4668- عن سلمة بن الأكوع، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فتسيرنا ليلا، فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك، وكان عامر رجلا شاعرا، فنزل يحدو بالقوم، يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اقتفينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، وألقين سكينة علينا، إنا إذا صيح بنا أتينا، وبالصياح عولوا علينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هذا السائق؟» قالوا: عامر، قال: «يرحمه الله»، فقال رجل من القوم: وجبت يا رسول الله، لولا أمتعتنا به، قال: فأتينا خيبر، فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة، ثم قال: «إن الله فتحها عليكم»، قال: فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم، أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذه النيران؟ على أي شيء توقدون؟» فقالوا: على لحم، قال: «أي لحم؟» قالوا: لحم حمر الإنسية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهريقوها، واكسروها»، فقال رجل: أو يهريقوها ويغسلوها؟ فقال: «أو ذاك»، قال: فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه، ويرجع ذباب سيفه، فأصاب ركبة عامر فمات منه، قال: فلما قفلوا، قال سلمة وهو آخذ بيدي: قال: فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكتا، قال: «ما لك؟» قلت له: فداك أبي وأمي زعموا أن عامرا حبط عمله، قال: «من قاله؟» قلت: فلان وفلان وأسيد بن حضير الأنصاري، فقال: «كذب من قاله، إن له لأجرين» وجمع بين إصبعيه، «إنه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله»، وخالف قتيبة محمدا في الحديث في حرفين، وفي رواية ابن عباد: وألق سكينة علينا
(فتسيرنا) أي فسرنا.
أو سرنا سيرا بعد سير، أو جماعة بعد جماعة.
(هنياتك) وفي بعض النسخ: هنيهاتك.
أي أراجيزك.
والهنة تقع على كل شيء.
(فنزل يحدو بالقوم) أي يحث إبلهم على السير، ويغني لها.
وهذا الفعل يتعدى بنفسه وبالحرف.
فيقال: حدا المطية وحدابها.
أي ساقها بالحداء.
(اللهم لولا أنت ما اهتدينا) كذا الرواية.
قالوا: وصوابه في الوزن: لاهم، أو تالله، أو والله لولا أنت.
كما في الحديث الآخر: والله لولا أنت.
(فاغفر فداء لك ما اقتفينا) قال المازري: هذه اللفظة مشكلة.
فإنه لا يقال: فدى الباري سبحانه وتعالى.
ولا يقال له سبحانه وتعالى: فديتك.
لأن ذلك إنما يستعمل في مكروه يتوقع حلوله بالشخص، فيختار شخص آخر أن يحل ذلك به، ويفديه منه.
قال ولعل هذا وقع من غير قصد إلى حقيقة معناه.
كما يقال: قاتله الله، ولا يراد بذلك حقيقة الدعاء عليه.
وكقوله صلى الله عليه وسلم: تربت يداك وتربت يمينك ويل أمه.
وفيه كله ضرب من الاستعارة.
لأن الفادي مبالغ في طلب رضا المفدى حين بذل نفسه عن نفسه للمكروه.
فكأن مراد الشاعر إني أبذل نفسي ورضاك وعلى كل حال فإن المعنى، وإن أمكن صرفه إلى جهة صحيحة، فإطلاق اللفظ واستعارته والتجوز به يفتقر إلى ورود الشرع بالإذن فيه.
قال: وقد يكون المراد بقوله: فداء لك، رجلا يخاطبه.
وفصل بين الكلام بذلك.
فكأنه قال: فاغفر ثم دعا إلى رجل ينبهه فقال: فداء لك ثم عاد إلى تمام الكلام الأول فقال: ما اقتفينا.
قال: وهذا تأويل يصح معه اللفظ والمعنى.
لولا أن فيه تعسفا اضطرنا إليه تصحيح الكلام.
وقد يقع في كلام العرب من الفصل بين الجمل المعلق بعضها ببعض ما يسهل هذا التأويل.
