حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا - سنن الترمذي

سنن الترمذي | أبواب الصلاة باب ما جاء إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعودا (حديث رقم: 361 )


361- عن أنس بن مالك، قال: خر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس، فجحش، فصلى بنا قاعدا، فصلينا معه قعودا، ثم انصرف، فقال: " إنما الإمام - أو إنما جعل الإمام - ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون "، وفي الباب عن عائشة، وأبي هريرة، وجابر، وابن عمر، ومعاوية، وحديث أنس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خر عن فرس فجحش» حديث حسن صحيح، " وقد ذهب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحديث منهم: جابر بن عبد الله، وأسيد بن حضير، وأبو هريرة، وغيرهم، وبهذا الحديث يقول أحمد، وإسحاق " وقال بعض أهل العلم: إذا صلى الإمام جالسا لم يصل من خلفه إلا قياما، فإن صلوا قعودا لم تجزهم، وهو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك والشافعي "

أخرجه الترمذي


صحيح

شرح حديث (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا)

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)

‏ ‏قَوْلُهُ : ( خَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ ) ‏ ‏مِنْ الْخُرُورِ أَيْ سَقَطَ ‏ ‏( فَجُحِشَ ) ‏ ‏بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ خُدِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ يَعْنِي قُشِرَ جِلْدُهُ فَتَأَثَّرَ تَأَثُّرًا مَنَعَهُ اِسْتِطَاعَةَ الْقِيَامِ , كَذَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ فِي شَرْحِهِ , قُلْت : فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ : سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ أَوْ كَتِفُهُ , وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ , وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ : رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا فِي الْمَدِينَةِ فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ الْحَدِيثَ , قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الْأَمْرَيْنِ اِنْتَهَى.
‏ ‏( وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ ) ‏ ‏قَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَأْمُومُ مَعْذُورًا.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَمُعَاوِيَةَ ) ‏ ‏أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اِجْلِسُوا فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قَالَ : إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ , فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا , وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ , فَإِذَا كَبَّرَ كَبِّرُوا , وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا , وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ , وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا , وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ " وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ : اِشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ , فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا فَصَلَّيْنَا بِصَلَاتِهِ قُعُودًا , فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ إِنْ كُنْتُمْ آنِفًا تَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ فَلَا تَفْعَلُوا اِئْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ اِبْنِ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَيْضًا , وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ اِبْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَّ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) ‏ ‏وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ إِلَخْ ) ‏ ‏قَدْ اِسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الْقَائِلُونَ إِنَّ الْمَأْمُومَ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَأْمُومُ مَعْذُورًا.
وَمِمَّنْ قَالَ اِبْنُ حَزْمٍ : وَبِهَذَا نَأْخُذُ إِلَّا فِيمَنْ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْإِمَامِ يُذَكِّرُ النَّاسَ , وَيُعْلِمُهُمْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا.
قَالَ اِبْنُ حَزْمٍ وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ , ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ , قَالَ : وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ , وَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ , وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ قَالَ : مَا رَأَيْت النَّاسَ إِلَّا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا صَلَّى مَنْ خَلْفَهُ قُعُودًا , قَالَ وَهِيَ السُّنَّةُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ , وَقَدْ حَكَاهُ اِبْنُ حِبَّانَ أَيْضًا عَنْ الصَّحَابَةِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ , وَعَنْ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ أَيْضًا مِنْ الصَّحَابَةِ , وَعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ التَّابِعِينَ , وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْهَاشِمِيِّ وَأَبِي خَيْثَمَةَ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ , ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَهُوَ عِنْدِي ضَرْبٌ مِنْ الْإِجْمَاعِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَى إِجَازَتِهِ ; لِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةً أَفْتَوْا بِهِ , وَالْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافًا لِهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ لَا بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ وَلَا مُنْقَطِعٍ , فَكَأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا كَانَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا وَقَدْ أَفْتَى بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ : وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَصْلًا خِلَافَهُ لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا وَاهٍ , فَكَأَنَّ التَّابِعِينَ أَجْمَعُوا عَلَى إِجَازَتِهِ قَالَ : وَأَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ قَاعِدًا إِذَا صَلَّى إِمَامُهُ جَالِسًا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ صَاحِبُ النَّخَعِيِّ , وَأَخَذَ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْ حَمَّادٍ أَبُو حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ مَنْ كَانَ بَعْدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ اِنْتَهَى كَلَامُ اِبْنِ حِبَّانَ.
‏ ‏وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ خِلَافَ ذَلِكَ , وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ خِلَافَ مَا حَكَى اِبْنُ حَزْمٍ عَنْهُمْ , وَحَكَاهُ اِبْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورِينَ.
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ مَا لَفْظُهُ : وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُصَلُّونَ قِيَامًا وَلَا يُتَابِعُونَ الْإِمَامَ فِي الْجُلُوسِ.
