حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور - سنن أبي داود

سنن أبي داود | كتاب المناسك باب في تحريم المدينة (حديث رقم: 2034 )


2034- عن علي رضي الله عنه، قال: ما كتبنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا القرآن وما في هذه الصحيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف، ومن والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين لا يقبل منه عدل ولا صرف».
(1) 2035- عن علي رضي الله عنه، في هذه القصة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره» (2)

أخرجه أبو داوود


(١) إسناده صحيح.
سفيان: هو ابن سعيد الثوري، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وإبراهيم التيمي: هو ابن يزيد بن شريك.
وأخرجه البخاري (1870) و (3172) و (3179) و (6755) و (7300)، ومسلم (1370)، وبإثر (1508)، والترمذي (2260)، والنسائي في "الكبرى" (4264) من طرق، عن الأعمش، بهذا الإسناد.
وبعضهم يختصره.
وأخرجه النسائي في "الكبرى" (4263) من طريق الحارث بن سويد، عن علي.
وهو في "مسند أحمد" (615) و (1037)، و"صحيح ابن حبان" (3716) و (3717).
وانظر ما سيأتي برقم (2035) و (4530).
وقوله: عائر ويقال: عير وهو وثور: اسما جبلين من جبال المدينة، أولهما عظيم شامخ يقع جنوب المدينة على مسافة ساعتين منها تقريبا، وثانيهما أحمر صغير يقع شمال أحد، ويحدان حرم المدينة جنوبا وشمالا.
وقال المجد في "القاموس": وثور: جبل بالمدينة، ومنه الحديث الصحيح "المدينة حرم ما بين عير إلى ثور" وأما قول أبي عبيد بن سلام وغيره من الأكابر والأعلام: إن هذا تصحيف، والصواب: إلى أحد، لأن ثورا إنما هو بمكة فغير جيد .
قال ابن قدامة في "المغني": يحرم صيد المدينة وقطع شجرها، وبه قال مالك والشافعي وأكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة: لا يحرم.
ثم من فعل مما حرم عليه فيه شيئا أثم ولا جزاء عليه في رواية لأحمد، وهو قول مالك والشافعي في الجديد وأكثر أهل العلم.
وقوله: من آوى محدثا.
قال الخطابي: يروى على وجهين: محدثا مكسورة الدال وهو صاحب الحدث وجانيه، ومحدثا مفتوحة الدال: وهو الأمر المحدث والعمل المبتدع الذي لم تجر به سنة، ولم يتقدم به عمل.
وقوله: لا يقبل منه عدل ولا صرف، فإنه يقال في تفسير العدل: إنه الفريضة، والصرف النافلة، ومعنى العدل: الواجب الذي لا بد منه، ومعنى الصرف: الربح والزيادة، ومنه صرف الدراهم والدنانير، والنوافل زيادات على الأصول فلذلك سميت صرفا.
وقوله: يسعى بذمتهم أدناهم، فمعناه أن يحاصر الإمام قوما من الكفار فيعطي بعض أهل عسكر المسلمين أمانا لبعض الكفار، فإن أمانه ماض وإن كان المجير عبدا وهو أدناهم وأقلهم، وهذا خاص في أمان بعض الكفار دون جماعتهم.
وقوله: فمن أخفر مسلما.
يريد نقض العهد، يقال: خفرت الرجل: إذا آمنته، وأخفرته بالألف: إذا نقضت عهده.
(٢) صحيح لغيره، رجاله ثقات غير أبي حسان - وهو مسلم بن عبد الله الأعرج - صدوق , وروايته عن علي مرسلة، ومع ذلك فقد حسن سنده الحافظ في "الفتح" ١٢/ ٢٦١! وهو في "مسند أحمد" (٩٥٩) و (٩٩١).
ويشهد له حديث عدي بن زيد الآتي بعده.
وحديث سعد بن أبي وقاص عند مسلم (١٣٦٣).
وانظر ما سيأتى برقم (٢٠٣٧) و (٢٠٣٨).
ويشهد له كذلك حديث جابر عند مسلم أيضا (١٣٦٢).
وانظر ما سيأتي برقم (٢٠٣٩).
قوله: "أشاد بها" أي: رفع صوته للتعريف بها.
وفي رواية: "أنشدها".
والمعنى واحد.

