حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

نكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب النكاح باب جامع ما لا يجوز من النكاح (حديث رقم: 1118 )


1118- عن سليمان بن يسار، أن طليحة الأسدية، كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها، فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات، وفرق بينهما، ثم قال عمر بن الخطاب: «أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم كان الآخر خاطبا من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر ثم لا يجتمعان أبدا» قال مالك: وقال سعيد بن المسيب: ولها مهرها بما استحل منها

أخرجه مالك في الموطأ


رجال إسناده ثقات

شرح حديث (نكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ : إِنَّ طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ رَشِيدٍ الثَّقَفِيِّ فَطَلَّقَهَا فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ بِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَائِنًا فَإِنْ كَانَ طَلَاقُهَا رَجْعِيًّا فَإِنَّ نِكَاحَ غَيْرِهِ لَهَا مَمْنُوعٌ فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهُ إيَّاهَا بَائِنًا فَإِنَّ نِكَاحَ غَيْرِهِ مَمْنُوعٌ فِي عِدَّتِهَا وَنِكَاحُهُ مَمْنُوعٌ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَمَعْنَاهُ التَّرَبُّصُ عَنْ النِّكَاحِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَضَرَبَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَضَرَبَ زَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ يُرِيدُ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ لَهُمَا لِمَا ارْتَكَبَاهُ مِنْ الْمَحْظُورِ وَهُوَ النِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الَّتِي تَتَزَوَّجُ فِي الْعِدَّةِ فَيَمَسُّهَا الزَّوْجُ أَوْ يُقَبِّلُ أَوْ يُبَاشِرُ أَوْ يَغْمِزُ أَوْ يَنْظُرُ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ أَنَّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ الْعُقُوبَةَ وَعَلَى الْوَلِيِّ وَعَلَى الشُّهُودِ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهَا فِي عِدَّةٍ وَمَنْ جَهِلَ مِنْهُمْ فَلَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ الْحَدُّ إِنْ كَانَا تَعَمَّدَا ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِالْعِدَّةِ وَلَعَلَّهُ جَهِلَ التَّحْرِيمَ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورِ فَذَلِكَ الَّذِي يُعَاقَبُ وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ ضَرْبُ عُمَرَ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ الْمَرْأَةَ وَزَوْجَهَا بِالْمِخْفَقَةِ ضَرَبَاتٍ وَتَكُونُ الْعُقُوبَةُ وَالذُّنُوبُ بِحَسْبِ الْمُعَاقَبِ وَيُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَلَى أَنَّهُمَا عَلِمَا التَّحْرِيمَ وَتَقَحَّمَا ارْتِكَابَ الْمَحْظُورِ جُرْأَةً وَإِقْدَامًا وَاسْتِخْفَافًا وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْمُتَعَمِّدِ إحْدَاهُمَا يُحَدُّ وَالثَّانِيَةُ لَا يُعَاقَبُ وَلَا يُحَدُّ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ كَانَ الْآخَرُ خَاطِبًا مِنْ الْخَطَّابِ فَأَمَرَ بِذَلِك عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى سَبِيلِ تَعْلِيمِ مَنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ , وَالتَّقْدِيمِ إِلَى النَّاسِ فِيهِ , وَالزَّجْرِ لَهُمْ عَنْهُ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْ حُكْمِ الْمَدْخُولِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا لَازِمٌ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ زَمَنَ الْعِدَّةِ فَكَانَ فَسَادُهُ فِي عَقْدِهِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْفُرْقَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَوْ لَمْ يَقَعْ الْفَسْخُ إِلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمَا كَانَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ كَانَ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ يُرِيدُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ لَا يَتَأَبَّدُ بِهِ التَّحْرِيمُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَأَبَّدُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ قَالَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا لَمْ يَدْخُلْ بِشُبْهَةٍ فِي النَّسَبِ فَلَمْ يَتَأَبَّدْ تَحْرِيمُهُ أَصْلُهُ إِذَا وَاعَدَ وَلَمْ يَعْقِدْ قَالَ وَلِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ حَتَّى يُقَارِنَهُ الْوَطْءُ أَصْلُهُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَلَمْ يَطَأْهَا وَهَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَالْخِلَافُ فِي أَصْلِهِ كَالْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَرَادَ إثْبَاتَهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا نِكَاحٌ فِي عِدَّةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَتَأَبَّدَ بِهِ التَّحْرِيمُ أَصْلُهُ إِذَا بَنَى بِهَا وَأَيْضًا مَا مَنَعَ حَسْمًا لِلْبَابِ اسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَشَهَادَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنْ الْآخَرِ يُرِيدُ أَنَّهُ إِنْ دَخَلَ بِهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّةِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّتَهَا مِنْ الْأَوَّلِ فَإِذَا انْقَضَتْ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً مِنْ الثَّانِي وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ الثَّانِي تَكْفِيهَا مِنْ يَوْمِ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ أَنَّهَا إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَوَّلِ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً مِنْ الثَّانِي وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي قَوْلُهُ تَعالَى وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ أُجِّلَ فَجَازَ أَنْ يَنْقَضِيَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ اثْنَيْنِ أَصْلُهُ أُجِّلَ الدَّيْنُ وَمِنْ جِهَةِ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ , وَحَالُ بَقَاءِ النِّكَاحِ آكَدُ وَأَقْوَى , وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَطْءَ بِشُبْهَةٍ إِذَا طَرَأَ مَعَ قِيَامِ النِّكَاحِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَنْ يَتَعَقَّبَ الْعِدَّةَ الْوَطْءُ فَبِأَنْ لَا تَمْنَعَ الْعِدَّةُ مِنْ تَعَقُّبِ الْعِدَّةِ الْوَطْءَ أَوْلَى وَأَحْرَى وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ مَضْرُوبَةٌ لِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ فِيهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَوْفَى فِيهَا إتْيَانُ الْحَقِّ عَلَى الْكَمَالِ أَصْلُهُ مُدَّةُ الْإِجَازَةِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْعِدَّتَيْنِ لَا يَتَدَاخَلَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الِاعْتِدَادِ بِالْإِقْرَاءِ أَوْ بِالشُّهُورِ فَإِذَا كَانَ الِاعْتِدَادُ بِالْحَمْلِ فَإِنَّ عِدَّةَ وَضْعِ حِمْلِهَا يَكْفِيهَا عَنْهُمَا جَمِيعًا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ بَرَاءَةٌ مُتَيَقَّنَةٌ وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْتَبَرْ فِيهَا مُدَّةٌ فَالْمُطَلَّقَةُ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ سَبَبِ عِدَّتِهَا بِلَحْظَةٍ وَأَمَّا الِاسْتِبْرَاءُ بِالْإِقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ فَطَرِيقُهُ الظَّاهِرُ وَبِذَلِكَ يَلْحَقُ الْحَمْلَ بَعْدَ الْإِقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الثَّانِي وَقَدْ دَخَلَ بِهَا بَعْدَ حَيْضَةٍ وَوَلَدَتْ لِسِتِّهِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يُبْرِئُهَا الْوَضْعُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ وَلَا يُجْزِئُهَا مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ مِنْ الزَّوْجِ بِالْحَيْضِ وَلَا يُجْزِئُهَا الْوَضْعُ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ يُبْرِئُهَا مِنْ الزَّوْجَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنَّ فِي ذَلِكَ لَضَعْفًا وَتَأْتَنِفُ ثَلَاثَ حِيَضٍ بَعْدَ الْوَضْعِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًا لَمْ يُبْرِئْهَا وَضْعُهُ وَلَا تَبْرَأُ بِوَضْعِ مَنْ لَا يَلْحَقُ إِلَّا فِي الْمُلَاعَنَةِ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ إِنْ اسْتَلْحَقَهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ عِدَّةَ وَفَاةٍ لَمْ يُبْرِئْهَا إِلَّا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ بِعِيدَيْنِ الْأَوَّلُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ تَلْزَمُ فِيهَا الْإِحْدَادَ وَتَعْتَدُّ مِنْ الثَّانِي ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ كَانَتْ مُرْتَابَةً أَوْ مُسْتَحَاضَةً اعْتَدَّتْ سَنَةً مِنْ يَوْمِ فَسْخِ نِكَاحِ الثَّانِي فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الثَّانِي سَقَطَ عَنْهَا الْإِحْدَادُ وَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى مِنْ طَلَاقٍ نُظِرَ إِلَى مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا مِنْ يَوْمِ مُفَارِقَةِ الثَّانِي لَهُ فَإِنْ كَانَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ سَقَطَ عَنْ الْأَوَّلِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهِ مَا لَزِمَهُ مِنْ السُّكْنَى فَانْتَقَلَتْ إِلَى حَيْثُ شَاءَتْ تُتِمُّ بَقِيَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ كَانَ طَلَاقُ الْأَوَّلِ رَجْعِيًّا وَأَرَادَ ارْتِجَاعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ يُشْهِدُ عَلَى رَجْعَتِهَا وَلَا يُقِرُّ بِهَا وَلَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى تُتِمَّ الِاسْتِبْرَاءَ رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ أَصْبَغَ.