ومعنى اقتفينا اكتسبنا.
وأصله الاتباع.
(إنا إذا صيح بنا أتينا) هكذا هو في نسخ بلادنا: أتينا.
وقد ذكر القاضي أنه روىأبينا.
فمعنى أتينا: إذا صيح بنا للقتال ونحوه من المكارم أتينا.
ومعنى الثانية أبينا الفرار والامتناع.
(وبالصياح عولوا علينا) أي استغاثوا بنا واستفزعونا للقتال.
قيل: هي من التعويل على الشيء، وهو الاعتماد عليه، وقيل: من العويل وهو الصوت.
(وجبت يا رسول الله، لولا أمتعتنا به) معنى وجبت أي ثبتت له الشهادة.
وستقع قريبا.
وكان هذا معلوما عندهم أن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء، في هذا الموطن، فاستشهد.
فقالوا: هلا أمتعتنا به.
أي وددنا أنك لو أخرت الدعاء له بهذا إلى وقت آخر لنتمتع بمصاحبته ورؤيته مدة.
(مخمصة شديدة) أي جوع شديد.
(لحم الحمر الإنسية) هكذا هو هنا: حمر الإنسية.
بإضافة حمر.
وهو من إضافة الموصوف إلى صفته.
وسبق بيانه مرات.
فعلى قول الكوفيين هو على ظاهره.
وعند البصريين تقديره حمر الحيوانات الإنسية.
وأما الإنسية ففيها لغتان وروايتان حكاهما القاضي عياض وآخرون: أشهرهما كسر الهمزة وإسكان النون.
قال القاضي: هذه رواية أكثر الشيوخ.
والثانية فتحهما جميعا.
وهما جميعا نسبة إلى الإنس، وهم الناس، لاختلاطها بالناس.
بخلاف حمر الوحش.
(إن له لأجران) هكذا هو في معظم النسخ: لأجران.
وفي بعضها لأجرين.
وهما صحيحان.
لكن الثاني هو الأشهر الأفصح.
والأول لغة أربع قبائل من العرب.
ومنها قوله تعالى: {إن هذان لساحران}.
وقد سبق بيانها مرات.
(إنه لجاهد مجاهد) هكذا رواه الجمهور من المتقدمين والمتأخرين: لجاهد مجاهد.
وفسروا الجاهد بالجاد في علمه وعمله.
أي أنه لجاد في طاعة الله.
والمجاهد هو المجاهد في سبيل الله تعالى، وهو الغازي.
وقال القاضي: فيه وجه آخر إنه جمع اللفظين توكيدا.
قال ابن الأنباري: العرب، إذا بالغت في تعظيم شيء اشتقت له من لفظه لفظا آخر على غير بنائه زيادة في التوكيد، وأعربوه بإعرابه.
فيقولون: جاد مجد وليل لائل وشعر شاعر ونحو ذلك.
(قل عربي مشى بها مثله) ضبطنا هذه اللفظة، هنا، في مسلم بوجهين: وذكرهما القاضي أيضا.
الصحيح المشهور الذي عليه جماهير رواة البخاري ومسلم: مشى بها.
ومعناه مشى بالأرض أو في الحرب.
شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)
قَوْله : ( أَلَا تُسْمِعنَا مِنْ هُنَيَّاتك ) وَفِي بَعْض النُّسَخ ( مِنْ هُنَيْهَاتك ) أَيْ : أَرَاجِيزك , وَالْهَنَة يَقَع عَلَى كُلّ شَيْء , وَفِيهِ : جَوَاز إِنْشَاء الْأَرَاجِيز وَغَيْرهَا مِنْ الشِّعْر وَسَمَاعهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَلَام مَذْمُوم , وَالشِّعْر كَلَام حَسَنه حَسَن , وَقَبِيحه قَبِيح.
