7222-
و 7223- عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون اثنا عشر أميرا.
فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش.»
أخرجه مسلم في الإمارة.
باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش رقم 1821
(يكون اثنا عشر أميرا) أي تجتمع عليهم الأمة ويكون الدين وأهله في زمانهم عزيزا منيعا
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْلُهُ ( حَدَّثَنَا ) فِي رِوَايَة كَرِيمَة " حَدَّثَنِي " بِالْإِفْرَادِ.
قَوْله ( عَنْ عَبْد الْمَلِك ) فِي رِوَايَة سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ " عِنْد مُسْلِم عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْرٍ ".
قَوْله ( يَكُون اِثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا ) فِي رِوَايَة سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ الْمَذْكُورَة " لَا يَزَال أَمْر النَّاس مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمْ اِثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ".
قَوْله ( فَقَالَ كَلِمَة لَمْ أَسْمَعهَا ) فِي رِوَايَة سُفْيَان , ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَلَيَّ.
قَوْله ( فَقَالَ أَبِي إِنَّهُ قَالَ كُلّهمْ مِنْ قُرَيْش ) فِي رِوَايَة سُفْيَان " فَسَأَلْت أَبِي مَاذَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : كُلّهمْ مِنْ قُرَيْش " وَوَقَعَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة سَبَب خَفَاء الْكَلِمَة الْمَذْكُورَة عَلَى جَابِر وَلَفْظه " لَا يَزَال هَذَا الدِّين عَزِيزًا إِلَى اِثَّنَى عَشَرَ خَلِيفَة قَالَ : فَكَبَّرَ النَّاس وَضَجُّوا , فَقَالَ : كَلِمَة خَفِيَّة فَقُلْت لِأَبِي : يَا أَبَتِ مَا قَالَ " فَذَكَرَهُ , وَأَصْلُهُ عِنْد مُسْلِم دُونَ قَوْله " فَكَبَّرَ النَّاس وَضَجُّوا " وَوَقَعَ عِنْد الطَّبَرَانِيّ مِنْ وَجْه آخَرَ فِي آخِره : فَالْتَفَتَ فَإِذَا أَنَا بِعُمَرَ بْن الْخَطَّاب وَأَبَى فِي أُنَاسٍ فَأَثْبَتُوا إِلَيَّ الْحَدِيث , وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق حُصَيْنٍ بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة قَالَ " دَخَلْت مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ " إِنَّ هَذَا الْأَمْر لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِي فِيهِمْ اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَة " وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق سِمَاك بْن حَرْب عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة بِلَفْظِ " لَا يَزَال الْإِسْلَام عَزِيزًا إِلَى اِثَّنَى عَشَرَ خَلِيفَة " وَمِثْله عِنْده مِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة وَزَادَ فِي رِوَايَة عَنْهُ " مَنِيعًا " وَعُرِفَ بِهَذِهِ الرِّوَايَة مَعْنَى قَوْله فِي رِوَايَة سُفْيَان " مَاضِيًا " أَيْ مَاضِيًا أَمْرُ الْخَلِيفَة فِيهِ , وَمَعْنَى قَوْله " عَزِيزًا " قَوِيًّا وَمَنِيعًا بِمَعْنَاهُ , وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي جُحَيْفَةَ عِنْد الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيِّ نَحْو حَدِيث جَابِر بْن سَمُرَة بِلَفْظِ " لَا يَزَال أَمْرُ أُمَّتِي صَالِحًا " وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق الْأَسْوَد بْن سَعِيد عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة نَحْوه قَالَ : وَزَادَ " فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِله أَتَتْهُ قُرَيْش فَقَالُوا , ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا ؟ قَالَ : الْهَرْج " وَأَخْرَجَ الْبَزَّار هَذِهِ الزِّيَادَة مِنْ وَجْه آخَرَ فَقَالَ فِيهَا " ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِله فَأَتَيْته فَقُلْت : ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا ؟ قَالَ الْهَرْج " قَالَ اِبْنِ بَطَّال عَنْ الْمُهَلَّب : لَمْ أَلْقَ أَحَدًا يَقْطَع فِي هَذَا الْحَدِيث - يَعْنِي بِشَيْءٍ مُعَيَّن - فَقَوْم قَالُوا يَكُونُونَ بِتَوَالِي إِمَارَتهمْ , وَقَوْم قَالُوا يَكُونُونَ فِي زَمَن وَاحِد , كُلّهمْ يَدَّعِي الْإِمَارَة.