‏ ‏( فَصْلُ ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا يُرِيدُ أَنَّ التَّحْرِيمَ بَيْنَهُمَا يَتَأَبَّدُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نَاكِحٍ فِي الْعِدَّةِ دَخَلَ بِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ إنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ تَعْتَدُّ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَهَذَا صَرِيحٌ فَإِنَّ بِنَاءَهُ بِهَا كَانَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يَخْلُو النَّاكِحُ فِي الْعِدَّةِ إِذَا بَنَى بِهَا أَنْ يُبْنَى بِهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ بَنَى بِهَا فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَأَبَّدُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ فِي الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ تَحْرِيمَهَا يَتَأَبَّدُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ زَانٍ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ مَا ثَبَتَ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ وَقِيَامُهُ بِهِ فِي النَّاسِ فَكَانَتْ قَضَايَاهُ تَسِيرُ وَتَنْتَشِرُ وَتُنْقَلُ فِي الْأَمْصَارِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مَعَ شُهْرَةِ ذَلِكَ وَانْتِشَارِهِ وَهَذَا حُكْمُ الْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ عَقْدُ نِكَاحٍ تَقَدَّمَهُ بِنَاءُ نِكَاحٍ فِي عِدَّةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا عَرَا مِنْ الشُّهُودِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا وَطْءٌ مَمْنُوعٌ فَلَمْ يَتَأَبَّدْ تَحْرِيمُهُ كَمَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ زَوَّجَتْ مُتْعَةً أَوْ زَنَتْ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ الْمَشْهُورَ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ كَأَجْنَبِيٍّ لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ صَالَحَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنَّهَا إِنْ طَلَبَتْ الَّذِي أَعْطَتْهُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ فَطَلَبَتْ ذَلِكَ فَرَدَّهُ إلَيْهَا وَرَاجَعَهَا وَأَصَابَهَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا لِأَنَّهُ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ سَأَلَتْ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَكُلُّهُمْ أَبَى هَذَا الْجَوَابَ وَقَالُوا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْحَابِ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَتِهِ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُتَزَوِّجٌ فِي عِدَّةٍ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّزَوُّجِ فِيهَا فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا مَنْعُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحَهَا إِلَّا بِشَرْطٍ قَدْ عُدِمَ فَأَشْبَهَ الَّذِي تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أُخْتِهَا.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَمَنْ تَزَوَّجَ أُمَّ وَلَدٍ بَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ الْحَيْضَةَ الَّتِي تُؤْمَرُ بِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ كَالْمُتَزَوِّجِ فِي الْعِدَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ كَالْمُتَزَوِّجِ فِي الْعِدَّةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ حَالَ حُرْمَتِهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ النِّكَاحِ مِنْ أَجَلٍ مُسْتَبِيحٍ لِوَطْئِهَا كَمَا لَوْ تَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ حُكْمُ الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا لَهُ حُكْمُ الِاسْتِبْرَاءِ خَاصَّةً وَسَنُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أُعْتِقَتْ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ حَيْضَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يُسْلَكُ بِهِ سَبِيلَ الْمُتَزَوِّجِ فِي الْعِدَّةِ إِذَا أَصَابَ وَإِذَا لَمْ يُصِبْ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ طَلَّقَ أَمَةً فَأَصَابَهَا سَيِّدُهَا فِي عِدَّتِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَصَابَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مُعْتَدَّةً مِنْ نِكَاحٍ أَوْ أَصَابَ بِنِكَاحٍ مُسْتَبْرَأَةً مِنْ مِلْكِ يَمِينٍ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْبِنَاءُ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ نَكَحَ فِي الْعِدَّةِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ وَطْءٌ فِيهَا وَلَكِنَّهُ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا تَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ وَالثَّانِي غَيْرُ مُؤَبَّدٍ قَالَ أَصْبَغُ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أُحِبُّ إلَيَّ آمُرُهُ بَذْلِك وَلَا أَقْضِي لَهُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ بِالْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ كَتَحْرِيمِ الرَّبَائِبِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ وَالْقُبْلَةَ إنَّمَا يَجْرِي مَجْرَى الْوَطْءِ فِيمَا يَثْبُتُ تَحْرِيمُهُ بِالتَّنْزِيلِ وَأَمَّا مَا يَثْبُتُ بِضَرْبٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَجْرِي مَجْرَاهُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَلَوْ أُرْخِيَتْ السُّتُورُ عَلَى النَّاكِحِ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَمَسَّ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا يَقْضِي عَلَيْهِ بَذْلِك قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَوْ صَدَّقَتْ فِي مِثْلِ هَذَا لَأَسْقَطَتْ عَنْ نَفْسِهَا الْعِدَّةَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ عَقَدَ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا إِلَّا بِالْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ.
وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ بِنِكَاحٍ فِي الْعِدَّةِ فَتَأَبُّدُ تَحْرِيمِهَا كَاَلَّتِي تُصَابُ فِي الْعِدَّةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ بِنِكَاحٍ فِي الْعِدَّةِ فَلَمْ يَتَأَبَّدْ تَحْرِيمُهَا كَاَلَّتِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا إِلَّا الْعِدَّةُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ وَطْءٌ أَصْلًا فِي الْعِدَّةِ وَلَا غَيْرِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُفْسَخُ نِكَاحُهُ وَفِي تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا نَفْيُهُ وَالْأُخْرَى إثْبَاتُهُ.
وَجْهُ نَفِيه وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مَعْنَى تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ إدْخَالُ الشُّبْهَةِ فِي النَّسَبِ وَمُجَرَّدُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ مَا لَمْ يُقَارِنْهُ وَطْءٌ أَصْلُهُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَلَمْ يَطَأْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا عِنْدِي يَنْتَقِضُ بِالْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ فَإِنَّهُ يُوجِدُ تَحْرِيمَ الْأُمِّ وَوَجْهُ إثْبَاتِ تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ اعْتِبَارُهُ بِالْوَطْءِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ وَاعَدَتْهُ فِي الْعِدَّةِ أَنْ لَا تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَنَكَحَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبِ عَنْ مَالِكٍ يُفْسَخُ نِكَاحُهُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ ضَعَّفَ الْفِرَاقَ فِيهِ وَقَالَ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بَذْلِك وَيُؤَثَّمُ فِيهِ وَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ فِي عِدَّةٍ وَاخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْبَغُ مِنْ أَنَّ الْمُوَاعَدَةَ هِيَ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَهَذِهِ الْمُوَاعَدَةُ هِيَ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا وَبِهَا تَمَّ النِّكَاحُ وَعَلَيْهَا الْعَقْدُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَقْدُ نِكَاحٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عَقْدٌ وَلَا مَسِيسٌ فِي الْعِدَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ كَاَلَّذِي لَمْ تَتَقَدَّمْهُ مُوَاعَدَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إِنْ خَطَبَهَا صَرِيحًا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ اسْتِحْبَابُ الْفِرَاقِ وَالثَّانِيَةُ إيجَابُهُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ سَعِيدٍ وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا يُرِيدُ أَنَّ النَّاكِحَةَ فِي الْعِدَّةِ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا الْمَهْرَانِ أَصَابَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَبْذُلْ لَهُ نَفْسَهَا عَلَى وَجْهِ السِّفَاحِ وَإِنَّمَا بَذَلَتْ لَهُ نَفْسَهَا عَلَى وَجْهِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ يُوجِبُ لَهَا الْمَهْرَ بِالْمَسِيسِ وَأَنَّمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدٍ مُفْرَدًا لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَى عَنْ سُلَيْمَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ لَهَا مَهْرُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ كَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهَذَا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى قَدْرِ الْمَهْرِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَخْتَلِفَا قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ إِنْ كَانَتْ بِكْرًا حَلَفَ أَبُوهَا عَلَى مَا قَالَهُ فَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ أَنْ يَدْفَعَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْأَبُ وَإِلَّا حَلَفَ وَأَسْقَطَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا حَتَّى لَا يُتِمُّ الْأَمْرُ إِلَّا بِعِلْمِهَا وَحُضُورِهَا فَإِنَّهَا الَّتِي تَحْلِفُ دُونَ الْوَلِيِّ قَالَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ أَوْ نَوْعِهِ كَانَ مِمَّا يُصَدَّقُ فِيهِ النِّسَاءُ أَوْ لَا يُصَدَّقْنَ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ حَلَفَا فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يُفْسَخُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَرُوِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْعِ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الْمُغِيرَةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا رَضِيَ أَحَدُهُمَا نَفَذَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ تَخَالُفَ الزَّوْجَيْنِ يَقْتَضِي وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا كَاللِّعَانِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي اعْتِبَارُهُ بِالْبَيْعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ فَإِنْ نَكِلَ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ وَاسْتَحَقَّتْ مَا ادَّعَتْهُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْبَيْعِ وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ فِي الْبُيُوعِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الصَّدَاقِ وَاتَّفَقَا عَلَى قَدْرِهِ وَجِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا , أَوْ وَلِيِّهَا إِنْ كَانَتْ بِكْرًا , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ فِي مُعْظَمِ الْبِلَادِ بَلْ جَمِيعِهَا أَنَّ مُعَجَّلَ الصَّدَاقِ لَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ عَنْ الْبِنَاءِ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ فِي قَبْضِ الْعِوَضِ قَوْلُ مُدَّعِي الْعُرْفِ وَلِذَلِك قَالَ مَالِكٌ فِيمَا جَرَّتْ الْعَادَةُ بِقَبْضِ ثَمَنِهِ مِنْ الطَّعَامِ إِذَا ادَّعَاهُ بَعْدَ قَبْضِ الطَّعَامِ وَبَعْدَ مَا فَارَقَهُ الْبَائِعُ وَكَذَلِكَ الصَّرْفُ فَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ دَفْعَ الصَّدَاقِ الْمُعَجَّلِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَادَّعَى الزَّوْجُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَشْهَدُ بِهِ الْعُرْفُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ , وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّاهِنِ يَقْبِضُ رَهْنَهُ وَيَدَّعِي دَفْعَ الدَّيْنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَوْ حَلَّ الْمُؤَجَّلُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ فِي دَفْعِ الْعَيْنِ وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إسْحَقَ وَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي بَلَدٍ عُرْفُهُ تَعْجِيلُ النَّقْدِ عِنْدَ الْبِنَاءِ فَأَمَّا بَلَدٌ لَا عُرْفَ فِيهِ بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّمَا ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي صَدَاقٍ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ بِالْبِنَاءِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَظْهَرُ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَإِذَا تَحَمَّلَ رَجُلٌ لِلْمُرَاةِ بِالصَّدَاقِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ وَالْحَمِيلُ الدَّفْعَ حَلَفَ الْحَمِيلُ وَصَدَقَ قَالَ سَحْنُونٌ وَلَوْ أَخَذَتْ بِالصَّدَاقِ رَهْنًا ثُمَّ بَنَى بِهَا لَكَانَ كَالْحَمِيلِ وَدُخُولُهُ كَالْإِبْرَاءِ وَيَأْخُذُ رَهْنَهُ قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ يُكْتَبُ فِي الصَّدَاقِ بَرَاءَةٌ.


