1651-
عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار.
قال جابر: فبينا أنا نازل تحت شجرة، إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل، فقلت: يا رسول الله، هلم إلى الظل، قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إلى غرارة لنا، فالتمست فيها شيئا، فوجدت فيها جرو قثاء فكسرته، ثم قربته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «من أين لكم هذا؟» قال فقلت: خرجنا به يا رسول الله من المدينة، قال جابر: وعندنا صاحب لنا نجهزه، يذهب يرعى ظهرنا، قال: فجهزته ثم أدبر يذهب في الظهر، وعليه بردان له قد خلقا، قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال: «أما له ثوبان غير هذين؟» فقلت: بلى يا رسول الله، له ثوبان في العيبة كسوته إياهما، قال: «فادعه فمره فليلبسهما»، قال: فدعوته فلبسهما، ثم ولى يذهب، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما له ضرب الله عنقه، أليس هذا خيرا له؟» قال: فسمعه الرجل، فقال: يا رسول الله، في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في سبيل الله»، قال: فقتل الرجل في سبيل الله"(1) 2645- عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: «إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب»(2)
(1) استظهر بشار إرساله
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُ جَابِرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ فَقُمْت إِلَى غِرَارَةٍ لَنَا فَالْتَمَسْت فِيهَا شَيْئًا فَوَجَدْت فِيهَا جِرْوُ قِثَّاءٍ وَالْجِرْوُ الْقِثَّاءَةُ الصَّحِيحَةُ , وَقِيلَ الْمُسْتَطِيلَةُ وَقِيلَ الصَّغِيرَةُ , حَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْجِرْوُ صَغِيرُ الْقِثَّاءِ وَالرُّمَّانِ وَجَمْعُهُ أَجْرَاءُ وَجَمْعُ الْجَمْعِ أُجَرٌ , وَقَوْلُهُ فَكَسَّرْته ثُمَّ قَرَّبْته إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مَعْنَى كَسَّرَهُ لَهُ أَنْ يَسْهُلَ تَنَاوُلُهُ وَيَكْثُرَ عَدَدُهُ , وَهُوَ فِي الْأَغْلَبِ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْآكِلُ بِالْكَبِيرِ مِنْهَا فَلَعَلَّ جَابِرًا أَسْمَاهُ بِاسْمِ الصَّغِيرِ تَحْقِيرًا لِمَا قَدَّمَهُ فَكَفَاهُ مُؤْنَةَ الْعَمَلِ , ثُمَّ قَرَّبَهُ إِلَيْهِ لِيَأْكُلَهُ فَقَالَ لِجَابِرٍ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا لَمَّا عَلِمَ مِنْ عَدَمِهِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَتَعَذُّرِ وُجُودِهِ فِيهِ فَقَالَ جَابِرٌ : خَرَجْنَا بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَقَوْلُ جَابِرٍ وَعِنْدَنَا صَاحِبٌ لَنَا نُجَهِّزُهُ يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ نُهَيِّئُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي تَوَجُّهِهِ لِحِفْظِ الظَّهْرِ يُرِيدُ الْإِبِلَ الَّتِي يَرْكَبُونَ ظُهُورَهَا وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهَا.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ أَدْبَرَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ لَهُ قَدْ خَلِقَا يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمَا قَدْ بَلَغَا مِنْ ذَلِكَ مَبْلَغًا تَمُجُّهُ الْعَيْنُ وَيَخْرُجُ عَنْ عَادَةِ لِبَاسِ النَّاسِ مَعَ مَا قَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مِنْ سَعَةِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ , وَأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالَةِ النَّاسِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مِثْلِهِ , وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ لِمَا يَخَافُ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ شَرْعًا أَوْ مُبَاحًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اللِّبَاسِ الْمُعْتَادِ , وَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِبَاسَ غَيْرِ الْمُعْتَادِ وَمَا يَشْتَهِرُ بِهِ لَابِسُهُ مِنْ دُونِ الْمَلْبَسِ كَمَا كَرِهَ مَا يُشْهَرُ بِهِ صَاحِبُهُ فِي رِفْعَتِهِ , وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي غَزْوٍ وَلَعَلَّهُ كَانَ بِقُرْبِ الْمُشْرِكِينَ , وَلَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَلَى أَصْحَابِهِمْ عُيُونٌ فَيَرَوْنَ عَلَيْهِمْ مِثْلَ هَذَا الْمَلْبَسِ فَيَعْتَقِدُونَ فِيهِمْ مِنْ ضَعْفِ الْحَالِ مَا يُقَوِّي نُفُوسَهُمْ وَيُؤَكِّدُ طَمَعَهُمْ فِي الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ فَيَكْرَهُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم , وَأَرَادَ إظْهَارَ الْقُوَّةِ وَصَلَاحَ الْحَالِ لِتَضْعُفَ نُفُوسُهُمْ وَيَقِلَّ طَمَعُهُمْ , وَرُوِيَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَمَا لَهُ ثَوْبَانِ غَيْرَ هَذَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ يَعْرِفُ حَالَهُ لِيَعْلَمَ هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ عَدَمٍ فَيَعْذُرُهُ أَوْ يُعِينُهُ , أَوْ يَعْلَمَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَلْبَسِ الصَّالِحِ فَيُنْكِرَ عَلَيْهِ وَيَأْمُرَ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ لَهُ فَأَعْلَمَ جَابِرٌ أَنَّ لَهُ ثَوْبَيْنِ فِي الْعَيْبَةِ , وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حُضُورِهِمَا , وَلَعَلَّ سُؤَالَهُ إنَّمَا تَوَجَّهَ إِلَى مَا يَحْضُرُهُ مِنْ الثِّيَابِ فَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَلَبِسَهُمَا امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَأَخْذًا بِهَدْيِهِ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مَا لَهُ ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا لَهُ ؟ وَهَذِهِ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ عِنْدَ إنْكَارِ أَمْرٍ وَلَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الدُّعَاءَ عَلَى مَنْ يُقَالُ لَهُ ذَلِكَ , فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَعَلِمَ أَنَّ دُعَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم غَالِبًا يُسْتَجَابُ اعْتَقَدَ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ أَوْ خَافَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِ لَمَّا أَتَاهُ وَقَدْ أُخْرِجَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ إِذَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ مَا يَقُولُهُ فَقَالَ لِلرَّجُلِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ قَوْلُ مَنْ تَيَقَّنَ وُقُوعَ مَا قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا مِمَّا عَلِمَ مِنْ تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى لَا يَقَعَ مِنْهُ خِلَافُهُ , وَهَذَا مِنْ عَظِيمِ الْآيَاتِ مَعَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْت أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ مَا كُنْت بِدَعًا مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إلَيَّ فَأَرَادَ الرَّجُلُ أَنَّهُ إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ سَيُقْتَلُ أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَلَى مَعْنَى تَوْجِيهِ قَوْلِهِ أَوْ دُعَائِهِ إِلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّجُلُ مِنْ الشَّهَادَةِ لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مِنْ الْخَيْرِ لَهُ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا.
.