قَوْله : ( فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ ) فِيهِ : اِسْتِحْبَاب الْحُدَا فِي الْأَسْفَار , لِتَنْشِيطِ النُّفُوس وَالدَّوَابّ عَلَى قَطْع الطَّرِيق وَاشْتِغَالهَا بِسَمَاعِهِ عَنْ الْإِحْسَاس بِأَلَمِ السَّيْر.
قَوْله : ( اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اِهْتَدَيْنَا ) كَذَا الرِّوَايَة قَالُوا وَصَوَابه فِي الْوَزْن ( لَا هُمَّ أَوْ وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْتَ ) كَمَا فِي الْحَدِيث الْآخَر ( فَوَاَللَّهِ لَوْلَا اللَّه ).
قَوْله : ( فَاغْفِرْ فِدَاء لَك مَا اِقْتَفَيْنَا ) قَالَ الْمَازِرِيُّ : هَذِهِ اللَّفْظَة مُشْكِلَة , فَإِنَّهُ لَا يُقَال : فَدَى الْبَارِي سُبْحَانه وَتَعَالَى , وَلَا يُقَال لَهُ سُبْحَانه : فَدَيْتُك ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُسْتَعْمَل فِي مَكْرُوه يُتَوَقَّع حُلُوله بِالشَّخْصِ فَيَخْتَار شَخْص آخَر أَنْ يَحِلّ ذَلِكَ بِهِ وَيَفْدِيه مِنْهُ , قَالَ : وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ غَيْر قَصْد إِلَى حَقِيقَة مَعْنَاهُ , كَمَا يُقَال : قَاتَلَهُ اللَّه , وَلَا يُرَاد بِذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء عَلَيْهِ , وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَرِبَتْ يَدَاك وَتَرِبَتْ يَمِينك وَوَيْل أُمّه ) وَفِيهِ كُلّه ضَرْب مِنْ الِاسْتِعَارَة ; لِأَنَّ الْفَادِي مُبَالِغ فِي طَلَب رِضَى الْمُفَدَى حِين بَذَلَ نَفْسه عَنْ نَفْسه لِلْمَكْرُوهِ , فَكَانَ مُرَاد الشَّاعِر أَنِّي أَبْذُل نَفْسِي فِي رِضَاك , وَعَلَى كُلّ حَال , فَإِنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفه إِلَى جِهَة صَحِيحَة , فَإِطْلَاق اللَّفْظ وَاسْتِعَارَته وَالتَّجَوُّز بِهِ يَفْتَقِر إِلَى وُرُود الشَّرْع بِالْإِذْنِ فِيهِ , قَالَ : وَقَدْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : فِدَاء لَك رَجُلًا يُخَاطِبهُ , وَفَصَلَ بَيْن الْكَلَام , فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَاغْفِرْ ثُمَّ دَعَا إِلَى رَجُل يُنَبِّههُ , فَقَالَ : فِدَاء لَك ثُمَّ عَادَ إِلَى تَمَام الْكَلَام الْأَوَّل فَقَالَ : مَا اِقْتَفَيْنَا , قَالَ : وَهَذَا تَأْوِيل يَصِحّ مَعَهُ اللَّفْظ , وَالْمَعْنَى لَوْلَا أَنَّ فِيهِ تَعَسُّفًا اِضْطَرَّنَا إِلَيْهِ تَصْحِيح الْكَلَام , وَقَدْ يَقَع فِي كَلَام الْعَرَب مِنْ الْفَصْل بَيْن الْجُمَل الْمُعَلَّق بَعْضهَا بِبَعْضٍ مَا يُسَهِّل هَذَا التَّأْوِيل.
