949- عن عائشة، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، ودخل أبو بكر، فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال: «دعهما»، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، 950 - وكان يوم عيد، يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم، وإما قال: «تشتهين تنظرين؟» فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: «دونكم يا بني أرفدة» حتى إذا مللت، قال: «حسبك؟» قلت: نعم، قال: «فاذهبي»
أخرجه مسلم في العيدين باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه رقم 829
(جاريتان) مثنى جارية وهي الأنثى دون البلوغ.
(تغنيان بغناء بعاث) تنشدان وترفعان أصواتهما بما قاله العرب في يوم بعاث وهو حصن وقع عنده مقتلة عظيمة بين الأوس والخزرج في الجاهلية.
(فانتهرني) زجرني وأنبني.
(مزمارة الشيطان) يعني الضرب على الدف والغناء مشتق من الزمير وهو صوت الذي له صفير وأضيف إلى الشيطان لأنه يلهي عن ذكر الله عز وجل وهذا من عمل الشيطان.
(غمزتهما) من الغمز وهو الإشارة بالعين أو الحاجب أو اليد.
(بالدرق) جمع درقة وهي الترس.
(الحراب) جمع حربة وهي رمح صغير عريض النصل.
(خده على خدي) أي وضعت رأسها على كتفه بحيث التصق خدها بخده.
(دونكم) تابعوا اللعب.
(بني أرفدة) لقب للحبشة أو اسم أبيهم الأكبر
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( حَدَّثَنَا أَحْمَد ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ غَيْر مَنْسُوب , وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَابْن عَسَاكِر " حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ عِيسَى " وَبِهِ جَزَمَ أَبُو نُعَيْم فِي اَلْمُسْتَخْرَجِ , وَوَقْع فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيّ بْن شَبُّويَةَ " حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن صَالِح " وَهُوَ مُقْتَضَى إِطْلَاق أَبِي عَلِيّ بْن اَلسَّكَنِ حَيْثُ قَالَ : كُلُّ مَا فِي اَلْبُخَارِيِّ " حَدَّثَنَا أَحْمَد " غَيْر مَنْسُوبٍ فَهُوَ اِبْن صَالِح.
قَوْله : ( أَخْبَرَنَا عَمْرو ) هُوَ اِبْن اَلْحَارِث اَلْمِصْرِيُّ , وَشَطْر هَذَا اَلْإِسْنَادِ اَلْأَوَّلِ مِصْرِيُّونَ وَالثَّانِي مَدَنِيُّونَ.
قَوْله : ( دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) زَاد فِي رِوَايَة اَلزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة " فِي أَيَّامِ مِنًى " وَسَيَأْتِي بَعْدَ ثَلَاثَة وَعِشْرِينَ بَابًا.
قَوْله : ( جَارِيَتَانِ ) زَاد فِي اَلْبَابِ اَلَّذِي بَعْدَهُ " مِنْ جَوَارِي اَلْأَنْصَار " وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ إِحْدَاهُمَا كَانَتْ لِحَسَّان بْن ثَابِت , وَفِي اَلْأَرْبَعِينَ لِلسُّلَمِيِّ أَنَّهُمَا كَانَتَا لِعَبْد اَللَّه بْن سَلَام , وَفِي اَلْعِيدَيْنِ لِابْن أَبِي اَلدُّنْيَا مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحٍ عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة " وَحَمَامَة وَصَاحِبَتهَا تُغَنِّيَانِ " وَإِسْنَاده صَحِيح , وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ اَلْأُخْرَى , لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اِسْمُ اَلثَّانِيَةِ زَيْنَب وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَاب اَلنِّكَاح , وَلَمْ يَذْكُرْ حَمَامَة اَلَّذِينَ صَنَّفُوا فِي اَلصَّحَابَةِ وَهِيَ عَلَى شَرْطِهِمْ.
قَوْله : ( تُغَنِّيَانِ ) زَاد فِي رِوَايَة اَلزُّهْرِيّ " تُدَفِّفَانِ " بِفَاءَيْنِ أَيْ تَضْرِبَانِ بِالدُّفِّ , وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ هِشَام أَيْضًا " تُغَنِّيَانِ بِدُفٍّ " وَلِلنَّسَائِيِّ " بِدُفَّيْنِ " وَالدُّفُّ بِضَمِّ اَلدَّالِ عَلَى اَلْأَشْهَرِ وَقَدْ تُفْتَحُ , وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا اَلْكِرْبَال بِكَسْرِ اَلْكَافِ وَهُوَ اَلَّذِي لَا جَلَاجِلَ فِيهِ , فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ فَهُوَ اَلْمِزْهَرُ , وَفِي حَدِيثِ اَلْبَابِ اَلَّذِي بَعْدَهُ " بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ اَلْأَنْصَار يَوْم بُعَاثٍ " أَيْ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ مِنْ فَخْرٍ أَوْ هِجَاء , وَلِلْمُصَنِّفِ فِي اَلْهِجْرَةِ " بِمَا تَعَازَفَتْ " بِمُهْمَلَة وَزَاي وَفَاء مِنْ اَلْعَزْفِ وَهُوَ اَلصَّوْتُ اَلَّذِي لَهُ دَوِيّ , وَفِي رِوَايَة " تَقَاذَفَتْ " بِقَافٍ بَدَل اَلْعَيْن وَذَال مُعْجَمَة بَدَل اَلزَّاي وَهُوَ مِنْ اَلْقَذْفِ وَهُوَ هِجَاءُ بَعْضِهِمْ لِبَعْض , وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّاد اِبْن سَلَمَةَ عَنْ هِشَام يَذْكُرُ أَنَّ يَوْم بُعَاث يَوْمَ قُتِلَ فِيهِ صَنَادِيد اَلْأَوْس وَالْخَزْرَج ا ه.
