684- عن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق التفت، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن امكث مكانك»، فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه، فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى، فلما انصرف قال: «يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك» فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق، من رابه شيء في صلاته، فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء»
أخرجه مسلم في الصلاة باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام رقم 421
(فحانت) دخل حينها وهو الوقت.
(أبي قحافة) كنية أبيه واسمه عثمان بن عامر.
(بين يدي) قدامه إماما له.
(رابه) أصبح في شك وفي نسخة (نابه) أي أصابه.
(فليسبح) فليقل سبحان الله.
(التصفيق للنساء) أي إذا رابهن شيء في الصلاة فيصربن باليد اليمنى على ظهر اليسرى
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْد ) فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حَازِم " سَمِعْت سَهْلًا ".
قَوْله : ( ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرو بْن عَوْف ) أَيْ اِبْن مَالِك بْن الْأَوْس , وَالْأَوْس أَحَدُ قَبِيلَتَيْ الْأَنْصَار وَهُمَا الْأَوْس وَالْخَزْرَج , وَبَنُو عَمْرو بْن عَوْف بَطْن كَبِير مِنْ الْأَوْس فِيهِ عِدَّة أَحْيَاء كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ بِقُبَاءَ , مِنْهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ بْن زَيْد بْن مَالِك بْن عَوْف بْن عَمْرو بْن عَوْف وَبَنُو ضُبَيْعَةَ بْن زَيْد وَبَنُو ثَعْلَبَةَ بْن عَمْرو بْن عَوْف , وَالسَّبَب فِي ذَهَابه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ مَا فِي رِوَايَة سُفْيَان الْمَذْكُورَة قَالَ " وَقَعَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنْ الْأَنْصَار كَلَام " وَلِلْمُؤَلِّفِ فِي الصُّلْح مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن جَعْفَر عَنْ أَبِي حَازِم " أَنَّ أَهْل قُبَاءَ اِقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ , فَأُخْبِرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , فَقَالَ : اِذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ " وَلَهُ فِيهِ مِنْ رِوَايَة أَبِي غَسَّانَ عَنْ أَبِي حَازِم " فَخَرَجَ فِي أُنَاس مِنْ أَصْحَابه " وَسَمَّى الطَّبَرَانِيُّ مِنْهُمْ مِنْ طَرِيق مُوسَى بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِي حَازِم أُبَيَّ بْنَ كَعْب وَسُهَيْلَ بْن بَيْضَاء , وَلِلْمُؤَلِّفِ فِي الْأَحْكَام مِنْ طَرِيق حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَبِي حَازِم أَنَّ تَوَجُّهَهُ كَانَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْر , وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيق عُمَر بْن عَلِيّ عَنْ أَبِي حَازِم أَنَّ الْخَبَر جَاءَ بِذَلِكَ وَقَدْ أَذَّنَ بِلَال لِصَلَاةِ الظُّهْر.
قَوْله : ( فَحَانَتْ الصَّلَاة ) أَيْ صَلَاة الْعَصْر , وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَحْكَام وَلَفْظه " فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلَاة الْعَصْر أَذَّنَ وَأَقَامَ وَأَمَرَ أَبَا بَكْر فَتَقَدَّمَ " وَلَمْ يُسَمَّ فَاعِلُ ذَلِكَ , وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ وَابْن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَة حَمَّاد الْمَذْكُورَة فَبَيَّنَ الْفَاعِل وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَفْظه " فَقَالَ لِبِلَالٍ إِنْ حَضَرَتْ الْعَصْر وَلَمْ آتِك فَمُرْ أَبَا بَكْر فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ , فَلَمَّا حَضَرَتْ الْعَصْر أَذَّنَ بِلَال ثُمَّ أَقَامَ ثُمَّ أَمَرَ أَبَا بَكْر فَتَقَدَّمَ " وَنَحْوه لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَة مُوسَى بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِي حَازِم , وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الْمُؤَذِّن بِلَال.
وَأَمَّا قَوْله لِأَبِي بَكْر " أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ " فَلَا يُخَالِف مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اِسْتَفْهَمَهُ هَلْ يُبَادِر أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ يَنْتَظِرُ قَلِيلًا لِيَأْتِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَرُجِّحَ عِنْدَ أَبِي بَكْر الْمُبَادَرَة لِأَنَّهَا فَضِيلَةٌ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَا تُتْرَك لِفَضِيلَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ.
قَوْله : ( أُقِيمَ ) بِالنَّصْبِ وَيَجُوزُ الرَّفْع.
