992- عن كريب، أن ابن عباس أخبره: أنه بات عند ميمونة وهي خالته فاضطجعت في عرض وسادة «واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام حتى انتصف الليل - أو قريبا منه - فاستيقظ يمسح النوم عن وجهه، ثم قرأ عشر آيات من آل عمران، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شن معلقة، فتوضأ، فأحسن الوضوء، ثم قام يصلي»، فصنعت مثله، فقمت إلى جنبه، «فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني يفتلها، ثم صلى ركعتين، ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام، فصلى ركعتين، ثم خرج، فصلى الصبح»
(يفتلها) يدلكها.
(أوتر) صلى ركعة واحدة وقيل ثلاثا
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( أَنَّهُ بَاتَ عِنْد مَيْمُونَة ) زَادَ شَرِيك بْن أَبِي نَمِر عَنْ كُرَيْب عِنْد مُسْلِم " فَرَقَبْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْف يُصَلِّي " زَادَ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه مِنْ هَذَا الْوَجْه " بِاللَّيْلِ " , وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " بَعَثَنِي الْعَبَّاس إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت عَنْ كُرَيْب " فِي إِبِل أَعْطَاهُ إِيَّاهَا مِنْ الصَّدَقَة " وَلِأَبِي عَوَانَة مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ الْعَبَّاس بَعَثَهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَة , قَالَ : فَوَجَدْته جَالِسًا فِي الْمَسْجِد فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمهُ , فَلَمَّا صَلَّى الْمَغْرِب قَامَ فَرَكَعَ حَتَّى أُذِنَ بِصَلَاةِ الْعِشَاء " وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيق طَلْحَة بْن نَافِع عَنْهُ " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَ الْعَبَّاس ذَوْدًا مِنْ الْإِبِل , فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ بَعْد الْعِشَاء وَكَانَ فِي بَيْت مَيْمُونَة " وَهَذَا يُخَالِف مَا قَبْله , وَيُجْمَع بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُكَلِّمهُ فِي الْمَسْجِد أَعَادَهُ إِلَيْهِ بَعْد الْعِشَاء إِلَى بَيْت مَيْمُونَة , وَلِمُحَمَّدِ بْن نَصْر فِي كِتَاب قِيَام اللَّيْل مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن الْوَلِيد بْن نُوَيْفِع عَنْ كُرَيْب عَنْ الزِّيَادَة " فَقَالَ لِي : يَا بُنَيّ بِتْ اللَّيْلَة عِنْدنَا " وَفِي رِوَايَة حَبِيب الْمَذْكُورَة " فَقُلْت : لَا أَنَام حَتَّى أَنْظُر مَا يَصْنَع فِي صَلَاة اللَّيْل " وَفِي رِوَايَة مُسْلِم مِنْ طَرِيق الضَّحَّاك بْن عُثْمَان عَنْ مَخْرَمَةَ " فَقُلْت لِمَيْمُونَةَ : إِذَا قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَيْقِظِينِي " وَكَانَ عَزَمَ فِي نَفْسه عَلَى السَّهَر لِيَطَّلِع عَلَى الْكَيْفِيَّة الَّتِي أَرَادَهَا , ثُمَّ خَشِيَ أَنْ يَغْلِب النَّوْم فَوَصَّى مَيْمُونَة أَنْ تُوقِظهُ.
قَوْله : ( فِي عُرْض وِسَادَة ) فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن الْوَلِيد الْمَذْكُورَة " وِسَادَة مِنْ أُدْم حَشْوهَا لِيف " وَفِي رِوَايَة طَلْحَة بْن نَافِع الْمَذْكُورَة " ثُمَّ دَخَلَ مَعَ اِمْرَأَته فِي فِرَاشهَا " وَزَادَ أَنَّهَا " كَانَتْ لَيْلَتئِذٍ حَائِضًا " وَفِي رِوَايَة شَرِيك بْن أَبِي نَمِر عَنْ كُرَيْب فِي التَّفْسِير " فَتَحَدَّثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْله سَاعَة " وَقَدْ سَبَقَتْ الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي كِتَاب الْعِلْم , وَتَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى الِاضْطِجَاع وَالْعَرْض وَمَسْح النَّوْم وَالْعَشْر الْآيَات فِي " بَاب قِرَاءَة الْقُرْآن بَعْد الْحَدَث " وَكَذَا عَلَى الشَّنّ.
