حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب التوحيد باب قول الله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة (حديث رقم: 7563 )


7563- عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.»

أخرجه البخاري


ختم البخاري كتابه بحديث الحمد والتسبيح كما بدأ أوله بحديث النية عملا بهما أي تحريرا لقصده أول العمل حتى يكون خالصا لوجه الله تعالى وحمدا وشكرا وتقديسا له عز وجل في آخر العمل على ما وفقه إليه.
هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقني الصدق والإخلاص في العمل وأن يمن علي بحسن القبول وأن ينفع بما وفقني إليه من خدمة لهذا الكتاب العظيم وأن يجعل هذا في صحيفتي وصحيفة والدي وشيوخي ومن علمني من المؤمنين وأن يجزي من شارك وساهم في إنجاز هذا العمل بما يستحق من أجر ومثوبة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين

شرح حديث (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله ( حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِشْكَاب ) ‏ ‏بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَآخِره مُوَحَّدَة غَيْر مُنْصَرِف ; لِأَنَّهُ أَعْجَمِيّ وَقِيلَ بَلْ عَرَبِيّ فَيَنْصَرِف وَهُوَ لَقَب , وَاسْمه مَجْمَع وَقِيلَ مَعْمَر وَقِيلَ عُبَيْد اللَّه وَكُنْيَة أَحْمَد أَبُو عَبْد اللَّه وَهُوَ الصَّفَّار الْحَضْرَمِيّ نَزِيل مِصْر , قَالَ الْبُخَارِيّ : آخِر مَا لَقِيته بِمِصْر سَنَة سَبْع عَشْرَة وَأَرَّخَ اِبْن حِبَّان وَفَاته فِيهَا , وَقَالَ اِبْن يُونُس : مَاتَ سَنَة سَبْع عَشْرَة أَوْ ثَمَان عَشْرَة.
قُلْت : وَلَيْسَ بَيْنه وَبَيْن عَلِيّ بْن إِشْكَاب وَلَا مُحَمَّد بْن إِشْكَاب قَرَابَة.
‏ ‏قَوْله ( حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن فُضَيْلٍ ) ‏ ‏أَيْ اِبْن غَزْوَانَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الزَّاي وَلَمْ أَرَ هَذَا الْحَدِيث إِلَّا مِنْ طَرِيقه بِهَذَا الْإِسْنَاد , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَات وَفِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَابْن حِبَّان كُلّهمْ مِنْ طَرِيقه قَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح غَرِيب.
قُلْت : وَجْه الْغَرَابَة فِيهِ مَا ذَكَرْته مِنْ تَفَرُّد مُحَمَّد بْنِ فُضَيْلٍ وَشَيْخه وَشَيْخ شَيْخه وَصَاحِبَيْهِ.
‏ ‏قَوْله ( عَنْ عُمَارَة ) ‏ ‏فِي رِوَايَة قُتَيْبَة " عَنْ اِبْن فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا عُمَارَة " وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور.
