1543- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلبس القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين، فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران أو ورس»
أخرجه مسلم في الحج باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة.
.
رقم 1177
(القمص) جمع قميص.
(الخفاف) جمع خف وهو كالحذاء.
(أسفل من الكعبين) دون الكعبين حتى يصبح كالنعل
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُول اللَّه ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق , وَسَيَأْتِي فِي " بَاب مَا يُنْهَى مِنْ الطِّيب لِلْمُحْرِمِ " وَمِنْ طَرِيق اللَّيْث عَنْ نَافِع بِلَفْظِ " مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَس مِنْ الثِّيَاب فِي الْإِحْرَام " وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق عُمَر بْن نَافِع عَنْ أَبِيهِ " مَا نَلْبَس مِنْ الثِّيَاب إِذَا أَحْرَمْنَا " وَهُوَ مُشْعِر بِأَنَّ السُّؤَال عَنْ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْإِحْرَام.
وَقَدْ حَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْر النَّيْسَابُورِيّ أَنَّ فِي رِوَايَة اِبْن جُرَيْجٍ وَاللَّيْث عَنْ نَافِع أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْمَسْجِد , وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق عَنْهُمَا.
نَعَمْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب , وَمِنْ طَرِيق عَبْد الْوَهَّاب بْن عَطَاء عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَوْن , كِلَاهُمَا عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر " نَادَى رَجُل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُب بِذَلِكَ الْمَكَان " وَأَشَارَ نَافِع إِلَى مُقَدَّم الْمَسْجِد فَذَكَرَ الْحَدِيث , وَظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ , وَوَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْآتِي فِي أَوَاخِر الْحَجّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِذَلِكَ فِي عَرَفَات فَيُحْمَل عَلَى التَّعَدُّد , وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ حَدِيث اِبْن عُمَر أَجَابَ بِهِ السَّائِل وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس اِبْتَدَأَ بِهِ فِي الْخُطْبَة.
قَوْله : ( مَا يَلْبَس الْمُحْرِم مِنْ الثِّيَاب ؟ قَالَ : لَا يَلْبَس الْقُمُصَ إِلَخْ ) قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الْعُلَمَاء هَذَا الْجَوَاب مِنْ بَدِيع الْكَلَام وَجَزْله لِأَنَّ مَا لَا يُلْبَس مُنْحَصِر فَحَصَلَ التَّصْرِيح بِهِ , وَأَمَّا الْمَلْبُوس الْجَائِز فَغَيْر مُنْحَصِر فَقَالَ : لَا يَلْبَس كَذَا أَيْ وَيَلْبَس مَا سِوَاهُ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ : سُئِلَ عَمَّا يُلْبَس فَأَجَابَ بِمَا لَا يُلْبَس لِيَدُلّ بِالِالْتِزَامِ مِنْ طَرِيق الْمَفْهُوم عَلَى مَا يَجُوز , وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ الْجَوَاب لِأَنَّهُ أَخْصَر وَأَحْصَر , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ حَقَّ السُّؤَال أَنْ يَكُون عَمَّا لَا يَلْبَس لِأَنَّهُ الْحُكْم الْعَارِض فِي الْإِحْرَام الْمُحْتَاج لِبَيَانِهِ , إِذْ الْجَوَاز ثَابِت بِالْأَصْلِ مَعْلُوم بِالِاسْتِصْحَابِ فَكَانَ الْأَلْيَق السُّؤَال عَمَّا لَا يُلْبَس , وَقَالَ غَيْره : هَذَا يُشْبِه أُسْلُوب الْحَكِيم , وَيَقْرُب مِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفِقُونَ , قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ ) الْآيَة , فَعَدَلَ عَنْ جِنْس الْمُنْفَق وَهُوَ الْمَسْئُول عَنْهُ إِلَى ذِكْر الْمُنْفَق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَهَمُّ.
وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : يُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ الْمُعْتَبَر فِي الْجَوَاب مَا يَحْصُل مِنْهُ الْمَقْصُود كَيْفَ كَانَ وَلَوْ بِتَغْيِيرٍ أَوْ زِيَادَة وَلَا تُشْتَرَط الْمُطَابَقَة اِنْتَهَى.
