السِّهَامِ.
‏ ‏قَوْله ( وَلَا يَطَأ عَقِبَهُ ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْر الْقَاف بَعْدَهَا مُوَحَّدَة أَيْ " يَمْشِي خَلْفَهُ " وَهِيَ كِنَايَة عَنْ الْإِعْرَاض.
‏ ‏قَوْله ( وَمَالَ النَّاس عَلَى عَبْد الرَّحْمَن ) ‏ ‏أَعَادَهَا لِبَيَانِ سَبَب الْمَيْل وَهُوَ قَوْله " يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي " زَادَ الزُّبَيْدِيّ فِي رِوَايَته عَنْ الزُّهْرِيّ " يُشَاوِرُونَهُ وَيُنَاجُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي , لَا يَخْلُو بِهِ رَجُل ذُو رَأْي فَيَعْدِل بِعُثْمَانَ أَحَدًا ".
‏ ‏قَوْله ( بَعْدَ هَجْع ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْهَاء وَسُكُون الْجِيم بَعْدَهَا عَيْن مُهْمَلَة أَيْ " بَعْد طَائِفَة مِنْ اللَّيْل " يُقَال : لَقِيته بَعْد هَجْع مِنْ اللَّيْل كَمَا تَقُول بَعْد هَجْعَة وَالْهَجْع وَالْهَجْعَة وَالْهَجِيع وَالْهُجُوع بِمَعْنًى , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي " التَّارِيخ الصَّغِير " مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ بِلَفْظِ " بَعْدَ هَجِيع " بِوَزْنِ عَظِيمٍ.
‏ ‏قَوْله ( فَوَاَللَّهِ مَا اِكْتَحَلْت هَذِهِ الثَّلَاث ) ‏ ‏كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِيّ " اللَّيْلَة " وَيُؤَيِّد الْأَوَّل قَوْله فِي رِوَايَة سَعِيد بْن عَامِر " وَاَللَّه مَا حَمَلْت فِيهَا غَمْضًا مُنْذُ ثَلَاث " وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ " فِي هَذِهِ اللَّيَالِي " وَقَوْله " بِكَثِيرِ نَوْم " بِالْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا , وَهُوَ مُشْعِر بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْعِب اللَّيْل سَهَرًا بَلْ نَامَ لَكِنْ يَسِيرًا مِنْهُ " وَالِاكْتِحَال " كِنَايَة عَنْ دُخُول النَّوْم جَفْن الْعَيْن كَمَا يَدْخُلهَا الْكُحْل وَوَقَعَ فِي رِوَايَة يُونُس " مَا ذَاقَتْ عَيْنَايَ كَثِير النَّوْم ".
‏ ‏قَوْله ( فَادْعُ الزُّبَيْر وَسَعْدًا , فَدَعَوْتهمَا لَهُ فَشَاوَرَهُمَا ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِيّ " فَسَارَّهُمَا " بِمُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيد الرَّاء , وَلَمْ أَرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة لِطَلْحَةَ ذِكْرًا فَلَعَلَّهُ كَانَ شَاوَرَهُ قَبْلَهُمَا.
‏ ‏قَوْله ( حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْل ) ‏ ‏بِالْمُوَحَّدَةِ سَاكِنَة وَتَشْدِيد الرَّاء وَمَعْنَاهُ " اِنْتَصَفَ " وَبَهْرَة كُلّ شَيْء وَسَطه , وَقِيلَ مُعْظَمه وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ فِي " كِتَاب الصَّلَاة " زَادَ سَعِيد بْن عَامِر فِي رِوَايَتِهِ " فَجَعَلَ يُنَاجِيه تَرْتَفِع أَصْوَاتُهُمَا أَحْيَانًا فَلَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْء مِمَّا يَقُولَانِ وَيُخْفِيَانِ أَحْيَانًا ".
‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ قَامَ عَلِيّ مِنْ عِنْده وَهُوَ عَلَى طَمَع ) ‏ ‏أَيْ أَنْ يُوَلِّيَهُ , وَقَوْله " وَقَدْ كَانَ عَبْد الرَّحْمَن يَخْشَى مِنْ عَلِيّ شَيْئًا " قَالَ اِبْن هُبَيْرَةَ : أَظُنّهُ أَشَارَ إِلَى الدَّعَايَة الَّتِي كَانَتْ فِي عَلِيّ أَوْ نَحْوهَا , وَلَا يَجُوز أَنْ يُحْمَل عَلَى أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن خَافَ مِنْ عَلِيّ عَلَى نَفْسه.
قُلْت : وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّهُ خَافَ إِنْ بَايَعَ لِغَيْرِهِ أَنْ لَا يُطَاوِعهُ , وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ " فَلَا تَجْعَل عَلَى نَفْسك سَبِيلًا " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سَعِيد بْن عَامِر " فَأَصْبَحْنَا وَمَا أَرَاهُ يُبَايَع إِلَّا لِعَلِيٍّ " يَعْنِي مِمَّا ظَهَرَ لَهُ مِنْ قَرَائِن تَقْدِيمه.
‏ ‏قَوْله ( ثُمَّ قَالَ اُدْعُ لِي عُثْمَان ) ‏ ‏ظَاهِر فِي أَنَّهُ تَكَلَّمَ مَعَ عَلِيّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة قَبْلَ عُثْمَان , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سَعِيد بْن عَامِر عَكْس ذَلِكَ , وَأَنَّهُ قَالَ لَهُ أَوَّلًا " اِذْهَبْ فَادْعُ عُثْمَان " وَفِيهِ " فَخَلَا بِهِ " وَفِيهِ " لَا أَفْهَم مِنْ قَوْلهمَا شَيْئًا " فَإِمَّا أَنْ تَكُون إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهْمًا , وَإِمَّا أَنْ يَكُون ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَمَرَّة بَدَأَ بِهَذِهِ وَمَرَّة بَدَأَ بِهَذَا.
‏ ‏قَوْله ( وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاء الْأَجْنَاد وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّة مَعَ عُمَر ) ‏ ‏أَيْ قَدِمُوا إِلَى مَكَّة فَحَجُّوا مَعَ عُمَر وَرَافَقُوهُ إِلَى الْمَدِينَة , وَهُمْ مُعَاوِيَة أَمِير الشَّام , وَعُمَيْر بْن سَعِيد أَمِير حِمْص , وَالْمُغِيرَة بْن شُعْبَة أَمِير الْكُوفَة , وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَمِير الْبَصْرَة , وَعَمْرو بْن الْعَاصِ أَمِير مِصْرَ.
‏ ‏قَوْله ( فَلَمَّا أَجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْد الرَّحْمَن ) ‏ ‏وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ " جَلَسَ عَبْد الرَّحْمَن عَلَى الْمِنْبَر " وَفِي رِوَايَة سَعِيد بْن عَامِر " فَلِمَا صَلَّى صُهَيْب بِالنَّاسِ صَلَاة الصُّبْح , جَاءَ عَبْد الرَّحْمَن يَتَخَطَّى حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَر , فَجَاءَهُ رَسُول سَعْد يَقُول لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ : اِرْفَعْ رَأْسَك وَانْظُرْ لِأُمَّةِ مُحَمَّد وَبَايِعْ لِنَفْسِك ".
‏ ‏قَوْله ( أَمَّا بَعْدُ ) ‏ ‏زَادَ سَعِيد بْن عَامِر " فَأَعْلَنَ عَبْد الرَّحْمَن فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ , يَا عَلِيّ إِنِّي نَظَرْت فِي أَمْر النَّاس فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ " أَيْ لَا يَجْعَلُونَ لَهُ مُسَاوِيًا بَلْ يُرَجِّحُونَهُ.
‏ ‏قَوْله ( فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسك سَبِيلًا ) ‏ ‏أَيْ مِنْ الْمَلَامَة إِذَا لَمْ تُوَافِق الْجَمَاعَة , وَهَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن لَمْ يَتَرَدَّد عِنْدَ الْبَيْعَة فِي عُثْمَانَ , لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَة عَمْرو بْن مَيْمُون التَّصْرِيح بِأَنَّهُ " بَدَأَ بِعَلِيٍّ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ : لَك قَرَابَة مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقِدَم فِي الْإِسْلَام مَا قَدْ عَلِمْت , وَاَللَّه عَلَيْك لَئِنْ أَمَّرْتُك لَتَعْدِلَنَّ , وَلَئِنْ أَمَّرْت عُثْمَان لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ , ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْل ذَلِكَ , فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاق قَالَ : اِرْفَعْ يَدك يَا عُثْمَان فَبَايَعَهُ وَبَايَعَ لَهُ عَلِيّ " وَطَرِيق الْجَمْع بَيْنَهُمَا أَنَّ عَمْرو بْن مَيْمُون حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظهُ الْآخَر وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْآخَر حَفِظَهُ لَكِنْ طَوَى بَعْض الرُّوَاة ذِكْرَهُ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ وَقَعَ فِي اللَّيْل لَمَّا تَكَلَّمَ مَعَهُمَا وَاحِد بَعْدَ وَاحِد , فَأَخَذَ عَلَى كُلّ مِنْهُمَا الْعَهْد وَالْمِيثَاق , فَلَمَّا أَصْبَحَ عَرَضَ عَلَى عَلِيّ فَلَمْ يُوَافِقهُ عَلَى بَعْض الشُّرُوط , وَعَرَضَ عَلَى عُثْمَان فَقَبِلَ , وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة عَاصِم بْن بَهْدَلَة عَنْ أَبِي وَائِل قَالَ : قُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْن عَوْف كَيْف بَايَعْتُمْ عُثْمَان وَتَرَكْتُمْ عَلِيًّا فَقَالَ " مَا ذَنْبِي بَدَأْت بِعَلِيٍّ فَقُلْت لَهُ أُبَايِعك عَلَى كِتَاب اللَّه وَسُنَّة رَسُوله وَسِيرَة أَبِي بَكْر وَعُمَر , فَقَالَ فِيمَا اِسْتَطَعْت وَعَرَضْتهَا عَلَى عُثْمَان فَقَبِلَ " أَخْرَجَهُ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد فِي زِيَادَات الْمُسْنَد عَنْ سُفْيَان بْن وَكِيع عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش عَنْهُ , وَسُفْيَان بْن وَكِيع ضَعِيف.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق زَائِدَة عَنْ عَاصِم عَنْ أَبِي وَائِل قَالَ : قَالَ الْوَلِيد بْن عُقْبَةَ لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْن عَوْف : مَا لَك جَفَوْت أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عُثْمَان فَذَكَرَ قِصَّة وَفِيهَا قَوْل عُثْمَان , وَأَمَّا قَوْله : سِيرَة عُمَر فَإِنِّي لَا أُطِيقهَا وَلَا هُوَ , وَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ بَايَعَهُ عَلَى أَنْ يَسِيرَ سِيرَةَ عُمَر فَعَاتَبَهُ عَلَى تَرْكهَا وَيُمْكِن أَنْ يَأْخُذ مِنْ هَذَا ضَعْف رِوَايَة سُفْيَان بْن وَكِيع إِذْ لَوْ كَانَ اِسْتَخْلَفَ بِشَرْطِ أَنْ يَسِير بِسِيرَةِ عُمَر لَمْ يَكُنْ مَا أَجَابَ بِهِ عُذْرًا فِي التَّرْك , قَالَ اِبْن التِّين وَإِنَّمَا قَالَ لِعَلِيٍّ ذَلِكَ دُونَ مَنْ سِوَاهُ , لِأَنَّ غَيْره لَمْ يَكُنْ يَطْمَع فِي الْخِلَافَة مَعَ وُجُوده وَوُجُود عُثْمَان , وَسُكُوت مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْل الشُّورَى وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَأُمَرَاء الْأَجْنَاد دَلِيل عَلَى تَصْدِيقهمْ عَبْد الرَّحْمَن فِيمَا قَالَ وَعَلَى الرِّضَا بِعُثْمَانَ.
قُلْت : وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق حَارِثَة بْن مُضَرِّب قَالَ " حَجَجْت فِي خِلَافَة عُمَر فَلَمْ أَرَهُمْ يَشُكُّونَ أَنَّ الْخَلِيفَة بَعْدَهُ عُثْمَان " وَأَخْرَجَ يَعْقُوب بْن شَبَّة فِي مُسْنَده مِنْ طَرِيق صَحِيح إِلَى حُذَيْفَة قَالَ : قَالَ لِي عُمَر مَنْ تَرَى قَوْمك يُؤَمِّرُونَ بَعْدِي.
قَالَ.
قُلْت : قَدْ نَظَرَ النَّاس إِلَى عُثْمَان وَشَهَرُوهُ لَهَا.
وَأَخْرَجَ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمه وَخَيْثَمَة فِي " فَضَائِل الصَّحَابَة " بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ حَارِثَة بْن مُضَرِّب , حَجَجْت مَعَ عُمَر فَكَانَ الْحَادِي يَحْدُو أَنَّ الْأَمِير بَعْدَهُ عُثْمَان بْن عَفَّانَ.
‏ ‏قَوْله ( فَقَالَ ) ‏ ‏أَيْ " عَبْد الرَّحْمَن " مُخَاطِبًا لِعُثْمَانَ ‏ ‏( أُبَايِعك عَلَى سُنَّة اللَّه وَسُنَّة رَسُوله وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ فَبَايَعَهُ عَبْد الرَّحْمَن ) ‏ ‏فِي الْكَلَام حَذْف تَقْدِيره فَقَالَ : نَعَمْ , فَبَايَعَهُ عَبْد الرَّحْمَن.
وَأَخْرَجَ الذُّهْلِيُّ فِي " الزُّهْرِيَّات " وَابْن عَسَاكِر فِي " تَرْجَمَة عُثْمَان " مِنْ طَرِيقه ثُمَّ مِنْ رِوَايَة عِمْرَان بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عُمَر الزُّهْرِيّ عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " كُنْت أَعْلَم النَّاس بِأَمْرِ الشُّورَى لِأَنِّي كُنْت رَسُول عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف " فَذَكَرَ الْقِصَّة وَفِي آخِره.
فَقَالَ : هَلْ أَنْتَ يَا عَلِيّ مُبَايِعِي إِنْ وَلَّيْتُك هَذَا الْأَمْر عَلَى سُنَّة اللَّه وَسُنَّة رَسُوله وَسُنَّة الْمَاضِينَ قَبْلُ ؟ قَالَ : لَا , وَلَكِنْ عَلَى طَاقَتِي , فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا.
فَقَالَ عُثْمَان : أَنَا يَا أَبَا مُحَمَّد أُبَايِعُك عَلَى ذَلِكَ , قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَامَ عَبْد الرَّحْمَن وَاعْتَمَّ وَلَبِسَ السَّيْف فَدَخَلَ الْمَسْجِد ثُمَّ رَقَى الْمِنْبَر فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى عُثْمَان فَبَايَعَهُ " فَعَرَفْت أَنَّ خَالِي أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَمْرهمَا فَأَعْطَاهُ أَحَدهمَا وَثِيقَة وَمَنَعَهُ الْآخَر إِيَّاهَا , وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّة الْأَخِيرَة عَلَى جَوَاز تَقْلِيد الْمُجْتَهِد , وَأَنَّ عُثْمَان وَعَبْد الرَّحْمَن كَانَا يَرَيَانِ ذَلِكَ بِخِلَافِ عَلِيّ , وَأَجَابَ مَنْ مَنَعَهُ وَهُمْ الْجُمْهُور بِأَنَّ الْمُرَاد بِالسِّيرَةِ مَا يَتَعَلَّق بِالْعَدْلِ وَنَحْوه لَا التَّقْلِيد فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة.
وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى جَوَاز تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَاد اِحْتَمَلَ أَنْ يُرَاد بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فِيمَا لَمْ يَظْهَر لِلتَّابِعِ فِيهِ الِاجْتِهَاد فَيَعْمَل بِقَوْلِهِمَا لِلضَّرُورَةِ , قَالَ الطَّبَرِيُّ : لَمْ يَكُنْ فِي أَهْل الْإِسْلَام أَحَد لَهُ مِنْ الْمَنْزِلَة فِي الدِّين وَالْهِجْرَة وَالسَّابِقَة وَالْعَقْل وَالْعِلْم وَالْمَعْرِفَة بِالسِّيَاسَةِ مَا لِلسِّتَّةِ الَّذِينَ جَعَلَ عُمَر الْأَمْر شُورَى بَيْنَهُمْ , فَإِنْ قِيلَ كَانَ بَعْض هَؤُلَاءِ السِّتَّة أَفْضَل مِنْ بَعْض وَكَانَ رَأَى عُمَر أَنَّ الْأَحَقّ بِالْخِلَافَةِ أَرْضَاهُمْ دِينًا , وَأَنَّهُ لَا تَصِحّ وِلَايَة الْمَفْضُول مَعَ وُجُود الْفَاضِل , فَالْجَوَاب أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْأَفْضَلِ مِنْهُمْ لَكَانَ قَدْ نَصَّ عَلَى اِسْتِخْلَافه , وَهُوَ قَصَدَ أَنْ لَا يَتَقَلَّد الْعُهْدَة فِي ذَلِكَ ; فَجَعَلَهَا فِي سِتَّة مُتَقَارِبِينَ فِي الْفَضْل , لِأَنَّهُ يَتَحَقَّق أَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى تَوْلِيَة الْمَفْضُول , وَلَا يَأْلُونَ الْمُسْلِمِينَ نُصْحًا فِي النَّظَر وَالشُّورَى , وَأَنَّ الْمَفْضُول مِنْهُمْ لَا يَتَقَدَّم عَلَى الْفَاضِل , وَلَا يَتَكَلَّم فِي مَنْزِلَة وَغَيْره أَحَقّ بِهَا مِنْهُ , وَعَلِمَ رِضَا الْأُمَّة بِمَنْ رَضِيَ بِهِ السِّتَّة.