قَالَ وَاَلَّذِي يَغْلِب عَلَى الظَّنّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخْبَرَ بِأَعَاجِيبَ تَكُونُ بَعْدَهُ مِنْ الْفِتَنِ , حَتَّى يَفْتَرِق النَّاس فِي وَقْت وَاحِد عَلَى اِثَّنَى عَشَرَ أَمِيرًا , قَالَ : وَلَوْ أَرَادَ غَيْر هَذَا لَقَالَ يَكُونُ اِثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا يَفْعَلُونَ كَذَا , فَلَمَّا أَعْرَاهُمْ مِنْ الْخَبَر عَرَفْنَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي زَمَن وَاحِد اِنْتَهَى , وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَقِف عَلَى شَيْء مِنْ طُرُق الْحَدِيث غَيْر الرِّوَايَة الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْبُخَارِيّ هَكَذَا مُخْتَصَرَة , وَقَدْ عَرَفْت مِنْ الرِّوَايَات الَّتِي ذَكَرْتهَا مِنْ عِنْد مُسْلِم وَغَيْره , أَنَّهُ ذَكَرَ الصِّفَة الَّتِي تَخْتَصّ بِوِلَايَتِهِمْ وَهُوَ كَوْن الْإِسْلَام عَزِيزًا مَنِيعًا , وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى صِفَة أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ كُلّهمْ يَجْتَمِع عَلَيْهِ النَّاس , كَمَا وَقَعَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة بِلَفْظِ " لَا يَزَال هَذَا الدِّين قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمْ اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَة كُلّهمْ تَجْتَمِع عَلَيْهِ الْأُمَّة " وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْه آخَرَ عَنْ الْأَسْوَد بْن سَعِيد عَنْ جَابِر بْن سَمُرَة بِلَفْظِ " لَا تَضُرّهُمْ عَدَاوَة مَنْ عَادَاهُمْ " وَقَدْ لَخَصَّ الْقَاضِي عِيَاض ذَلِكَ فَقَالَ : تَوَجَّهَ عَلَى هَذَا الْعَدَد سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُعَارِض ظَاهِرِ قَوْله فِي حَدِيث سَفِينَة يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَاب السُّنَن وَصَحَّحَهُ اِبْنِ حِبَّان وَغَيْره " الْخِلَافَة بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَة , ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا " لِأَنَّ الثَّلَاثِينَ سَنَة لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَأَيَّام الْحَسَنِ بْن عَلِيّ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ وَلِيَ الْخِلَافَة أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَدَد , قَالَ : وَالْجَوَاب عَنْ الْأَوَّل أَنَّهُ أَرَادَ فِي حَدِيث سَفِينَة " خِلَافَة النُّبُوَّة " وَلَمْ يُقَيِّدهُ فِي حَدِيث جَابِر بْن سَمُرَة بِذَلِكَ.
وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ " لَا يَلِي إِلَّا اِثْنَا عَشَرَ " وَإِنَّمَا قَالَ : يَكُونُ " اِثْنَا عَشَرَ " وَقَدْ وَلِيَ هَذَا الْعَدَد وَلَا يَمْنَع ذَلِكَ الزِّيَادَة عَلَيْهِمْ , قَالَ : وَهَذَا إِنْ جُعِلَ اللَّفْظ وَاقِعًا عَلَى كُلّ مَنْ وَلِيَ , وَإِلَّا فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونُ الْمُرَاد مَنْ يَسْتَحِقّ الْخِلَافَة مِنْ أَئِمَّة الْعَدْل , وَقَدْ مَضَى مِنْهُمْ الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَام الْعِدَّة قَبْل قِيَام السَّاعَة , وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي زَمَن وَاحِد يَفْتَرِق النَّاس عَلَيْهِمْ , وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمِائَة الْخَامِسَة فِي الْأَنْدَلُس وَحْدَهَا سِتَّة أَنْفُس كُلّهمْ يَتَسَمَّى بِالْخِلَافَةِ , وَمَعَهُمْ صَاحِبِ مِصْرَ وَالْعَبَّاسِيَّة بِبَغْدَادَ إِلَى مَنْ كَانَ يَدَّعِي الْخِلَافَة فِي أَقْطَار الْأَرْض مِنْ الْعَلَوِيَّة وَالْخَوَارِج , قَالَ وَيُعَضِّد هَذَا التَّأْوِيل قَوْله فِي حَدِيث آخَرَ فِي مُسْلِم " سَتَكُونُ خُلَفَاء فَيَكْثُرُونَ " قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونُ الْمُرَاد أَنْ يَكُونَ " الِاثْنَا عَشَرَ " فِي مُدَّة عِزَّة الْخِلَافَة وَقُوَّة الْإِسْلَام وَاسْتِقَامَة أُمُوره وَالِاجْتِمَاع عَلَى مَنْ يَقُوم بِالْخِلَافَةِ , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي بَعْض الطُّرُق " كُلّهمْ تَجْتَمِع عَلَيْهِ الْأُمَّة " وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِيمَنْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاس إِلَى أَنْ اِضْطَرَبَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّة وَوَقَعَتْ بَيْنهمْ الْفِتْنَة زَمَن الْوَلِيد بْن يَزِيد , فَاتَّصَلَتْ بَيْنهمْ إِلَى أَنْ قَامَتْ الدَّوْلَة الْعَبَّاسِيَّة فَاسْتَأْصَلُوا أَمْرهمْ , وَهَذَا الْعَدَد مَوْجُود صَحِيح إِذَا اُعْتُبِرَ , قَالَ : وَقَدْ يَحْتَمِل وُجُوهًا أُخَر , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَبِيّه اِنْتَهَى.
