1586- عن عمرو بن شعيب، أن رجلا من بني مدلج يقال له قتادة، حذف ابنه بالسيف، فأصاب ساقه، فنزي في جرحه فمات، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فقال له عمر: اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك، فلما قدم إليه عمر بن الخطاب، أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة، ثم قال: «أين أخو المقتول؟» قال: هأنذا، قال: خذها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس لقاتل شيء»
لم يختلف على مالك في هذا الحديث وإرساله
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِسَيْفٍ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنَزَا فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ يُرِيدُ أَنَّهُ رَمَاهُ بِالسَّيْفِ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ مَوْتِهِ فَلَمْ يَرَ عُمَرُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْأَبِ الْقِصَاصَ , وَذَلِكَ لِأَنَّ قَتْلَ الْأَبِ ابْنَهُ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَفْعَلَ بِهِ فِعْلًا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قَصَدَ إِلَى قَتْلِهِ مِثْلُ أَنْ يُضْجِعَهُ فَيَذْبَحَهُ أَوْ يُضْجِعَهُ فَيَشُقَّ بَطْنَهُ , وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه الْفُقَهَاءُ قَتْلَ غِيلَةٍ , وَالثَّانِي أَنْ يَرْمِيَهُ بِحَجَرٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ رُمْحٍ مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ الْقَتْلِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَدَبِ أَوْ التَّرْهِيبِ فَيَقْتُلَهُ فَأَمَّا قَتْلُ الْغِيلَةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ , وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُقْتَلُ بِهِ , وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الْآيَةَ وقَوْلُهُ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ , وَهَذَا عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ , وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُمَا شَخْصَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي الدِّينِ وَالْحُرْمَةِ فَكَانَ الْقِصَاصُ جَارِيًا بَيْنَهُمَا كالأجنبيين , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ شَخْصٌ لَوْ قَتَلَهُ حَذْفًا بِالسَّيْفِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ فَإِذَا ذَبَحَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ كَالسَّيِّدِ يَقْتُلُ عَبْدَهُ.
( فَرْعٌ ) إِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنْ أَلْقَتْ الْأُمُّ ابْنَهَا فِي بِئْرٍ أَوْ مِرْحَاضٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِنْ أَلْقَتْهُ فِي بِئْرٍ أَوْ بَحْرٍ كَثِيرِ الْمَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَوْ فِي مِرْحَاضٍ لَا يُنْجَى مِنْ مِثْلِهِ , وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَوْ يَكُونُ الْبِئْرِ مَهْوَاةً لَا يُدْرَكُ وَلَا يَنْزِلُ وَإِنْ كَانَتْ يَبَسًا فَلْتُقْتَلْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ فَهِيَ أَهْلٌ أَنْ تُقْتَلَ , وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِثْلَ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ الَّذِي يُرَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ , وَشِبْهُ ذَلِكَ فَلَا تُقْتَلُ , وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ مُتَعَمِّدَةٌ لِلْقَتْلِ كَالذَّبْحِ.
( فَرْعٌ ) وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ فَإِنَّ جُرْحَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ الْجِرَاحَ تَجْرِي فِي ذَلِكَ مَجْرَى الْقَتْلِ , وَذَلِكَ إِنْ أَخَذَ سِكِّينًا فَقَطَعَ بِهِ يَدَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ أَضْجَعَهُ فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي عَيْنَيْهِ فَفَقَأَهَا فَإِنَّ هَذَا يُقَادُ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِذَا قَتَلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ مِنْ الِاحْتِمَالِ , وَهُوَ عَلَى نَحْوِ مَا فَعَلَهُ الْمُدْلِجِيُّ فَإِنَّهُ إِذَا حَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ , وَكَذَلِكَ إِذَا أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ قَلِيلَةِ الْمَاءِ مِثْلُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ فِعْلٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْقَتْلِ قَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْأَبِ كَأَدَبٍ جَاوَزَ بِهِ حَدَّهُ فَهُوَ كَالْمُخْطِئِ يُرِيدُ لِمَا عُلِمَ مِنْ حُنُوِّ الْأَبِ وَشَفَقَتِهِ مَعَ مَا لَهُ مِنْ التَّبَسُّطِ وَالْأَدَبِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ فَحُمِلَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ الْعَمْدِ , وَلَوْ وَجَدَ مِنْ أَحَدٍ عَمْدًا لَمْ يُعْتَبَرْ مِنْهُ ذَلِكَ الْإِشْفَاقُ , وَلَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ التَّبَسُّطُ عَلَيْهِ فِي الْأَدَبِ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ لِسُرَاقَةَ اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَصَّ سُرَاقَةَ بِذَلِكَ , وَلَيْسَ هُوَ بِقَاتِلٍ , وَإِنَّمَا هُوَ سَيِّدُ الْقَوْمِ ; لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ , وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَاطَبَهُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ , وَاقْتَضَى جَوَابُهُ فِيهَا فَلَعَلَّهُ خَاطَبَهُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الْأَبَ بِإِحْضَارِهَا , وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَاهَا عَلَى الْأَبِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ , وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ , وَهِيَ عَلَى الْأَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فَيَكُونَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِئَلَّا تَبْطُلَ الدِّيَةُ.
( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا إِنَّ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ فِي قَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَلَى الْأَبِ فِي مَالِهِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ هِيَ عَلَيْهِ حَالَّةٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ , وَآخِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهَا فِي مَالِ الْأَبِ حَالَّةٌ , وَكَانَ يَقُولُ هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُنَجَّمَةٌ , وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّهَا حَالَّةٌ , وَاخْتَلَفُوا فِي أَخْذِهَا مِنْ الْعَاقِلَةِ أَوْ الْأَبِ , وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ إِنْ كَانَ الْأَبُ عَدِيمًا فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَالَّةٌ , وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا احْتَجَّ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِسُرَاقَةَ اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ , وَلَيْسَ بِالْأَبِ الْقَاتِلِ , وَإِنَّمَا هُوَ سَيِّدٌ لِقَوْمٍ فَتَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ سَيِّدُ الْعَاقِلَةِ , وَاحْتَجَّ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّهُ قَتْلٌ لَا يُعْتَبَرُ عَمْدًا لَمَّا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَدَبِ فَكَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَقَتْلِ الْخَطَإِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ بِالْعَمْدِ أَشْبَهَ فَلَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ ; لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِيهِ الْقَصْدُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهَا الْمِائَةَ الَّتِي هِيَ لَدَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يُغَلِّظَهَا بِالْعَدَدِ فَيَأْخُذَ الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةَ , ثُمَّ ظَهَرَ إِلَيْهِ أَنَّ التَّغْلِيظَ بِالْعَدَدِ فِي الْإِبِلِ أَوْ فِي الدَّنَانِيرِ غَيْرُ سَائِغٍ فَأَعْطَى مِنْهَا مِائَةً فِي الدِّيَةِ وَتَرَكَ الْبَاقِيَ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَصَّ قُدَيْدًا بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ بَقَاءُ الْإِبِلِ مَعَ كَوْنِهِ أَقْرَبَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي هِيَ فِي طَرِيقِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ إِلَى مَوْضِعِ بَنِي مُدْلِجٍ ; لِأَنَّ إيوَاءَ الْإِبِلِ الْحَوَاضِرِ يَشُقُّ لِقِلَّةِ سَارِحِهَا وَتَأَذِّي أَهْلِهَا بِبَقَاءِ الْإِبِلِ عِنْدَهُمْ , وَإِنَّمَا مَوَاضِعُ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ الْمَسَارِحُ وَالْفَيَافِي.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَأَخَذَ مِنْهَا عُمَرُ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً قَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ ذِكْرُ الْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ , وَأَمَّا الْخَلِفَةُ فَهِيَ الْحَامِلُ مِنْ الْإِبِلِ , وَالْخَلِفَاتُ الْحَوَامِلُ قَالَ مَالِكٌ الَّتِي فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا , وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ , وَهِيَ مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إِلَى بَازِلِ عَامِهَا , وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا تُبَالِ بِالْخَلِفَاتِ إِذَا كَانَتْ حَوَامِلَ مِنْ أَيِّ الْأَسْنَانِ كَانَتْ , وَأَحَبُّ إلَيْنَا الثَّنِيَّاتُ إِلَى بَازِلِ عَامِهَا , وَرَوَاهُ عَنْ أَشْهَبَ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنَّمَا نُقِلَتْ الدِّيَةُ إِلَى هَذِهِ الْأَسْنَانِ لِلتَّغْلِيظِ قَالَ أَشْهَبُ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ الَّذِي لَا يَكُونُ إِلَّا فِي مِثْلِ فِعْلِ الْمُدْلِجِيِّ ثَلَاثَةُ أَسْنَانٍ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ , وَالْقَاتِلُ فِي الْحَدِيثِ إنَّمَا كَانَ الْأَبُ , وَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَالِكٌ الْجَدُّ كَالْأَبِ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ الْأُمُّ كَالْأَبِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَالْأَبَوَيْنِ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ , وَلَيْسَ الْأَخُ وَالْعَمُّ , وَسَائِرُ الْقَرَابَاتِ مِثْلَ ذَلِكَ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ بِالتَّغْلِيظِ فَفِي الْأَبِ وَأَبِي الْأَبِ وَالْأُمِّ وَأُمِّ الْأُمِّ , وَوَقَفَ عَنْ أَبِ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ , وَقَالَ أَشْهَبُ أَمَّا أُمُّ الْأَبِ فَكَالْأَبِ , وَأَمَّا أُمُّ الْأُمِّ فَكَالْأَجْنَبِيِّ , وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِك أَنَّ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ , وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِخِلَافِ مَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ , وَلَعَلَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ , ثُمَّ رَآهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْجِرَاحُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ جِرَاحٌ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا بِوَجْهٍ , وَجِرَاحٌ يُقْتَصُّ مِنْهَا فَأَمَّا مَا لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا بِوَجْهٍ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ لَا تَغْلِيظَ فِيهَا ; لِأَنَّهُ لَا قَوَدَ فِي عَمْدِهَا , وَرَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّغْلِيظَ عِوَضٌ مِنْ سُقُوطِ الْقَوَدِ , وَهَذِهِ الْجِرَاحُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْقَوَدُ فَلَمْ تُغَلَّظْ فِيهَا الدِّيَةُ , وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُغَلَّظُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا دِيَةٌ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ فَتَعَلَّقَ بِهَا التَّغْلِيظُ كَالدِّيَةِ الْكَامِلَةِ , وَأَمَّا الْجِرَاحُ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْقِصَاصُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ فَإِذَا وَقَعَتْ مِنْ الْأَبِ عَلَى وَجْهٍ لَا قَوَدَ فِيهِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ تُغَلَّظُ فِيهَا الدِّيَةُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا جِنَايَةٌ فِيهَا الْقَوَدُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَإِذَا دُرِئَ الْقَوَدُ عَلَى الْأَبِ عَنْ الْأَبِ وَجَبَ أَنْ تُغَلِّظَ الدِّيَةُ أَصْلَ ذَلِكَ الْقَتْلِ.
( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تُغَلَّظُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِيمَا صَغُرَ مِنْ الْجِرَاحِ وَكَبُرَ , وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنَّ ذَلِكَ فِيمَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا قُلْنَا إنَّهَا تُغَلَّظُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ فَهَلْ تُغَلَّظُ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا إثْبَاتُ التَّغْلِيظِ , وَالثَّانِيَةُ نَفْيُهُ , وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُولَى فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا , وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي نَفْيِ التَّغْلِيظِ فَرَوَاهَا ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ , وَرَوَاهَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِنَّ هَذِهِ دِيَةٌ فَجَازَ أَنْ يَلْحَقَهَا التَّغْلِيظُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ كَدِيَةِ الْإِبِلِ , وَإِذَا لَمْ يُغَلَّظْ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ لَمْ يَلْحَقْهُ تَغْلِيظٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرْ التَّغْلِيظُ فِي صِفَتِهَا ; لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِيهَا إِلَّا الْجَيِّدُ الْخَالِصُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تَغْلُظُ فَكَيْفَ صِفَةُ التَّغْلِيظِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ , وَابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ مَالِكٍ يَنْظُرُ إِلَى قِيمَةِ الدِّيَةِ الْمُخَمَّسَةِ مِنْ الْإِبِلِ , وَإِلَى دِيَةِ الْمُغَلَّظَةِ مِنْهَا فَيُنْظَرُ إِلَى مَا تَزِيدُ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى دِيَةِ الْخَطَإِ فَيُزَادُ تِلْكَ الْقَدْرُ عَلَى دِيَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ , وَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ وَيُنْظَرُ كَمْ قِيمَةُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظِ مِنْ الْإِبِلِ فَتَكُونُ تِلْكَ الدِّيَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ , وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مَا لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَلْفِ دِينَارٍ فَلَا يَنْقُصُ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ أَصْلَ تَغْلِيظِ الدِّيَةِ مُعْتَبَرُ الصِّفَةِ , وَذَلِكَ مُتَعَذَّرٌ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَاعْتُبِرَ بِتَغَيُّرِ صِفَاتِ الْإِبِلِ فَيَزِيدُ فِي عَدَدِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قَدْرُ مَا بَيْنَ قِيمَتَيْ الصِّفَتَيْنِ ; لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا حُكْمُ التَّغْلِيظِ ; لِأَنَّهُ قَدْ تَكُونُ فِيهِ أَسْنَانٌ لِلتَّغْلِيظِ أَقَلَّ مِنْ دِيَةِ الذَّهَبِ فَلَا يَلْحَقُهَا تَغْلِيظٌ , وَرُبَّمَا قَصُرَتْ عَنْ ذَلِكَ فَبَطَلَ الِاعْتِبَارُ بِهَا , وَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى نَقْصِ الدِّيَةِ بِالتَّغْلِيظِ عَمَّنْ كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّغْلِيظِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا دِيَةُ الْعَمْدِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا أَرْبَاعُ إنَاثٍ كُلُّهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ , وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ , وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً , وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً , وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهَا فِي أَسْنَانِهَا كَدِيَةِ الْخَطَإِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَتْلٌ سَقَطَ إِلَى دِيَةٍ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُغَلَّظَةً كَدِيَةِ قَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ إنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إسْقَاطِهِ بِشَيْءٍ مَا لَزِمَهُمَا ذَلِكَ , وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ , وَأَيُّهُمَا لَفْظُ الدِّيَةِ وَجَبَ أَنْ تُلْزَمَ فِي ذَلِكَ الدِّيَةُ الْمَعْرُوفَةُ , وَهِيَ دِيَةُ الْخَطَإِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تُغَلَّظُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ فَهَلْ تُغَلَّظُ أَيْضًا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَا يُعْلَمُ مَنْ يُغَلِّظُهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ غَيْرَ أَشْهَبَ , وَالْكَلَامُ فِيهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ لِأَخِي الْمَقْتُولِ خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنَّهُ سَلَّمَ جَمِيعَ الدِّيَةِ إِلَى أَخِي الْمَقْتُولِ , وَأَنَّهُ كَانَ الْمُحِيطُ بِمِيرَاثِهِ دُونَ أَبِيهِ لِكَوْنِ أَبِيهِ قَاتِلًا لِلْمَوْرُوثِ , وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ , وَهَذَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ دِيَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ , وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَة وَالْمَوَّازِيَّةِ لَا يَرِثُ مِنْ مَالِ الِابْنِ وَلَا دِيَتِهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ كَالْعَمْدِ , وَإِنَّمَا دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ.
و حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِالسَّيْفِ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنُزِيَ فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اعْدُدْ عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ فَلَمَّا قَدِمَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً ثُمَّ قَالَ أَيْنَ أَخُو الْمَقْتُولِ قَالَ هَأَنَذَا قَالَ خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ
عن عروة بن الزبير، " أن رجلا من الأنصار يقال له أحيحة بن الجلاح، كان له عم صغير هو أصغر من أحيحة، وكان عند أخواله، فأخذه أحيحة فقتله، فقال أخواله: كنا...
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جرح العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس» قال مالك: «وتفسير الجبار أنه لا دية...
عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب قتل نفرا، خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة وقال عمر: «لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا»
عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، أنه بلغه أن حفصة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها، «فأمرت بها فقتلت»
عن عمر بن حسين مولى عائشة بنت قدامة، أن عبد الملك بن مروان، «أقاد ولي رجل من رجل قتله بعصا فقتله وليه بعصا»
عن سليمان بن يسار، أن سائبة أعتقه بعض الحجاج، فقتل ابن رجل من بني عائذ، فجاء العائذي أبو المقتول إلى عمر بن الخطاب، يطلب دية ابنه، فقال عمر: «لا دية ل...
عن سهل بن أبي حثمة، أنه أخبره رجال من كبراء قومه، أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتي محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وط...
عن بشير بن يسار، أنه أخبره، أن عبد الله بن سهل الأنصاري، ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما، فقتل عبد الله بن سهل، فقدم محيصة، فأتى هو و...
عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم ومدهم يعني أهل المدينة