شرح حديث (المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور)

عون المعبود على شرح سنن أبي داود: أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي

‏ ‏( مَا كَتَبْنَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ‏ ‏: مِنْ أَحْكَام الشَّرِيعَة أَوْ الْمَنْفِيّ شَيْء اِخْتَصُّوا بِهِ عَلَى النَّاس ‏ ‏( وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَة ) ‏ ‏: وَسَبَب قَوْل عَلِيّ هَذَا يَظْهَر بِمَا رَوَيْنَا فِي مُسْنَد أَحْمَد مِنْ طَرِيق قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّان الْأَعْرَج أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُر بِالْأَمْرِ فَيُقَال لَهُ قَدْ فَعَلْنَا فَيَقُول صَدَقَ اللَّه وَرَسُوله , فَقَالَ لَهُ الْأَشْتَر : هَذَا الَّذِي تَقُول شَيْء عَهِدَهُ إِلَيْك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ مَا عَهِدَ إِلَيَّ شَيْئًا خَاصًّا دُون النَّاس إِلَّا شَيْئًا سَمِعْته مِنْهُ فَهُوَ فِي صَحِيفَة فِي قِرَاب سَيْفِي , فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخْرَجَ الصَّحِيفَة فَإِذَا فِيهَا ‏ ‏( الْمَدِينَة حَرَام ) ‏ ‏: أَيْ حَرَم كَمَا عِنْد الْبُخَارِيّ أَيْ حَرَم مُحَرَّمَة ‏ ‏( مَا بَيْن عَائِر ) ‏ ‏: بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَالْأَلِف مَهْمُوزًا آخِره رَاء جَبَل بِالْمَدِينَةِ ‏ ‏( إِلَى ثَوْر ) ‏ ‏: وَهَكَذَا عِنْد مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَلِيّ إِلَى ثَوْر , وَعِنْد أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن سَلَام مَا بَيْن عَيْر إِلَى أُحُد " قَالَ أَبُو عُبَيْد : أَهْل الْمَدِينَة لَا يَعْرِفُونَ جَبَلًا عِنْدهمْ يُقَال لَهُ ثَوْر , وَإِنَّمَا ثَوْر بِمَكَّة , لَكِنْ قَالَ صَاحِب الْقَامُوس : ثَوْر جَبَل بِمَكَّة وَجَبَل بِالْمَدِينَةِ وَمِنْهُ الْحَدِيث الصَّحِيح : " الْمَدِينَة حَرَم مَا بَيْن عَيْر إِلَى ثَوْر ".
‏ ‏وَأَمَّا قَوْل أَبِي عُبَيْد بْن سَلَّامٍ وَغَيْره مِنْ أَكَابِر الْأَعْلَام إِنَّ هَذَا تَصْحِيف وَالصَّوَاب إِلَى أُحُد لِأَنَّ ثَوْرًا إِنَّمَا هُوَ بِمَكَّة فَغَيْر جَيِّد لِمَا أَخْبَرَنِي الشُّجَاع الْبَعْلِيّ الشَّيْخ الزَّاهِد عَنْ الْحَافِظ أَبِي مُحَمَّد عَبْد السَّلَام الْبَصْرِيّ أَنَّ حِذَاء أُحُد جَانِحًا إِلَى وَرَائِهِ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَال لَهُ ثَوْر , وَتَكَرَّرَ سُؤَالِي عَنْهُ طَوَائِف مِنْ الْعَرَب الْعَارِفِينَ بِتِلْكَ الْأَرْض فَكُلّ أَخْبَرَ أَنَّ اِسْمه ثَوْر , وَلَمَّا كَتَبَ إِلَيَّ الشَّيْخ عَفِيف الدِّين الْمَطَرِيّ عَنْ وَالِده الْحَافِظ الثِّقَة قَالَ : إِنَّ خَلْف أُحُد عَنْ شِمَاله جَبَلًا صَغِيرًا مُدَوَّرًا يُسَمَّى ثَوْرًا يَعْرِفهُ أَهْل الْمَدِينَة خَلَفًا عَنْ سَلَف وَنَحْو ذَلِكَ.
قَالَهُ صَاحِب تَحْقِيق النُّصْرَة.
وَقَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ فِي الْأَحْكَام : قَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَة الْعَالِم أَبُو مُحَمَّد عَبْد السَّلَام الْبَصْرِيّ أَنَّ حِذَاء أُحُد عَنْ يَسَاره جَانِحًا إِلَى وَرَائِهِ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَال لَهُ ثَوْر , وَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَكَرَّرَ سُؤَاله عَنْهُ لِطَوَائِف مِنْ الْعَرَب الْعَارِفِينَ بِتِلْكَ الْأَرْض وَمَا فِيهَا مِنْ الْجِبَال فَكُلّ أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْجَبَل اِسْمه ثَوْر وَتَوَارَدُوا عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ : فَعَلِمْنَا أَنَّ ذِكْر ثَوْر الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث الصَّحِيح صَحِيح , وَأَنَّ عَدَم عِلْم أَكَابِر الْعُلَمَاء بِهِ لِعَدَمِ شُهْرَته وَعَدَم بَحْثهمْ عَنْهُ وَهَذِهِ فَائِدَة جَلِيلَة.
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن حُسَيْن الْمَرَاغِيّ نَزِيل الْمَدِينَة فِي مُخْتَصَره لِأَخْبَارِ الْمَدِينَة : إِنَّ خَلْف أَهْل الْمَدِينَة يَنْقُلُونَ عَنْ سَلَفهمْ أَنَّ خَلْف أُحُد مِنْ جِهَة الشِّمَال جَبَلًا صَغِيرًا إِلَى الْحُمْرَة بِتَدْوِيرٍ يُسَمَّى ثَوْرًا.
قَالَ وَقَدْ تَحَقَّقْته بِالْمُشَاهَدَةِ.
