حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

اختصمت الجنة والنار إلى ربهما - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب التوحيد باب ما جاء في قول الله تعالى إن رحمة الله قريب من المحسنين (حديث رقم: 7449 )


7449- عن ‌أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اختصمت الجنة والنار إلى ربهما، فقالت الجنة: يا رب ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم، وقالت النار: يعني أوثرت بالمتكبرين، فقال الله تعالى للجنة: أنت رحمتي، وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها، قال: فأما الجنة: فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا، وإنه ينشئ للنار من يشاء، فيلقون فيها، فتقول هل من مزيد، ثلاثا، حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ، ويرد بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط قط.»

أخرجه البخاري

شرح حديث ( اختصمت الجنة والنار إلى ربهما)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " اِخْتَصَمَتْ الْجَنَّة وَالنَّار " ‏ ‏وَ " يَعْقُوب " ‏ ‏فِي سَنَده هُوَ اِبْن إِبْرَاهِيم بْن سَعْد الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيث الْخَامِس مِنْ الْبَاب قَبْله , " وَالْأَعْرَج " هُوَ عَبْد الرَّحْمَن بْن هُرْمُز , وَلَيْسَ لِصَالِحِ بْن كَيْسَانَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيث.
‏ ‏قَوْله ( اِخْتَصَمَتْ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة هَمَّام عَنْ أَبِي هُرَيْرَة الْمُتَقَدِّمَة فِي سُورَة ق " تَحَاجَّتْ " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج " اِحْتَجَّتْ " وَكَذَا لَهُ مِنْ طَرِيق اِبْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَكَذَا فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْده قَالَ الطِّيبِيُّ : تَحَاجَّتْ أَصْله تَحَاجَجْت وَهُوَ مُفَاعَلَة مِنْ الْحِجَاج وَهُوَ الْخِصَام وَزْنه وَمَعْنَاهُ , يُقَال : حَاجَجْته مُحَاجَجَة وَمُحَاجَّة وَحِجَاجًا أَيْ غَالَبْته بِالْحُجَّةِ وَمِنْهُ " فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى " لَكِنَّ حَدِيث الْبَاب لَمْ يَظْهَر فِيهِ غَلَبَة وَاحِد مِنْهُمَا.
قُلْت : إِنَّمَا وِزَان " فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى " لَوْ جَاءَ تَحَاجَّتْ الْجَنَّة وَالنَّار فَحَاجَّتْ الْجَنَّة النَّار , وَإِلَّا فَلَا يَلْزَم مِنْ وُقُوع الْخِصَام الْغَلَبَة , قَالَ اِبْن بَطَّال عَنْ الْمُهَلَّب : يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا الْخِصَام حَقِيقَة بِأَنْ يَخْلُق اللَّه فِيهِمَا حَيَاة وَفَهْمًا وَكَلَامًا وَاَللَّه قَادِر عَلَى كُلّ شَيْء , وَيَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا مَجَازًا كَقَوْلِهِمْ " اِمْتَلَأَ الْحَوْض وَقَالَ قُطْنِيّ " وَالْحَوْض لَا يَتَكَلَّم وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِبَارَة عَنْ اِمْتِلَائِهِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَنْطِق لَقَالَ ذَلِكَ , وَكَذَا فِي قَوْل النَّار ( هَلْ مِنْ مَزِيد ) قَالَ وَحَاصِل اِخْتِصَاصهمَا اِفْتِخَار أَحَدهمَا عَلَى الْأُخْرَى بِمَنْ يَسْكُنهَا فَتَظُنّ النَّار أَنَّهَا بِمَنْ أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ عُظَمَاء الدُّنْيَا أَبَرّ عِنْد اللَّه مِنْ الْجَنَّة , وَتَظُنّ الْجَنَّة أَنَّهَا بِمَنْ أَسْكَنَهَا مِنْ أَوْلِيَاء اللَّه تَعَالَى أَبَرّ عِنْد