قَوْله : ( حَتَّى اِنْتَصَفَ اللَّيْل أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ ) جَزَمَ شَرِيك بْن أَبِي نَمِر فِي رِوَايَته الْمَذْكُورَة " بِثُلُثِ اللَّيْل الْأَخِير " وَيُجْمَع بَيْنهمَا بِأَنَّ الِاسْتِيقَاظ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ : فَفِي الْأُولَى نَظَرَ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ تَلَا الْآيَات ثُمَّ عَادَ لِمَضْجَعِهِ فَنَامَ , وَفِي الثَّانِيَة أَعَادَ ذَلِكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى , وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ مُحَمَّد بْن الْوَلِيد فِي رِوَايَته الْمَذْكُورَة.
وَفِي رِوَايَة الثَّوْرِيّ عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ عَنْ كُرَيْب فِي الصَّحِيحَيْنِ " فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْل فَأَتَى حَاجَته ثُمَّ غَسَلَ وَجْهه وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ , ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقَرْيَة " الْحَدِيث.
وَفِي رِوَايَة سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ سَلَمَة عِنْد مُسْلِم " ثُمَّ قَامَ قَوْمَة أُخْرَى " وَعِنْده مِنْ رِوَايَة شُعْبَة عَنْ سَلَمَة " فَبَالَ " بَدَل فَأَتَى حَاجَته.
قَوْله : ( ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنّ ) زَادَ مُحَمَّد بْن الْوَلِيد " ثُمَّ اِسْتَفْرَغَ مِنْ الشَّنّ فِي إِنَاء ثُمَّ تَوَضَّأَ ".
قَوْله : ( فَأَحْسَن الْوُضُوء ) فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن الْوَلِيد وَطَلْحَة بْن نَافِع جَمِيعًا " فَأَسْبَغَ الْوُضُوء " وَفِي رِوَايَة عَمْرو بْن دِينَار عَنْ كُرَيْب " فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا " وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي " بَاب تَخْفِيف الْوُضُوء " وَيُجْمَع بَيْن هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ بِرِوَايَةِ الثَّوْرِيّ فَإِنَّ لَفْظه " فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْن وُضُوءَيْنِ لَمْ يُكْثِر وَقَدْ أَبْلَغَ " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيق عِيَاض عَنْ مَخْرَمَةَ " فَأَسْبَغَ الْوُضُوء وَلَمْ يَمَسّ مِنْ الْمَاء إِلَّا قَلِيلًا " وَزَادَ فِيهَا " فَتَسَوَّكَ " وَكَذَا لِشَرِيكٍ عَنْ كُرَيْب " فَاسْتَنَّ " كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَيْهِ قُبَيْل كِتَاب الْغُسْل.
قَوْله : ( ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي ) ) فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن الْوَلِيد ثُمَّ أَخَذَ بُرْدًا لَهُ حَضْرَمِيًّا فَتَوَشَّحَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْت فَقَامَ يُصَلِّي.
قَوْلُهُ : ( فَصَنَعْت مِثْله ) يَقْتَضِي أَنَّهُ صَنَعَ جَمِيع مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَوْل وَالنَّظَر وَالْوُضُوء وَالسِّوَاك وَالتَّوَشُّح , وَيُحْتَمَل أَنْ يُحْمَل عَلَى الْأَغْلَب , وَزَادَ سَلَمَة عَنْ كُرَيْب فِي الدَّعَوَات فِي أَوَّله " فَقُمْت فَتَمَطَّيْت كَرَاهِيَة أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْت أَرْقُبهُ " وَكَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَتْرُك بَعْض عَمَله لِمَا جَرَى مِنْ عَادَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَتْرُك بَعْض الْعَمَل خَشْيَة أَنْ يُفْرَض عَلَى أُمَّته.
