1247- عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري، أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، قالت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، ولا نفقة، قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم»، قالت: فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بي فنوديت له فقال: «كيف قلت»؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، فقال: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله»، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي، فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه وقضى به "
صحيح
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفُرَيْعَةِ نَعَمْ لِتَنْتَقِلَ إِلَى بَنِي خُدْرَةَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا ثُمَّ اسْتَرْجَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ , فَلَمَّا رَدَّدَتْ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ مَنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا , فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّسْخِ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اعْتَقَدَ أَوَّلًا فِي قَوْلِهَا أَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَتْرُكْهَا فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا يَمْلِكُ سُكْنَاهُ وَكَانَ لَفْظُهَا مُحْتَمِلًا لِذَلِكَ فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ عَلَى ذَلِكَ , ثُمَّ رَأَى أَنَّ لَفْظَهَا مُحْتَمِلٌ فَاسْتَرْجَعَهَا وَأَمَرَهَا بِأَنْ تُعِيدَ عَلَيْهِ قِصَّتَهَا فَتَبَيَّنَ لَهُ مِنْ إعَادَتِهَا أَنَّهَا نَفَتْ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ مَنْزِلًا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ وَأَنَّهَا مَعَ ذَلِكَ فِي مَنْزِلٍ قَدْ مَلَكَ زَوْجُهَا سُكْنَاهُ إمَّا بِاكْتِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَأَمَرَهَا بِالْمُقَامِ وَإِتْمَامِ الْعِدَّةِ فِيهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْمَسْكَنِ فَإِنَّ لِلزَّوْجَةِ الْعِدَّةَ فِيهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ , وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَدِيثُ الْفُرَيْعَةِ وَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَأَنَّهَا امْتَثَلَتْ ذَلِكَ بِأَنْ اعْتَدَّتْ فِيهِ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا , وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ رَوَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِسْحَاقَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ وَعَدَدٌ كَثِيرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالْقَطَّانُ وَشُعْبَةُ , وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرَهُ , وَقَدْ أَخَذَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ , وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَهُوَ النَّاسِخُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إخْرَاجٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ عِدَّةٌ فَكَانَ مِنْ حُكْمِهَا الْمَسْكَنُ لِلزَّوْجَةِ كَالْمُطَلَّقَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَأَنَّهُ قَدْ اُحْتِيطَ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَكْثَرُ مِمَّا اُحْتِيطَ فِي الْمُطَلَّقَةِ لِمَوْتِ مَنْ كَانَ يَطْلُبُ بِالنَّسَبِ فَثَبَتَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَمْ تَثْبُتْ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ بِهَا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا , وَجُعِلَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الشُّهُورَ دُونَ الْحَيْضِ احْتِيَاطًا عَلَيْهَا ; لِأَنَّ الشُّهُورَ يَظْهَرُ أَمْرُهَا وَالْحَيْضُ يَخْفَى أَمْرُهُ , ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ السُّكْنَى مُرَاعًى فِي الْمُطَلَّقَةِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ فَبِأَنْ تَثْبُتَ فِي حُكْمِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْلَى وَأَحْرَى , وَهَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي وَرُبَّمَا وَصَلْته بِمَا يُتَمِّمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
( فَرْعٌ ) وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّارِ إِذَا كَانَتْ لِلْمُتَوَفَّى وَأَرَادَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ ؟ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِدَّةُ لِلْمَرْأَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالسُّكْنَى مِنْ الْغُرَمَاءِ , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْبَيْعُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّهَا قَدْ تَرْتَابُ فَتَمْتَدُّ عِدَّتُهَا.
وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ وَالرِّيبَةُ نَادِرَةٌ , وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي فَسَادِ الْعُقُودِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْقَصْدُ لَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ اخْتِلَافَ مُدَّةِ الْقَبْضِ إِذَا كَانَ فِيهَا تَفَاوُتٌ أَثَّرَتْ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَتْ السُّكْنَى لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ.
( فَرْعٌ ) فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ فِيهِ بِهَذَا الشَّرْطِ فَارْتَابَتْ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ هِيَ أَحَقُّ بِالْمُقَامِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الرِّيبَةُ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعِدَّةِ الْمُعْتَادَةِ , وَلَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ زَوَالِ الرِّيبَةِ كَانَ فَاسِدًا , وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا حُجَّةَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ تَمَادَتْ الرِّيبَةُ إِلَى خَمْسِ سِنِينَ ; لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْعِدَّةِ وَالْعِدَّةُ قَدْ تَكُونُ خَمْسَ سِنِينَ , وَنَحْوَ هَذَا رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ , وَهَذَا عِنْدِي عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى لِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُلْزِمُهُ ذَلِكَ فَلَا تَأْثِيرَ لِلشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ انْعَقَدَ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الْعِدَّةِ , فَإِنْ أَتَى مِنْ الرِّيبَةِ غَيْرُ الْمُعْتَادِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ , وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ , فَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَ السُّكْنَى لِلزَّوْجِ دُونَ الرَّقَبَةِ فَلَهَا السُّكْنَى فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِلْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكٍ , وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَةَ الْمَسْكَنِ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْمُرَهَا بِذَلِكَ إِذَا لَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ الرَّقَبَةَ وَلَا السُّكْنَى وَكَانَتْ الدَّارُ لِمُعَيَّنٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمَنْزِلَ كَانَ لَهَا أَوْ لَهُ لِمَا رَوَى وَهْبُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ زَوْجَهَا لَمْ يَدَعْ مَنْزِلًا يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةً وَإِنِّي امْرَأَةٌ شَاسِعَةُ الدَّارِ , فَإِنْ رَأَيْت أَنْ أَتَحَوَّلَ إِلَى أَهْلِي وَجِيرَانِي أَوْ قَالَتْ أَهْلِي وَأَهْلِ دَارِي , وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهَا دَارٌ وَلَا جِيرَانُ هُنَاكَ , وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا ذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ زَوْجَهَا قُتِلَ , وَأَنَّهُ تَرَكَهَا فِي مَسْكَنٍ لَهَا وَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَرَكَ دَارَ سُكْنَى يَمْلِكُ سُكْنَاهَا مِلْكًا لَا تَبَاعَةَ عَلَيْهِ فِيهِ فَلَزِمَ أَنْ تَعْتَدَّ الزَّوْجَةُ فِيهِ.
أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا مَلَكَ رَقَبَتَهَا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا كَانَ قَدْ أَدَّى الْكِرَاءَ , فَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤَدِّهِ فَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا , وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ الْكِرَاءُ اللَّازِمُ لِلْمَيِّتِ فِي مَالِهِ وَلَا تَكُونُ الزَّوْجَةُ أَحَقَّ بِذَلِكَ وتحاص الْوَرَثَةَ فِي السُّكْنَى وَلِلْوَرَثَةِ إخْرَاجُهَا إِلَّا أَنْ تُحِبَّ أَنْ تَسْكُنَ فِي حِصَّتِهَا وَيُؤَدَّى كِرَاءُ حِصَصِهِمْ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّهَا إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَا يَمْلِكُهُ مِنْ السُّكْنَى مِلْكًا تَامًّا , وَإِنَّمَا مِلْكُ الْعِوَضِ الَّذِي بِيَدِهِ , وَلَا حَقَّ فِي ذَلِكَ لِلزَّوْجَةِ إِلَّا بِالْمِيرَاثِ دُونَ السُّكْنَى ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ وَلَيْسَ بِسُكْنَى وَإِذَا مَلَكَ السُّكْنَى مِلْكًا تَامًّا تَعَلَّقَ حَقُّ الزَّوْجَةِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ رِضَى الْوَرَثَةُ فِي مُدَّةِ الْكِرَاءِ وَأَهْلُ الدَّارِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهَا الْكِرَاءَ وَيُقِرُّوهَا عَلَى السُّكْنَى لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخُرُوجُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إِلَّا أَنْ يَطْلُبَ مِنْهَا مَا لَا يُشْبِهُ مِنْ الْكِرَاءِ فَلَهَا الْخُرُوجُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السُّكْنَى لَهَا لَازِمٌ فِي ذَلِكَ الْمَسْكَنِ , وَإِنَّمَا لِلْوَرَثَةِ وَصَاحِبِ الدَّارِ فِي الدَّارِ حَقٌّ تَقَدَّمَ عَلَى حَقِّهَا ; لِأَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الدَّارِ فَإِذَا أَسْقَطُوا حَقَّهُمْ ذَلِكَ وَرَضُوا بِعِوَضِهِ عَلَى الْمُعْتَادِ لَزِمَهَا الْمُقَامُ , فَإِنْ كَانَ نَقَدَ بَعْضَ الْكِرَاءِ فَلَهَا السُّكْنَى فِي جَمِيعِ مَا نَقَدَ فِيهِ وَهِيَ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ مِمَّا لَمْ يَنْقُدْ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ الْبَتَّةَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاحِدًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا , ثُمَّ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ فَقَدْ لَزِمَهُ السُّكْنَى وَهُوَ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَدَ , وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَمْ تَطْلُقْ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ قَدْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ السُّكْنَى , وَإِنَّمَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ فَثَبَتَ لَهَا فِي السُّكْنَى حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْ مَالِهِ فَلَمْ تَلْزَمْهُ النَّفَقَةُ فِي السُّكْنَى أَصْلُ ذَلِكَ الَّتِي لَمْ تَطْلُقْ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا إِذَا مَلَكَ السُّكْنَى لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بِكِرَاءٍ أَوْ إسْكَانٍ مِثْلَ أَنْ يَسْكُنَ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ فَيُتَوَفَّى عِنْدَ انْقِضَائِهَا أَوْ قَبْلَ انْقِضَائِهَا بِشَهْرٍ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الدَّارِ وَلِمَنْ صَارَتْ إِلَيْهِ السُّكْنَى بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ إخْرَاجَهَا مِنْهَا وَفِي وَثَائِقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَطَّارِ أَنَّ هَذَا حُكْمُ زَوْجَةِ إمَامِ الْمَسْجِدِ يَمُوتُ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي دَارِ الْمَسْجِدِ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْكُنُهَا عَلَى سَبِيلِ الْأُجْرَةِ فَمَتَى تَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا إِنْ أَحَبَّ أَهْلُ الْمَسْجِدِ.
( فَرْعٌ ) هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا , وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ إِذَا كَانَ الْكِرَاءُ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا وَأَمَّا إِذَا وَقَعَ الْكِرَاءُ عَلَى سَنَةٍ بِعَيْنِهَا فَسَوَاءٌ نَقَدَ الْكِرَاءَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ الْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِالْمَسْكَنِ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا وَبَيْنَ أَنْ يُكْرِيَهَا سَنَةً بِعَيْنِهَا , وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ رِوَايَةَ أَبِي قُرَّةَ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَ السُّكْنَى غَيْرَ مُقَدَّرٍ مِثْلَ أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ حَيَاتَهُ , ثُمَّ هِيَ حَبْسٌ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَهُ فَمَاتَ الْأَوَّلُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ إِلَيْهِ الدَّارُ أَنْ يُخْرِجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْأَمِيرِ يَمُوتُ وَهُوَ سَاكِنٌ فِي دَارِ الْإِمَارَةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِسْكَانَ لَمَّا تَضَمَّنَ الْحَيَاةَ إِلَى حِينِ وَفَاتِهِ تَضَمَّنَ مَا يَلْزَمُ مِنْ السُّكْنَى بَعْدَ وَفَاتِهِ , وَأَمَّا مَنْ أُسْكِنَ مُدَّةً مُقَدَّرَةً فَلَمْ يَتَضَمَّنْ إسْكَانُهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ يَصِحُّ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي حَيَّاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا وَلَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةً فِي مَالِهِ وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهَا جَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْ عُذْرِهَا فِي الِانْتِقَالِ إِلَى بَنِي خُدْرَةَ قَوْمِهَا ; لِأَنَّ اكْتِسَابَهَا نَفَقَتَهَا وَالتَّسَبُّبَ فِيهَا هُنَاكَ أَمْكَنُ لَهَا حِينَ لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا مِمَّنْ تَرَكَ مَالًا تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا مِيرَاثَهَا مِنْهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَدْعِ مِمَّا