‏ ‏( فَمَنْ أَحْدَثَ ) ‏ ‏: أَيْ أَظْهَرَ ‏ ‏( حَدَثًا ) ‏ ‏: بِفَتْحِ الْحَاء وَالدَّال أَيْ مُخَالِفًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَنْ اِبْتَدَعَ بِهَا بِدْعَة ‏ ‏( أَوْ آوَى ) ‏ ‏: بِالْمَدِّ ‏ ‏( مُحْدِثًا ) ‏ ‏: بِكَسْرِ الدَّال أَيْ مُبْتَدِعًا ‏ ‏( وَالنَّاس أَجْمَعِينَ ) ‏ ‏: فِيهِ وَعِيد شَدِيد.
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ : لَكِنْ الْمُرَاد بِاللَّعْنِ هُنَا الْعَذَاب الَّذِي يَسْتَحِقّهُ عَلَى ذَنْبه لَا كَلَعْنِ الْكَافِر الْمُبْعَد عَنْ رَحْمَة اللَّه كُلّ الْإِبْعَاد ‏ ‏( لَا يُقْبَل ) ‏ ‏: بِصِيغَةِ الْمَجْهُول ‏ ‏( مِنْهُ ) ‏ ‏: مِنْ كُلّ وَاحِد ‏ ‏( عَدْل وَلَا صَرْف ) ‏ ‏: قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُقَال فِي تَفْسِير الْعَدْل إِنَّهُ الْفَرِيضَة وَالصَّرْف النَّافِلَة.
وَمَعْنَى الْعَدْل هُوَ الْوَاجِب الَّذِي لَا بُدّ مِنْهُ وَمَعْنَى الصَّرْف الرِّبْح وَالزِّيَادَة , وَمِنْهُ صَرْف الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير.
وَالنَّوَافِل الزِّيَادَات عَلَى الْأُصُول , فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ صَرْفًا اِنْتَهَى ‏ ‏( ذِمَّة الْمُسْلِمِينَ ) ‏ ‏: أَيْ عَهْدهمْ وَأَمَانهمْ ‏ ‏( وَاحِدَة ) ‏ ‏: أَيْ إِنَّهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِد لَا يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الْمَرَاتِب وَلَا يَجُوز نَقْضهَا لِتَفَرُّدِ الْعَاقِد بِهَا.
وَكَأَنَّ الَّذِي يَنْقُص ذِمَّة نَفْسه وَهِيَ مَا يُذَمّ الرَّجُل عَلَى إِضَاعَته مِنْ عَهْد وَأَمَان كَأَنَّهُمْ كَالْجَسَدِ الْوَاحِد الَّذِي إِذَا اِشْتَكَى بَعْضه اِشْتَكَى كُلّه ‏ ‏( يَسْعَى بِهَا ) ‏ ‏: أَيْ يَتَوَلَّاهَا وَيَلِي أَمْرهَا ‏ ‏( أَدْنَاهُمْ ) ‏ ‏: أَيْ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ مَرْتَبَة.
‏ ‏وَالْمَعْنَى أَنَّ ذِمَّة الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَة سَوَاء صَدَرَتْ مِنْ وَاحِد أَوْ أَكْثَر شَرِيف أَوْ وَضِيع.
قَالَ الطِّيبِيُّ : فَإِذَا أَمَّنَ أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافِرًا لَمْ يَحِلّ لِأَحَدٍ نَقْضه وَإِنْ كَانَ الْمُؤْمِن عَبْدًا.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ أَنْ يُحَاصِر الْإِمَام قَوْمًا مِنْ أَهْل الْكُفْر فَيُعْطِي بَعْض عَسْكَرَة الْمُسْلِمِينَ أَمَانًا لِبَعْضِ الْكُفَّار فَإِنَّ أَمَانه مَاضٍ وَإِنْ كَانَ الْمُجِير عَبْدًا وَهُوَ أَدْنَاهُمْ وَأَقَلّهمْ.
وَهَذَا خَاصّ فِي أَمَان بَعْض الْكُفَّار دُون جَمَاعَتهمْ وَلَا يَجُوز لِمُسْلِمٍ أَنْ يُعْطِي أَمَانًا عَامًّا لِجَمَاعَةِ الْكُفَّار , فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَمَانه لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيل الْجِهَاد أَصْلًا وَذَلِكَ غَيْر جَائِز اِنْتَهَى ‏ ‏( فَمَنْ أَخْفَرَ ) ‏ ‏: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَيْ نَقَضَ عَهْده وَأَمَانه لِلْكَافِرِ بِأَنْ قَتَلَ ذَلِكَ الْكَافِر أَوْ أَخَذَ مَاله , وَحَقِيقَته إِزَالَة خَفْرَته أَيْ عَهْده وَأَمَانه ‏ ‏( وَمَنْ وَالَى قَوْمًا ) ‏ ‏: بِأَنْ يَقُول مُعْتَق لِغَيْرِ مُعْتِقه أَنْتَ مَوْلَايَ ‏ ‏( بِغَيْرِ إِذْن مَوَالِيه ) ‏ ‏: لَيْسَ لِتَقْيِيدِ الْحُكْم بِعَدَمِ الْإِذْن وَقَصْره عَلَيْهِ بَلْ بُنِيَ الْأَمْر فِيهِ عَلَى الْغَالِب وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا اِسْتَأْذَنَ مَوَالِيه لَمْ يَأْذَنُوا لَهُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ : قِيلَ أَرَادَ بِهِ وَلَاء الْمُوَالَاة لَا وَلَاء الْعِتْق , كَمَنْ اِنْتَسَبَ إِلَى غَيْر أَبِيهِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَيْسَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّرْط حَتَّى يَجُوز أَنْ يُوَالِي غَيْر مَوَالِيه إِذَا أَذِنُوا لَهُ فِي ذَلِكَ , وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى التَّوْكِيد لِتَحْرِيمِهِ.
‏ ‏قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ.
‏ ‏( قَالَ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا ) ‏ ‏: أَيْ لَا يُقْطَع كَلَؤُهَا.
قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَى يُخْتَلَى يُؤْخَذ وَيُقْطَع , وَالْخَلَاء بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة مَقْصُورًا هُوَ الرَّطْب مِنْ الْكَلَأ قَالُوا الْخَلَاء وَالْعُشْب اِسْم لِلرَّطْبِ مِنْهُ , وَالْحَشِيش وَالْهَشِيم اِسْم الْيَابِس مِنْهُ وَالْكَلَأ مَهْمُوزًا يَقَع عَلَى الرَّطْب وَالْيَابِس ‏ ‏( وَلَا يُنَفَّر صَيْدهَا ) ‏ ‏: وَفِيهِ تَصْرِيح بِتَحْرِيمِ التَّنْفِير وَهُوَ الْإِزْعَاج وَتَنْحِيَته مِنْ مَوْضِعه فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى سَوَاء تَلِفَ أَمْ لَا لَكِنْ إِنْ تَلِفَ فِي نِفَاره قَبْل سُكُون نِفَاره ضَمِنَهُ الْمُنَفِّر وَإِلَّا فَلَا ضَمَان.
قَالَ الْعُلَمَاء : نَبَّهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّنْفِيرِ عَلَى الْإِتْلَاف وَنَحْوه لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ التَّنْفِير فَالْإِتْلَاف أَوْلَى.
قَالَهُ النَّوَوِيّ ‏ ‏( أَشَادَ بِهَا ) ‏ ‏: هَكَذَا فِي بَعْض النُّسَخ أَيْ رَفَعَ صَوْته بِتَعْرِيفِهَا أَبَدًا لَا سَنَة , يُقَال أَشَادَهُ وَأَشَادَ بِهِ إِذَا أَشَاعَهُ وَرَفَعَ ذِكْره.
كَذَا فِي النِّهَايَة.
وَفِي بَعْضهَا أَنْشَدَهَا , وَفِي رِوَايَة مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة لَا تَحِلّ لُقَطَتهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ.
الْمُنْشِد هُوَ الْمُعَرِّف , وَأَمَّا طَالِبهَا فَيُقَال لَهُ نَاشِد.
وَأَصْل النَّشْد وَالنِّشَاد رَفْع الصَّوْت.
وَمَعْنَى الْحَدِيث لَا تَحِلّ لُقَطَتهَا لِمَنْ يُرِيد أَنْ يُعَرِّفهَا سَنَة ثُمَّ يَتَمَلَّكهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَاد بَلْ لَا تَحِلّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفهَا أَبَدًا وَلَا يَتَمَلَّكهَا , وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ وَأَبُو عُبَيْد وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ مَالِك : يَجُوز تَمَلُّكهَا بَعْد تَعَرُّفهَا سَنَة كَمَا فِي سَائِر الْبِلَاد.
وَبِهِ قَالَ بَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ.
قَالَهُ النَّوَوِيّ ‏ ‏( وَلَا يَصْلُح لِرَجُلٍ ) ‏ ‏: قَالَ اِبْن رَسْلَان : هَذَا مَحْمُول عِنْد أَهْل الْعِلْم عَلَى حَمْل السِّلَاح لِغَيْرِ ضَرُورَة وَلَا حَاجَة فَإِنْ كَانَتْ حَاجَة جَازَ ‏ ‏( وَلَا يَصْلُح أَنْ يُقْطَع ) ‏ ‏: اُسْتُدِلَّ بِهَذَا وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة عَلَى تَحْرِيم شَجَرهَا وَخَبَطه وَعَضْدِهِ وَتَحْرِيم صَيْدهَا وَتَنْفِيره.
الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَحْمَد وَجُمْهُور أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ لِلْمَدِينَةِ حَرَمًا كَحَرَمِ مَكَّة يَحْرُم صَيْده وَشَجَره.
قَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك : فَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا أَوْ قَطَعَ شَجَرًا فَلَا ضَمَان لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلنُّسُكِ فَأَشْبَهَ الْحِمَى.
وَقَالَ اِبْن أَبِي ذِئْب وَابْن أَبِي لَيْلَى يَجِب فِيهِ الْجَزَاء كَحَرَمِ مَكَّة , وَبِهِ قَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة وَهُوَ ظَاهِر قَوْله كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيم مَكَّة.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة وَغَيْره إِلَى أَنَّ حَرَم الْمَدِينَة لَيْسَ بِحَرَمٍ عَلَى الْحَقِيقَة وَلَا تَثْبُت لَهُ الْأَحْكَام مِنْ تَحْرِيم قَتْل الصَّيْد وَقَطْع الشَّجَر , وَالْأَحَادِيث تَرُدّ عَلَيْهِمْ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ " يَا أَبَا عُمَيْر مَا فَعَلَ النُّغَيْر " وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْل تَحْرِيم الْمَدِينَة أَوْ أَنَّهُ مِنْ صَيْد الْحِلّ ‏ ‏( إِلَّا أَنْ يَعْلِف ) ‏ ‏: مِنْ بَاب ضَرَبَ وَالْعَلَف بِفَتْحِ الْعَيْن وَاللَّام اِسْم الْحَشِيش أَيْ مَا تَأْكُلهُ الدَّابَّة وَبِسُكُونِ اللَّام مَصْدَر عَلَفْت عَلْفًا.
وَفِيهِ جَوَاز أَخْذ أَوْرَاق الشَّجَر لِلْعَلَفِ لَا لِغَيْرِهِ.
‏ ‏وَالْحَدِيث سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ.


