1442- عن أبي غطفان بن طريف المري، أن عمر بن الخطاب قال: «من وهب هبة لصلة رحم، أو على وجه صدقة، فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب، فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها»
هذا سنده صحيح على شرط مسلم
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ , أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا الْقُرْبَةَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا يُرِيدُ أَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا سَوَاءٌ قُبِضَتْ مِنْهُ , أَوْ لَمْ تُقْبَضْ , وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ , وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً رَأَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ وَلَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ , وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا كَانَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا كَالسِّلْعَةِ يَعْرِضُهَا لِلْبَيْعِ فَإِذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُهَا وَقَوْلُهُ يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ مِمَّنْ ظَاهِرُ هِبَتِهِ قَصْدُ الثَّوَابِ بِأَنْ يَهَبَ لِلثَّوَابِ وَيَعْتَقِدُهُ وَلَعَلَّهُ يَعْلَمُ بِهِ غَيْرُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنْ اشْتَرَطَ الثَّوَابَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَهُوَ كَبَائِعِ السِّلْعَةِ بِقِيمَتِهَا , وَلَكِنْ إِنْ وَهَبَ وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّوَابِ ثُمَّ قَامَ يَطْلُبُ الثَّوَابَ فَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَصْبَغُ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْوَجْهَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ , وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الثَّوَابَ فَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَالْمَعْرُوفُ كَالشَّرْطِ.
وَفِي هَذَا خَمْسَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَجُوزُ هِبَتُهُ لِلثَّوَابِ وَمَا لَا يَجُوزُ وَمَا يَكُونُ عِوَضًا فِي هِبَةِ الثَّوَابِ.
الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَحْمِلُ هِبَتَهُ عَلَى الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مُقْتَضَى الْهِبَةِ مِنْ اللُّزُومِ أَوْ الْجَوَازِ.
الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا تَفُوتُ بِهِ الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ.
الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ وُجُودِ الْعَيْب بِهَا.
( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَجُوزُ هِبَتُهُ لِلثَّوَابِ وَمَا لَا يَجُوزُ وَمَا يَكُونُ عِوَضًا فِي هِبَةِ الثَّوَابِ ) اعْلَمْ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ هِبَتُهُ لِلثَّوَابِ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ وَالْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ ثَمَرٍ , أَوْ حَبٍّ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَجُوزُ عَقْدُهُ بِالْعَبْدِ الْآبِقِ كَالْبَيْعِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُوهَبَ لِلثَّوَابِ فَإِنْ شُرِطَ فِي ذَلِكَ ثَوَابٌ فَهِيَ هِبَةٌ مَرْدُودَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إِنْ اشْتَرَطَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَرْضًا , أَوْ طَعَامًا وَمِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلَا يُعْجِبُنَا ذَلِكَ وَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَلْيَرُدَّ الْمِثْلَ فِيهَا , وَكَذَلِكَ الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ غَيْرُ الْمَسْكُوكِ , وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْعَيْنِ فَإِذَا كَانَتْ الْهَدِيَّةُ عَيْنًا فَإِنَّمَا تَكُونُ قِيمَتُهَا مِنْ أَصْنَافِ الْعُرُوضِ ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ وَلَا مُؤَجَّلَةٍ , وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي أَعْيَانِهَا غَرَضٌ وَلَا فِيهَا مَقْصِدٌ غَيْرُ التَّصَرُّفِ فِيهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ , وَإِنَّمَا هِبَةُ الثَّوَابِ فِيهَا يُتَاحِفُ بِهِ الْوَاهِبُ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ غَرَضٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَثْبُتُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ بَيْعُهُ صَحَّ أَنْ يُوهَبَ لِلثَّوَابِ كَالْعُرُوضِ.
( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي السَّبَائِكِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ , وَكَذَلِكَ السَّفَاتِجِ وَالنَّقَّارِ وَالْحُلِيِّ الْمَكْسُورِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ ذَهَبٌ , أَوْ فِضَّةٌ لَا غَرَضَ فِي هِبَتِهِ غَيْرَ مَبْلَغِهِ فَلَا يُوهَبُ لِلثَّوَابِ , وَإِنْ وَهَبَ فَهُوَ مَرْدُودٌ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ.
( فَرْعٌ ) وَأَمَّا هِبَةُ الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ لِلثَّوَابِ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَجُوزُ هَذَا بِحَالٍ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجُوز بَيْعُهُ وَفِي عَيْنِهِ غَرَضٌ مَقْصُودٌ فَجَازَ أَنْ يُوهَبَ لِلثَّوَابِ كَسَائِرِ الْعُرُوضِ , وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ ذَهَبَ بَعْضُهُ لَا يَتَنَاجَزُ فِيهَا قَبْضٌ , أَوْ شِرَاءُ عَرْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلَا مُؤَجَّلٍ فَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ كَالْبَيْعِ.
( الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ تُحْمَلُ هِبَتُهُ عَلَى الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ) الْوَاهِبُ إِذَا وَهَبَ وَشَرَطَ الثَّوَابَ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هِبَتَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الثَّوَابِ اقْتَضَى ذَلِكَ الْجَوَازَ , أَوْ الْمَنْعَ , وَأَمَّا إِنْ وَهَبَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ الثَّوَابَ وَطَلَبَهُ فَإِنْ كَانَتْ هِبَتُهُ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُوهَبُ لِلثَّوَابِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَدَعْوَاهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقَوْلُهُ مَرْدُودٌ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْعِوَضِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ أَنَّهُ وَهَبَهُ لِلثَّوَابِ , وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ مَنْ وَهَبَ قَمْحًا , أَوْ شَعِيرًا فَفِيهِ الثَّوَابُ , وَأَمَّا الَّذِي لَا ثَوَابَ فِيهِ مِنْهُ مِثْلُ الْفَاكِهَةِ , أَوْ الرُّطَبِ يُهْدَى لِلْقَادِمِ قَالَهُ مَالِكٌ , وَإِنْ قَامَ يَطْلُبُ مِنْهُ ثَوَابًا لَمْ يُعْطَ قَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ لَا غَرَضَ فِي أَعْيَانِهَا , وَإِنَّمَا يُوهَبُ لِلثَّوَابِ مَا يَكُونُ الْغَرَضُ فِي عَيْنِهِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ , وَأَمَّا الْفَاكِهَةُ فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِطَلَبِ الثَّوَابِ عَلَى مَا يُوهَبُ مِنْهَا لِلْقَادِمِ وَمِثْلُهُ , وَإِنَّمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ تُوهَبَ عَلَى سَبِيلِ التَّآلُفِ فَكَانَتْ مَحْمُولَةً عَلَى غَالِبِ الْمُعْتَادِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ غَيْرَ ذَلِكَ فِيهَا , وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَطَّارِ : وَكَذَلِكَ مَا يَهَبُهُ لِلْفَقِيرِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرِهِ مَنْ الْتَحَفَ كَالتَّمْرِ وَشَبَهِهِ.
