حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الطلاق باب ما جاء في اللعان (حديث رقم: 1188 )


1188- عن ابن شهاب، أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمرا العجلاني، جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري، فقال له: يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل، وعابها، حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر، فقال: يا عاصم، ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عاصم لعويمر لم تأتني بخير، قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها، فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس، فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أنزل فيك، وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها، قال سهل، فتلاعنا، وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغا من تلاعنهما، قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها.
فطلقها ثلاثا.
قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم» وقال مالك: قال ابن شهاب: فكانت تلك بعد سنة المتلاعنين

أخرجه مالك في الموطأ


أخرجه الشيخان

شرح حديث (قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ : إِنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ يُقَالُ : إنَّهُ عُوَيْمِرُ بْنُ أَبْيَضَ الْعَجْلَانِيُّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَلَى حَسَبِ مَا يَلْجَأُ النَّاسُ فِي مُهِمِّ أُمُورِهِمْ وَمَا دَهَمَهُمْ إِلَى أَهْلِ الْفَضْلِ , وَالْعِلْمِ , وَالتَّقَدُّمِ مِنْهُمْ وعويمر هَذَا مِنْ أَقَارِبِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْمَذْكُورِ فَلَجَأَ إِلَيْهِ ليسئل لَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نَزَلَ بِهِ لِكَوْنِ عَاصِمٍ مِمَّنْ يَقْرُبُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَقَدُّمِهِ وَفَضْلِهِ مَعَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ فَكَانَ أَعْلَمَ بِمَا سُئِلَ فِيهِ وَأَوْعَى لِلْجَوَابِ عَنْهُ , وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذُكِرَ الْمُتَلَاعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُ : إنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَالَ عَاصِمٌ مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا لِقَوْلِي.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ , وَهَذَا مِنْ التَّحَرُّزِ فِي السُّؤَالِ لِئَلَّا يُصَرِّحَ بِقَذْفِ مَنْ نُسِبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي امْرَأَتُهُ ; لِأَنَّ حُكْمَ اللِّعَانِ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ بَعْدُ وَلَعَلَّهُ أَيْضًا لَمْ يُرِدْ أَنْ يُعْلِنَ بِخَبَرِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ إعْلَانُهُ وَكِتْمَانُهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَبْدُو إِلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْقَضِيَّةِ وَلِذَلِكَ اسْتَنَابَ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ فِي السُّؤَالِ , وَمَعْنَى قَوْلِهِ : أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ الْقِصَاصُ , وَالثَّانِي هَلْ مِنْ وَجْهٍ يَصِلُ بِهِ إِلَى إزَالَةِ مَا أَصَابَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِلَى شِفَاءِ غَيْظِهِ بِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ قَتْلِهِ الَّذِي إِذَا فَعَلَ قُتِلَ بِهِ ثُمَّ قَالَ : سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ كَرِهَ مِثْلَ هَذَا أَنْ يَقْذِفَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ وَيَرْمِيَهَا بِزِنًى مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقَدَّمَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمَا يَدَّعِيهِ لِمَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا يَجِبُ فِي قَذْفِهِ الْأَجْنَبِيَّةَ وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ لَمَّا قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك فَقَالَ هِلَالٌ : وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنِّي لَصَادِقٌ فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ فَنَزَلَ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ حَتَّى بَلَغَ إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ التَّسَرُّعَ.
فِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ السُّؤَالَ لِمَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ فَكَرِهَهُ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مِنْ سُؤَالِ مَنْ يُرِيدُ بِهِ التَّشْغِيبَ وَلَا يَقْصِدُ التَّفَقُّهَ كَمَا كَانَ يسئله بَعْضُهُمْ عَنْ نَاقَةٍ ضَلَّتْ لَهُ , أَوْ مَنْ أَبُوهُ وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذَا , وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : اُتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ , فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَيْهِمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ كَثْرَةَ السُّؤَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ , وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ وَوَكَّلَ النَّاسَ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ عُلَمَائِهِمْ , وَإِذَا سُئِلَ عَنْ الْقَضِيَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهَا لَزِمَ امْتِثَالُ ذَلِكَ النَّصِّ وَلَمْ تَحِلَّ مُخَالَفَتُهُ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ بَعْضُ التَّشْغِيبِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ وَلَيْسَ هَذَا حُكْمَ سَائِرِ النَّاسِ وتسائلهم عَنْ الْمَسَائِلِ , فَإِنَّهُ مَنْ قَصَدَ بِسُؤَالِ الْعَالِمِ التَّبْكِيتَ , وَالتَّعْنِيتَ , وَالْأَذَى لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَجَدَ عِنْدَهُ عِلْمًا , أَوْ لَمْ يَجِدْ لِفَسَادِ مَقْصِدِ السَّائِلِ , فَإِنْ سَأَلَ عَلَى سَبِيلِ الْمُنَاظَرَةِ , وَالْمُجَارَاةِ فِيهَا لِيَتَبَيَّنَ الْحَقَّ أَوْ يُبْدِيَهَا فِي النَّظَرِ وَيُسْتَعَانُ بِذَلِكَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إِذَا اُحْتِيجَ إِلَيْهِ فَهُوَ وَجْهٌ مِنْ السُّؤَالِ صَحِيحٌ , وَلَوْ سَأَلَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْتَاءِ مَنْ فَرْضُهُ ذَلِكَ فَهَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا وَجْهٌ يُتَوَقَّعُ الْآنَ ; لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْجَوَازِ إِلَى الْمَنْعِ لِتَكَلُّمِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِنَا هَذَا فِي الْمَسَائِلِ وَلَا لِسُؤَالِ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ فِي الْأَحْكَامِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ : يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ فِي مَسْأَلَتِهِ الَّتِي كَلَّفَ عَاصِمًا السُّؤَالَ عَنْهَا ; لِأَنَّهُ إنَّمَا جَاءَهُ مُقْتَضِيًا الْجَوَابَ فِيهَا حِينَ كَلَّفَهُ السُّؤَالَ عَنْهَا فَقَالَ لَهُ عَاصِمٌ : لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ يُرِيدُ أَنَّ مَا كَلَّفْتنِي مِنْ السُّؤَالِ لَمْ يُثْمِرْ خَيْرًا وَلَا سَبَبَهُ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَرِهَ مَسْأَلَتَك , وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُخْبِرْ عَنْهَا بِشَيْءٍ غَيْرَ مَا أَظْهَرَ مِنْ كَرَاهِيَةِ السُّؤَالِ , وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ لَا يُسْرِعَ بِالْجَوَابِ عَمَّا اسْتُفْتِيَ فِيهِ إِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيهِ , وَإِذَا خَافَ أَنْ لَا يَتَسَبَّبَ بِهِ إِلَى مَحْظُورٍ حَتَّى يَكْشِفَ عَنْ وَجْهِهِ وَسَبَبِهِ وَجِهَةِ السَّائِلِ وَمَقْصِدِهِ مَا أَمْكَنَهُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ عُوَيْمِرٍ : وَاَللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا يُرِيدُ اسْتِدَامَةَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ مَسْأَلَتِهِ وَطَلَبِ حُكْمِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ عَنْ ذَلِكَ مَا ظَهْرَ إِلَيْهِ مِنْ كَرَاهِيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَسْأَلَتِهِ حِينَ لَمْ يُمْكِنْهُ الصَّبْرُ عَلَى مَا زَعَمَ أَنَّهُ ظَهَرَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَالَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْلِ , وَالْفِعْلِ وَلَعَلَّهُ خَافَ حَمْلًا فَاحْتَاجَ إِلَى أَنْ يَعْلَمَ وَجْهَ نَفْيِهِ عَنْهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَأَوَّلَ فِي الْكَرَاهِيَةِ لِمَسْأَلَتِهِ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا لَا يَمْنَعُهُ السُّؤَالَ عَنْهَا إِنْ كَانَتْ قَدْ نَزَلَتْ بِهِ , أَوْ لَعَلَّهُ رَجَا أَنْ يُبَيِّنَ مِنْ حَالِهِ إِذَا سَأَلَهُ مَا يَصِلُ بِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا يُرِيدُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ حَدًّا وترتفع بِهِ الْكَرَاهِيَةُ فَلَمَّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ عَنْ مَسْأَلَتِهِ بِمِثْلِ مَا كَانَ كَلَّفَ عَاصِمًا أَنْ يَسْأَلَ لَهُ عَنْهَا.
وَقَوْلُهُ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ زَادَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي مَعَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ فَقَطْ , فَإِنْ كَانَ فَسَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : إنَّهُ إِذَا ادَّعَى الرُّؤْيَةَ وَوَصَفَ ذَلِكَ كَمَا يَصِفُ الشُّهُودُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَادَّعَى الرُّؤْيَةَ وَلَمْ يُفَسِّرْهَا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ.
فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ , وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَدَّعِ رُؤْيَةً فَهَلْ يُلَاعِنُ أَمْ لَا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا : يُلَاعِنُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ , وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ , وَجْهُ قَوْلِنَا : إنَّهُ يُلَاعِنُ قَوْلُهُ تَعالَى وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ رُؤْيَةً , أَوْ لَا وَلِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِزَوْجَتِهِ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ كَمَا لَوْ ادَّعَى رُؤْيَةً , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا حُرَّةٌ عَفِيفَةٌ مُسْلِمَةٌ قَذَفَهَا مَنْ لَمْ يُحَقِّقْ قَذْفَهُ فَلَزِمَهُ الْحَدُّ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَفْظُ الْوُجُودِ مَعَ امْرَأَتِهِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ.
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ : وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا فِي لِحَافِهَا , أَوْ وَجَدْتُهَا قَدْ تَجَرَّدَتْ لِرَجُلٍ , أَوْ وَجَدْتُهَا وَهِيَ مُضْطَجِعَةٌ مَعَ رَجُلٍ عُرْيَانَيْنِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُ لَا لِعَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَّا أَنْ يَرْمِيَهَا بِزِنًى أَوْ يَنْفِيَ حَمْلَهَا فَأَرَى إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ فَعَلَيْهِ الْأَدَبُ دُونَ الْحَدِّ , وَوَجْهُ ذَلِكَ إِذَا فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِخْبَارَ عَمَّا تَلَفَّظَ بِهِ , وَأَمَّا لَوْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْرِيضَ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يُحَدُّ الزَّوْجُ فِي التَّعْرِيضِ وَلَا يُلَاعِنُ , وَقَدْ وَجَدْت فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ يُلَاعِنُ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّعْرِيضِ بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ ; لِأَنَّ مَنْ اُمْتُحِنَ بِمِثْلِ هَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِمْسَاكِ , وَالسُّكُوتِ وَلِذَلِكَ جُعِلَ لَهُ الْمَخْرَجُ بِاللِّعَانِ , فَإِذَا عَدَلَ عَنْ التَّصْرِيحِ إِلَى التَّعْرِيضِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى كَذِبِهِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) , وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا , فَإِنَّهُ يُرِيدُ زَوْجَتَهُ ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إِذَا أُطْلِقَ فُهِمَ مِنْهُ الزَّوْجُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ إضَافَةَ الْقَذْفِ إِلَى الزَّوْجِيَّةِ , وَلَوْ أَضَافَهُ إِلَى غَيْرِ الزَّوْجِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ : رَأَيْتُكِ تَزْنِي قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ثُمَّ خَصَّهُ بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ فَخَصَّ الْأَزْوَاجَ بِحُكْمِ اللِّعَانِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَضَافَ الْقَذْفَ إِلَى غَيْرِ زَوْجِهِ يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَذَفَهَا بِزِنًى , وَلَوْ حَمَلَتْ مِنْهُ لَمْ يَلْحَقْهُ فَلَزِمَهُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً حِينَ الْقَذْفِ , وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَهَا , أَنْكَرَ حَمْلَهَا ثُمَّ اسْتَدَامَ الزَّوْجِيَّةَ , وَالْوَطْءَ لَظَهَرَ بِذَلِكَ كَذِبُهُ وَحُدَّ , فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهَا زَنَتْ فِيهِ فَبِأَنْ يُحَدَّ وَلَا يُلَاعِنَ أَوْلَى وَأَحْرَى.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فِيهِ تَحَرُّزٌ مِنْ التَّصْرِيحِ بِاسْمِ الْمَقْذُوفِ ; لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ وَلَمْ تَقُمْ لَهُ الْبَيِّنَةُ لَكَانَ قَاذِفًا لَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْهُ بِاللِّعَانِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُسْقِطُ ذَلِكَ تَلَاعُنُ الزَّوْجَةِ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ شَخْصٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْتِعَانِ الزَّوْجِ فَلَمْ يَسْقُطْ قَذْفُهُ بِلِعَانِهِ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهُ كَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , فَإِنْ حُدَّ لِلرَّجُلِ الْمُسَمَّى , فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ اللِّعَانُ قَالَ سَحْنُونٌ : وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حُدَّ بِقَذْفِ رَجُلٍ دَخَلَ فِيهِ كُلُّ قَذْفٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ الْحَدِّ لِمَنْ قَامَ بِهِ , أَوْ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَإِذَا لَمْ يُسَمِّهِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدٌّ خِلَافًا لِأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ , وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ لَهُ إِلَّا بِمُطَالَبَةِ مُسْتَحِقِّهِ , وَإِذَا كَانَ مَجْهُولَ الْعَيْنِ , وَالِاسْمِ لَمْ تَصْلُحْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ كَمَا لَوْ قَالَ : رَأَيْت رَجُلًا يَزْنِي.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ سُؤَالٌ عَامٌّ لَكِنَّ جَوَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصٌّ بِقَوْلِهِ قَدْ نَزَلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك قُرْآنٌ فَاذْهَبْ فَائِتِ بِهَا وَقَالَ السَّائِلُ : أَيَقْتُلُهُ فَيَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ , وَقَدْ سَأَلَ عَنْ قِصَّتِهِ بِلَفْظِ الْغَائِبِ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ , وَالذَّهَابِ إِلَى التَّسَتُّرِ أَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ وَقَعَ لَهُ سَهْوٌ , أَوْ قِلَّةُ اسْتِثْبَاتٍ وَقَوْلُهُ : أَيَقْتُلُهُ فَيَقْتُلُونَهُ وَإِقْرَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ , فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ نَزَلَ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك قُرْآنٌ فَاذْهَبْ فَائِتِ بِهَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ صَاحِبُ الْمَسْأَلَةِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْوَحْيِ الَّذِي أُنْزِلَ فِي قِصَّتِهِمَا فَأُعْلِمَ فِيهِ أَنَّ السَّائِلَ , وَإِنْ كَانَ وَرَّى فَلَمْ يُضِفْ الْأَمْرَ إِلَى نَفْسِهِ , فَإِنَّهُ صَاحِبُ ذَلِكَ , وَالْمُبْتَلَى بِهِ فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ فِيهِ وَفِي صَاحِبَتِهِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهَا وَمِمَّا يَجِبُ أَنْ يُبَاحَ لَهُمْ السُّؤَالُ عَنْهَا , أَوْ يَكُونَ ظَهَرَ ذَلِكَ إِلَيْهِ قَبْلَ الْوَحْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ سَهْلٍ فَتَلَاعَنَا , وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ اللِّعَانِ الِاسْتِتَارُ بِهِ بَلْ مِنْ سُنَّتِهِ إِحْضَارُ النَّاسِ لَهُ لِيَشْتَهِرَ أَمْرُهُ بِلُحُوقِ النَّسَبِ بِالزَّوْجِ أَوْ انْتِقَالِهِ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ إِلَّا عِنْدَ الْإِمَامِ , أَوْ الْحَاكِمِ ; لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَفْتَقِرُ إِلَى حَاكِمٍ بِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ النَّهَارِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ , وَذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَيَكُونُ بِأَثَرِ صَلَاةٍ قَالَ مَالِكٌ وَبِأَثَرِ مَكْتُوبَةٍ أَحَبُّ إلَيَّ , وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً يُرِيدُ أَنَّهَا يَمِينٌ تَقْتَضِي التَّغْلِيظَ فَغُلِّظَتْ بِالْوَقْتِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ثَلَاثٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُهُ مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ , وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا بِدُنْيَا , فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ , وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ , وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ : وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا كَذَا , وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَفِي ذَلِكَ فَائِدَةُ اجْتِمَاعِ النَّاسِ مَعَ الِانْصِرَافِ مِنْ عِبَادَةٍ تُذَكِّرُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَتَنْهَى عَنْ الْبَاطِلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ , وَالْمُنْكَرِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ : لَا يَكُونُ إِلَّا بِأَثَرِ صَلَاةٍ وَفِي مَقْطَعِ الْحُقُوقِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا كَالْمَكَانِ , وَأَمَّا التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ , فَإِنَّهَا يَمِينٌ فِيمَا لَهُ بَالٌ يَحْتَاجُ إِلَى التَّغْلِيظِ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تُغَلَّظَ بِالْمَكَانِ كَالْيَمِينِ فِي الْحُقُوقِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ , وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ , وَأَنَا شَاهِدٌ , وَأَمَّا الْيَهُودِيَّةُ , والنصرانية فَتُلَاعِنُ بِحَيْثُ تُعَظِّمُهُ مِنْ الْبِيَعِ , وَالْكَنَائِسِ قَالَهُ مَالِكٌ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولٍ يَقْطَعُ الْحَقَّ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ انْقِضَاؤُهُ مُعْتَادًا كَالْحَيْضِ , أَوْ لَا يَكُونَ مُعْتَادًا كَالْمَرَضِ , فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا لَاعَنَ هُوَ لِمَا يُرِيدُ مِنْ الِاسْتِعْجَالِ وَيَخَافُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ اللِّعَانِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ لِيَدْرَأَ عَنْ نَفْسِهِ الْحَدَّ وَتُؤَخِّرَ هِيَ إِلَى أَنْ تَطْهُرَ فَتَلَاعَنَ , فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا , وَكَانَتْ مَرِيضَةً أَرْسَلَ الْإِمَامُ إِلَى الْمَرِيضِ مِنْهُمَا عُدُولًا رَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ سُنَّتِهِ التَّعْجِيلُ , وَالْمَرَضُ لَا يُدْرَى لَهُ غَايَةٌ فَسَقَطَ الْمَكَانُ بِالتَّعْجِيلِ لِلضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا يُرِيدُ أَكْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ فِي حَقِّهِ قَالَ عُوَيْمِرٌ : كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتهَا يُرِيدُ أَنَّهُ إِنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَا عَلِمَ وَتَيَقَّنَ مِنْ حَالِهَا فَالْمُوجِبُ لِلِعَانِهَا فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَهُ , وَهُوَ كَمَا قَالَ : إِنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ زَوْجَتَهُ قَدْ زَنَتْ وَثَبَتَ فِي حَقِّهَا اللِّعَانُ إمَّا بِرُؤْيَةٍ , أَوْ قَذْفٍ أَوْ انْتِفَاءٍ مِنْ حَمْلٍ ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ مِنْ الْبَقَاءِ عَلَى ذَلِكَ , وَالسُّكُوتِ عَنْهُ طَوِيلَ الْمُدَّةِ , أَوْ وَطْئِهَا أَوْ الِالْتِذَاذِ بِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إمْسَاكِهِ لَهَا , فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ اللِّعَانِ وَيَتَبَيَّنُ بِمَا فَعَلَهُ كَذِبُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ , وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا , وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ : إنِّي أَحْكُمُ عَلَى نَفْسِي بِحُكْمِ الْكَاذِبِ إِنْ أَمْسَكْتهَا كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : أَنَا فَاسِقٌ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا , وَأَنَا ظَالِمٌ إِنْ تَرَكْت حَقِّي وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا يُرِيدُ أَنَّهُ أَتَى بِهَذَا اللَّفْظِ , وَهُوَ قَوْلُهُ : هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ : كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتهَا ; لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا أَنَّ مِنْ دَلِيلِ صِدْقِهِ أَنْ لَا يُمْكِنَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَلَا الْإِمْسَاكُ لَهَا عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ , وَهَذَا يَقْتَضِي الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ ; لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَكَانَ فِي مَعْنَى الْمُمْسِكِ لَهَا وَلَا يُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى صِدْقِهِ ; لِأَنَّ مَنْ اطَّلَعَ مِنْ زَوْجَتِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا يَبْلُغُ بِهِ الْغَضَبُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَلَّ قَتْلَهَا لَقَتَلَهَا , فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِلشَّرْعِ أَبَانَهَا , أَوْ أَبْعَدَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُهُ حَتَّى لَا يَرَاهَا وَلَا يَقْدِرَ أَنْ يَسْمَعَ ذِكْرَهَا وَلَا خَبَرَهَا فَكَيْفَ أَنْ يُمْسِكَ عِصْمَتَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ آخِرَ طَلْقَةٍ بَقِيَتْ لَهُ فِيهَا بِوَصْفِ طَلَاقِهِ كُلِّهِ فِيهَا مَا أَوْقَعَ قَبْلَ اللِّعَانِ وَمَا أَوْقَعَ بَعْدَهُ , فَإِنْ كَانَ صَرَّحَ فِي طَلَاقِهَا بِالثَّلَاثِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ مَمْنُوعٌ عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ , فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا وَاجِبًا بِالشَّرْعِ.