قَوْله : ( إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا ( أَتَيْنَا ) بِالْمُثَنَّاةِ فِي أَوَّله , وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ , فَمَعْنَى الْمُثَنَّاة : إِذَا صِيحَ بِنَا لِلْقِتَالِ وَنَحْوه مِنْ الْمَكَارِم أَتَيْنَا , وَمَعْنَى الْمُوَحَّدَة : أَبَيْنَا الْفِرَار وَالِامْتِنَاع , قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - : قَوْله : ( فِدَاء لَك ) بِالْمَدِّ وَالْقَصْر وَالْفَاء مَكْسُورَة , حَكَاهُ الْأَصْمَعِيّ وَغَيْره , فَأَمَّا فِي الْمَصْدَر فَالْمَدّ لَا غَيْر , قَالَ : وَحَكَى الْفَرَّاء ( فَدًى لَك ) مَفْتُوح مَقْصُور , قَالَ : وَرَوَيْنَاهُ هُنَا ( فِدَاء لَك ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأ وَخَبَره , أَيْ لَك نَفْسِي فِدَاء , أَوْ نَفْسِي فِدَاء لَك , وَالنَّصْب عَلَى الْمَصْدَر.
وَمَعْنَى ( اِقْتَفَيْنَا ) : اِكْتَسَبْنَا , وَأَصْله الِاتِّبَاع.
قَوْله : ( وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا ) اِسْتَغَاثُوا بِنَا , وَاسْتَفْزَعُونَا لِلْقِتَالِ , قِيلَ : هِيَ مِنْ التَّعْوِيل عَلَى الشَّيْء وَهُوَ الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ , قِيلَ : مِنْ الْعَوِيل وَهُوَ الصَّوْت.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ هَذَا السَّائِق ؟ قَالُوا : عَامِر , قَالَ : يَرْحَمهُ اللَّه , قَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم : وَجَبَتْ يَا رَسُول اللَّه لَوْلَا أَمْتَعْتنَا بِهِ ) مَعْنَى ( وَجَبَتْ ) أَيْ : ثَبَتَتْ لَهُ الشَّهَادَة , وَسَيَقَعُ قَرِيبًا , وَكَانَ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدهمْ أَنَّ مَنْ دَعَا لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الدُّعَاء فِي هَذَا الْمَوْطِن اُسْتُشْهِدَ , فَقَالُوا : ( هَلَّا أَمْتَعْتنَا بِهِ ) أَيْ : وَدِدْنَا أَنَّك لَوْ أَخَّرْت الدُّعَاء لَهُ بِهَذَا إِلَى وَقْت آخَر ; لِنَتَمَتَّع بِمُصَاحَبَتِهِ وَرُؤْيَته مُدَّة.
قَوْله : ( أَصَابَتْنَا مَخْمَصَة شَدِيدَة ) أَيْ جُوع شَدِيد.
قَوْله : ( لَحْم حُمُر الْإِنْسِيَّة ) هَكَذَا هُوَ ( حُمُر الْإِنْسِيَّة ) بِإِضَافَةِ حُمُر , وَهُوَ مِنْ إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى صِفَته , وَسَبَقَ بَيَانه مَرَّات , فَعَلَى هَذَا قَوْل الْكُوفِيِّينَ هُوَ عَلَى ظَاهِره , وَعِنْد الْبَصْرِيِّينَ تَقْدِيره حُمُر الْحَيَوَانَات الْإِنْسِيَّة , وَأَمَّا ( الْإِنْسِيَّة ) : فَفِيهَا لُغَتَانِ وَرِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاض وَآخَرُونَ , أَشْهَرهمَا : كَسْر الْهَمْزَة وَإِسْكَان النُّون.
