5702- عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا»
(ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين) فيه إثبات القدر.
وهو حق.
بالنصوص وإجماع أهل السنة.
ومعناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى.
ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى وسبق بها علمه.
فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى.
وفيه صحة أمر العين، وإنها قوية الضرر.
شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)
قَوْله : ( حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن الدَّارِمِيُّ وَحَجَّاج بْن الشَّاعِر وَأَحْمَد بْن خِرَاش ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ ( أَحْمَد بْن خِرَاش ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة وَبِالرَّاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَة , وَهُوَ الصَّوَاب , وَلَا خِلَاف فِيهِ فِي شَيْء مِنْ النُّسَخ , وَهُوَ أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن خِرَاش , أَبُو جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ نُسِبَ إِلَى جَدّه.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
قَالَ : قِيلَ : إِنَّهُ وَهْم , وَصَوَابه أَحْمَد بْن جَوَّاسٍ بِفَتْحِ الْجِيم وَبِوَاوٍ مُشَدَّدَة وَسِين مُهْمَلَة.
هَذَا كَلَام الْقَاضِي , وَهُوَ غَلَط فَاحِش , وَلَا خِلَاف أَنَّ الْمَذْكُور فِي مُسْلِم إِنَّمَا هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَالشِّين الْمُعْجَمَة كَمَا سَبَقَ , وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور فِي صَحِيح مُسْلِم هُنَا.
وَأَمَّا ( اِبْن جَوَّاسٍ ) بِالْجِيمِ فَهُوَ أَبُو عَاصِم الْحَنَفِيّ الْكُوفِيّ رَوَى عَنْهُ مُسْلِم أَيْضًا فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , وَلَكِنَّهُ لَا يُرْوَى عَنْ مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , وَلَا هُوَ الْمُرَاد هُنَا قَطْعًا.
وَكَانَ سَبَب غَلَط مَنْ غَلَط كَوْن أَحْمَد بْن خِرَاش وَقَعَ مَنْسُوبًا إِلَى جَدّه كَمَا ذَكَرْنَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَوْ كَانَ شَيْء سَابِق الْقَدَر سَبَقَتْهُ الْعَيْن ) فِيهِ إِثْبَات الْقَدَر , وَهُوَ حَقّ , بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاع أَهْل السُّنَّة.
وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي أَوَّل كِتَاب الْإِيمَان , وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاء كُلّهَا بِقَدَرِ اللَّه تَعَالَى , وَلَا تَقَع إِلَّا عَلَى حَسَب مَا قَدَّرَهَا اللَّه تَعَالَى , وَسَبَقَ بِهَا عِلْمه , فَلَا يَقَع ضَرَر الْعَيْن وَلَا غَيْره مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ إِلَّا بِقَدَرِ اللَّه تَعَالَى.
وَفِيهِ صِحَّة أَمْر الْعَيْن ; وَأَنَّهَا قَوِيَّة الضَّرَر.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
" 5222 " قَوْله : ( سَحَرَ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيّ , حَتَّى كَانَ يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَل الشَّيْء وَمَا يَفْعَلهُ ) قَوْله : ( مِنْ يَهُود بَنِي زُرَيْق ) بِتَقْدِيمِ الزَّاي.
قَالَ الْإِمَام الْمَازِرِيّ رَحِمَهُ اللَّه : مَذْهَب أَهْل السُّنَّة وَجُمْهُور عُلَمَاء الْأُمَّة عَلَى إِثْبَات السِّحْر , وَأَنَّ لَهُ حَقِيقَة كَحَقِيقَةِ غَيْره مِنْ الْأَشْيَاء الثَّابِتَة , خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَفَى حَقِيقَته , وَأَضَافَ مَا يَقَع مِنْهُ إِلَى خَيَالَات بَاطِلَة لَا حَقَائِق لَهَا , وَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه , وَذَكَرَ أَنَّهُ مِمَّا يُتَعَلَّم , وَذَكَرَ مَا فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ مِمَّا يُكَفَّر بِهِ , وَأَنَّهُ يُفَرِّق بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه , وَهَذَا كُلّه لَا يُمْكِن فِيمَا لَا حَقِيقَة لَهُ , وَهَذَا الْحَدِيث أَيْضًا مُصَرِّح بِإِثْبَاتِهِ , وَأَنَّهُ أَشْيَاء دُفِنَتْ وَأُخْرِجَتْ , وَهَذَا كُلّه يُبْطِل مَا قَالُوهُ , فَإِحَالَة كَوْنه مِنْ الْحَقَائِق مُحَال , وَلَا يَسْتَنْكِر فِي الْعَقْل أَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى يَخْرِق الْعَادَة عِنْد النُّطْق بِكَلَامِ مُلَفَّق , أَوْ تَرْكِيب أَجْسَام , أَوْ الْمَزْج بَيْن قُوَى عَلَى تَرْتِيب لَا يَعْرِفهُ إِلَّا السَّاحِر.