قَوْله : ( وَقُمْت إِلَى جَنْبه ) تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَيْهِ فِي أَبْوَاب الْإِمَامَة مُسْتَوْفًى.
قَوْله : ( وَأَخَذَ بِأُذُنِي ) زَادَ مُحَمَّد بْن الْوَلِيد فِي رِوَايَته " فَعَرَفْت أَنَّهُ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ لِيُؤْنِسنِي بِيَدِهِ فِي ظُلْمَة اللَّيْل " وَفِي رِوَايَة الضَّحَّاك عَنْ عُثْمَان " فَجَعَلْت إِذَا أَغْفَيْت أَخَذَ بِشَحْمَةِ أُذُنِي " وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَخْذ الْأُذُن إِنَّمَا كَانَ فِي حَالَة إِدَارَته لَهُ مِنْ الْيَسَار إِلَى الْيَمِين مُتَمَسِّكًا بِرِوَايَةِ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ الْآتِيَة فِي التَّفْسِير حَيْثُ قَالَ " فَأَخَذَ بِأُذُنِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينه " لَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْ إِدَارَته عَلَى هَذِهِ الصِّفَة أَنْ لَا يَعُود إِلَى مَسْك أُذُنه لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَأْنِيسه وَإِيقَاظه لِأَنَّ حَاله كَانَتْ تَقْتَضِي ذَلِكَ لِصِغَرِ سِنّه.
قَوْله : ( فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ) ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة , وَظَاهِره أَنَّهُ فَصَلَ بَيْن كُلّ رَكْعَتَيْنِ , وَوَقَعَ التَّصْرِيح بِذَلِكَ فِي رِوَايَة طَلْحَة بْن نَافِع حَيْثُ قَالَ فِيهَا " يُسَلِّم مِنْ كُلّ رَكْعَتَيْنِ " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَة عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس التَّصْرِيح بِالْفَصْلِ أَيْضًا وَأَنَّهُ اِسْتَاك بَيْن كُلّ رَكْعَتَيْنِ إِلَى غَيْر ذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّ رِوَايَة الْبَاب فِيهَا التَّصْرِيح بِذِكْرِ الرَّكْعَتَيْنِ سِتّ مَرَّات ثُمَّ قَالَ " ثُمَّ أَوْتَرَ " , وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاث عَشْرَة رَكْعَة , وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَة سَلَمَة الْآتِيَة فِي الدَّعَوَات حَيْثُ قَالَ " فَتَتَامَّتْ " وَلِمُسْلِمٍ " فَتَكَامَلَتْ صَلَاته ثَلَاث عَشْرَة رَكْعَة " , وَفِي رِوَايَة عَبْد رَبّه بْن سَعِيد الْمَاضِيَة فِي الْإِمَامَة عَنْ كُرَيْب فَصَلَّى ثَلَاث عَشْرَة رَكْعَة , وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن الْوَلِيد الْمَذْكُورَة مِثْله وَزَادَ " وَرَكْعَتَيْنِ بَعْد طُلُوع الْفَجْر قَبْل صَلَاة الصُّبْح " وَهِيَ مُوَافِقَة لِرِوَايَةِ الْبَاب لِأَنَّهُ قَالَ بَعْد قَوْله " ثُمَّ أَوْتَرَ : فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ " فَاتَّفَقَ هَؤُلَاءِ عَلَى الثَّلَاث عَشْرَة , وَصَرَّحَ بَعْضهمْ بِأَنَّ رَكْعَتِيْ الْفَجْر مِنْ غَيْرهَا , لَكِنْ رِوَايَة شَرِيك بْن أَبِي نَمِر الْآتِيَة فِي التَّفْسِير عَنْ كُرَيْب تُخَالِف ذَلِكَ وَلَفْظه " فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَة رَكْعَة ثُمَّ أَذَّنَ بِلَال فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ " فَهَذَا مَا فِي رِوَايَة كُرَيْب مِنْ الِاخْتِلَاف , وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَكْثَر خَالَفُوا شَرِيكًا فِيهَا , وَرِوَايَتهمْ مُقَدَّمَة عَلَى رِوَايَته لِمَا مَعَهُمْ مِنْ الزِّيَادَة وَلِكَوْنِهِمْ أَحْفَظ مِنْهُ , وَقَدْ حَمَلَ بَعْضهمْ هَذِهِ الزِّيَادَة عَلَى سُنَّة الْعِشَاء , وَلَا يَخْفَى بُعْده وَلَا سِيَّمَا فِي رِوَايَة مَخْرَمَةَ فِي حَدِيث الْبَاب , إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَ سُنَّة الْعِشَاء حَتَّى اِسْتَيْقَظَ , لَكِنْ يُعَكِّر عَلَيْهِ رِوَايَة الْمِنْهَال الْآتِيَة قَرِيبًا , وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى سَعِيد جُبَيْر أَيْضًا : فَفِي التَّفْسِير مِنْ طَرِيق شُعْبَة عَنْ الْحَكَم عَنْهُ " فَصَلَّى أَرْبَع رَكَعَات ثُمَّ نَامَ ثُمَّ صَلَّى خَمْس رَكَعَات " وَقَدْ حَمَلَ مُحَمَّد بْن نَصْر هَذِهِ الْأَرْبَع عَلَى أَنَّهَا سُنَّة الْعِشَاء لِكَوْنِهَا وَقَعَتْ قَبْل النَّوْم , لَكِنْ يُعَكِّر عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ هُوَ مِنْ طَرِيق الْمِنْهَال بْن عَمْرو عَنْ عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس فَإِنَّ فِيهِ " فَصَلَّى الْعِشَاء ثُمَّ صَلَّى أَرْبَع رَكَعَات بَعْدهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِد غَيْره ثُمَّ اِنْصَرَفَ " فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُون صَلَّى الْأَرْبَع فِي الْمَسْجِد لَا فِي الْبَيْت , وَرِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر أَيْضًا تَقْتَضِي الِاقْتِصَار عَلَى خَمْس رَكَعَات بَعْد النَّوْم وَفِيهِ نَظَر , وَقَدْ رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ الْحَكَم وَفِيهِ " فَصَلَّى سَبْعًا أَوْ خَمْسًا أَوْتَرَ بِهِنَّ لَمْ يُسَلِّم إِلَّا فِي آخِرهنَّ ".
وَقَدْ ظَهَرَ لِي مِنْ رِوَايَة أُخْرَى عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر مَا يَرْفَع هَذَا الْإِشْكَال وَيُوَضِّح أَنَّ رِوَايَة الْحَكَم وَقَعَ فِيهَا تَقْصِير , فَعِنْد النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن عَبَّاد بْن سَعِيد بْن جُبَيْر " فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى صَلَّى ثَمَان رَكَعَات ثُمَّ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِس بَيْنهنَّ " , فَبِهَذَا يُجْمَع بَيْن رِوَايَة سَعِيد وَرِوَايَة كُرَيْب , وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة عِكْرِمَة بْن خَالِد عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عِنْد أَبِي دَاوُدَ " فَصَلَّى ثَلَاث عَشْرَة رَكْعَة مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْر " فَهُوَ نَظِير مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاخْتِلَاف فِي رِوَايَة كُرَيْب , وَأَمَّا مَا فِي رِوَايَتهمَا مِنْ الْفَصْل وَالْوَصْل فَرِوَايَة سَعِيد صَرِيحَة فِي الْوَصْل , وَرِوَايَة كُرَيْب مُحْتَمَلَة فَتُحْمَل عَلَى رِوَايَة سَعِيد.
