حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الطلاق باب الإيلاء (حديث رقم: 1167 )


1167- عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول: «إذا آلى الرجل من امرأته، لم يقع عليه طلاق، وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف، فإما أن يطلق وإما أن يفيء» قال مالك: «وذلك الأمر عندنا»

أخرجه مالك في الموطأ


الخبر عن علي - رضي الله عنه - يوقف المولي وإن كان منقطعا في ) فإنه متصل عنه من طرق كثيرة صحاح منها

شرح حديث (إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ الْإِيلَاءُ الْيَمِينُ فَمَنْ حَلَفَ فَقَدْ آلَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ , وَهَذَا كَمَا قَالَ : إِنَّ الْإِيلَاءَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْيَمِينُ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ يُقَالُ آلَيْت أُولِي إيلَاءً وَأَلِيَّةً وَقَالَ الْمُفَضَّلُ الْإِيلَاءُ الْيَمِينُ يُقَالُ آلَى يُولِي إيلَاءً , وَالِاسْمُ الْأَلِيَّةُ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ , وَإِنْ نَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتِ وَقَالَ الْأَعْشَى فِي الْقَصِيدَةِ الَّتِي مَدَحَ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآلَيْت لَا أَرْثِي لَهَا مِنْ كَلَالَةٍ وَلَا مِنْ وَجًى حَتَّى تُلَاقِيَ مُحَمَّدَا نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا يَرَوْنَ وَذِكْرُهُ أَغَارَ لِعَمْرِي فِي الْبِلَادِ وَأَنْجَدَا مَعْنَاهُ أَقْسَمْت إِلَّا أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الشَّرْعِ فِي الْقَسَم عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَالَ تَعَالَى يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَتَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُقْسِمُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ نِسَائِهِمْ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ : آلَيْت مِنْ كَذَا , وَإِنَّمَا يُقَالُ آلَيْت عَلَى كَذَا وَآلَيْت لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَلَا فَعَلْت كَذَا لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ آلَى لَيَمْتَنِعَنَّ مِنْ امْرَأَتِهِ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَذَفَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَقِيلَ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ حَكَى هَذَا الْفَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ وَقَالَ الْفَرَّاءُ إِنَّ " مِنْ " هُنَا بِمَعْنَى عَلَى أَيْ يُؤْلُونَ عَلَى نِسَائِهِمْ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ , وَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى يُوقَفَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْإِيلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْغَضَبِ دُونَ الرِّضَا , وَأَنَّهُ إِذَا حَلَفَ فِي الرِّضَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا ; لِأَنَّهُ حَلَفَ بِيَمِينٍ تُلْزَمُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ أَزْيَدَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِحَالِ الْغَضَبِ وَلِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ حَقًّا فِي الْوَطْءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ بِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَطِيعُ الْوَطْءَ وَكَانَتْ الزَّوْجَةُ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَطْءِ , فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْجِمَاعَ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَرَأْيُهُ أَنَّهُ فَإِنَّمَا الْإِيلَاءُ عَلَى مَنْ يَسْتَطِيعُ الْجِمَاعَ , وَأَمَّا مَنْ لَا يَسْتَطِيعُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ كَالْخَصِيِّ وَكَاَلَّذِي يَقْطَعُ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْإِيلَاءِ فَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَوْقِيتٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَصِيِّ : إِنَّ إيلَاءَهُ لَازِمٌ وَيُوَقِّتُ عَلَى سَنَةٍ أَجَلَ الْإِيلَاءِ ; لِأَنَّ لَهَا مَنْفَعَةً يَلْتَذُّ بِهَا مِنْ مُبَاشَرَةٍ وَغَيْرِهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا آلَى الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْآنَ وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَيْسَ بِمُولٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ , وَالْأَيْمَانُ لَا تَنْعَقِدُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ : وَكَذَلِكَ مَنْ آلَى مِنْ صَغِيرَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى تَبْلُغَ حَدَّ الْوَطْءِ فَمِنْ يَوْمئِذٍ يَكُونُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ هَذَا الْحَالِفَ كَبِيرٌ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ , إنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ , وَالتَّوْقِيتِ لَمَّا حَلَفَ عَلَى مَنْ لَا حَقَّ لَهَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ فَلَمَّا بَلَغَتْ حَدَّ الْوَطْءِ وَصَارَ لَهَا حَقٌّ فِيهِ لَزِمَتْ الْيَمِينُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَكَانَ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِنْ يَوْمِ ثَبَتَ لَهَا فِي الْوَطْءِ حَقٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( بَابٌ : الْإِيلَاءُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِكُلِّ يَمِينٍ يَجِبُ عَلَى الْحَالِفِ بِهَا شَيْءٌ كَالْحَالِفِ بِاللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ ) ‏ ‏قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ بِسُلْطَانِ اللَّهِ أَوْ بِقُدْرَتِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ أَوْ بِرَحْمَتِهِ أَوْ بِنُورِهِ أَوْ بِحَمْدِهِ أَوْ شَأْنِهِ زَادَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَوْ عَظَمَتِهِ , وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ بِجَلَالِ اللَّهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ أَيْمَانٌ تَلْزَمُ بِهَا الْكَفَّارَةُ فَثَبَتَ بِهَا حُكْمُ الْإِيلَاءِ كَقَوْلِهِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ قَالَ : أُقْسِمُ بِاللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَوْ أَعْزِمُ بِاللَّهِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ يَكُونُ مُولِيًا , وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ ; لِأَنَّهَا يَمِينٌ بِاللَّهِ , فَإِنْ قَالَ أَحْلِفُ أَوْ أُقْسِمُ أَوْ أَشْهَدُ أَوْ أَعْزِمُ وَلَمْ يَقُلْ بِاللَّهِ قَالَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِهِ إيلَاءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِاللَّهِ وَنَوَاهُ فَيَكُونُ يَمِينًا وَيَكُونُ مُولِيًا فِي الْمُدَوَّنَةِ , وَالْمَبْسُوطِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَشْهَدُ وَلِعَمْرِي لَيْسَ بِيَمِينٍ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِاللَّهِ فَيَكُونُ مُولِيًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَأَعْزِمُ أَوْ أَعْزِمُ عَلَى نَفْسِي عِنْدِي مِثْلُ قَوْلِهِ أُقْسِمُ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ فَيَكُونُ يَمِينًا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَائِلِ أَقْسَمْت أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ أَحْلِفُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا يَمِينٌ قَالَ وَلَيْسَ قَوْلُهُ : أَعْزِمُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا يَمِينٌ , فَإِنْ قَالَ أَعْزِمُ بِاللَّهِ فَلَا أَشُكُّ أَنَّهَا يَمِينٌ , فَإِنْ قَالَ أَعْزِمُ عَلَيْك بِاللَّهِ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ , وَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك : أَسْأَلُك بِاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ أَوْ قَالَ عَلِيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ أَوْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرُ ذَلِكَ كُلُّهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ حَلَفَ بِالصِّيَامِ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ إِنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ صِيَامُ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ فَهُوَ مُولٍ , وَهَكَذَا عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ , وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ : لَا يَكُونُ مُولِيًا إِلَّا بِالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعالَى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يُفَرِّقْ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ لَزِمَهُ بِهَا حُكْمٌ فَثَبَتَ بِهَا حُكْمُ الْإِيلَاءِ أَصْلُ ذَلِكَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إِنْ آلَى مِنْهَا بِصِيَامٍ فَهُوَ مُولٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ بِصِيَامٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ قِلَّتَهُ مِنْ كَثْرَتِهِ , وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا آلَى مِنْهَا بِصِيَامِ يَوْمٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , فَإِنْ قَالَ إِنْ جَامَعْتُك فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي أَنَا فِيهِ أَوْ شَهْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَقَلُّ , فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُولٍ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَكْثَرُهُ فِي الْمَبْسُوطِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ بِالصَّلَاةِ إِنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَبْسُوطِ هُوَ مُولٍ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ آلَى بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ عِتْقٍ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ آلَى بِصَدَقَةٍ أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ , فَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُعَيَّنًا وَلَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ لَزِمَهُ الْإِيلَاءُ , فَإِنْ بَاعَهُ زَالَ عَنْهُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِعَيْنِ الْعَبْدِ فَلَمَّا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ لَمْ يَبْقَ لِلْيَمِينِ تَعَلُّقٌ فَبَطَلَ حُكْمُهَا وَصَارَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ مُولًى مِنْهَا.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ اسْتَرْجَعَ الْعَبْدَ بِشِرَاءٍ فِي تَفْلِيسٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ قَالَ لَا تَعُودُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَعُودُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ إِنْ عَادَ إِلَيْهِ الْعَبْدُ بِمِيرَاثٍ أَوْ اشْتَرَاهُ فِي فَلْسٍ مِمَّنْ كَانَ عِنْدَهُ أَوْ بَاعَهُ السُّلْطَانُ عَلَى الْحَالِفِ فِي فَلْسٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ إِنْ بَاعَهُ بِاخْتِيَارِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِبَيْعِ الْبَائِعِ لَهُ بِاخْتِيَارِهِ لِبُعْدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ مِنْ التُّهْمَةِ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ بِبَيْعِهِ فَلَا يَعُودُ حُكْمُهُ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ آلَى بِطَلَاقِ امْرَأَةِ آخَرَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ , فَإِنَّ الْإِيلَاءَ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ خُرُوجَ الْعَبْدِ مِنْ مِلْكِهِ وَرُجُوعَهُ إِلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ تَطْلِيقِهِ الَّتِي حَلَفَ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَةً ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا قَبْلَ زَوْجٍ أَوْ بَعْدَهُ , فَإِنَّ الْإِيلَاءَ يَعُودُ عَلَيْهِ , وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي بَقِيَ فِيهَا بَعْدَ ارْتِجَاعِهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ حُكْمِ النِّكَاحِ الَّذِي حَلَفَ لَهُ وَمِلْكُهُ لِلْعَبْدِ بَعْدَ أَنْ بَاعَهُ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الِابْتِيَاعِ الْأَوَّلِ , وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ يَثْبُتُ بِالِابْتِيَاعِ الثَّانِي كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ , فَإِنَّ مَا ثَبَتَ لَهُ فِيهَا مِنْ طَلَاقٍ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ الثَّانِي فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْإِيلَاءُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , فَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَقَالَ : إِنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ عِتْقُ عَبِيدِي فَهُوَ مُولٍ , فَإِنْ قَالَ إِنْ وَطِئْتُك فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ مِمَّا أَسْتَقْبِلُ حُرٌّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّنْ يَشْتَرِيهِ بَعْدَ يَمِينِهِ , وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُولِيًا , وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْلِيلُهُ فِي الْأَيْمَانِ , وَالنَّذْرِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , فَإِنْ قَالَ إِنْ وَطِئْتُك فَكُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ مِنْ الْفُسْطَاطِ حُرٌّ قَالَ مَالِكٌ مَنْ قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ مِنْ الْفُسْطَاطِ حُرٌّ , فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ عِتْقُ مَنْ يَشْتَرِيهِ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ مُولِيًا بِإِيلَائِهِ بِذَلِكَ حَتَّى يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ , فَإِذَا اشْتَرَاهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ وَطِئَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَطَأْ وَقَالَ سَحْنُونٌ قَالَ غَيْرُهُ يَكُونُ مُولِيًا ; لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ بِالْفَيْءِ فَهُوَ مُولٍ , وَهَذَا إِذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ اشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ عَبْدًا مِنْ الْفُسْطَاطِ , فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْإِيلَاءِ قَالَ سَحْنُونٌ , وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلِ : إِنَّ هَذَا حَالٌ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا شَيْءٌ بِالْحِنْثِ فَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا ; أَصْلُ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِيلَاءِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ سَحْنُونٌ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ بِهَا يَقَعُ الْحِنْثُ عَلَيْهِ إِذَا حَنِثَ , وَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُولِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ آلَى بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُولِيَ بِطَلَاقِ الْمَوْلَى مِنْهَا أَوْ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا , فَإِنْ آلَى مِنْهَا بِطَلَاقِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ الَّذِي حَلَفَ بِهِ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا , فَإِنْ كَانَ بَائِنًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : إِنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا بَائِنًا فَهَلْ يَكُونُ مُولِيًا أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ هُوَ مُولٍ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا لَوْ رَضِيَتْ عَلَى الْبَقَاءِ مَعَهُ دُونَ وَطْءٍ لَمْ يُطَلِّقْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ عِنْدِي فِي كُلِّ مَا لَا يُسْتَطَاعُ فِعْلُهُ , وَالْبِرُّ فِيهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك حَتَّى أَمَسَّ السَّمَاءَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ مِنْ سَاعَتِهِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَلَا يُتْرَكُ مَعَهَا إِلَى الْأَجَلِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفِيءَ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ ; لِأَنَّ رَجْعَتَهُ تُوَصِّلُهُ إِلَى الْفَيْئَةِ ; لِأَنَّ مَا زَادَ مِنْ وَطْئِهِ عَلَى مُجَاوَزَةِ الْخِتَانِ حَرَامٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ وَطْءٍ حَرَامٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَقَدْ رَوَى فِي الْمَدَنِيَّةِ زِيَادُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ إِذَا قَالَ : إِنْ وَطِئْتُك إِلَى أَجَلِ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا وَكَانَ ذَلِكَ أَجَلًا طَوِيلًا , فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِذَا قَامَتْ بِهِ وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الْإِيلَاءِ , وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , فَإِذَا قُلْنَا : إنَّهُ مُولٍ لَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَجَلِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ مَالِكٌ أَيْضًا : إِنَّ لَهُ أَنْ يَحْنَثَ فِيهَا بِالْوَطْءِ فَتَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْبَتَّةِ فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفَيْئَةَ مَمْنُوعٌ فِيهَا , وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَطْأَهُ مَحْظُورٌ وَلَا يَلْزَمُهَا الْبَقَاءُ مَعَهُ عَلَى الْإِيلَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطٍ فَلَا يَقَعُ إِلَّا بِوُجُودِ ذَلِكَ الشَّرْطِ , وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَطْءَ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْنُوعٍ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا لَهُ أَنْ يَطَأَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ أَنْ يَتَمَادَى حَتَّى تَنْزِلَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَفْعَلَ , فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا قَالَ أَصْبَغُ , وَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدِي حَرَجًا قَالَ أَصْبَغُ , وَذَلِكَ مَا لَمْ يُحْرَجْ , فَإِنْ أُحْرِجَ لَمْ تَكُنْ الْعَوْدَةُ قَالَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ : إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ قُطِعَ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ الْمُبِيحَةِ لِلْوَطْءِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَلَهُ أَنْ يُولِجَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ بِالْإِيلَاجِ يَقَعُ الْحِنْثُ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِحْرَاجِ , وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْوَطْءِ فَكَذَلِكَ بَاقِي الْوَطْءِ حَتَّى يَنْزِلَ.
وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ لَفْظَ الْوَطْءِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ حِنْثُهُ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ إيلَاؤُهُ إنَّمَا يَنْطَلِقُ غَالِبًا عَلَى الْوَطْءِ التَّامِّ دُونَ الْإِيلَاجِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْيَمِينَ فِعْلٌ يَتَنَاوَلُ أَقَلَّ أَجْزَائِهِ وَيَقَعُ الْحِنْثُ بِأَيْسَرِ جُزْءٍ مِنْهُ كَمَا يَقَعُ بِجَمِيعِهِ , وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِيلَاجَ يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ وَبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي مِنْ وَطْئِهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُصَادِفُ امْرَأَةً قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالثَّلَاثِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , فَإِنْ كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ كَالطَّلْقَةِ , وَالطَّلْقَتَيْنِ لِمَنْ لَهُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَاَلَّذِي قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ : إنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ وَيَنْوِيَ بِمَا زَادَ مِنْ وَطْئِهِ عَلَى الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقَعُ بِهِ حِنْثُهُ الرَّجْعَةَ مَكَّنَّاهُ مِنْ ذَلِكَ , فَإِنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ ; لِأَنَّ بَاقِيَهُ بَعْدَ الْحِنْثِ حَرَامٌ وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ , وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ وَطْءٍ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَبَى مِنْ الرَّجْعَةِ بِبَقِيَّةِ وَطْءٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ : يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ مَدْخُولًا بِهَا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا قَالَ : لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ تَحْقِيقَ رَجْعَتِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِبَقِيَّةِ وَطْئِهِ الرَّجْعَةَ , وَقَدْ كَانَ لَهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ وَطْئِهَا ; لِأَنَّ مَا يَقَعُ بِهِ حِنْثُهُ يُكْمِلُ لَهُ دُخُولَهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَأَمَّا إِنْ حَلَفَ بِالنَّبِيِّ أَوْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْكَعْبَةِ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ زَانٍ إِنْ وَطِئَهَا فَهَذَا لَيْسَ بِمُولٍ قَالَهُ مَالِكٌ , وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ أَوْرَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَسَمِ , وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنَّهُ مُولٍ بِمَا قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ لَا مَرْحَبًا يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِيلَاءَ فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ كُلُّ كَلَامٍ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ فَهَذَا , وَالطَّلَاقُ سَوَاءٌ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , فَإِنْ حَلَفَ بِاللَّهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا وَاسْتَثْنَى فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا , فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ لَيْسَ بِمُولٍ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَحِلُّ الْيَمِينَ وَلَكِنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ فَمَا كَانَتْ يَمِينُهُ فِيهِ مُنْعَقِدَةً لَزِمَهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ , وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ كَفَّارَةٌ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَحِلُّ الْيَمِينَ وَيَجْعَلُ الْحَالِفَ كَأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ كَفَّارَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا سَنَةً وَقَالَ : أَرَدْت أَنْ لَا أُسَاكِنَهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ سَنَةً فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ إِذَا أَتَى بِلَفْظٍ يَمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ , وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْوَطْءَ , فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا , فَإِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْتَقِيَ مَعَهَا سَنَةً وَكَانَ هَذَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ كَانَ بِهِ مُولِيًا , وَهَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ مَا تَحْتَمِلُ الْمُجَامَعَةُ فَحُكْمُهُ إِذَا حَلَفَ بِاللَّهِ أَنْ يُصَدَّقَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَيُقَالَ لَهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْوَطْءِ , وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَقَالَ : لَمَّا وَقَفَ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ لَا أَطَأَهَا بِقَدَمِي إنَّهُ يُقَالُ لَهُ جَامِعْهَا حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّك تُرِيدُ الْإِيلَاءَ , أَنْتَ فِي الْكَفَّارَةِ أَعْلَمُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاَلَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا مِثْلُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ وَعِنْدِي أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ يَقْتَضِي الْجِمَاعَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَقَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ , وَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ يُرِيدُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَهُوَ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ الشَّرْعِيِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كُلُّ مُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ , وَإِنْ طَالَتْ فَلَيْسَتْ بِمُدَّةٍ لِلْإِيلَاءِ الشَّرْعِيِّ , وَإِنَّمَا يَكُونُ إيلَاءً إِذَا عَلَّقَهُ لِلْأَبَدِ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعالَى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إيلَاؤُهُ لِمُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ أَوْ مُؤَبَّدَةٍ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إِنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَمَا زَادَ فَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ , وَالْكَلَامُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ بِنَفْسِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ عِنْدَهُ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةُ الْإِيلَاءِ وَعِنْدَهُ لَا بُدَّ أَنْ يُوقَفَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ , فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ إيلَاءً مَحْضًا يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ وَطْئِهَا كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَبَدًا سَنَةً فَهَذَا أَوَّلُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ يَوْمَ يَمِينِهِ , وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ يَمِينُهُ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ وَلَكِنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ لَمْ أُكَلِّمْ فُلَانًا أَوْ إِنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَهَذِهِ الْيَمِينُ لَمْ تَتَنَاوَلْ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ وَلَكِنَّهَا تُفْضِي إِلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ صُورَةُ حَالِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ صُورَةَ الْحَانِثِ وَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ الْوَطْءَ حَتَّى يَبَرَّ بِأَنْ يُكَلِّمَ فُلَانًا أَوْ يَدْخُلَ الدَّارَ , وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا بِسَبَبِ يَمِينِهِ فَيَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ الْإِيلَاءِ , وَأَوَّلُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ مِنْ يَوْمِ يَرْفَعُهُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيَرَى فِي ذَلِكَ ضَرْبَ الْأَجَلِ وَيَضْرِبُهُ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ حَلَفَ وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ وَطْئِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ إيلَاءٌ ; لِأَنَّ حَالَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ حَالُ بِرٍّ ; لِأَنَّهُ إِنْ تَمَادَى عَلَيْهِ كَانَ بَارًّا أَبَدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَهَذَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَكَى أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَقَالَ بِهِ فِيمَا بَلَغَنَا بِضْعَةَ عَشْرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ تَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ , وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعالَى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ حَقًّا لِتَرَبُّصِ الزَّوْجِ , وَمَا كَانَ حَقًّا لَهُ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ , وَهُوَ الْفَيْئَةُ أَوْ الطَّلَاقُ كَأَجَلِ الدَّيْنِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا لَفْظٌ لَا يَقَعُ بِهِ وَلَا بِبَعْضِهِ طَلَاقٌ مُعَجَّلٌ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ مُؤَجَّلٌ.
أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ حَتَّى يُوقَفَ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ يَقْتَضِي مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا طَلَبُ الزَّوْجَةِ لَهُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهَا ; لِأَنَّهَا لَوْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ عَلَى مُقْتَضَى يَمِينِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ اعْتِرَاضٌ وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ إِذَا لَمْ تَأْتِهِ الْمَرْأَةُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ فَيُوقِفَهُ لَعَلَّهَا أَنْ تَرْضَى بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ فِي الْمَدَنِيَّةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ ذَلِكَ فِي حِلٍّ إِلَّا أَنْ تَتْرُكَ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَتْ لَا حَاجَةَ لِي بِإِيقَافِهِ فَهُوَ حَقٌّ تَرَكْته إِلَّا أَنَّ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ مَتَى شَاءَتْ , وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فَيُوقِفُ لَهَا مَكَانَهُ وَقَالَ أَصْبَغُ : وَتَحْلِفُ مَا كَانَ تَرَكَهَا عَلَى التَّأْبِيدِ إِلَّا عَلَى أَنْ تَنْتَظِرَ ثُمَّ يُوقِفَ مَكَانَهُ دُونَ أَجَلٍ , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَصْبَغُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ ; لِأَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الضَّرَرِ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ إِذَا كَانَ مِمَّا يُثْبِتُ لَهُ الْخِيَارَ كَالرِّضَى بِالْأَثَرَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا إِذَا كَانَتْ حُرَّةً , فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَأَرَادَتْ الصَّبْرَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فَلِلسَّيِّدِ إيقَافُهُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْبَغُ فِي ثَمَانِيَةِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَعْزِلَ عَنْهَا , وَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَتَرْكُهُ جَمِيعًا أَشَدُّ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ أَصْبَغُ : وَإِنْ رَضِيَ السَّيِّدُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ وَلَمْ تَرْضَ بِذَلِكَ الْأَمَةُ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهَا ذَلِكَ وَكَانَ لَهَا الْقِيَامُ وَمُطَالَبَةُ الزَّوْجِ وَتَوْقِيفُهُ ; لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي ذَلِكَ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ الْحَاكِمِ فَهُوَ الَّذِي يُوقِفُهُ وَيْحُكُمْ عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ , فَإِنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ , فَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ فِي إنْفَاذِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ حُكْمٍ فَإِذَا رَأَى التَّوْقِيفَ , فَإِنَّ تَوْقِيفَهُ إنَّمَا هُوَ لِيَفِيءَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ إيلَائِهِ , وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ أَيْ تَرْجِعَ أَوْ تَطْلُقَ إِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْفَيْئَةِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِضْرَارُ , وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذَا كَرِهَ الْمَرْأَةَ , وَعَنِتَ عَلَيْهَا آلَى مِنْهَا ثُمَّ يَتْرُكُهَا مُعَلَّقَةً لَا هِيَ ذَاتُ زَوْجٍ وَلَا هِيَ مُطَلَّقَةٌ فَتَتَزَوَّجَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِضْرَارَ بِهَا فَمَنَعَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَجَعَلَ لِلْأَزْوَاجِ مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي تَأْدِيبِ الْمَرْأَةِ بِالْهَجْرِ لقَوْلُهُ تَعالَى وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ , وَقَدْ آلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا.