وَهَذَا كُلّه بِنَاء عَلَى سِيَاق هَذِهِ الرِّوَايَة وَهِيَ الْمَشْهُورَة عَنْ نَافِع , وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَة مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ نَافِع بِلَفْظِ " مَا يَتْرُك الْمُحْرِم " وَهِيَ شَاذَّة وَالِاخْتِلَاف فِيهَا عَلَى اِبْن جُرَيْجٍ لَا عَلَى نَافِع , وَرَوَاهُ سَالِم عَنْ اِبْن عُمَر بِلَفْظِ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ : مَا يَجْتَنِب الْمُحْرِم مِنْ الثِّيَاب " أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَابْن خُزَيْمَةَ وَأَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طَرِيق عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْهُ , وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيّ فَقَالَ مَرَّة " مَا يَتْرُك " وَمَرَّة " مَا يَلْبَس " , وَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّف فِي أَوَاخِر الْحَجّ مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ الزُّهْرِيّ بِلَفْظِ نَافِع , فَالِاخْتِلَاف فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيّ يُشْعِر بِأَنَّ بَعْضهمْ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فَاسْتَقَامَتْ رِوَايَة نَافِع لِعَدَمِ الِاخْتِلَاف فِيهَا , وَاتَّجَهَ الْبَحْث الْمُتَقَدِّم.
وَطَعَنَ بَعْضهمْ فِي قَوْل مَنْ قَالَ مِنْ الشُّرَّاح أَنَّ هَذَا مِنْ أُسْلُوب الْحَكِيم بِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِن الْجَوَاب بِمَا يَحْصُر أَنْوَاع مَا لَا يُلْبَس كَأَنْ يُقَال مَا لَيْسَ بِمَخِيطٍ وَلَا عَلَى قَدْر الْبَدَن كَالْقَمِيصِ أَوْ بَعْضه كَالسَّرَاوِيلِ أَوْ الْخُفّ وَلَا يَسْتُر الرَّأْس أَصْلًا وَلَا يَلْبَس مَا مَسَّهُ طِيب كَالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَان , وَلَعَلَّ الْمُرَاد مِنْ الْجَوَاب الْمَذْكُور ذِكْر الْمُهِمّ وَهُوَ مَا يَحْرُم لُبْسه وَيُوجِب الْفِدْيَة.
قَوْله : ( الْمُحْرِم ) أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ هُنَا الرَّجُل , وَلَا يَلْتَحِق بِهِ الْمَرْأَة فِي ذَلِكَ قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ لُبْس جَمِيع مَا ذُكِرَ , وَإِنَّمَا تَشْتَرِك مَعَ الرَّجُل فِي مَنْع الثَّوْب الَّذِي مَسَّهُ الزَّعْفَرَان أَوْ الْوَرْس , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي آخِر حَدِيث اللَّيْث الْآتِي فِي آخِر الْحَجّ " لَا تَنْتَقِب الْمَرْأَة " كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ , وَقَوْله " لَا تَلْبَسُ " بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَر وَهُوَ فِي مَعْنَى النَّهْي , وَرُوِيَ بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّهُ نَهْي , قَالَ عِيَاض : أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيث لَا يَلْبَسهُ الْمُحْرِم , وَأَنَّهُ نَبَّهَ بِالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيل عَلَى كُلّ مَخِيط , وَبِالْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِس عَلَى كُلّ مَا يُغَطَّى الرَّأْس بِهِ مَخِيطًا أَوْ غَيْره , وَبِالْخِفَافِ عَلَى كُلّ مَا يَسْتُر الرِّجْل اِنْتَهَى.
وَخَصَّ اِبْن دَقِيق الْعِيد الْإِجْمَاع الثَّانِي بِأَهْلِ الْقِيَاس وَهُوَ وَاضِح , وَالْمُرَاد بِتَحْرِيمِ الْمَخِيط مَا يَلْبَس عَلَى الْمَوْضِع الَّذِي جَعَلَ لَهُ وَلَوْ فِي بَعْض الْبَدَن فَأَمَّا لَوْ اِرْتَدَى بِالْقَمِيصِ مَثَلًا فَلَا بَأْس.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : ذَكَرَ الْعِمَامَة وَالْبُرْنُس مَعًا لِيَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز تَغْطِيَة الرَّأْس لَا بِالْمُعْتَادِ وَلَا بِالنَّادِرِ , قَالَ : وَمِنْ النَّادِر الْمِكْتَل يَحْمِلهُ عَلَى رَأْسه.