وَبُعَاثٌ بِضَمِّ اَلْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا مُهْمَلَة وَآخِره مُثَلَّثَة قَالَ عِيَاض وَمَنْ تَبِعَهُ : أَعْجَمَهَا أَبُو عُبَيْدَة وَحْدَهُ , وَقَالَ اِبْن اَلْأَثِيرِ فِي اَلْكَامِلِ : أَعْجَمَهَا صَاحِب اَلْعَيْنِ يَعْنِي اَلْخَلِيلَ وَحْدَهُ , وَكَذَا حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ اَلْبَكْرِيّ فِي مُعْجَمِ اَلْبُلْدَانِ عَنْ اَلْخَلِيلِ , وَجَزَمَ أَبُو مُوسَى فِي ذَيْلِ اَلْغَرِيبِ بِأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ اَلنِّهَايَةِ , قَالَ اَلْبَكْرِيّ : هُوَ مَوْضِعٌ مِنْ اَلْمَدِينَةِ عَلَى لَيْلَتَيْنِ , وَقَالَ أَبُو مُوسَى وَصَاحِب اَلْهِدَايَةِ : هُوَ اِسْم حِصْن لِلْأَوْسِ , وَفِي كِتَابِ أَبِي اَلْفَرَج اَلْأَصْفَهَانِيّ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي قَيْس بْن اَلْأَسْلَتِ : هُوَ مَوْضِعٌ فِي دَار بَنِي قُرَيْظَة فِيهِ أَمْوَال لَهُمْ , وَكَانَ مَوْضِع اَلْوَقْعَةِ فِي مَزْرَعَةٍ لَهُمْ هُنَاكَ.
وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ اَلْقَوْلَيْنِ.
وَقَالَ صَاحِب اَلْمَطَالِعِ : اَلْأَشْهَرُ فِيهِ تَرْكُ اَلصَّرْف.
قَالَ اَلْخَطَّابِيّ : يَوْم بُعَاثٍ يَوْم مَشْهُور مِنْ أَيَّامِ اَلْعَرَبِ كَانَتْ فِيهِ مَقْتَلَة عَظِيمَة لِلْأَوْسِ عَلَى اَلْخَزْرَج , وَبَقِيَتْ اَلْحَرْبُ قَائِمَة مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً إِلَى اَلْإِسْلَامِ عَلَى مَا ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق وَغَيْره.
قُلْت : تَبِعَهُ عَلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ شُرَّاح اَلصَّحِيحَيْنِ , وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ اَلْحَرْبَ اَلَّتِي وَقَعَتْ يَوْمَ بُعَاثٍ دَامَتْ هَذِهِ اَلْمُدَّة , وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَسَيَأْتِي فِي أَوَائِل اَلْهِجْرَةِ قَوْل عَائِشَة " كَانَ يَوْم بُعَاث يَوْمًا قَدَّمَهُ اَللَّهُ لِرَسُولِهِ فَقَدِمَ اَلْمَدِينَةَ وَقَدْ اِفْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ وَقُتِلَتْ سُرَاتُهُمْ " وَكَذَا ذَكَرَهُ اِبْن إِسْحَاق وَالْوَاقِدِيُّ وَغَيْرهمَا مِنْ أَصْحَابِ اَلْأَخْبَارِ , وَقَدْ رَوَى اِبْن سَعْد بِأَسَانِيدِهِ أَنَّ اَلنَّفَرَ اَلسِّتَّةَ أَوْ اَلثَّمَانِيَة اَلَّذِينَ لَقُوا اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى أَوَّل مَنْ لَقِيَهُ مِنْ اَلْأَنْصَارِ - وَكَانُوا قَدْ قَدِمُوا إِلَى مَكَّةَ لِيُحَالِفُوا قُرَيْشًا - كَانَ فِي جُمْلَةِ مَا قَالُوهُ لَهُ لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَى اَلْإِسْلَامِ وَالنَّصْرُ لَهُ : وَاعْلَمْ أَنَّمَا كَانَتْ وَقْعَة بُعَاثٍ عَام اَلْأَوَّل , فَمَوْعِدك اَلْمَوْسِم اَلْقَابِل , فَقَدِمُوا فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي تَلِيهَا فَبَايَعُوهُ , وَهِيَ اَلْبَيْعَةُ اَلْأُولَى , ثُمَّ قَدِمُوا اَلثَّانِيَة فَبَايَعُوهُ وَهُمْ سَبْعُونَ نَفْسًا , وَهَاجَرَ اَلنَّبِيّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَائِل اَلَّتِي تَلِيهَا.
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ وَقْعَة بُعَاثٍ كَانَتْ قَبْلَ اَلْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ , وَهُوَ اَلْمُعْتَمَدُ , وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ اِبْن عَبْد اَلْبَرّ فِي تَرْجَمَةِ زِيدِ اِبْن ثَابِت مِنْ اَلِاسْتِيعَابِ : إِنَّهُ كَانَ يَوْم بُعَاث اِبْن سِتِّ سِنِينَ , وَحِينَ قَدِمَ اَلنَّبِيّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اِبْنَ إِحْدَى عَشْرَة , فَيَكُونُ يَوْم بُعَاث قَبْلَ اَلْهِجْرَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ.