وَالِاحْتِمَال الَّذِي قَبْل هَذَا وَهُوَ اِجْتِمَاع اِثَّنَى عَشَرَ فِي عَصْر وَاحِد كُلّهمْ يَطْلُب الْخِلَافَة هُوَ الَّذِي اِخْتَارَهُ الْمُهَلَّب كَمَا تَقَدَّمَ , وَقَدْ ذَكَرْت وَجْه الرَّدّ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَرِد إِلَّا قَوْله " كُلّهمْ يَجْتَمِع عَلَيْهِ النَّاس " فَإِنَّ فِي وَجُودهمْ فِي عَصْر وَاحِد يُوجَد عَيْن الِافْتِرَاق , فَلَا يَصِحّ أَنْ يَكُونُ الْمُرَاد , وَيُؤَيِّد مَا وَقَعَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالْبَزَّار مِنْ حَدِيث اِبْنِ مَسْعُود بِسَنَدٍ حَسَن " أَنَّهُ سُئِلَ كَمْ يَمْلِك هَذِهِ الْأُمَّة مِنْ خَلِيفَة ؟ " فَقَالَ : سَأَلْنَا عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " اِثْنَا عَشَرَ كَعِدَّةِ نُقَبَاء بَنِي إِسْرَائِيل " وَقَالَ اِبْنِ الْجَوْزِيّ : فِي " كَشْف الْمُشْكِل " قَدْ أَطَلْت الْبَحْث عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث وَتَطَلَّبْت مَظَانّه وَسَأَلْت عَنْهُ فَلَمْ أَقَعْ عَلَى الْمَقْصُود بِهِ لِأَنَّ أَلْفَاظه مُخْتَلِفَة وَلَا أَشُكُّ أَنَّ التَّخْلِيط فِيهَا مِنْ الرُّوَاة , ثُمَّ وَقَعَ لِي فِيهِ شَيْء وَجَدْت الْخَطَّابِيّ بَعْد ذَلِكَ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ , ثُمَّ وَجَدْت كَلَامًا لِأَبِي الْحُسَيْن بْن الْمُنَادِي وَكَلَامًا لِغَيْرِهِ , فَأَمَّا الْوَجْه الْأَوَّل فَإِنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا يَكُونُ بَعْده وَبَعْد أَصْحَابه وَأَنَّ حُكْم أَصْحَابه مُرْتَبِط بِحُكْمِهِ.