قَوْله : ( قَالَ نَعَمْ ) زَادَ فِي رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي حَازِم عَنْ أَبِيهِ " إِنْ شِئْت " وَهُوَ فِي " بَاب رَفْع الْأَيْدِي " عِنْدَ الْمُؤَلِّف , وَإِنَّمَا فُوِّضَ ذَلِكَ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون عِنْدَهُ زِيَادَة عِلْم مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ.
قَوْله : ( فَصَلَّى أَبُو بَكْر ) أَيْ دَخَلَ فِي الصَّلَاة , وَلَفْظ عَبْد الْعَزِيز الْمَذْكُور " وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْر فَكَبَّرَ " وَفِي رِوَايَة الْمَسْعُودِيّ عَنْ أَبِي حَازِم " فَاسْتَفْتَحَ أَبُو بَكْر الصَّلَاة " وَهِيَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ , وَبِهَذَا يُجَاب عَنْ الْفَرْق بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ حَيْثُ اِمْتَنَعَ أَبُو بَكْر هُنَا أَنْ يَسْتَمِرّ إِمَامًا وَحَيْثُ اِسْتَمَرَّ فِي مَرَض مَوْته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى خَلْفَهُ الرَّكْعَة الثَّانِيَة مِنْ الصُّبْح كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُوسَى بْن عُقْبَة فِي الْمَغَازِي , فَكَأَنَّهُ لَمَّا أَنْ مَضَى مُعْظَم الصَّلَاة حَسُنَ الِاسْتِمْرَار وَلَمَّا أَنْ لَمْ يَمْضِ مِنْهَا إِلَّا الْيَسِيرُ لَمْ يَسْتَمِرَّ.
وَكَذَا وَقَعَ لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْن عَوْف حَيْثُ صَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ الرَّكْعَة الثَّانِيَة مِنْ الصُّبْح فَإِنَّهُ اِسْتَمَرَّ فِي صَلَاته إِمَامًا لِهَذَا الْمَعْنَى , وَقِصَّة عَبْد الرَّحْمَن عِنْدَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة.
قَوْله : ( فَتَخَلَّصَ ) فِي رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز " فَجَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فِي الصُّفُوف يَشُقّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ الْأَوَّل " وَلِمُسْلِمٍ " فَخَرَقَ الصُّفُوفَ حَتَّى قَامَ عِنْدَ الصَّفِّ الْمُتَقَدِّمِ ".
قَوْله : ( فَصَفَّقَ النَّاس ) فِي رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز " فَأَخَذَ النَّاس فِي التَّصْفِيحِ.
قَالَ سَهْل : أَتَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ ؟ هُوَ التَّصْفِيقُ ".
اِنْتَهَى.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَرَادُفِهِمَا عِنْدَهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ , وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ فِي بَاب مُفْرَد.
قَوْله : ( وَكَانَ أَبُو بَكْر لَا يَلْتَفِت ) قِيلَ كَانَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ اِخْتِلَاس يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَان مِنْ صَلَاة الْعَبْد كَمَا سَيَأْتِي فِي بَاب مُفْرَد فِي صِفَة الصَّلَاة " فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاس التَّصْفِيق " فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد " فَلَمَّا رَأَى التَّصْفِيح لَا يُمْسَكُ عَنْهُ اِلْتَفَتَ ".
قَوْله : ( فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ اُمْكُثْ مَكَانَك ) فِي رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز " فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرهُ أَنْ يُصَلِّيَ " وَفِي رِوَايَة عُمَر بْن عَلِيّ " فَدَفَعَ فِي صَدْره لِيَتَقَدَّمَ فَأَبَى ".
قَوْله : ( فَرَفَعَ أَبُو بَكْر يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّه ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْحَمْدِ , لَكِنْ فِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ " فَرَفَعَ أَبُو بَكْر رَأْسه إِلَى السَّمَاء شُكْرًا لِلَّهِ وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى " وَادَّعَى اِبْن الْجَوْزِيّ أَنَّهُ أَشَارَ بِالشُّكْرِ وَالْحَمْدِ بِيَدِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّم , وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيِّ مَا يَمْنَع أَنْ يَكُون تَلَفَّظَ , وَيُقَوِّي ذَلِكَ مَا عِنْدَ أَحْمَد مِنْ رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز الْمَاجِشُونِ عَنْ أَبِي حَازِم " يَا أَبَا بَكْر لِمَ رَفَعْت يَدَيْك وَمَا مَنَعَك أَنْ تَثْبُتَ حِينَ أَشَرْت إِلَيْك ؟ قَالَ : رَفَعْت يَدَيَّ لِأَنِّي حَمِدْت اللَّهَ عَلَى مَا رَأَيْت مِنْك " زَادَ الْمَسْعُودِيّ " فَلَمَّا تَنَحَّى تَقَدَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد.