عَرَضَتْهُ مِنْ حَالِهَا إِلَّا الِانْتِقَالَ إِلَى قَوْمِهَا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ فَيَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِعْسَارِ فَبِأَنْ يَسْقُطَ بِالْمَوْتِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُمْكُثِي حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِذَلِكَ لَمَّا كَانَ زَوْجُهَا قَدْ أَدَّى كِرَاءَ الْمَسْكَنِ أَوْ كَانَ أَسْكَنَ فِيهِ إِلَى وَفَاتِهِ أَوْ أَنَّ أَهْلَ الْمَنْزِلِ أَبَاحُوا لَهَا الْعِدَّةَ فِيهِ بِكِرَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ كِرَاءٍ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ مِمَّا رَأَى بِهِ أَنَّ الْمُقَامَ لَازِمٌ لَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا , وَذَلِكَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
( فَرْعٌ ) وَمَنْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ مَنْ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ تَعْتَدُّ إِلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَاتِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا أَوْ طَلَّقَ , ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ أَرَى أَنْ تُلْغِيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَ وَتُحْصِي مَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ وَتَحْسِبُ بَعْدَ تَمَامِهِ بِالْأَهِلَّةِ بِالْوَفَاةِ وَتُتِمُّ عَلَى بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا كَانَ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا , ثُمَّ عَشَرَةَ أَيَّامٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ تَلْزَمُ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَالصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ وَاَلَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الْمَحِيضِ وَاَلَّتِي حَاضَتْ وَالْيَائِسَةَ مِنْ الْمَحِيضِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ , وَعِدَّةُ جَمِيعِهِنَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ إِلَّا الْأَمَةَ فَعِدَّتُهَا مِنْ الْوَفَاةِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ , فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَمْ تَحِضْ أَوْ يَائِسَةً مِنْ الْمَحِيضِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ قَالَ أَشْهَبُ إِلَّا أَنْ يُؤْمَنَ مِنْ مِثْلِهَا الْحَمْلُ فَتُسْتَبْرَأُ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ , وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ فِي الْوَفَاةِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ إِنْ مَرَّتْ فِي ذَلِكَ بِوَقْتِ حَيْضَتِهَا فَحَاضَتْ وَإِذَا لَمْ يَمُرَّ بِهَا وَقْتُ حَيْضَتِهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ , وَلَوْ مَرَّ عَلَيْهَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأَشْهُرِ وَقْتُ الْحَيْضَةِ فَلَمْ تَحِضْ رُفِعَتْ إِلَى التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ كَالْحُرَّةِ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَلَا تَبْرَأُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ , وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمُطَلَّقَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ مَنْ رَاعَى الْحَيْضَةَ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ , فَإِنْ عَدِمَتْ الْحَيْضَةَ فَلَا يُبَرِّئُهَا إِلَّا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ عِدَّتُهَا ; لِأَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ كَالْأَقْرَاءِ لَمَّا كَانَتْ أَصْلًا فِي عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ كَانَتْ الْأَمَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ غَيْرَ أَنَّهَا إِنْ كَانَ يُخَافُ عَلَيْهَا الْحَمْلُ أَكْمَلَتْ الشُّهُورَ الثَّلَاثَةَ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ حَمْلُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ قَوْلِ مَالِكٍ مَا قَالَ عَنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إنَّنَا لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ رَحِمًا يَبْرَأُ مِنْ وَطْءٍ بِغَيْرِ حَيْضٍ مِمَّنْ يُمْكِنُ مِنْهَا الْحَمْلُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ كُلَّ شَهْرٍ فَلَمْ تَحِضْ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَهَذِهِ رِيبَةٌ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ تُرْفَعُ إِلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ , وَرَوَى سَحْنُونٌ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ تَبْرَأُ الْحُرَّةُ بِانْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْأَمَةُ بِانْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ مَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهَا أُنْثَى مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ لَمْ تَتَبَيَّنْ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا فَلَمْ تَبْرَأْ إِلَّا بِالْحَيْضِ أَوْ التَّرَبُّصِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْحَيْضِ كَالْمُطَلَّقَةِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَمْ يَعْتَبِرْ حَيْضًا وَلَا غَيْرَهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إِذَا تَعَلَّقَ بِالشُّهُورِ وَكَانَتْ أَصْلًا فِيهِ لَمْ يُعْتَبَرْ بِالْحَيْضِ كَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ خَمْسَةٍ إِلَى مِثْلِهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الْوَفَاةِ فَلَمْ يَأْتِ فِيهَا وَقْتُ حَيْضَتِهَا قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ إنَّهَا قَدْ حَلَّتْ وَإِنْ قَرُبَ وَقْتُ حَيْضِهَا , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ , فَإِنْ لَمْ يَرَيْنَ بِهَا رِيبَةً حَلَّتْ , وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ كِنَانَةَ تُقِيمُ حَتَّى تَحِيضَ , ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إِنَّ سَبَبَ تَأْخِيرِ الْحَيْضِ الْعَادَةُ لَا الرِّيبَةُ وَكَانَتْ كَالْيَائِسَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ لَا يُرَاعَى فِي مُدَّةِ الْحَيْضَةِ , وَإِنَّمَا تُسْتَرَابُ بِغَيْرِ الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي تَمَامِ الْعِدَّةِ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَةَ تُرَاعَى فِي تَمَامِ الْعِدَّةِ كَاَلَّتِي تَحِيضُ كُلَّ شَهْرٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا , وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ تَبْرَأُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا وَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إِلَّا أَنْ تَرْتَابَ إحْدَاهُمَا بِتَأْخِيرِ الْحَيْضَةِ عَنْ وَقْتِهَا فَتَرْجِعَ إِلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ ; لِأَنَّهُ غَالِبُ أَمَدِ الْحَمْلِ فَتَحِلُّ إِلَّا أَنْ تُحِسَّ تَحْرِيكًا فَتُقِيمَ إِلَى مُضِيِّ أَمَدِ الْحَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا بِالْحَيْضِ كُلَّ شَهْرٍ فَلَمْ تَحِضْ فِي الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالْعَشَرَةِ أَيَّامٍ إِلَّا حَيْضَةً وَاحِدَةً قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهَا , وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا أَنْ تَرْتَابَ إحْدَاهُنَّ بِتَأْخِيرِ الْحَيْضَةِ عَنْ وَقْتِهَا فَتَرْجِعَ إِلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَدْ رَوَيَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ بِأَثَرِ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَحِيضَ الْحُرَّةُ قَبْلَ التِّسْعَةِ وَبَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَالْأَمَةُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ فَتَحِلُّ حِينَئِذٍ , فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الرِّيبَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِتَأْخِيرِ الْحَيْضِ كُلِّهِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الرِّيبَةَ تَحْصُلُ بِتَأْخِيرِ الْحَيْضَةِ الْأَخِيرَةِ , إِلَّا أَنَّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ تُبْرِئُ ; لِأَنَّهَا جَاءَتْ فِي وَقْتِ الرِّيبَةِ لَا فِي وَقْتِ الْعِدَّةِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ فَعِدَّتُهَا فِي الْوَفَاةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً تِسْعَةُ أَشْهُرٍ ; لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ رِيبَةٌ بِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ فَكَمَا أَنَّ الْمُرْتَابَةَ بِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ تُرْفَعُ إِلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَكَذَلِكَ الْمُرْتَابَةُ بِالِاسْتِحَاضَةِ اعْتِبَارًا بِتَسَاوِيهِمَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا , وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَتَزَوَّجَ مُسْلِمًا