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ ذَاتُ الزَّوْجِ أَنْ تَصْبِرَ عَنْهُ أَكْثَرَهَا وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَطُوفُ لَيْلَةً بِالْمَدِينَةِ فَسَمِعَ امْرَأَةً تُنْشِدُ أَلَا طَالَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهُ وَأَرَّقَنِي إذْ لَا خَلِيلَ أُلَاعِبُهُ فَوَاَللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ تُخْشَى عَوَاقِبُهُ لَزُعْزِعَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهُ مَخَافَةَ رَبِّي , وَالْحَيَاءُ يَكُفُّنِي وَأُكْرِمُ زَوْجِيَ أَنْ تُنَالَ مَرَاكِبُهُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ اسْتَدْعَى عُمَرُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ فَقَالَ لَهَا أَيْنَ زَوْجُك فَقَالَتْ بَعَثْت بِهِ إِلَى الْعِرَاقِ وَاسْتَدْعَى نِسَاءً وَسَأَلَهُنَّ عَنْ الْمَرْأَةِ كَمْ مِقْدَارُ مَا تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا فَقُلْنَ شَهْرَيْنِ وَيَقِلُّ صَبْرُهَا فِي ثَلَاثَةٍ وَيُفْقَدُ صَبْرُهَا فِي أَرْبَعَةٍ فَجَعَلَ عُمَرُ مُدَّةَ غَزْوِ الرَّجُلِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ اسْتَرَدَّ الْغَازِينَ وَوَجَّهَ بِقَوْمِ آخَرِينَ , وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُقَوِّي اخْتِصَاصَ أَجَلِ الْإِيلَاءِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ , فَإِنَّ لَهَا رِفْعَةَ سَاعَةٍ تَنْقَضِي الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ , وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي تَنَاوَلَتْهَا يَمِينُهُ لِمَنْعِ الْوَطْءِ مُدَّةً فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَرَفَعَتْهُ وَقَفَ مَكَانَهُ فَإِمَّا فَاءَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَإِلَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُدَّةَ الْمَضْرُوبَةَ لَهُ الَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ , وَالِارْتِيَاءُ , وَالنَّظَرُ , وَالْمَشُورَةُ انْقَضَتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَادَ أَجَلًا عَلَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلِلْمَرْأَةِ بَعْدَ التَّوْقِيفِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ أَنْ تَصْبِرَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَوْقِيفَهَا لَهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَكَذَلِكَ امْتِنَاعُهُ مِنْ الْفَيْئَةِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ , وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلزَّوْجَةِ خَاصَّةً , فَإِنْ رَضِيَتْ الْمُقَامَ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا كَانَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْفِرَاقِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلَّقَ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنْ يَفِيءَ إِلَى الْوَطْءِ الَّذِي حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ , فَإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرُ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَكِنَّ إيثَارَهُ بِالطَّلَاقِ يُسْتَوْفَى مِنْهُ حَالَ الْعُذْرِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ ذَا الَّذِي يُوقِعُ الطَّلَاقَ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ , فَإِنْ أَوْقَعَهُ كَانَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ , وَإِنْ أَبَى مِنْ إيقَاعِهِ مَعَ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْفَيْئَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ : إِنَّ الْإِمَامَ يُلْزِمُهُ ذَلِكَ طَائِعًا أَوْ كَارِهًا وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَأْمُرُهُ الْإِمَامُ بِطَلَاقِهَا إِنْ لَمْ يُرِدْ الْفَيْئَةَ , فَإِنْ طَلَّقَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , فَإِنْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ فَلَمْ يَفِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إيقَاعَ هَذَا الطَّلَاقِ مُعَيَّنٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ لِانْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ الْمُقَرَّرِ بِالشَّرْعِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَرِثَهُ إِذَا مَاتَ فِي عِدَّتِهَا.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ السَّبَّائِيِّ عَنْ مَالِكٍ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ إِنْ أَبَى مِنْ الْفَيْئَةِ , وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُطَلَّقُ عَلَيْهِ حَالَ الْحَيْضِ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي الْإِيلَاءِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا يُطَلَّقُ عَلَيْهِ حَالَ الْحَيْضِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ الْمُولِي يَوْمَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَقِيَامِ الزَّوْجَةِ عَلَيْهِ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا , فَإِنْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً كُتِبَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ , وَإِنْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إِنْ كَانَ غَائِبًا بَعْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِيلَاءِ طَلَّقَ عَلَيْهِ وَلَا يَجْعَلُ الْإِمَامُ لَهُ أَجَلًا غَيْرَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِي تَغْيِيرِ أَجَلِ اللَّهِ تَعَالَى.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , فَإِذَا قُلْنَا : إِنَّ فِي الْغَيْبَةِ الْقَرِيبَةِ يَكْتُبُ إِلَيْهِ فِيهَا , فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَسِيرَةُ شَهْرَيْنِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُكْتَبَ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَجَعَلَ الشَّهْرَيْنِ فِي حَيِّزِ الْقُرْبِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَأَرَادَ سَفَرًا بَعِيدًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِنْ أَرَادَ السَّفَرَ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَقَامَتْ امْرَأَتُهُ فِي ذَلِكَ مَنَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ السَّفَرِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ , وَإِنْ أَبَى عَرَّفَهُ أَنَّهُ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ , فَإِنْ خَرَجَ وَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَجَلِ طَلَّقَ عَلَيْهِ , وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ خَبَرَهُ حَتَّى سَافَرَ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ حَتَّى يَكْتُبَ إِلَيْهِ أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ : إِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْإِيلَاءِ لَمْ يُحْبَسْ , وَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَّقَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِذَا أَرَادَ الْمُولِي سَفَرًا بَعِيدًا قِيلَ لَهُ : وَكِّلْ مَنْ يَفِيءُ لَك عِنْدَ الْأَجَلِ أَوْ يُطَلِّقُ عَلَيْك وَمِنْ فيئة وَكِيلِهِ أَنْ يُكَفِّرَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا وَأَرَادَ الْفَيْئَةَ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ وَعُذِرَ بِحَيْضِهَا فِي بَابِ الْجِمَاعِ كَالْمَرِيضِ رَوَاهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ , وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَإِنْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً مِمَّا يُكْتَبُ إِلَيْهِ فِيهَا فَقَالَ : أَنَا أُرِيدُ الْفَيْئَةَ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ , فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مِمَّا تُكَفَّرُ اسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ فَيْئَتِهِ بِأَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ تُعْرَفْ فَيْئَتُهُ إِلَّا بِالْكَفَّارَةِ , فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُكَفِّرَهَا فِي مَوْضِعِهِ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ فِي الْفَيْئَةِ حَتَّى يَقْدُمَ , فَإِنْ وَطِئَ وَإِلَّا طَلُقَتْ عَلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا مُقِيمًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ سِجْنٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ , فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سِجْنٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ وَابْنِ دِينَارٍ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسَافِرِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ الَّذِي يُكَاتَبُ وَيُجِيبُ إِلَى الْفَيْئَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُوقَفُ وَيُدْعَى إِلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ بِطَلَاقٍ وَلَكِنَّهُ يُمْهَلُ مَا دَامَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفَيْئَةِ لِلْمَرَضِ أَوْ السِّجْنِ , وَالْقَوْلُ الْمُتَقَدِّمُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ , وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا لَمْ يُوقَفْ لَهَا حَتَّى تَطْهُرَ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ كِنَانَة فِي الْمَدَنِيَّةِ أَنَّهُ يُوقَفُ إِلَّا إِنْ فَاءَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرِيضِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , فَإِذَا قُلْنَا تُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ فَكَانَتْ الرَّقَبَةُ الَّتِي حَلَفَ بِهَا مُعَيَّنَةً أَوْ الْمَالُ الَّذِي حَلَفَ بِصَدَقَتِهِ مُعَيَّنًا , فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , فَإِنْ كَانَتْ الرَّقَبَةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ صَدَقَةً بِقَدْرٍ مِنْ الْمَالِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ تُجْزِئُهُ وَبَعْدَ الْحِنْثِ أَحْسَنُ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُبْرِئُهُ ذَلِكَ مِنْ الْإِيلَاءِ حَتَّى يَطَأَ ; لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْأَحْكَامِ وَزَوَالُ حُكْمِ الْإِيلَاءِ عَنْهُ , وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَيُجْزِئُهُ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ مَالِكٌ رَحَمِهُ اللَّهُتعالى فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ كَفَّارَةُ الْإِيلَاءِ مُعَيَّنَةً جَوَّزْنَا عَلَيْهِ قَصْدَ الْإِضْرَارِ , وَأَنْ يُعْتِقَ وَيُكَفِّرَ عَنْ مُعَيَّنٍ مُتَقَدِّمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا يُكَفِّرُ عَنْ إيلَائِهِ بَلْ يُبْقِيهِ إضْرَارًا لَهَا هَذَا وَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ , وَأَمَّا رِوَايَةُ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ أَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ فِي ذَلِكَ , وَالتُّهْمَةُ فِي مِثْلِ هَذَا تَبْعُدُ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ عُذْرٌ فَالْعُذْرُ وَحْدَهُ يَمْنَعُ تَعْجِيلَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ إِذَا قَارَنَتْهُ الْكَفَّارَةُ , وَإِنْ كَانَ لَا عُذْرَ لَهُ طُولِبَ بِالْوَطْءِ الَّذِي يُصَحِّحُ كَوْنَ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ لِلْإِيلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا خَالِيًا مِنْ عُذْرٍ فَقَالَ أَنَا أَفِيءُ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ , وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ قَالَ مَالِكٌ يُخْتَبَرُ الْمَرَّةَ , وَالْمَرَّتَيْنِ , فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا طُلِّقَ عَلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , فَإِنْ كَانَ أَجَلُ الْإِيلَاءِ مِمَّا يَضْرِبُهُ الْحَاكِمُ وَانْقَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْإِيلَاءُ فَفِي الْمَدَنِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ إِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَقَّهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ غَدًا أَقْضِيهِ وَبَعْدَ غَدٍ أَقْضِيهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَجَلٌ لِلْإِيلَاءِ كَالْمُقَدَّرِ بِالشَّرْعِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : فَإِمَّا فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ , وَالْفَيْئَةُ لِلْمُتَمَكِّنِ مِنْ الْوَطْءِ إنَّمَا هِيَ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْكَفَّارَةِ فَأَمَّا الْوَطْءُ فَلَا يُجْزِئُهُ مِنْهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَلَا تَقْبِيلٌ وَلَا مُلَامَسَةٌ قَالَهُ مَالِكٌ , وَقَدْ قَالَ إنَّهُ إِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَنْوِ الْفَرْجَ , فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إِذَا وَطِئَ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إِذَا أَتَى بِمَا يَحْنَثُ بِهِ فَقَدْ بَطَلَتْ يَمِينُهُ , وَإِذَا بَطَلَتْ يَمِينُهُ لَمْ يَبْقَ إيلَاءٌ وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ الْفَرْجَ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ مَصْرُوفٌ إِلَى نِيَّتِهِ , وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَةٌ فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ ; لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْفَرْجَ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي إسْقَاطِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ عَنْ نَفْسِهِ وَتُقْبَلُ فِي إيجَابِهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاللَّهِ فَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ بِزَعْمِهِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.


