حديث الرسول ﷺ الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

حديث المطلقة ثلاثا لا نفقة لها - صحيح مسلم

صحيح مسلم | كتاب الطلاق باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها (حديث رقم: 2617 )


2617- عن فاطمة بنت قيس، أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: «ليس لك عليه نفقة»، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني»، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أبو جهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد» فكرهته، ثم قال: «انكحي أسامة»، فنكحته، فجعل الله فيه خيرا، واغتبطت به



(فسخطته) أي ما رضيت به لكونه شعيرا، أو لكونه قليلا.
(تعتد) أي تستوفي عدتها.
وعدة المرأة، قيل: أيام أقرائها، وقيل: تربصها المدة الواجبة عليها.
(فآذنينى) أي فأعلمينى.
(فلا يضع العصا عن عاتقه) فيه تأويلان مشهوران: أحدهما أنه كثير الأسفار.
والثاني أنه كثير الضرب للنساء، وهذا أصح.
والعاتق هو ما بين العنق إلى المنكب.
(فصعلوك) أي فقير في الغاية.
(واغتبطت) في بعض النسخ: واغتبطت به.
ولم تقع لفظة به في أكثر النسخ.
قال أهل اللغة: الغبطة أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير إرادة زوالها عنه.
وليس هو بحسد.
تقول منه: غبطته بما نال أغبطه، بكسر الباء، غبطا وغبطة فاغتبط هو.
كمنعته فامتنع، وحبسته فاحتبس.

شرح حديث (حديث المطلقة ثلاثا لا نفقة لها )

شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)