وَلَعَلَّهُ قَدْ جَرَى فِي الْمَجْلِسِ مَا عَلِمَ بِهِ عُوَيْمِرٌ حُكْمَ ذَلِكَ , أَوْ أَوْقَعَهُ ابْتِدَاءً لَمَّا بَلَغَ بِهِ الْغَضَبُ مِنْ فِعْلِهَا , وَالْبُغْضُ لَهَا , وَالْغَيْظُ عَلَيْهَا فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ حُكْمَهُ لَوْ لَمْ يَبْرَأْ بِهِ , فَإِنَّ طَلَاقَ اللِّعَانِ تَحْرِيمُهُ مُؤَبَّدٌ , وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الثَّلَاثِ ; لِأَنَّ تَحْرِيمَ الثَّلَاثِ يَرْتَفِعُ بِوَجْهٍ وَتَحْرِيمَ اللِّعَانِ لَا يَرْتَفِعُ بِوَجْهٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ قَدْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَتَيْنِ فَطَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا , فَإِنَّهُ لَمْ يُوَاقِعْ مَحْظُورًا ; لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِقَوْلِنَا ثَلَاثًا إِلَّا مَا يُؤَثِّرُ قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ لَا سِيَّمَا إِذَا نَوَى أَنَّ ذَلِكَ آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ طَلَّقَهَا وَمَعَ هَذَا , فَإِنَّ قَذْفَهَا بِالزِّنَى يَقْتَضِي مُبَاعَدَتَهَا فَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ أَنْ قَذَفَهَا حُدَّ وَلَمْ يُلَاعِنْ ; لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ فَكَانَ فِرَاقُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ فِيمَا قَذَفَهَا بِهِ وَمَا وُجِدَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا تَأْثِيرَ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ : إنَّهُ إِذَا قَذَفَهَا وَقَالَ : رَأَيْتُهَا تَزْنِي وَلَاعَنَ وَلَمْ يُسْأَلْ هَلْ وَطِئَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّهُ إِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ , فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حُدَّ وَلَمْ يُلَاعِنْ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ , وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَاعِي الِاسْتِبْرَاءَ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ بِذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ بِأَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ; لِأَنَّ فُرْقَةَ اللِّعَانِ مُؤَبَّدَةٌ بِإِجْمَاعٍ إِذَا لَمْ يُكْذِبْ نَفْسَهُ , وَفُرْقَةُ الثَّلَاثِ لَا تَتَأَبَّدُ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِالتَّمَادِي عَلَى حُكْمِ اللِّعَانِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَقَعُ فُرْقَةُ اللِّعَانِ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ , وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَكَانَتْ سُنَّةَ المتلاعنين وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا فُرْقَةٌ تَجِبُ بِاللِّعَانِ فَاسْتَغْنَتْ عَنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ , وَلَوْ احْتَاجَتْ إِلَى ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ بِاللِّعَانِ , وَدَلِيلٌ ثَانٍ , وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ تَقْتَضِي تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا فَلَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَالْفُرْقَةِ الْوَاقِعَةِ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ , وَالْمُصَاهَرَةِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِالْتِعَانِ الزَّوْجِ حَتَّى تُكْمِلَ الْمَرْأَةُ الِالْتِعَانَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ : تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِالْتِعَانِ الزَّوْجِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَلَكِنْ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِلِعَانِهَا وَبِذَلِكَ يُدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابُ , وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَذْهَبِ إنَّمَا هُوَ خِلَافٌ فِي عِبَارَةٍ ; لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَتَبَعَّضُ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا لَوْ لَمْ تُلَاعِنْ لَمْ تَثْبُتْ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ إتْمَامِ الْتِعَانِهَا , وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ , وَوَجْهُ مَا نَقُولُهُ أَنَّ التَّلَاعُنَ لَمْ يَكْمُلْ فَلَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ كَمَا لَوْ بَقِيَ مِنْ لِعَانِ الزَّوْجِ شَيْءٌ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ الْمُتَلَاعِنَ بِأَثَرِ الْفَرَاغِ مِنْ اللِّعَانِ بِالطَّلَاقِ ; لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ وَلَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَقْضِي بِمَا صَحَّ عَنْهُ رَوَاهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى قَالَ : إنِّي لَأُحِبُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ مِثْلَ مَا صَنَعَ عُوَيْمِرٌ , وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَيَكْفِي فِي ذَلِكَ مَا مَضَى مِنْ سُنَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُمَا لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا , وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ عِيسَى : لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ لَهُ حُكْمٌ أَكْثَرُ مِنْ ظِهَارِ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَى مُفَارَقَتِهَا , وَالْإِبْعَادِ لَهَا وَإِظْهَارِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ اللِّعَانُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَيَقْتَدِي فِي ذَلِكَ بِمَا فَعَلَهُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ , وَهُوَ مَعْنَى اللِّعَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْهَا بَعْدَ عِلْمِهِ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا يُؤَكِّدُ صِدْقَهُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ : فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ يُرِيدُ أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ اسْتِحْبَابَ إظْهَارِ الطَّلَاقِ بَعْدَ اللِّعَانِ عَلَى مَا قَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بِانْقِضَاءِ اللِّعَانِ وَتَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.


حديث قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ ‏ ‏أَخْبَرَهُ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ ‏ ‏جَاءَ إِلَى ‏ ‏عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ ‏ ‏فَقَالَ لَهُ يَا ‏ ‏عَاصِمُ ‏ ‏أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ سَلْ لِي يَا ‏ ‏عَاصِمُ ‏ ‏عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَسَأَلَ ‏ ‏عَاصِمٌ ‏ ‏رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى ‏ ‏عَاصِمٍ ‏ ‏مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَلَمَّا رَجَعَ ‏ ‏عَاصِمٌ ‏ ‏إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ ‏ ‏عُوَيْمِرٌ ‏ ‏فَقَالَ يَا ‏ ‏عَاصِمُ ‏ ‏مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏عَاصِمٌ ‏ ‏لِعُوَيْمِرٍ ‏ ‏لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ ‏ ‏عُوَيْمِرٌ ‏ ‏وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا فَقَامَ ‏ ‏عُوَيْمِرٌ ‏ ‏حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ ‏ ‏سَهْلٌ ‏ ‏فَتَلَاعَنَا ‏ ‏وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ ‏ ‏عُوَيْمِرٌ ‏ ‏كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏قَالَ ‏ ‏ابْنُ شِهَابٍ ‏ ‏فَكَانَتْ تِلْكَ بَعْدُ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