نَعَمْ دَامَتْ اَلْحَرْبُ بَيْنَ اَلْحَيَّيْنِ اَلْأَوْس وَالْخَزْرَج اَلْمُدَّة اَلَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ شَهِيرَة , وَكَانَ أَوَّلهَا فِيمَا ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق وَهِشَام بْن اَلْكَلْبِيّ وَغَيْرهمَا أَنَّ اَلْأَوْس وَالْخَزْرَج لَمَّا نَزَلُوا اَلْمَدِينَةَ وَجَدُوا اَلْيَهُودَ مُسْتَوْطِنِينَ بِهَا فَحَالَفُوهُمْ وَكَانُوا تَحْتَ قَهْرِهِمْ , ثُمَّ غَلَبُوا عَلَى اَلْيَهُودِ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ بِمُسَاعَدَةِ أَبِي جَبَلَة مَلِك غَسَّان , فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى اِتِّفَاقٍ بَيْنَهُمْ حَتَّى كَانَتْ أَوَّلَ حَرْبٍ وَقَعَتْ بَيْنَهُمْ حَرْب سُمَيْر - بِالْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا - بِسَبَبِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ كَعْب مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ نَزَلَ عَلَى مَالِكِ اِبْنِ عَجْلَانَ اَلْخَزْرَجِيّ فَحَالَفَهُ , فَقَتَلَه رَجُل مِنْ اَلْأَوْس يُقَالُ لَهُ سُمَيْر فَكَانَ ذَلِكَ سَبَب اَلْحَرْبِ بَيْنَ اَلْحَيَّيْنِ , ثُمَّ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَقَائِع مِنْ أَشْهَرِهَا يَوْم اَلسَّرَارَة بِمُهْمَلَاتٍ , وَيَوْم فَارِعٍ بِفَاء وَمُهْمَلَة , وَيَوْم اَلْفِجَار اَلْأَوَّل وَالثَّانِي , وَحَرْب حُصَيْن بْن اَلْأَسْلَتِ , وَحَرْب حَاطِب بْن قَيْس , إِلَى أَنْ كَانَ آخِرَ ذَلِكَ يَوْم بُعَاث وَكَانَ رَئِيس اَلْأَوْس فِيهِ حُضَيْر وَالِد أَسِيد وَكَانَ يُقَالُ لَهُ حُضَيْر اَلْكَتَائِب , وَجُرِحَ يَوْمئِذٍ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ جِرَاحَتِهِ , وَكَانَ رَئِيس اَلْخَزْرَج عَمْرو بْن اَلنُّعْمَان , وَجَاءَهُ سَهْم فِي اَلْقِتَالِ فَصَرَعَهُ فَهُزِمُوا بَعْدَ أَنْ كَانُوا قَدْ اِسْتَظْهَرُوا , وَلِحَسَّان وَغَيْرِهِ مِنْ اَلْخَزْرَج وَكَذَا لِقَيْس بْن اَلْحُطَيْم وَغَيْره مِنْ اَلْأَوْس فِي ذَلِكَ أَشْعَار كَثِيرَة مَشْهُورَة فِي دَوَاوِينِهِمْ.
قَوْله : ( فَاضْطَجَعَ عَلَى اَلْفِرَاشِ ) فِي رِوَايَةِ اَلزُّهْرِيّ اَلْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ " تَغَشَّى بِثَوْبِهِ " وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِم " تَسَجَّى " أَيْ اِلْتَفَّ بِثَوْبِهِ.
قَوْله : ( وَجَاءَ أَبُو بَكْر ) فِي رِوَايَةِ هِشَام بْن عُرْوَة فِي اَلْبَابِ اَلَّذِي بَعْدَهُ " دَخَلَ عَلَى أَبُو بَكْر وَكَأَنَّهُ جَاءَ زَائِرًا لَهَا بَعْدَ أَنْ دَخَلَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ ".
قَوْله : ( فَانْتَهَرَنِي ) فِي رِوَايَة اَلزُّهْرِيّ " فَانْتَهَرَهُمَا " أَيْ اَلْجَارِيَتَيْنِ , وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ شَرَكَ بَيْنَهُنَّ فِي اَلِانْتِهَارِ وَالزَّجْرِ , أَمَّا عَائِشَة فَلِتَقْرِيرِهَا , وَأَمَّا اَلْجَارِيَتَانِ فَلِفِعْلِهِمَا.
قَوْله : ( مِزْمَارَةُ اَلشَّيْطَان ) بِكَسْرِ اَلْمِيمِ يَعْنِي اَلْغِنَاء أَوْ اَلدُّفّ , لِأَنَّ الْمِزْمَارَةَ أَوْ اَلْمِزْمَارَ مُشْتَقّ مِنْ اَلزَّمِيرِ وَهُوَ اَلصَّوْتُ اَلَّذِي لَهُ اَلصَّفِير , وَيُطْلَقُ عَلَى اَلصَّوْتِ اَلْحَسَنِ وَعَلَى اَلْغِنَاءِ , وَسُمِّيَت بِهِ اَلْآلَةُ اَلْمَعْرُوفَةُ اَلَّتِي يُزَمَّرُ بِهَا , وَإِضَافَتهَا إِلَى اَلشَّيْطَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُلْهِي , فَقَدْ تَشْغَلُ اَلْقَلْبَ عَنْ اَلذِّكْرِ.
وَفِي رِوَايَةِ حَمَّاد بْن سَلَمَة عِنْدَ أَحْمَدَ " فَقَالَ : يَا عِبَاد اَللَّهِ أَبِمَزْمُور اَلشَّيْطَان عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ اَلْقُرْطُبِيّ : اَلْمَزْمُورُ اَلصَّوْت , وَنِسْبَتُهُ إِلَى اَلشَّيْطَانِ ذَمّ عَلَى مَا ظَهَرَ لِأَبِي بَكْر , وَضَبَطَهُ عِيَاض بِضَمِّ اَلْمِيمِ وَحُكِيَ فَتْحهَا.
قَوْله : ( فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ) فِي رِوَايَة اَلزُّهْرِيّ " فَكَشَفَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَجْهِهِ " وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ " فَكَشَفَ رَأْسَهُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ مُلْتَفًّا.
قَوْله : ( دَعْهُمَا ) زَاد فِي رِوَايَةِ هِشَام " يَا أَبَا بَكْر إِنَّ لِكُلِّ قَوْم عِيدًا وَهَذَا عِيدنَا " فَفِيهِ تَعْلِيلُ اَلْأَمْرِ بِتَرْكِهِمَا , وَإِيضَاحُ خِلَافِ مَا ظَنَّهُ اَلصِّدِّيقُ مِنْ أَنَّهُمَا فَعَلَتَا ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ دَخَلَ فَوَجَدَهُ مُغَطّى بِثَوْبِهِ فَظَنَّهُ نَائِمًا فَتَوَجَّهَ لَهُ اَلْإِنْكَار عَلَى اِبْنَتِهِ مِنْ هَذِهِ اَلْأَوْجُهِ مُسْتَصْحِبًا لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُ مِنْ مَنْع اَلْغِنَاء وَاللَّهْو , فَبَادَرَ إِلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ قِيَامًا عَنْ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ مُسْتَنِدًا إِلَى مَا ظَهَرَ لَهُ , فَأَوْضَحَ لَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَلْحَالَ , وَعَرَّفَهُ اَلْحُكْمَ مَقْرُونًا بِبَيَانِ اَلْحِكْمَةِ بِأَنَّهُ يَوْمُ عِيد , أَيْ يَوْمُ سُرُورٍ شَرْعِيٍّ , فَلَا يُنْكَرُ فِيهِ مِثْلُ هَذَا كَمَا لَا يُنْكَرُ فِي اَلْأَعْرَاسِ , وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ اَلْإِشْكَال عَمَّنْ قَالَ : كَيْفَ سَاغَ لِلصِّدِّيقِ إِنْكَار شَيْءٍ أَقَرَّهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَتَكَلَّفَ جَوَابًا لَا يَخْفَى تَعَسُّفه.
وَفِي قَوْلِهِ " لِكُلِّ قَوْم " أَيْ مِنْ اَلطَّوَائِفِ وَقَوْله " عِيد " أَيْ كَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ , وَفِي اَلنَّسَائِيِّ وَابْن حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ " قَدِمَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَلْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا , فَقَالَ : قَدْ أَبْدَلَكُمْ اَللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْم اَلْفِطْرِ وَالْأَضْحَى " وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ كَرَاهَةُ اَلْفَرَحِ فِي أَعْيَادِ اَلْمُشْرِكِينَ وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ , وَبَالَغَ اَلشَّيْخُ أَبُو حَفْص اَلْكَبِير اَلنَّسَفِيُّ مِنْ اَلْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ : مَنْ أَهْدَى فِيهِ بَيْضَة إِلَى مُشْرِكٍ تَعْظِيمًا لِلْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
اُسْتُنْبِطَ مِنْ تَسْمِيَةِ أَيَّامِ مِنًى بِأَنَّهَا أَيَّام عِيد مَشْرُوعِيَّة قَضَاء صَلَاة اَلْعِيدِ فِيهَا لِمَنْ فَاتَتْهُ كَمَا سَيَأْتِي بَعْد.
وَاسْتَدَلَّ جَمَاعَة مِنْ اَلصُّوفِيَّةِ بِحَدِيثِ اَلْبَابِ عَلَى إِبَاحَةِ اَلْغِنَاء وَسَمَاعِهِ بِآلَةٍ وَبِغَيْرِ آلَة , وَيَكْفِي فِي رَدِّ ذَلِكَ تَصْرِيح عَائِشَة فِي اَلْحَدِيثِ اَلَّذِي فِي اَلْبَابِ بَعْدَهُ بِقَوْلِهَا " وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ " فَنَفَتْ عَنْهُمَا مِنْ طَرِيق اَلْمَعْنَى مَا أَثْبَتَهُ لَهُمَا بِاللَّفْظِ , لِأَنَّ اَلْغِنَاءَ يُطْلَقُ عَلَى رَفْعِ اَلصَّوْتِ وَعَلَى اَلتَّرَنُّمِ اَلَّذِي تُسَمِّيه اَلْعَرَبُ اَلنَّصْب بِفَتْحِ اَلنُّونِ وَسُكُونِ اَلْمُهْمَلَةِ عَلَى اَلْحِدَاءِ.
وَلَا يُسَمَّى فَاعِله مُغَنِّيًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ مَنْ يَنْشُدُ بِتَمْطِيطٍ وَتَكْسِيرٍ وَتَهْيِيجٍ وَتَشْوِيقٍ بِمَا فِيهِ تَعْرِيض بِالْفَوَاحِشِ أَوْ تَصْرِيح , قَالَ اَلْقُرْطُبِيّ : قَوْلُهَا " لَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ " أَيْ لَيْسَتَا مِمَّنْ يَعْرِفُ اَلْغِنَاء كَمَا يَعْرِفُهُ اَلْمُغَنِّيَات اَلْمَعْرُوفَات بِذَلِكَ , وَهَذَا مِنْهَا تَحَرُّزٌ عَنْ اَلْغِنَاءِ اَلْمُعْتَادِ عِنْدَ اَلْمُشْتَهِرِينَ بِهِ , وَهُوَ اَلَّذِي يُحَرِّكُ اَلسَّاكِنَ وَيَبْعَثُ اَلْكَامِن , وَهَذَا اَلنَّوْع إِذَا كَانَ فِي شِعْرٍ فِيهِ وَصْف مَحَاسِنِ اَلنِّسَاءِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرهمَا مِنْ اَلْأُمُورِ اَلْمُحَرَّمَةِ لَا يُخْتَلَفُ فِي تَحْرِيمِهِ , قَالَ : وَأَمَّا مَا اِبْتَدَعَهُ اَلصُّوفِيَّة فِي ذَلِكَ فَمِنْ قَبِيلِ مَا لَا يُخْتَلَفُ فِي تَحْرِيمِهِ , لَكِنَّ اَلنُّفُوسَ اَلشَّهْوَانِيَّةَ غَلَبَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى اَلْخَيْرِ , حَتَّى لَقَدْ ظَهَرَتْ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ فِعْلَاتُ اَلْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَان , حَتَّى رَقَصُوا بِحَرَكَاتٍ مُتَطَابِقَةٍ وَتَقْطِيعَاتٍ مُتَلَاحِقَة , وَانْتَهَى التَّوَاقُحُ بِقَوْمٍ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ جَعَلُوهَا مِنْ بَابِ اَلْقُرَبِ وَصَالِح اَلْأَعْمَالِ , وَأَنَّ ذَلِكَ يُثْمِرُ سِنِيِّ اَلْأَحْوَالِ وَهَذَا - عَلَى اَلتَّحْقِيقِ - مِنْ آثَارِ اَلزَّنْدَقَةِ , وَقَوْل أَهْلِ اَلْمُخَرِّفَةِ وَاَللَّه اَلْمُسْتَعَان ا ه.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْكَسَ مُرَادهمْ وَيُقْرَأَ " سَيِّئ " عِوَض اَلنُّون اَلْخَفِيفَة اَلْمَكْسُورَة بِغَيْرِ هَمْزٍ بِمُثَنَّاة تَحْتَانِيَّة ثَقِيلَة مَهْمُوزًا.
وَأَمَّا اَلْآلَاتُ فَسَيَأْتِي اَلْكَلَام عَلَى اِخْتِلَافِ اَلْعُلَمَاءِ فِيهَا عِنْدَ اَلْكَلَامِ عَلَى حَدِيث اَلْمَعَازِف فِي كِتَاب اَلْأَشْرِبَة , وَقَدْ حَكَى قَوْم اَلْإِجْمَاع عَلَى تَحْرِيمِهَا , وَحَكَى بَعْضهمْ عَكْسه , وَسَنَذْكُرُ بَيَانَ شُبْهَةِ اَلْفَرِيقَيْنِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَى.
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِبَاحَةِ اَلضَّرْبِ بِالدُّفِّ فِي اَلْعُرْسِ وَنَحْوِهِ إِبَاحَة غَيْرِهِ مِنْ اَلْآلَاتِ كَالْعُودِ وَنَحْوِهِ كَمَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي وَلِيمَةِ اَلْعُرْسِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا اِلْتِفَافُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِهِ فَفِيهِ إِعْرَاضٌ عَنْ ذَلِكَ لِكَوْنِ مَقَامِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَرْتَفِعَ عَنْ اَلْإِصْغَاءِ إِلَى ذَلِكَ , لَكِنَّ عَدَمَ إِنْكَارِهِ دَالٌّ عَلَى تَسْوِيغِ مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى اَلْوَجْهِ اَلَّذِي أَقَرَّهُ إِذْ لَا يُقِرُّ عَلَى بَاطِل , وَالْأَصْل اَلتَّنَزُّه عَنْ اَللَّعِبِ وَاللَّهْوِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ اَلنَّصُّ وَقْتًا وَكَيْفِيَّة تَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ اَلْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي هَذَا اَلْحَدِيثِ مِنْ اَلْفَوَائِدِ مَشْرُوعِيَّة اَلتَّوْسِعَة عَلَى اَلْعِيَالِ فِي أَيَّامِ اَلْأَعْيَادِ بِأَنْوَاعِ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ بَسْط اَلنَّفْس وَتَرْوِيح اَلْبَدَن مِنْ كَلَف اَلْعِبَادَة , وَأَنَّ اَلْإِعْرَاضَ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى.
وَفِيهِ أَنَّ إِظْهَار اَلسُّرُور فِي اَلْأَعْيَادِ مِنْ شِعَارِ اَلدِّينِ.
وَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ اَلرَّجُلِ عَلَى اِبْنَتِهِ وَهِيَ عِنْدُ زَوْجِهَا إِذَا كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عَادَة , وَتَأْدِيب اَلْأَبِ بِحَضْرَة اَلزَّوْج وَإِنْ تَرَكَهُ اَلزَّوْج , إِذْ اَلتَّأْدِيبُ وَظِيفَة اَلْآبَاءِ , وَالْعَطْفُ مَشْرُوع مِنْ اَلْأَزْوَاجِ لِلنِّسَاءِ.
وَفِيهِ اَلرِّفْقُ بِالْمَرْأَةِ وَاسْتِجْلَاب مَوَدَّتِهَا , وَأَنَّ مَوَاضِعَ أَهْلِ اَلْخَيْرِ تُنَزَّهُ عَنْ اَللَّهْوِ وَاللَّغْوِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِثْم إِلَّا بِإِذْنِهِمْ.
وَفِيهِ أَنَّ اَلتِّلْمِيذَ إِذَا رَأَى عِنْدَ شَيْخِهِ مَا يُسْتَكْرَهُ مِثْلهُ بَادَرَ إِلَى إِنْكَارِهِ , وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ اِفْتِئَات عَلَى شَيْخِهِ , بَلْ هُوَ أَدَبٌ مِنْهُ وَرِعَايَةٌ لِحُرْمَتِهِ وَإِجْلَالٌ لِمَنْصِبِهِ , وَفِيهِ فَتْوَى اَلتِّلْمِيذ بِحَضْرَة شَيْخه بِمَا يَعْرِفُ مِنْ طَرِيقَتِهِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْر ظَنَّ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ فَخَشِيَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ فَيَغْضَبَ عَلَى اِبْنَتِهِ فَبَادَرَ إِلَى سَدِّ هَذِهِ اَلذَّرِيعَةِ.
وَفِي قَوْلِ عَائِشَة فِي آخِرِ هَذَا اَلْحَدِيثِ " فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا " دَلَالَة عَلَى أَنَّهَا مَعَ تَرْخِيصِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي ذَلِكَ رَاعَتْ خَاطِر أَبِيهَا وَخَشِيَتْ غَضَبَهُ عَلَيْهَا فَأَخْرَجْتهُمَا , وَاقْتِنَاعَهَا فِي ذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لِلْحَيَاءِ مِنْ اَلْكَلَامِ بِحَضْرَة مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا وَاَللَّه أَعْلَمُ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ سَمَاع صَوْت اَلْجَارِيَةِ بِالْغِنَاءِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَة لِأَنَّهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى أَبِي بَكْر سَمَاعَهُ بَلْ أَنْكَرَ إِنْكَاره , وَاسْتَمَرَّتَا إِلَى أَنْ أَشَارَتْ إِلَيْهِمَا عَائِشَة بِالْخُرُوجِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلّ اَلْجَوَاز مَا إِذَا أُمِنَتْ اَلْفِتْنَةُ بِذَلِكَ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله : ( وَكَانَ يَوْمَ عِيدِ ) هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ وَقَدْ جَمَعَهُمَا بَعْضُ اَلرُّوَاةِ وَأَفْرَدَهُمَا بَعْضهمْ , وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا اَلْحَدِيث اَلثَّانِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ اَلزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ فِي أَبْوَابِ اَلْمَسَاجِدِ , وَوَقَعَ عِنْد الْجَوْزَقِيِّ فِي حَدِيثِ اَلْبَابِ هُنَا " وَقَالَتْ - أَيْ عَائِشَة - كَانَ يَوْمَ عِيد " فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ مَوْصُولٌ كَالْأَوَّلِ.
قَوْله : ( يَلْعَبُ فِيهِ اَلسُّودَانُ ) فِي رِوَايَةِ اَلزُّهْرِيّ اَلْمَذْكُورَةِ " وَالْحَبَشَة يَلْعَبُونَ فِي اَلْمَسْجِدِ " وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ مُعَلَّقَةٍ وَوَصَلَهَا مُسْلِم " بِحِرَابِهِمْ " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ هِشَام عَنْ أَبِيهِ " جَاءَ حَبَش يَلْعَبُونَ فِي اَلْمَسْجِدِ " , قَالَ اَلْمُحِبّ اَلطَّبَرِيّ : هَذَا اَلسِّيَاقُ يُشْعِرُ بِأَنَّ عَادَتَهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ عِيد , وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ اِبْنِ حِبَّانَ " لَمَّا قَدِمَ وَفْد اَلْحَبَشَةِ قَامُوا يَلْعَبُونَ فِي اَلْمَسْجِدِ " وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ اَلتَّرْخِيصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ بِحَال اَلْقُدُوم , وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قُدُومهمْ صَادَفَ يَوْمَ عِيدٍ وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ اَللَّعِب فِي اَلْأَعْيَادِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ كَعَادَتِهِمْ ثُمَّ صَارُوا يَلْعَبُونَ يَوْمَ كُلِّ عِيد , وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَس قَالَ " لَمَّا قَدِمَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَلْمَدِينَةَ لَعِبَتْ اَلْحَبَشَة فَرَحًا بِذَلِكَ لَعِبُوا بِحِرَابِهِمْ " , وَلَا شَكَّ أَنَّ يَوْمَ قُدُومِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهُمْ أَعْظَم مِنْ يَوْمِ اَلْعِيدِ , قَالَ اَلزَّيْن بْن اَلْمُنِيرِ : سَمَّاهُ لَعِبًا وَإِنْ كَانَ أَصْله اَلتَّدْرِيب عَلَى اَلْحَرْبِ وَهُوَ مِنْ اَلْجِدِّ لِمَا فِيهِ مِنْ شَبَه اَللَّعِب , لِكَوْنِهِ يَقْصِدُ إِلَى اَلطَّعْنِ وَلَا يَفْعَلُهُ وَيُوهِمُ بِذَلِكَ قَرْنه وَلَوْ كَانَ أَبَاهُ أَوْ اِبْنَهُ.