حديث إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏ ‏أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ‏ ‏إِذَا ‏ ‏آلَى ‏ ‏الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ حَتَّى يُوقَفَ فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِمَّا أَنْ ‏ ‏يَفِيءَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

أيما رجل آلى من امرأته فإنه إذا مضت الأربعة الأشهر...

عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: «أيما رجل آلى من امرأته، فإنه إذا مضت الأربعة الأشهر، وقف حتى يطلق أو يفيء، ولا يقع عليه طلاق إذا مضت الأربعة الأشهر...

إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة ولزوجها عليها ال...

عن ابن شهاب، أن سعيد بن المسيب، وأبا بكر بن عبد الرحمن كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته إنها «إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة، ولزوجها عليها الرج...

هو نحو إيلاء الحر وهو عليه واجب وإيلاء العبد شهران

عن مالك، أنه سأل ابن شهاب: عن إيلاء العبد فقال: «هو نحو إيلاء الحر، وهو عليه واجب وإيلاء العبد شهران»

لا يقربها حتى يكفر كفارة المتظاهر

عن سعيد بن عمرو بن سليم الزرقي، أنه سأل القاسم بن محمد، عن رجل طلق امرأة إن هو تزوجها، فقال القاسم بن محمد: إن رجلا جعل امرأة عليه كظهر أمه، إن هو تزو...

رجل تظاهر من أربعة نسوة له بكلمة واحدة إنه ليس علي...

عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه قال: «في رجل تظاهر من أربعة نسوة له بكلمة واحدة، إنه ليس عليه إلا كفارة واحدة»(1) 1613- عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرح...

كل امرأة أنكحها عليك ما عشت فهي علي كظهر أمي

عن هشام بن عروة، أنه سمع رجلا يسأل عروة بن الزبير عن رجل قال لامرأته: «كل امرأة أنكحها عليك ما عشت فهي علي كظهر أمي» فقال عروة بن الزبير: «يجزيه عن ذل...

نحو ظهار الحر

عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن ظهار العبد، فقال: «نحو ظهار الحر»

هو عليها صدقة وهو لنا هدية

عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كان في بريرة ثلاث سنن، فكانت إحدى السنن الثلاث: أنها أعتقت فخيرت في زوجها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الولا...

إن الأمة لها الخيار ما لم يمسها

عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق «إن الأمة لها الخيار ما لم يمسها»(1) 1627- قال مالك: «وإن مسها زوجها فزعمت أنها جهلت، أن...