فِيهِ حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْس ‏ ‏( أَنَّ أَبَا عَمْرو بْن حَفْص طَلَّقَهَا ) ‏ ‏هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُور أَنَّهُ أَبُو عَمْرو بْن حَفْص وَقِيلَ أَبُو حَفْص بْن عَمْرو وَقِيلَ أَبُو حَفْص بْن الْمُغِيرَة وَاخْتَلَفُوا فِي اِسْمه وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ اِسْمه عَبْد الْحَمِيد , وَقَالَ النَّسَائِيُّ : اِسْمه أَحْمَد.
وَقَالَ آخَرُونَ : اِسْمه كُنْيَته.
‏ ‏وَقَوْله : ( أَنَّهُ طَلَّقَهَا ) هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور الَّذِي رَوَاهُ الْحُفَّاظ وَاتَّفَقَ عَلَى رِوَايَته الثِّقَات عَلَى اِخْتِلَاف أَلْفَاظهمْ فِي أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ الْبَتَّة أَوْ آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات.
وَجَاءَ فِي آخِر صَحِيح مُسْلِم فِي حَدِيث الْجَسَّاسَة مَا يُوهِم أَنَّهُ مَاتَ عَنْهَا.
قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَى ظَاهِرهَا بَلْ هِيَ وَهْم أَوْ مُؤَوَّلَة وَسَنُوَضِّحُهَا فِي مَوْضِعهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
‏ ‏وَأَمَّا قَوْله فِي رِوَايَة ( أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ) ‏ ‏وَفِي رِوَايَة : ( أَنَّهُ طَلَّقَهَا الْبَتَّة ) , وَفِي رِوَايَة : ( طَلَّقَهَا آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات ) , وَفِي رِوَايَة : ( طَلَّقَهَا طَلْقَة كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقهَا ) , وَفِي رِوَايَة ( طَلَّقَهَا ) وَلَمْ يَذْكُر عَدَدًا وَلَا غَيْره.
فَالْجَمْع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْل هَذَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا هَذِهِ الْمَرَّة الطَّلْقَة الثَّالِثَة فَمَنْ رَوَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا مُطْلَقًا أَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَة أَوْ طَلَّقَهَا آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات فَهُوَ ظَاهِر وَمَنْ رَوَى الْبَتَّة فَمُرَاده طَلَّقَهَا طَلَاقًا صَارَتْ بِهِ مَبْتُوتَة بِالثَّلَاثِ وَمَنْ رَوَى ثَلَاثًا أَرَادَ تَمَام الثَّلَاث.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَة ) ‏ ‏وَفِي رِوَايَة : ( لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنَى ) وَفِي رِوَايَة : ( لَا نَفَقَة ) مِنْ غَيْر ذِكْر السُّكْنَى.
‏ ‏وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُطَلَّقَة الْبَائِن الْحَائِل هَلْ لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى أَوْ لَا ؟ فَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَأَبُو حَنِيفَة وَآخَرُونَ : لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَحْمَد : لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَة.
وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ : تُحْجَب لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَة لَهَا.
وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُمَا جَمِيعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } فَهَذَا أَمْر السُّكْنَى.
وَأَمَّا النَّفَقَة فَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَة عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ اِمْرَأَة جَهِلَتْ أَوْ نَسِيَتْ.
قَالَ الْعُلَمَاء.
الَّذِي فِي كِتَاب رَبّنَا إِنَّمَا هُوَ إِثْبَات السُّكْنَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : قَوْله : ( وَسُنَّة نَبِيّنَا ) هَذِهِ زِيَادَة غَيْر مَحْفُوظَة لَمْ يَذْكُرهَا جَمَاعَة مِنْ الثِّقَات.
وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِب نَفَقَة وَلَا سُكْنَى بِحَدِيثِ فَاطِمَة بِنْت قَيْس.
وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ السُّكْنَى دُون النَّفَقَة لِوُجُوبِ السُّكْنَى بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } وَلِعَدَمِ وُجُوب النَّفَقَة بِحَدِيثِ فَاطِمَة مَعَ ظَاهِر قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَإِنْ كُنَّ أُولَات حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فَمَفْهُومه أَنَّهُنَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَوَامِل لَا يُنْفَق عَلَيْهِنَّ , وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيث فَاطِمَة فِي سُقُوط النَّفَقَة بِمَا قَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَغَيْره أَنَّهَا كَانَتْ اِمْرَأَة لِسَنَةٍ وَاسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ عِنْد اِبْن أُمّ مَكْتُوم وَقِيلَ : لِأَنَّهَا خَافَتْ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِل , بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ قَوْلهَا : ( أَخَاف أَنْ يُقْتَحَم عَلَيَّ ) وَلَا يُمْكِن شَيْء مِنْ هَذَا التَّأْوِيل فِي سُقُوط نَفَقَتهَا وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏وَأَمَّا الْبَائِن الْحَامِل فَتُجِبْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة.
‏ ‏وَأَمَّا الرَّجْعِيَّة فَتَجِبَانِ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ.
‏ ‏وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجهَا فَلَا نَفَقَة لَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَصَحّ عِنْدنَا وُجُوب السُّكْنَى لَهَا فَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَالْمَشْهُور أَنَّهُ لَا نَفَقَة كَمَا لَوْ كَانَتْ حَائِلًا وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا تَجِب وَهُوَ غَلَط وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( طَلَّقَهَا الْبَتَّة وَهُوَ غَائِب فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيله بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ ) ‏ ‏فِيهِ أَنَّ الطَّلَاق يَقَع فِي غِيبَة الْمَرْأَة وَجَوَاز الْوَكَالَة فِي أَدَاء الْحُقُوق وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَقَوْله ( وَكِيله ) مَرْفُوع هُوَ الْمُرْسَل.
‏ ‏قَوْله : ( فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدّ فِي بَيْت أُمّ شَرِيك ثُمَّ قَالَ : تِلْكَ اِمْرَأَة يَغْشَاهَا أَصْحَابِي ) ‏ ‏قَالَ الْعُلَمَاء : أُمّ شَرِيك هَذِهِ قُرَشِيَّة عَامِرِيَّة وَقِيلَ : إِنَّهَا أَنْصَارِيَّة ذَكَرَ مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب فِي حَدِيث الْجَسَّاسَة أَنَّهَا أَنْصَارِيَّة وَاسْمهَا غَزِيَّة , وَقِيلَ غُزَيْلَة بِغَيْنٍ مُعْجَمَة مَضْمُومَة ثُمَّ زَاي فِيهِمَا , وَهِيَ بِنْت دَاوُدَ بْن عَوْف بْن عَمْرو بْن عَامِر بْن رَوَاحَة بْن حُجَيْر بْن عَبْد بْن مُعَيْص بْن عَامِر بْن لُؤَيّ بْن غَالِب , وَقِيلَ فِي نَسَبهَا غَيْر هَذَا , قِيلَ إِنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ : غَيْرهَا.
‏ ‏وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ كَانُوا يَزُورُونَ أُمّ شَرِيك وَيُكْثِرُونَ التَّرَدُّد إِلَيْهَا لِصَلَاحِهَا فَرَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلَى فَاطِمَة مِنْ الِاعْتِدَاد عِنْدهَا حَرَجًا , مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَلْزَمهَا التَّحَفُّز مِنْ نَظَرهمْ إِلَيْهَا وَنَظَرهَا إِلَيْهِمْ وَانْكِشَاف شَيْء مِنْهَا , وَفِي التَّحَفُّظ مِنْ هَذَا مَعَ كَثْرَة دُخُولهمْ وَتَرَدُّدهمْ مَشَقَّة ظَاهِرَة , فَأَمَرَهَا بِالِاعْتِدَادِ عِنْد اِبْن أُمّ مَكْتُوم لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرهَا وَلَا يَتَرَدَّد إِلَى بَيْته مَنْ يَتَرَدَّد إِلَى بَيْت أُمّ شَرِيك , وَقَدْ اِحْتَجَّ بِهِ بَعْض النَّاس بِهَذَا عَلَى جَوَاز نَظَر الْمَرْأَة إِلَى الْأَجْنَبِيّ بِخِلَافِ نَظَره إِلَيْهَا , وَهَذَا قَوْل ضَعِيف , بَلْ الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْعُلَمَاء وَأَكْثَر الصَّحَابَة أَنَّهُ يَحْرُم عَلَى الْمَرْأَة النَّظَر إِلَى الْأَجْنَبِيّ كَمَا يَحْرُم عَلَيْهِ النَّظَر إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ.
} { وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ } وَلِأَنَّ الْفِتْنَة مُشْتَرَكَة وَكَمَا يَخَاف الِافْتِتَان بِهَا تَخَاف الِافْتِتَان بِهِ , وَيَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّة حَدِيث نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ وَمَيْمُونَة عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِحْتَجِبَا مِنْهُ " فَقَالَتَا : إِنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِر فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا فَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ ؟ " وَهَذَا الْحَدِيث حَدِيث حَسَن رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ هُوَ حَدِيث حَسَن وَلَا يُلْتَفَت إِلَى قَدَح مِنْ قَدَح فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّة مُعْتَمَدَة.
‏ ‏وَأَمَّا حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْس مَعَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم , فَلَيْسَ فِيهِ إِذْن لَهَا فِي النَّظَر إِلَيْهِ بَلْ فِيهِ أَنَّهَا تَأْمَن عِنْده مِنْ نَظَر غَيْرهَا وَهِيَ مَأْمُورَة بِغَضِّ بَصَرهَا فَيُمْكِنهَا الِاحْتِرَاز عَنْ النَّظَر بِلَا مَشَقَّة بِخِلَافِ مُكْثهَا فِي بَيْت أُمّ شَرِيك.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي ) ‏ ‏هُوَ بِمَدِّ الْهَمْزَة أَيْ أَعْلِمِينِي وَفِيهِ جَوَاز التَّعْرِيض بِخِطْبَةِ الْبَائِن وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدنَا.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَّا أَبُو الْجَهْم فَلَا يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه ) ‏ ‏, فِيهِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدهمَا أَنَّهُ كَثِير الْأَسْفَار , وَالثَّانِي أَنَّهُ كَثِير الضَّرْب لِلنِّسَاءِ وَهَذَا أَصَحّ , بِدَلِيلِ الرِّوَايَة الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم بَعْد هَذِهِ أَنَّهُ ضِرَاب لِلنِّسَاءِ.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز ذِكْر الْإِنْسَان بِمَا فِيهِ عِنْد الْمُشَاوَرَة وَطَلَب النَّصِيحَة وَلَا يَكُون هَذَا مِنْ الْغِيبَة الْمُحَرَّمَة بَلْ مِنْ النَّصِيحَة الْوَاجِبَة.
وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاء إِنَّ الْغِيبَة تُبَاح فِي سِتَّة مَوَاضِع أَحَدهَا الِاسْتِنْصَاح وَذَكَرْتهَا بِدَلَائِلِهَا فِي كِتَاب الْأَذْكَار ثُمَّ فِي رِيَاض الصَّالِحِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ ( أَبَا الْجَهْم ) هَذَا بِفَتْحِ الْجِيم مُكَبَّر وَهُوَ أَبُو الْجَهْم الْمَذْكُور فِي حَدِيث الْأَنْبِجَانِيَّة , وَهُوَ غَيْر أَبِي الْجُهَيْم الْمَذْكُور فِي التَّيَمُّم وَفِي الْمُرُور بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي فَإِنَّ ذَاكَ بِضَمِّ الْجِيم مُصَغَّر وَقَدْ أَوْضَحَتْهُمَا بِاسْمَيْهِمَا وَنَسَبَيْهِمَا وَوَصْفَيْهِمَا فِي بَاب التَّيَمُّم ثُمَّ فِي بَاب الْمُرُور بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي , وَذَكَرْنَا أَنَّ أَبَا الْجَهْم هَذَا هُوَ اِبْن حُذَيْفَة الْقُرَشِيّ الْعَدَوِيُّ.
قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَهُ النَّاس كُلّهمْ وَلَمْ يَنْسَوْهُ فِي الرِّوَايَة إِلَّا يَحْيَى بْن يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيّ أَحَد رُوَاة الْمُوَطَّأ فَقَالَ أَبُو جَهْم بْن هِشَام قَالَ وَهُوَ غَلَط وَلَا يُعْرَف فِي الصَّحَابَة أَحَد يُقَال لَهُ أَبُو جَهْم بْن هِشَام قَالَ وَلَمْ يُوَافِق يَحْيَى عَلَى ذَلِكَ أَحَد مِنْ رُوَاة الْمُوَطَّأ وَلَا غَيْرهمْ.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلَا يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه ) الْعَاتِق هُوَ مَا بَيْن الْعُنُق وَالْمَنْكِب وَفِي هَذَا اِسْتِعْمَال الْمَجَاز وَجَوَاز إِطْلَاق مِثْل هَذِهِ الْعِبَارَة فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه ) وَفِي مُعَاوِيَة ( أَنَّهُ صُعْلُوك لَا مَال لَهُ ) مَعَ الْعِلْم بِأَنَّهُ كَانَ لِمُعَاوِيَةَ ثَوْب يَلْبَسهُ وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْمَال الْمُحَقَّر وَأَنَّ أَبَا الْجَهْم كَانَ يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه فِي حَال نَوْمه وَأَكْله وَغَيْرهمَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ كَثِير الْحَمْل لِلْعَصَا وَكَانَ مُعَاوِيَة قَلِيل الْمَال جِدًّا جَازَ إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ عَلَيْهِمَا مَجَازًا , فَفِي هَذَا جَوَاز اِسْتِعْمَال مِثْله فِي نَحْو هَذَا وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا وَقَدْ أَوْضَحْته فِي آخِر كِتَاب الْأَذْكَار.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَمَّا مُعَاوِيَة فَصُعْلُوك ) ‏ ‏هُوَ بِضَمِّ الصَّاد وَفِي هَذَا جَوَاز ذِكْره بِمَا فِيهِ لِلنَّصِيحَةِ كَمَا سَبَقَ فِي ذِكْر أَبِي جَهْم.
‏ ‏قَوْلهَا : ( فَلَمَّا حَلَلْت ذَكَرْت لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان وَأَبَا الْجَهْم خَطَبَانِي ) ‏ ‏هَذَا تَصْرِيح بِأَنَّ مُعَاوِيَة الْخَاطِب فِي هَذَا الْحَدِيث هُوَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب وَهُوَ الصَّوَاب , وَقِيلَ إِنَّهُ مُعَاوِيَة آخَر وَهَذَا غَلَط صَرِيح نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرّ بِهِ وَقَدْ أَوْضَحْته فِي تَهْذِيب الْأَسْمَاء وَاللُّغَات فِي تَرْجَمَة مُعَاوِيَة وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِنْكِحِي أُسَامَة بْن زَيْد فَكَرِهَتْهُ ثُمَّ قَالَ : اِنْكِحِي أُسَامَة فَنَكَحَتْهُ فَجَعَلَ اللَّه فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطَتْ ) ‏ ‏فَقَوْلهَا : ( اِغْتَبَطَتْ ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاء وَالْبَاء وَفِي بَعْض النُّسَخ ( وَاغْتَبَطَتْ بِهِ ) وَلَمْ تَقَع لَفْظَة ( بِهِ ) فِي أَكْثَر النُّسَخ.
قَالَ أَهْل اللُّغَة : الْغِبْطَة أَنْ يَتَمَنَّى مِثْل حَال الْمَغْبُوط مِنْ غَيْر إِرَادَة زَوَالهَا عَنْهُ وَلَيْسَ هُوَ بِحَسَدٍ أَقُول مِنْهُ غَبَطْته بِمَا نَالَ أَغْبِطهُ بِكَسْرِ الْبَاء غَبْطًا وَغِبْطَة فَاغْتَبَطَ هُوَ كَمَنَعْته فَامْتَنَعَ وَحَبَسْته فَاحْتَبَسَ.
‏ ‏وَأَمَّا إِشَارَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِنِكَاحِ أُسَامَة فَلَمَّا عَلَّمَهُ مِنْ دِينه وَفَضْله وَحُسْن طَرَائِفه وَكَرَم شَمَائِله فَنَصَحَهَا بِذَلِكَ فَكَرِهَتْهُ لِكَوْنِهِ مَوْلًى وَقَدْ كَانَ أَسْوَد جِدًّا فَكَرَّرَ عَلَيْهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَثّ عَلَى زَوَاجه لَمَّا عَلِمَ مِنْ مَصْلَحَتهَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ كَذَلِكَ , وَلِهَذَا قَالَتْ : ( فَجَعَلَ اللَّه لِي فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْت ) وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذَا : ( طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله خَيْر لَك ).


الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ‏ ‏قَالَ قَرَأْتُ عَلَى ‏ ‏مَالِكٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ‏ ‏مَوْلَى ‏ ‏الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ ‏ ‏طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ ‏ ‏فَأَرْسَلَ ‏ ‏إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ ‏ ‏لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ‏ ‏أُمِّ شَرِيكٍ ‏ ‏ثُمَّ قَالَ تِلْكِ امْرَأَةٌ ‏ ‏يَغْشَاهَا ‏ ‏أَصْحَابِي اعْتَدِّي عِنْدَ ‏ ‏ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ‏ ‏فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ فَإِذَا ‏ ‏حَلَلْتِ ‏ ‏فَآذِنِينِي ‏ ‏قَالَتْ فَلَمَّا ‏ ‏حَلَلْتُ ‏ ‏ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ ‏ ‏مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ‏ ‏وَأَبَا جَهْمٍ ‏ ‏خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏أَمَّا ‏ ‏أَبُو جَهْمٍ ‏ ‏فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا ‏ ‏مُعَاوِيَةُ ‏ ‏فَصُعْلُوكٌ ‏ ‏لَا مَالَ لَهُ انْكِحِي ‏ ‏أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ‏ ‏فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ انْكِحِي ‏ ‏أُسَامَةَ ‏ ‏فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا ‏ ‏وَاغْتَبَطْتُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