فَأَخْبَرَ عَنْ الْوِلَايَات الْوَاقِعَة بَعْدهمْ , فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى عَدَد الْخُلَفَاء مِنْ بَنِي أُمَيَّة , وَكَأَنَّ قَوْله " لَا يَزَال الدِّين - أَيْ الْوِلَايَة - إِلَى أَنْ يَلِيَ اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَة " ثُمَّ يَنْتَقِل إِلَى صِفَة أُخْرَى أَشَدَّ مِنْ الْأُولَى , وَأَوَّلِ بَنِي أُمَيَّة يَزِيد بْنِ مُعَاوِيَة وَآخِرهمْ مَرْوَان الْحِمَار وَعِدَّتهمْ ثَلَاثَة عَشَرَ , وَلَا يُعَدّ عُثْمَان وَمُعَاوِيَة وَلَا اِبْنِ الزُّبَيْر , لِكَوْنِهِمْ صَحَابَة فَإِذَا أَسْقَطْنَا مِنْهُمْ مَرْوَان بْن الْحَكَم لِلِاخْتِلَافِ فِي صُحْبَته , أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَغَلِّبًا بَعْدَ أَنْ اِجْتَمَعَ النَّاس عَلَى عَبْد اللَّه بْنِ الزُّبَيْر صَحَّتْ الْعِدَّة , وَعِنْد خُرُوج الْخِلَافَة مِنْ بَنِي أُمَيَّة وَقَعَتْ الْفِتَنُ الْعَظِيمَة وَالْمَلَاحِم الْكَثِيرَة حَتَّى اِسْتَقَرَّتْ دَوْلَة بَنِي الْعَبَّاس فَتَغَيَّرَتْ الْأَحْوَال عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ تَغَيُّرًا بَيِّنًا , قَالَ : وَيُؤَيِّد هَذَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث اِبْنِ مَسْعُود رَفَعَهُ " تَدُور رَحَى الْإِسْلَام لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْع وَثَلَاثِينَ , فَإِنْ هَلَكُوا فَسَبِيل مَنْ هَلَكَ , وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينهمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا " زَادَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْخَطَابِيّ فَقَالُوا : سِوَى مَا مَضَى ؟ قَالَ : نَعَمْ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ " رَحَى الْإِسْلَام " كِنَايَة عَنْ الْحَرْب شَبَههَا بِالرَّحَى الَّتِي تَطْحَنُ الْحَبّ لِمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ تَلَف الْأَرْوَاح , وَالْمُرَاد بِالدِّينِ فِي قَوْله " يَقُمْ لَهُمْ دِينهمْ " الْمُلْك , قَالَ فَيُشْبِه أَنْ يَكُونُ إِشَارَة إِلَى مُدَّة بَنِي أُمَيَّة فِي الْمُلْك وَانْتِقَاله عَنْهُمْ إِلَى بَنِي الْعَبَّاس , فَكَانَ مَا بَيْن اِسْتِقْرَار الْمُلْك لِبَنِي أُمَيَّة وَظُهُور الْوَهَن فِيهِ , نَحْو مِنْ سَبْعِينَ سَنَة.
قُلْت : لَكِنْ يُعَكِّر عَلَيْهِ أَنَّ مِنْ اِسْتِقْرَار الْمُلْك لِبَنِي أُمَيَّة عِنْد اِجْتِمَاع النَّاس عَلَى مُعَاوِيَة سَنَة إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ إِلَى أَنْ زَالَتْ دَوْلَة بَنِي أُمَيَّة فَقُتِلَ مَرْوَان بْن مُحَمَّد فِي أَوَائِل سَنَة اِثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة أَزْيَدَ مِنْ تِسْعِينَ سَنَة , ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْخَطِيب أَبِي بَكْر الْبَغْدَادِيّ قَوْله " تَدُور رَحَى الْإِسْلَام " مَثَل يُرِيد أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّة إِذَا اِنْتَهَتْ حَدَثَ فِي الْإِسْلَام أَمْرٌ عَظِيم يُخَاف بِسَبَبِهِ عَلَى أَهْله الْهَلَاك يُقَال لِلْأَمْرِ إِذَا تَغَيَّرَ وَاسْتَحَالَ : دَارَتْ رَحَاهُ , قَالَ : وَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى اِنْتِقَاض مُدَّة الْخِلَافَة , وَقَوْله " يَقُمْ لَهُمْ دِينهمْ " أَيْ مُلْكُهُمْ وَكَانَ مِنْ وَقْت اِجْتِمَاع النَّاس عَلَى مُعَاوِيَة إِلَى اِنْتِقَاض مُلْك بَنِي أُمَيَّة نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ , قَالَ اِبْنِ الْجَوْزِيّ : وَيُؤَيِّد هَذَا التَّأْوِيل مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ رَفَعَهُ " إِذَا مَلَكَ اِثْنَا عَشَرَ مِنْ بَنِي كَعْب بْن لُؤَيّ كَانَ النُّقُف وَالنِّقَاف إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " اِنْتَهَى , وَ " النَّقْف " ظَهَرَ لِي أَنَّهُ بِفَتْحِ النُّون وَسُكُون الْقَاف