وَأَمَّا قَوْله فِي رِوَايَة طَلْحَة بْن نَافِع " يُسَلِّم مِنْ كُلّ رَكْعَتَيْنِ " فَيُحْتَمَل تَخْصِيصه بِالثَّمَانِ فَيُوَافِق رِوَايَة سَعِيد , وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة يَحْيَى بْن الْجَزَّار الْآتِيَة , وَلَمْ أَرَ فِي شَيْء طُرُق حَدِيث اِبْن عَبَّاس مَا يُخَالِف ذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَر الرُّوَاة عَنْهُ لَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا , وَمَنْ ذَكَرَ الْعَدَد مِنْهُمْ لَمْ يُزِدْ عَلَى ثَلَاث عَشْرَة وَلَمْ يُنْقِص عَنْ إِحْدَى عَشْرَة , إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَة عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس عِنْد مُسْلِم مَا يُخَالِفهُمْ فَإِنَّ فِيهِ " فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فِيهِمَا ثُمَّ اِنْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ , فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاث مَرَّات بِسِتِّ رَكَعَات كُلّ ذَلِكَ يَسْتَاك وَيَتَوَضَّأ وَيَقْرَأ هَؤُلَاءِ الْآيَات - يَعْنِي آخِر آل عِمْرَان - ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّن فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاة " اِنْتَهَى.
فَزَادَ عَلَى الرُّوَاة تَكْرَار الْوُضُوء وَمَا مَعَهُ وَنَقَصَ عَنْهُمْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا وَلَمْ يَذْكُر رَكْعَتَيْ الْفَجْر أَيْضًا , وَأَظُنّ ذَلِكَ مِنْ الرَّاوِي عَنْهُ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت فَإِنَّ فِيهِ مَقَالًا , وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إِسْنَاده وَمَتْنه اِخْتِلَافًا تَقَدَّمَ ذِكْر بَعْضه , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون لَمْ يَذْكُر الْأَرْبَع الْأُوَل كَمَا لَمْ يَذْكُر الْحِكَم الثَّمَان كَمَا تَقَدَّمَ , وَأَمَّا سُنَّة الْفَجْر فَقَدْ ثَبَتَ ذِكْرهَا فِي طَرِيق أُخْرَى عَنْ عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه عِنْد أَبِي دَاوُدَ.
وَالْحَاصِل أَنَّ قِصَّة مَبِيت اِبْن عَبَّاس يَغْلِب عَلَى الظَّنّ عَدَم تَعَدُّدهَا , فَلِهَذَا يَنْبَغِي الِاعْتِنَاء بِالْجَمْعِ بَيْن مُخْتَلَف الرِّوَايَات فِيهَا , وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَخْذ بِمَا اِتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَكْثَر وَالْأَحْفَظ أَوْلَى مِمَّا خَالَفَهُمْ فِيهِ مَنْ هُوَ دُونهمْ وَلَا سِيَّمَا إِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ , وَالْمُحَقَّق مِنْ عَدَد صَلَاته فِي تِلْكَ اللَّيْلَة إِحْدَى عَشْرَة , وَأَمَّا رِوَايَة ثَلَاث عَشْرَة فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مِنْهَا سُنَّة الْعِشَاء , وَوَافَقَ ذَلِكَ رِوَايَة أَبِي جَمْرَة عَنْ اِبْن عَبَّاس الْآتِيَة فِي صَلَاة اللَّيْل بِلَفْظِ " كَانَتْ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاث عَشْرَة " يَعْنِي بِاللَّيْلِ , وَلَمْ يُبَيِّن هَلْ سُنَّة الْفَجْر مِنْهَا أَوْ لَا , وَبَيَّنَهَا يَحْيَى بْن الْجَزَّار عَنْ اِبْن عَبَّاس عِنْد النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ " كَانَ يُصَلِّي ثَمَان رَكَعَات وَيُوتِر بِثَلَاثٍ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْل صَلَاة الصُّبْح " وَلَا يُعَكِّر عَلَى هَذَا الْجَمْع إِلَّا ظَاهِر سِيَاق الْبَاب فَيُمْكِن أَنْ يُجْمَل قَوْله " صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ " أَيْ قَبْل أَنْ يَنَام , وَيَكُون مِنْهَا سُنَّة الْعِشَاء.
