1403- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من آتاه الله مالا، فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - ثم يقول أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا: (لا يحسبن الذين يبخلون) " الآية
(مثل له) صير له.
(شجاعا) الحية الذكر أو الثعبان.
(أقرع) لا شعر على رأسه لكثرة سمه وطول عمره.
(زبيبتان) نابان يخرجان من فمه أو نقطتان سوداوان فوق عينيه وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه.
(يطوقه) يجعل في عنقه كالطوق.
(شدقيه) جانبي الفم.
(الآية) آل عمران 180.
وتتمتها {بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير}
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ أَبِي صَالِح ) كَذَا رَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَن وَتَابَعَهُ زَيْد بْن أَسْلَم عَنْ أَبِي صَالِح عِنْد مُسْلِم وَسَاقَهُ مُطَوَّلًا , وَكَذَا رَوَاهُ مَالِك عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار , وَرَوَاهُ اِبْن حِبَّان مِنْ طَرِيق اِبْن عَجْلَان عَنْ الْقَعْقَاع بْن حَكِيم عَنْ أَبِي صَالِح , وَلَكِنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَة , وَخَالَفَهُمْ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة فَرَوَاهُ عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَرَجَّحَهُ , لَكِنْ قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز خَطَأ بَيِّن , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْد عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي صَالِح أَصْلًا اِنْتَهَى.
وَفِي هَذَا التَّعْلِيل نَظَر , وَمَا الْمَانِع أَنْ يَكُون لَهُ فِيهِ شَيْخَانِ ؟ نَعَمْ الَّذِي يَجْرِي عَلَى طَرِيقَة أَهْل الْحَدِيث أَنَّ رِوَايَة عَبْد الْعَزِيز شَاذَّة لِأَنَّهُ سَلَكَ الْجَادَّة , وَمَنْ عَدَلَ عَنْهَا دَلَّ عَلَى مَزِيد حِفْظه.
قَوْله : ( مَثَّلَ لَهُ ) أَيْ صَوَّرَ , أَوْ ضَمَّنَ مِثْل مَعْنَى التَّصْيِير أَيْ صَيَّرَ مَاله عَلَى صُورَة شُجَاع , وَالْمُرَاد بِالْمَالِ النَّاضّ كَمَا أَشَرْت إِلَيْهِ فِي تَفْسِير بَرَاءَة , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة زَيْد بْن أَسْلَمَ " مَا مِنْ صَاحِب ذَهَب وَلَا فِضَّة لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِح مِنْ نَار فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم فَيُكْوَى بِهَا جَنْبه وَجَبِينه وَظَهْره " وَلَا تَنَافِي بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ اِجْتِمَاع الْأَمْرَيْنِ مَعًا , فَرِوَايَة اِبْن دِينَار تُوَافِق الْآيَة الَّتِي ذَكَرَهَا وَهِيَ " سَيُطَوَّقُونَ " وَرِوَايَة زَيْد بْن أَسْلَمَ تُوَافِق قَوْله تَعَالَى ( يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ) الْآيَة قَالَ الْبَيْضَاوِيّ : خَصَّ الْجَنْب وَالْجَبِين وَالظَّهْر لِأَنَّهُ جَمَعَ الْمَال , وَلَمْ يَصْرِفهُ فِي حَقّه , لِتَحْصِيلِ الْجَاه وَالتَّنَعُّم بِالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِس , أَوْ لِأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ الْفَقِير وَوَلَّاهُ ظَهْره , أَوْ لِأَنَّهَا أَشْرَف الْأَعْضَاء الظَّاهِرَة لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَعْضَاء الرَّئِيسَة.
وَقِيلَ : الْمُرَاد بِهَا الْجِهَات الْأَرْبَع الَّتِي هِيَ مُقَدَّم الْبَدَن وَمُؤَخَّره وَجَنْبَاهُ , نَسْأَل اللَّه السَّلَامَة.