وَإِذَا شَاهَدَ الْإِنْسَان بَعْض الْأَجْسَام مِنْهَا قَاتِلَة كَالسَّمُومِ , وَمِنْهَا مُسْقِمَة كَالْأَدْوِيَةِ الْحَادَّة , وَمِنْهَا مُضِرَّة كَالْأَدْوِيَةِ الْمُضَادَّة لِلْمَرَضِ لَمْ يَسْتَبْعِد عَقْله أَنْ يَنْفَرِد السَّاحِر بِعِلْمِ قُوَى قَتَّالَة , أَوْ كَلَام مُهْلِك , أَوْ مُؤَدٍّ إِلَى التَّفْرِقَة.
قَالَ : وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْض الْمُبْتَدِعَة هَذَا الْحَدِيث بِسَبَبٍ آخَر , فَزَعَمَ أَنَّهُ يَحُطّ مَنْصِب النُّبُوَّة , وَيُشَكِّك فِيهَا , وَأَنَّ تَجْوِيزه يَمْنَع الثِّقَة بِالشَّرْعِ , هَذَا الَّذِي اِدَّعَاهُ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعَة بَاطِل ; لِأَنَّ الدَّلَائِل الْقَطْعِيَّة قَدْ قَامَتْ عَلَى صِدْقه وَصِحَّته وَعِصْمَته فِيمَا يَتَعَلَّق بِالتَّبْلِيغِ , وَالْمُعْجِزَة شَاهِدَة بِذَلِكَ , وَتَجْوِيز مَا قَامَ الدَّلِيل بِخِلَافِهِ بَاطِل.
فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِبَعْضِ أُمُور الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَث بِسَبَبِهَا , وَلَا كَانَ مُفَضَّلًا مِنْ أَجْلهَا , وَهُوَ مِمَّا يَعْرِض لِلْبَشَرِ فَغَيْر بَعِيد أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ مِنْ أُمُور الدُّنْيَا مَا لَا حَقِيقَة لَهُ , وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا كَانَ يُتَخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَاته وَلَيْسَ بِوَاطِئٍ , وَقَدْ يَتَخَيَّل الْإِنْسَان مِثْل هَذَا فِي الْمَنَام , فَلَا يَبْعُد تَخَيُّله فِي الْيَقِظَة , وَلَا حَقِيقَة لَهُ.
وَقِيلَ : إِنَّهُ يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَمَا فَعَلَهُ , وَلَكِنْ لَا يَعْتَقِد صِحَّة مَا يَتَخَيَّلهُ , فَتَكُون اِعْتِقَادَاته عَلَى السَّدَاد.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَات هَذَا الْحَدِيث مُبَيِّنَة أَنَّ السِّحْر إِنَّمَا تَسَلَّطَ عَلَى جَسَده وَظَوَاهِر جَوَارِحه لَا عَلَى عَقْله وَقَلْبه وَاعْتِقَاده , وَيَكُون مَعْنَى قَوْله فِي الْحَدِيث : ( حَتَّى يَظُنّ أَنَّهُ يَأْتِي أَهْله وَلَا يَأْتِيهِنَّ ) وَيُرْوَى : ( يُخَيَّل إِلَيْهِ ) أَيْ يَظْهَر لَهُ مِنْ نَشَاطه وَمُتَقَدِّم عَادَته الْقُدْرَة عَلَيْهِنَّ , فَإِذَا دَنَا مِنْهُنَّ أَخَذَتْهُ أَخْذَة السِّحْر فَلَمْ يَأْتِهِنَّ , وَلَمْ يَتَمَكَّن مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَعْتَرِي الْمَسْحُور.
وَكُلّ مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَات مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّل إِلَيْهِ فِعْل شَيْء ثُمَّ لَا يَفْعَلهُ وَنَحْوه فَمَحْمُول عَلَى التَّخَيُّل بِالْبَصَرِ , لَا لِخَلَلٍ تَطَرَّقَ إِلَى الْعَقْل , وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدْخُل لَبْسًا عَلَى الرِّسَالَة , وَلَا طَعْنًا لِأَهْلِ الضَّلَالَة.