قَوْله : ( أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي رِوَايَة الْحَمَّادَيْنِ وَالْمَاجِشُون " أَنْ يَؤُمَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
قَوْله : ( أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيق ) ظَاهِره أَنَّ الْإِنْكَار إِنَّمَا حَصَلَ عَلَيْهِمْ لِكَثْرَتِهِ لَا لِمُطْلَقِهِ , وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ.
قَوْله : ( مَنْ نَابَهُ ) أَيْ أَصَابَهُ.
قَوْله : ( فَلْيُسَبِّحْ ) فِي رِوَايَة يَعْقُوبَ بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِي حَازِم " فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّه " وَسَيَأْتِي فِي بَاب الْإِشَارَة فِي الصَّلَاة.
قَوْله : ( اُلْتُفِتَ إِلَيْهِ ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاة عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ , وَفِي رِوَايَة يَعْقُوب الْمَذْكُورَة " فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُول سُبْحَان اللَّه إِلَّا اِلْتَفَتَ ".
قَوْله : ( وَإِنَّمَا التَّصْفِيق لِلنِّسَاءِ ) فِي رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز " وَإِنَّمَا التَّصْفِيح لِلنِّسَاءِ " زَادَ الْحُمَيْدِيُّ " وَالتَّسْبِيح لِلرِّجَالِ " وَقَدْ رَوَى الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْجُمْلَة الْأَخِيرَة مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا مِنْ رِوَايَة الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَازِم كَمَا سَيَأْتِي فِي " بَاب التَّصْفِيق لِلنِّسَاءِ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد بِصِيغَةِ الْأَمْر وَلَفْظه " إِذَا نَابَكُمْ أَمْر فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَال وَلْيُصَفِّحْ النِّسَاء ".
وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَضْل الْإِصْلَاح بَيْنَ النَّاس وَجَمْعِ كَلِمَة الْقَبِيلَة وَحَسْم مَادَّة الْقَطِيعَة , وَتَوَجُّه الْإِمَام بِنَفْسِهِ إِلَى بَعْض رَعِيَّته لِذَلِكَ , وَتَقْدِيم مِثْل ذَلِكَ عَلَى مَصْلَحَة الْإِمَامَة بِنَفْسِهِ.
وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ تَوَجُّهُ الْحَاكِم لِسَمَاعِ دَعْوَى بَعْض الْخُصُوم إِذَا رَجَحَ ذَلِكَ عَلَى اِسْتِحْضَارهمْ.
وَفِيهِ جَوَاز الصَّلَاة الْوَاحِدَة بِإِمَامَيْنِ أَحَدهمَا بَعْدَ الْآخَرِ , وَأَنَّ الْإِمَام الرَّاتِب إِذَا غَابَ يَسْتَخْلِف غَيْرَهُ , وَأَنَّهُ إِذَا حَضَرَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ نَائِبه فِي الصَّلَاة يَتَخَيَّر بَيْنَ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ أَوْ يَؤُمَّ هُوَ وَيَصِير النَّائِب مَأْمُومًا مِنْ غَيْر أَنْ يَقْطَع الصَّلَاة , وَلَا يُبْطِلُ شَيْء مِنْ ذَلِكَ صَلَاة أَحَدٍ مِنْ الْمَأْمُومِينَ.