حديث أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏و حَدَّثَنِي ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ‏ ‏وَعَنْ ‏ ‏سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏طُلَيْحَةَ الْأَسَدِيَّةَ ‏ ‏كَانَتْ تَحْتَ ‏ ‏رُشَيْدٍ الثَّقَفِيِّ ‏ ‏فَطَلَّقَهَا فَنَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا ‏ ‏عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏ ‏وَضَرَبَ زَوْجَهَا ‏ ‏بِالْمِخْفَقَةِ ‏ ‏ضَرَبَاتٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ ‏ ‏عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏ ‏أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ كَانَ الْآخَرُ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا ‏ ‏قَالَ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏وَقَالَ ‏ ‏سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ‏ ‏وَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

لا تنكح الأمة على الحرة إلا أن تشاء الحرة

عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: «لا تنكح الأمة على الحرة إلا أن تشاء الحرة، فإن طاعت الحرة فلها الثلثان من القسم»

إنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره

عن زيد بن ثابت أنه كان يقول في «الرجل يطلق الأمة ثلاثا، ثم يشتريها، إنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره»

تحل له بملك يمينه ما لم يبت طلاقها فإن بت طلاقها ف...

عن مالك، أنه سأل ابن شهاب، عن رجل كانت تحته أمة مملوكة فاشتراها، وقد كان طلقها واحدة، فقال: «تحل له بملك يمينه ما لم يبت طلاقها، فإن بت طلاقها، فلا تح...

ما أحب أن أخبرهما جميعا ونهى عن ذلك

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين توطأ إحداهما بعد الأخرى، فقال عمر: «ما أحب أن...

لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلت...

عن قبيصة بن ذؤيب، أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان: " أحلتهما آية، وحرمتهما آية، فأما أنا فلا أحب أن أصنع...

لا تقربها فإني قد أردتها فلم أنشط إليها

عن عبد الرحمن بن المجبر، أنه قال: وهب سالم بن عبد الله لابنه جارية، فقال: «لا تقربها فإني قد أردتها فلم أنشط إليها»

رأيت جارية لي منكشفا عنها وهي في القمر فجلست منها...

عن يحيى بن سعيد، أن أبا نهشل بن الأسود قال للقاسم بن محمد: " إني رأيت جارية لي منكشفا عنها، وهي في القمر فجلست منها مجلس الرجل من امرأته، فقالت: إني ح...

لا تقربها فإني قد رأيت ساقها منكشفة

عن عبد الملك بن مروان أنه: " وهب لصاحب له جارية ثم سأله عنها فقال: قد هممت أن أهبها لابني فيفعل بها كذا وكذا، فقال عبد الملك: لمروان كان أورع منك وهب...

المحصنات من النساء هن أولات الأزواج ويرجع ذلك إلى...

عن سعيد بن المسيب أنه قال: " {المحصنات من النساء} [النساء: ٢٤] هن أولات الأزواج، ويرجع ذلك إلى أن الله حرم الزنا "