وَاللَّه أَعْلَم.
قَالَ الْمَازِرِيّ : وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي الْقَدْر الَّذِي يَقَع بِهِ السِّحْر , وَلَهُمْ فِيهِ اِضْطِرَاب , فَقَالَ بَعْضهمْ : لَا يَزِيد تَأْثِيره عَلَى قَدْر التَّفْرِقَة بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِمَا يَكُون عِنْده , وَتَهْوِيلًا بِهِ فِي حَقّنَا , فَلَوْ وَقَعَ بِهِ أَعْظَم مِنْهُ لَذَكَرَهُ , لِأَنَّ الْمَثَل لَا يُضْرَب عِنْد الْمُبَالَغَة إِلَّا بِأَعْلَى أَحْوَال الْمَذْكُور قَالَ : وَمَذْهَب الْأَشْعَرِيَّة أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَقَع بِهِ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عَقْلًا لِأَنَّهُ لَا فَاعِل إِلَّا اللَّه تَعَالَى , وَمَا يَقَع مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَادَة أَجْرَاهَا اللَّه تَعَالَى , وَلَا تَفْتَرِق الْأَفْعَال فِي ذَلِكَ , وَلَيْسَ بَعْضهَا بِأَوْلَى مِنْ بَعْض , وَلَوْ وَرَدَ الشَّرْع بِقُصُورِهِ عَنْ مَرْتَبَة لَوَجَبَ الْمَصِير إِلَيْهِ , وَلَكِنْ لَا يُوجَد شَرْع قَاطِع يُوجِب الِاقْتِصَار عَلَى مَا قَالَهُ الْقَائِل الْأَوَّل , وَذِكْر التَّفْرِقَة بَيْن الزَّوْجَيْنِ فِي الْآيَة لَيْسَ بِنَصٍّ فِي مَنْع الزِّيَادَة , وَإِنَّمَا النَّظَر فِي أَنَّهُ ظَاهِر أَمْ لَا.
قَالَ : فَإِنْ قِيلَ : إِذَا جَوَّزَتْ الْأَشْعَرِيَّة خَرْق الْعَادَة عَلَى يَد السَّاحِر , فَبِمَاذَا يَتَمَيَّز عَنْ النَّبِيّ ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ الْعَادَة تَنْخَرِق عَلَى يَد النَّبِيّ وَالْوَلِيّ وَالسَّاحِر , لَكِنَّ النَّبِيّ يَتَحَدَّى بِهَا الْخَلْق , وَيَسْتَعْجِزُهُمْ عَنْ مِثْلهَا , وَيُخْبِر عَنْ اللَّه تَعَالَى بِخَرْقِ الْعَادَة بِهَا لِتَصْدِيقِهِ , فَلَوْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ تَنْخَرِق الْعَادَة عَلَى يَدَيْهِ , وَلَوْ خَرَقَهَا اللَّه عَلَى يَد كَاذِب لَخَرَقَهَا عَلَى يَد الْمُعَارِضِينَ لِلْأَنْبِيَاءِ.
وَأَمَّا الْوَلِيّ وَالسَّاحِر فَلَا يَتَحَدَّيَانِ الْخَلْق , وَلَا يَسْتَدِلَّانِ عَلَى نُبُوَّة , وَلَوْ اِدَّعَيَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَنْخَرِق الْعَادَة لَهَا.
وَأَمَّا الْفَرْق بَيْن الْوَلِيّ وَالسَّاحِر فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا , وَهُوَ الْمَشْهُور , إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ السِّحْر لَا يَظْهَر إِلَّا عَلَى فَاسِق , وَالْكَرَامَة لَا تَظْهَر عَلَى فَاسِق , وَإِنَّمَا تَظْهَر عَلَى وَلِيّ , وَبِهَذَا جَزَمَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو سَعْد الْمُتَوَلِّي وَغَيْرهمَا.
وَالثَّانِي أَنَّ السِّحْر قَدْ يَكُون نَاشِئًا بِفِعْلِهَا وَبِمَزْجِهَا وَمُعَانَاة وَعِلَاج , وَالْكَرَامَة لَا تَفْتَقِر إِلَى ذَلِكَ.