قَالَ الْقَاضِي : هَذِهِ رِوَايَة أَكْثَر الشُّيُوخ , وَالثَّانِيَة : فَتْحهمَا جَمِيعًا , وَهُمَا جَمِيعًا نِسْبَة إِلَى الْإِنْس , وَهُمْ النَّاس , لِاخْتِلَاطِهَا بِالنَّاسِ بِخِلَافِ حُمُر الْوَحْش.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا ) هَذَا يَدُلّ عَلَى نَجَاسَة لُحُوم الْحُمُر الْأَهْلِيَّة , وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور , وَقَدْ سَبَقَ بَيَان هَذَا الْحَدِيث وَشَرْحه مَعَ بَيَان هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب النِّكَاح , وَمُخْتَصَر الْأَمْر بِإِرَاقَتِهِ : أَنَّ السَّبَب الصَّحِيح فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا لِأَنَّهَا نَجِسَة مُحَرَّمَة.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ نَهَى لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا , وَالثَّالِث : لِأَنَّهَا أَخَذُوهَا قَبْل الْقِسْمَة , وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ هُمَا لِأَصْحَابِ مَالِك الْقَائِلِينَ بِإِبَاحَةِ لُحُومهَا , وَالصَّوَاب مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُل : أَوْ يُهْرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا , قَالَ : أَوَ ذَاكَ ) فَهَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ , فَرَأَى كَسْرهَا ثُمَّ تَغَيَّرَ اِجْتِهَاده أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِغَسْلِهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لَهُ لَأَجْرَانِ ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ ( لَأَجْرَانِ ) بِالْأَلِفِ وَفِي بَعْضهَا ( لَأَجْرَيْنِ ) بِالْيَاءِ , وَهُمَا صَحِيحَانِ , لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْأَشْهَر الْأَفْصَح وَالْأَوَّل لُغَة أَرْبَع قَبَائِل مِنْ الْعَرَب , وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } وَقَدْ سَبَقَ بَيَانهَا مَرَّات , وَيَحْتَمِل أَنَّ الْأَجْرَيْنِ ثَبَتَا لَهُ ; لِأَنَّهُ جَاهَدَ مُجَاهِد كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي شَرْحه , فَلَهُ أَجْر بِكَوْنِهِ جَاهِدًا أَيْ مُجْتَهِدًا فِي طَاعَة اللَّه تَعَالَى , شَدِيد الِاعْتِنَاء بِهَا , وَلَهُ أَجْر آخَر بِكَوْنِهِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيل اللَّه , فَلَمَّا قَامَ بِوَصْفَيْنِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِد ) هَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُور مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ ( لَجَاهِدٌ ) بِكَسْرِ الْهَاء وَتَنْوِينَ الدَّال ( مُجَاهِد ) بِضَمِّ الْمِيم وَتَنْوِينَ الدَّال أَيْضًا , وَفَسَّرُوا لَجَاهِدٌ بِالْجَادِّ فِي عِلْمه وَعَمَله , أَيْ : لَجَادّ فِي طَاعَة اللَّه , وَالْمُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه , وَهُوَ الْغَازِي , وَقَالَ الْقَاضِي : فِيهِ وَجْه آخَر جَمَعَ اللَّفْظَيْنِ تَوْكِيدًا , قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : الْعَرَب إِذَا بَالَغَتْ فِي تَعْظِيم شَيْء اِشْتَقَّتْ لَهُ مِنْ لَفْظه لَفْظًا آخَر عَلَى غَيْر بِنَائِهِ زِيَادَة فِي التَّوْكِيد , وَأَعْرَبُوهُ بِإِعْرَابِهِ فَيَقُولُونَ : جَادّ مُجِدّ , وَلَيْل لَائِل وَشِعْر شَاعِر , وَنَحْو ذَلِكَ , قَالَ الْقَاضِي : وَرَوَاهُ بَعْض رُوَاة الْبُخَارِيّ وَبَعْض رُوَاة مُسْلِم : ( لَجَاهَدَ ) بِفَتْحِ الْهَاء وَالدَّال عَلَى أَنَّهُ فِعْل مَاض ( مَجَاهِد ) بِفَتْحِ الْمِيم وَنَصْب الدَّال بِلَا تَنْوِينٍ , قَالَ : وَالْأَوَّل هُوَ الصَّوَاب.