وَالْمُرَاد بِالشُّجَاعِ - وَهُوَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَة ثُمَّ جِيم - الْحَيَّة الذَّكَر , وَقِيلَ الَّذِي يَقُوم عَلَى ذَنَبه وَيُوَاثِب الْفَارِس , وَالْأَقْرَع الَّذِي تُقْرَع رَأْسه أَيْ تُمْعَط لِكَثْرَةِ سُمّه.
وَفِي " كِتَاب أَبِي عَبِيد ".
سُمِّيَ أَقْرَع لِأَنَّ شَعْر رَأْسه يَتَمَعَّط لِجَمْعِهِ السُّمّ فِيهِ.
وَتَعَقَّبَهُ الْقَزَّاز بِأَنَّ الْحَيَّة لَا شَعْر بِرَأْسِهَا , فَلَعَلَّهُ يَذْهَب جِلْد رَأْسه.
وَفِي " تَهْذِيب الْأَزْهَرِيّ " : سُمِّيَ أَقْرَع لِأَنَّهُ يَقْرِي السُّمّ وَيَجْمَعهُ فِي رَأْسه حَتَّى تَتَمَعَّط فَرْوَة رَأْسه , قَالَ ذُو الرُّمَّة : قَرَى السُّمّ حَتَّى اِنْمَازَ فَرْوَة رَأْسه عَنْ الْعَظْم صِلٌّ قَاتِل اللَّسْع مَارِدُهُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : الْأَقْرَع مِنْ الْحَيَّات الَّذِي اِبْيَضَّ رَأْسه مِنْ السُّمّ , وَمِنْ النَّاس الَّذِي لَا شَعْر بِرَأْسِهِ.
قَوْله : ( لَهُ زَبِيبَتَانِ ) تَثْنِيَة زَبِيبَة بِفَتْحِ الزَّاي وَمُوَحَّدَتَيْنِ , وَهُمَا الزُّبْدَتَانِ اللَّتَانِ فِي الشِّدْقَيْنِ يُقَال تَكَلَّمَ حَتَّى زَبَدَ شِدْقَاهُ أَيْ خَرَجَ الزَّبَد مِنْهُمَا , وَقِيلَ هُمَا النُّكْتَتَانِ السَّوْدَاوَانِ فَوْق عَيْنَيْهِ , وَقِيلَ نُقْطَتَانِ يَكْتَنِفَانِ فَاهُ , وَقِيلَ هُمَا فِي حَلْقه بِمَنْزِلَةِ زَنَمَتَيْ الْعَنْز , وَقِيلَ لَحْمَتَانِ عَلَى رَأْسه مِثْل الْقَرْنَيْنِ , وَقِيلَ نَابَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ فِيهِ.
قَوْله : ( يُطَوَّقهُ ) بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْح الْوَاو الثَّقِيلَة , أَيْ يَصِير لَهُ ذَلِكَ الثُّعْبَان طَوْقًا.
قَوْله : ( ثُمَّ يَأْخُذ بِلِهْزِمَتَيْهِ ) فَاعِل يَأْخُذ هُوَ الشُّجَاع , وَالْمَأْخُوذ يَد صَاحِب الْمَال كَمَا وَقَعَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَة هَمَّام عَنْ أَبِي هُرَيْرَة الْآتِيَة فِي " تَرْك الْحِيَل " بِلَفْظِ " لَا يَزَال يَطْلُبهُ حَتَّى يَبْسُط يَده فَيُلْقِمهَا فَاهُ ".
قَوْله : ( بِلِهْزِمَتَيْهِ ) بِكَسْرِ اللَّام وَسُكُون الْهَاء بَعْدهَا زَاي مَكْسُورَة , وَقَدْ فُسِّرَ فِي الْحَدِيث بِالشِّدْقَيْنِ , وَفِي الصِّحَاح : هُمَا الْعَظْمَانِ الْفَائِتَانِ فِي اللَّحْيَيْنِ تَحْت الْأُذُنَيْنِ.