وَقَوْله " ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ إِلَخْ " أَيْ بَعْد أَنْ قَامَ.
وَسَيَأْتِي نَحْو هَذَا الْجَمْع فِي حَدِيث عَائِشَة فِي أَبْوَاب صَلَاة اللَّيْل إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَجَمَعَ الْكَرْمَانِيُّ بَيْن مَا اِخْتَلَفَ مِنْ رِوَايَات قِصَّة اِبْن عَبَّاس هَذِهِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون بَعْض رُوَاته ذَكَرَ الْقَدْر الَّذِي اِقْتَدَى اِبْن عَبَّاس بِهِ فِيهِ وَفَصَلَهُ عَمَّا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ فِيهِ , وَبَعْضهمْ ذَكَرَ الْجَمِيع مُجْمَلًا وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( ثُمَّ اِضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّن فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ) تَقَدَّمَتْ تَسْمِيَة الْمُؤَذِّن قَرِيبًا , وَسَيَأْتِي بَيَان الِاخْتِلَاف فِي الِاضْطِجَاع هَلْ كَانَ قَبْل رَكْعَتَيْ الْفَجْر أَوْ بَعْدهَا فِي أَوَائِل أَبْوَاب التَّطَوُّع.
قَوْله : ( ثُمَّ خَرَجَ ) أَيْ إِلَى الْمَسْجِد ( فَصَلَّى الصُّبْح ) أَيْ بِالْجَمَاعَةِ , وَزَادَ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ عَنْ كُرَيْب هُنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَوَات " وَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا " الْحَدِيث.
وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي أَوَّل أَبْوَاب صَلَاة اللَّيْل إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ جَوَاز إِعْطَاء بَنِي هَاشِم مِنْ الصَّدَقَة , وَهُوَ مَحْمُول عَلَى التَّطَوُّع , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون إِعْطَاؤُهُ الْعَبَّاس لِيَتَوَلَّى صَرْفه فِي مَصَالِح غَيْره مِمَّنْ يَحِلّ لَهُ أَخْذ ذَلِكَ.
وَفِيهِ جَوَاز تَقَاضِي الْوَعْد وَإِنْ كَانَ مَنْ وَعَدَ بِهِ مَقْطُوعًا بِوَفَائِهِ.
وَفِيهِ الْمُلَاطَفَة بِالصَّغِيرِ وَالْقَرِيب وَالضَّيْف , وَحُسْن الْمُعَاشَرَة لِلْأَهْلِ , وَالرَّدّ عَلَى مَنْ يُؤْثِر دَوَام الِانْقِبَاض.
وَفِيهِ مَبِيت الصَّغِير عِنْد مَحْرَمه وَإِنْ كَانَ زَوْجهَا عِنْدهَا , وَجَوَاز الِاضْطِجَاع مَعَ الْمَرْأَة الْحَائِض , وَتَرْك الِاحْتِشَام فِي ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّغِير وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا بَلْ مُرَاهِقًا.
وَفِيهِ صِحَّة صَلَاة الصَّبِيّ وَجَوَاز فَتْل أُذُنه لِتَأْنِيسِهِ وَإِيقَاظه , وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمُتَعَلِّم إِذْ تُعُوهِدَ بِفَتْلِ أُذُنه كَانَ أَذْكَى لِفَهْمِهِ وَفِيهِ حَمْل أَفْعَاله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الِاقْتِدَاء بِهِ وَمَشْرُوعِيَّة التَّنَفُّل بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء , وَفَضْل صَلَاة اللَّيْل وَلَا سِيَّمَا فِي النِّصْف الثَّانِي , وَالْبُدَاءَة بِالسِّوَاكِ وَاسْتِحْبَابه عِنْد كُلّ وُضُوء وَعِنْد كُلّ صَلَاة , وَتِلَاوَة آخِر آل عِمْرَان عِنْد الْقِيَام إِلَى صَلَاة اللَّيْل , وَاسْتِحْبَاب غَسْل الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ النَّوْم وَهُوَ مُحْدِث , وَلَعَلَّهُ الْمُرَاد بِالْوُضُوءِ لِلْجُنُبِ.