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَلَّ عَرَبِيّ مَشَى بِهَا مِثْله ) ضَبَطْنَا هَذِهِ اللَّفْظَة هُنَا فِي مُسْلِم بِوَجْهَيْنِ , وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَيْضًا , الصَّحِيح الْمَشْهُور الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير رُوَاة الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم ( مَشَى بِهَا ) بِفَتْحِ الْمِيم وَبَعْد الشِّين يَاء , وَهُوَ فِعْل مَاضٍ مِنْ الْمَشْي , وَ ( بِهَا ) جَارّ وَمَجْرُور , وَمَعْنَاهُ : مَشَى بِالْأَرْضِ أَوْ فِي الْحَرْب , وَالثَّانِي ( مُشَابِهًا ) بِضَمِّ الْمِيم وَتَنْوِين الْهَاء مِنْ الْمُشَابَهَة , أَيْ : مُشَابِهًا لِصِفَاتِ الْكَمَال فِي الْقِتَال أَوْ غَيْره مِثْله , وَيَكُون ( مُشَابِهًا ) مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوف أَيْ : رَأَيْته مُشَابِهًا , وَمَعْنَاهُ : قَلَّ عَرَبِيّ يُشْبِههُ فِي جَمِيع صِفَات الْكَمَال , وَضَبَطَهُ بَعْض رُوَاة الْبُخَارِيّ ( نَشَأَ بِهَا ) بِالنُّونِ وَالْهَمْز أَيْ : شَبَّ وَكَبِرَ , وَالْهَاء عَائِدَة إِلَى الْحَرْب , أَوْ الْأَرْض , أَوْ بِلَاد الْعَرَب , قَالَ الْقَاضِي : هَذِهِ أَوْجُه الرِّوَايَات.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ عَبَّادٍ قَالَا حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْمَعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فَتَسَيَّرْنَا لَيْلًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ هَذَا السَّائِقُ قَالُوا عَامِرٌ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ قَالَ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيْكُمْ قَالَ فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذِهِ النِّيرَانُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ فَقَالُوا عَلَى لَحْمٍ قَالَ أَيُّ لَحْمٍ قَالُوا لَحْمُ حُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ يُهْرِيقُوهَا وَيَغْسِلُوهَا فَقَالَ أَوْ ذَاكَ قَالَ فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي قَالَ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاكِتًا قَالَ مَا لَكَ قُلْتُ لَهُ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ قَالَ مَنْ قَالَهُ قُلْتُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ كَذَبَ مَنْ قَالَهُ إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ وَخَالَفَ قُتَيْبَةُ مُحَمَّدًا فِي الْحَدِيثِ فِي حَرْفَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّادٍ وَأَلْقِ سَكِينَةً عَلَيْنَا
أن سلمة بن الأكوع، قال: لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالا شديدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عل...
عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل معنا التراب، ولقد وارى التراب بياض بطنه، وهو يقول: والله لولا أ...
عن سهل بن سعد، قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق، وننقل التراب على أكتافنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم، لا عيش إ...
عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخره، فاغفر للأنصار والمهاجره»
حدثنا أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إن العيش عيش الآخرة» - قال شعبة: أو قال: - «اللهم لا عيش إلا عيش الآخره، فأكرم الأ...
حدثنا أنس بن مالك، قال: كانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، وهم يقولون: اللهم لا خير إلا خير الآخره، فانصر الأنصار والمهاجره، وفي حديث ش...
عن أنس، أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون يوم الخندق: نحن الذين بايعوا محمدا .<br> على الإسلام ما بقينا أبدا، - أو قال: على الجهاد شك حم...
عن يزيد بن أبي عبيد، قال: سمعت سلمة بن الأكوع، يقول: خرجت قبل أن يؤذن بالأولى، وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد، قال: فلقيني غلام...
حدثني إياس بن سلمة، حدثني أبي، قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها، قال: فقعد رسول الل...