اللَّه , فَأُجِيبَتَا بِأَنَّهُ لَا فَضْل لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى مِنْ طَرِيق مَنْ يَسْكُنهُمَا , وَفِي كِلَاهُمَا شَائِبَة شِكَايَة إِلَى رَبّهمَا إِذْ لَمْ تَذْكُر كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا إِلَّا مَا اِخْتَصَّتْ بِهِ , وَقَدْ رَدَّ اللَّه الْأَمْر فِي ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَته , وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَام النَّوَوِيّ فِي هَذَا فِي تَفْسِير ق , وَقَالَ صَاحِب الْمُفْهِم : يَجُوز أَنْ يَخْلُق اللَّه ذَلِكَ الْقَوْل فِيمَا شَاءَ مِنْ أَجْزَاء الْجَنَّة وَالنَّار ; لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَط عَقْلًا فِي الْأَصْوَات أَنْ يَكُون مَحَلّهَا حَيًّا عَلَى الرَّاجِح وَلَوْ سَلَّمْنَا الشَّرْط لَجَازَ أَنْ يَخْلُق اللَّه فِي بَعْض أَجْزَائِهِمَا الْجَمَادِيَّة حَيَاة لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى : ( وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة لَهِيَ الْحَيَوَان ) إِنَّ كُلّ مَا فِي الْجَنَّة حَيّ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ بِلِسَانِ الْحَال وَالْأَوَّل أَوْلَى.
‏ ‏قَوْله ( فَقَالَتْ الْجَنَّة يَا رَبّ مَا لَهَا ) ‏ ‏فِيهِ اِلْتِفَات ; لِأَنَّ نَسَق الْكَلَام أَنْ تَقُول مَا لِي , وَقَدْ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَة هَمَّام مَا لِي , وَكَذَا لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزِّنَاد.
‏ ‏قَوْله ( إِلَّا ضُعَفَاء النَّاس وَسَقَطهُمْ ) ‏ ‏زَادَ مُسْلِم " وَعَجَزهمْ " وَفِي رِوَايَة لَهُ " وَغَرَثهمْ " وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان الْمُرَاد بِالضُّعَفَاءِ فِي تَفْسِير ق , وَسَقَطهمْ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْع سَاقِط وَهُوَ النَّازِل الْقَدْر الَّذِي لَا يُؤْبَه لَهُ , وَسَقَط الْمَتَاع رَدِيئُهُ وَعَجَزهمْ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْضًا جَمْع عَاجِز ضَبَطَهُ عِيَاض , وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيّ بِأَنَّهُ يَلْزَم أَنْ يَكُون بِتَاءِ التَّأْنِيث كَكَاتِبٍ وَكَتَبَة وَسُقُوط التَّاء فِي هَذَا الْجَمْع نَادِر , قَالَ : وَالصَّوَاب بِضَمِّ أَوَّله وَتَشْدِيد الْجِيم مِثْل : شَاهِد وَشُهَّد , وَأَمَّا " غَرَثهمْ " فَهُوَ بِمُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَة جَمْع غَرْثَان أَيْ جَيْعَان , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الطَّبَرِيِّ بِكَسْرِ أَوَّله وَتَشْدِيد الرَّاء ثُمَّ مُثَنَّاة أَيْ غَفَلَتهُمْ , وَالْمُرَاد بِهِ أَهْل الْإِيمَان الَّذِينَ لَمْ يَتَفَطَّنُوا لِلشُّبَهِ , وَلَمْ تُوَسْوِس لَهُمْ الشَّيَاطِين بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ أَهْل عَقَائِد صَحِيحَة وَإِيمَان ثَابِت وَهُمْ الْجُمْهُور , وَأَمَّا أَهْل الْعِلْم وَالْمَعْرِفَة فَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ قَلِيل.
‏ ‏قَوْله ( وَقَالَتْ النَّار فَقَالَ لِلْجَنَّةِ ) ‏ ‏كَذَا وَقَعَ هُنَا مُخْتَصَرًا قَالَ اِبْن بَطَّال : سَقَطَ قَوْل النَّار هُنَا مِنْ جَمِيع النُّسَخ وَهُوَ مَحْفُوظ فِي الْحَدِيث , رَوَاهُ اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك بِلَفْظِ أُوثِرْت بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ.