فرق رسول الله ﷺ بينهما وألحق الولد بالمرأة

عن عبد الله بن عمر «أن رجلا لاعن امرأته في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتفل من ولدها، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد با...

لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك

عن محمد بن إياس بن البكير، أنه قال: طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، ثم بدا له أن ينكحها، فجاء يستفتي، فذهبت معه أسأل له، فسأل عبد الله بن عباس و...

الواحدة تبينها والثلاثة تحرمها حتى تنكح زوجا غيره

عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري، عن عطاء بن يسار، أنه قال: جاء رجل يسأل عبد الله بن عمرو بن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها؟ قال عطاء فقلت:...

رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل...

عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري أنه كان جالسا مع عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر بن الخطاب، قال فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال: إن رجلا من أهل الب...

طلق امرأته البتة وهو مريض فورثها عثمان بن عفان منه...

حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال وكان أعلمهم بذلك وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته البت...

ورث نساء ابن مكمل منه وكان طلقهن وهو مريض

عن الأعرج، أن عثمان بن عفان «ورث نساء ابن مكمل منه، وكان طلقهن وهو مريض»

إذا حضت ثم طهرت فآذنيني فلم تحض حتى مرض عبد الرحمن...

عن مالك، أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن، يقول: بلغني أن امرأة عبد الرحمن بن عوف سألته أن يطلقها، فقال: «إذا حضت ثم طهرت فآذنيني، فلم تحض حتى مرض عبد...

هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا

عن محمد بن يحيى بن حبان، قال: كانت عند جدي حبان امرأتان هاشمية، وأنصارية، فطلق الأنصارية، وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك عنها، ولم تحض، فقالت: أنا أرثه...

إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا وهو مريض فإنها ترثه

عن مالك، أنه سمع ابن شهاب، يقول: «إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا وهو مريض فإنها ترثه»(1) 1666- قال مالك: «وإن طلقها وهو مريض قبل أن يدخل بها فلها نصف الص...