وَادَّعَى اِبْن عَبْد الْبَرّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِص النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَادَّعَى الْإِجْمَاع عَلَى عَدَم جَوَاز ذَلِكَ لِغَيْرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنُوقِضَ بِأَنَّ الْخِلَافَ ثَابِت , فَالصَّحِيح الْمَشْهُور عِنْدَ الشَّافِعِيَّة الْجَوَاز , وَعَنْ اِبْن الْقَاسِم فِي الْإِمَام يُحَدِّثُ فَيَسْتَخْلِفُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَخْرُجُ الْمُسْتَخْلِف وَيُتِمّ الْأَوَّل أَنَّ الصَّلَاة صَحِيحَة , وَفِيهِ جَوَاز إِحْرَام الْمَأْمُوم قَبْلَ الْإِمَام , وَأَنَّ الْمَرْء قَدْ يَكُون فِي بَعْض صَلَاته إِمَامًا وَفِي بَعْضهَا مَأْمُومًا , وَأَنَّ مَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاة جَازَ لَهُ الدُّخُول مَعَ الْجَمَاعَة مِنْ غَيْر قَطْعٍ لِصَلَاتِهِ , كَذَا اِسْتَنْبَطَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّة , وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ لَازِم جَوَاز إِحْرَام الْإِمَام بَعْدَ الْمَأْمُوم كَمَا ذَكَرْنَا , وَفِيهِ فَضْل أَبِي بَكْر عَلَى جَمِيع الصَّحَابَة.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ جَمْعٌ مِنْ الشُّرَّاح وَمِنْ الْفُقَهَاء كَالرُّويَانِيِّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْر كَانَ عِنْدَ الصَّحَابَة أَفْضَلَهُمْ لِكَوْنِهِمْ اِخْتَارُوهُ دُونَ غَيْره , وَعَلَى جَوَاز تَقْدِيم النَّاس لِأَنْفُسِهِمْ إِذَا غَابَ إِمَامُهُمْ , قَالُوا : وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَة وَالْإِنْكَار مِنْ الْإِمَام , وَأَنَّ الَّذِي يَتَقَدَّم نِيَابَة عَنْ الْإِمَام يَكُون أَصْلَحَهُمْ لِذَلِكَ الْأَمْر وَأَقْوَمَهُمْ بِهِ , وَأَنَّ الْمُؤَذِّن وَغَيْرَهُ يَعْرِض التَّقَدُّم عَلَى الْفَاضِل وَأَنَّ الْفَاضِل يُوَافِقهُ بَعْدَ أَنْ يَعْلَم أَنَّ ذَلِكَ بِرِضَا الْجَمَاعَة ا ه.
وَكُلّ ذَلِكَ مَبْنِيّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَة فَعَلُوا ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ , وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِيهِ أَنَّ الْإِقَامَة وَاسْتِدْعَاء الْإِمَام مِنْ وَظِيفَة الْمُؤَذِّن , وَأَنَّهُ لَا يُقِيم إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَام , وَأَنَّ فِعْل الصَّلَاة - لَا سِيَّمَا الْعَصْر - فِي أَوَّل الْوَقْت مُقَدَّم عَلَى اِنْتِظَار الْإِمَام الْأَفْضَل , وَفِيهِ جَوَاز التَّسْبِيح وَالْحَمْد فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ مِنْ ذِكْر اللَّه وَلَوْ كَانَ مُرَاد الْمُسَبِّح إِعْلَامَ غَيْره بِمَا صَدَرَ مِنْهُ , وَسَيَأْتِي فِي بَاب مُفْرَد , وَفِيهِ رَفْع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة عِنْدَ الدُّعَاء وَالثَّنَاء وَسَيَأْتِي كَذَلِكَ , وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب حَمْدِ اللَّه لِمَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ وَلَوْ كَانَ فِي الصَّلَاة , وَفِيهِ جَوَاز الِالْتِفَات لِلْحَاجَةِ وَأَنَّ مُخَاطَبَةَ الْمُصَلِّي بِالْإِشَارَةِ أَوْلَى مِنْ مُخَاطَبَته بِالْعِبَارَةِ.
وَأَنَّهَا تَقُوم مَقَامَ النُّطْقِ لِمُعَاتَبَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر عَلَى مُخَالَفَة إِشَارَته.
وَفِيهِ جَوَاز شَقِّ الصُّفُوف وَالْمَشْي بَيْنَ الْمُصَلِّينَ لِقَصْدِ الْوُصُول إِلَى الصَّفّ الْأَوَّل لَكِنَّهُ مَقْصُور عَلَى مَنْ يَلِيق ذَلِكَ بِهِ كَالْإِمَامِ أَوْ مَنْ كَانَ بِصَدَدِ أَنْ يَحْتَاجَ الْإِمَام إِلَى اِسْتِخْلَافه أَوْ مَنْ أَرَادَ سَدَّ فُرْجَةٍ فِي الصَّفّ الْأَوَّل أَوْ مَا يَلِيهِ مَعَ تَرْكِ مَنْ يَلِيهِ سَدّهَا وَلَا يَكُون ذَلِكَ مَعْدُودًا مِنْ الْأَذَى.
قَالَ الْمُهَلَّبُ : لَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ التَّخَطِّي , لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ كَغَيْرِهِ فِي أَمْر الصَّلَاة وَلَا غَيْرهَا , لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَقَدَّم بِسَبَبِ مَا يَنْزِل عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَام , وَأَطَالَ فِي تَقْرِير ذَلِكَ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْخَصَائِص , وَقَدْ أَشَارَ هُوَ إِلَى الْمُعْتَمَد فِي ذَلِكَ فَقَالَ : لَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْء مِنْ الْأَذَى وَالْجَفَاء الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ التَّخَطِّي , وَلَيْسَ كَمَنْ شَقَّ الصُّفُوف وَالنَّاس جُلُوس لِمَا فِيهِ مِنْ تَخَطِّي رِقَابهمْ.