وَفِي الْجَامِع : هُمَا لَحْم الْخَدَّيْنِ الَّذِي يَتَحَرَّك إِذَا أَكَلَ الْإِنْسَان.
قَوْله : ( ثُمَّ يَقُول : أَنَا مَالك , أَنَا كَنْزك ) وَفَائِدَة هَذَا الْقَوْل الْحَسْرَة وَالزِّيَادَة فِي التَّعْذِيب حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ النَّدَم , وَفِيهِ نَوْع مِنْ التَّهَكُّم.
وَزَادَ فِي " تَرْك الْحِيَل " مِنْ طَرِيق هَمَّام عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " يَفِرّ مِنْهُ صَاحِبه وَيَطْلُبهُ " وَفِي حَدِيث ثَوْبَان عِنْد اِبْن حِبَّانَ " يَتْبَعهُ فَيَقُول أَنَا كَنْزك الَّذِي تَرَكْته بَعْدك , فَلَا يَزَال يَتْبَعهُ حَتَّى يُلْقِمهُ يَده فَيَمْضُغهَا ثُمَّ يَتْبَعهُ سَائِر جَسَده ".
وَلِمُسْلِمٍ فِي حَدِيث جَابِر " يَتْبَع صَاحِبه حَيْثُ ذَهَبَ وَهُوَ يَفِرّ مِنْهُ , فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْهُ أَدْخَلَ يَده فِي فِيهِ فَجَعَلَ يَقْضِمهَا كَمَا يَقْضِم الْفَحْل " , وَلِلطَّبَرَانِيّ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود " يَنْقُر رَأْسه " وَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّ اللَّه يُصَيِّر نَفْس الْمَال بِهَذِهِ الصِّفَة.
وَفِي حَدِيث جَابِر عِنْد مُسْلِم " إِلَّا مُثِّلَ لَهُ " كَمَا هُنَا , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : أَيْ صُوِّرَ أَوْ نُصِبَ وَأُقِيمَ , مِنْ قَوْلهمْ مَثَلَ قَائِمًا أَيْ مُنْتَصِبًا.
قَوْله : ( ثُمَّ تَلَا ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ) الْآيَة ) فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْد الشَّافِعِيّ وَالْحُمَيْدِيّ " ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَذَكَرَ الْآيَة , وَنَحْوه فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ " قَرَأَ مِصْدَاقه : سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة " وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ تَقْوِيَة لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : الْمُرَاد بِالتَّطْوِيقِ فِي الْآيَة الْحَقِيقَة , خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إِنَّ مَعْنَاهُ سَيُطَوَّقُونَ الْإِثْم.
وَفِي تِلَاوَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَة دَلَالَة عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَانِعِي الزَّكَاة , وَهُوَ قَوْل أَكْثَر أَهْل الْعِلْم بِالتَّفْسِيرِ , وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُود الَّذِينَ كَتَمُوا صِفَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِيمَنْ لَهُ قَرَابَة لَا يَصِلهُمْ قَالَهُ مَسْرُوق.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا { لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } الْآيَةَ
عن خالد بن أسلم، قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله: {والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله...
عن يحيى بن أبي كثير، أن عمرو بن يحيى بن عمارة أخبره، عن أبيه يحيى بن عمارة بن أبي الحسن: أنه سمع أبا سعيد رضي الله عنه، يقول: قال النبي صلى الله عليه...
عن زيد بن وهب، قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: " كنت بالشأم، فاختلفت أنا ومعاوية في: {الذين يكنزون...
عن أبو العلاء بن الشخير، أن الأحنف بن قيس، حدثهم قال: جلست إلى ملإ من قريش، فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة، حتى قام عليهم فسلم، ثم قال: بشر الكانز...
عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الل...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم...
عن حارثة بن وهب، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " تصدقوا، فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته، فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه،...
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، يقول: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة، والآخر يشكو قطع السبيل، فقال رسول الله صلى ال...