حديث المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏سُفْيَانُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْأَعْمَشِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَلِيٍّ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏مَا كَتَبْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِلَّا الْقُرْآنَ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏الْمَدِينَةُ ‏ ‏حَرَامٌ مَا بَيْنَ ‏ ‏عَائِرَ ‏ ‏إِلَى ‏ ‏ثَوْرٍ ‏ ‏فَمَنْ أَحْدَثَ ‏ ‏حَدَثًا ‏ ‏أَوْ ‏ ‏آوَى ‏ ‏مُحْدِثًا ‏ ‏فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ‏ ‏عَدْلٌ ‏ ‏وَلَا ‏ ‏صَرْفٌ ‏ ‏وَذِمَّةُ ‏ ‏الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ ‏ ‏يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ ‏ ‏أَخْفَرَ ‏ ‏مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ‏ ‏عَدْلٌ ‏ ‏وَلَا ‏ ‏صَرْفٌ ‏ ‏وَمَنْ ‏ ‏وَالَى ‏ ‏قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ‏ ‏عَدْلٌ ‏ ‏وَلَا ‏ ‏صَرْفٌ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏ابْنُ الْمُثَنَّى ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ الصَّمَدِ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏هَمَّامٌ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏قَتَادَةُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي حَسَّانَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَلِيٍّ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ لَا ‏ ‏يُخْتَلَى ‏ ‏خَلَاهَا ‏ ‏وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ ‏ ‏لُقَطَتُهَا ‏ ‏إِلَّا لِمَنْ ‏ ‏أَشَادَ ‏ ‏بِهَا وَلَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلَاحَ لِقِتَالٍ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ إِلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن أبي داود