وَفِيهِ كَرَاهِيَة التَّصْفِيق فِي الصَّلَاة وَسَيَأْتِي فِي بَاب مُفْرَد , وَفِيهِ الْحَمْد وَالشُّكْر عَلَى الْوَجَاهَة فِي الدِّين وَأَنَّ مَنْ أُكْرِمَ بِكَرَامَةٍ يَتَخَيَّر بَيْنَ الْقَبُول وَالتَّرْك إِذَا فَهِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْر عَلَى غَيْر جِهَة اللُّزُوم وَكَأَنَّ الْقَرِينَة الَّتِي بَيَّنَتْ لِأَبِي بَكْر ذَلِكَ هِيَ كَوْنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقَّ الصُّفُوف إِلَى أَنْ اِنْتَهَى إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُرَاده أَنْ يَؤُمَّ النَّاس , وَأَنَّ أَمْره إِيَّاهُ بِالِاسْتِمْرَارِ فِي الْإِمَامَة مِنْ بَاب الْإِكْرَام لَهُ وَالتَّنْوِيه بِقَدْرِهِ , فَسَلَكَ هُوَ طَرِيق الْأَدَب وَالتَّوَاضُع.
وَرَجَّحَ ذَلِكَ عِنْدَهُ اِحْتِمَال نُزُول الْوَحْي فِي حَال الصَّلَاة لِتَغْيِيرِ حُكْم مِنْ أَحْكَامهَا , وَكَأَنَّهُ لِأَجْلِ هَذَا لَمْ يَتَعَقَّبْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتِذَاره بِرَدٍّ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ جَوَاز إِمَامَة الْمَفْضُول لِلْفَاضِلِ , وَفِيهِ سُؤَال الرَّئِيس عَنْ سَبَب مُخَالَفَة أَمْرِهِ قَبْلَ الزَّجْر عَنْ ذَلِكَ , وَفِيهِ إِكْرَام الْكَبِير بِمُخَاطَبَتِهِ بِالْكُنْيَةِ , وَاعْتِمَاد ذِكْر الرَّجُل لِنَفْسِهِ بِمَا يُشْعِر بِالتَّوَاضُعِ مِنْ جِهَة اِسْتِعْمَال أَبِي بَكْر خِطَاب الْغَيْبَة مَكَانَ الْحُضُور.
إِذْ كَانَ حَدُّ الْكَلَام أَنْ يَقُول أَبُو بَكْر : مَا كَانَ لِي , فَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى قَوْله : مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَة , لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى التَّوَاضُع مِنْ الْأَوَّل , وَفِيهِ جَوَاز الْعَمَل الْقَلِيل فِي الصَّلَاة لِتَأَخُّرِ أَبِي بَكْر عَنْ مَقَامِهِ إِلَى الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ , وَأَنَّ مَنْ اِحْتَاجَ إِلَى مِثْل ذَلِكَ يَرْجِع الْقَهْقَرَى وَلَا يَسْتَدْبِر الْقِبْلَةَ وَلَا يَنْحَرِف عَنْهَا.
وَاسْتَنْبَطَ اِبْن عَبْد الْبَرّ مِنْهُ جَوَاز الْفَتْح عَلَى الْإِمَام , لِأَنَّ التَّسْبِيح إِذَا جَازَ جَازَتْ التِّلَاوَة مِنْ بَاب الْأَوْلَى , وَاللَّهُ أَعْلَم.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ امْكُثْ مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ
عن مالك بن الحويرث، قال: قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة، فلبثنا عنده نحوا من عشرين ليلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيما فقال: «لو ر...
عن عتبان بن مالك الأنصاري، قال: استأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فأذنت له فقال: «أين تحب أن أصلي من بيتك؟» فأشرت له إلى المكان الذي أحب، فقام وصففنا خ...
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى، ثقل النبي صلى الله عليه وسلم ف...
عن عائشة أم المؤمنين، أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك، فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف...
عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا، فصرع عنه فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، فصلينا وراءه قعودا، فلما انصرف قال:...
عن البراء - وهو غير كذوب -، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده، لم يحن أحد منا ظهره، حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم...
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أما يخشى أحدكم - أو: لا يخشى أحدكم - إذا رفع رأسه قبل الإمام، أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الل...
عن عبد الله بن عمر، قال: «لما قدم المهاجرون الأولون العصبة - موضع بقباء - قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أك...
عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل حبشي كأن رأسه زبيبة»