( فَرْعٌ ) فَإِنْ كَانَ قَدْ فَاتَ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْهِبَةِ وَلَا الْعِوَضَ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يُفْتِ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لَا عِوَضَ لَهُ وَلَا لَهُ أَخْذُهُ , وَإِنْ لَمْ يَفُتْ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَرَى لَهُ أَخْذَهُ إِنْ لَمْ يَفُتْ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هِبَتَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى غَيْرِ الْعِوَضِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ هِبَةٍ قَدْ قُبِضَتْ مِنْهُ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا لَمْ تَفُتْ احْتُمِلَ وَقَوْلُهُ وَتَقُومُ بِمِلْكِهِ وَيَدِهِ حَلَفَ وَرُدَّتْ إِلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِبَلَدِنَا مِنْ إهْدَاءِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ الْكِبَاشَ وَغَيْرَهَا عِنْدَ النِّكَاحِ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ : إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الثَّوَابِ وَكَذَلِكَ رَأَيْت الْقَضَاءَ فِي بَلَدِنَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ; لِأَنَّ ضَمَانَ المهديين وَالْمُهْدَى إِلَيْهِمْ عَلَى ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ الْمَعْرُوفُ قَالَ , وَذَلِكَ كَالشَّرْطِ فَقُضِيَ لِلْمُهْدِي بِقِيمَةِ الْكِبَاشِ حِينَ قَبَضَهَا الْمُهْدَى إِلَيْهِ إِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْوَزْنِ فَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْوَزْنِ قُضِيَ بِوَزْنِهَا , وَإِنْ كَانَ الْمُهْدَى إِلَيْهِ بَعَثَ إِلَى الْمُهْدِي قَدْرًا مِنْ لَحْمٍ مَطْبُوخٍ أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُ فِي الْعُرْسِ حُوسِبَ بِهِ مِنْ قِيمَةِ هَدِيَّتِهِ , وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي بَلَدٍ لَا يُعْرَفُ فِيهِ هَذَا لَمْ يَقْضِ فِيهِ بِثَوَابٍ , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ وُهِبَ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَوَابًا ثُمَّ ادَّعَاهُ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى نَاحِيَةِ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى فَإِنْ وَهَبَ غَنِيٌّ لِفَقِيرٍ دَابَّةً , أَوْ كَسَاهُ ثَوْبًا , أَوْ أَعْطَاهُ مَا يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ صِلَتَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ , وَإِنْ وَهَبَ فَقِيرٌ لِغَنِيٍّ فَلَهُ الثَّوَابُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ , وَقَالَ أَشْهَبُ فِي فَقِيرٍ وَهَبَهُ غَنِيٌّ أَوْ فَقِيرٌ : الثَّوَابُ عَلَى الْغَنِيِّ وَهَبَهُ غَنِيٌّ أَوْ فَقِيرٌ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ اسْتِقْرَارُ الْعِوَضِ وَالْهِبَةِ لِلثَّوَابِ مُقْتَضَاهَا الْمُكَارَمَةُ وَأَنْ تُعَوَّضَ الْمُعْطَى أَمْثَالَ مَا صَارَ إِلَيْهِ , وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي الْفَقِيرِ وَمَوْجُودٌ فِي الْغَنِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ , وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً مُطْلَقَةً فَادَّعَى أَنَّهُ وَهَبَهَا لِلثَّوَابِ عُمِلَ عَلَى الْمَعْرُوفِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ , الْوَاهِبُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ عَلَى هِبَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ , وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ لَا يَطْلُبُ الثَّوَابَ عَلَى هِبَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ وَاحْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ مَعَ يَمِينه.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا ثَوَابَ لِذِي سُلْطَانٍ فِيمَا وَهَبَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّ ذَا السُّلْطَانِ يَطْلُبُ اسْتِقْرَارَ ثَوَابٍ , وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ غَيْرُهُ مِنْهُ , وَأَمَّا مَا يَهَبُهُ أَحَدٌ لِلسُّلْطَانِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا ثَوَابَ فِيهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ عَلَى الثَّوَابِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ فَإِنَّمَا يُقْصَدُ التَّقَرُّبُ مِنْهُ فَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ هِبَتُهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عَطِيَّتَهُ وَهِبَتَهُ مَقْصُودَةٌ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُرْغَبُ التَّقَرُّبُ إِلَيْهِ بِسَبَبِهَا.