وَيُؤْخَذ مِنْهُ بُطْلَان قَوْل الرَّافِضَة وَغَيْرهمْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَة فِي أَشْخَاص بِأَعْيَانِهِمْ , إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا أَطَاعُوا عُمَر فِي جَعْلهَا شُورَى , وَلَقَالَ قَائِل مِنْهُمْ مَا وَجْه التَّشَاوُر فِي أَمْر كُفِينَاهُ بِبَيَانِ اللَّه لَنَا عَلَى لِسَان رَسُولِهِ , فَفِي رِضَا الْجَمِيع بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْعَهْد فِي الْإِمَامَة أَوْصَاف مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ اِسْتَحَقَّهَا , وَإِدْرَاكهَا يَقَع بِالِاجْتِهَادِ , وَفِيهِ أَنَّ الْجَمَاعَة الْمَوْثُوق بِدِيَانَتِهِمْ إِذَا عَقَدُوا عَقْد الْخِلَافَة لِشَخْصٍ بَعْد التَّشَاوُر وَالِاجْتِهَاد لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَحِلّ ذَلِكَ الْعَقْد , إِذْ لَوْ كَانَ الْعَقْد لَا يَصِحّ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ الْجَمِيع , لَقَالَ قَائِل لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ هَؤُلَاءِ السِّتَّة , فَلَمَّا لَمْ يَعْتَرِض مِنْهُمْ مُعْتَرِض بَلْ رَضُوا وَبَايَعُوا , دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَاهُ , اِنْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ كِتَاب اِبْن بَطَّال , وَيَتَحَصَّل مِنْهُ جَوَاب مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَلْزَم مِنْهُ أَنَّ عُمَر كَانَ يَرَى جَوَاز وِلَايَة الْمَفْضُول مَعَ وُجُود الْفَاضِل , وَاَلَّذِي يَظْهَر مِنْ سِيرَة عُمَر فِي أُمَرَائِهِ الَّذِينَ كَانَ يُؤَمِّرهُمْ فِي الْبِلَاد , أَنَّهُ كَانَ لَا يُرَاعِي الْأَفْضَل فِي الدِّين فَقَطْ بَلْ يُضَمّ إِلَيْهِ مَزِيد الْمَعْرِفَة بِالسِّيَاسَةِ مَعَ اِجْتِنَاب مَا يُخَالِف الشَّرْع مِنْهَا , فَلِأَجْلِ هَذَا اِسْتَخْلَفَ مُعَاوِيَة وَالْمُغِيرَة بْن شُعْبَة وَعَمْرو بْن الْعَاصِ مَعَ وُجُود مَنْ هُوَ أَفْضَل مِنْ كُلّ مِنْهُمْ فِي أَمْر الدِّين وَالْعِلْم , كَأَبِي الدَّرْدَاء فِي الشَّام وَابْن مَسْعُود فِي الْكُوفَة , وَفِيهِ أَنَّ الشُّرَكَاء فِي الشَّيْء إِذَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ التَّنَازُع فِي أَمْر مِنْ الْأُمُور يُسْنِدُونَ أَمْرهمْ إِلَى وَاحِد لِيَخْتَارَ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ يُخْرِج نَفْسه مِنْ ذَلِكَ الْأَمْر , وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أُسْنِدَ إِلَيْهِ ذَلِكَ يَبْذُل وُسْعه فِي الِاخْتِيَار , وَيَهْجُر أَهْله وَلَيْله اِهْتِمَامًا بِمَا هُوَ فِيهِ حَتَّى يُكْمِلهُ , وَقَالَ اِبْن الْمُنِير : فِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّ الْوَكِيل الْمُفَوَّض لَهُ أَنْ يُوَكِّل وَإِنْ لَمْ يُنَصّ لَهُ عَلَى ذَلِكَ , لِأَنَّ الْخَمْسَة أَسْنَدُوا الْأَمْر لِعَبْدِ الرَّحْمَن وَأَفْرَدُوهُ بِهِ فَاسْتَقَلَّ مَعَ أَنَّ عُمَر لَمْ يَنُصّ لَهُمْ عَلَى الِانْفِرَاد , قَالَ : وَفِيهِ تَقْوِيَة لِقَوْلِ الشَّافِعِيّ فِي الْمَسْأَلَة الْفُلَانِيَّة قَوْلَانِ , أَيْ اِنْحَصَرَ الْحَقّ عِنْدِي فِيهِمَا , وَأَنَا فِي مُهْلَة النَّظَر فِي التَّعْيِين , وَفِيهِ أَنَّ إِحْدَاث قَوْل زَائِد عَلَى مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ لَا يَجُوز , وَهُوَ كَإِحْدَاثِ سَابِع فِي أَهْل الشُّورَى , قَالَ وَفِي تَأْخِير عَبْد الرَّحْمَن مُؤَامَرَة عُثْمَان عَنْ مُؤَامَرَة عَلِيّ سِيَاسَة حَسَنَة , مُنْتَزَعَة مِنْ تَأْخِير يُوسُف تَفْتِيش رَحْل أَخِيهِ فِي قِصَّة الصَّاع , إِبْعَادًا لِلتُّهْمَةِ وَتَغْطِيَة لِلْحَدْسِ , لِأَنَّهُ رَأَى أَنْ لَا يَنْكَشِف اِخْتِيَاره لِعُثْمَانَ قَبْلَ وُقُوع الْبَيْعَة.


حديث أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا قال لهم عبد الرحمن لست بالذي أنافسكم على

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏جُوَيْرِيَةُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِكٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الزُّهْرِيِّ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏أَخْبَرَهُ أَنَّ ‏ ‏الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ ‏ ‏أَخْبَرَهُ ‏ ‏أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ ‏ ‏عُمَرُ ‏ ‏اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا فَقَالَ لَهُمْ ‏ ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏ ‏لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى ‏ ‏عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏فَلَمَّا وَلَّوْا ‏ ‏عَبْدَ الرَّحْمَنِ ‏ ‏أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عَلَى ‏ ‏عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلَا يَطَأُ عَقِبَهُ وَمَالَ النَّاسُ عَلَى ‏ ‏عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي حَتَّى إِذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا ‏ ‏عُثْمَانَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏الْمِسْوَرُ ‏ ‏طَرَقَنِي ‏ ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏ ‏بَعْدَ ‏ ‏هَجْعٍ ‏ ‏مِنْ اللَّيْلِ فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَالَ أَرَاكَ نَائِمًا فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ انْطَلِقْ فَادْعُ ‏ ‏الزُّبَيْرَ ‏ ‏وَسَعْدًا ‏ ‏فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ فَشَاوَرَهُمَا ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ ادْعُ لِي ‏ ‏عَلِيًّا ‏ ‏فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ قَامَ ‏ ‏عَلِيٌّ ‏ ‏مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ وَقَدْ كَانَ ‏ ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏ ‏يَخْشَى مِنْ ‏ ‏عَلِيٍّ ‏ ‏شَيْئًا ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي ‏ ‏عُثْمَانَ ‏ ‏فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنْ ‏ ‏الْمُهَاجِرِينَ ‏ ‏وَالْأَنْصَارِ ‏ ‏وَأَرْسَلَ إِلَى ‏ ‏أُمَرَاءِ ‏ ‏الْأَجْنَادِ وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ ‏ ‏عُمَرَ ‏ ‏فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ ‏ ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏ ‏ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ يَا ‏ ‏عَلِيُّ ‏ ‏إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ ‏ ‏بِعُثْمَانَ ‏ ‏فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ فَبَايَعَهُ ‏ ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏ ‏وَبَايَعَهُ النَّاسُ ‏ ‏الْمُهَاجِرُونَ ‏ ‏وَالْأَنْصَارُ ‏ ‏وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