وَفِي كَثِير مِنْ الْأَوْقَات يَقَع ذَلِكَ اِتِّفَاقًا مِنْ غَيْر أَنْ يَسْتَدْعِيه أَوْ يَشْعُر بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِالْمَسْأَلَةِ مِنْ فُرُوع الْفِقْه فَعَمَل السِّحْر حَرَام , وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِر بِالْإِجْمَاعِ , وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَاب الْإِيمَان أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُ مِنْ السَّبْع الْمُوبِقَات , وَسَبَقَ هُنَاكَ شَرْحه , وَمُخْتَصَر ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُون كُفْرًا , وَقَدْ لَا يَكُون كُفْرًا , بَلْ مَعْصِيَته كَبِيرَة , فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْل أَوْ فِعْل يَقْتَضِي الْكُفْر كَفَرَ , وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا تَعَلُّمه وَتَعْلِيمه فَحَرَام , فَإِنْ تَضَمَّنَ مَا يَقْتَضِي الْكُفْر كَفَرَ , وَإِلَّا فَلَا.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْر عُزِّرَ , وَاسْتُتِيبَ مِنْهُ , وَلَا يُقْتَل عِنْدنَا.
فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَته.
وَقَالَ مَالِك : السَّاحِر كَافِر يُقْتَل بِالسِّحْرِ , وَلَا يُسْتَتَاب , وَلَا تُقْبَل تَوْبَته , بَلْ يَتَحَتَّم قَتْله.
وَالْمَسْأَلَة مَبْنِيَّة عَلَى الْخِلَاف فِي قَبُول تَوْبَة الزِّنْدِيق , لِأَنَّ السَّاحِر عِنْده كَافِر كَمَا ذَكَرْنَا , وَعِنْدنَا لَيْسَ بِكَافِرٍ , وَعِنْدنَا تُقْبَل تَوْبَة الْمُنَافِق وَالزِّنْدِيق.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَبِقَوْلِ مَالِك قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل , وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ.
قَالَ أَصْحَابنَا : فَإِذَا قُتِلَ السَّاحِر بِسِحْرِهِ إِنْسَانًا , وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ , وَأَنَّهُ يُقْتَل غَالِبًا لَزِمَهُ الْقِصَاص.
وَإِنْ قَالَ : مَاتَ بِهِ , وَلَكِنَّهُ قَدْ يُقْتَل , وَقَدْ لَا , فَلَا قِصَاص , وَتَجِب الدِّيَة وَالْكَفَّارَة , وَتَكُون الدِّيَة فِي مَاله لَا عَلَى عَاقِلَته , لِأَنَّ الْعَاقِلَة لَا تَحْمِل مَا ثَبَتَ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي.
قَالَ أَصْحَابنَا : وَلَا يُتَصَوَّر الْقَتْل بِالسِّحْرِ بِالْبَيِّنَةِ , وَإِنَّمَا يُتَصَوَّر بِاعْتِرَافِ السَّاحِر.
وَاللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( حَتَّى إِذَا كَانَ ذَات يَوْم أَوْ ذَات لَيْلَة دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا , ثُمَّ دَعَا ) هَذَا دَلِيل لِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاء عِنْد حُصُول الْأُمُور الْمَكْرُوهَات , وَتَكْرِيره , وَحُسْن الِالْتِجَاء إِلَى اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( مَا وَجَع الرَّجُل ؟ قَالَ : مَطْبُوب ) الْمَطْبُوب الْمَسْحُور , يُقَال : طُبَّ الرَّجُل إِذَا سُحِرَ , فَكَنَوْا بِالطِّبِّ عَنْ السِّحْر , كَمَا كَنَوْا بِالسَّلِيمِ عَنْ اللَّدِيغ.
قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : الطِّبّ مِنْ الْأَضْدَاد , يُقَال لِعِلَاجِ الدَّاء طِبّ , وَلِلسِّحْرِ طِبّ , وَهُوَ مِنْ أَعْظَم الْأَدْوَاء , وَرَجُل طَبِيب أَيْ حَاذِق , سُمِّيَ طَبِيبًا لِحِذْقِهِ وَفِطْنَته.
قَوْله : ( فِي مُشْط وَمُشَاطَة وَجُبّ طَلْعَة ذَكَر ) أَمَّا ( الْمُشَاطَة ) فَبِضَمِّ الْمِيم , وَهِيَ الشَّعْر الَّذِي يَسْقُط مِنْ الرَّأْس أَوْ اللِّحْيَة عِنْد تَسْرِيحه.
وَأَمَّا ( الْمُشْط ) فَفِيهِ لُغَات : مُشْط وَمِشْط بِضَمِّ الْمِيم فِيهِمَا وَإِسْكَان الشِّين وَضَمّهَا , وَمِشْط بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الشِّين , وَمُمَشِّط , وَيُقَال لَهُ : ( مَشْطَأ ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكه , وَمَشْطَاء مَمْدُود , وَمُمَكِّد , وَمُرَجِّل , وَقِيلَ بِفَتْحِ الْقَاف , حَكَاهُنَّ أَبُو عُمَر الزَّاهِد.