قَوْله : ( فَإِمَّا سَأَلْت رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا قَالَ : تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ ) هَذَا تَرَدُّد مِنْهَا فِيمَا كَانَ وَقَع لَهُ هَلْ كَانَ أَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ اِبْتِدَاء مِنْهُ أَوْ عَنْ سُؤَالٍ مِنْهَا , وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنْ سَأَلْت بِسُكُونِ اَللَّامِ عَلَى أَنَّهُ كَلَامُهَا , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ اَللَّامِ فَيَكُونُ كَلَام اَلرَّاوِي فَلَا يُنَافِي مَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ " وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ " وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ اَلرِّوَايَاتُ عَنْهَا فِي ذَلِكَ : فَفِي رِوَايَة اَلنَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيد بْن رُومَان عَنْهَا " سَمِعْت لَغَطًا وَصَوْت صِبْيَان , فَقَامَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبَشِيَّة تَزْفِنُ - أَيْ تَرْقُصُ - وَالصِّبْيَان حَوْلَهَا فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ , تَعَالَيْ فَانْظُرِي " فَفِي هَذَا أَنَّهُ اِبْتَدَأَهَا , وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِلَّاعِبِينَ " وَدِدْت أَنِّي أَرَاهُمْ " فَفِي هَذَا أَنَّهَا سَأَلَتْ , وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا اِلْتَمَسَتْ مِنْهُ ذَلِكَ فَأَذِنَ لَهَا , وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا " دَخَلَ الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ , فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا حُمَيْرَاءُ أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ ؟ فَقُلْت : نَعَمْ " إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلَمْ أَرَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ ذِكْرَ الْحُمَيْرَاءِ إِلَّا فِي هَذَا.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ هَذِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَنْهَا قَالَتْ " وَمِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ : أَبَا الْقَاسِمِ طَيِّبًا " كَذَا فِيهِ بِالنَّصْبِ , وَهُوَ حِكَايَةُ قَوْلِ الْحَبَشَةِ , وَلِأَحْمَدَ وَالسَّرَّاجِ وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ " أَنَّ الْحَبَشَةَ كَانَتْ تَزْفِنُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ لَهُمْ , فَقَالَ : مَا يَقُولُونَ ؟ قَالَ يَقُولُونَ : مُحَمَّدٌ عَبْدٌ صَالِحٌ ".
قَوْلُهُ : ( فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ ) أَيْ مُتَلَاصِقَيْنِ وَهِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ بِدُونِ وَاوٍ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ( اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ " فَوَضَعْت رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَذْكُورَةِ " فَوَضَعْت ذَقْنِي عَلَى عَاتِقِهِ وَأَسْنَدْت وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ " وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهَا " أَنْظُرُ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ " وَمَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ , وَرِوَايَةُ أَبِي سَلَمَةَ أَبْيَنُهَا.
وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ الْآتِيَةِ بَعْدُ عَنْ عُرْوَةَ " فَيَسْتُرُنِي وَأَنَا أَنْظُرُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ بِلَفْظِ " يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ " وَيُتَعَقَّبُ بِهِ عَلَى الزَّيْنِ بْنِ الْمُنِيرِ فِي اِسْتِنْبَاطِهِ مِنْ لَفْظِ حَدِيثِ الْبَابِ جَوَازُ اِكْتِفَاءِ الْمَرْأَةِ بِالتَّسَتُّرِ بِالْقِيَامِ خَلْفَ مَنْ تُسْتَرُ بِهِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ إِذَا قَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الرِّدَاءِ , لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ , وَقَدْ وَقَعَ فِيهَا التَّنْصِيصُ عَلَى وُجُودِ التَّسَتُّرِ بِالرِّدَاءِ.
قَوْلُهُ : ( وَهُوَ يَقُولُ : دُونَكُمْ ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بِمَعْنَى الْإِغْرَاءِ وَالْمُغْرَى بِهِ مَحْذُوفٌ وَهُوَ لَعِبُهُمْ بِالْحِرَابِ , وَفِيهِ إِذْنٌ وَتَنْهِيضٌ لَهُمْ وَتَنْشِيطٌ.
قَوْلُهُ : ( يَا بَنِي أَرْفِدَةَ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَقَدْ تُفْتَحُ , قِيلَ هُوَ لَقَبٌ لِلْحَبَشَةِ , وَقِيلَ هُوَ اِسْمُ جِنْسٍ لَهُمْ , وَقِيلَ اِسْمُ جَدِّهِمْ الْأَكْبَرِ وَقِيلَ الْمَعْنَى يَا بَنِي الْإِمَاءِ , زَادَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ " فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَّنَّا بَنِي أَرْفِدَةَ " وَبَيَّنَ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجْهَ الزَّجْرِ حَيْثُ قَالَ " فَأَهْوَى إِلَى الْحَصْبَاءِ فَحَصِبَهُمْ بِهَا , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُمْ يَا عُمَرُ " وَسَيَأْتِي فِي الْجِهَادِ , وَزَادَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ " فَإِنَّهُمْ بَنُو أَرْفِدَةَ " كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّ هَذَا شَأْنُهُمْ وَطَرِيقَتُهُمْ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ فَلَا إِنْكَارَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ : فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يُغْتَفَرُ لَهُمْ مَا لَا يُغْتَفَرُ لِغَيْرِهِمْ , لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَسَاجِدِ تَنْزِيهُهَا عَنْ اللَّعِبِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ , اِنْتَهَى.
وَرَوَى السَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ " لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً , إِنِّي بُعِثْت بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ " وَهَذَا يُشْعِرُ بِعَدَمِ التَّخْصِيصِ , وَكَأَنَّ عُمَرَ بَنَى عَلَى الْأَصْلِ فِي تَنْزِيهِ الْمَسَاجِدِ فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَ الْجَوَازِ فِيمَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ , أَوْ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرَاهُمْ.
قَوْلُهُ : ( حَتَّى إِذَا مَلِلْت ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى - , وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ " حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَسْأَمُ " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ " ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَنْصَرِفُ " وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ " أَمَا شَبِعْت ؟ أَمَا شَبِعْت ؟ قَالَتْ : فَجَعَلْت أَقُولُ : لَا , لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ " وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا : " قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ , فَقَامَ لِي ثُمَّ قَالَ : حَسْبُك ؟ قُلْت : لَا تَعْجَلْ.
قَالَ : وَمَا بِي حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَحْبَبْت أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مُقَامُهُ لِي وَمَكَانِي مِنْهُ " وَزَادَ فِي النِّكَاحِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ " فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ " وَقَوْلُهَا " اُقْدُرُوا " بِضَمِّ الدَّالِ مِنْ التَّقْدِيرِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا , وَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ شَابَّةً , وَقَدْ تَمَسَّك بِهِ مَنْ اِدَّعَى نَسْخَ هَذَا الْحُكْمِ وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَمَا تَقَدَّمَتْ حِكَايَتُهُ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ , وَرُدَّ بِأَنَّ قَوْلَهَا : " يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ " دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْحِجَابِ , وَكَذَا قَوْلُهَا " أَحْبَبْت أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مُقَامُهُ لِي " مُشْعِرٌ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ لَهَا ضَرَائِرُ , أَرَادَتْ الْفَخْرَ عَلَيْهِنَّ , فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ بُلُوغِهَا , وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ اِبْنِ حِبَّانَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ الْحَبَشَةِ وَكَانَ قُدُومُهُمْ سَنَةَ سَبْعٍ فَيَكُونُ عُمْرُهَا حِينَئِذٍ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ شَيْءٌ نَحْوُ هَذَا وَالْجَوَابُ عَنْهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ اللَّعِبِ بِالسِّلَاحِ عَلَى طَرِيقِ التَّوَاثُبِ لِلتَّدْرِيبِ عَلَى الْحَرْبِ وَالتَّنْشِيطِ عَلَيْهِ , وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ جَوَازُ الْمُثَاقَفَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَمْرِينِ الْأَيْدِي عَلَى آلَاتِ الْحَرْبِ , قَالَ عِيَاضٌ : وَفِيهِ جَوَازُ نَظَرِ النِّسَاءِ إِلَى فِعْلِ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُكْرَهُ لَهُنَّ النَّظَرُ إِلَى الْمَحَاسِنِ وَالِاسْتِلْذَاذِ بِذَلِكَ , وَمِنْ تَرَاجِمِ الْبُخَارِيِّ عَلَيْهِ " بَابُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْحَبَشِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ " وَقَالَ النَّوَوِيُّ : أَمَّا النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ وَعِنْدَ خَشْيَةِ الْفِتْنَةِ فَحَرَامٌ اِتِّفَاقًا , وَأَمَّا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ.
وَأَجَابَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ بُلُوغِ عَائِشَةَ , وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا فِيهِ , قَالَ : أَوْ كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ بِحِرَابِهِمْ لَا إِلَى وُجُوهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ , وَإِنْ وَقَعَ بِلَا قَصْدٍ أَمْكَنَ أَنْ تَصْرِفَهُ فِي الْحَالِ.
اِنْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ بَقِيَّةُ فَوَائِدِهِ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ.
وَسَيَأْتِي بَعْدَ سِتَّةِ أَبْوَابٍ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ تَرْجَمَةِ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْبَابَ وَالْبَابَ الْآتِي هُنَاكَ حَيْثُ قَالَ " بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ فِي الْعِيدِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَسَدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ حَسْبُكِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبِي
عن البراء، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: «إن أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع، فننحر فمن فعل فقد أصاب سنتنا»
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزا...
عن أنس بن مالك، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات» وقال مرجأ بن رجاء، حدثني عبيد الله، قال: حدثني أنس، عن النبي...
عن أنس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ذبح قبل الصلاة، فليعد»، فقام رجل فقال: هذا يوم يشتهى فيه اللحم، وذكر من جيرانه، فكأن النبي صلى الله علي...
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة، فقال: «من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن نسك...
عن أبي سعيد الخدري، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس، وا...
عن عبد الله بن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الأضحى والفطر، ثم يخطب بعد الصلاة»
عن جابر بن عبد الله، قال: سمعته يقول: «إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة»
عن عطاء، أن ابن عباس، أرسل إلى ابن الزبير في أول ما بويع له «إنه لم يكن يؤذن بالصلاة يوم الفطر، إنما الخطبة بعد الصلاة»