( فَصْلٌ ) وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَضِّ عَلَى التَّجَمُّلِ فِي الْمَلْبَسِ وَالزَّجْرِ عَنْ تَرْكِهِ , وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي لَوْنِ الْمَلْبُوسِ وَحُسْنِهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي فِي الْمَلْبُوسِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ أَنَّ أَفْضَلَ زِيٍّ مَا يُلْبَسُ فِي الرَّأْسِ الْعَمَائِمُ وَهِيَ تِيجَانُ الْعَرَبِ قَالَ مَالِكٌ الْعِمَّةُ وَالِاحْتِبَاءُ وَالِانْتِعَالُ مِنْ عَمَلِ الْعَرَبِ , وَكَانَتْ الْعِمَّةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ حَتَّى كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ يُرِيدُ وُلَاةَ بَنِي هَاشِمٍ فَتَرَكْنَاهَا خَوْفًا مِنْ خِلَافِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَسُوهَا , وَلَمْ أُدْرِكْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ إِلَّا وَهُمْ يَتَعَمَّمُونَ كُنْت أَرَى فِي حَلْقَةِ رَبِيعَةَ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ رَجُلًا مُتَعَمِّمِينَ وَأَنَا مِنْهُمْ , وَكَانَ رَبِيعَةُ لَا يَدَعُهَا حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا قَالَ رَبِيعَةُ وَإِنِّي لَأَجِدُهَا تَزِيدُ فِي الْعَقْلِ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاقْتِعَاطَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ , وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّمَ وَلَا يَجْعَلَ تَحْتَ ذَقْنِهِ مِنْهَا شَيْئًا وَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ , وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نَهَى عَنْ الِاقْتِعَاطِ وَفَسَّرَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ مَالِكٌ إِلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَعِنْدَ اغْتِسَالِهِ وَفِي مَرَضِهِ لَا بَأْسَ بِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَهَلْ يُرْخِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ الذُّؤَابَةَ أَوْ يُرْسِلُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ مَالِكٌ : لَمْ أُدْرِكْ أَحَدًا إِلَّا يُرْسِلُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ كَانَ يُرْخِي بَيْنَ يَدَيْهِ , وَكَانَ رَبِيعَةُ وَابْنُ هُرْمُزَ يُسْدِلَانِهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمَا , وَلَسْت أَكْرَهُ إرْخَاءَهَا مِنْ خَلْفِهِ ; لِأَنَّهُ حَرَامٌ , وَلَكِنَّ هَذَا أَجْمَلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدِي يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ , وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ بِهِ أَظْهَرَ فَإِنَّ مُوَافَقَةَ الْجُمْهُورِ أَوْلَى وَأَصْوَبُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سَأَلَ مَالِكٌ عَنْ الْقَلَانِسِ هَلْ كَانَتْ قَدِيمَةً فَقَالَ كَانَتْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَقَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا أَرَى , وَكَانَتْ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَلَنْسُوَةٌ.
( ش ) : قَوْلُهُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى الْقَارِئِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ , يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ قَارِئَ الْقُرْآنِ الْمَعْرُوفَ بِذَلِكَ وَالْمَشْهُورَ بِهِ وَهُمْ كَانُوا أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فِي زَمَنِهِ فَكَانَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَرْغَبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ صِفَتَهُمْ وَيَكُونَ هَذَا رَأْيَهُمْ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ لُبْسُ الْبَيَاضِ دُونَ لُبْسِ الْمُصَبَّغَاتِ مِنْ الْمُعَصْفَرِ الْمُشَبَّعِ وَغَيْرِهِ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ خَيْرُ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضُ , وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَقَاءَ ثِيَابِهِ وَسَلَامَتَهَا مِنْ الْوَضَرِ , وَأَنْ لَا تُدَنَّسَ أَلْوَانُ الثِّيَابِ وَيُغَيَّرَ بَيَاضُهَا ; لِأَنَّ نَقَاءَ الثَّوْبِ مِنْ حُسْنِ الزِّيِّ وَدَلِيلٌ عَلَى تَوَقِّي لَابِسِهِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى طَهَارَتِهِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْقَارِئِ الْعَابِدَ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ يُتْقِنْ لَمْ يُحْسِنْ يَقْرَأُ يُرِيدُ وَلَمْ يَتَعَبَّدْ , وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَسْتَحْسِنْ لِلْعِبَادِ الْخُرُوجَ عَنْ حُسْنِ الزِّيِّ إِلَى الْمَلْبَسِ الْمُسْتَخْشَنِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ خُرُوجٌ عَنْ الْعَادَةِ وَمَدْخَلٌ فِيمَا يُشَوِّهُ.
وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ لِرَجُلٍ تَنَسَّكَ فَلَبِسَ الصُّوفَ رَأَيْته نَسَكَ نُسُكًا أَعْجَمِيًّا فَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ عَادَةِ مِثْلِهِ , وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ لِبَاسِ الصُّوفِ الْغَلِيظِ فَقَالَ لَا خَيْرَ فِي الشُّهْرَةِ , وَلَوْ كَانَ يَلْبَسُهُ تَارَةً وَيَتْرُكُهُ تَارَةً لَرَجَوْت , وَلَا أُحِبُّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَشْتَهِرَ وَمِنْ غَلِيظِ الْقُطْنِ مَا هُوَ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ , وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِذَلِكَ الرَّجُلِ فَلْيُرَ عَلَيْك مَالُكَ , وَكَانَ عُمَرُ يَكْسُو الْحُلَلَ وَقَالَ عُمَرُ : أُحِبُّ أَنْ أَرَى الْقَارِئَ أَبْيَضَ الثِّيَابِ قَالَ مَالِكٌ : وَهَذَا لِمَنْ وَجَدَ غَيْرَهُ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَلَا أَكْرَهُهُ لَهُ وَاسْتَحْسَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ حُسْنَ الزِّيِّ وَالتَّجَمُّلَ بِالثِّيَابِ الْمُبَاحَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ وَسَأَلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَنْسَ نَصِيبَك مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَقَالَ أَنْ يَعِيشَ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ غَيْرَ مُضَيِّقٍ عَلَيْهِ فِي رَأْيٍ , وَقَدْ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ التَّجَمُّلُ وَحُسْنُ الزِّيِّ وَالْهَيْئَةِ , وَمُنِعَ الِاحْتِزَامُ وَتَشْمِيرُ الْكُمَّيْنِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِمَّا يُنَافِي زِيَّ الْوَقَارِ , وَكَذَلِكَ شُرِعَ فِي أَيَّامِ الْجُمَعِ التَّجَمُّلُ بِالْمَلْبَسِ وَالتَّطَيُّبُ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فَالْعَالِمُ مِمَّنْ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ النَّاسُ وَيَرِدُونَ عَلَيْهِ فَشُرِعَ لَهُ التَّجَمُّلُ بِالْمَلْبَسِ دُونَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عَادَةِ مِثْلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ قَالَ جَابِرٌ فَبَيْنَا أَنَا نَازِلٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ إِلَى الظِّلِّ قَالَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْتُ إِلَى غِرَارَةٍ لَنَا فَالْتَمَسْتُ فِيهَا شَيْئًا فَوَجَدْتُ فِيهَا جِرْوَ قِثَّاءٍ فَكَسَرْتُهُ ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا قَالَ فَقُلْتُ خَرَجْنَا بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ جَابِرٌ وَعِنْدَنَا صَاحِبٌ لَنَا نُجَهِّزُهُ يَذْهَبُ يَرْعَى ظَهْرَنَا قَالَ فَجَهَّزْتُهُ ثُمَّ أَدْبَرَ يَذْهَبُ فِي الظَّهْرِ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ لَهُ قَدْ خَلَقَا قَالَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ فَقَالَ أَمَا لَهُ ثَوْبَانِ غَيْرُ هَذَيْنِ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُ ثَوْبَانِ فِي الْعَيْبَةِ كَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا قَالَ فَادْعُهُ فَمُرْهُ فَلْيَلْبَسْهُمَا قَالَ فَدَعَوْتُهُ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ وَلَّى يَذْهَبُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَهُ ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا لَهُ قَالَ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى الْقَارِئِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ
عن ابن سيرين، قال: قال عمر بن الخطاب: «إذا أوسع الله عليكم، فأوسعوا على أنفسكم جمع رجل عليه ثيابه»
عن نافع، أن عبد الله بن عمر: «كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق والمصبوغ بالزعفران»
عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم «أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت عائشة تلبسه»
عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، أنها قالت: «دخلت حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى حفصة خمار رقيق، فشقته عائشة وكستها خم...
عن أبي هريرة، أنه قال: «نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة»
عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من الليل فنظر في أفق السماء فقال: «ماذا فتح الليلة من الخزائن؟ وماذا وقع من الفتن؟ كم من كاسية في الد...
عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الذي يجر ثوبه خيلاء، لا ينظر الله إليه يوم القيامة»
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلى من يجر إزاره بطرا»
عن نافع، وعبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم، كلهم يخبره عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من يجر ثو...