وَأَمَّا قَوْله : ( وَجَبَ ) هَكَذَا فِي أَكْثَر نُسَخ بِلَادنَا ( جُبّ ) بِالْجِيمِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة , وَفِي بَعْضهَا ( جُفّ ) بِالْجِيمِ وَالْفَاء , وَهُمَا بِمَعْنًى , وَهُوَ وِعَاء طَلْع النَّخْل , وَهُوَ الْغِشَاء الَّذِي يَكُون عَلَيْهِ , وَيُطْلَق عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى , فَلِهَذَا قَيَّدَهُ فِي الْحَدِيث بِقَوْلِهِ : ( طَلْعَة ذَكَر ) وَهُوَ بِإِضَافَةِ طَلْعَة إِلَى ذَكَر.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ : ( وَمُشَاقَة ) بِالْقَافِ بَدَل مُشَاطَة , وَهِيَ الْمُشَاطَة أَيْضًا , وَقِيلَ : مُشَاقَة الْكَتَّان.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فِي بِئْر ذِي أَرْوَان ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ مُسْلِم : ( ذِي أَرْوَان ) وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض رِوَايَات الْبُخَارِيّ.
وَفِي مُعْظَمهَا ( ذَرْوَان ) وَكِلَاهُمَا صَحِيح , وَالْأَوَّل أَجْوَد وَأَصَحّ.
وَادَّعَى اِبْن قُتَيْبَة أَنَّهُ الصَّوَاب , وَهُوَ قَوْل الْأَصْمَعِيّ , وَهُوَ بِئْر بِالْمَدِينَةِ فِي بُسْتَان بَنِي زُرَيْق.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاللَّهُ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَة الْحِنَّاء ) النُّقَاعَة بِضَمِّ النُّون الْمَاء الَّذِي يُنْقَع فِيهِ الْحِنَّاء , وَالْحِنَّاء مَمْدُود.
قَوْلهَا : ( فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَفَلَا أَحْرَقْته ) وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة : ( قُلْت : يَا رَسُول اللَّه فَأَخْرِجْهُ ) كِلَاهُمَا صَحِيح , فَطَلَبَتْ أَنَّهُ يُخْرِجهُ , ثُمَّ يُحْرِقهُ , وَالْمُرَاد إِخْرَاج السِّحْر , فَدَفَنَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ عَافَاهُ , وَأَنَّهُ يَخَاف مِنْ إِخْرَاجه وَإِحْرَاقه وَإِشَاعَة هَذَا ضَرَرًا وَشَرًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَذَكُّر السِّحْر , أَوْ تَعَلُّمه , وَشُيُوعه , وَالْحَدِيث فِيهِ , أَوْ إِيذَاء فَاعِله , فَيَحْمِلهُ ذَلِكَ أَوْ يَحْمِل بَعْض أَهْله وَمُحِبِّيهِ وَالْمُتَعَصِّبِينَ لَهُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرهمْ عَلَى سِحْر النَّاس وَأَذَاهُمْ , وَانْتِصَابهمْ لِمُنَاكَدَةِ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ.
هَذَا مِنْ بَاب تَرْك مَصْلَحَة لِخَوْفِ مَفْسَدَة أَعْظَم مِنْهَا , وَهُوَ مِنْ أَهَمّ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة مَرَّات.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا و قَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا
عن عائشة، قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق، يقال له: لبيد بن الأعصم: قالت حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه...
عن أنس، أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك؟ فقالت: أردت...
عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا اشتكى منا إنسان، مسحه بيمينه، ثم قال: «أذهب الباس، رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك،...
عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا عاد مريضا يقول: «أذهب الباس، رب الناس، اشفه أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما»
عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المريض يدعو له قال: «أذهب الباس، رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر...
عن عائشة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي بهذه الرقية أذهب الباس، رب الناس، بيدك الشفاء، لا كاشف له إلا أنت» أخبرنا عيسى بن يونس كلاهما، عن...
عن عائشة، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات، فلما مرض مرضه الذي مات فيه، جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه،...
عن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات، وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيده، رجاء بركتها» عن اب...
عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، قال: سألت عائشة عن الرقية؟ فقالت: «رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأهل بيت من الأنصار في الرقية من كل ذي حمة»