وَغَيْرَهُ إثْرَ وَفَاتِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ لِلْوَفَاةِ وَلَا اسْتِبْرَاءٌ لِلدُّخُولِ فَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ , وَأَمَّا الْمَدْخُولُ بِهَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا كَالْمُسْلِمَةِ قَالَ مَالِكٌ تُجْبَرُ عَلَى الْعِدَّةِ وَتُمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ وَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهَا تَسْتَبْرِئُ رَحِمَهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إِنَّ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَوْلُ فِي الْكِتَابِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا عَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا , وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ سَاوَتْ الْمُسْلِمَةَ الْحُرَّةَ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ سَاوَتْهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ كَالْمُسْلِمَةِ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِعِدَّتِهَا حَقَّانِ حَقٌّ لِلْمَخْلُوقِ وَهُوَ حِفْظُ النَّسَبِ وَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا حَقُّ الْمَخْلُوقِ فَذَلِكَ يَلْزَمُهَا وَلَا يُبْرِئُهَا إِلَّا اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهَا , وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا أَدَاءُ حُقُوقِهِ إِلَّا بَعْدَ الْإِيمَانِ بِهِ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ سَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَقَضَى بِهِ يَقْتَضِي إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِإِخْبَارِ الْآحَادِ وَأَنَّ خَبَرَ الْمَرْأَةِ مِمَّا يُعْمَلُ بِهِ وَلِذَلِكَ سَأَلَهَا عُثْمَانُ عَنْ خَبَرِهَا فَقَضَى بِهِ لَمَّا أَخْبَرَتْهُ عَنْهُ وَسَمَاعُ هَذَا مِنْ خَبَرِ الْفُرَيْعَةِ حَتَّى كَانَ الْأُمَرَاءُ يُرْسِلُونَ إلَيْهَا وَيَسْأَلُونَهَا عَنْ ذَلِكَ وَيَقْضُونَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِمَّنْ عَاصَرَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ , وَلِذَلِكَ رَوَى وَهْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِالْإِسْنَادِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ أَهْلِهِ فَسَأَلَ النَّاسَ هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ عِلْمٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَنْصَارِ إِنَّ فُرَيْعَةَ تُحَدِّثُ فِيهِ بِحَدِيثٍ وَهِيَ حَيَّةٌ قَالَتْ فَأَرْسَلَ إلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْهُ فَحَدَّثْته فَأَخَذَ بِهِ.
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ قَالَتْ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ قَالَتْ فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَ بِي فَنُودِيتُ لَهُ فَقَالَ كَيْفَ قُلْتِ فَرَدَّدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي فَقَالَ امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ
عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب: كان «يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء، يمنعهن الحج»
عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن السائب بن خباب توفي، وإن امرأته جاءت إلى عبد الله بن عمر، فذكرت له وفاة زوجها، وذكرت له حرثا لهم بقناة، وسألته: «هل يصلح ل...
عن هشام بن عروة أنه كان يقول: في «المرأة البدوية يتوفى عنها زوجها، إنها تنتوي حيث انتوى أهلها» قال مالك: «وهذا الأمر عندنا»
عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: «لا تبيت المتوفى عنها زوجها، ولا المبتوتة إلا في بيتها»
عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن يزيد بن عبد الملك فرق بين رجال وبين نسائهم، وكن أمهات أولاد رجال هلكوا، فتزوجوهن بعد حيضة أو حيض...
عن عبد الله بن عمر أنه قال: «عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضة»
عن القاسم بن محمد، أنه كان يقول: «عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضة» قال مالك: «وهو الأمر عندنا» قال مالك: «وإن لم تكن ممن تحيض فعدتها ثلاثة أشهر»...
عن مالك أنه بلغه، أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار كانا يقولان: «عدة الأمة إذا هلك عنها زوجها شهران وخمس ليال»(1) 1738- عن ابن شهاب مثل ذلك(2)
عن ابن محيريز، أنه قال: دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه، فسألته عن العزل؟ فقال أبو سعيد الخدري: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في...