قُلْت : إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجْعَلهُ عَلَى رَأْسه كَلَابِسِ الْقُبَع صَحَّ مَا قَالَ , وَإِلَّا فَمُجَرَّد وَضْعه عَلَى رَأْسه عَلَى هَيْئَة الْحَامِل لِحَاجَتِهِ لَا يَضُرّ عَلَى مَذْهَبه.
وَمِمَّا لَا يَضُرّ أَيْضًا الِانْغِمَاس فِي الْمَاء فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا , وَكَذَا سَتْر الرَّأْس بِالْيَدِ.
قَوْله : ( إِلَّا أَحَد ) قَالَ اِبْن الْمُنَيِّرِ فِي الْحَاشِيَة : يُسْتَفَاد مِنْهُ جَوَاز اِسْتِعْمَال أَحَد فِي الْإِثْبَات خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِضَرُورَةِ الشِّعْر , قَالَ : وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَل فِي الْإِثْبَات إِلَّا إِنْ كَانَ يَعْقُبهُ نَفْي.
قَوْله : ( لَا يَجِد نَعْلَيْنِ ) زَادَ مَعْمَر فِي رِوَايَته عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ سَالِم فِي هَذَا الْمَوْضِع زِيَادَة حَسَنَة تُفِيد اِرْتِبَاط ذِكْر النَّعْلَيْنِ بِمَا سَبَقَ وَهِيَ قَوْله " وَلْيُحْرِمْ أَحَدكُمْ فِي إِزَار وَرِدَاء وَنَعْلَيْنِ , فَإِنْ لَمْ يَجِد نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ " وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ " فَإِنْ لَمْ يَجِد " عَلَى أَنَّ وَاجِد النَّعْلَيْنِ لَا يَلْبَس الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور , وَعَنْ بَعْض الشَّافِعِيَّة جَوَازه وَكَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّة.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنْ صَارَا كَالنَّعْلَيْنِ جَازَ وَإِلَّا مَتَى سَتَرَا مِنْ ظَاهِر الرِّجْل شَيْئًا لَمْ يَجُزْ إِلَّا لِلْفَاقِدِ , وَالْمُرَاد بِعَدَمِ الْوِجْدَان أَنْ لَا يَقْدِر عَلَى تَحْصِيله إِمَّا لِفَقْدِهِ أَوْ تَرْك بَذْل الْمَالِك لَهُ وَعَجْزه عَنْ الثَّمَن إِنْ وَجَدَ مَنْ يَبِيعهُ أَوْ الْأُجْرَة , وَلَوْ بِيعَ بِغَبْنٍ لَمْ يَلْزَمهُ شِرَاؤُهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ لَمْ يَجِبْ قَبُوله إِلَّا إِنْ أُعِيرَ لَهُ.
قَوْله : ( فَلْيَلْبَسْ ) ظَاهِر الْأَمْر لِلْوُجُوبِ , لَكِنَّهُ لَمَّا شُرِعَ لِلتَّسْهِيلِ لَمْ يُنَاسِب التَّثْقِيل وَإِنَّمَا هُوَ لِلرُّخْصَةِ.