( مَسْأَلَةٌ ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَمَا أُهْدِيَ إِلَى الْفَقِيرِ فَعَلَى غَيْرِ الثَّوَابِ وَمَا أَهْدَى هُوَ فَعَلَى الثَّوَابِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ , وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ سَائِرِ الْأَغْنِيَاءِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا ثَوَابَ عَلَى سَيِّدٍ فِيمَا أَهْدَاهُ إِلَيْهِ مَوْلَاهُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يُهْدِي إِلَيْهِ شُكْرًا لِإِنْعَامِهِ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا هِبَةُ ذِي الرَّحِمِ فَلَيْسَتْ عَلَى الثَّوَابِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ : إِلَّا أَنْ يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ وَهَبَهُ لِلثَّوَابِ مِثْلَ أَنْ يَطْلُبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ عِنْدَ الْوَاهِبِ فَيَهَبُهُ إِيَّاهُ اسْتِقْرَارًا لِلْعِوَضِ فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الثَّوَابِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الثَّوَابِ فَهُوَ عَلَى غَيْرِ الثَّوَابِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هِبَتَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَكُلُّ هِبَةٍ لَهَا وَجْهٌ غَيْرُ الثَّوَابِ فِي الْأَغْلَبِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهَا لِغَيْرِ الثَّوَابِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إِلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ أَرَادَ الثَّوَابَ وَمَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ وَذَكَر الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ أَنَّ فِي الْهِبَةِ الْمُطْلَقَةِ رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : أَنَّهَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ , وَالثَّانِيَةُ : لَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ.
وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمِلْكَيْنِ مُتَمَيِّزَانِ وَأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ مَطْلُوبَةٌ بَيْنَهُمَا , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَقَرَّبُ إِلَى الْآخَرِ بِالْهَدِيَّةِ وَيُحِبُّ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ , وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً تَسْكُنُ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ فَسَاكَنَهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ الْكِرَاءِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ بَيَّنَتْ لَهُ بِذَلِكَ وَأَعْلَمَتْهُ بِالْكِرَاءِ وَقَالَتْ إِنْ شِئْت فَأَدِّهِ , وَإِنْ شِئْت فَاخْرُجْ , وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي دَارِهَا ثُمَّ طَلَبَتْ كِرَاءَهَا فَلَا كِرَاءَ لَهَا , وَقَالَ غَيْرُهُ : عَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِمَّا اكْتَرَتْ بِهِ.
وَاخْتِلَافُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْغَيْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْمُعْتَدَّةِ تَعْتَدُّ فِي مَسْكَنٍ بِكِرَاءٍ فَطَلَبَتْ الْكِرَاءَ بَعْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ إِنْ كَانَ مُوسِرًا حِينَ السُّكْنَى , وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الأندلسيين أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَانِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ سَكَنَتْ فِي وَقْتٍ لَا يَظُنُّ بِهِ الصِّلَةُ , وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا : إنَّهَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ مَعَ الْإِطْلَاقِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ الثَّوَابَ تَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَتَبْرَأُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا ادَّعَتْ أَنَّهَا شَرَطَتْ مَا لَا يَقْتَضِيه الْإِطْلَاقُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي إنْكَارِ دَعْوَاهَا كَادِّعَائِهَا سَائِرَ الشُّرُوطِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا حُكْمُ الْعَطِيَّةِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ , أَوْ الْهَدِيَّةِ فَأَمَّا لَفْظُ الصَّدَقَةِ فَلَا ثَوَابَ فِيهِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الْآيَةَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَاهَا الْقُرْبَةُ , وَذَلِكَ يُنَافِي الْعِوَضَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مُقْتَضَى هِبَةِ الثَّوَابِ مِنْ اللُّزُومِ , أَوْ الْجَوَازِ ) الَّذِي عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْهِبَةَ بِاللَّفْظِ لَازِمَةٌ لِلْوَاهِبِ فَإِنْ أَخَذَ الْمُعْطِي قِيمَتَهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
( فَرْعٌ ) فَإِنْ زَادَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَانَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ قَبْضِهَا فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ : لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ قَبْضِهَا وَلَا مِنْ بَيْعِهَا وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهَا , وَإِنْ كَانَتْ تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ إِلَّا أَنَّ لِلْوَاهِبِ مَنْعَ الْمُعْطِي مِنْ قَبْضِهَا حَتَّى يُثِيبَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مُقْتَضَى هِبَةِ الثَّوَابِ الِاسْتِسْلَامُ وَتَرْكُ الْمُشَاحَّةِ , وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْمَنْعِ مِنْ الْقَبْضِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ فَكَانَ لِلْبَائِعِ إمْسَاكُ مَا بَاعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ قَبَضَهَا الْمُعْطَى بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعْطِي فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ يَرْتَجِعُهَا حَتَّى يُثِيبَهُ وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَرْتَجِعُهَا وَيَتَلَوَّمُ فَإِنْ أَثَابَهُ وَإِلَّا رَدَّهَا وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مَنْعِ الْوَاهِبِ الْمَوْهُوبَ مِنْ قَبْضِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ فَاتَتْ الْهِبَةُ فَقَدْ لَزِمَتْ الْمُعْطَى بِالْقِيمَةِ كَنِكَاحِ التَّفْوِيضِ يَلْزَمُ بِالدُّخُولِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي تَلْزَمُ فِي الْهِبَةِ وَالثَّوَابِ عَيْنًا لَزِمَ قَبْضُهَا وَالرِّضَا بِهَا , وَإِنْ كَانَ الثَّوَابُ دَيْنًا مِثْلَ أَنْ يَهَبَهُ دَارًا فَيُثِيبَهُ مِنْهَا دَيْنًا فَفِي كِتَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ يَجُوزُ : حَلَّ الدَّيْنُ , أَوْ لَمْ يَحِلَّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ : يُرِيدُ أَنَّهُ حَوَالَةٌ وَيُرِيدُ إِذَا كَانَ مِمَّا تَقُومُ بِهِ الْهِبَةُ فِي الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ الدَّنَانِيرِ , أَوْ الدَّرَاهِمِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْهَا سُكْنَى دَارٍ وَلَا خِدْمَةِ عَبْدٍ سِنِينَ ; لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَوَّزَهُ أَشْهَبُ ; لِأَنَّ قَبْضَ الرَّقَبَةِ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُ قَبْضٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا تَفُوتُ بِهِ هِبَةُ الثَّوَابِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْقِيمَةُ ) وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
( الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ وُجُودِ الْعَيْبِ بِهَا ) فَإِنَّهُ إِنْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ قَبْلَ أَنْ يُثِيبَهُ وَقَبْلَ أَنْ تَفُوتَ فَإِنْ عَلِمَ الْوَاهِبُ بِالْعَيْبِ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا قِيمَتُهَا مَعِيبَةً ; لِأَنَّهُمَا عَالِمَانِ بِالْعَيْبِ قَالَهُ مُحَمَّدٌ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاهِبَ وَهَبَهَا عَلَى أَنَّهَا مَعِيبَةٌ فَلَهُ قِيمَتُهَا عَلَى ذَلِكَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْعَيْبِ فَلَهُ قِيمَتُهَا صَحِيحَةً غَيْرَ مَعِيبَةٍ كَأَنْ فَاتَتْ بِحَوَالَةِ أَسْوَاقٍ , أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَفَاتَتْ بِوَطْءٍ قَالَهُ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لَا تُفِيتُهُ حَوَالَةُ الْأَسْوَاقِ وَالْوَاهِبُ وَهَبَ عَلَى الصِّحَّةِ فَإِمَّا أَنْ يَرْضَى الْمُعْطِي أَنْ يُثِيبَهُ عَلَى ذَلِكَ , أَوْ يَرُدَّهُ.
