511-
عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح، أن أبا سعيد الخدري، دخل يوم الجمعة ومروان يخطب، فقام يصلي، فجاء الحرس ليجلسوه، فأبى حتى صلى، فلما انصرف أتيناه، فقلنا: رحمك الله، إن كادوا ليقعوا بك، فقال: ما كنت لأتركهما بعد شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر «أن رجلا جاء يوم الجمعة في هيئة بذة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فأمره، فصلى ركعتين، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب».
قال ابن أبي عمر: «كان ابن عيينة يصلي ركعتين إذا جاء والإمام يخطب ويأمر به» وكان أبو عبد الرحمن المقرئ يراه وسمعت ابن أبي عمر يقول: قال ابن عيينة: «كان محمد بن عجلان ثقة مأمونا في الحديث» وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وسهل بن سعد.
حديث أبي سعيد الخدري حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال بعضهم: إذا دخل والإمام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي، وهو قول سفيان الثوري، وأهل الكوفة، والقول الأول أصح.
حدثنا قتيبة قال: حدثنا العلاء بن خالد القرشي، قال: رأيت الحسن البصري دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب، فصلى ركعتين، ثم جلس، إنما فعل الحسن اتباعا للحديث، وهو روى عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث
حسن صحيح
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)
قَوْلُهُ : ( عَنْ عِيَاضٍ ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرِهِ مُعْجَمَةٌ ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْجٍ ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ مَاتَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ.
قَوْلُهُ : ( وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ , وَمَرْوَانُ هَذَا هُوَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ بْنُ أَبِي الْعَاصِ أُمَيَّةُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْأُمَوِيُّ الْمَدَنِيُّ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ فِي رَمَضَانَ وَلَهُ ثَلَاثٌ أَوْ إِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَةً لَا يَثْبُتُ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي تَرْجَمَتِهِ : وُلِدَ مَرْوَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ سَنَةَ اِثْنَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ عَامَ الْخَنْدَقِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ , فَلَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقَاهُ إِلَى الطَّائِفِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى وَلِيَ عُثْمَانُ فَرَدَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَهَا وَابْنُهُ مَعَهُ مَاتَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ 65 خَمْسٍ وَسِتِّينَ , رَوَى عَنْ نَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَرَوَى عَنْهُ نَفَرٌ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ اِنْتَهَى ( فَجَاءَ الْحَرَسُ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ : حَرَسَهُ حَرَسًا وَحِرَاسَةً فَهُوَ حَارِسٌ جَمْعُ حَرَسٍ وَأَحْرَاسٍ وَحُرَّاسٌ وَالْحَرَسُ وَاحِدُ حَرَسِ السُّلْطَانِ وَهُمْ الْحُرَّاسُ اِنْتَهَى.
وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ : حَرَسَ بِفَتْحَتَيْنِ نكاهبان دركاه سلطان حراس ج حرسى يكي ازيشال اِنْتَهَى ( وَلِيُجْلِسُوهُ ) مِنْ الْإِجْلَاسِ وَالتَّجْلِيسِ ( إِنْ كَادُوا لَيَقَعُوا بِهِ ) كَلِمَةُ إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ أَيْ أَنَّ الشَّأْنَ كَادُوا لَيُوقِعُوا بِك بِالضَّرْبِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ أَوْ السَّبِّ كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِأَبِي الطَّيِّبِ السِّنْدِيِّ.
قَوْلُهُ : ( أَنَّ رَجُلًا جَاءَ ) وَهُوَ سُلَيْكٌ قَوْلُهُ : ( فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سَيِّئَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْفَقْرِ , قَالَ فِي الْقَامُوسِ : بَذِذْت كَ " عَلِمْت " بَذَاذَةً وَبَذَاذًا وَبُذُوذَةً سَاءَتْ حَالُك , وَبَاذُّ الْهَيْئَةِ وَبَذَّهَا رَثُّهَا اِنْتَهَى.
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَالَ فِي مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ : هَذَا يُصَرِّحُ بِضَعْفِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ خُطْبَتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ اِنْتَهَى.
قُلْت : أَشَارَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ " , وَأَمْسَكَ عَنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : أَسْنَدَهُ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيُّ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَوَهِمَ فِيهِ وَالصَّوَابُ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ أَبِيهِ كَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعْتَمِرٍ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ مُرْسَلًا.
وَعُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ هَذَا رَوَى عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ , وَإِنَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالْوَهْمِ لِمُخَالَفَتِهِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ ( قَالَ اِبْنُ أَبِي عُمَرَ ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ ( وَكَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي ) اِسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ أَصْلُهُ مِنْ الْبَصْرَةِ أَوْ الْأَهْوَازِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ سَنَةً مِنْ التَّاسِعَةِ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ ( يَرَاهُ ) أَيْ يَعْتَقِدُهُ وَيُجَوِّزُهُ ( كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ : مُحَمَّدُ اِبْنُ عَجْلَانَ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ اِخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ : وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَرَوَى عَبَّاسٌ عَنْ اِبْنِ مَعِينٍ قَالَ : اِبْنُ عَجْلَانَ أَوْثَقُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مَا يَشُكُّ فِي هَذَا أَحَدٌ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حَدِيثًا كُلُّهَا شَوَاهِدُ , وَقَدْ تَكَلَّمَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي سُوءِ حِفْظِهِ وَقَدْ بَسَطَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ.
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ : إِنْ قِيلَ قَدْ صَدَّرَ الْمُصَنِّفُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ : وَفِي الْبَابِ عَنْ حَابِرٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَمَا عَادَتُهُ أَنْ يُعِيدَ ذِكْرَ صَحَابِيٍّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي الْبَابِ , فَالْجَوَابُ لَعَلَّهُ أَرَادَ حَدِيثًا آخَرَ لِجَابِرٍ غَيْرَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمَهُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : دَخَلَ النُّعْمَانُ بْنُ نَوْفَلٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَلْيُخَفِّفْهُمَا " كَذَا فِي قَوْلِ الْمُغْتَذِي ( وَأَبِي هُرَيْرَةَ ) أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ ( وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ) أَخْرَجَهُ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي سَعْدٍ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سُلَيْكٍ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " وَرَوَاهُ أَيْضًا اِبْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ.
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى : رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : وَرَوَاهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهُ.
قَوْلُهُ : ( وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا يَعْنِي الَّتِي رَوَاهَا مُسْلِمٌ صَرِيحَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْجَامِعَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا , وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِيهِمَا لِيَسْمَعَ بَعْدَهُمَا الْخُطْبَةَ.
وَحُكِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ ( إِذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ وَلَا يُصَلِّي , وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ ) قَالَ النَّوَوِيُّ : قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا يُصَلِّيهِمَا , وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَحُجَّتُهُمْ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ , وَتَأَوَّلُوا أَحَادِيثَ الْبَابِ بِأَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِيَامِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَيَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ , وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ صَرِيحُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّرْ فِيهِمَا ".
وَهَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَأْوِيلٌ وَلَا أَظُنُّ عَالِمًا يَبْلُغُهُ هَذَا اللَّفْظُ وَيَعْتَقِدُهُ صَحِيحًا فَيُخَالِفَهُ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ : أَقُولُ مَا اِعْتَمَدَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ إِلَى عَهْدِ مَالِكٍ أَنَّ التَّنَفُّلَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا.
وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ اِتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ , فَقَدْ ثَبَتَ فِعْلُ التَّحِيَّةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَمَلَهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْضًا , وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ صَرِيحًا مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ اِبْنُ بَطَّالٍ عَنْ عُمَرَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْمَنْعِ مُطْلَقًا , فَاعْتِمَادُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى رِوَايَاتٍ عَنْهُمْ فِيهَا اِحْتِمَالٌ كَقَوْلِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ : أَدْرَكْت عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَكَانَ الْإِمَامُ إِذَا خَرَجَ تَرَكْنَا الصَّلَاةَ وَجْهُ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ثَعْلَبَةُ عَنَى بِذَلِكَ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ خَاصَّةً.
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : كُلُّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ يَعْنِي مِنْ الصَّحَابَةِ مَنَعَ الصَّلَاةَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ التَّصْرِيحُ بِمَنْعِ التَّحِيَّةِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا حَدِيثٌ يَخُصُّهَا فَلَا تُتْرَكُ بِالِاحْتِمَالِ اِنْتَهَى.
وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا عَنْ أَحَدٍ.
مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَعَبْدُ اللَّهُ اِبْنُ صَفْوَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ صَحَابِيَّانِ صَغِيرَانِ , فَقَالَهُ الطَّحَاوِيُّ : لَمَّا لَمْ يُنْكِرْ اِبْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أَبِي صَفْوَانَ وَلَا مَنْ حَضَرَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ تَرْكَ التَّحِيَّةِ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ تَرْكَهُمْ النَّكِيرَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا بَلْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مُخَالِفُوهُمْ اِنْتَهَى.
( وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ , وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا " , وَهَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَأْوِيلٌ.
وَكُلُّ مَا أَجَابَ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَهُوَ مَخْدُوشٌ.
وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي حَالَةِ إِبَاحَةِ الْأَفْعَالِ فِي الْخُطْبَةِ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنْهَا , قَالُوا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَ هَذَا الرَّجُلَ , فَكَلَامُهُ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُنْسَخَ فِي الْخُطْبَةِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ وَتَرْكِ الْكَلَامِ حَتَّى مُنِعَ مِنْ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبٍ أَنْصِتْ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ سُلَيْكًا مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ جِدًّا , فَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُنْسَخَ الْكَلَامُ فِي الْخُطْبَةِ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ : قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : قِيلَ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سُلَيْكًا مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ جِدًّا , وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ مُتَقَدِّمٌ جِدًّا فَكَيْفَ يُدَّعَى نَسْخُ الْمُتَأَخِّرِ بِالْمُتَقَدِّمِ مَعَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ اِنْتَهَى.
وَمِنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَاطَبَ سُلَيْكًا سَكَتَ عَنْ خُطْبَتِهِ حَتَّى فَرَغَ سُلَيْكٌ مِنْ صَلَاتِهِ , فَعَلَى هَذَا فَقَدْ جَمَعَ سُلَيْكٌ بَيْنَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَصَلَاةِ التَّحِيَّةِ , فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ التَّحِيَّةَ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَدْ ضَعَّفَهُ , وَقَالَ إِنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ مُرْسَلًا أَوْ مُعْضَلًا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ الْقَارِي مُعْتَرِضًا عَلَى هَذَا الْجَوَابِ مَا لَفْظُهُ : الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا , وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَمْسَكَ عَنْ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ ثُمَّ عَادَ إِلَى خُطْبَتِهِ اِنْتَهَى.
قُلْت : الْحَدِيثُ الْمُرْسَلُ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَكِنَّ الْمُحَقَّقَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ , فَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ الْمُرْسَلُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ , وَيُضَعِّفُهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ , فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ , وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ , وَيُضَعِّفُهُ أَيْضًا حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ".
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ , وَأَمَّا رِوَايَةُ اِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَهِيَ أَيْضًا مُرْسَلَةٌ وَمَعَ إِرْسَالِهَا فَهِيَ ضَعِيفَةٌ , قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهَا.
هَذَا مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ , وَأَبُو مَعْشَرٍ اِسْمُهُ نَجِيحٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ اِنْتَهَى.
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ : نَجِيحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّنْدِيُّ أَبُو مَعْشَرٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ضَعِيفٌ مِنْ السَّادِسَةِ أَسَنَّ وَاخْتَلَطَ اِنْتَهَى.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسَكَ عَنْ الْخُطْبَةِ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ , بَلْ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ.
وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ شُرُوعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ , وَقَدْ بَيَّنَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى عَنْ حَدِيثِ سُلَيْكٍ قَالَ : بَابُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ , ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَرَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرَكَعْت رَكْعَتَيْنِ " قَالَ لَا , قَالَ " قُمْ فَارْكَعْهُمَا " , كَذَا فِي عُمْدَةِ الْقَارِي.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْقُعُودَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا يَخْتَصُّ بِالِابْتِدَاءِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ أَيْضًا فَيَكُونُ كَلَّمَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَاعِدٌ فَلَمَّا قَامَ لِيُصَلِّيَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخُطْبَةِ لِأَنَّ زَمَنَ الْقُعُودِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لَا يَطُولُ.
وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي تَجَوَّزَ فِي قَوْلِهِ قَاعِد ; لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ كُلَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ الْقَارِي مُعْتَرِضًا عَلَى هَذَا الْجَوَابِ مَا لَفْظُهُ : الْأَصْلُ اِبْتِدَاءُ قُعُودِهِ , وَقُعُودُهُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الْأَصْلِ اِنْتَهَى.
قُلْت : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقُعُودَ الْأَوَّلَ أَصْلٌ وَالثَّانِي مُحْتَمَلٌ , بَلْ نَقُولُ إِنَّ الْقَعُودَيْنِ كِلَيْهِمَا أَصْلٌ , وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالْحُكْمُ بِالْمُحْتَمَلِ عَلَى الْأَصْلِ مُتَعَيِّنٌ هَاهُنَا لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ كُلَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ , ثُمَّ قَالَ الْعَيْنِيُّ مُعْتَرِضًا عَلَى قَوْلِ الْحَافِظِ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي تَجَوَّزَ إِلَخْ مَا لَفْظُهُ : هَذَا تَرْوِيجٌ لِكَلَامِهِ وَنِسْبَةِ الرَّاوِي إِلَى اِرْتِكَابِ الْمَجَازِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ اِنْتَهَى.
قُلْت : نِسْبَةُ الرَّاوِي إِلَى اِرْتِكَابِ الْمَجَازِ لَيْسَ بِلَا حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ بَلْ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ شَدِيدَةٍ وَقَدْ بَيَّنَهَا الْحَافِظُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ كُلَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ لَفْظَ قَاعِدٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ إِمَّا يُرَادُ بِهِ الْقُعُودُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ يُقَالُ إِنَّ الرَّاوِيَ تَجَوَّزَ فِيهِ , وَإِلَّا فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ.
وَمِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا , فَيُحْتَمَلُ اِخْتِصَاصُهَا بِسُلَيْكٍ , وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ : جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَالرَّجُلُ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَقَالَ لَهُ " أَصَلَّيْت " ؟ قَالَ لَا.
قَالَ " صَلِّ رَكْعَتَيْنِ " , وَحَضَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ الْحَدِيثَ , فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ لِيَرَاهُ بَعْضُ النَّاسِ وَهُوَ قَائِمٌ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ.
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَمَرْته أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَفْطِنَ لَهُ رَجُلٌ فَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ " قُلْت : هَذَا مَرْدُودٌ , فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ , وَالتَّعْلِيلُ بِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِجَوَازِ التَّحِيَّةِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي قَصْدِ التَّصَدُّقِ مُعَاوَدَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ أَيْضًا فِي الْجُمْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ لَهُ فِي الْجُمْعَةِ الْأُولَى ثَوْبَيْنِ فَدَخَلَ بِهِمَا فِي الثَّانِيَةِ فَتَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا , وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ كَرَّرَ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثِ جُمَعٍ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَصْدَ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ جُزْءُ عِلَّةٍ لَا عِلَّةٌ كَامِلَةٌ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَارْكَعْهُمَا وَتَجَوَّزَ فِيهِمَا : " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا " كَمَا عَرَفْت فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أَجَابَ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَهُوَ مَخْدُوشٌ لَيْسَ مِمَّا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَسْطًا حَسَنًا وَأَجَادَ فِيهِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ فَقَامَ يُصَلِّي فَجَاءَ الْحَرَسُ لِيُجْلِسُوهُ فَأَبَى حَتَّى صَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا رَحِمَكَ اللَّهُ إِنْ كَادُوا لَيَقَعُوا بِكَ فَقَالَ مَا كُنْتُ لِأَتْرُكَهُمَا بَعْدَ شَيْءٍ رَأَيْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَمَرَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِذَا جَاءَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَكَانَ يَأْمُرُ بِهِ وَكَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ يَرَاهُ قَالَ أَبُو عِيسَى و سَمِعْت ابْنَ أَبِي عُمَرَ يَقُولُ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا فِي الْحَدِيثِ قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَقُ و قَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ وَلَا يُصَلِّي وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ رَأَيْتُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ إِنَّمَا فَعَلَ الْحَسَنُ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ وَهُوَ رَوَى عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثَ
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قال يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت، فقد لغا "، وفي الباب عن ابن أبي أوفى، وجابر بن عبد الله: «حديث...
عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم» حديث سهل بن معاذ بن أ...
عن سهل بن معاذ، عن أبيه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب»: «وهذا حديث حسن»، «وأبو مرحوم اسمه عبد الرحيم بن ميمون» و...
أخبرنا حصين، قال: سمعت عمارة بن رويبة، وبشر بن مروان يخطب، فرفع يديه في الدعاء، فقال عمارة: قبح الله هاتين اليديتين القصيرتين، «لقد رأيت رسول الله صلى...
عن السائب بن يزيد، قال: «كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، إذا خرج الإمام، وإذا أقيمت الصلاة، فلما كان عثمان زاد النداء...
عن أنس بن مالك، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يكلم بالحاجة إذا نزل عن المنبر»: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جرير بن حازم»، سمعت محمدا يقول...
عن أنس، قال: «لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تقام الصلاة يكلمه الرجل، يقوم بينه وبين القبلة فما يزال يكلمه»، ولقد رأيت بعضهم ينعس من طول قيا...
عن عبيد الله بن أبي رافع، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة، فصلى بنا أبو هريرة يوم الجمعة، " فق...
عن ابن عباس، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ يوم الجمعة في صلاة الفجر: تنزيل السجدة، وهل أتى على الإنسان " وفي الباب عن سعد، وابن مسعود،...