قَوْله : ( وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ ) فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي ذِئْب الْمَاضِيَة فِي آخِر كِتَاب الْعِلْم " حَتَّى يَكُونَا تَحْت الْكَعْبَيْنِ " وَالْمُرَاد كَشْف الْكَعْبَيْنِ فِي الْإِحْرَام وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِل السَّاق وَالْقَدَم , وَمُؤَيِّده مَا رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ جَرِير عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ إِذَا اُضْطُرَّ الْمُحْرِم إِلَى الْخُفَّيْنِ خَرَقَ ظُهُورهمَا وَتَرَكَ فِيهِمَا قَدْر مَا يَسْتَمْسِك رِجْلَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْحَنَفِيَّة : الْكَعْب هُنَا هُوَ الْعَظْم الَّذِي فِي وَسَط الْقَدَم عِنْدَ مَعْقِد الشِّرَاك , وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَف عِنْدَ أَهْل اللُّغَة , وَقِيلَ إِنَّهُ لَا يَثْبُت عَنْ مُحَمَّد إِنَّ السَّبَب فِي نَقْله عَنْهُ أَنَّ هِشَام بْن عُبَيْد اللَّه الرَّازِيَّ سَمِعَهُ يَقُول فِي مَسْأَلَة الْمُحْرِم إِذَا لَمْ يَجِد النَّعْلَيْنِ حَيْثُ يَقْطَع خُفَّيْهِ فَأَشَارَ مُحَمَّد بِيَدِهِ إِلَى مَوْضِع الْقَطْع , وَنَقَلَهُ هِشَام إِلَى غَسْل الرِّجْلَيْنِ فِي الطَّهَارَة , وَبِهَذَا يُتَعَقَّب عَلَى مَنْ نَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَة كَابْنِ بَطَّال أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الْكَعْب هُوَ الشَّاخِص فِي ظَهْر الْقَدَم , فَإِنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ نَقْل ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَسَن - عَلَى تَقْدِير صِحَّتِهِ عَنْهُ - أَنْ يَكُون قَوْل أَبِي حَنِيفَة.
وَنُقِلَ عَنْ الْأَصْمَعِيّ وَهُوَ قَوْل الْإِمَامِيَّة أَنَّ الْكَعْب عَظْم مُسْتَدِير تَحْت عَظْم السَّاق حَيْثُ مَفْصِل السَّاق وَالْقَدَم , وَجُمْهُور أَهْل اللُّغَة عَلَى أَنَّ فِي كُلّ قَدَم كَعْبَيْنِ , وَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهُ لَا فِدْيَة عَلَى مَنْ لَبِسَهُمَا إِذَا لَمْ يَجِد النَّعْلَيْنِ , وَعَنْ الْحَنَفِيَّة تَجِب , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ وَقْت الْحَاجَة.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اِشْتِرَاط الْقَطْع , خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَد فَإِنَّهُ أَجَازَ لُبْس الْخُفَّيْنِ مِنْ غَيْر قَطْع لِإِطْلَاقِ حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْآتِي فِي أَوَاخِر الْحَجّ بِلَفْظِ " وَمَنْ لَمْ يَجِد نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ " وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مُوَافِق عَلَى قَاعِدَة حَمْل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُول بِهَا هُنَا , وَأَجَابَ الْحَنَابِلَة بِأَشْيَاء : مِنْهَا دَعْوَى النَّسْخ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر , فَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق عَمْرو بْن دِينَار أَنَّهُ رَوَى عَنْ اِبْن عُمَر حَدِيثه وَعَنْ جَابِر بْن زَيْد عَنْ اِبْن عَبَّاس حَدِيثه وَقَالَ : اُنْظُرُوا أَيّ الْحَدِيثَيْنِ قُبِلَ , ثُمَّ حَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْر النَّيْسَابُورِيّ أَنَّهُ قَالَ : حَدِيث اِبْن عُمَر قُبِلَ لِأَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْإِحْرَام , وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس بِعَرَفَاتٍ.
وَأَجَابَ الشَّافِعِيّ عَنْ هَذَا فِي " الْأُمّ " فَقَالَ : كِلَاهُمَا صَادِق حَافِظ , وَزِيَادَة اِبْن عُمَر لَا تُخَالِف اِبْن عَبَّاس لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُون عَزَبَتْ عَنْهُ أَوْ شَكَّ أَوْ قَالَهَا فَلَمْ يَقُلْهَا عَنْهُ بَعْض رُوَاته اِنْتَهَى.
وَسَلَكَ بَعْضهمْ التَّرْجِيح بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ , قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : حَدِيث اِبْن عُمَر اِخْتُلِفَ فِي وَقْفه وَرَفْعه , وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس لَمْ يُخْتَلَف فِي رَفْعه اِنْتَهَى.