وَهُوَ كَسْر الْهَامَة عَنْ الدِّمَاغ , وَالنِّقَاف بِوَزْنِ فِعَال مِثْله وَكُنِّيَ بِذَلِكَ عَنْ الْقَتْل وَالْقِتَال , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي بَعْض طُرُق جَابِر بْن سَمُرَة " ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْج " وَأَمَّا صَاحِبِ النِّهَايَة فَضَبَطَهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة بَدَلَ النُّون وَفَسَّرَهُ بِالْجَدِّ الشَّدِيد فِي الْخِصَام , وَلَمْ أَرَ فِي اللُّغَة تَفْسِيره بِذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ " الْفِطْنَة وَالْحَذْق " وَنَحْو ذَلِكَ وَفِي قَوْله " مِنْ بَنِي كَعْب بْن لُؤَيّ " إِشَارَة إِلَى كَوْنهمْ مِنْ قُرَيْش , لِأَنَّ لُؤَيًّا هُوَ اِبْنِ غَالِبِ بْن فِهْر وَفِيهِمْ جِمَاع قُرَيْش , وَقَدْ يُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ غَيْرهمْ يَكُونُ مِنْ غَيْر قُرَيْش , فَتَكُونُ فِيهِ إِشَارَة إِلَى الْقَحْطَانِيّ الْمُقَدَّم ذِكْره فِي " كِتَاب الْفِتَنِ " قَالَ : وَأَمَّا الْوَجْه الثَّانِي فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن بْن الْمُنَادِي : فِي الْجُزْء الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْمَهْدِيّ يَحْتَمِل فِي مَعْنَى حَدِيث " يَكُونُ اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَة " أَنْ يَكُونَ هَذَا بَعْد الْمَهْدِيّ الَّذِي يَخْرُج فِي آخِر الزَّمَان فَقَدْ وَجَدْت فِي " كِتَاب دَانْيَال " إِذَا مَاتَ الْمَهْدِيّ مَلَكَ بَعْدَهُ خَمْسَة رِجَال مِنْ وَلَدِ السَّبْط الْأَكْبَر , ثُمَّ خَمْسَة مِنْ وَلَدِ السَّبْط الْأَصْغَر ; ثُمَّ يُوصِي آخِرهمْ بِالْخِلَافَةِ لِرَجُلٍ مِنْ وَلَدِ السَّبْط الْأَكْبَر , ثُمَّ يَمْلِك بَعْده وَلَدُهُ فَيَتِمّ بِذَلِكَ اِثْنَا عَشَرَ مَلِكًا ; كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ إِمَام مَهْدِيّ , قَالَ اِبْنِ الْمُنَادِي وَفِي رِوَايَة أَبِي صَالِحٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاس " الْمَهْدِيّ اِسْمُهُ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه وَهُوَ رَجُل رَبْعَة مُشْرَب بِحُمْرَةٍ يُفَرِّج اللَّه بِهِ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّة كُل كَرْب , وَيَصْرِف بِعَدْلِهِ كُلّ جَوْر , ثُمَّ يَلِي الْأَمْر بَعْده اِثْنَا عَشَرَ رَجُلًا , سِتَّة مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ , وَخَمْسَة مِنْ وَلَدِ الْحُسَيْن , وَآخَر مِنْ غَيْرهمْ ; ثُمَّ يَمُوت فَيَفْسُد الزَّمَان " وَعَنْ كَعْب الْأَحْبَار " يَكُونُ اِثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا , ثُمَّ يَنْزِل رُوحُ اللَّه , فَيَقْتُل الدَّجَّال " قَالَ : وَالْوَجْه الثَّالِث أَنَّ الْمُرَاد وُجُود اِثْنَى عَشَرَ خَلِيفَة فِي جَمِيع مُدَّة الْإِسْلَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يَعْمَلُونَ بِالْحَقِّ وَإِنْ لَمْ تَتَوَالَ أَيَّامهمْ , وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسَدَّد فِي مُسْنَده الْكَبِير مِنْ طَرِيق أَبِي بَحْر , أَنَّ أَبَا الْجَلْد حَدَّثَهُ " أَنَّهُ لَا تَهْلِك هَذِهِ الْأُمَّة حَتَّى يَكُونَ مِنْهَا اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَة كُلّهمْ يَعْمَل بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ , مِنْهُمْ رَجُلَانِ مِنْ أَهْل بَيْت مُحَمَّد , يَعِيش أَحَدُهُمَا أَرْبَعِينَ سَنَة , وَالْآخَر ثَلَاثِينَ سَنَة " وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ " ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْج " أَيْ الْفِتَنُ الْمُؤْذِنَة بِقِيَامِ السَّاعَة , مِنْ خُرُوج الدَّجَّال ثُمَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج , إِلَى أَنْ تَنْقَضِي الدُّنْيَا.
اِنْتَهَى كَلَامُ اِبْنِ الْجَوْزِيّ مُلَخَّصًا بِزِيَادَاتٍ يَسِيرَة.