وَقَدْ أَجَابَ الْمُخَالِفُونَ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ : ‏ ‏أَحَدُهَا : دَعْوَى النَّسْخِ , قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَجَعَلُوا النَّاسِخَ مَا وَرَدَ مِنْ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِالنَّاسِ قَاعِدًا وَهُمْ قَائِمُونَ خَلْفَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ ‏ ‏وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ نَسْخَ الْأَمْرِ بِذَلِكَ وَجَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِتَنْزِيلِهِمْ عَلَى حَالَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : إِذَا اِبْتَدَأَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ الصَّلَاةَ قَاعِدًا لِمَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ فَحِينَئِذٍ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ قُعُودًا.
ثَانِيهِمَا : إِذَا اِبْتَدَأَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ قَائِمًا لَزِمَ الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا , سَوَاءٌ طَرَأَ مَا يَقْتَضِي صَلَاةَ إِمَامِهِمْ قَاعِدًا أَمْ لَا كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ تَقْرِيرَهُ لَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْجُلُوسُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ; لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ اِبْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَائِمًا وَصَلَّوْا مَعَهُ قِيَامًا بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْتَدَأَ الصَّلَاةَ جَالِسًا فَلَمَّا صَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ.
وَيُقَوِّي هَذَا الْجَمْعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّسْخِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَسْتَلْزِمُ النَّسْخَ مَرَّتَيْنِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي حُكْمِ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ قَاعِدًا , وَقَدْ نُسِخَ إِلَى الْقُعُودِ فِي حَقِّ مَنْ صَلَّى إِمَامُهُ قَاعِدًا , فَدَعْوَى نَسْخِ الْقُعُودِ بَعْدَ ذَلِكَ تَقْتَضِي وُقُوعَ النَّسْخِ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ ‏ ‏وَالْجَوَابُ الثَّانِي : مِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي أَجَابَ بِهَا الْمُخَالِفُونَ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ دَعْوَى التَّخْصِيصِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَوْنِهِ يَؤُمُّ جَالِسًا , حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ وَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّ جَالِسًا بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ , قَالَ وَهَذَا أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَلَا لِعُذْرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَرُدَّ بِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ.
‏ ‏وَقَدْ اُسْتُدِلَّ عَلَى دَعْوَى التَّخْصِيصِ بِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَا يَؤُمَّن أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا.
وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ , وَهُوَ أَيْضًا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا وَجَابِرٌ مَتْرُوكٌ , وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَمُجَالِدٌ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ : وَقَالَ اِبْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ اِنْتَهَى عَلَى أَنَّهُ يَقْدَحُ فِي التَّخْصِيصِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ , فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ إِمَامَنَا مَرِيضٌ , فَقَالَ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ , وَمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ إِمَامًا لَهُمْ اِشْتَكَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَكَانَ يَؤُمُّنَا جَالِسًا وَنَحْنُ جُلُوسٌ , قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
‏ ‏وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ : مِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي أَجَابَ بِهَا الْمُخَالِفُونَ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَرُدُّهُ لِمَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ ‏ ‏وَقَدْ أَجَابَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْمُخَالِفَةِ لَهَا بِأَجْوِبَةٍ , مِنْهَا : قَوْلُ اِبْنِ خُزَيْمَةَ : إِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ بِأَمْرِ الْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي صِحَّتِهَا وَلَا فِي سِبَاقِهَا.
وَأَمَّا صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَاخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ كَانَ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا.
وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَهُمْ جَمَعَ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْجُلُوسِ كَانَ لِلنَّدْبِ وَتَقْرِيرُهُ قِيَامُهُمْ خَلْفَهُ كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ اِسْتَمَرَّ عَمَلُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقُعُودِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْقَاعِدِ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَقَيْسِ بْنِ فَهْدٍ , وَرَوَى اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ اِشْتَكَى فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَصَلَّوْا مَعَهُ جُلُوسًا : وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ وَإِسْنَادُهُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ صَحِيحٌ.
وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ اِبْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ نَازَعَ فِي ثُبُوتِ كَوْنِ الصَّحَابَةِ صَلَّوْا خَلْفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَامًا غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ صَرِيحًا , قَالَ الْحَافِظُ : وَاَلَّذِي اِدَّعِي نَفْيَهُ قَدْ أَثْبَتَهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ إِنَّهُ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ , قَالَ الْحَافِظُ ثُمَّ وَجَدْت مُصَرِّحًا بِهِ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ اِبْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَفْظُهُ : فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا وَجَعَلَ أَبَا بَكْرٍ وَرَاءَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَصَلَّى النَّاسُ وَرَاءَهُ قِيَامًا , قَالَ : وَهَذَا مُرْسَلٌ يَعْتَضِدُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي عَلَّقَهَا الشَّافِعِيُّ عَنْ النَّخَعِيِّ , قَالَ : وَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ لِأَنَّهُمْ اِبْتَدَءُوا الصَّلَاةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ قِيَامًا.
فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُمْ قَعَدُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ.


حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خر عن فرس فجحش حديث حسن صحيح

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏قُتَيْبَةُ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏اللَّيْثُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏ ‏أَنَّهُ قَالَ ‏ ‏خَرَّ ‏ ‏رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَنْ فَرَسٍ ‏ ‏فَجُحِشَ ‏ ‏فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا مَعَهُ قُعُودًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ ‏ ‏إِنَّمَا الْإِمَامُ أَوْ ‏ ‏إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏وَفِي ‏ ‏الْبَاب ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏وَأَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏وَجَابِرٍ ‏ ‏وَابْنِ عُمَرَ ‏ ‏وَمُعَاوِيَةَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَبُو عِيسَى ‏ ‏وَحَدِيثُ ‏ ‏أَنَسٍ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏خَرَّ ‏ ‏عَنْ فَرَسٍ ‏ ‏فَجُحِشَ ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ‏ ‏وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ ‏ ‏أَصْحَابِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْهُمْ ‏ ‏جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ ‏ ‏وَأَبُو هُرَيْرَةَ ‏ ‏وَغَيْرُهُمْ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ ‏ ‏أَحْمَدُ ‏ ‏وَإِسْحَقُ ‏ ‏و قَالَ ‏ ‏بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا لَمْ يُصَلِّ مَنْ خَلْفَهُ إِلَّا قِيَامًا فَإِنْ صَلَّوْا قُعُودًا لَمْ تُجْزِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ ‏ ‏سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏ ‏وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ‏ ‏وَابْنِ الْمُبَارَكِ ‏ ‏وَالشَّافِعِيِّ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن الترمذي

إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا

عن عائشة، قالت: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدا»،: «حديث عائشة حديث حسن صحيح غريب» وقد روي عن عائشة، عن النب...

صلى رسول الله ﷺ في مرضه خلف أبي بكر قاعدا

عن أنس، قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحا به»،: «هذا حديث حسن صحيح»، وهكذا رواه يحيى بن أيوب، عن حميد، عن...

نهض في الركعتين فسبح به القوم وسبح بهم فلما قضى صل...

عن الشعبي، قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين، فسبح به القوم وسبح بهم، فلما قضى صلاته سلم، ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس، ثم حدثهم: «أن رسول...

صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه

عن زياد بن علاقة، قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس، فسبح به من خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي ا...

إذا جلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف

خبرنا سعد بن إبراهيم، قال: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود، يحدث عن أبيه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الركعتين الأوليين كأنه...

مررت برسول الله ﷺ وهو يصلي فسلمت عليه فرد إلي إشار...

عن صهيب، قال: «مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي»، فسلمت عليه، «فرد إلي إشارة»، وقال: لا أعلم إلا أنه قال: إشارة بإصبعه، وفي الباب عن بلال،...

كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة كان يشير بيده

عن ابن عمر، قال: قلت لبلال: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة؟ قال: «كان يشير بيده»،: «هذا حديث حسن صحيح،...

التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء»، وفي الباب عن علي، وسهل بن سعد، وجابر، وأبي سعيد، وابن عمر قال...

التثاؤب في الصلاة من الشيطان

عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع»، وفي الباب عن أبي سعيد الخدري، وجد عد...