وَهُوَ تَعْلِيل مَرْدُود بَلْ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى اِبْن عُمَر فِي رَفْع الْأَمْر بِالْقَطْعِ إِلَّا فِي رِوَايَة شَاذَّة , عَلَى أَنَّهُ اِخْتُلِفَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَيْضًا فَرَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس مَوْقُوفًا , وَلَا يَرْتَابُ أَحَد مِنْ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ حَدِيث اِبْن عُمَر أَصَحّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس لِأَنَّ حَدِيث اِبْن عُمَر جَاءَ بِإِسْنَادٍ وُصِفَ بِكَوْنِهِ أَصَحَّ الْأَسَانِيد , وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ عَنْ اِبْن عُمَر غَيْر وَاحِد مِنْ الْحُفَّاظ مِنْهُمْ نَافِع وَسَالِم , بِخِلَافِ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فَلَمْ يَأْتِ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ رِوَايَة جَابِر بْن زَيْد عَنْهُ حَتَّى قَالَ الْأَصِيلِيّ : إِنَّهُ شَيْخ بَصْرِيّ لَا يُعْرَف كَذَا قَالَ , وَهُوَ مَعْرُوف مَوْصُوف بِالْفِقْهِ عِنْد الْأَئِمَّة.
وَاسْتَدَلَّ بَعْضهمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى السَّرَاوِيل كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاس مَعَ وُجُود النَّصّ فَاسِد الِاعْتِبَار.
وَاحْتَجَّ بَعْضهمْ بِقَوْلِ عَطَاء : إِنَّ الْقَطْع فَسَاد وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْفَسَاد , وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسَاد إِنَّمَا يَكُون فِيمَا نَهَى الشَّرْع عَنْهُ لَا فِيمَا أَذِنَ فِيهِ.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : يُحْمَل الْأَمْر بِالْقَطْعِ عَلَى الْإِبَاحَة لَا عَلَى الِاشْتِرَاط عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ , وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفه.
قَالَ الْعُلَمَاء : وَالْحِكْمَة فِي مَنْع الْمُحْرِم مِنْ اللِّبَاس وَالطِّيب الْبُعْد عَنْ التَّرَفُّه , وَالِاتِّصَاف بِصِفَةِ الْخَاشِع , وَلِيَتَذَكَّرَ بِالتَّجَرُّدِ الْقُدُوم عَلَى رَبّه فَيَكُون أَقْرَب إِلَى مُرَاقَبَته وَامْتِنَاعه مِنْ اِرْتِكَاب الْمَحْظُورَات.
قَوْله : ( وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَاب شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَان أَوْ وَرْس ) قِيلَ عَدَلَ عَنْ طَرِيقَة مَا تَقَدَّمَ ذِكْره إِشَارَة إِلَى اِشْتَرَاك الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ , بَلْ الظَّاهِر أَنَّ نُكْتَة الْعُدُول أَنَّ الَّذِي يُخَالِطهُ الزَّعْفَرَان وَالْوَرْس لَا يَجُوز لُبْسه سَوَاء كَانَ مِمَّا يَلْبَسهُ الْمُحْرِم أَوْ لَا يَلْبَسهُ.
وَالْوَرْس بِفَتْحِ الْوَاو وَسُكُون الرَّاء بَعْدهَا مُهْمَلَة نَبْت أَصْفَر طَيِّب الرِّيح يُصْبَغ بِهِ , قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : لَيْسَ الْوَرْس بِطِيبٍ , وَلَكِنَّهُ نَبَّهَ بِهِ عَلَى اِجْتِنَاب الطِّيب وَمَا يُشْبِههُ فِي مُلَاءَمَة الشَّمّ , فَيُؤْخَذ مِنْهُ تَحْرِيم أَنْوَاع الطِّيب عَلَى الْمُحْرِم وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ فِيمَا يُقْصَد بِهِ التَّطَيُّب.
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ " مَسَّهُ " عَلَى تَحْرِيم مَا صُبِغَ كُلّه أَوْ بَعْضُهُ وَلَوْ خَفِيَتْ رَائِحَته.
قَالَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ : إِنَّمَا يُكْرَه لُبْس الْمُصْبَغَاتِ لِأَنَّهَا تُنْفَض.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّة : إِذَا صَارَ الثَّوْب بِحَيْثُ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاء لَمْ تَفُحْ لَهُ رَائِحَة لَمْ يُمْنَع.