وَالْوَجْهَانِ الْأَوَّل وَالْآخَر قَدْ اِشْتَمَلَ عَلَيْهِمَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاض , فَكَأَنَّهُ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّ فِي كَلَامِهِ زِيَادَة لَمْ يَشْتَمِل عَلَيْهَا كَلَامُهُ , وَيَنْتَظِم مِنْ مَجْمُوع مَا ذَكَرَاهُ أَوْجُهٌ , أَرْجَحُهَا الثَّالِث مِنْ أَوْجُهِ الْقَاضِي لِتَأْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث الصَّحِيحَة " كُلّهمْ يَجْتَمِع عَلَيْهِ النَّاس " وَإِيضَاح ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَاد بِالِاجْتِمَاعِ اِنْقِيَادهمْ لِبَيْعَتِهِ , وَاَلَّذِي وَقَعَ أَنَّ النَّاس اِجْتَمَعُوا عَلَى أَبِي بَكْر ثُمَّ عُمَر ثُمَّ عُثْمَان ثُمَّ عَلِيّ إِلَى أَنْ وَقَعَ أَمْرُ الْحَكَمَيْنِ فِي صِفِّين , فَسُمِّيَ مُعَاوِيَة يَوْمَئِذٍ بِالْخِلَافَةِ , ثُمَّ اِجْتَمَعَ النَّاس عَلَى مُعَاوِيَة عِنْدَ صُلْح الْحَسَنِ , ثُمَّ اِجْتَمَعُوا عَلَى وَلَدِهِ يَزِيد وَلَمْ يَنْتَظِم لِلْحُسَيْنِ أَمْرٌ بَلْ قُتِلَ قَبْل ذَلِكَ , ثُمَّ لَمَّا مَاتَ يَزِيد وَقَعَ الِاخْتِلَاف إِلَى أَنْ اِجْتَمَعُوا عَلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان بَعْد قَتْل اِبْنِ الزُّبَيْر , ثُمَّ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَوْلَاده الْأَرْبَعَة : الْوَلِيد ثُمَّ سُلَيْمَان ثُمَّ يَزِيد ثُمَّ هِشَام , وَتَخَلَّلَ بَيْن سُلَيْمَان وَيَزِيد عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , فَهَؤُلَاءِ سَبْعَة بَعْد الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ , وَالثَّانِي عَشَرَ هُوَ الْوَلِيد بْن يَزِيد بْن عَبْد الْمَلِك اِجْتَمَعَ النَّاس عَلَيْهِ لَمَّا مَاتَ عَمُّهُ هِشَام , فَوَلِيَ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِينَ ثُمَّ قَامُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ , وَانْتَشَرَتْ الْفِتَنُ وَتَغَيَّرَتْ الْأَحْوَال مِنْ يَوْمِئِذٍ وَلَمْ يَتَّفِق أَنْ يَجْتَمِع النَّاس عَلَى خَلِيفَة بَعْد ذَلِكَ , لِأَنَّ يَزِيد بْن الْوَلِيد الَّذِي قَامَ عَلَى اِبْنِ عَمِّهِ الْوَلِيد بْن يَزِيد لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ بَلْ ثَارَ عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَمُوت اِبْنُ عَمِّ أَبِيهِ مَرْوَان بْن مُحَمَّد بْن مَرْوَان " وَلَمَّا مَاتَ يَزِيد وَلِيَ أَخُوهُ إِبْرَاهِيم فَغَلَبَهُ مَرْوَان , ثُمَّ ثَارَ عَلَى مَرْوَان بَنُو الْعَبَّاس إِلَى أَنْ قُتِلَ , ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ خُلَفَاء بَنِي الْعَبَّاس أَبُو الْعَبَّاس السَّفَّاح , وَلَمْ تَطُلْ مُدَّته مَعَ كَثْرَة مَنْ ثَارَ عَلَيْهِ , ثُمَّ وَلِيَ أَخُوهُ الْمَنْصُور فَطَالَتْ مُدَّته , لَكِنْ خَرَجَ عَنْهُمْ الْمَغْرِب الْأَقْصَى بِاسْتِيلَاءِ الْمَرْوَانِيِّينَ عَلَى الْأَنْدَلُس , وَاسْتَمَرَّتْ فِي أَيْدِيهمْ مُتَغَلِّبِينَ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تَسَمَّوْا بِالْخِلَافَةِ بَعْد ذَلِكَ , وَانْفَرَطَ الْأَمْر فِي جَمِيع أَقْطَار الْأَرْض إِلَى أَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْخِلَافَة إِلَّا الِاسْم فِي بَعْض الْبِلَاد , بَعْد أَنْ كَانُوا فِي أَيَّام بَنِي عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان يُخْطَب لِلْخَلِيفَةِ فِي جَمِيع أَقْطَار الْأَرْض شَرْقًا وَغَرْبًا وَشِمَالًا وَيَمِينًا مِمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ , وَلَا يَتَوَلَّى أَحَدٌ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبِلَاد كُلّهَا الْإِمَارَة عَلَى شَيْء مِنْهَا إِلَّا بِأَمْرِ الْخَلِيفَة , وَمَنْ نَظَرَ فِي أَخْبَارهمْ عَرَفَ صِحَّة ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْج " يَعْنِي الْقَتْل النَّاشِئ عَنْ الْفِتَنِ وُقُوعًا فَاشِيًّا يَفْشُو وَيَسْتَمِرّ وَيَزْدَاد عَلَى مَدَى الْأَيَّام , وَكَذَا كَانَ وَاَللَّه الْمُسْتَعَان.