وَفِيهِ جَوَاز الِاغْتِرَاف مِنْ الْمَاء الْقَلِيل لِأَنَّ الْإِنَاء الْمَذْكُور كَانَ قَصْعَة أَوْ صَحْفَة , وَاسْتِحْبَاب التَّقْلِيل مِنْ الْمَاء فِي التَّطْهِير مَعَ حُصُول الْإِسْبَاغ , وَجَوَاز التَّصْغِير وَالذِّكْر بِالصِّفَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَاب السَّمَر فِي الْعِلْم حَيْثُ قَالَ " نَامَ الْغُلَيْم " , وَبَيَان فَضْل اِبْن عَبَّاس وَقُوَّة فَهْمه وَحِرْصه عَلَى تَعَلُّم أَمْر الدِّين وَحُسْن تَأَتِّيه فِي ذَلِكَ.
وَفِيهِ اِتِّخَاذ مُؤَذِّن رَاتِب لِلْمَسْجِدِ , وَإِعْلَام الْمُؤَذِّن الْإِمَام بِحُضُورِ وَقْت الصَّلَاة , وَاسْتِدْعَاؤُهُ لَهَا , وَالِاسْتِعَانَة بِالْيَدِ فِي الصَّلَاة وَتَكْرَار ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ فِي أَوَاخِر كِتَاب الصَّلَاة.
وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْجَمَاعَة فِي النَّافِلَة , وَالِاِئْتِمَامُ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَة , وَبَيَان مَوْقِف الْإِمَام وَالْمَأْمُوم , وَقَدْ تَقَدَّمَ كُلّ ذَلِكَ فِي أَبْوَاب الْإِمَامَة وَاَللَّه الْمُسْتَعَان.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي كَرَاهِيَة الْقُرْآن عَلَى غَيْر وُضُوء لَيْسَتْ عَلَى الْعُمُوم فِي جَمِيع الْأَحْوَال , وَأُجِيبَ بِأَنَّ نَوْمه كَانَ لَا يَنْقُض وُضُوءَهُ فَلَا يَتِمّ الِاسْتِدْلَال بِهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُت أَنَّهُ قَرَأَ الْآيَات بَيْن قَضَاء الْحَاجَة وَالْوُضُوء وَاَللَّه أَعْلَم.
اِنْتَهَى الْكَلَام عَلَى حَدِيث اِبْن عَبَّاس.
وَأَمَّا طَرِيق اِبْن عُمَر الثَّانِيَة فَالْقَاسِم الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده هُوَ اِبْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الصِّدِّيق , وَقَوْله فِيهِ " فَإِذَا أَرَدْت أَنْ تَنْصَرِف فَارْكَعْ رَكْعَة " فِيهِ دَفْع لِقَوْلِ مَنْ اِدَّعَى أَنَّ الْوِتْر بِوَاحِدَةٍ مُخْتَصّ بِمَنْ خَشِيَ طُلُوع الْفَجْر لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِإِرَادَةِ الِانْصِرَاف وَهُوَ أَعَمّ مِنْ أَنْ يَكُون لِخَشْيَةِ طُلُوع الْفَجْر أَوْ غَيْر ذَلِكَ , وَقَوْله فِيهِ " قَالَ الْقَاسِم " هُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور , كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي مُسْتَخْرَجه , وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَلَّق.