أحاديث أخرى من صحيح مسلم

إذا ثوب للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليك...

عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ثوب للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون.<br> وأتوها وعليكم السكينة.<br> فما أدركتم فصلوا.<br> وما ف...

لكن إذا شخص البصر وحشرج الصدر واقشعر الجلد وتشنجت...

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقاءه»، قال: فأتيت عائشة، فقلت: يا...

اللهم فأيما عبد مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك...

عن أبي هريرة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «اللهم فأيما عبد مؤمن سببته، فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة»

من سل علينا السيف فليس منا

عن إياس ابن سلمة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" من سل علينا السيف فليس منا".<br>

لا يلج النار من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها

عن ابن عمارة بن رؤيبة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار من صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها» وعنده رجل من أهل البصرة، فقال...

النهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة

عن عبد الله بن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أسجد على سبع، ولا أكفت الشعر، ولا الثياب، الجبهة، والأنف، واليدين، والركبتين، والق...

إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم

عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع معاوية بن أبي سفيان، عام حج وهو على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي، يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟...

إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من...

عن ابن عمر، يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمرته، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن تطع...

في الإقعاء على القدمين

حدثنا عبد الرزاق - وتقاربا في اللفظ - قالا: جميعا أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع طاوسا يقول: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين، فقال:...