يا سلمة ألا تبايع قلت يا رسول الله قد بايعت في الأ...

عن سلمة قال: «بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، فقال لي: يا سلمة ألا تبايع.<br> قلت: يا رسول الله، قد بايعت في الأول، قال: وفي الثاني.»

المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها

عن ‌جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصابه وعك، فقال: أقلني بيعتي، فأبى، ثم جاءه فقال: أقل...

يا رسول الله بايعه فقال هو صغير فمسح رأسه ودعا له

عن أبي عقيل زهرة بن معبد، «عن جده عبد الله بن هشام، وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وذهبت به أمه زينب ابنة حميد إلى رسول الله صلى الله عليه وس...

أتى الأعرابي إلى رسول الله ﷺ فقال أقلني بيعتي فأب...

عن ‌جابر بن عبد الله : «أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عل...

ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم ع...

عن ‌أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن...

تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا و...

عن عبادة بن الصامت يقول: «قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس: تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أ...

كان النبي ﷺ يبايع النساء بالكلام بهذه الآية لا يش...

عن ‌عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية {لا يشركن بالله شيئا} قالت: وما مست يد رسول الله صلى الله...

بايعنا النبي ﷺ فقرأ علينا أن لا يشركن بالله شيئا و...

عن ‌أم عطية قالت: «بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ علي {أن لا يشركن بالله شيئا} ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة منا يدها، فقالت: فلانة أسعدتني، و...

بايعني على الإسلام فبايعه على الإسلام ثم جاء الغد...

عن جابر قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بايعني على الإسلام فبايعه على الإسلام، ثم جاء الغد محموما، فقال: أقلني، فأبى، فلما ولى، قا...