( مَسْأَلَة ) فَإِنْ ظَهَرَ الْعَيْبُ بَعْدَ أَنْ أَثَابَهُ وَقَبْلَ الْفَوَاتِ فَلَهُ رَدُّهَا وَالرُّجُوعُ فِي الثَّوَابِ أَوْ إمْسَاكُهَا وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا أَثَابَهُ وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ , وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ : إِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِالْعَيْبِ حَتَّى فَاتَتْ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا صَحِيحَةً فَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا بِذَلِكَ وَإِلَّا رَدَّهَا , وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ فَوَاتَ الْهِبَةِ الْمُوجِبِ لَقِيمَتهَا بِفَوْتِ سُوقٍ , أَوْ زِيَادَةِ بَدَنٍ , أَوْ وَطْءٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا فَأَثَابَهُ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْعَيْبِ رَجَعَ بِقَدْرِ الْعَيْبِ مِمَّا أَثَابَهُ بِهِ إِنْ كَانَ الثَّوَابُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْهِبَةِ , أَوْ أَكْثَرَ ظَهَرَ عَلَى الْعَيْبِ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّيَ الْقِيمَةَ , أَوْ قَبْلَ أَنْ يُثِيبَ لَكَانَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مَعِيبَةً.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ وُجِدَ الْعَيْبُ بِالْعِوَضِ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَ فَلَهُ رَدُّهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْعِوَضِ الْمَعِيبِ مِثْلُ قِيمَةِ الْهِبَةِ فَلَا يُرَدُّ , أَوْ يَكُونُ أَقَلَّ فَتَتِمُّ لَهُ الْقِيمَةُ فَلَا يُرَدُّ قَالَ أَشْهَبُ لَهُ رَدُّهُ كَمَا تُرَدُّ الْهِبَةُ ; لِأَنَّهُ يَرَى أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْ عِوَضِهِ إِلَّا الْعَيْنُ فَأَخْذُهُ الْعِوَضَ شِرَاءٌ لَهُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ وَاخْتِيَارٌ لَهُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا تَأَوَّلَ مُطَرِّفٌ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ , وَإِنْ أَعْطَى قِيمَتَهَا إِلَّا أَنْ يَرْضَى مِنْهَا فَجَعَلَ عَقْدَ الْهِبَةِ لِلثَّوَابِ غَيْرَ لَازِمٍ لِلْوَاهِبِ وَنَحْوُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ , وَقَالَ مَالِكٌ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ , وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ وَإِذَا أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ : أَنَا رَاضٍ , وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ , وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ مَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا يُرِيدُ يُعْطَى قِيمَتَهَا قَالَ مَالِكٌ أَمَّا ثَوَابُ مِثْلِهَا , أَوْ رَدُّهَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ مَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا عَلَى قَوْلِ مُطَرِّفٍ مَا لَمْ يَأْخُذْ مَا يُرْضِيهِ , وَإِنْ كَانَ قَدْ أَعْطَى أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَمَعْنَاهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ مَا لَمْ يُعْطِ مَا هُوَ رِضًا مِنْهَا عِنْدَ النَّاسِ , وَذَلِكَ الْقِيمَةُ وَالرِّضَا مِنْهَا يُعْتَبَرُ فِي وَجْهَيْنِ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ فَأَمَّا الْقَدْرُ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ , وَأَمَّا الْجِنْسُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ لَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ مَا أَعْطَى مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ إِلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ يَجُوزُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا أَثَابَهُ مِنْ السِّلَعِ مِمَّا يُثَابُ بِمِثْلِهِ فَذَلِكَ يَلْزَمُ الْوَاهِبَ إِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ الْهِبَةِ وَكَانَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ فِي ثَوَابِ الْهِبَاتِ بَيْنَهُمْ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُثِيبَهُ حَطَبًا وَلَا تِبْنًا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ.
وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ هِيَ أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ فَلَا تَكُونُ الْقِيمَةُ إِلَّا مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَعْوَاضَ الْمَبِيعَاتِ عَلَى حَسَبِ الْعُرْفِ , وَلِذَلِكَ كَانَتْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَرِقًا وَفِي بَعْضِهَا ذَهَبًا وَكَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ إبِلًا , وَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يُثَابَ الْوَاهِبُ بِغَيْرِ الْعَيْنِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمَ ثَوَابِهَا مَعَ مَا ثِيبَ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْسِعَةِ , وَلِذَلِكَ صَحَّتْ مَعَ تَرْكِ قَدْرِ الثَّوَابِ وَذِكْرِ جِنْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَشْهَبَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَخْتَصَّ الثَّوَابُ بِالْعَيْنِ الَّتِي تَجْرِي فِي بَلَدِ الْهِبَةِ وَتِلْكَ السِّكَّةِ ; لِأَنَّ التَّقْوِيمَ إنَّمَا يَكُونُ بِهَا دُونَ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْعَيْنِ وَالسِّكَكِ فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَعَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ أَمْرٌ مَصْرُوفٌ إِلَى اخْتِيَارِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ الْعُرْفِ.
( فَرْعٌ ) وَهَذَا مَعَ التَّشَاحِّ , وَأَمَّا مَعَ التَّسَامُحِ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ لَمْ تَفُتْ يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْهَا كُلَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ الْهِبَةَ فِيهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إِنْ وَهَبَهُ أَثْوَابًا فُسْطَاطِيَّةً لَمْ يَجُزْ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُثِيبَهُ مِنْهَا أَثْوَابًا فُسْطَاطِيَّةً أَكْثَرَ مِنْهَا , وَلَوْ وَهَبَهُ حِنْطَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْهَا حِنْطَةً وَلَا مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ إِلَّا أَنْ يُعَوِّضَهُ مِثْلَ طَعَامِهِ فِي صِفَتِهِ وَجَوْدَتِهِ وَكَيْلِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ حُلِيًّا وَقُلْنَا بِجَوَازِ هِبَتِهِ لِلثَّوَابِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُثِيبُهُ قِيمَةَ الْحُلِيِّ عُرُوضًا وَلَا يَأْخُذُ دَرَاهِمَ وَلَا دَنَانِيرَ , وَإِنْ كَانَ الْحُلِيُّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّوَابِ يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَفْتَرِقَا وَقَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الْحُلِيُّ لَجَازَ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يَكُونُ الثَّوَابُ عَلَى حُلِيِّ الذَّهَبِ وَرِقًا وَعَلَى حُلِيِّ الْوَرِقِ ذَهَبًا فَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّنَاجُزِ بِالْقَبْضِ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ وَبِحَضْرَتِهَا ; لِأَنَّهُ صَرْفٌ وَمَا فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْقَبْضِ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ ; لِأَنَّهُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْقِيمَةِ بَعْدَ وَفَاةِ الْهِبَةِ , وَلِذَلِكَ قَالَ يُثِيبُ عَنْ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَرِقًا وَعَنْ حُلِيِّ الْوَرِقِ ذَهَبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا
عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أعمر عمرى له، ولعقبه، فإنها للذي يعطاها، لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا، لأ...
عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي، يسأل القاسم بن محمد، عن العمرى وما يقول الناس فيها؟ فقال القاسم بن محمد: «ما أدركت الناس إلا وهم على ش...
عن نافع، أن عبد الله بن عمر ورث من حفصة بنت عمر دارها، قال: «وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد بن الخطاب، ما عاشت، فلما توفيت بنت زيد، قبض عبد الله بن عمر ا...
عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني، أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة؟ فقال: «اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها س...
عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني، أن أباه أخبره: أنه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا، فذكرها لعمر بن الخطاب، فقال له عمر: «عر...
عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر، فقال له: إني وجدت لقطة فماذا ترى فيها؟ فقال له عبد الله بن عمر: «عرفها»، قال: قد فعلت؟ قال: «زد»، ق...
عن سليمان بن يسار، أن ثابت بن الضحاك الأنصاري أخبره، أنه وجد بعيرا بالحرة فعقله، ثم ذكره لعمر بن الخطاب، «فأمره عمر أن يعرفه ثلاث مرات»، فقال له ثابت:...
عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب قال وهو مسند ظهره إلى الكعبة: «من أخذ ضالة فهو ضال»
وحدثني مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول: كانت ضوال الإبل في زمان عمر بن الخطاب إبلا مؤبلة تناتج.<br> لا يمسها أحد.<br> حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان، أمر...