‏ ‏قَوْله ( كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَن ) ‏ ‏كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة بِتَقْدِيمِ " حَبِيبَتَانِ " وَتَأْخِير " ثَقِيلَتَانِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَات وَفِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور بِتَقْدِيمِ " خَفِيفَتَانِ " وَتَأْخِير " حَبِيبَتَانِ " وَهِيَ رِوَايَة مُسْلِم عَنْ زُهَيْر بْن حَرْب وَمُحَمَّد بْنِ عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر وَأَبِي كُرَيْب وَمُحَمَّد بْن طَرِيف وَكَذَا عِنْد الْبَاقِينَ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْره وَمَنْ سَيَأْتِي عَنْ شُيُوخهمْ , وَفِي قَوْله " كَلِمَتَانِ " إِطْلَاق كَلِمَة عَلَى الْكَلَام وَهُوَ مِثْل كَلِمَة الْإِخْلَاص وَكَلِمَة الشَّهَادَة , وَقَوْله " كَلِمَتَانِ " هُوَ الْخَبَر وَ " حَبِيبَتَانِ " وَمَا بَعْدهَا صِفَة وَالْمُبْتَدَأ سُبْحَان اللَّه إِلَى آخِره وَالنُّكْتَة فِي تَقْدِيم الْخَبَر تَشْوِيق السَّامِع إِلَى الْمُبْتَدَأ وَكُلَّمَا طَالَ الْكَلَام فِي وَصْف الْخَبَر حَسُنَ تَقْدِيمه ; لِأَنَّ كَثْرَة الْأَوْصَاف الْجَمِيلَة تَزِيد السَّامِع شَوْقًا , وَقَوْله " حَبِيبَتَانِ " أَيْ مَحْبُوبَتَانِ , وَالْمَعْنَى : مَحْبُوب قَائِلهمَا , وَمَحَبَّة اللَّه لِلْعَبْدِ تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا فِي " كِتَاب الرِّقَاق " وَقَوْله " ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَان " هُوَ مَوْضِع التَّرْجَمَة ; لِأَنَّهُ مُطَابِق لِقَوْلِهِ : وَأَنَّ أَعْمَال بَنِي آدَم تُوزَن , قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : فَإِنْ قِيلَ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّر وَالْمُؤَنَّث وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مَوْصُوفه مَعَهُ , فَلِمَ عَدَلَ عَنْ التَّذْكِير إِلَى التَّأْنِيث ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ ذَلِكَ جَائِز لَا وَاجِب وَأَيْضًا فَهُوَ فِي الْمُفْرَد لَا الْمُثَنَّى سَلَّمْنَا لَكِنْ أَنَّثَ لِمُنَاسَبَةِ الثَّقِيلَتَيْنِ وَالْخَفِيفَتَيْنِ أَوْ ; لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْفَاعِل لَا الْمَفْعُول وَالتَّاء لِنَقْلِ اللَّفْظَة مِنْ الْوَصْفِيَّة إِلَى الِاسْمِيَّة وَقَدْ يُطْلَق عَلَى مَا لَمْ يَقَع لَكِنَّهُ مُتَوَقَّع كَمَنْ يَقُول خُذْ : ذَبِيحَتك لِلشَّاةِ الَّتِي لَمْ تُذْبَح فَإِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا الْفِعْل فَهِيَ ذَبِيح حَقِيقَة , وَخَصَّ لَفْظ الرَّحْمَن بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ الْحَدِيث بَيَان سَعَة رَحْمَة اللَّه تَعَالَى عَلَى عِبَاده حَيْثُ يُجَازِي عَلَى الْعَمَل الْقَلِيل بِالثَّوَابِ الْكَثِير.
‏ ‏قَوْله ( خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَان ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَان ) ‏ ‏وَصَفَهُمَا بِالْخِفَّةِ وَالثِّقَل لِبَيَانِ قِلَّة الْعَمَل وَكَثْرَة الثَّوَاب وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة سَجْع مُسْتَعْذَب وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَات بَيَان الْجَائِز مِنْهُ وَالْمَنْهِيّ عَنْهُ وَكَذَا فِي الْحُدُود فِي حَدِيث سَجْع كَسَجْعِ الْكُهَّان , وَالْحَاصِل أَنَّ الْمَنْهِيّ عَنْهُ مَا كَانَ مُتَكَلَّفًا أَوْ مُتَضَمِّنًا لِبَاطِلٍ لَا مَا جَاءَ عَفْوًا عَنْ غَيْر قَصْد إِلَيْهِ , وَقَوْله " خَفِيفَتَانِ " فِيهِ إِشَارَة إِلَى قِلَّة كَلَامهمَا وَأَحْرُفهمَا وَرَشَاقَتهمَا , قَالَ الطِّيبِيُّ : الْخِفَّة مُسْتَعَارَة لِلسُّهُولَةِ وَشَبَّهَ سُهُولَة جَرَيَانهَا عَلَى اللِّسَان بِمَا خَفَّ عَلَى الْحَامِل مِنْ بَعْض الْأَمْتِعَة فَلَا تُتْعِبهُ كَالشَّيْءِ الثَّقِيل , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ سَائِر التَّكَالِيف صَعْبَة شَاقَّة عَلَى النَّفْس ثَقِيلَة وَهَذِهِ سَهْلَة عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا تُثْقِل الْمِيزَان كَثِقَلِ الشَّاقّ مِنْ التَّكَالِيف , وَقَدْ سُئِلَ بَعْض السَّلَف عَنْ سَبَب ثِقَل الْحَسَنَة وَخِفَّة السَّيِّئَة ؟ فَقَالَ : لِأَنَّ الْحَسَنَة حَضَرَتْ مَرَارَتُهَا وَغَابَتْ حَلَاوَتُهَا فَثَقُلَتْ فَلَا يَحْمِلَنَّك ثِقَلُهَا عَلَى تَرْكهَا , وَالسَّيِّئَة حَضَرَتْ حَلَاوَتُهَا وَغَابَتْ مَرَارَتُهَا فَلِذَلِكَ خَفَّتْ فَلَا يَحْمِلَنَّك خِفَّتُهَا عَلَى اِرْتِكَابهَا.
‏ ‏قَوْله ( سُبْحَان اللَّه ) ‏ ‏تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي بَاب فَضْلِ التَّسْبِيح مِنْ " كِتَاب الدَّعَوَات ".
‏ ‏قَوْله ( وَبِحَمْدِهِ ) ‏ ‏قِيلَ الْوَاو لِلْحَالِ وَالتَّقْدِير : أُسَبِّح اللَّه مُتَلَبِّسًا بِحَمْدِي لَهُ مِنْ أَجْل تَوْفِيقه وَقِيلَ : عَاطِفَة وَالتَّقْدِير أُسَبِّح اللَّه وَأَتَلَبَّس بِحَمْدِهِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْحَمْد مُضَافًا لِلْفَاعِلِ وَالْمُرَاد مِنْ الْحَمْد لَازِمه أَوْ مَا يُوجِب الْحَمْد مِنْ التَّوْفِيق وَنَحْوه , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْبَاء مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوف مُتَقَدِّم وَالتَّقْدِير وَأُثْنِي عَلَيْهِ بِحَمْدِهِ فَيَكُون " سُبْحَان اللَّه " جُمْلَة مُسْتَقِلَّة وَ " بِحَمْدِهِ " جُمْلَة أُخْرَى , وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي حَدِيث : سُبْحَانك اللَّهُمَّ رَبّنَا وَبِحَمْدِك أَيْ بِقُوَّتِك الَّتِي هِيَ نِعْمَة تُوجِب عَلَيَّ حَمْدك سَبَّحْتُك لَا بِحَوْلِي وَبِقُوَّتِي كَأَنَّهُ يُرِيد أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا أُقِيمَ فِيهِ السَّبَب مَقَام الْمُسَبَّب , وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَات عَنْ مُحَمَّد بْن فُضَيْلٍ عَلَى ثُبُوت وَبِحَمْدِهِ إِلَّا أَنَّ الْإِسْمَاعِيلِيّ قَالَ بَعْد أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَة زُهَيْر بْن حَرْب وَأَحْمَد بْن عَبْدَة وَأَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الْأَسْوَد عَنْهُ لَمْ يَقُلْ أَكْثَرهمْ " وَبِحَمْدِهِ ".
قُلْت : وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ رِوَايَة زُهَيْر بْن حَرْب عِنْد الشَّيْخَيْنِ وَعِنْد مُسْلِم عَنْ بَقِيَّة مَنْ سَمَّيْت مِنْ شُيُوخه وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ يُوسُف بْن عِيسَى وَالنَّسَائِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن آدَم وَأَحْمَد بْن حَرْب وَابْن مَاجَهْ عَنْ عَلِيّ بْن مُحَمَّد وَعَلِيّ بْن الْمُنْذِر وَأَبُو عَوَانَة عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن سَمُرَة الْأَحْمَسِيّ وَابْن حِبَّان أَيْضًا مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر كُلّهمْ عَنْ مُحَمَّد بْنِ فُضَيْلٍ كَأَنَّهَا سَقَطَتْ مِنْ رِوَايَة أَبِي بَكْر وَأَحْمَد بْن عَبْدَة وَالْحُسَيْن.
‏ ‏قَوْله ( سُبْحَان اللَّه الْعَظِيم ) ‏ ‏هَكَذَا عِنْد الْأَكْثَر بِتَقْدِيمِ " سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ " عَلَى " سُبْحَان اللَّه الْعَظِيم " وَتَقَدَّمَ فِي الدَّعَوَات عَنْ زُهَيْر بْن حَرْب بِتَقْدِيمِ " سُبْحَان اللَّه الْعَظِيم " عَلَى " سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ " وَكَذَا هُوَ عِنْد أَحْمَد بْن حَنْبَل عَنْ مُحَمَّد بْن فُضَيْلٍ وَكَذَا عِنْد جَمِيع مَنْ سَمَّيْته قَبْل , وَقَدْ وَقَعَ لِي بِعُلُوٍّ فِي " كِتَاب الدُّعَاء " لِمُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ مِنْ رِوَايَة عَلِيّ بْن الْمُنْذِر عَنْهُ بِثُبُوتِ " وَبِحَمْدِهِ " وَتَقْدِيم " سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ " قَالَ اِبْن بَطَّال هَذِهِ الْفَضَائِل الْوَارِدَة فِي فَضْل الذِّكْر إِنَّمَا هِيَ لِأَهْلِ الشَّرَف فِي الدِّين وَالْكَمَال كَالطَّهَارَةِ مِنْ الْحَرَام وَالْمَعَاصِي الْعِظَام فَلَا تَظُنّ أَنَّ مَنْ أَدْمَنَ الذِّكْر وَأَصَرَّ عَلَى مَا شَاءَهُ مِنْ شَهَوَاته وَانْتَهَكَ دِين اللَّه وَحُرُمَاته أَنَّهُ يَلْتَحِق بِالْمُطَهَّرِينَ الْمُقَدَّسِينَ وَيَبْلُغ مَنَازِلهمْ بِكَلَامٍ أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانه لَيْسَ مَعَهُ تَقْوَى وَلَا عَمَل صَالِح , قَالَ الْكَرْمَانِيُّ صِفَات اللَّه وُجُودِيَّة كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَة وَهِيَ صِفَات الْإِكْرَام وَعَدَمِيَّة كَلَا شَرِيك لَهُ وَلَا مِثْل لَهُ وَهِيَ صِفَات الْجَلَال فَالتَّسْبِيح إِشَارَة إِلَى صِفَات الْجَلَال وَالتَّحْمِيد إِشَارَة إِلَى صِفَات الْإِكْرَام وَتَرْك التَّقْيِيد مُشْعِر بِالتَّعْمِيمِ , وَالْمَعْنَى أُنَزِّهُهُ عَنْ جَمِيع النَّقَائِص وَأَحْمَدهُ بِجَمِيعِ الْكَمَالَات , قَالَ : وَالنَّظْم الطَّبِيعِيّ يَقْتَضِي تَقْدِيم التَّحْلِيَة عَلَى التَّخْلِيَة فَقَدَّمَ التَّسْبِيح الدَّالّ عَلَى التَّخَلِّي عَلَى التَّحْمِيد الدَّالّ عَلَى التَّحَلِّي وَقَدَّمَ لَفْظ اللَّه ; لِأَنَّهُ اِسْم الذَّات الْمُقَدَّسَة الْجَامِع لِجَمِيعِ الصِّفَات وَالْأَسْمَاء الْحُسْنَى , وَوَصَفَهُ بِالْعَظِيمِ ; لِأَنَّهُ الشَّامِل لِسَلْبِ مَا لَا يَلِيق بِهِ وَإِثْبَات مَا يَلِيق بِهِ إِذْ الْعَظَمَة الْكَامِلَة مُسْتَلْزِمَة لِعَدَمِ النَّظِير وَالْمَثِيل وَنَحْو ذَلِكَ , وَكَذَا الْعِلْم بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَات وَالْقُدْرَة عَلَى جَمِيع الْمَقْدُورَات وَنَحْو ذَلِكَ , وَذَكَرَ التَّسْبِيح مُتَلَبِّسًا بِالْحَمْدِ لِيُعْلَم ثُبُوت الْكَمَال لَهُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَكَرَّرَهُ تَأْكِيدًا وَلِأَنَّ الِاعْتِنَاء بِشَأْنِ التَّنْزِيه أَكْثَر مِنْ جِهَة كَثْرَة الْمُخَالِفِينَ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْقُرْآن بِعِبَارَات مُخْتَلِفَة نَحْو سُبْحَان وَسَبِّحْ بِلَفْظِ الْأَمْر وَسَبَّحَ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَيُسَبِّح بِلَفْظِ الْمُضَارِع وَلِأَنَّ التَّنْزِيهَات تُدْرَك بِالْعَقْلِ بِخِلَافِ الْكَمَالَات فَإِنَّهَا تَقْصُر عَنْ إِدْرَاك حَقَائِقهَا كَمَا قَالَ بَعْض الْمُحَقِّقِينَ : الْحَقَائِق الْإِلَهِيَّة لَا تُعْرَف إِلَّا بِطَرِيقِ السَّلْب كَمَا فِي الْعِلْم لَا يُدْرَك مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَاهِلٍ , وَأَمَّا مَعْرِفَة حَقِيقَة عِلْمه فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ , وَقَالَ شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام سِرَاج الدِّين الْبُلْقِينِيُّ فِي كَلَامه عَلَى مُنَاسَبَة أَبْوَاب صَحِيح الْبُخَارِيّ الَّذِي نَقَلْته عَنْهُ فِي أَوَاخِر الْمُقَدَّمَة : لَمَّا كَانَ أَصْل الْعِصْمَة أَوَّلًا وَآخِرًا هُوَ تَوْحِيد اللَّه فَخَتَمَ بِكِتَابِ التَّوْحِيد , وَكَانَ آخِر الْأُمُور الَّتِي يَظْهَر بِهَا الْمُفْلِح مِنْ الْخَاسِر ثِقَل الْمَوَازِين وَخِفَّتهَا فَجَعَلَهُ آخِر تَرَاجِم الْكِتَاب , فَبَدَأَ بِحَدِيثِ " الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " وَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا , وَخَتَمَ بِأَنَّ الْأَعْمَال تُوزَن يَوْم الْقِيَامَة , وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَثْقُل مِنْهَا مَا كَانَ بِالنِّيَّةِ الْخَالِصَة لِلَّهِ تَعَالَى , وَفِي الْحَدِيث الَّذِي ذَكَرَهُ تَرْغِيب وَتَخْفِيف , وَحَثّ عَلَى الذِّكْر الْمَذْكُور لِمَحَبَّةِ الرَّحْمَن لَهُ وَالْخِفَّة بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَتَعَلَّق بِالْعَمَلِ وَالثِّقَل بِالنِّسْبَةِ لِإِظْهَارِ الثَّوَاب , وَجَاءَ تَرْتِيب هَذَا الْحَدِيث عَلَى أُسْلُوب عَظِيم وَهُوَ أَنَّ حُبّ الرَّبّ سَابِق وَذِكْر الْعَبْد وَخِفَّة الذِّكْر عَلَى لِسَانه تَالٍ ثُمَّ بَيَّنَ مَا فِيهِمَا مِنْ الثَّوَاب الْعَظِيم النَّافِع يَوْم الْقِيَامَة اِنْتَهَى مُلَخَّصًا , وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : تَقَدَّمَ فِي أَوَّل " كِتَاب التَّوْحِيد " بَيَان تَرْتِيب أَبْوَاب الْكِتَاب وَأَنَّ الْخَتْم بِمَبَاحِث كَلَام اللَّه ; لِأَنَّهُ مَدَار الْوَحْي , وَبِهِ تَثْبُت الشَّرَائِع وَلِهَذَا اِفْتَتَحَ بِبَدْءِ الْوَحْي وَالِانْتِهَاء إِلَى مَا مِنْهُ الِابْتِدَاء وَنِعْمَ الْخَتْم بِهَا وَلَكِنَّ ذِكْر هَذَا الْبَاب لَيْسَ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ بَلْ هُوَ لِإِرَادَةِ أَنْ يَكُون آخِر الْكَلَام التَّسْبِيح وَالتَّحْمِيد , كَمَا أَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فِي أَوَّل الْكِتَاب لِإِرَادَةِ بَيَان إِخْلَاصه فِيهِ كَذَا قَالَ , وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ قَصَدَ خَتْم كِتَابه بِمَا دَلَّ عَلَى وَزْن الْأَعْمَال ; لِأَنَّهُ آخِر آثَار التَّكْلِيف فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْد الْوَزْن إِلَّا الِاسْتِقْرَار فِي أَحَد الدَّارَيْنِ إِلَى أَنْ يُرِيد اللَّه إِخْرَاج مَنْ قَضَى بِتَعْذِيبِهِ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّار بِالشَّفَاعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه , قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : وَأَشَارَ أَيْضًا إِلَى أَنَّهُ وَضَعَ كِتَابه قِسْطَاسًا وَمِيزَانًا يُرْجَع إِلَيْهِ , وَأَنَّهُ سَهْل عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَفِيهِ إِشْعَار بِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّف فِي حَالَتَيْهِ أَوَّلًا وَآخِرًا , تَقَبَّلَ اللَّه تَعَالَى مِنْهُ وَجَزَاهُ أَفْضَل الْجَزَاء.
قُلْت : وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ الْحَثّ عَلَى إِدَامَة هَذَا الذِّكْر , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَاب فَضْل التَّسْبِيح مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة حَدِيث آخَر لَفْظه : مَنْ قَالَ " سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ " فِي يَوْمه مِائَة مَرَّة حُطَّتْ خَطَايَاهُ , وَإِنْ كَانَتْ مِثْل زَبَد الْبَحْر , وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي قَوْل " سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ " وَحْدهَا فَإِذَا اِنْضَمَّتْ إِلَيْهَا الْكَلِمَة الْأُخْرَى فَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهَا تُفِيد تَحْصِيل الثَّوَاب الْجَزِيل الْمُنَاسِب لَهَا , كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ الْكَلِمَة الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَهُ خَطَايَا مَثَلًا فَإِنَّهُ يَحْصُل لَهُ مِنْ الثَّوَاب مَا يُوَازِن ذَلِكَ , وَفِيهِ إِيرَاد الْحُكْم الْمُرَغَّب فِي فِعْله بِلَفْظِ الْخَبَر ; لِأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ سِيَاق هَذَا الْحَدِيث الْأَمْر بِمُلَازَمَةِ الذِّكْر الْمَذْكُور , وَفِيهِ تَقْدِيم الْمُبْتَدَأ عَلَى الْخَبَر كَمَا مَضَى فِي قَوْله " كَلِمَتَانِ " وَفِيهِ مِنْ الْبَدِيع : الْمُقَابَلَة وَالْمُنَاسَبَة وَالْمُوَازَنَة فِي السَّجْع ; لِأَنَّهُ قَالَ " حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَن " وَلَمْ يَقُلْ لِلرَّحْمَنِ لِمُوَازَنَةِ قَوْله " عَلَى اللِّسَان " وَعَدَّى كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَة بِمَا يَلِيق بِهِ وَفِيهِ إِشَارَة اِمْتِثَال قَوْله تَعَالَى ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك ) وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْ الْمَلَائِكَة فِي عِدَّة آيَات أَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهمْ , وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي ذَرّ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيّ الْكَلَام أَحَبّ إِلَى اللَّه قَالَ مَا اِصْطَفَى اللَّه لِمَلَائِكَتِهِ سُبْحَان رَبِّي وَبِحَمْدِهِ سُبْحَان رَبِّي وَبِحَمْدِهِ , وَفِي لَفْظ لَهُ أَنَّ أَحَبّ الْكَلَام إِلَى اللَّه سُبْحَانه : سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ.


حديث كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي زُرْعَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, ‏ ‏قَالَ: ‏ ‏قَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ ‏