وَقَوْله فِيهِ " مُنْذُ أَدْرَكْنَا " أَيْ بَلَغْنَا الْحُلُم أَوْ عَقَلْنَا , وَقَوْله " يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ وَأَنَّ كُلًّا لَوَاسِعٌ " يَقْتَضِي أَنَّ الْقَاسِم فَهِمَ مِنْ قَوْله " فَارْكَعْ رَكْعَة " أَيْ مُنْفَرِدَة مُنْفَصِلَة , وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْق عِنْده بَيْن الْوَصْل وَالْفَصْل فِي الْوِتْر وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَقَدْ أَعَادَهُ الْمُصَنِّف إِسْنَادًا وَمَتْنًا فِي كِتَاب صَلَاة اللَّيْل , وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِإِيرَادِهِ هُنَا أَنْ لَا مُعَارَضَة بَيْنه وَبَيْن حَدِيث اِبْن عَبَّاس , إِذْ ظَاهِر حَدِيث اِبْن عَبَّاس فَصْل الْوِتْر وَهَذَا مُحْتَمِل الْأَمْرَيْنِ , وَقَدْ بَيَّنَ الْقَاسِم أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَاسِع فَشَمَلَ الْفَصْل وَالْوَصْل وَالِاقْتِصَار عَلَى وَاحِدَة وَأَكْثَر , قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : قَوْله " وَأَنَّ كُلًّا " أَيْ وَأَنَّ كُلّ وَاحِدَة مِنْ الرَّكْعَة وَالثَّلَاث وَالْخَمْس وَالسَّبْع وَغَيْرهَا جَائِز , وَأَمَّا تَعْيِين الثَّلَاث مَوْصُولَة وَمَفْصُولَة فَلَمْ يَشْمَلهُ كَلَامه لِأَنَّ الْمُخَالِف مِنْ الْحَنَفِيَّة يَحْمِل كُلّ مَا وَرَدَ مِنْ الثَّلَاث عَلَى الْوَصْل , مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحَادِيث ظَاهِر فِي الْفَصْل كَحَدِيثِ عَائِشَة " يُسَلِّم مِنْ كُلّ رَكْعَتَيْنِ " فَإِنَّهُ يَدْخُل فِيهِ الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ قَبْل الْأَخِيرَة فَهُوَ كَالنَّصِّ فِي مَوْضِع النِّزَاع , وَحَمَلَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا وَمِثْله عَلَى أَنَّ الرَّكْعَة مَضْمُومَة إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلهَا , وَلَمْ يَتَمَسَّك فِي دَعْوَى ذَلِكَ إِلَّا بِالنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاء مَعَ اِحْتِمَال أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْبُتَيْرَاء أَنْ يُوتِر بِوَاحِدَةٍ فَرْدَة لَيْسَ قَبْلهَا شَيْء , وَهُوَ أَعَمّ مِنْ أَنْ يَكُون الْوَصْل أَوْ الْفَصْل , وَصَرَّحَ كَثِير مِنْهُمْ أَنَّ الْفَصْل يَقْطَعهُمَا عَنْ أَنْ يَكُونَا مِنْ جُمْلَة الْوِتْر , وَمَنْ خَالَفَهُمْ يَقُول إِنَّهُمَا مِنْهُ بِالنِّيَّةِ.
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق وَاَللَّه أَعْلَم.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَهِيَ خَالَتُهُ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ وِسَادَةٍ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبهِ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ
عن عبد الله بن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف، فاركع ركعة توتر لك ما صليت» قال القاسم: «ورأينا أنا...
عروة، أن عائشة، أخبرته: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته - تعني بالليل - فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدك...
عن أنس بن سيرين، قال: قلت لابن عمر: أرأيت الركعتين قبل صلاة الغداة أطيل فيهما القراءة، فقال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى، وي...
عن عائشة، قالت: «كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى وتره إلى السحر»
عن عائشة، قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني، فأوترت»
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا»
عن سعيد بن يسار، أنه قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر بطريق مكة، فقال سعيد: فلما خشيت الصبح نزلت، فأوترت، ثم لحقته، فقال عبد الله بن عمر: أين كنت؟ فقل...
عن ابن عمر، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته، حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل، إلا الفرائض ويوتر على راحلته»
عن أنس بن مالك: أقنت النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح؟ قال: نعم، فقيل له: أوقنت قبل الركوع؟ قال: «بعد الركوع يسيرا»