وَالْحُجَّة فِيهِ حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْآتِي فِي الْبَاب الَّذِي تَقَدَّمَ بِلَفْظِ " وَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْء مِنْ الثِّيَاب إِلَّا الْمُزَعْفَرَة الَّتِي تَرْدَع الْجِلْد " وَأَمَّا الْمَغْسُول فَقَالَ الْجُمْهُور : إِذَا ذَهَبَتْ الرَّائِحَة جَازَ خِلَافًا لِمَالِكٍ , وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِمَا رَوَى أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع فِي هَذَا الْحَدِيث " إِلَّا أَنْ يَكُون غَسِيلًا " أَخْرَجَهُ يَحْيَى بْن عَبْد الْحَمِيد الْحِمَّانِيّ فِي مُسْنَده عَنْهُ , وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَحْمَد بْن أَبِي عِمْرَان أَنَّ يَحْيَى بْن مَعِين أَنْكَرَهُ عَلَى الْحِمَّانِيّ , فَقَالَ لَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن صَالِح الْأَزْدِيُّ : قَدْ كَتَبْته عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة.
وَقَامَ فِي الْحَال فَأَخْرَجَ لَهُ أَصْله فَكَتَبَهُ عَنْهُ يَحْيَى بْن مَعِين اِنْتَهَى.
وَهِيَ زِيَادَة شَاذَّة لِأَنَّ أَبَا مُعَاوِيَة وَإِنْ كَانَ مُتْقِنًا لَكِنْ فِي حَدِيثه عَنْ غَيْر الْأَعْمَش مَقَال , قَالَ أَحْمَد : أَبُو مُعَاوِيَة مُضْطَرِب الْحَدِيث فِي عُبَيْد اللَّه وَلَمْ يَجِيء بِهَذِهِ الزِّيَادَة غَيْره.
قُلْت : وَالْحِمَّانِيّ ضَعِيف وَعَبْد الرَّحْمَن الَّذِي تَابَعَهُ فِيهِ مَقَال , وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُهَلَّب عَلَى مَنْع اِسْتِدَامَة الطِّيب وَفِيهِ نَظَر , وَاسْتَنْبَطَ مَنْ مَنَعَ لُبْس الثَّوْب الْمُزَعْفَر مَنْع أَكْل الطَّعَام الَّذِي فِيهِ الزَّعْفَرَان وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيَّة , وَعَنْ الْمَالِكِيَّة خِلَاف , وَقَالَ الْحَنَفِيَّة لَا يَحْرُم لِأَنَّ الْمُرَاد اللُّبْس وَالتَّطَيُّب وَالْآكِل لَا يُعَدّ مُتَطَيِّبًا.
( تَنْبِيه ) : زَادَ الثَّوْرِيّ فِي رِوَايَته عَنْ أَيُّوب عَنْ نَافِع فِي هَذَا الْحَدِيث " وَلَا الْقَبَاء " أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْهُ , وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ الثَّوْرِيّ , وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق حَفْص بْن غِيَاث عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع أَيْضًا.
وَالْقَبَاء بِالْقَافِ وَالْمُوَحَّدَة مَعْرُوف , وَيُطْلَق عَلَى كُلّ ثَوْب مُفَرَّج , وَمَنْع لُبْسه عَلَى الْمُحْرِم مُتَّفَق عَلَيْهِ , إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَة قَالَ : يُشْتَرَط أَنْ يُدْخِل يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ لَا إِذَا أَلْقَاهُ عَلَى كَتِفَيْهِ , وَوَافَقَهُ أَبُو ثَوْر وَالْخِرَقِيّ مِنْ الْحَنَابِلَة.
وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ نَظِيره إِنْ كَانَ كُمّه ضَيِّقًا , فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَلَا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أسامة رضي الله عنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، قال: فكلا...
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: «انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل، وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه، فلم ينه عن شيء من...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا، وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة، فلما ركب راحلته واست...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين - قال: وأحسبه - بات بها حتى أصبح "...
عن أنس رضي الله عنه، قال: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، وسمعتهم يصرخون بهما جميعا»
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك...
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إني لأعلم كيف " كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك " تابعه أب...
عن أنس رضي الله عنه، قال: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى...
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة»