حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الأقضية باب القضاء في العمرى (حديث رقم: 1443 )


1443- عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أعمر عمرى له، ولعقبه، فإنها للذي يعطاها، لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث»

أخرجه مالك في الموطأ


أخرجه مسلم

شرح حديث (أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : مَعْنَى الْعُمْرَى هِبَةُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ مُدَّةَ عُمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرَ عَقِبِهِ فَسُمِّيَتْ عُمْرَى لِتَعَلُّقِهَا بِالْعُمْرِ , وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْأَعْمَارُ هِبَةَ الْمَنَافِعِ لَا هِبَةَ الرَّقَبَةِ , وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا أُعْطَى مِنْ الْمَنَافِعِ يَكُونُ لَهُ وَلِعَقِبِهِ وَلَا تَبْطُلُ لِعَقِبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا تَرْجِعُ بِذَلِكَ إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا ; لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ فَوَجَبَ أَنْ يُنْفِذَ عَطِيَّتَهُ عَلَى مَا أَعْطَاهَا مِنْ وُجُوبِ التَّوَارُثِ فِيهَا , وَإِنْ بِتَنَقُّلِ الْمَنَافِعِ إِلَى عَقِبِ الْمُعْطِي بَعْدَ مَوْتِهِ , وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْمَنَافِعِ وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ دُونَ رَقَبَةِ الدَّارِ ; لِأَنَّ رقبتها لَمْ يُعْطِهَا عَطَاءً وَقَعَتْ فِي الْمَوَارِيثُ وَلَا غَيْرَهُ وَلَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ : أَحَدُهَا فِي مَعْنَى الْعُمْرَى وَأَلْفَاظِهَا وَمَعْنَى الْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يَخْتَلِفُ لِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا.
وَالْبَابُ الثَّانِي : فِيمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّحْبِيسُ وَمَنْ يَصِحُّ عَلَيْهِ وَمَا يَصِحُّ تَحْبِيسُهُ.
وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي دُخُولِ الْعَقِبِ مَعَ الْمُعْطِي , أَوْ تَرْتِيبِهِ بَعْدَهُ.
وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَعْنَى الْعَقِبِ وَالذُّرِّيَّةِ وَالْبَنِينَ وَالْمَوْلَى.
وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي قِسْمَةِ مَنَافِعِ الْعُمْرَى.
وَالْبَابُ السَّادِسُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَسَمِ فِيهَا بِالْوِلَادَةِ وَانْتِقَالِهِ بِالْمَوْتِ.
وَالْبَابُ السَّابِعُ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ.
وَالْبَابُ الثَّامِنُ فِي مَنْ تَعُودُ إِلَيْهِ مَنَافِعُ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ وَمَنْ حَبَسَ عَلَيْهِمْ.
‏ ‏( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَى الْعُمْرَى وَأَلْفَاظِهَا وَمَعْنَى الْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يَخْتَلِفُ لِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعُمْرَى هِبَةُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ مُدَّةَ عُمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرِ عَقِبِهِ فَقَدْ سُمِّيَ الْمِلْكُ عُمْرَى لِجَوَازِ أَنْ تَعَلَّقَ الْعُمْرَى بِمَنَافِعِهِ , وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ رَجَعَتْ إِلَى صَاحِبِهَا إِنْ كَانَ حَيًّا , أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِ يَوْمَ مَاتَ إِنْ كَانَ مَيِّتًا , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُعْمَرِ وَلِعَقِبِهِ بَعْدَهُ فَإِنْ مَاتَ وَلَا عَقِبَ لَهُ فَلِبَيْتِ الْمَالِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْمِلْكِ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ يَقْتَضِي تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ ; لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْمِلْكِ لِوَقْتٍ يَنْتَهِي إِلَيْهِ يَمْنَعُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لِمَالِكِ رَقَبَتِهِ بِمَجِيءِ زَيْدٍ , أَوْ نُزُولِ الْمَطَرِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِلْعُمْرَى أَلْفَاظًا نَحْنُ نُبَيِّنُهَا وَنَذْكُرُ مَا يَقْرَبُ مِنْهَا مِمَّا يُخَالِفُهَا , وَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْعُمْرَى هِبَةَ الْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ فَإِنْ كَانَ مَا كَانَ مِنْ الْأَلْفَاظِ يَقْتَضِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْعُمْرَى , وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ عُمْرَى , أَوْ وَهَبْتُك سُكْنَاهَا عُمْرَك وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ وَعَقِبَك رَجَعَتْ إِلَى صَاحِبِهَا , وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَك وَلِعَقِبِك سُكْنَى وَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ إِذَا قَالَ : هِيَ لَك صَدَقَةُ سُكْنَى فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا سُكْنَاهَا صَدَقَةً دُونَ الرَّقَبَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ : حَيَاتَهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِذَا قَالَ هَذِهِ الدَّارُ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ : إنَّهَا عُمْرَى , وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ : هِيَ حَبْسٌ , وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَبْسِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ لَهُمَا بِمَعْنَى الْعُمْرَى , وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَتَرَجَّحَ فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا عُمْرَى مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّحْبِيسَ إنَّمَا يَقْتَضِي هِبَةَ الْمَنَافِعِ فَإِذَا قَالَ عَلَى فُلَانٍ اقْتَضَى ذَلِكَ اخْتِصَاصَ الْهِبَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ وَارِثٍ , أَوْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ الْمَنَافِعَ دُونَ مُدَّةِ عُمْرِهِ , وَذَلِكَ بِمَعْنَى الْعُمْرَى , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ التَّحْبِيسِ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ رُجُوعِ الْمَنَافِعِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ مَعْنَى التَّحْبِيسِ أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَحْبُوسَةً عَلَى وُجُوهٍ نَصَّ عَلَيْهَا أَوَاخِرَ تَعْيِينِهَا وَإِذَا حَبَسَهَا عَلَى فُلَانٍ انْصَرَفَتْ إِلَيْهِ مَنَافِعُهَا عُمْرَهُ فَإِذَا انْقَضَى عُمْرُهُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْحَبْسِ ; لِأَنَّهُ مَعْنَى يَمْنَعُ ذَلِكَ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَسْأَلُ عَمَّا أَرَادَ مِنْ عُمْرَى , أَوْ حَبَسَ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ فَقَدْ اخْتَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنْ يَعُودَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ , وَيَجُوزُ أَنْ يَجْرِيَ فِي ذَلِكَ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ ; لِأَنَّهَا مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا , وَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَكَانَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ قَالَ : دَارِي هَذِهِ حَبْسٌ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ مَا عَاشَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِمْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ حَبْسٌ مُؤَبَّدٌ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ تَصْرِيحٌ فِي تَأْبِيدِ التَّحْبِيسِ , وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلَّقَهُ بِهَذِهِ ; لِأَنَّ الْعُمْرَى فِيهَا وَالْبَيْعُ اقْتَضَى ذَلِكَ التَّحْبِيسَ الْمُؤَبَّدَ ; لِأَنَّهُ الَّذِي يَخْتَصُّ , وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَخْرَجِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ كَقَوْلِهِ حَبْسًا فَقَطْ , وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهَا حَبْسٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ , وَلَوْ قَالَ : دَارِي حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ مُعَيَّنِينَ مِثْلَ قَوْلِهِ : دَارِي حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَبَنِيهِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَخَالِدٍ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ , وَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ : وَعَلَى مَنْ يَحْدُثُ لَهُ بَعْدُ مِنْ وَلَدٍ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهَا حَبْسٌ لِتَعَلُّقِهَا بِمَجْمُوعَيْنِ , وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْأَوْلَادَ فِي قَوْلِهِ هِيَ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ أَوْ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ , أَوْ عَلَى قَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ كَبَنِي تَمِيمٍ , أَوْ قُرَيْشٍ , أَوْ قَالَ حَبْسًا مُؤَبَّدًا , أَوْ حَبْسًا لَا يُبَاعُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونَ فَهُوَ كَمَا قَالَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ , أَوْ حَبْسًا صَدَقَةً عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ , أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ.
قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ تَرْجِعُ مَنَافِعُهُ إِلَى الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ قَالَ : جَعَلْت دَارِي مَسْجِدًا , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ تَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَحُمِلَتْ عَلَى مُقْتَضَاهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ حَبْسًا صَدَقَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ : هِيَ عُمْرَى إِنْ لَمْ يَذْكُرْ عَقِبًا وَلَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةٍ , وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ كَقَوْلِهِ حَبْسًا فَقَطْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهَا تَرْجِعُ حَبْسًا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ قَالَ حَبَسْت هَذِهِ الدَّارَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُطَرِّفٌ الْحُكْمَ إِلَى مُعَيَّنٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْحَبْسُ وَيَلْزَمُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ و أَشْهَبَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ , وَأَمَّا مَنْ قَالَ دَارِي هَذِهِ عُمْرَى فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَذْكُرَ الْعُمْرَى وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَفْظَ التَّحْبِيسِ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَلَفْظُ الْعُمْرَى لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقُرْبَةِ فَأَشْبَهَ الصَّدَقَةَ وَالْهِبَةَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا لَفْظُ التَّوْقِيفِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : إِنَّ لَفْظَ التَّوْقِيفِ صَرِيحٌ فِي تَأْبِيدِ الْحَبْسِ فَلَا يَرْجِعُ مِلْكًا أَبَدًا ; لِأَنَّ مَفْهُومَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْعُرْفِ التَّبَتُّلُ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ وَتَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ عَلَى الدَّوَامِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا لَفْظُ الصَّدَقَةِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَمْلِيكَ الرُّقْبَةِ فَهُوَ عَلَى مَا أَرَادَ كَالْهِبَةِ , وَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَعْنَى الْحَبْسِ فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَبْسِ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي الَّذِي يَقُولُ مِلْكِي هَذَا صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ مَا عَاشُوا وَلَمْ يَقُلْ حَبْسًا أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِآخِرِ الْعَقِبِ مِنْ رَجُلٍ , أَوْ امْرَأَةٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَرَوْنَهُ حَبْسًا.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ لَفْظَ الصَّدَقَةِ , وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ ذَلِكَ بِمُعَيَّنٍ وَعَقِبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَهَا الْأَوَّلُ مِنْهُمْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ عَقِبَهُ مِنْ مِلْكِهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ آخِرَ الْعَقِبِ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْجُودٌ فِي الْمَذْهَبِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ : دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ وَوَلَدِهِ مَا عَاشُوا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِذَا انْقَرَضُوا مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ.
وَرَوَى فِي الْمَوَّازِيَّة أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ : إِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْعَقِبِ إِلَّا بِنْتٌ أَنَّ لَهَا بَيْعَ الدَّارِ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَقَدْ رَوَى صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ نَعَمْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنِّي اسْتَفَدْت مَالًا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ فَأَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّق بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم تَصَدَّقَ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُوَرَّثُ وَلَكِنْ تُنْفِقُ ثَمَرَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ فَصَدَقَتُهُ تِلْكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْمَسَاكِينِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلِذِي الْقُرْبَى لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ , أَوْ يُؤَكِّلُ صِدِّيقَهُ فَاسْتَعْمَلَ لَفْظَ الصَّدَقَةِ فِيمَا مَعْنَاهُ التَّحْبِيسُ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ أَنَّ تَعْلِيقَ الصَّدَقَةِ بِجَمَاعَةٍ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ بَعْدَ انْقِرَاضِ بَعْضِ بَنِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الصَّدَقَةُ بِالْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ ; لِأَنَّ الرَّقَبَةِ لَا يَصِحُّ فِيهَا نَقْلُهَا بِالصَّدَقَةِ عَنْ قَوْمٍ إِلَى قَوْمٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ , وَهَذَا مَعْنَى الْحَبْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إِذَا عَرَّا لَفْظَ الصَّدَقَةِ عَنْ لَفْظِ التَّحْبِيسِ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَقْتَضِي تَبْتِيلَ الصَّدَقَةِ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ صِفَةِ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِمْ , أَوْ صِفَةِ الصَّدَقَةِ مَا يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ , وَإِذَا عَرَّا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : إنَّهَا لَا تَكُونُ بِمَعْنَى التَّحْبِيسِ ; لِأَنَّ الصَّدَقَةَ ظَاهِرُهَا تَمْلِيكُ الرَّقَبَةِ , وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى الْمَنَافِعِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَبْسَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ تَبْقَى الرَّقَبَةِ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ وَلِلشَّافِعِيِّ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا : مِثْلُ هَذَا , وَالثَّانِي : يَنْتَقِلُ إِلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَالثَّالِثُ : يَنْتَقِلُ إِلَى الْبَارِي تَعَالَى.
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ بَدَلُ الْمَنَافِعِ فَلَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ الرَّقَبَةِ عَنْ مِلْكِ الْبَاذِلِ بِالْعَارِيَةِ وَدَلِيلٌ ثَانٍ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ فَلَا يَجُوزُ الْمِلْكُ عَنْ رُقْبَتِهِ وَيَبْقَى الْمِلْكُ عَلَى مَنَافِعِهِ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَصِحُّ التَّحْبِيسُ مِنْهُ , وَمَنْ يَصِحُّ التَّحْبِيسُ عَلَيْهِ وَمَا يَصِحُّ تَحْبِيسُهُ ) التَّحْبِيسُ فِي الْأَصْلِ جَائِزٌ يَلْزَمُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَلْزَمُ وَأَصْحَابُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ يَحْكُونَ عَنْهُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : إمَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ أَوْ يُوصِي فِي مَرَضِهِ , أَوْ يُوقَفُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ كَالْوَصِيَّةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا أَوْ سِقَايَةً فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي كَلَّمَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ مَالِكًا فِي مَجْلِسِ الرَّشِيدِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ مَالِكٌ , وَقَالَ لَهُ هَذِهِ أَوْقَافُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم يَنْقُلُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ خَلْفَهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ يُشِيرُ إِلَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ فِي ذَلِكَ عَنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا فِعْلُ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ حِينَ ظَهَرَ وَتَبَيَّنَ وَرَأَى أَصْحَابُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ الِاعْتِذَارَ لِقَوْلِهِ الْقَدِيمِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ بِخَيْبَرَ أَرْضًا فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فَقَالَ : إنِّي أَصَبْت أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطْ أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ قَالَ : إِنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُوَرَّثُ بَلْ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ , أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَحْبِيسُ عَقَارٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى وَصِيَّةٍ وَلَا حُكْمِ حَاكِمٍ كَالْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ فِي تَحْبِيسِ الرِّبَاعِ وَإِعْمَارِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ الْجَوَازُ , وَأَمَّا الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْحَبْسَ فِي الْحَيَوَانِ , وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ أَعْمَرَ دَابَّتَهُ , أَوْ دَارَهُ أَوْ عَبِيدَهُ فِي حَيَاتِهِ جَازَ وَيَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَى وَرَثَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي تَحْبِيسِ الثِّيَابِ شَيْئًا وَلَا بَأْسَ بِهِ , وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ جَائِزٌ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَازِمًا لِمُوَافَقَةِ الشَّرْعِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ , وَإِنْ قُلْنَا بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ وَالثَّانِيَةُ اللُّزُومُ , وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي الْخَيْلِ قَوْلًا وَاحِدًا , وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِهَا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْحَبْسَ فِي الْحَيَوَانِ فَإِنْ وَقَعَ أَمْضَاهُ , وَإِنْ أَرَادَ تَغْيِيرَهُ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لِلْمُعَيَّنِ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَذَلِكَ لَهُ , وَقَالَ أَشْهَبُ الْحَبْسُ فِي الْحَيَوَانِ لَازِمٌ عَلَى مَا شَرَطَ كَالرِّبَاعِ وَجْهُ اللُّزُومِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أَنَّ خَالِدًا حَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَصْلٌ يَبْقَى وَيَصِحُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَالْعَقَارِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ التَّحْبِيسَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ , وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْعَقَارِ دُونَ مَا يَنْقُلُ وَيَحُولُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوقِفَ الرَّجُلُ مِلْكَهُ عَلَى نَفْسِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا بِجِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَنْقُلَهُ إِلَى غَيْرِ تِلْكَ الْجِهَةِ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ وَهَبَ نَفْسَهُ مَالَهُ , وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مَنْ حَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى جِيرَانِهِ صَحَّ حَبْسُهُ وَدَخَلَ مَعَهُمْ , وَإِنَّمَا يُرَدُّ مَا حَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ خَاصَّةً.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ قَالَ : دَارِي هَذِهِ حَبْسٌ , أَوْ مَوْقُوفَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهًا تُصْرَفُ إِلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَقْصُودِ بِإِحْبَاسِ تِلْكَ الْجِهَةِ , وَوَجْهُ الْحَاجَةِ فِيهَا , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ , أَوْ الْمَسَاكِينِ قِيلَ لَهُ : إنَّهَا بالإسكندرية‎ قَالَ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّ مُعْظَمَ الْبِلَادِ مُعْظَمُ حَاجَتِهَا فِي إعْطَاءِ الْمَسَاكِينِ ; لِأَنَّهَا أَحَدُ وُجُوهِ الْبِرِّ وَأَعَمُّهَا , وَأَمَّا الثُّغُورُ فَرُبَّمَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إِلَى مَا يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْجِهَادِ آكَدُ فَيَنْظُرُ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ فَيَصْرِفُ الْأَحْبَاسَ الْمُطْلَقَةَ إِلَى مَا هُوَ آكَدُ حَاجَةٍ وَأَعَمُّ وَقْتَ عَقْدِ التَّحْبِيسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ حَبَسَ ذِمِّيٌّ دَارًا عَلَى مَسْجِدٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ امْرَأَةٍ نَصْرَانِيَّةٍ بَعَثَتْ دِينَارًا إِلَى الْكَعْبَةِ أَيُجْعَلُ فِي الْكَعْبَةِ ؟ قَالَ : يُرَدُّ إلَيْهَا , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ أَمْوَالٌ هِيَ أَطْهَرُ الْأَمْوَالِ وَأَطْيَبُهَا وَأَمْوَالُ الْكُفَّارِ أَبْعَدُ الْأَمْوَالِ عَنْ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ تُنَزَّهَ عَنْهَا الْمَسَاجِدُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ حَبَسَ مُسْلِمٌ عَلَى كَنِيسَةٍ فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُرَدَّ ; لِأَنَّهُ قَدْ صَرَفَ صَدَقَتَهُ إِلَى وَجْهِ مَعْصِيَةٍ كَمَا لَوْ صَرَفَهَا إِلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَإِعْطَائِهِ أَهْلِ الْفِسْقِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) رَوَى عُمَرُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ إخْرَاجَ الْبَنَاتِ مِنْ الْحَبْسِ إِذَا زُوِّجْنَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْبَنِينَ بِالْعَطَاءِ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ شِبْهِ فِعْلِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَاحْتَجَّتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الشَّأْنُ أَنْ يَبْطُلَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ , وَمَنْ أَخْرَجَهُنَّ عَنْهُ بَطَلَ تَحْبِيسُهُ , وَكَذَلِكَ مَنْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْهُنَّ بَطَلَ حَقُّهَا إِلَّا أَنْ يَرُدَّهَا رَادٌّ وَيَنْقُصُ ذَلِكَ حَتَّى يَرُدَّهَا إِلَى الْفَرَائِضِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَى إِنْ فَاتَ ذَلِكَ أَنْ يَضْمَنَ عَلَى مَا شَرَطَ , وَإِنْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَجُزْ عَنْهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيُدْخِلُ فِيهِ الْبَنَاتُ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ نَحْوَهُ وَأَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِسَحْنُونٍ وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِيمَنْ وَهَبَ بَعْضَ بَنِيهِ دُونَ بَعْضٍ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ , وَإِنْ نَقَصَ إِذَا لَمْ يَأْتِ الْمُحْبِسُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ كِبَارٌ فَإِنْ أَبَوْا لَمْ يُفْسَخْ , وَإِنْ كَانَ حَيًّا.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي دُخُولِ الْعَقِبِ مَعَ الْمُعْطِي ) الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ , وَذَلِكَ أَنَّ إعْطَاءَ الْمَنَافِعِ فِي الْعُمْرَى , أَوْ الْحَبْسِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ مُعَيَّنِينَ أَوْ لِمُعَيَّنِينَ وَغَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِينَ فَكَمَنْ قَالَ أَعْمَرْتُ هَذِهِ الدَّارَ وَلَدَ فُلَانٍ أَوْ عَقِبَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ دَارًا فَوُلِدَ لَهُ أَوْلَادٌ فَإِنَّهُمْ مَعَ الْآبَاءِ فِي حَيَاةِ الْأَبِ , وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ , وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَلَدِي وَوَلَدُ وَلَدِي يَبْدَأُ بِالْآبَاءِ فَيُوَرَّثُونَ , وَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ كَانَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ كَانَ مَالِكٌ يُؤْثِرُ الْأَعْلَيْنَ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ وَغَيْرُهُ يُسَوُّونَ بَيْنَهُمْ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ أَشْهَبَ لَا يَكُونُ الْأَبُ أَوْلَى مَعَ اسْتِوَاءِ الْحَاجَةِ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ فَكَانَ وَلَدُ الْوَلَدِ كَالْوَلَدِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمْ تَنَاوُلًا وَاحِدًا فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَوْا , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ شَأْنَ الْأَحْبَاسِ أَنْ يُؤْثِرَ أَقْرَبَهُمْ مِنْ الْمُحْبِسِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَحْتَجَّ بِالْآيَةِ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْآبَاءَ يبدءون فِي الْمِيرَاثِ قَوْلُهُ : وَلَدِي يَتَعَدَّى إِلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَتَمَامُ قَوْلِهِ هَذَا أَنْ يَقُولَ الْقَائِلِينَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إِذَا قَالَ وَلَدِي فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ مَنْ يَكُونُ مِنْ وَلَدِهِ مَا تَنَاسَلُوا , وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ وَلَدُ وَلَدِي وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِذَا قَالَ قُلْنَا يُؤْثِرُ الْأَقْرَبَ فِي قَوْلِهِ وَلَدِي فَبِأَنْ يُؤْثِرَ هَاهُنَا الْأَقْرَبَ أَوْلَى وَإِذَا قُلْنَا قَوْلُهُ وَلَدِي فَقَدْ تَقَدَّمَ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَأَعْقَابِهِمْ ثُمَّ بَقِيَ بَنُوهُ وَبَنُو بَنِيهِ فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمْ مَعَ اسْتِوَاءِ الْحَالِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) بَيْنَ الْأَعْلَوْنَ فَإِنَّ ذَلِكَ تَسَاوِي حَالٍ فِي الْحَاجَةِ يَبْدَأُ الْأَعْلَوْنَ وَيُعْطَى مَا فَضَلَ فَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ فِي وَلَدٍ أُوثِرُوا وَيَكُونُ الْأَبُ مَعَهُمْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانٌ , وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْوَلَدِ إِلَّا فِي الْفَضْلِ وَشَأْنُ الْإِحْبَاسِ إيثَارُ الْأَقْرَبِ , وَكَذَلِكَ مَرْجِعُهَا , وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُعْطَى الْأَبُ مَعَهُمْ فَلِئَلَّا يَنْقَطِعَ سَبَبُ الْأَبِ , وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا , وَلَوْ كَانَتْ الْحَاجَةُ فِي الْأَبِ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ وَلَدُ الْوَلَدِ إِلَّا بَعْدَ غِنَى الْأَبِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِذَا قَالَ دَارِي هَذِهِ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ , أَوْ عَلَى فُلَانٍ بَعْدَهُ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاءٌ ثُمَّ عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَعْقَابِهِمْ , وَلَوْ قَالَ : وَأَعْقَابُهُمْ دَخَلَ الْعَقِبُ مَعَ الْأَعْلَى , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ثُمَّ فِي الْعَطْفِ لِلتَّرْتِيبِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَبْدَأَ الْأَوَّلُونَ وَلَا يَكُونُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ شَيْءٌ إِلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ , وَأَمَّا الْوَاوُ فَهِيَ لِلْجَمْعِ فَاقْتَضَتْ التَّشْرِيكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَعْنَى الْعَقِبِ وَالْبَنِينَ وَالْوَلَدِ وَالْوَرَثَةِ ) قَالَ مَالِكٌ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الْعَقِبَ الْوَلَدُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَيْسَ وَلَدُ الْبَنَاتِ عَقِبًا ذَكَرًا كَانَ , أَوْ أُنْثَى وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَيَجْمَعُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ , أَوْ أُنْثَى أَدْلَتْ بِهِ أُنْثَى فَلَيْسَ بِعَقِبٍ , وَقَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْلُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ عَقِبَ الرَّجُلِ مَنْ انْتَسَبَ إِلَيْهِ وَوَلَدُ الْبَنَاتِ لَا يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ , وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ الْهَاشِمِيِّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيُّ , وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ لُبَابَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةَ , وَمَنْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ الْعَرَبِ وَأُمُّهُ مِنْ الرُّومِ لَا يُقَالُ لَهُ الرُّومِيُّ وَلَا يُنْتَسَبُ إِلَى الرُّومِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِنَّهُ اسْمٌ يَتَنَاوَلُ الْوَلَدَ وَوَلَدَ الْوَلَدِ الذُّكُورُ ذُكُورُهُمْ وَالْإِنَاثُ إنَاثُهُمْ , وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ ; لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْمَوَارِيثِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ كِنَانَةَ فَلِذَلِكَ لَا يَدْخُلُونَ فِي صَدَقَةِ الْجَدِّ فِي أُمِّهِمْ بِهَذَا الِاسْمِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْوَلَدِ وَالْعَقِبِ سَوَاءٌ , وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ كَالْوَلَدِ فِي رَدِّ الْأُمِّ إِلَى السُّدُسِ وَلَا تَأْثِيرَ فِي ذَلِكَ لِوَلَدِ الْبَنَاتِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَكَانَتْ الْفَتْوَى عِنْدَنَا يُرِيدُ بِقُرْطُبَةَ أَنَّ وَلَدَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ فِي ذَلِكَ وَقَضَى بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ وَبِهِ يُفْتِي أَكْثَرُ مَنْ كَانَ فِي زَمَانِهِ قَالَ , وَكَذَلِكَ الْأَعْقَابُ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ إِلَّا فِي قَوْلِهِ بَنِي وَبَنِي بَنِيَّ وَوَلَدِي وَوَلَدُ وَلَدِي أَبْيَنُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْبَنُونَ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْوَلَدَ وَوَلَدَ الْوَلَدِ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ قَالَ مَالِكٌ : وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ فَإِنَّ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ بَنِيهِ يَدْخُلُونَ فِي ذَلِكَ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى بَنَاتِهِ فَإِنَّ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ بَنِيهِ يَدْخُلُونَ مَعَ بَنَاتِ صُلْبِهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِنَا أَنَّ وَلَدَ الْبِنْتِ لَا يَدْخُلُونَ فِي الْبَنِينَ وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أَنَّهُ قَالَ لِلْحَسَنِ أَنَّ ابْنِي هَذَا لَسَيِّدٌ فَعَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْإِخْبَارِ بِمَحَاسِنِهِ لَا عَلَى مَعْنَى النِّسْبَةِ وَإِطْلَاقِ اللَّفْظِ فَإِذَا حَبَسَ عَلَى نَسْلِ فُلَانٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ أَنَّهُ كَقَوْلِهِ وَلَدُ وَلَدِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ خُرُوجِ وَلَدِ الْبَنَاتِ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَدُخُولِهِمْ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ الْمُحْبِسِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الذُّرِّيَّةُ فَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَطَّارِ لَا خِلَافَ فِي دُخُولِ وَلَدِ الْبَنَاتِ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ إِلَى قَوْلِهِ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى فَجَعَلَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ إبْرَاهِيمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدَ ابْنٍ , وَإِنَّمَا هُوَ وَلَدُ بِنْتٍ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْآلُ فَهُمْ الْأَهْلُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ آلُهُ وَأَهْلُهُ سَوَاءٌ وَهُمْ الْعَصَبَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْخَالَاتُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي الْعَصَبَةُ , أَوْ مَنْ كَانَ فِي قعددهن مِنْ النِّسَاءِ , وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي مَنْ حَبَسَ عَلَى رَجُلٍ وَعَلَى أَهْلِهِ أَوْسُقًا مُسَمَّاةً مِنْ حَائِطِهِ فَهَلَكَ وَلَدٌ مِنْ وَلَدِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَوَلَدٌ لَهُ آخَرُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَبْسِ , وَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ الْمُسَلِّمِ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِأَدِلَّةٍ اُقْتُرِنَتْ بِهِ صَرَفَتْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ وَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا , وَهَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ , وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَيَدْخُلُ فِي الْأَهْلِ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ بَعُدُوا , أَوْ قَرُبُوا , وَلَوْ قَالَ عَلَى آبَاءٍ دَخَلَ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ بَعُدُوا أَوْ قَرُبُوا , وَكَذَلِكَ الْعُمُومَةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَعْبُدُ إلَهَك وَإِلَهَ آبَائِك إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ , وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَالْأُخْتَانِ أَنْ يَدْخُلُوا وَهَذِهِ الْمَعَانِي إنَّمَا وَرَدَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ حَقَائِقُهَا , أَوْ عُرْفُ اسْتِعْمَالِهَا الْغَالِبِ عَلَى حَقَائِقِهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْقَرَابَةُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَوْصَى بِمَالٍ لِأَقَارِبِهِ أَنَّهُ يُقَسَّمُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبُ بِالِاجْتِهَادِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَلَدُ الْبَنَاتِ وَوَلَدُ الْخَالَاتِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ يَدْخُلُ فِيهَا الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يَدْخُلُ فِيهِ أَقَارِبُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ , وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ كُلَّ ذِي رَحِمٍ مِنْهُ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مُحَرَّمٌ , أَوْ غَيْرُ مُحَرَّمٍ فَهُوَ ذُو قَرَابَةٍ , وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي الِاسْتِيفَاءِ مُسْتَوْعِبًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْمَوَالِي فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى مَوَالِيه فَإِنَّ مَوَالِيَ مَوَالِيه يَدْخُلُونَ مَعَهُمْ , وَكَذَلِكَ مَوَالِي ابْنِهِ , وَكَذَلِكَ مَوَالِي أَبِيهِ وَرَوَى عَنْهُ وَهْبٌ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ مَوَالِيه وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ لَا يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ وَلَا هُمْ فِي قعدد عَصَبَتِهِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ يُنَاسِبُونَهُ إِلَى أَحَدِ جَدَّيْهِ , وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْقَرَابَةَ وَيَلْزَمُهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي بَنَاتِ الْأَخِ أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ بَنُو الْخَالَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِجَنْبَةِ الْأَبِ قَرَابَةٌ يَدْخُلُ بِهَا وَلَدُ النِّسَاءِ دُونَ جَنْبَةِ الْأُمِّ ; لِأَنَّ جَنْبَةَ الْأَبِ فِي الْقَرَابَةِ لَهَا وَجْهٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْ ذَلِكَ تَفْسِيرًا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْقَرَابَةُ مِنْ غَيْرِهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ حَبَسَ عَلَى قَوْمِهِ , أَوْ قَوْمِ فُلَانٍ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ خَاصَّةً مِنْ الْعَصَبَةِ دُونَ النِّسَاءِ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَالنِّسَاءِ قَالَ زُهَيْرٌ وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إِخَالُ أَدْرِي أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ قُلْنَا : إنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَوَالِي أُمِّهِ مَوَالِي بَنِيهِ وَأَبِيهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى مَوَالِيه فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالِي وَلَدُ الْوَلَدِ وَالْأَجْدَادِ وَالْأُمِّ وَالْجَدَّةِ وَالْإِخْوَةِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالِي بَنِي الْإِخْوَةِ وَالْعُمُومَةِ وَلَوْ أَدْخَلْت هَؤُلَاءِ دَخَلَتْ مَوَالِي الْقَبِيلَةِ , وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالتَّعْصِيبِ فَإِنَّ مَوَالِيَهُ يَدْخُلُونَ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ مَوَالِي الْمُحْبِسِ , وَمَنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَأَخْوَالُهُ لَا يَدْخُلُونَ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْمَوَالِي.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالِي هَؤُلَاءِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ وَيُؤْثِرُ عَلَى الْأَبْعَدِ إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْحَاجَةِ , وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ غَنِيًّا أُوثِرَ الْمُحْتَاجُ الْأَبْعَدُ عَلَيْهِ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي مَوَالِي الْأَبِ وَالِابْنِ.
‏ ‏( الْبَابُ الْخَامِسُ فِي قِسْمَةِ مَنَافِعِ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ ) فَأَمَّا الْعُمْرَى وَالْحَبْسُ الَّذِي تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَإِنَّهُمْ فِيهِ بِالسَّوِيَّةِ , وَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَا حُبِسَ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ دَارٍ , أَوْ زَرْعٍ , أَوْ ثَمَرِ نَخْلٍ فَذَلِكَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ وَلِلذَّكَرِ مِثْلُ مَا لِلْأُنْثَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ دُونَ تَعَقُّبٍ فَإِنَّ حَقَّ الْغَائِبِ مِنْهُمْ ثَابِتٌ فِي السُّكْنَى وَحَاضِرُهُمْ وَغَائِبُهُمْ سَوَاءٌ , وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَفَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ سَوَاءٌ , وَأَمَّا الْعُمْرَى وَالْحَبْسُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ وَأَعْقَابِهِمْ فَإِنَّهُ يُفَضِّلُ أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْمُؤْنَةِ وَالْعِيَالِ وَالزَّمَانَةِ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ مَنْ وُلِّيَ ذَلِكَ , وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا يُفَضَّلُ ذُو الْحَاجَةِ عَلَى الْغَنِيِّ فِي الْحَبْسِ إِلَّا بِشَرْطٍ مِنْ الْمُحْبِسِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَى الْحَبْسِ الْقُرْبَةُ وَإِيثَارُ ذَوِي الْحَاجَةِ يَقْتَضِي الْقُرْبَةَ إِلَّا أَنْ يُصْرَفَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِشَرْطٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحَبْسِ الْمُخْتَصِّ بِالْمُعَيَّنِينَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ حَبَسَ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَقَدْ قَصَدَ اسْتِيفَاءَهُمْ وَالْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمْ وَإِذَا أَفْرَدَ غَيْرَ مُعَيَّنِينَ وَأَضَافَهُمْ إِلَى مُعَيَّنِينَ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيعَابَ وَلَا الْمُسَاوَاةَ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِمْ فَكَانَ ذَلِكَ مُقْتَضَى حَبْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ , وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُحْبِسَ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مِنْهُمْ الْغَنِيَّ وَالْمُحْتَاجَ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ إيثَارُ ذَوِي الْحَاجَةِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى الْفُقَرَاءِ , أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَذَوِي الْقُرْبَى وَفِي قَرَابَتِهِ غَنِيٌّ لَا يُعْطَى مِنْهُ وَلَكِنَّ ذَوِي الْحَاجَةِ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ وَعَلَى أَعْقَابِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ لَا يُعْطَى مِنْهُ الْغَنِيُّ شَيْئًا وَيُعْطَى الْمُتَوَسِّطُ بِقَدْرِ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْأَغْنِيَاءِ أَوْلَادٌ كِبَارٌ فُقَرَاءُ قَدْ بَلَغُوا أَعْطُوا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَبْسِ وَمُقْتَضَاهُ الْقُرْبَةُ وَسَدُّ الْخَلَّةِ , وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِذَوِي الْحَاجَةِ , وَأَمَّا الْمُسَدِّدُ فَهُوَ الَّذِي لَهُ كِفَايَةٌ وَرُبَّمَا ضَاقَتْ حَالُهُ بِكَثْرَةِ عِيَالِهِ , وَأَمَّا وَلَدُ الْغَنِيِّ لَا مَالَ لَهُ فَهُوَ فَقِيرٌ وَإِذَا بَلَغَ صَحِيحًا فَلَمْ يَلْزَمْ الْأَبَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَذَوِي الْحَاجَةِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَإِذَا تَسَاوَى أَهْلُ الْحَبْسِ فِي الْفَقْرِ , أَوْ الْغِنَى أُوثِرَ الْأَقْرَبُ وَيُعْطَى الْفَضْلُ مَنْ يَلِيه , وَإِنْ كَانَ الْأَبْعَدُ غَنِيًّا أُوثِرَ الْفَقِيرُ الْأَبْعَدُ , ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ بِالْحَبْسِ قَرَابَتَهُ كَانَ لِلْقَرِيبِ تَأْثِيرٌ فِي الْإِيثَارِ إِلَّا أَنَّ تَأْثِيرَ ذَوِي الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ أَكْثَرُ ; لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الصَّدَقَاتِ وَالْأَحْبَاسِ , وَهَذَا إِذَا كَانَ عَدَدُ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ لَا يَنْحَصِرُ وَلَا يَفْضُلُ عَنْ فُقَرَائِهِمْ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ إِلَى الْأَغْنِيَاءِ , وَقَدْ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحَبْسَ لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ , وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْبِسَ عَلَى رَجُلٍ غَنِيٍّ , وَإِنَّمَا يُؤْثِرُ الْفُقَرَاءَ فَإِنْ فَضَلَتْ فَضْلَةٌ جَازَ صَرْفُهَا إِلَى مَنْ شَرَكَ الْفُقَرَاءَ فِي مَعْنَى الْحَبْسِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي الْحَبْسِ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِشَرْطٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ التَّشْرِيكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ وَسَوَّى بَيْنَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ فِي ذَلِكَ الثُّلُثِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا قَسَمَ الْحَبْسَ بَيْنَ أَهْلِهِ مِنْ غَلَّةٍ وَسُكْنَى فَلَيْسَ عَلَى كَثْرَةِ الْعَدَدِ وَلْيَبْدَأْ بِأَهْلِ الْحَاجَةِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ : وَلَوْ بَدَرَ إِلَى سُكْنَى الْحَبْسِ بَعْضُهُمْ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْبِدَارِ وَلَكِنَّ الْمُقَدَّمَ أَحْوَجُهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ مِنْ الْمُحْبِسِ , وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ تَسَاوَوْا فِي الْغِنَى وَالْحَاجَةِ فَمَنْ سَبَقَ إِلَى سُكْنَاهَا مِنْهُمْ فَهُوَ أَحَقُّ وَلَا يَخْرُجُ لِمَنْ بَقِيَ وَلَيْسَ عَلَى عَدَدِهِمْ وَلَكِنْ بِقَدْرِ كَثْرَةِ الْعِيَالِ وَلَيْسَ الْأَعْزَبُ فِي السُّكْنَى كَالْمُتَأَهِّلِ الْمُعَقِّبِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَأَمَّا إِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا وَالْحَاضِرُ أَوْلَى مِنْهُ بِالسُّكْنَى ; لِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يُمْكِنُهُ سُكْنَاهُ فَكَانَ الْحَاضِرُ أَوْلَى بِهِ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حُبِسَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُؤْثِرَةَ فِي التَّقْدِيمِ الْحَاجَةُ وَالْقَرَابَةُ وَالْبِدَارُ , وَالْحَاجَةُ مُقَدَّمَةٌ فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْحَاجَةِ وَالْقَرَابَةِ فَمَنْ بَادَرَ إِلَى السُّكْنَى كَانَ أَحَقُّ بِهِ وَفِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَاضِرَ أَحَقُّ مِنْ الْغَائِبِ ; لِأَنَّ الْحَاضِرَ بَادَرَ إِلَى السُّكْنَى قَبْلَهُ وَالِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ ابْتِدَاءَ السُّكْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَاضِرَ أَوْلَى بِالسُّكْنَى مِنْ الْغَائِبِ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَغِيبَ قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ فَإِنَّهُ إِذَا قَدِمَ لَمْ يَخْرُجْ لَهُ مَنْ قَدْ سَكَنَ وَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ فِي سَفَرِ انْقِطَاعٍ , وَلَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا فَعَرَضَ لَهُ بَعْضُ مَا يَعْرِضُ لِلنَّاسِ مِنْ الْأَسْفَارِ كَانَ لَهُ أَنْ يُكْرِيَ مَسْكَنَهُ إِلَى أَنْ يَعُودَ , وَلَوْ انْتَقَلَ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ رَدَّ إِلَى مَنْزِلِهِ وَأَخْرَجَ مَنْ كَانَ دَخَلَ فِيهِ قَالَهُ مَالِكٌ وَإِذَا سَكَنَ بَعْضُهُمْ لِحَاجَتِهِ وَلِحُضُورِهِ فَاسْتَغْنَى وَقَدِمَ الْغَائِبُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِم عَنْ مَالِك فِي الْمَجْمُوعَةِ لَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِقُدُومِ الْغَائِبِ وَلَا لِحَاجَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ وَالْغَائِبُ وَالْمُسَافِرُ كَالْحَاضِرِ فِي ابْتِدَاءِ الْقِسْمَةِ , أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ كَانَ سَكَنَ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ مَعَ أَبِيهِ فَبَلَغَ فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا يُمْكِنُهُ الِانْفِرَادُ عَنْ أَبِيهِ فَلَهُ مَسْكَنُهُ مِنْ الْحَبْسِ , وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ إِذَا ضَاقَ عَلَيْهِ مَسْكَنُ أَبِيهِ فَأَمَّا مَنْ ضَعُفَ عَنْ الِانْفِرَادِ فَلَا مَسْكَنَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَ فَمَنْ تَزَوَّجَ مِنْهُمْ فَلَهُ حَقُّهُ فِي الْمَسْكَنِ , وَهَذَا فِي الذُّكُورِ , وَأَمَّا الْإِنَاثُ فَلَا مَسْكَنَ لَهُنَّ , وَإِنْ بَلَغْنَ ; لِأَنَّهُنَّ فِي كَفَالَةِ الْأَبِ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْكِرَاءُ وَالْغَلَّاتُ مِنْ الثَّمَرِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ حَقَّ مَنْ انْتَجَعَ , أَوْ غَابَ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ السُّكْنَى إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ الْقَاسِمِ.
‏ ‏( الْبَابُ السَّادِسُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَسْمِ بِالْوِلَادَةِ وَانْتِقَالِهِ بِالْمَوْتِ ).
وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ انْتِقَالٌ إِلَى مَنْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ حُبِسَ عَلَيْهِمْ وَانْتِقَالٌ إِلَى غَيْرِهِمْ فَأَمَّا الِانْتِقَالُ إِلَى الْمُحْبِسِ , أَوْ الْمُعْمِرِ عَلَيْهِمْ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْإِشَاعَةِ , أَوْ الْإِبْهَامِ فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِشَاعَةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ فِيمَنْ حَبَسَ دَارًا أَوْ حَائِطًا عَلَى قَوْمٍ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّ مَا كَانَ لِلْمَيِّتِ مِنْ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ حَتَّى يَنْقَرِضُوا , وَذَلِكَ فِي الْأَحْبَاسِ كُلِّهَا مِنْ غَلَّةٍ , أَوْ سُكْنَى , أَوْ خِدْمَةٍ , أَوْ دَارٍ مُحْبَسَةٍ كَانَ مَرْجِعُ ذَلِكَ الْحَبْسَ إِلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ , أَوْ غَيْرِهِ أَوْ إِلَى السَّبِيلِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ فَنَصِيبُ الْمَيِّتِ يَرْجِعُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَنَحْوِهِ , رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ سَحْنُونٌ , وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ وَقَالَهُ الْمُغِيرَةُ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ إِلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ أَخَذَ بِرُجُوعِ مَالِكٍ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ فَقَالَ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فِيمَا يَنْقَسِمُ وَمَا لَا يَنْقَسِمُ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ جَمِيعَهُمْ فِي لَفْظِ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ , وَالتَّشْرِيكُ بَيْنَهُمْ فِيهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الِاسْمَ وَيَتَنَاوَلُهُ حَتَّى يَنْقَرِضُوا , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كَوْنَهُ مِمَّا يَنْقَسِمُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحِصَّتِهِ , وَذَلِكَ يَمْنَعُ رُجُوعَ حِصَّتِهِ إِلَى إشْرَاكِهِ وَيُوجِبُ انْقِطَاعَ حُكْمِ الْعُمْرَى مِنْهَا لِمَوْتِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَرَاعَيْنَا مَا يَنْقَسِمُ فَإِنَّ مُطَرِّفًا قَالَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَسْكَنِ : إِنْ جَزَّأَ الْمُحْبِسُ الدَّارَ بَيْنَهُمْ فَنَصِيبُ الْمَيِّتِ رَاجِعٌ إِلَى رَبِّ الدَّارِ , وَإِنْ جَزَّءُوهَا هُمْ بَيْنَهُمْ فَنُصِيبُ الْمَيِّتِ رَاجِعٌ إِلَى أَصْحَابِهِ , وَقَالَ سَحْنُونٌ أَنَّ هَذَا فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ ; لِأَنَّ سُكْنَاهُمْ الدَّارَ سُكْنَى وَاحِدٍ وَاخْتِدَامَهُمْ الْعَبْدَ كَذَلِكَ قَالَ , وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَمَا كَانَ مِنْ غَلَّةٍ تَنْقَسِمُ , أَوْ دَارٍ تُكْتَرَى , أَوْ عَبِيدٍ مخارجين فَإِنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ يَرْجِعُ إِلَى مَنْ إِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَبَسَ خَادِمًا عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ , أَوْ عَلَى نَاسٍ مُجْتَمَعِينَ حَيَاتَهُمْ فَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَنَصِيبُهُ عَلَى مَنْ بَقِيَ , وَلَوْ كَانَ عَلَى رَجُلَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ هَذَا عَلَى حِدَةٍ , وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ فَنَصِيبُ مَنْ مَاتَ لِلْمُحْبِسِ , وَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ : وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَلَوْ جَعَلَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ , أَوْ الْمُجْتَمَعِينَ وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مَعْرُوفٌ فَلَا يَرْجِعُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ عَلَى أَصْحَابِهِ , وَلَوْ حَبَسَهُ عَلَى الْمُفْتَرِقِينَ وَجَعَلَ ذَلِكَ مُشَاعًا كَانَ نَصِيبُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لِأَصْحَابِهِ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ : إِذَا قَالَ : غُلَامِي يَخْدُمُ فُلَانًا يَوْمًا وَفُلَانًا يَوْمًا فَهَذِهِ قِسْمَةٌ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا رَجَعَ نَصِيبُهُ إِلَى أَصْحَابِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ مُرَاعَاةُ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ سَحْنُونٍ يَقْتَضِي مُرَاعَاةَ قِسْمَةِ الْمُعْطِي ذَلِكَ بَيْنَهُمْ فِي نَفْسِ الْعَطِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ , وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْعَطِيَّةُ مِمَّا يَنْقَسِمُ كَالْعَبِيدِ المخارجين , وَالْغَلَّةُ تَنْقَسِمُ وَالدَّارُ تُكْرَى وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَرِوَايَتُهُمْ عَنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ الْمُعْطَى عِنْدَ الْعَطِيَّةِ فَهَذَا حُكْمُهُ إِذَا بُيِّنَ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا أُبْهِمَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ حَتَّى يُبَيِّنَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْإِبْهَامِ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ وَالْإِشَاعَةَ فَحُمِلَ عَلَيْهِ , وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِين وَمَعْنَاهُ أَنْ يُعَيِّنَ الْحُظُوظَ فَيُسَمِّيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا مُعَيَّنًا أَوْ نَصِيبًا مُسَمًّى , أَوْ سُكْنَى مَعْرُوفَةً فَإِنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ يَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِ الْمَرْجِعِ , وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَعْيِينَهُ وَتَعْيِينَ نَصِيبِهِ يَقْتَضِي مَنْعَ الِاشْتِرَاكِ وَيَجْعَلُ حُكْمَ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ يَخْتَصُّ بِهِ فَإِذَا تُوُفِّيَ اسْتَحَقَّ مَا كَانَ لَهُ صَاحِبُ الْمَرْجِعِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا إِذَا كَانَ التَّحْبِيسُ , أَوْ التَّعْمِيرُ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ مِثْلِ أَنْ يَقُولَ : عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ , أَوْ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ فَهَذَا إِنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ أَخَذَ جَمِيعَ الْغَلَّةِ إذْ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِي صِفَةِ التَّحْبِيسِ , وَقَدْ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى امْرَأَتَيْنِ وَعَقِبِهِمَا فَهَا هُنَا يَرْجِعُ نَصِيبُ الْمَيِّتَةِ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِ الْمَرْجِعِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ مَنْ حَبَسَ حَبْسًا عَلَى رَجُلَيْنِ حَيَاتِهِمَا ثُمَّ لِرَجُلٍ بَعْدَهُمَا فِي وَجْهٍ آخَرَ فَمَاتَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ رَجَعَ نَصِيبُهُمَا عَلَى الْآخَرِ , وَقَدْ قِيلَ يَرْجِعُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَإِذَا كَانَ الْحَبْسُ حَائِطًا فَمَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ الْإِبَارِ , أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ , أَوْ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ , أَوْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِبَارِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ : لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّمَرِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ , وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِبَارِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ لَهُ وَلَا لِوَرَثَتِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ وَهِيَ لِمَنْ وُلِدَ بَعْدَ الْإِبَارِ وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ , وَقَالَ أَشْهَبُ : هِيَ لِوَرَثَتِهِ مَنْ مَاتَ بَعْدَ الْإِبَارِ , وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِبَارِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْهَا وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ , وَفِي الْمُعْمِرِ يَمُوتُ وَفِي الْحَائِطِ ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَتْ ! أَنَّهَا لِوَرَثَتِهِ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالثَّمَرَةِ مَعَ بَقَاءِ الرُّقْبَةِ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بُدُوُّ ! الصَّلَاحِ ! كَالزَّكَاةِ ; لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْحَبْسِ ذَلِكَ الْوَقْتِ جَازَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِأَكْلِهَا رُطَبًا ; لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ مَقْصُودٌ فَلَوْلَا اسْتِحْقَاقُهُ لِلثَّمَرَةِ لَمُنِعَ الِانْتِفَاعُ بِهَا , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهَا عَطِيَّةٌ فَوَجَبَتْ بِالْإِبَارِ ! كَالصَّدَقَةِ الْمُبَتَّلَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَسْتَحِقُّ فِيهَا بِالْإِبَارِ فَكَذَلِكَ هَذَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ , وَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الثَّمَرَةِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ حُبِسَ عَلَى وَلَدِ فُلَانٍ فَإِنَّ الْغَلَّةَ تُقَسَّمُ عَلَى مَنْ كَانَ حَيًّا , أَوْ مَوْلُودًا يَوْمَ تُقَسَّمُ الثَّمَرَةَ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى قَبِيلَةٍ أَنَّهُ إِنْ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ طِيبِ الثَّمَرَةِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا حَقَّ لَهُ , وَمَنْ وُلِدَ قَبْلَ الْقَسْمِ ! قُسِمَ لَهُ , وَأَمَّا إِنْ حَبَسَ عَلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ مُسَمَّيْنَ بِأَسْمَائِهِمْ مِمَّنْ أَدْرَكَ طِيبَ الثَّمَرَةِ فَحَقُّهُ فِيهَا ثَابِتٌ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْغَلَّةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالْأَحْبَاسُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّهَا تُسْتَحَقُّ بِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ كَالسُّكْنَى.
‏ ‏( فَرْقٌ ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَقْوَى ; لِأَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ وَمُتَعَلِّقَةٌ بِمُعَيَّنِينَ , وَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَبْسِ وَتَمْيِيزِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الثَّمَرَةَ فَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ; لِأَنَّهُ وَقْتُ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَالِانْتِجَاعِ لَهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَحَرَثَهَا ثُمَّ مَاتَ فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ أَعْطَى الْوَرَثَةَ كِرَاءَ الْحَرْثِ , أَوْ سَلَّمَهَا إِلَيْهِمْ بِكِرَائِهَا تِلْكَ السَّنَةَ , وَلَوْ مَاتَ وَفِيهَا زَرْعٌ فَلِوَرَثَةِ الزَّارِعِ وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِمْ.
‏ ‏( الْبَابُ السَّابِعُ فِي بَيْعِ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ ) أَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ عَقْدٌ لَازِمٌ ; لِأَنَّهُ هِبَةٌ لِلْمَنَافِعِ بِالْعُمْرَى وَالْحَبْسِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى غَيْرِ مَوْجُودٍ عِنْدَ التَّحْبِيسِ وَالثَّانِي عَلَى مَوْجُودٍ فَأَمَّا إِنْ كَانَ عَلَى مَوْجُودٍ مِثْلِ أَنْ يُعْمِرَ زَيْدًا أَوْ يُعْمِرَهُ وَعَقِبَهُ , أَوْ يَحْبِسَ عَلَى زَيْدٍ , أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى عَقِبِهِ وَوَاحِدٍ مِمَّنْ أُعْمِرَ , أَوْ حُبِسَ عَلَيْهِ مَوْجُودٍ عِنْدَ الْعُمْرَى فَقَدْ امْتَنَعَ الْبَيْعُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ جَمِيعُهُمْ غَيْرَ مَوْجُودِينَ مِثْلَ أَنْ يَحْبِسَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَمْ يَلِدْ فَإِذَا وُلِدَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يُؤَيِّسَ لَهُ مِنْ الْوَلَدِ , وَلَوْ أَجَزْت لَهُ هَذَا لَأَجَزْت لَهُ أَنْ يَبِيعَ إِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ ثُمَّ مَاتُوا وَلَمْ يَنْتَظِرْ أَنْ يُولَدَ لَهُ غَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بَلْ هُوَ حَبْسٌ.
وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْحَبْسَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ قَبُولُ أَحَدٍ فَيَلْزَمُ سَبَبُهُ وَرُبَّمَا مَنْ ذَكَرَ فِيهِ لَا يَخْلُو فَإِذَا وُلِدَ لَهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْمَوْلُودِ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْحَبْسَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَنْ يَصِحُّ وُجُودُهُ وَيُتَوَقَّعُ لُزُومُ حَقِّهِ وَعَلَى ذَلِكَ عَقَدَ الْحَبْسَ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ مَا لَمْ يُؤَيِّسْ مِنْ وُجُودِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ الْحَبْسَ عَنْ حُكْمِهِ فِي اللُّزُومِ فَإِذَا يَئِسَ مِنْهُ عَلِمَ أَنَّ الْحَبْسَ لَمْ يَنْفُذْ بِصَرْفِهِ إِلَى مَنْ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ , وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ عَقْدَ الْحَبْسِ عَقْدٌ يَلْزَمُ , وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَبَسَ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ حَائِطِي حَبْسٌ لَلَزِمَ وَأَكْثَرُ مَا فِي قَوْلِهِ حَائِطِي حَبْسٌ عَلَى وَلَدِي وَلَا يُوجَدُ لَهُ وَلَدٌ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ لَازِمٌ وَيُوجِبُ تَصَرُّفَهُ إِلَى مَنْ قَرَّرَت الشَّرِيعَةُ رَدَّهَا إِلَيْهِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَقَدْ قَالَ فِيمَنْ قَالَ صَدَقَتِي هَذِهِ عَلَى وَلَدِي وَلَا وَلَدَ لَهُ فَهِيَ حَبْسٌ تَخْرُجُ عَنْ يَدِهِ إِلَى يَدٍ ثِقَةٍ وَثَمَرَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَبْسٌ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ رَجَعَتْ هِيَ وَغَلَّتُهَا إِلَى أَوْلَى النَّاسِ بِالْحَبْسِ يَوْمَ حَبَسَهَا , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَقْدُ الْحَبْسِ لَازِمًا وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ لَزِمَ إخْرَاجُهُ مِنْ يَدِهِ لِيَصِحَّ الْحَوْزُ فِيهِ فَإِنْ حَدَثَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَدٌ رُدَّ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَصِحُّ حَوْزُهُ لَهُ , وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ مِنْ مَرْجِعِهِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْحَوْزَ قَدْ تَمَّ فِيهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مَوْجُودٍ يَوْمَ الْحَبْسِ , أَوْ عَلَى غَيْرِ مَوْجُودٍ ثُمَّ وُجِدَ فَقَدْ لَزِمَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا الرُّجُوعُ فِيهِ فَإِنْ بَاعَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى وَلَدِهِ الصِّغَارِ , أَوْ الْكِبَارِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى الْمَسَاكِينِ ثُمَّ تَعَدَّى فَبَاعَهُ مُقَابَضَةً , أَوْ بَعْدَ طُولِ زَمَانٍ كَانَ الْبَيْعُ مَنْقُوضًا وَيُرَدُّ إِلَى الْحَبْسِ وَلَا يُنْظَرُ إِلَى تَوَانِي هَؤُلَاءِ فِي قَبْضِهِ ; لِأَنَّهَا بَعْدَهُمْ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَإِنْ أُعْدِمَ بِالثَّمَنِ اُتُّبِعَ بِهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْحَبْسِ لَازِمٌ فَلَا يُحِيلُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ تَعَدِّي الْمُحْبَسِ فِيهِ وَيَجِبُ نَقْضُ بَيْعِهِ وَيُتَّبَعُ بِالثَّمَرِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ أَجْنَبِيٌّ ; لِأَنَّ مَا بَاعَهُ قَدْ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا فِي قَرْيَةٍ ثُمَّ صُلِّيَ فِيهِ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَنْ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ دَارًا فَلْيُفْسَخْ ذَلِكَ وَيُرَدُّ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَبْسِ ; لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لِلَّهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُغَيَّرُ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَسْجِدَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْبَاسِ اللَّازِمَةِ بَلْ هِيَ أَوْكَدُهَا ; لِأَنَّهَا خَالِصَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَمُضَافَةٌ إِلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمَ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يَذْكُرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا وَأَمَّا قَوْلُ مُطَرِّفٍ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُرِيدُ عَلَى الصُّورَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمَسَاجِدِ قَالَ ثُمَّ هَدَمَهُ الْمُبْتَاعُ وَبَنَاهُ دَارًا يُرِيدُ أَنَّهُ نَقَلَهُ إِلَى صُورَةِ الدُّورِ وَقَوْلُهُ لَمْ يُرَدَّ بَعْدَ الْفَسْخِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي عِنْدِي أَنَّ لِلْمَسْجِدِ بُنْيَانًا مَخْصُوصًا يُمْنَعُ مَنْ يُرِيدُ التَّمَلُّكَ مِنْ بُنْيَانِهِ وَيُمْنَعُ مَنْ تَمَلَّكَهُ مِنْ اسْتِدَامَةِ تَمَلُّكِهِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَيُمْنَعُ مَنْ أَرَادَ بُنْيَانَ الْمَسَاجِدِ مِنْ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ السَّيِّئَةِ وَلِلذَّرِيعَةِ إِلَى تَمَلُّكِ الْمَسَاجِدِ وَتَرْكِ تَعْظِيمِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَقَوْلُهُ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا فِي قَرْيَةٍ ثُمَّ صُلِّيَ فِيهِ يُرِيدُ إبَاحَةً لِمَنْ صَلَّى فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُ بِهِ تَحْبِيسُهُ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالتَّحْبِيسِ , وَلَوْ تَلَفَّظَ بِهِ لَلَزِمَهُ ذَلِكَ , وَظَاهِرُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِمُجَرَّدِ الْبُنْيَانِ , وَفِي هَذَا عِنْدِي نَظَرٌ , وَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَلْزَمَ لِمُجَرَّدِ الْبُنْيَانِ ; لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ الْحِيَازَةُ فِيهِ إِلَّا بِإِبَاحَتِهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ فِيهِ قَالَ أَصْبَغُ أَبُو إِسْحَاقَ إِذَا خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ فَهُوَ مَاضٍ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُجْعَلَ بِيَدِ قَيِّمٍ سَوَاءً كَانَ بَابُ الْمَسْجِدِ دَاخِلُ بَابِ دَارِهِ يُغْلَقُ عَلَيْهِ أَوْ خَارِجَ الْبَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ اللِّسَانِ لِمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَبْنِيَ مِثْلَ هَذَا الْبُنْيَانِ فِي دَارِهِ مَسْجِدًا لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ حَبْسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَمَا كَانَ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ بَيْتِ الْمَاءِ , أَوْ بَيْتٍ لِزَيْتِهِ وَحُصُرِهِ وَآلَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَبَعٌ لَهُ , وَكَذَلِكَ سَلَاسِلُهُ وَقَنَادِيلُهُ وَبُنْيَانُهُ وَجُذُوعُهُ مَا انْكَسَرَ مِنْهَا رُدَّ إِلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ حَبَسَ حَبْسًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَبْلَ الْحَبْسِ وَاسْتَحْدَثَ دَيْنًا بَعْدَ الْحَبْسِ فَقَامَ أَهْلُ الدَّيْنِ قَالَ سَحْنُونٌ : قَدْ قِيلَ يُبَاعُ مِنْهَا لِلدَّيْنِ الْقَدِيمِ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ أَهْلُ الدَّيْنِ الثَّانِي وَلَا يُبَاعُ مِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ , وَقَدْ قِيلَ : إِذَا دَخَلَ مَعَهُمْ الْآخَرُونَ بِيعَ لِلْأَوَّلِينَ بِقَدْرِ مَا انْتَقَضَهُمْ الْآخَرُونَ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ الْآخَرُونَ وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يَسْتَوْفُوا , أَوْ يَفْرُغَ الْحَبْسُ , وَكَذَلِكَ لِأَصْحَابِنَا قَوْلَانِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ كَانَ رَجُلَانِ حُبِسَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَبْسٌ مُنْفَرِدٌ لَمْ يَجُزْ لَهُمَا أَنْ يَتَنَاقَلَاهُ وَهُوَ كَالْبَيْعِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ الْمُبَايَعَةُ , وَالْمُنَاقَلَةُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ كَانَتْ أَرْضًا مُحْبَسَةً لِدَفْنِ الْمَوْتَى فَضَاقَتْ بِأَهْلِهَا فَأَرَادُوا أَنْ يُوَسِّعُوا وَيَدْفِنُوا وَبِجَانِبِهَا مَسْجِدٌ فَأَرَادُوا أَنْ يَدْفِنُوا فِيهِ مَيِّتًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ , وَذَلِكَ حَبْسٌ كُلُّهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ , وَقَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَقْبَرَةٍ عَفَتْ : فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبْنَى فِيهَا مَسْجِدٌ وَكُلُّ مَا كَانَ لِلَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْحَبْسَانِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِصَرْفِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَنْ نَقَلَ الْمَقْبَرَةَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَيُدْفَنُ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ فَأَمَّا مَا كَانَ لِلْمَخْلُوقِينَ مِنْ الْحُقُوقِ فَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ ; لِأَنَّهُ يَنْقُلُ مَنْفَعَةَ أَحَدِ الْحَبْسَيْنِ مِنْ مَالِكٍ إِلَى مَالِكٍ غَيْرِهِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُنْقَلُ مِنْ مَالِكٍ إِلَى مَالِكٍ , وَإِنَّمَا يُنْقَلُ مِنْ وَجْهِ مَنْفَعَةٍ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ كُلُّهُ لِلَّهِ تَعَالَى.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا كَانَتْ الدُّورُ الْمُحْبَسَةُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَاحْتَاجَ الْمَسْجِدُ إِلَى سَعَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ دُورَ الْحَبْسِ لِيُوَسِّعَ بِهَا الْمَسْجِدَ وَالطَّرِيقَ ; لِأَنَّهُ نَفْعٌ عَامٌّ أَعَمُّ مِنْ نَفْعِ الدَّارِ الْمُحْبَسَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ : وَذَلِكَ عِنْدِي فِي مِثْلِ جَوَامِعِ الْأَمْصَارِ دُونَ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمَنْ مَعَهُ أَنَّ الْأَحْبَاسَ إنَّمَا تُغَيَّرُ إِلَى الْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ , وَذَلِكَ فِي مِثْلِ الْجَوَامِعِ , وَأَمَّا مَسَاجِدُ الْقَبَائِلِ فَانّهَا خَاصَّةٌ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ مِنْهَا كَثِيرٌ فَمَتَى ضَاقَ مَسْجِدٌ بُنِيَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ مَسْجِدٌ يَتَّسِعُ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْجَوَامِعِ , وَأَمَّا عَلَى تَجْوِيزِ مَالِكٍ ذَلِكَ فِي الطُّرُقِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَغَيْرِهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَعَقْدُ الْحَبْسِ لَازِمٌ مُؤَبَّدٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَحْبَاسِ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رَبِيعَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ وَبَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ دَائِرَةٌ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يَنْقُلُ الْحَبْسَ عَنْ مُقْتَضَاهُ إِذَا لَمْ تَخْرَبْ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُلُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ , وَإِنْ خَرِبَ كَالْغَصْبِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ كَانَ لَهُ حَائِطٌ وَفِيهِ نَخْلٌ قَدْ حُبِسَتْ بِمَائِهَا فَغَلَبَتْ عَلَيْهَا الرِّمَالُ حَتَّى أَبْطَلَتْ وَفِي مَائِهَا فَضْلٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَا يُبَاعُ فَضْلُ ذَلِكَ الْمَاءِ وَلْيَدَعْهُ بِحَالِهِ وَإِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الرِّمَالُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا تُبَاعُ الدَّارُ الْمُحْبَسَةُ , وَإِنْ خَرَجَتْ وَصَارَتْ عَرْصَةً , وَقَدْ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا خَرِبَ مِنْ الْحَبْسِ وَانْتَقَلَ إِلَى أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَبَطَلَ الْمَوْضِعُ وَأَرَادَ أَهْلُهُ بَيْعَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِثَمَنِهِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الرِّبَاعِ بِمَالٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَلَا يُنَاقِلُ الْوَقْفَ , وَإِنْ خَرِبَ مَا حَوَالَيْهِ , وَقَدْ تَعُودُ الْعِمَارَةُ بَعْدَ الْخَرَابِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يُبَاعُ بَعْضُ الْوَقْفِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَرَى بَيْعَهُ وَلَسْت أَقُولُ بِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا فِي الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا تُنْقَلُ وَلَا تُحَوَّلُ فَأَمَّا مَا يُنْقَلُ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي الْفَرَسِ الْمُحْبَسِ يَضْعُفُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ قُوَّةٌ لِلْغَزْوِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي آخَرَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ شُورِكَ بِهِ وَالثِّيَابُ تُبَاعُ إِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهَا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ , وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ , وَلَوْ كَانَ غَيْرُ هَذَا لَبَطَلَتْ الْأَحْبَاسُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا فَسَادٌ بَيِّنٌ مِنْ صَلَاحِهِ وَلَا تُرْجَى عَوْدَتُهُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الرِّبَاعُ فَإِنَّهَا تَعْمُرُ بَعْدَ الْخَرَابِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذَا حَبْسٌ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ كَالرِّبَاعِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا حَبَسَ الرَّجُلُ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْ دَارٍ , أَوْ حَائِطٍ وَطَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ , أَوْ الْبَيْعَ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إِنْكَانَ يَنْقَسِمُ بِقَاسِمٍ فَمَا وَقَعَ لِلْحَبْسِ كَانَ حَبْسًا , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحْبِسَ إِذَا حَبَسَ جُزْءًا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ قَدْ كَانَ حَقُّ شَرِيكِهِ إِنْ أَرَادَ الْبَيْعَ أَنْ يَبِيعَ مَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ هَذَا الْحَقَّ عَلَيْهِ لِتَحْبِيسِهِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَإِذَا بِيعَ الْحَبْسُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ , أَوْ لِأَنَّ السُّلْطَانَ اشْتَرَى ذَلِكَ فَأَدْخَلَهُ فِي مَوْضِعٍ , أَوْ مَسْجِدٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُشْتَرَى بِهِ دُورٌ مَكَانَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ عَلَيْهِمْ , وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَقْضِي , وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْحَبْسَ فَأَخَذَ ثَمَنَهُ فَلْيَصْنَعْ بِهِ الْمُحْبِسَ مَا شَاءَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَعْنَى أَوْجَبَ إخْرَاجُ مَا حُبِسَ عَنْ الْمُحْبِسِ وَالرُّجُوعُ بِثَمَنِهِ فَلَمْ يُوجِبْ شِرَاءُ مِثْلِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ كَالِاسْتِحْقَاقِ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْمُحْبِسَ إِذَا حَبَسَ مَا يَمْلِكُ فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُحْبِسِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ عَلَى اللُّزُومِ فَإِذَا وَجَبَ إخْرَاجٌ عَنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ مِنْ الْحَبْسِ وَالْحَبْسُ جُمْلَةٌ لَزِمَ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ فِي بَدَلِهِ ; لِأَنَّ التَّحْبِيسَ حَقٌّ لَازِمٌ , وَكَذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ فَإِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْحَبْسَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِتِلْكَ الْعَيْنِ ; لِأَنَّ الْمُحْبِسَ حَبَسَ مَا لَا يَمْلِكُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْحَبْسُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْعُمْرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُعْمِرِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَرْجِعَ الدَّارِ الْمُعْمَرَةِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَبَسَ دَارَهُ عَلَى وَلَدِهِ وَابْنِ أَخِيهِ حَيَاتَهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَحْبِسِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ ابْنِ أَخِيهِ مَرْجِعَهَا ; لِأَنَّهَا عُمْرَى.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّامِنُ فِيمَنْ تَعُودُ إِلَيْهِ مَنَافِعُ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ وَالْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ ) فَأَمَّا الْعُمْرَى وَالْحَبْسُ مِمَّا حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُمْرَى فَإِنَّهَا تَعُودُ إِلَى صَاحِبِهَا الْأَصْلِيِّ إِنْ كَانَ حَيًّا فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَإِلَى وَرَثَتِهِ يَوْمَ مَاتَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ إخْرَاجًا مُؤَبَّدًا , وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ إخْرَاجًا مُؤَقَّتًا كَالْإِجَارَةِ , وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِيمَنْ أَعْمَرَ دَارًا , أَوْ خَادِمًا لِفُلَانٍ وَعَقِبِهِ مَا عَاشُوا وَلَمْ يَقُلْ مَرْجِعُهَا إِلَيْهِ وَلَا إِلَى وَجْهٍ ذَكَرَهُ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَهُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنَافِعَهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا مُؤَبَّدًا , وَإِنَّمَا أَخْرَجَ مِنْهَا شَيْئًا مُؤَقَّتًا عَلَى غَيْرِ لَفْظِ الْقُرْبَةِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمِنْ ذَلِكَ صَدَقَتُهُ عَلَى رَجُلٍ حَيَاتَهُ , أَوْ عَلَى قَوْمٍ حَيَاتَهُمْ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ تَرْجِعُ إِلَى رَبِّهَا مِلْكًا وَإِلَى وَرَثَتِهِ مِيرَاثًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْكَنَ رَجُلًا حَيَاتَهُ , وَأَمَّا الْحَبْسُ الْمُؤَبَّدُ الَّذِي لَمْ يُجْعَلْ لَهُ مَرْجِعًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَرْجِعُ إِلَى أَوْلَى النَّاسِ مِمَّنْ حَبَسَهُ حَبْسًا عَلَيْهِمْ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اقْتَضَى التَّأْبِيدَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ ; لِأَنَّهُ رُجُوعٌ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ مُعَيَّنٌ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فَرَجَعَ إِلَى أَحَقِّ النَّاسِ بِالْحَبْسِ , وَذَلِكَ أَوَّلُ وَجْهٍ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ لِمَا يَجْتَمِعُ فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ وَسَدِّ خَلَّةِ الْفُقَرَاءِ , وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِسَهْمٍ مِنْ حَائِطٍ عَلَى مَوَالِيه وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ فَانْقَرَضُوا فَأَحَبُّ إِلَى أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ وَأَهْلِ الْحَاجَةِ لَا يَرْجِعُ مِيرَاثًا , وَقَدْ قَالَ مِثْلُهُ فِيمَنْ حَبَسَ غُلَامًا عَلَى رَجُلٍ وَعَقِبِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ فَهَلَكَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَتْرُكْ عَقِبًا يَسْلُكُ بِهِ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ مَوْقُوفًا.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا قُلْنَا : إنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى أَوْلَى النَّاسِ بِهِ يَوْمَ الْمَرْجِعِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَمَّا رَجَعَ مِيرَاثًا رُوعِيَ فِيهِ وَرَثَتُهُ يَوْمَ مَاتَ , وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ حَبْسًا فَلَا وَلَا هُمْ بِهِ يَوْمَ يَرْجِعُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَرْجِعُ مِلْكًا إِلَيْهِ , أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِ مِلْكُهُ عَلَيْهِ تَامٌّ بَاقٍ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا وَهَبَهُ مَنْفَعَتَهُ مُدَّةً مُؤَقَّتَةً فَإِذَا مَاتَ وَرِثَهُ عَنْهُ وَرَثَتُهُ , وَأَمَّا مَا خَرَجَ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الْحَبْسِ فَقَدْ زَالَ بِمِلْكِهِ عَنْ جَمِيعِ مَنَافِعِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى وَجْهِ الْحَبْسِ إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ يَوْمَ الْمَرْجِعِ ; لِأَنَّهَا مَنَافِعُ لَا تُوَرَّثُ عَنْهُ وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الْحَبْسِ فَلْيَأْخُذْهَا مَنْ يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَ انْقِرَاضِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ الْمُسَمَّيْنَ فِي الْحَبْسِ كَمَا لَوْ جَعَلَ لَهَا مَرْجِعًا بَعْدَ الْحَبْسِ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا مِنْ أَهْلِ الْمَرْجِعِ إِلَّا مَنْ كَانَ بَاقِيًا يَوْمَ الْمَرْجِعِ دُونَ مَنْ انْقَرَضَ , أَوْ مَنْ يَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَمِنْ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ الْحَبْسُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِذَا انْقَرَضَ مَنْ حَبَسَ عَلَيْهِمْ رَجَعَ إِلَى عَصَبَةِ الْمُحْبِسِ فِي السُّكْنَى وَالْغَلَّةِ , وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرْجِعُ إِلَى أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنْ وَلَدٍ وَعَصَبَةٍ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْعَصَبَةِ مِنْ الرِّجَالِ فَهَلْ لِلنِّسَاءِ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَرْجِعُ إِلَى أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ حَبْسًا عَلَيْهِمْ رِجَالًا كَانُوا أَوْ نِسَاءً وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَرْجِعُ إِلَى عَصَبَةِ الْمُحْبِسِ قِيلَ لَهُ : إنَّهُ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ لَيْسَ النِّسَاءُ عَصَبَةً إنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى الرِّجَالِ , وَقَالَ أَصْبَغُ هِيَ كَالْعَصَبَةِ ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَجُلًا لَكَانَتْ عَصَبَةً وَأَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ لَهَا , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَبْسَ إنَّمَا يُصْرَفُ إِلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَسَدِّ خَلَّةِ الْقَرَابَةِ , وَالْبِنْتُ مِنْ أَحَقِّ النَّاسِ بِذَلِكَ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِالْقَرَابَةِ كَالْخَالَةِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّ لِلنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ مَدْخَلًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كُلُّ امْرَأَةٍ لَوْ كَانَتْ رَجُلًا كَانَ عَصَبَةً لِلْمُحْبِسِ فَهِيَ مِمَّنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْحَبْسُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ بَنُو الْأَخَوَاتِ وَلَا بَنُو الْبَنَاتِ وَلَا زَوْجٌ وَلَا زَوْجَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَدْخُلُ مِنْ النِّسَاءِ مِثْلُ الْعَمَّاتِ وَالْجَدَّاتِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ , أَوْ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَلَا يَدْخُلُ الْأَخَوَاتُ لِلْأُمِّ ذَكَرًا , أَوْ أُنْثَى وَتَدْخُلُ الْأُمُّ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا تَدْخُلُ الْأُمُّ , وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا مَنْ يَرِثُهُ وَهُوَ مَنْ حَرُمَ نَسَبُهُ كَالْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الْأَبْنَاءِ وَالْأَخَوَاتِ , وَأَمَّا الْأُمُّ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْ حَرَّمَ نَفْسَهُ , وَأَمَّا الْعَمَّاتُ وَبَنَاتُ الْعَمِّ وَبَنَاتُ الْأَخِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِيهِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَبْسَ إنَّمَا يَرْجِعُ مِنْ النِّسَاءِ إِلَى مَنْ يَرِثُهُ دُونَ مَنْ لَا يَرِثُهُ مِنْ عَمَّةٍ وَخَالَةٍ وَنَحْوِهِمَا.
وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَكَانَهُنَّ مَكَانُ التَّعْصِيبِ وَلِلنِّسَاءِ مَدْخَلٌ فِي مَرْجِعِ الْحَبْسِ فَلَمَّا كَانَ الرِّجَالُ يَدْخُلُونَ فِيهِ بِالتَّعْصِيبِ وَكَانَ لِلنِّسَاءِ فِيهِ مَدْخَلٌ وَلَا تَعْصِيبَ لَهُنَّ اُعْتُبِرَ فِيهِ قعدد التَّعْصِيبِ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَنْ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مَرْجِعِ الْحَبْسِ كَالْأَجَانِبِ , وَأَمَّا الْأُمُّ فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَدْخَلَهَا فِي مَرْجِعِ الْحَبْسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَصْلِهِ ; لِأَنَّ مَوْضِعَهَا مَوْضِعُ الْأَبِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشْهَبُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا بِخِلَافِ بَنَاتِ الْأَخِ وَالْعَمَّاتِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَسَوَاءٌ كَانَ أَهْلُ الْمَرْجِعِ ذُكُورًا , أَوْ إنَاثًا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنْ كَانَ أَخًا وَأُخْتًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوَاءِ كَأَنْ كَانَ قَدْ شَرَطَ فِي حَبْسِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَيْهِنَّ بِمَعْنَى التَّشْرِيكِ فِي الْحَبْسِ لَا عَلَى مَعْنَى التَّوَارُثِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَرْجِعِ بَنَاتٍ وَعَصَبَةً فَهُوَ بَيْنُهُمْ إِنْ كَانَ فِيهِ سِعَةٌ وَإِلَّا فَالْبَنَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَصَبَةِ وَيَدْخُلُ مَعَ الْبَنَاتِ الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ لِلْأَبِ دُونَ الزَّوْجَةِ , وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ : وَإِنْ رَجَعَتْ إِلَى إِخْوَةٍ دَخَلَ مَعَهُمْ الْأَخَوَاتُ , وَإِنْ رَجَعَتْ إِلَى أَعْمَامٍ دَخَلَ مَعَهُمْ الْعَمَّاتُ , وَإِنْ رَجَعَتْ إِلَى بَنِي أَخٍ دَخَلَ مَعَهُمْ بَنَاتُ الْأَخِ , وَإِنْ رَجَعَتْ إِلَى بَنِي عَمٍّ دَخَلَ بَنَاتُ الْعَمِّ , وَإِنْ رَجَعَتْ إِلَى وَلَدِ الْمَوْلَى الْمُنْعِمِ دَخَلَ مَعَهُمْ بَنَاتُ الْمَوْلَى الْمُنْعِمِ , وَكَذَلِكَ فِي الْعَصَبَةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَإِنْ كَانُوا مَوَالِيَهُ فَهُمْ عَصَبَةٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَصَبَةٌ أَقْرَبُ مِنْهُمْ , وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَدْخُلُ النِّسَاءُ مَعَ الْعَصَبَةِ فِي السُّكْنَى وَالْغَلَّةِ.


حديث أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ ‏ ‏عُمْرَى ‏ ‏لَهُ ‏ ‏وَلِعَقِبِهِ ‏ ‏فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا أَبَدًا ‏ ‏لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما...

عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي، يسأل القاسم بن محمد، عن العمرى وما يقول الناس فيها؟ فقال القاسم بن محمد: «ما أدركت الناس إلا وهم على ش...

عبد الله بن عمر ورث من حفصة بنت عمر دارها

عن نافع، أن عبد الله بن عمر ورث من حفصة بنت عمر دارها، قال: «وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد بن الخطاب، ما عاشت، فلما توفيت بنت زيد، قبض عبد الله بن عمر ا...

ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الش...

عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني، أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة؟ فقال: «اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها س...

عرفها على أبواب المساجد واذكرها لكل من يأتي من الش...

عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني، أن أباه أخبره: أنه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا، فذكرها لعمر بن الخطاب، فقال له عمر: «عر...

لا آمرك أن تأكلها ولو شئت لم تأخذها

عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر، فقال له: إني وجدت لقطة فماذا ترى فيها؟ فقال له عبد الله بن عمر: «عرفها»، قال: قد فعلت؟ قال: «زد»، ق...

وجد بعيرا بالحرة فعقله ثم ذكره لعمر بن الخطاب فأمر...

عن سليمان بن يسار، أن ثابت بن الضحاك الأنصاري أخبره، أنه وجد بعيرا بالحرة فعقله، ثم ذكره لعمر بن الخطاب، «فأمره عمر أن يعرفه ثلاث مرات»، فقال له ثابت:...

من أخذ ضالة فهو ضال

عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب قال وهو مسند ظهره إلى الكعبة: «من أخذ ضالة فهو ضال»

انت ضوال الإبل في زمان عمر بن الخطاب إبلا مؤبلة تن...

وحدثني مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول: كانت ضوال الإبل في زمان عمر بن الخطاب إبلا مؤبلة تناتج.<br> لا يمسها أحد.<br> حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان، أمر...

إنما المال مال سعد فتوفيت قبل أن يقدم سعد فلما قدم...

عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة، عن أبيه، عن جده، أنه قال: خرج سعد بن عبادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه.<br> فحضرت...