وَالْوَجْه الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْنِ الْمُنَادِي لَيْسَ بِوَاضِحٍ , وَيُعَكِّر عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق قَيْس بْن جَابِر الصَّدَفِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ " سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي خُلَفَاء , ثُمَّ مِنْ بَعْد الْخُلَفَاء أُمَرَاء وَمِنْ بَعْد الْأُمَرَاء مُلُوك , وَمِنْ بَعْد الْمُلُوك جَبَابِرَة , ثُمَّ يَخْرُج رَجُل مِنْ أَهْل بَيْتِي يَمْلَأ الْأَرْض عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا ثُمَّ يُؤَمَّر الْقَحْطَانِيّ فَوَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا هُوَ دُونه " فَهَذَا يَرِد عَلَى مَا نَقَلَهُ اِبْنِ الْمُنَادِي مِنْ " كِتَاب دَانْيَال " وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فَوَاهٍ جِدًّا , وَكَذَا عَنْ كَعْب وَأَمَّا مُحَاوَلَة اِبْنِ الْجَوْزِيّ الْجَمْع بَيْن حَدِيث " تَدُور رَحَى الْإِسْلَام " وَحَدِيث الْبَاب ظَاهِرُ التَّكَلُّف , وَالتَّفْسِير الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ الْخَطَّابِيُّ , ثُمَّ الْخَطِيب بَعِيد , وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " تَدُور رَحَى الْإِسْلَام " أَنْ تَدُوم عَلَى الِاسْتِقَامَة , وَأَنَّ اِبْتِدَاء ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْبَعْثَة النَّبَوِيَّة فَيَكُونُ اِنْتِهَاء الْمُدَّة بِقَتْلِ عُمَر فِي ذِي الْحِجَّة سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْهِجْرَة , فَإِذَا اِنْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ اِثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَة وَسِتَّة أَشْهُر مِنْ الْمَبْعَث فِي رَمَضَانَ كَانَتْ الْمُدَّة خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَة وَسِتَّة أَشْهُر , فَيَكُونُ ذَلِكَ جَمِيع الْمُدَّة النَّبَوِيَّة وَمُدَّة الْخَلِيفَتَيْنِ بَعْده خَاصَّة , وَيُؤَيِّد حَدِيث حُذَيْفَة الْمَاضِي قَرِيبًا الَّذِي يُشِير إِلَى أَنَّ بَابِ الْأَمْنِ مِنْ الْفِتْنَة يُكْسَر بِقَتْلِ عُمَر , فَيُفْتَح بَابِ الْفِتَنِ وَكَانَ الْأَمْر عَلَى مَا ذُكِرَ , وَأَمَّا قَوْله فِي بَقِيَّة الْحَدِيث " فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيل مَنْ هَلَكَ , وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَهُمْ دِينهمْ يَقُمْ سَبْعِينَ سَنَة " فَيَكُونُ الْمُرَاد بِذَلِكَ اِنْقِضَاء أَعْمَارهمْ , وَتَكُونُ الْمُدَّة سَبْعِينَ سَنَة إِذَا حَصَلَ اِبْتِدَاؤُهَا مِنْ أَوَّلِ سَنَة ثَلَاثِينَ عِنْد اِنْقِضَاء سِتّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَة عُثْمَان , فَإِنَّ اِبْتِدَاء الطَّعْن فِيهِ إِلَى أَنْ آلَ الْأَمْر إِلَى قَتْله كَانَ بَعْدَ سِتّ سِنِينَ مَضَتْ مِنْ خِلَافَته , وَعِنْد اِنْقِضَاء السَّبْعِينَ لَمْ يَبْقَ مِنْ الصَّحَابَة أَحَدٌ , فَهَذَا الَّذِي يَظْهَر لِي فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث , وَلَا تَعَرُّض فِيهِ لِمَا يَتَعَلَّق بِاثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَة , وَعَلَى تَقْدِير ذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَل قَوْله " يَكُونُ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَة " عَلَى حَقِيقَة الْبَعْدِيَّة , فَإِنَّ جَمِيع مَنْ وَلِيَ الْخِلَافَة مِنْ الصِّدِّيق إِلَى عُمَرَ بْن عَبْد الْعَزِيز أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَفْسًا , مِنْهُمْ اِثْنَانِ لَمْ تَصِحّ وِلَايَتهمَا وَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُمَا وَهُمَا : مُعَاوِيَة بْن يَزِيد وَمَرْوَان بْن الْحَكَم , وَالْبَاقُونَ اِثْنَا عَشَرَ نَفْسًا عَلَى الْوَلَاء كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَتْ وَفَاة عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز سَنَة إِحْدَى وَمِائَة , وَتَغَيَّرَتْ الْأَحْوَال بَعْدَهُ , وَانْقَضَى الْقَرْن الْأَوَّل الَّذِي هُوَ خَيْر الْقُرُون , وَلَا يَقْدَح فِي ذَلِكَ قَوْله " يَجْتَمِع عَلَيْهِمْ النَّاس " لِأَنَّهُ يُحْمَل عَلَى الْأَكْثَر الْأَغْلَب , لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَة لَمْ تُفْقَد مِنْهُمْ إِلَّا فِي الْحَسَنِ بْن عَلِيّ وَعَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر مَعَ صِحَّة وِلَايَتهمَا , وَالْحُكْم بِأَنَّ مَنْ خَالَفَهُمَا لَمْ يَثْبُت اِسْتِحْقَاقه إِلَّا بَعْدَ تَسْلِيم الْحَسَنِ وَبَعْد قَتْل اِبْنِ الزُّبَيْر وَاَللَّه أَعْلَمُ.
وَكَانَتْ الْأُمُور فِي غَالِبِ أَزْمِنَة هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ مُنْتَظِمَة وَإِنْ وُجِدَ فِي بَعْض مُدَّتهمْ خِلَاف ذَلِكَ , فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاسْتِقَامَة نَادِر وَاَللَّه أَعْلَمُ , وَقَدْ تَكَلَّمَ اِبْنِ حِبَّان عَلَى مَعْنَى حَدِيث " تَدُور رَحَى الْإِسْلَام " فَقَالَ : الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَدُور رَحَى الْإِسْلَام لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتّ وَثَلَاثِينَ.
اِنْتِقَال أَمْر الْخِلَافَة إِلَى بَنِي أُمَيَّة , وَذَلِكَ أَنَّ قِيَام مُعَاوِيَة عَنْ عَلِيّ بِصِفِّينَ حَتَّى وَقَعَ التَّحْكِيم هُوَ مَبْدَأ مُشَارَكَة بَنِي أُمَيَّة ; ثُمَّ اِسْتَمَرَّ الْأَمْر فِي بَنِي أُمَيَّة مِنْ يَوْمِئِذٍ سَبْعِينَ سَنَةً , فَكَانَ أَوَّل مَا ظَهَرَتْ دُعَاة بَنِي الْعَبَّاس بِخُرَاسَانَ سَنَة سِتّ وَمِائَة وَسَاقَ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ طَوِيلَة عَلَيْهِ فِيهَا مُؤَاخَذَات كَثِيرَة أَوَّلهَا : دَعْوَاهُ أَنَّ قِصَّة الْحَكَمَيْنِ كَانَتْ فِي أَوَاخِر سَنَة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ خِلَاف مَا اِتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَاب الْأَخْبَار , فَإِنَّهَا كَانَتْ بَعْد وَقْعَة صِفِّينَ بِعِدَّة أَشْهُر وَكَانَتْ سَنَة سَبْع وَثَلَاثِينَ وَاَلَّذِي قَدَّمْته أَوْلَى بِأَنْ يُحْمَل الْحَدِيث عَلَيْهِ , وَاَللَّه أَعْلَم.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فَقَالَ أَبِي إِنَّهُ قَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب يحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا ف...
عن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك قال: «لما تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فذكر...
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده، لولا أن رجالا يكرهون أن يتخلفوا بعدي، ولا أجد ما أحملهم، ما تخلفت، لوددت أ...
عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، وددت أني لأقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ث...
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كان عندي أحد ذهبا، لأحببت أن لا يأتي ثلاث وعندي منه دينار ليس شيء أرصده في دين علي أجد من يقبله.»
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولحللت مع الناس حين حلوا.»
عن جابر بن عبد الله قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبينا بالحج، وقدمنا مكة لأربع خلون من ذي الحجة، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نطو...
عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قالت عائشة : «أرق النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقال: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة.<br> إذ سمعنا صوت...
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل والنهار، يقول: لو أوتيت مثل م...