قُلْت : هُوَ فِي غَرَائِب مَالِك لِلدَّارَقُطْنِيّ وَكَذَا هُوَ عِنْد مُسْلِم مِنْ رِوَايَة وَرْقَاء عَنْ أَبِي الزِّنَاد وَلَهُ مِنْ رِوَايَة سُفْيَان عَنْ أَبِي الزِّنَاد " يَدْخُلنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ " وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " مَا لِي لَا يَدْخُلنِي إِلَّا " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ , وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " فَقَالَتْ النَّار فِيَّ " أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَسَاقَ مُسْلِم سَنَده.
‏ ‏قَوْله ( فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي ) ‏ ‏زَادَ أَبُو الزِّنَاد فِي رِوَايَته " أَرْحَم بِك مَنْ أَشَاء مِنْ عِبَادِي " وَكَذَا لِهَمَّامٍ.
‏ ‏قَوْله ( وَقَالَ لِلنَّارِ أَنْتِ عَذَابِي أُصِيب بِك مَنْ أَشَاء ) ‏ ‏زَادَ أَبُو الزِّنَاد " مِنْ عِبَادِي ".
‏ ‏قَوْله ( مِلْؤُهَا ) ‏ ‏بِكَسْرِ أَوَّله وَسُكُون اللَّام بَعْدهَا هَمْزَةٌ.
‏ ‏قَوْله ( فَأَمَّا الْجَنَّة فَإِنَّ اللَّه لَا يَظْلِم مِنْ خَلْقه أَحَدًا وَأَنَّهُ يُنْشِئ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاء ) ‏ ‏قَالَ أَبُو الْحَسَن الْقَابِسِيّ : الْمَعْرُوف فِي هَذَا الْمَوْضِع أَنَّ اللَّه يُنْشِئ لِلْجَنَّةِ خَلْقًا وَأَمَّا النَّار فَيَضَع فِيهَا قَدَمه قَالَ : وَلَا أَعْلَم فِي شَيْء مِنْ الْأَحَادِيث أَنَّهُ يُنْشِئ لِلنَّارِ خَلْقًا إِلَّا هَذَا اِنْتَهَى.
وَقَدْ مَضَى فِي تَفْسِير سُورَة ق مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " يُقَال لِجَهَنَّم هَلْ اِمْتَلَأْت وَتَقُول هَلْ مِنْ مَزِيد فَيَضَع الرَّبّ عَلَيْهَا قَدَمه فَتَقُول قَطْ قَطْ " وَمِنْ طَرِيق هَمَّام بِلَفْظِ " فَأَمَّا النَّار فَلَا تَمْتَلِئ حَتَّى يَضَع رِجْله فَتَقُول قَطْ قَطْ فَهُنَاكَ تَمْتَلِئ وَيَزْوِي بَعْضهَا إِلَى بَعْض وَلَا يَظْلِم اللَّهُ مِنْ خَلْقه أَحَدًا " وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ بَيَان اِخْتِلَافهمْ فِي الْمُرَاد بِالْقَدَمِ مُسْتَوْفًى , وَأَجَابَ عِيَاض بِأَنَّ أَحَد مَا قِيلَ فِي تَأْوِيل الْقَدَم أَنَّهُمْ قَوْم تَقَدَّمَ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُ يَخْلُقهُمْ قَالَ : فَهَذَا مُطَابِق لِلْإِنْشَاءِ , وَذِكْر الْقَدَم بَعْد الْإِنْشَاء يُرَجِّح أَنْ يَكُونَا مُتَغَايِرَيْنِ , وَعَنْ الْمُهَلَّب قَالَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَة حُجَّة لِأَهْلِ السُّنَّة فِي قَوْلهمْ إِنَّ لِلَّهِ أَنْ يُعَذِّب مَنْ لَمْ يُكَلِّفهُ لِعِبَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ كُلّ شَيْء مِلْكه فَلَوْ عَذَّبَهُمْ لَكَانَ غَيْر ظَالِم اِنْتَهَى.
وَأَهْل السُّنَّة إِنَّمَا تَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ) وَ ( يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) وَغَيْر ذَلِكَ , وَهُوَ عِنْدهمْ مِنْ جِهَة الْجَوَاز , وَأَمَّا الْوُقُوع فَفِيهِ نَظَر , وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث حُجَّة لِلِاخْتِلَافِ فِي لَفْظه وَلِقَبُولِهِ التَّأْوِيل , وَقَدْ قَالَ جَمَاعَة مِنْ الْأَئِمَّة : إِنَّ هَذَا الْمَوْضِع مَقْلُوب , وَجَزَمَ اِبْن الْقَيِّم بِأَنَّهُ غَلَط وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ بِأَنَّ جَهَنَّم تَمْتَلِئ مِنْ إِبْلِيس وَأَتْبَاعه وَكَذَا أَنْكَرَ الرِّوَايَة شَيْخنَا الْبُلْقِينِيُّ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ ( وَلَا يَظْلِم رَبُّك أَحَدًا ) ثُمَّ قَالَ وَحَمْله عَلَى أَحْجَار تُلْقَى فِي النَّار أَقْرَب مِنْ حَمْله عَلَى ذِي رُوح يُعَذَّب بِغَيْرِ ذَنْب اِنْتَهَى , وَيُمْكِن اِلْتِزَام أَنْ يَكُونُوا مِنْ ذَوِي الْأَرْوَاح وَلَكِنْ لَا يُعَذَّبُونَ كَمَا فِي الْخَزَنَة , وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَاد بِالْإِنْشَاءِ اِبْتِدَاء إِدْخَال الْكُفَّار النَّار , وَعَبَّرَ عَنْ اِبْتِدَاء الْإِدْخَال بِالْإِنْشَاءِ فَهُوَ إِنْشَاء الْإِدْخَال لَا الْإِنْشَاء بِمَعْنَى اِبْتِدَاء الْخَلْق بِدَلِيلِ قَوْله " فَيُلْقَوْنَ فِيهَا وَتَقُول هَلْ مِنْ مَزِيد " وَأَعَادَهَا ثَلَاث مَرَّات ثُمَّ قَالَ " حَتَّى يَضَع فِيهَا قَدَمه فَحِينَئِذٍ تَمْتَلِئ " فَاَلَّذِي يَمْلَؤُهَا حَتَّى تَقُول حَسْبِي هُوَ الْقَدَم كَمَا هُوَ صَرِيح الْخَبَر وَتَأْوِيل الْقَدَم قَدْ تَقَدَّمَ وَاَللَّه أَعْلَم , وَقَدْ أَيَّدَ اِبْن أَبِي جَمْرَة حَمْله عَلَى غَيْر ظَاهِره بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبّهمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) إِذْ لَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِره لَكَانَ أَهْل النَّار فِي نَعِيم الْمُشَاهَدَة كَمَا يَتَنَعَّم أَهْل الْجَنَّة بِرُؤْيَةِ رَبّهمْ ; لِأَنَّ مُشَاهَدَة الْحَقّ لَا يَكُون مَعَهَا عَذَاب , وَقَالَ عِيَاض يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَى قَوْله عِنْد ذِكْر الْجَنَّة فَإِنَّ اللَّه لَا يَظْلِم مِنْ خَلْقه أَحَدًا أَنَّهُ يُعَذِّب مَنْ يَشَاء غَيْر ظَالِم لَهُ كَمَا قَالَ أُعَذِّب بِك مَنْ أَشَاء , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون رَاجِعًا إِلَى تَخَاصُم أَهْل الْجَنَّة وَالنَّار , فَإِنَّ الَّذِي جَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَدْل وَحِكْمَة وَبِاسْتِحْقَاقِ كُلّ مِنْهُمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَظْلِم أَحَدًا , وَقَالَ غَيْره : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ عَلَى سَبِيل التَّلْمِيح بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْر مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) فَعَبَّرَ عَنْ تَرْك تَضْيِيع الْأَجْر بِتَرْكِ الظُّلْم , وَالْمُرَاد أَنَّهُ يُدْخِل مَنْ أَحْسَنَ الْجَنَّة الَّتِي وَعَدَ الْمُتَّقِينَ بِرَحْمَتِهِ , وَقَدْ قَالَ لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي وَقَالَ ( إِنَّ رَحْمَة اللَّه قَرِيب مِنْ الْمُحْسِنِينَ ) وَبِهَذَا تَظْهَر مُنَاسَبَة الْحَدِيث لِلتَّرْجَمَةِ وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى , وَفِي الْحَدِيث دَلَالَة عَلَى اِتِّسَاع الْجَنَّة وَالنَّار بِحَيْثُ تَسَع كُلّ مَنْ كَانَ وَمَنْ يَكُون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَتَحْتَاج إِلَى زِيَادَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِر الرِّقَاق أَنَّ آخِر مَنْ يَدْخُل الْجَنَّة يُعْطَى مِثْل الدُّنْيَا وَعَشَرَة أَمْثَالهَا , وَقَالَ الدَّاوُدِيّ : يُؤْخَذ مِنْ الْحَدِيث أَنَّ الْأَشْيَاء تُوصَف بِغَالِبِهَا ; لِأَنَّ الْجَنَّة قَدْ يَدْخُلُهَا غَيْر الضُّعَفَاء وَالنَّار قَدْ يَدْخُلُهَا غَيْر الْمُتَكَبِّرِينَ , وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ حَمَلَ قَوْل النَّار ( هَلْ مِنْ مَزِيد ) عَلَى أَنَّهُ اِسْتِفْهَام إِنْكَار وَأَنَّهَا لَا تَحْتَاج إِلَى زِيَادَة.


حديث اختصمت الجنة والنار إلى ربهما فقالت الجنة يا رب ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏يَعْقُوبُ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبِي ‏ ‏عَنْ ‏ ‏صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْأَعْرَجِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏اخْتَصَمَتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَى رَبّهِمَا فَقَالَتْ الْجَنَّةُ يَا رَبِّ مَا لَهَا لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَقَالَتْ النَّارُ ‏ ‏يَعْنِي ‏ ‏أُوثِرْتُ ‏ ‏بِالْمُتَكَبِّرِينَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي وَقَالَ لِلنَّارِ أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا قَالَ فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ فَيُلْقَوْنَ فِيهَا فَ ‏ { ‏تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ‏} ‏ثَلَاثًا حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَمْتَلِئُ وَيُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ قَطْ قَطْ قَطْ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

ليصيبن أقواما سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة ثم...

عن ‌أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليصيبن أقواما سفع من النار، بذنوب أصابوها عقوبة، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، يقال لهم: ال...

إن الله يضع السماء على إصبع والأرض على إصبع والجبا...

عن ‌عبد الله قال: «جاء حبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إن الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأ...

لما كان ثلث الليل الآخر أو بعضه قعد النبي ﷺ فنظر إ...

عن ‌ابن عباس قال: «بت في بيت ميمونة ليلة، والنبي صلى الله عليه وسلم عندها، لأنظر كيف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فتحدث رسول الله صلى ال...

لما قضى الله الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت...

عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما قضى الله الخلق، كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي.»

خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون عل...

عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما وأربعين ليلة، ثم يكون...

يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا

عن ‌ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا جبريل، ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أي...

مر النبي ﷺ بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن...

عن ‌عبد الله قال: «كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة، وهو متكئ على عسيب، فمر بقوم من اليهود،فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وق...

تكفل الله لمن جاهد في سبيله بأن يدخله الجنة

عن ‌أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تكفل الله لمن جاهد في سبيله، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته، بأن يدخله الجنة، أو ير...

من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله

عن ‌أبي موسى قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كل...