حمى كل ناحية من المدينة بريدا بريدا

عن عدي بن زيد، قال: " حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريدا بريدا: لا يخبط شجره، ولا يعضد، إلا ما يساق به الجمل "

من أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه ثيابه

عن سليمان بن أبي عبد الله، قال: رأيت سعد بن أبي وقاص، أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلبه ثيابه، فجاء مواليه فكل...

نهى أن يقطع من شجر المدينة شيء

عن صالح، مولى التوأمة، عن مولى، لسعد، أن سعدا، وجد عبيدا من عبيد المدينة يقطعون من شجر المدينة فأخذ متاعهم، وقال: يعني لمواليهم، سمعت رسول الله صلى ال...

لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله ﷺ

عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يهش هشا رفيقا»

كان يأتي قباء ماشيا وراكبا

عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان يأتي قباء ماشيا وراكبا».<br> زاد ابن نمير ويصلي ركعتين

ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عل...

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام»

لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»

لما جئنا قبور الشهداء قال هذه قبور إخواننا

عن ربيعة يعني ابن الهدير، قال: ما سمعت طلحة بن عبيد الله، يحدث، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا قط غير حديث واحد، قال: قلت: وما هو؟ قال: خرجنا...

أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها

عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها».<br> فكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك