3887- عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما: «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به: بينما أنا في الحطيم، وربما قال في الحجر، مضطجعا، إذ أتاني آت فقد، قال: وسمعته يقول: فشق ما بين هذه إلى هذه فقلت: للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول: من قصه إلى شعرته فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثم حشي ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه، قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه، قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة، قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت فردا، ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إلى إدريس، قال: هذا إدريس، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا موسى، قال: هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر من يدخلها من أمتي، ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلم عليه، قال: فسلمت عليه فرد السلام، قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات، ثم رفع لي البيت المعمور، ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللبن فقال: هي الفطرة أنت عليها وأمتك، ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بما أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلم، قال: فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي.»
(الحطيم) هو الحجر.
(ثغرة نحره) الفجوة التي بين الترقوتين أعلى الصدر وأسفل العنق.
(شعرته) شعر العانة.
(الفطرة) أصل الخلقة التي يكون عليها كل مولود، إذ يكون اللبن أول ما يدخل جوفه ويشق أمعاءه.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ أَنَس ) تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَدْء الْخَلْق مِنْ وَجْه آخَر عَنْ قَتَادَةَ " حَدَّثَنَا أَنَس ".
قَوْله : ( عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة ) أَيْ اِبْن وَهْب بْن عَدِيّ بْن مَالِك الْأَنْصَارِيّ مِنْ بَنِي النَّجَّار , مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ وَلَا فِي غَيْره سِوَى هَذَا الْحَدِيث , وَلَا يُعْرَف مَنْ رَوَى عَنْهُ إِلَّا أَنَس بْن مَالِك.
قَوْله : ( حَدَّثَهُ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ , وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ " أُسْرِيَ بِهِ " وَكَذَا لِلنَّسَفِيِّ , وَقَوْله " أُسْرِيَ بِهِ " صِفَة لَيْلَة أَيْ أُسْرِيَ بِهِ فِيهَا.
قَوْله : ( فِي الْحَطِيم وَرُبَّمَا قَالَ فِي الْحِجْر ) هُوَ شَكّ مِنْ قَتَادَةَ كَمَا بَيَّنَهُ أَحْمَد عَنْ عَفَّانَ عَنْ هَمَّام وَلَفْظه " بَيْنَا أَنَا نَائِم فِي الْحَطِيم , وَرُبَّمَا قَالَ قَتَادَة : " فِي الْحِجْر " وَالْمُرَاد بِالْحَطِيمِ هُنَا الْحِجْر , وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ الْمُرَاد بِهِ مَا بَيْن الرُّكْن وَالْمَقَام أَوْ بَيْن زَمْزَم وَالْحِجْر , وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا فِي الْحَطِيم هَلْ هُوَ الْحِجْر أَمْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي " بَاب بُنْيَان الْكَعْبَة " لَكِنْ الْمُرَاد هُنَا بَيَان الْبُقْعَة الَّتِي وَقَعَ ذَلِكَ فِيهَا , وَمَعْلُوم أَنَّهَا لَمْ تَتَعَدَّد لِأَنَّ الْقِصَّة مُتَّحِدَة لِاتِّحَادِ مَخْرَجهَا , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل بَدْء الْخَلْق بِلَفْظِ " بَيْنَا أَنَا عِنْد الْبَيْت " وَهُوَ أَعَمّ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَس عَنْ أَبِي ذَرّ " فُرِّجَ سَقْف بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّة " وَفِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ شِعْب أَبِي طَالِب , وَفِي حَدِيث أُمّ هَانِئ عِنْد الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ بَاتَ فِي بَيْتهَا قَالَ " فَفَقَدْته مِنْ اللَّيْل فَقَالَ إِنَّ جِبْرِيل أَتَانِي " وَالْجَمْع بَيْن هَذِهِ الْأَقْوَال أَنَّهُ نَامَ فِي بَيْت أُمّ هَانِئ , وَبَيْتهَا عِنْد شِعْب أَبِي طَالِب , فَفُرِّجَ سَقْف بَيْته - وَأَضَافَ الْبَيْت إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ كَانَ يَسْكُنهُ - فَنَزَلَ مِنْهُ الْمَلَك فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْبَيْت إِلَى الْمَسْجِد فَكَانَ بِهِ مُضْطَجِعًا وَبِهِ أَثَر النُّعَاس ; ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمَلَك إِلَى بَاب الْمَسْجِد فَأَرْكَبهُ الْبُرَاق.
وَقَدْ وَقَعَ فِي مُرْسَل الْحَسَن عِنْد اِبْن إِسْحَاق أَنَّ جِبْرِيل أَتَاهُ فَأَخْرَجَهُ إِلَى الْمَسْجِد فَأَرْكَبَهُ الْبُرَاق , وَهُوَ يُؤَيِّد هَذَا الْجَمْع.
وَقِيلَ الْحِكْمَة فِي نُزُوله عَلَيْهِ مِنْ السَّقْف الْإِشَارَة إِلَى الْمُبَالَغَة فِي مُفَاجَأَته بِذَلِكَ , وَالتَّنْبِيه عَلَى أَنَّ الْمُرَاد مِنْهُ أَنْ يَعْرُج بِهِ إِلَى جِهَة الْعُلُوِّ.
قَوْله : ( مُضْطَجِعًا ) زَادَ فِي بَدْء الْخَلْق " بَيْن النَّائِم وَالْيَقْظَان " وَهُوَ مَحْمُول عَلَى اِبْتِدَاء الْحَال , ثُمَّ لَمَّا أُخْرِجَ بِهِ إِلَى بَاب الْمَسْجِد فَأَرْكَبهُ الْبُرَاق اِسْتَمَرَّ فِي يَقَظَته , وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة شَرِيك الْآتِيَة فِي التَّوْحِيد فِي آخِر الْحَدِيث " فَلَمَّا اِسْتَيْقَظْت " فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ فَلَا إِشْكَال , وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِاسْتَيْقَظْت أَفَقْت , أَيْ أَنَّهُ أَفَاقَ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ شَغْل الْبَال بِمُشَاهَدَةِ الْمَلَكُوت وَرَجَعَ إِلَى الْعَالَم الدُّنْيَوِيّ.
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة : لَوْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ كَانَ يَقِظًا لَأَخْبَرَ بِالْحَقِّ , لِأَنَّ قَلْبه فِي النَّوْم وَالْيَقَظَة سَوَاء , وَعَيْنه أَيْضًا لَمْ يَكُنْ النَّوْم تَمَكَّنَ مِنْهَا , لَكِنَّهُ تَحَرَّى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصِّدْق فِي الْإِخْبَار بِالْوَاقِعِ , فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُعْدَل عَنْ حَقِيقَة اللَّفْظ لِلْمَجَازِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ.
قَوْله : ( إِذْ أَتَانِي آتٍ ) هُوَ جِبْرِيل كَمَا تَقَدَّمَ , وَوَقَعَ فِي بَدْء الْخَلْق بِلَفْظِ " وَذَكَرَ بَيْن الرَّجُلَيْنِ " وَهُوَ مُخْتَصَر , وَقَدْ أَوْضَحَتْهُ رِوَايَةُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق سَعِيد عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظِ " إِذْ سَمِعْت قَائِلًا يَقُول أَحَد الثَّلَاثَة بَيْن الرَّجُلَيْنِ , فَأَتَيْت فَانْطَلَقَ بِي " وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّل الصَّلَاة أَنَّ الْمُرَاد بِالرَّجُلَيْنِ حَمْزَة وَجَعْفَر وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا بَيْنهمَا , وَيُسْتَفَاد مِنْهُ مَا كَانَ فِيهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّوَاضُع وَحُسْن الْخُلُق , وَفِيهِ جَوَاز نَوْم جَمَاعَة فِي مَوْضِع وَاحِد , وَثَبَتَ مِنْ طُرُق أُخْرَى أَنَّهُ يُشْتَرَط أَنْ لَا يَجْتَمِعُوا فِي لِحَاف وَاحِد.
قَوْله : ( فَقَدَّ ) بِالْقَافِ وَالدَّال الثَّقِيلَة ( قَالَ وَسَمِعْته يَقُول فَشَقَّ ) الْقَائِل قَتَادَة وَالْمَقُول عَنْهُ أَنَس , وَلِأَحْمَد " قَالَ قَتَادَة : وَرُبَّمَا سَمِعْت أَنَسًا يَقُول فَشَقَّ ".
قَوْله : ( فَقُلْت لِلْجَارُودِ ) لَمْ أَرَ مَنْ نَسَبَهُ مِنْ الرُّوَاة , وَلَعَلَّهُ اِبْن أَبِي سِيرَة الْبَصْرِيّ صَاحِب أَنَس , فَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَته عَنْ أَنَسٍ حَدِيثًا غَيْر هَذَا.
قَوْله : ( مِنْ ثُغْرَة ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة , وَهِيَ الْمَوْضِع الْمُنْخَفِض الَّذِي بَيْن التَّرْقُوَتَيْنِ.
قَوْله : ( إِلَى شِعْرَته ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة أَيْ شَعْر الْعَانَة , وَفِي رِوَايَة مُسْلِم " إِلَى أَسْفَل بَطْنه " وَفِي بَدْء الْخَلْق " مِنْ النَّحْر إِلَى مَرَاقّ بَطْنه " وَتَقَدَّمَ ضَبْطه فِي أَوَائِل الصَّلَاة.
قَوْله : ( مِنْ قَصِّهِ ) بِفَتْحِ الْقَاف وَتَشْدِيد الْمُهْمَلَة أَيْ رَأْس صَدْره.
قَوْله : ( إِلَى شِعْرَته ) ذَكَرَ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ " إِلَى ثُنَّته " بِضَمِّ الْمُثَلَّثَة وَتَشْدِيد النُّون مَا بَيْن السُّرَّة وَالْعَانَة , وَقَدْ اِسْتَنْكَرَ بَعْضهمْ وُقُوع شَقّ الصَّدْر لَيْلَة الْإِسْرَاء وَقَالَ : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ صَغِير فِي بَنِي سَعْد , وَلَا إِنْكَار فِي ذَلِكَ , فَقَدْ تَوَارَدَتْ الرِّوَايَات بِهِ.
وَثَبَتَ شَقّ الصَّدْر أَيْضًا عِنْد الْبَعْثَة كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي " الدَّلَائِل " وَلِكُلٍّ مِنْهَا حِكْمَة , فَالْأَوَّل وَقَعَ فِيهِ مِنْ الزِّيَادَة كَمَا عِنْد مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَنَس " فَأَخْرَجَ عَلْقَمَة فَقَالَ : هَذَا حَظّ الشَّيْطَان مِنْك " وَكَانَ هَذَا فِي زَمَن الطُّفُولِيَّة فَنَشَأَ عَلَى أَكْمَل الْأَحْوَال مِنْ الْعِصْمَة مِنْ الشَّيْطَان , ثُمَّ وَقَعَ شَقّ الصَّدْر عِنْد الْبَعْث زِيَادَة فِي إِكْرَامه لِيَتَلَقَّى مَا يُوحَى إِلَيْهِ بِقَلْبٍ قَوِيّ فِي أَكْمَل الْأَحْوَال مِنْ التَّطْهِير , ثُمَّ وَقَعَ شَقّ الصَّدْر عِنْد إِرَادَة الْعُرُوج إِلَى السَّمَاء لِيَتَأَهَّب لِلْمُنَاجَاةِ , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْحِكْمَة فِي هَذَا الْغَسْل لِتَقَع الْمُبَالَغَة فِي الْإِسْبَاغ بِحُصُولِ الْمَرَّة الثَّالِثَة كَمَا تَقَرَّرَ فِي شَرْعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْحِكْمَة فِي اِنْفِرَاج سَقْف بَيْته الْإِشَارَة إِلَى مَا سَيَقَعُ مِنْ شَقّ صَدْره وَأَنَّهُ سَيَلْتَئِمُ بِغَيْرِ مُعَالَجَة يَتَضَرَّر بِهَا.
وَجَمِيع مَا وَرَدَ مِنْ شَقّ الصَّدْر وَاسْتِخْرَاج الْقَلْب وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور الْخَارِقَة لِلْعَادَةِ مِمَّا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ دُون التَّعَرُّض لِصَرْفِهِ عَنْ حَقِيقَته لِصَلَاحِيَّةِ الْقُدْرَة فَلَا يَسْتَحِيل شَيْء مِنْ ذَلِكَ , قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " : لَا يُلْتَفَتُ لِإِنْكَارِ الشَّقّ لَيْلَة الْإِسْرَاء لِأَنَّ رُوَاته ثِقَات مَشَاهِير , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ.
قَوْله : ( بِطَسْتٍ ) بِفَتْحِ أَوَّله وَبِكَسْرِهِ وَبِمُثَنَّاةٍ وَقَدْ تُحْذَف وَهُوَ الْأَكْثَر وَإِثْبَاتهَا لُغَة طَيْءٍ , وَأَخْطَأَ مَنْ أَنْكَرَهَا.
قَوْله : ( مِنْ ذَهَب ) خُصَّ الطَّسْت لِكَوْنِهِ أَشْهَر آلَات الْغُسْل عُرْفًا , وَالذَّهَب لِكَوْنِهِ أَعْلَى أَنْوَاع الْأَوَانِي الْحِسِّيَّة وَأَصْفَاهَا , وَلِأَنَّ فِيهِ خَوَاصّ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ وَيَظْهَر لَهَا هُنَا مُنَاسَبَات : مِنْهَا أَنَّهُ مِنْ أَوَانِي الْجَنَّة وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا تَأْكُلهُ النَّار وَلَا التُّرَاب وَلَا يَلْحَقهُ الصَّدَأ , وَمِنْهَا أَنَّهُ أَثْقَل الْجَوَاهِر فَنَاسَبَ ثِقَل الْوَحْي.
وَقَالَ السُّهَيْلِيّ وَغَيْره : إِنْ نُظِرَ إِلَى لَفْظ الذَّهَب نَاسَبَ مِنْ جِهَة إِذْهَاب الرِّجْس عَنْهُ , وَلِكَوْنِهِ وَقَعَ عِنْد الذَّهَاب إِلَى رَبّه , وَإِنْ نُظِرَ إِلَى مَعْنَاهُ فَلِوَضَاءَتِهِ وَنَقَائِهِ وَصَفَائِهِ وَلِثِقَلِهِ وَرَسُوبَته , وَالْوَحْي ثَقِيل قَالَ اللَّه تَعَالَى ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْك قَوْلًا ثَقِيلًا ) , ( وَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ) وَلِأَنَّهُ أَعَزّ الْأَشْيَاء فِي الدُّنْيَا , وَالْقَوْل هُوَ الْكِتَاب الْعَزِيز , وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْل أَنْ يَحْرُم اِسْتِعْمَال الذَّهَب فِي هَذِهِ الشَّرِيعَة وَلَا يَكْفِي أَنْ يُقَال إِنَّ الْمُسْتَعْمَل لَهُ كَانَ مِمَّنْ لَمْ يَحْرُم عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَلَائِكَة لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ اِسْتِعْمَاله لَنُزِّهَ أَنْ يَسْتَعْمِلهُ غَيْره فِي أَمْر يَتَعَلَّق بِبَدَنِهِ الْمُكَرَّم.
وَيُمْكِن أَنْ يُقَال إِنَّ تَحْرِيم اِسْتِعْمَاله مَخْصُوص بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا , وَمَا وَقَعَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة كَانَ الْغَالِب أَنَّهُ مِنْ أَحْوَال الْغَيْب فَيَلْحَق بِأَحْكَامِ الْآخِرَة.
قَوْله : ( مَمْلُوءَة ) كَذَا بِالتَّأْنِيثِ , وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّل الصَّلَاة الْبَحْث فِيهِ.
قَوْله : ( إِيمَانًا ) زَادَ فِي بَدْء الْخَلْق " وَحِكْمَة " وَهُمَا بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيز , قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَاهُ أَنَّ الطَّسْت كَانَ فِيهَا شَيْء يَحْصُل بِهِ زِيَادَة فِي كَمَالِ الْإِيمَان وَكَمَال الْحِكْمَة وَهَذَا الْمَلْء يَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَلَى حَقِيقَته , وَتَجْسِيد الْمَعَانِي جَائِز كَمَا جَاءَ أَنَّ سُورَة الْبَقَرَة تَجِيء يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّمَا ظُلَّة , وَالْمَوْت فِي صُورَة كَبْش , وَكَذَلِكَ وَزْن الْأَعْمَال وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَحْوَال الْغَيْب.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ : لَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ بَاب التَّمْثِيل , إِذْ تَمْثِيل الْمَعَانِي قَدْ وَقَعَ كَثِيرًا , كَمَا مُثِّلَتْ لَهُ الْجَنَّة وَالنَّار فِي عُرْض الْحَائِط , وَفَائِدَته كَشْف الْمَعْنَوِيّ بِالْمَحْسُوسِ.
وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : فِيهِ أَنَّ الْحِكْمَة لَيْسَ بَعْد الْإِيمَان أَجَلّ مِنْهَا , وَلِذَلِكَ قُرِنَتْ مَعَهُ , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِي الْحِكْمَة أَنَّهَا وَضْع الشَّيْء فِي مَحَلّه , أَوْ الْفَهْم فِي كِتَاب اللَّه , فَعَلَى التَّفْسِير الثَّانِي قَدْ تُوجَد الْحِكْمَة دُون الْإِيمَان وَقَدْ لَا تُوجَد , وَعَلَى الْأَوَّل فَقَدْ يَتَلَازَمَانِ لِأَنَّ الْإِيمَان يَدُلّ عَلَى الْحِكْمَة.
قَوْله : ( فَغُسِلَ قَلْبِي ) فِي رِوَايَة مُسْلِم " فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَم " وَفِيهِ فَضِيلَة مَاء زَمْزَم عَلَى جَمِيع الْمِيَاه , قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : وَإِنَّمَا لَمْ يُغْسَل بِمَاءِ الْجَنَّة لِمَا اُجْتُمِعَ فِي مَاء زَمْزَم مِنْ كَوْن أَصْل مَائِهَا مِنْ الْجَنَّة ثُمَّ اِسْتَقَرَّ فِي الْأَرْض فَأُرِيدَ بِذَلِكَ بَقَاء بَرَكَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَرْض.
وَقَالَ السُّهَيْلِيّ : لَمَّا كَانَتْ زَمْزَم هَزْمَة جِبْرِيل رُوح الْقُدْس لِأُمّ إِسْمَاعِيل جَدّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسَبَ أَنْ يُغْسَل بِمَائِهَا عِنْد دُخُول حَضْرَة الْقُدْس وَمُنَاجَاته وَمِنْ الْمُنَاسِبَات الْمُسْتَبْعَدَة قَوْل بَعْضهمْ : إِنَّ الطَّسْت يُنَاسِب ( طس تِلْكَ آيَات الْقُرْآن ).
قَوْله : ( ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيد ) زَادَ فِي رِوَايَة مُسْلِم مَكَانه " ثُمَّ حُشِيَ إِيمَانًا وَحِكْمَة " وَفِي رِوَايَة شَرِيك " فَحُشِيَ بِهِ صَدْره وَلَغَادِيدَهُ " بِلَامٍ وَغَيْن مُعْجَمَة أَيْ عُرُوق حَلْقه , وَقَدْ اِشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّة مِنْ خَوَارِق الْعَادَة عَلَى مَا يُدْهَش سَامِعه فَضْلًا عَمَّنْ شَاهَدَهُ , فَقَدْ جَرَتْ الْعَادَة بِأَنَّ مَنْ شُقَّ بَطْنه وَأُخْرِجَ قَلْبه يَمُوت لَا مَحَالَة , وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُؤَثِّر فِيهِ ذَلِكَ ضَرَرًا وَلَا وَجَعًا فَضْلًا عَنْ غَيْر ذَلِكَ.
قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : الْحِكْمَة فِي شَقّ قَلْبه - مَعَ الْقُدْرَة عَلَى أَنْ يَمْتَلِئ إِيمَانًا وَحِكْمَة بِغَيْرِ شَقّ - الزِّيَادَة فِي قُوَّة الْيَقِين , لِأَنَّهُ أُعْطِيَ بِرُؤْيَةِ شَقّ بَطْنه وَعَدَم تَأَثُّره بِذَلِكَ مَا أَمِنَ مَعَهُ مِنْ جَمِيع الْمَخَاوِف الْعَادِيَة , فَلِذَلِكَ كَانَ أَشْجَع النَّاس وَأَعْلَاهُمْ حَالًا وَمَقَالًا , وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( مَا زَاغَ الْبَصَر وَمَا طَغَى ) وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ شَقّ صَدْره وَغَسْله مُخْتَصًّا بِهِ أَوْ وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاء ؟ وَقَدْ وَقَعَ عِنْد الطَّبَرَانِيِّ فِي قِصَّة تَابُوت بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ كَانَ فِيهِ الطَّسْت الَّتِي يُغْسَل فِيهَا قُلُوب الْأَنْبِيَاء , وَهَذَا مُشْعِر بِالْمُشَارَكَةِ , وَسَيَأْتِي نَظِير هَذَا الْبَحْث فِي رُكُوب الْبُرَاق.
قَوْله : ( ثُمَّ أُتِيت بِدَابَّةٍ ) قِيلَ الْحِكْمَة فِي الْإِسْرَاء بِهِ رَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَة عَلَى طَيّ الْأَرْض لَهُ إِشَارَة إِلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ تَأْنِيسًا لَهُ بِالْعَادَةِ فِي مَقَام خَرْق الْعَادَة , لِأَنَّ الْعَادَة جَرَتْ بِأَنَّ الْمَلِك إِذَا اِسْتَدْعَى مَنْ يَخْتَصّ بِهِ يَبْعَث إِلَيْهِ بِمَا يَرْكَبهُ.
قَوْله : ( دُون الْبَغْل وَفَوْق الْحِمَار أَبْيَض ) كَذَا ذَكَرَ بِاعْتِبَارِ كَوْنه مَرْكُوبًا أَوْ بِالنَّظَرِ لِلَفْظِ الْبُرَاق , وَالْحِكْمَة لِكَوْنِهِ بِهَذِهِ الصِّفَة الْإِشَارَة إِلَى أَنَّ الرُّكُوب كَانَ فِي سِلْم وَأَمْن لَا فِي حَرْب وَخَوْف , أَوْ لِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَة بِوُقُوعِ الْإِسْرَاع الشَّدِيد بِدَابَّةٍ لَا تُوصَف بِذَلِكَ فِي الْعَادَة.
قَوْله : ( فَقَالَ لَهُ الْجَارُود : هُوَ الْبُرَاق يَا أَبَا حَمْزَة ؟ قَالَ أَنَس : نَعَمْ ) هَذَا يُوَضِّح أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَة بَدْء الْخَلْق بِلَفْظِ دُون الْبَغْل وَفَوْق الْحِمَار الْبُرَاق , أَيْ هُوَ الْبُرَاق وَقَعَ بِالْمَعْنَى لِأَنَّ أَنَسًا لَمْ يَتَلَفَّظ بِلَفْظِ الْبُرَاق فِي رِوَايَة قَتَادَةَ.
قَوْله : ( يَضَع خَطْوَهُ ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة أَوَّله الْمَرَّة الْوَاحِدَة , وَبِضَمِّهَا الْفَعْلَة.
قَوْله : ( عِنْد أَقْصَى طَرْفه ) بِسُكُونِ الرَّاء وَبِالْفَاءِ أَيْ نَظَره , أَيْ يَضَع رِجْله عِنْد مُنْتَهَى مَا يَرَى بَصَره.
وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْد أَبِي يَعْلَى وَالْبَزَّار " إِذَا أَتَى عَلَى جَبَل اِرْتَفَعَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا هَبَطَ اِرْتَفَعَتْ يَدَاهُ " وَفِي رِوَايَة لِابْنِ سَعْد عَنْ الْوَاقِدِيّ بِأَسَانِيدِهِ " لَهُ جَنَاحَانِ " وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ , وَعِنْد الثَّعْلَبِيّ بِسَنَدٍ ضَعِيف عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي صِفَة الْبُرَاق " لَهَا خَدّ كَخَدِّ الْإِنْسَان وَعُرْف كَالْفَرَسِ وَقَوَائِم كَالْإِبِلِ وَذَنَب كَالْبَقَرِ , وَكَانَ صَدْره يَاقُوتَة حَمْرَاء " قِيلَ وَيُؤْخَذ مِنْ تَرْك تَسْمِيَة سَيْر الْبُرَاق طَيَرَانًا أَنَّ اللَّه إِذَا أَكْرَمَ عَبْدًا بِتَسْهِيلِ الطَّرِيق لَهُ حَتَّى قَطَعَ الْمَسَافَة الطَّوِيلَة فِي الزَّمَن الْيَسِير أَنْ لَا يَخْرُج بِذَلِكَ عَنْ اِسْم السَّفَر وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامه.
وَالْبُرَاق بِضَمِّ الْمُوَحَّدَة وَتَخْفِيف الرَّاء مُشْتَقّ مِنْ الْبَرِيق , فَقَدْ جَاءَ فِي لَوْنه أَنَّهُ أَبْيَض , أَوْ مِنْ الْبَرْق لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِسُرْعَةِ السَّيْر , أَوْ مِنْ قَوْلهمْ شَاة بَرْقَاء إِذَا كَانَ خِلَال صُوفهَا الْأَبْيَض طَاقَات سُود , وَلَا يُنَافِيه وَصْفه فِي الْحَدِيث بِأَنَّ الْبُرَاق أَبْيَض لِأَنَّ الْبَرْقَاء مِنْ الْغَنَم مَعْدُودَة فِي الْبَيَاض اِنْتَهَى.
وَيَحْتَمِل أَنْ لَا يَكُون مُشْتَقًّا , قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : خُصَّ الْبُرَاق بِذَلِكَ إِشَارَة إِلَى الِاخْتِصَاص بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَل أَنَّ أَحَدًا مَلَكَهُ , بِخِلَافِ غَيْر جِنْسه مِنْ الدَّوَابّ.
قَالَ : وَالْقُدْرَة كَانَتْ صَالِحَة لِأَنْ يَصْعَد بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْر بُرَاق , وَلَكِنْ رُكُوب الْبُرَاق كَانَ زِيَادَة لَهُ فِي تَشْرِيفه لِأَنَّهُ لَوْ صَعِدَ بِنَفْسِهِ لَكَانَ فِي صُورَة مَاشٍ , وَالرَّاكِب أَعَزّ مِنْ الْمَاشِي.
قَوْله : ( فَحُمِلْت عَلَيْهِ ) فِي رِوَايَة لِأَبِي سَعِيد فِي شَرَف الْمُصْطَفَى " فَكَانَ الَّذِي أَمْسَكَ بِرِكَابِهِ جِبْرِيل , وَبِزِمَامِ الْبُرَاق مِيكَائِيل " وَفِي رِوَايَة مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَس " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ مُسَرَّجًا مُلَجَّمًا فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا ؟ فَوَاَللَّهِ مَا رَكِبَك خَلْق قَطُّ أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْهُ , قَالَ فَارْفَضَّ عَرَقًا " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : حَسَن غَرِيب , وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان.
وَذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق عَنْ قَتَادَةَ " أَنَّهُ لَمَّا شَمَسَ وَضَعَ جِبْرِيل يَده عَلَى مَعْرِفَته فَقَالَ : أَمَا تَسْتَحِي " ؟ فَذَكَرَ نَحْوه مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُر أَنَسًا.
وَفِي رِوَايَة وَثِيمَة عَنْ اِبْن إِسْحَاق " فَارْتَعَشْت حَتَّى لَصِقْت بِالْأَرْضِ فَاسْتَوَيْت عَلَيْهَا " وِلِلنَّسَائِيِّ وَابْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق يَزِيد بْن أَبِي مَالِك عَنْ أَنَس نَحْوه مَوْصُولًا وَزَادَ " وَكَانَتْ تُسَخَّر لِلْأَنْبِيَاءِ قَبْله " وَنَحْوه فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد اِبْن إِسْحَاق , وَفِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّ الْبُرَاق كَانَ مُعَدًّا لِرُكُوبِ الْأَنْبِيَاء , خِلَافًا لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ كَابْنِ دِحْيَة وَأَوَّل قَوْل جِبْرِيل " فَمَا رَكِبَك أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْهُ " أَيْ مَا رَكِبَك أَحَد قَطّ فَكَيْف يَرْكَبك أَكْرَم مِنْهُ , وَقَدْ جَزَمَ السُّهَيْلِيّ أَنَّ الْبُرَاق إِنَّمَا اِسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ لِبُعْدِ عَهْده بِرُكُوبِ الْأَنْبِيَاء قَبْله , قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الزُّبَيْدِيّ فِي " مُخْتَصَر الْعَيْنِيّ " وَتَبِعَهُ صَاحِب " التَّحْرِير " : كَانَ الْأَنْبِيَاء يَرْكَبُونَ الْبُرَاق , قَالَ وَهَذَا يَحْتَاج إِلَى نَقْل صَحِيح.
قُلْت : قَدْ ذَكَرْت النَّقْل بِذَلِكَ , وَيُؤَيِّدهُ ظَاهِر قَوْله " فَرَبَطْته بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِط بِهَا الْأَنْبِيَاء " وَوَقَعَ فِي " الْمُبْتَدَأ لِابْنِ إِسْحَاق " مِنْ رِوَايَة وَثِيمَة فِي ذِكْر الْإِسْرَاء " فَاسْتَصْعَبَتْ الْبُرَاق , وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء تَرْكَبهَا قَبْلِي وَكَانَتْ بَعِيدَة الْعَهْد بِرُكُوبِهِمْ لَمْ تَكُنْ رُكِبَتْ فِي الْفِتْنَة " وَفِي " مَغَازِي اِبْن عَائِذ " مِنْ طَرِيق الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ : " الْبُرَاق هِيَ الدَّابَّة الَّتِي كَانَ يَزُور إِبْرَاهِيم عَلَيْهَا إِسْمَاعِيل " وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ جِبْرِيل أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُرَاقِ فَحَمَلَهُ بَيْن يَدَيْهِ " وَعِنْد أَبِي يَعْلَى وَالْحَاكِم مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود رَفَعَهُ " أُتِيت بِالْبُرَاقِ فَرَكِبْت خَلْف جِبْرِيل " وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيِّ " فَمَا زَايَلَا ظَهْر الْبُرَاق " وَفِي " كِتَاب مَكَّة " لِلْفَاكِهِيِّ وَالْأَزْرَقِيّ " أَنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ يَحُجّ عَلَى الْبُرَاق " وَفِي أَوَائِل الرَّوْض لِلسُّهَيْلِيِّ " أَنَّ إِبْرَاهِيم حَمَلَ هَاجَرَ عَلَى الْبُرَاق لَمَّا سَارَ إِلَى مَكَّة بِهَا وَبِوَلَدِهَا " فَهَذِهِ آثَار يَشُدّ بَعْضهَا بَعْضًا.
وَجَاءَتْ آثَار أُخْرَى تَشْهَد لِذَلِكَ لَمْ أَرَ الْإِطَالَة بِإِيرَادِهَا.
وَمِنْ الْأَخْبَار الْوَاهِيَة فِي صِفَة الْبُرَاق مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ مُقَاتِل وَأَوْرَدَهُ الْقُرْطُبِيّ فِي " التَّذْكِرَة " وَمِنْ قَبْله الثَّعْلَبِيّ مِنْ طَرِيق اِبْن الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الْمَوْت وَالْحَيَاة جِسْمَانِ فَالْمَوْت كَبْش لَا يَجِد رِيحه شَيْء إِلَّا مَاتَ , وَالْحَيَاة فَرَس بِلِقَاءِ أُنْثَى , وَهِيَ الَّتِي كَانَ جِبْرِيل وَالْأَنْبِيَاء يَرْكَبُونَهَا لَا تَمُرّ بِشَيْءٍ وَلَا يَجِد رِيحهَا شَيْء إِلَّا حَيِيَ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْبُرَاق لَمَّا عَاتَبَهُ جِبْرِيل قَالَ لَهُ مُعْتَذِرًا : إِنَّهُ مَسَّ الصَّفْرَاء الْيَوْم , وَإِنَّ الصَّفْرَاء صَنَم مِنْ ذَهَب كَانَ عِنْد الْكَعْبَة , وَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ فَقَالَ : تَبًّا لِمَنْ يَعْبُدك مِنْ دُون اللَّه , وَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى زَيْد بْن حَارِثَة أَنْ يَمَسّهُ بَعْد ذَلِكَ وَكَسَرَهُ يَوْم فَتْح مَكَّة.
قَالَ اِبْن الْمُنِير : إِنَّمَا اِسْتَصْعَبَ الْبُرَاق تِيهًا وَزَهْوًا بِرُكُوبِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ , وَأَرَادَ جِبْرِيل اِسْتِنْطَاقه فَلِذَلِكَ خَجِلَ وَارْفَضَّ عَرَقًا مِنْ ذَلِكَ.
وَقَرِيب مِنْ ذَلِكَ رَجْفَة الْجَبَل بِهِ حَتَّى قَالَ لَهُ : " اُثْبُتْ فَإِنَّمَا عَلَيْك نَبِيّ وَصِدِّيق وَشَهِيد " فَإِنَّهَا هَزَّة الطَّرِب لَا هَزَّة الْغَضَب.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد أَحْمَد قَالَ : " أُتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُرَاقِ فَلَمْ يُزَايِل ظَهْره هُوَ وَجِبْرِيل حَتَّى اِنْتَهَيَا إِلَى بَيْت الْمَقْدِسِ " فَهَذَا لَمْ يُسْنِدهُ حُذَيْفَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَحْتَمِل أَنَّهُ قَالَ عَنْ اِجْتِهَاد , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْله هُوَ وَجِبْرِيل يَتَعَلَّق بِمُرَافَقَتِهِ فِي السَّيْر لَا فِي الرُّكُوب , قَالَ اِبْن دِحْيَة وَغَيْره : مَعْنَاهُ وَجِبْرِيل قَائِد أَوْ سَائِق أَوْ دَلِيل , قَالَ وَإِنَّمَا جَزَمْنَا بِذَلِكَ لِأَنَّ قِصَّة الْمِعْرَاج كَانَتْ كَرَامَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا مَدْخَل لِغَيْرِهِ فِيهَا.
قُلْت : وَيَرُدّ التَّأْوِيل الْمَذْكُور أَنَّ فِي صَحِيح اِبْن حِبَّان مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود أَنَّ جِبْرِيل حَمَلَهُ عَلَى الْبُرَاق رَدِيفًا لَهُ , وَفِي رِوَايَة الْحَارِث فِي مُسْنَده أُتِيَ بِالْبُرَاقِ فَرَكِبَ خَلْف جِبْرِيل فَسَارَ بِهِمَا , فَهَذَا صَرِيح فِي رُكُوبه مَعَهُ فَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَيْضًا فَإِنَّ ظَاهِره أَنَّ الْمِعْرَاج وَقَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ظَهْر الْبُرَاق إِلَى أَنْ صَعِدَ السَّمَاوَات كُلّهَا وَوَصَلَ إِلَى مَا وَصَلَ وَرَجَعَ وَهُوَ عَلَى حَاله , وَفِيهِ نَظَر لِمَا سَأَذْكُرُهُ , وَلَعَلَّ حُذَيْفَة إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى مَا وَقَعَ فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء الْمُجَرَّدَة الَّتِي لَمْ يَقَع فِيهَا مِعْرَاج عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْرِير وُقُوع الْإِسْرَاء مَرَّتَيْنِ.
قَوْله : ( فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيل ) فِي رِوَايَة بَدْء الْخَلْق " فَانْطَلَقْت مَعَ جِبْرِيل " وَلَا مُغَايَرَة بَيْنهمَا , بِخِلَافِ مَا نَحَا إِلَيْهِ بَعْضهمْ مِنْ أَنَّ رِوَايَة بَدْء الْخَلْق تُشْعِر بِأَنَّهُ مَا اِحْتَاجَ إِلَى جِبْرِيل فِي الْعُرُوج , بَلْ كَانَا مَعًا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَة , لَكِنْ مُعْظَم الرِّوَايَات جَاءَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّل , وَفِي حَدِيث أَبِي ذَرّ فِي أَوَّل الصَّلَاة " ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي " وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ جِبْرِيل فِي تِلْكَ الْحَالَة كَانَ دَلِيلًا لَهُ فِيمَا قَصَدَ لَهُ فَلِذَلِكَ جَاءَ سِيَاق الْكَلَام يَشْعُر بِذَلِكَ.
قَوْله : ( حَتَّى أَتَى السَّمَاء الدُّنْيَا ) ظَاهِره أَنَّهُ اِسْتَمَرَّ عَلَى الْبُرَاق حَتَّى عَرَجَ إِلَى السَّمَاء , وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَام اِبْن أَبِي جَمْرَة الْمَذْكُور قَرِيبًا , وَتَمَسّك بِهِ أَيْضًا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمِعْرَاج كَانَ فِي لَيْلَة غَيْر لَيْلَة الْإِسْرَاء إِلَى بَيْت الْمَقْدِسِ , فَأَمَّا الْعُرُوج فَفِي غَيْر هَذِهِ الرِّوَايَة مِنْ الْأَخْبَار أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبُرَاق بَلْ رَقِيَ الْمِعْرَاج , وَهُوَ السُّلَّم كَمَا وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد اِبْن إِسْحَاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي " الدَّلَائِل " وَلَفْظه " فَإِذَا أَنَا بِدَابَّةٍ كَالْبَغْلِ مُضْطَرِب الْأُذُنَيْنِ يُقَال لَهُ الْبُرَاق , وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء تَرْكَبهُ قَبْلِي , فَرَكِبْته " فَذَكَرَ الْحَدِيث قَالَ : " ثُمَّ دَخَلْت أَنَا وَجِبْرِيل بَيْت الْمَقْدِسِ فَصَلَّيْت , ثُمَّ أُتِيت بِالْمِعْرَاجِ " وَفِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق " سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : لَمَّا فَرَغْت مِمَّا كَانَ فِي بَيْت الْمَقْدِسِ أُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ فَلَمْ أَرَ قَطّ شَيْئًا كَانَ أَحْسَن مِنْهُ , وَهُوَ الَّذِي يَمُدّ إِلَيْهِ الْمَيِّت عَيْنَيْهِ إِذَا حُضِرَ , فَأَصْعَدنِي صَاحِبِي فِيهِ حَتَّى اِنْتَهَى بِي إِلَى بَاب مِنْ أَبْوَاب السَّمَاء " الْحَدِيث.
وَفِي رِوَايَة كَعْب " فَوُضِعَتْ لَهُ مَرْقَاة مِنْ فِضَّة وَمَرْقَاة مِنْ ذَهَب حَتَّى عَرَجَ هُوَ وَجِبْرِيل " وَفِي رِوَايَة لِأَبِي سَعِيد فِي شَرَف الْمُصْطَفَى أَنَّهُ " أُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ مِنْ جَنَّة الْفِرْدَوْس وَأَنَّهُ مُنَضَّد بِاللُّؤْلُؤِ وَعَنْ يَمِينه مَلَائِكَة وَعَنْ يَسَاره مَلَائِكَة " وَأَمَّا الْمُحْتَجّ بِالتَّعَدُّدِ فَلَا حُجَّة لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون التَّقْصِير فِي ذَلِكَ الْإِسْرَاء مِنْ الرَّاوِي , وَقَدْ حَفِظَهُ ثَابِت عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أُتِيت بِالْبُرَاقِ - فَوَصَفَهُ قَالَ - فَرَكِبْته حَتَّى أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِسِ فَرَبَطْته بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِط بِهَا الْأَنْبِيَاء , ثُمَّ دَخَلْت الْمَسْجِد فَصَلَّيْت فِيهِ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ خَرَجْت فَجَاءَنِي جِبْرِيل بِإِنَاءَيْنِ - فَذَكَرَ الْقِصَّة قَالَ - ثُمَّ , عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاء " وَحَدِيث أَبِي سَعِيد دَالّ عَلَى الِاتِّحَاد , وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْء مِنْ هَذَا الْبَحْث فِي أَوَّل الصَّلَاة , وَقَوْله فِي رِوَايَة ثَابِت فَرَبَطْته بِالْحَلْقَةِ , أَنْكَرَهُ حُذَيْفَة , فَرَوَى أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث حُذَيْفَة قَالَ : " تُحَدِّثُونَ أَنَّهُ رَبَطَهُ , أَخَاف أَنْ يَفِرّ مِنْهُ وَقَدْ سَخَّرَهُ لَهُ عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة " ؟ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : الْمَيِّت مُقَدَّم عَلَى النَّافِي , يَعْنِي مَنْ أَثْبَتَ رَبْط الْبُرَاق وَالصَّلَاة فِي بَيْت الْمَقْدِسِ مَعَهُ زِيَادَة عِلْم عَلَى نَفْي ذَلِكَ , فَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بُرَيْدَةَ عِنْد الْبَزَّار " لَمَّا كَانَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ فَأَتَى جِبْرِيل الصَّخْرَة الَّتِي بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَوَضَعَ إِصْبَعه فِيهَا فَخَرَقَهَا فَشَدَّ بِهَا الْبُرَاق " وَنَحْوه لِلتِّرْمِذِيِّ , وَأَنْكَرَ حُذَيْفَة أَيْضًا فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي بَيْت الْمَقْدِسِ , وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَ عَلَيْكُمْ الصَّلَاة فِيهِ كَمَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصَّلَاة فِي الْبَيْت الْعَتِيق , وَالْجَوَاب عَنْهُ مَنْع التَّلَازُم فِي الصَّلَاة إِنْ كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ : " كُتِبَ عَلَيْكُمْ " الْفَرْض وَإِنْ أَرَادَ التَّشْرِيع فَنَلْتَزِمهُ , وَقَدْ شَرَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاة فِي بَيْت الْمَقْدِسِ فَقَرَنَهُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَمَسْجِده فِي شَدِّ الرِّحَال , وَذَكَرَ فَضِيلَة الصَّلَاة فِيهِ فِي غَيْر مَا حَدِيث , وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد الْبَيْهَقِيِّ " حَتَّى أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِسِ فَأَوْثَقْت دَابَّتِي بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتْ الْأَنْبِيَاء تَرْبِط بِهَا - وَفِيهِ - فَدَخَلْت أَنَا وَجِبْرِيل بَيْت الْمَقْدِسِ فَصَلَّى كُلّ وَاحِد مِنَّا رَكْعَتَيْنِ " وَفِي رِوَايَة أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ أَبِيهِ نَحْوه وَزَادَ " ثُمَّ دَخَلْت الْمَسْجِد فَعَرَفْت النَّبِيِّينَ مِنْ بَيْن قَائِم وَرَاكِع وَسَاجِد , ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَأَمَمْتهمْ " وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن أَبِي مَالِك عَنْ أَنَس عِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم " فَلَمْ أَلْبَث إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى اِجْتَمَعَ نَاس كَثِير , ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّن فَأُقِيمَتْ الصَّلَاة فَقُمْنَا صُفُوفًا نَنْتَظِر مَنْ يَؤُمّنَا , فَأَخَذَ بِيَدِي جِبْرِيل فَقَدَّمَنِي فَصَلَّيْت بِهِمْ " وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْد مُسْلِم " وَحَانَتْ الصَّلَاة فَأَمَمْتهمْ " وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد أَحْمَد " فَلَمَّا أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِد الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي , فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ " وَفِي حَدِيث عُمَر عِنْد أَحْمَد أَيْضًا أَنَّهُ " لَمَّا دَخَلَ بَيْت الْمَقْدِسِ قَالَ : أُصَلِّي حَيْثُ صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَقَدَّمَ إِلَى الْقِبْلَة فَصَلَّى " وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْء مِنْ ذَلِكَ فِي الْبَاب الَّذِي قَبْله , قَالَ عِيَاض يَحْتَمِل أَنْ يَكُون صَلَّى بِالْأَنْبِيَاءِ جَمِيعًا فِي بَيْت الْمَقْدِسِ , ثُمَّ صَعِدَ مِنْهُمْ إِلَى السَّمَاوَات مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون صَلَاته بِهِمْ بَعْد أَنْ هَبَطَ مِنْ السَّمَاء فَهَبَطُوا أَيْضًا.
وَقَالَ غَيْره : رُؤْيَته إِيَّاهُمْ فِي السَّمَاء مَحْمُولَة عَلَى رُؤْيَة أَرْوَاحهمْ إِلَّا عِيسَى لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ رُفِعَ بِجَسَدِهِ , وَقَدْ قِيلَ فِي إِدْرِيس أَيْضًا ذَلِكَ , وَأَمَّا الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فِي بَيْت الْمَقْدِسِ فَيَحْتَمِل الْأَرْوَاح خَاصَّة , وَيَحْتَمِل الْأَجْسَاد بِأَرْوَاحِهَا , وَالْأَظْهَر أَنَّ صَلَاته بِهِمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَ قَبْل الْعُرُوج , وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( السَّمَاء الدُّنْيَا ) فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي ذِكْر الْأَنْبِيَاء عِنْد الْبَيْهَقِيِّ " إِلَى بَاب مِنْ أَبْوَاب السَّمَاء يُقَال لَهُ بَاب الْحَفَظَة , وَعَلَيْهِ مَلَك يُقَال لَهُ إِسْمَاعِيل وَتَحْت يَده اِثْنَا عَشَر أَلْف مَلَك ".
قَوْله : ( فَاسْتَفْتَحَ ) تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ فِي أَوَّل الصَّلَاة وَأَنَّ قَوْلهمْ " أُرْسِل إِلَيْهِ " أَيْ لِلْعُرُوجِ , وَلَيْسَ الْمُرَاد أَصْل الْبَعْث لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَدْ اُشْتُهِرَ فِي الْمَلَكُوت الْأَعْلَى , وَقِيلَ : سَأَلُوا تَعَجُّبًا مِنْ نِعْمَة اللَّه عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ اِسْتِبْشَارًا بِهِ , وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ بَشَرًا لَا يَتَرَقَّى هَذَا التَّرَقِّي إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى , وَأَنَّ جِبْرِيل لَا يَصْعَد بِمَنْ لَمْ يُرْسَل إِلَيْهِ.
وَقَوْله : " مَنْ مَعَك " يُشْعِر بِأَنَّهُمْ أَحَسُّوا مَعَهُ بِرَفِيقٍ وَإِلَّا لَكَانَ السُّؤَال بِلَفْظِ " أَمَعَك أَحَد " وَذَلِكَ الْإِحْسَاس إِمَّا بِمُشَاهَدَةٍ لِكَوْنِ السَّمَاء شَفَّافَة , وَإِمَّا بِأَمْرٍ مَعْنَوِيّ كَزِيَادَةِ أَنْوَار أَوْ نَحْوهَا يُشْعِر بِتَجَدُّدِ أَمْر يَحْسُن مَعَهُ السُّؤَال بِهَذِهِ الصِّيغَة , وَفِي قَوْل " مُحَمَّد " دَلِيل عَلَى أَنَّ الِاسْم أَوْلَى فِي التَّعْرِيف مِنْ الْكُنْيَة , وَقِيلَ : الْحِكْمَة فِي سُؤَال الْمَلَائِكَة " وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ " ؟ أَنَّ اللَّه أَرَادَ إِطْلَاع نَبِيّه عَلَى أَنَّهُ مَعْرُوف عِنْد الْمَلَأ الْأَعْلَى لِأَنَّهُمْ قَالُوا : " أَوَبُعِثَ إِلَيْهِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ ذَلِكَ سَيَقَعُ لَهُ ; وَإِلَّا لَكَانُوا يَقُولُونَ : وَمَنْ مُحَمَّد ؟ مَثَلًا.
قَوْله : ( مَرْحَبًا بِهِ ) أَيْ أَصَابَ رَحَبًا وَسَعَة , وَكُنِّيَ بِذَلِكَ عَنْ الِانْشِرَاح , وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ اِبْن الْمُنِير جَوَاز رَدّ السَّلَام بِغَيْرِ لَفْظ السَّلَام , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْل الْمَلَك " مَرْحَبًا بِهِ " لَيْسَ رَدَّا لِلسَّلَامِ فَإِنَّهُ كَانَ قَبْل أَنْ يَفْتَح الْبَاب وَالسِّيَاق يُرْشِد إِلَيْهِ , وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ اِبْن أَبِي جَمْرَة , وَوَقَعَ هُنَا أَنَّ جِبْرِيل قَالَ لَهُ عِنْد كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ " سَلِّمْ عَلَيْهِ قَالَ : فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَام " وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ رَآهُمْ قَبْل ذَلِكَ.
قَوْله : ( فَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ ) قِيلَ : الْمَخْصُوص بِالْمَدْحِ مَحْذُوف , وَفِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير , وَالتَّقْدِير " جَاءَ فَنِعْمَ الْمَجِيء مَجِيؤُهُ " وَقَالَ اِبْن مَالِك : فِي هَذَا الْكَلَام شَاهِد عَلَى الِاسْتِغْنَاء بِالصِّلَةِ عَنْ الْمَوْصُول أَوْ الصِّفَة عَنْ الْمَوْصُوف فِي بَاب نِعْمَ , لِأَنَّهَا تَحْتَاج إِلَى فَاعِل هُوَ الْمَجِيء , وَإِلَى مَخْصُوص بِمَعْنَاهَا وَهُوَ مُبْتَدَأ مُخْبَر عَنْهُ بِنِعْمَ وَفَاعِلهَا , فَهُوَ فِي هَذَا الْكَلَام وَشَبَهه مَوْصُول أَوْ مَوْصُوف بِجَاءَ , وَالتَّقْدِير نِعْمَ الْمَجِيء الَّذِي جَاءَ , أَوْ نِعْمَ الْمَجِيء مَجِيء جَاءَهُ , وَكَوْنه مَوْصُولًا أَجْوَد لِأَنَّهُ مُخْبَر عَنْهُ , وَالْمُخْبَر عَنْهُ إِذَا كَانَ مَعْرِفَة أَوْلَى مِنْ كَوْنه نَكِرَة.
قَوْله : ( فَإِذَا فِيهَا آدَم , فَقَالَ : هَذَا أَبُوك آدَم ) زَادَ فِي رِوَايَة أَنَس عَنْ أَبِي ذَرّ أَوَّل الصَّلَاة ذِكْر النَّسَم الَّتِي عَنْ يَمِينه وَعَنْ شِمَاله , وَتَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ , وَذَكَرْت هُنَاكَ اِحْتِمَالًا أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالنَّسَمِ الْمَرْئِيَّة لِآدَم هِيَ الَّتِي لَمْ تَدْخُل الْأَجْسَاد بَعْد.
ثُمَّ ظَهَرَ لِي الْآن اِحْتِمَال آخَر وَهُوَ أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهَا مَنْ خَرَجَتْ مِنْ الْأَجْسَاد حِين خُرُوجهَا لِأَنَّهَا مُسْتَقِرَّة , وَلَا يَلْزَم مِنْ رُؤْيَة آدَم لَهَا وَهُوَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا أَنْ يُفْتَح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء وَلَا تَلِجهَا , وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد الْبَيْهَقِيِّ مَا يُؤَيِّدهُ وَلَفْظه " فَإِذَا أَنَا بِآدَم تُعْرَض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُرِّيَّته الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُول : رُوح طَيِّبَة وَنَفْس طَيِّبَة اِجْعَلُوهَا فِي عِلِّيِّينَ.
ثُمَّ تُعْرَض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُرِّيَّته الْفُجَّار فَيَقُول : رُوح خَبِيثَة وَنَفْس خَبِيثَة , اِجْعَلُوهَا فِي سِجِّين " وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد الْبَزَّار " فَإِذَا عَنْ يَمِينه بَاب يَخْرُج مِنْهُ رِيح طَيِّبَة وَعَنْ شِمَاله بَاب يَخْرُج مِنْهُ رِيح خَبِيثَة " الْحَدِيث.
فَظَهَرَ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ عَدَم اللُّزُوم الْمَذْكُور , وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا جَمَعَ بِهِ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " أَنَّ ذَلِكَ فِي حَالَة مَخْصُوصَة.
قَوْله : ( بِالِابْنِ الصَّالِح وَالنَّبِيّ الصَّالِح ) قِيلَ : اِقْتَصَرَ الْأَنْبِيَاء عَلَى وَصْفه بِهَذِهِ الصِّفَة وَتَوَارَدُوا عَلَيْهَا لِأَنَّ الصَّلَاح صِفَة تَشْمَل خِلَال الْخَيْر , وَلِذَلِكَ كَرَّرَهَا كُلّ مِنْهُمْ عِنْد كُلّ صِفَة , وَالصَّالِح هُوَ الَّذِي يَقُوم بِمَا يَلْزَمهُ مِنْ حُقُوق اللَّه وَحُقُوق الْعِبَاد , فَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ كَلِمَة جَامِعَة لِمَعَانِي الْخَيْر , وَفِي قَوْل آدَم " بِالِابْنِ الصَّالِح " إِشَارَة إِلَى اِفْتِخَاره بِأُبُوَّةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد بَيَان الْحِكْمَة فِي خُصُوص مَنَازِل الْأَنْبِيَاء مِنْ السَّمَاء.
قَوْله : ( ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاء الثَّانِيَة ) وَفِيهِ " فَإِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا اِبْنَا خَالَة " قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ اِبْن السِّكِّيت : يُقَال اِبْنَا خَالَة وَلَا يُقَال اِبْنَا عَمَّة , وَيُقَال اِبْنَا عَمّ وَلَا يُقَال اِبْنَا خَالٍ.
وَلَمْ يُبَيِّن سَبَب ذَلِكَ , وَالسَّبَب فِيهِ أَنَّ اِبْنَيْ الْخَالَة أُمُّ كُلّ مِنْهُمَا خَالَة الْآخَر لُزُومًا , بِخِلَافِ اِبْنَيْ الْعَمَّة , وَقَدْ تَوَافَقَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة مَعَ رِوَايَة ثَابِت عَنْ أَنَس عِنْد مُسْلِم أَنَّ فِي الْأُولَى آدَم وَفِي الثَّانِيَة يَحْيَى وَعِيسَى , وَفِي الثَّالِثَة يُوسُف , وَفِي الرَّابِعَة إِدْرِيس , وَفِي الْخَامِسَة هَارُون , وَفِي السَّادِسَة مُوسَى , وَفِي السَّابِعَة إِبْرَاهِيم وَخَالَفَ ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ فِي رِوَايَته عَنْ أَنَس عَنْ أَبِي ذَرّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُت أَسْمَاءَهُمْ وَقَالَ فِيهِ : " وَإِبْرَاهِيم فِي السَّمَاء السَّادِسَة " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة شَرِيك عَنْ أَنَس أَنَّ إِدْرِيس فِي الثَّالِثَة , وَهَارُون فِي الرَّابِعَة , وَآخَر فِي الْخَامِسَة , وَسِيَاقه يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَضْبِط مَنَازِلهمْ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزُّهْرِيُّ , وَرِوَايَة مَنْ ضَبَطَ أَوْلَى وَلَا سِيَّمَا مَعَ اِتِّفَاق قَتَادَةَ وَثَابِت وَقَدْ وَافَقَهُمَا يَزِيد بْن أَبِي مَالِك عَنْ أَنَس , إِلَّا أَنَّهُ خَالَفَ فِي إِدْرِيس وَهَارُون فَقَالَ هَارُون فِي الرَّابِعَة , وَإِدْرِيس فِي الْخَامِسَة : وَوَافَقَهُمْ أَبُو سَعِيد إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَة يُوسُف فِي الثَّانِيَة , وَعِيسَى وَيَحْيَى فِي الثَّالِثَة , وَالْأَوَّل أَثْبَت.
وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ رُؤْيَة الْأَنْبِيَاء فِي السَّمَاوَات مَعَ أَنَّ أَجْسَادهمْ مُسْتَقِرَّة فِي قُبُورهمْ بِالْأَرْضِ , وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَرْوَاحهمْ تَشَكَّلَتْ بِصُوَرِ أَجْسَادهمْ أَوْ أُحْضِرَتْ أَجْسَادهمْ لِمُلَاقَاةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَة تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْرِيمًا , وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن هَاشِم عَنْ أَنَس فَفِيهِ " وَبُعِثَ لَهُ آدَم فَمَنْ دُونه مِنْ الْأَنْبِيَاء " فَافْهَمْ , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي الْبَاب الَّذِي قَبْله.
قَوْله : ( فَلَمَّا خَلَصْت إِذَا يُوسُف ) زَادَ مُسْلِم فِي رِوَايَة ثَابِت عَنْ أَنَس " فَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْر الْحُسْن " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد الْبَيْهَقِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَة عِنْد اِبْن عَائِذ وَالطَّبَرَانِيِّ " فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ أَحْسَن مَا خَلَقَ اللَّه , قَدْ فَضَلَ النَّاس بِالْحُسْنِ كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر عَلَى سَائِر الْكَوَاكِب " وَهَذَا ظَاهِره أَنَّ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَحْسَن مِنْ جَمِيع النَّاس , لَكِنْ رَوَى التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَنَس مَا بَعَثَ اللَّه نَبِيًّا إِلَّا حَسَن الْوَجْه حَسَن الصَّوْت وَكَانَ نَبِيّكُمْ أَحْسَنهمْ وَجْهًا وَأَحْسَنهمْ صَوْتًا فَعَلَى هَذَا فَيُحْمَل حَدِيث الْمِعْرَاج عَلَى أَنَّ الْمُرَاد غَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُؤَيِّدهُ قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُتَكَلِّم لَا يَدْخُل فِي عُمُوم خِطَابه , وَأَمَّا حَدِيث الْبَاب فَقَدْ حَمَلَهُ اِبْن الْمُنِير عَلَى أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ يُوسُف أُعْطِيَ شَطْر الْحُسْن الَّذِي أُوتِيهِ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَة فِي اِخْتِصَاص كُلّ مِنْهُمْ بِالسَّمَاءِ الَّتِي اِلْتَقَاهُ بِهَا , فَقِيلَ لِيُظْهِر تَفَاضُلهمْ فِي الدَّرَجَات , وَقِيلَ : لِمُنَاسَبَةٍ تَتَعَلَّق بِالْحِكْمَةِ فِي الِاقْتِصَار عَلَى هَؤُلَاءِ دُون غَيْرهمْ مِنْ الْأَنْبِيَاء , فَقِيلَ أُمِرُوا بِمُلَاقَاتِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي أَوَّل وَهْلَة وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَخَّرَ فَلَحِقَ وَمِنْهُمْ مَنْ فَاتَهُ , وَهَذَا زَيَّفَهُ السُّهَيْلِيّ فَأَصَابَ , وَقِيلَ : الْحِكْمَة فِي الِاقْتِصَار عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مَا سَيَقَعُ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمه مِنْ نَظِير مَا وَقَعَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ , فَأَمَّا آدَم فَوَقَعَ التَّنْبِيه بِمَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الْخُرُوج مِنْ الْجَنَّة إِلَى الْأَرْض بِمَا سَيَقَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة , وَالْجَامِع بَيْنهمَا مَا حَصَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمَشَقَّة وَكَرَاهَة فِرَاق مَا أَلِفَهُ مِنْ الْوَطَن , ثُمَّ كَانَ مَآل كُلّ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِع إِلَى مَوْطِنه الَّذِي أُخْرِجَ مِنْهُ , وَبِعِيسَى وَيَحْيَى عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ أَوَّل الْهِجْرَة مِنْ عَدَاوَة الْيَهُود وَتَمَادِيهِمْ عَلَى الْبَغْي عَلَيْهِ وَإِرَادَتهمْ وُصُول السُّوء إِلَيْهِ , وَبِيُوسُف عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ إِخْوَته مِنْ قُرَيْش فِي نَصْبهمْ الْحَرْب لَهُ وَإِرَادَتهمْ هَلَاكه وَكَانَتْ الْعَاقِبَة لَهُ , وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِقُرَيْشٍ يَوْم الْفَتْح " أَقُول كَمَا قَالَ يُوسُف : لَا تَثْرِيب عَلَيْكُمْ " وَبِإِدْرِيس عَلَى رُفَيْع مَنْزِلَته عِنْد اللَّه , وَبِهَارُون عَلَى أَنَّ قَوْمه رَجَعُوا إِلَى مَحَبَّته بَعْد أَنْ آذَوْهُ , وَبِمُوسَى عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ مُعَالَجَة قَوْمه وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : " لَقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَر مِنْ هَذَا فَصَبَرَ " وَبِإِبْرَاهِيم فِي اِسْتِنَاده إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور بِمَا خَتَمَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر عُمْره مِنْ إِقَامَة مَنْسَك الْحَجّ وَتَعْظِيم الْبَيْت , وَهَذِهِ مُنَاسَبَات لَطِيفَة أَبَدَاهَا السُّهَيْلِيّ فَأَوْرَدْتهَا مُنَقَّحَة مُلَخَّصَة.
وَقَدْ زَادَ اِبْن الْمُنِير فِي ذَلِكَ أَشْيَاء أَضْرَبْت عَنْهَا إِذْ أَكْثَرهَا فِي الْمُفَاضَلَة بَيْن الْأَنْبِيَاء وَالْإِشَارَة فِي هَذَا الْمَقَام عِنْدِي أَوْلَى مِنْ تَطْوِيل الْعِبَارَة.
وَذَكَرَ فِي مُنَاسَبَة لِقَاء إِبْرَاهِيم فِي السَّمَاء السَّابِعَة مَعْنًى لَطِيفًا زَائِدًا , وَهُوَ مَا اُتُّفِقَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دُخُول مَكَّة فِي السَّنَة السَّابِعَة وَطَوَافه بِالْبَيْتِ , وَلَمْ يَتَّفَق لَهُ الْوُصُول إِلَيْهَا بَعْد الْهِجْرَة قَبْل هَذِهِ , بَلْ قَصَدَهَا فِي السَّنَة السَّادِسَة فَصَدُّوهُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطه فِي كِتَابه الشُّرُوط قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : الْحِكْمَة فِي كَوْن آدَم فِي السَّمَاء الدُّنْيَا لِأَنَّهُ أَوَّل الْأَنْبِيَاء وَأَوَّل الْآبَاء وَهُوَ أَصْل فَكَانَ أَوَّلًا فِي الْأُولَى , وَلِأَجْلِ تَأْنِيس النُّبُوَّة بِالْأُبُوَّةِ , وَعِيسَى فِي الثَّانِيَة لِأَنَّهُ أَقْرَب الْأَنْبِيَاء عَهْدًا مِنْ مُحَمَّد , وَيَلِيه يُوسُف لِأَنَّ أُمَّة مُحَمَّد تَدْخُل الْجَنَّة عَلَى صُورَته , وَإِدْرِيس فِي الرَّابِعَة لِقَوْلِهِ : ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا ) وَالرَّابِعَة مِنْ السَّبْع وَسَط مُعْتَدِل , وَهَارُون لِقُرْبِهِ مِنْ أَخِيهِ مُوسَى , أَرْفَع مِنْهُ لِفَضْلِ كَلَام اللَّه , وَإِبْرَاهِيم لِأَنَّهُ الْأَب الْأَخِير فَنَاسَبَ أَنْ يَتَجَدَّد لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُقِيِّهِ أُنْسٌ لِتَوَجُّهِهِ بَعْده إِلَى عَام آخَر , وَأَيْضًا فَمَنْزِلَة الْخَلِيل تَقْتَضِي أَنْ تَكُون أَرْفَع الْمَنَازِل وَمَنْزِلَة الْحَبِيب أَرْفَع مِنْ مَنْزِلَته , فَلِذَلِكَ اِرْتَفَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَنْزِلَة إِبْرَاهِيم إِلَى قَاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى.
قَوْله : فِي قِصَّة مُوسَى ( فَلَمَّا تَجَاوَزْت بَكَى , قِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيك ؟ قَالَ : أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُل الْجَنَّة مِنْ أُمَّته أَكْثَر مِمَّنْ يَدْخُلهَا مِنْ أُمَّتِي ) وَفِي رِوَايَة شَرِيك عَنْ أَنَس " لَمْ أَظُنّ أَحَدًا يُرْفَع عَلَيَّ " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد : قَالَ مُوسَى : يَزْعُم بَنُو إِسْرَائِيل أَنِّي أَكْرَم عَلَى اللَّه , وَهَذَا أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنِّي زَادَ الْأُمَوِيّ فِي رِوَايَته " وَلَوْ كَانَ هَذَا وَحْده هَانَ عَلَيَّ , وَلَكِنْ مَعَهُ أُمَّته وَهُمْ أَفْضَل الْأُمَم عِنْد اللَّه " وَفِي رِوَايَة أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ " مَرَّ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ يَرْفَع صَوْته فَيَقُول : أَكْرَمْته وَفَضَّلْته , فَقَالَ جِبْرِيل : هَذَا مُوسَى , قُلْت : وَمَنْ يُعَاتِب قَالَ : يُعَاتِب رَبّه فِيك , قُلْت : وَيَرْفَع صَوْته عَلَى رَبّه ؟ قَالَ : إِنَّ اللَّه قَدْ عَرَفَ لَهُ حِدَّته " وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْد الْحَارِث وَأَبِي يَعْلَى وَالْبَزَّار " وَسَمِعْت صَوْتًا وَتَذَمُّرًا , فَسَأَلْت جِبْرِيل فَقَالَ : هَذَا مُوسَى , قُلْت عَلَى مَنْ تَذَمُّره ؟ قَالَ : عَلَى رَبّه.
قُلْت : عَلَى رَبّه ؟ قَالَ : إِنَّهُ يَعْرِف ذَلِكَ مِنْهُ " قَالَ الْعُلَمَاء : لَمْ يَكُنْ بُكَاء مُوسَى حَسَدًا , مَعَاذ اللَّه , فَإِنَّ الْحَسَد فِي ذَلِكَ الْعَالَم مَنْزُوع عَنْ آحَاد الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ بِمَنْ اِصْطَفَاهُ اللَّه تَعَالَى , بَلْ كَانَ أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْأَجْر الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ رَفْع الدَّرَجَة بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْ أُمَّته مِنْ كَثْرَة الْمُخَالَفَة الْمُقْتَضِيَة لِتَنْقِيصِ أُجُورهمْ الْمُسْتَلْزِم لِتَنْقِيصِ أَجْره , لِأَنَّ لِكُلِّ نَبِيّ مِثْل أَجْر كُلّ مَنْ اِتَّبَعَهُ , وَلِهَذَا كَانَ مَنْ اِتَّبَعَهُ مِنْ أُمَّته فِي الْعَدَد دُون مَنْ اِتَّبَعَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ طُول مُدَّتهمْ بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ الْأُمَّة.
وَأَمَّا قَوْله " غُلَام " فَلَيْسَ عَلَى سَبِيل النَّقْص , بَلْ عَلَى سَبِيل التَّنْوِيه بِقُدْرَةِ اللَّه وَعَظِيم كَرَمه إِذْ أَعْطَى لِمَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ السِّنّ مَا لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا قَبْله مِمَّنْ هُوَ أَسَنَّ مِنْهُ.
وَقَدْ وَقَعَ مِنْ مُوسَى مِنْ الْعِنَايَة بِهَذِهِ الْأُمَّة مِنْ أَمْر الصَّلَاة مَا لَمْ يَقَع لِغَيْرِهِ , وَوَقَعَتْ الْإِشَارَة لِذَلِكَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد الطَّبَرِيّ وَالْبَزَّار , قَالَ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ " كَانَ مُوسَى أَشَدّهمْ عَلَيَّ حِين مَرَرْت بِهِ : وَخَيْرهمْ لِي حِين رَجَعْت إِلَيْهِ " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " فَأَقْبَلْت رَاجِعًا , فَمَرَرْت بِمُوسَى وَنِعْمَ الصَّاحِب كَانَ لَكُمْ , فَسَأَلَنِي : كَمْ فَرَضَ عَلَيْك رَبّك " ؟ الْحَدِيث قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : إِنَّ اللَّه جَعَلَ الرَّحْمَة فِي قُلُوب الْأَنْبِيَاء أَكْثَر مِمَّا جَعَلَ الرَّحْمَة فِي قُلُوب غَيْرهمْ , لِذَلِكَ بَكَى رَحْمَة لِأُمَّتِهِ , وَأَمَّا قَوْله : " هَذَا غُلَام " فَأَشَارَ إِلَى صِغَر سِنّه بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْعَرَب تُسَمِّي الرَّجُل الْمُسْتَجْمِع السِّنّ غُلَامًا مَا دَامَتْ فِيهِ بَقِيَّة مِنْ الْقُوَّة ا ه.
وَيَظْهَر لِي أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَشَارَ إِلَى مَا أَنْعَمَ اللَّه بِهِ عَلَى نَبِيّنَا عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام مِنْ اِسْتِمْرَار الْقُوَّة فِي الْكُهُولِيَّة وَإِلَى أَنْ دَخَلَ فِي سِنّ الشَّيْخُوخَة وَلَمْ يَدْخُل عَلَى بَدَنه هَرَم وَلَا اِعْتَرَى قُوَّته نَقْص , حَتَّى إِنَّ النَّاس فِي قُدُومه الْمَدِينَة كَمَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيث أَنَس لَمَّا رَأَوْهُ مُرْدِفًا أَبَا بَكْر أَطْلَقُوا عَلَيْهِ اِسْم الشَّابّ وَعَلَى أَبِي بَكْر اِسْم الشَّيْخ مَعَ كَوْنه فِي الْعُمْر أَسَنَّ مِنْ أَبِي بَكْر , وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص مُوسَى بِمُرَاجَعَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْر الصَّلَاة لَعَلَّهَا لِكَوْنِ أُمَّة مُوسَى كُلِّفَتْ مِنْ الصَّلَوَات بِمَا لَمْ تُكَلَّف بِهِ غَيْرهَا مِنْ الْأُمَم , فَثَقُلَتْ عَلَيْهِمْ , فَأَشْفَقَ مُوسَى عَلَى أُمَّة مُحَمَّد مِنْ مِثْل ذَلِكَ.
وَيُشِير إِلَى ذَلِكَ قَوْله " إِنِّي قَدْ جَرَّبْت النَّاس قَبْلك " اِنْتَهَى.
وَقَالَ غَيْره لَعَلَّهَا مِنْ جِهَة أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَنْبِيَاء مَنْ لَهُ أَكْثَر مِنْ مُوسَى وَلَا مَنْ لَهُ كِتَاب أَكْبَر وَلَا أَجْمَع لِلْأَحْكَامِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَة مُضَاهِيًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَاسَبَ أَنْ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُون لَهُ مِثْل مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْر أَنْ يُرِيد زَوَاله عَنْهُ , وَنَاسَبَ أَنْ يُطْلِعهُ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ وَيَنْصَحهُ فِيمَا يَتَعَلَّق بِهِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُوسَى لَمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاء الْأَسَف عَلَى نَقْص حَظّ أُمَّته بِالنِّسْبَةِ لِأُمَّةِ مُحَمَّد حَتَّى تَمَنَّى مَا تَمَنَّى أَنْ يَكُون , اِسْتَدْرَكَ ذَلِكَ بِبَدَلِ النَّصِيحَة لَهُمْ وَالشَّفَقَة عَلَيْهِمْ لِيُزِيلَ مَا عَسَاهُ أَنْ يُتَوَهَّم عَلَيْهِ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الِابْتِدَاء.
وَذَكَرَ السُّهَيْلِيّ أَنَّ الْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ رَأَى فِي مُنَاجَاته صِفَة أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا اللَّه أَنْ يَجْعَلهُ مِنْهُمْ , فَكَانَ إِشْفَاقه عَلَيْهِمْ كَعِنَايَةِ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ.
وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّل الصَّلَاة شَيْء مِنْ هَذَا , وَمِمَّا يَتَعَلَّق بِأَمْرِ مُوسَى بِالتَّرْدِيدِ مِرَارًا , وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ وَقَعَ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي هَذِهِ الْقِصَّة مِنْ مُرَاعَاة جَانِب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ جَمِيع مَا وَقَعَ لَهُ حَتَّى فَارَقَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَبًا مَعَهُ وَحُسْن عِشْرَة , فَلَمَّا فَارَقَهُ بَكَى وَقَالَ مَا قَالَ.
قَوْله : ( فَإِذَا إِبْرَاهِيم ) فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن مُسْنِدًا ظَهْره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور كَأَحْسَن الرِّجَال " وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد الطَّبَرِيّ " فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ أَشَمَط جَالِس عِنْد بَاب الْجَنَّة عَلَى كُرْسِيّ ".
( تَكْمِلَة ) : اُخْتُلِفَ فِي حَال الْأَنْبِيَاء عِنْد لَقْي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ لَيْلَة الْإِسْرَاء هَلْ أُسْرِيَ بِأَجْسَادِهِمْ لِمُلَاقَاةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَة , أَوْ أَنَّ أَرْوَاحهمْ مُسْتَقِرَّة فِي الْأَمَاكِن الَّتِي لَقِيَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْوَاحهمْ مُشَكَّلَة بِشَكْلِ أَجْسَادهمْ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو الْوَفَاء بْن عَقِيل , وَاخْتَارَ الْأَوَّل بَعْض شُيُوخنَا , وَاحْتَجَّ بِمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِم عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " رَأَيْت مُوسَى لَيْلَة أُسْرِيَ بِي قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْره " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ لَمَّا مَرَّ بِهِ.
قُلْت : وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ بَلْ يَجُوز أَنْ يَكُون لِرُوحِهِ اِتِّصَال بِجَسَدِهِ فِي الْأَرْض , فَلِذَلِكَ يَتَمَكَّن مِنْ الصَّلَاة وَرُوحه مُسْتَقِرَّة فِي السَّمَاء.
قَوْله : ( ثُمَّ رُفِعْت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الرَّاء وَسُكُون الْعَيْن وَضَمّ التَّاء مِنْ " رَفَعْت " بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّم وَبَعْده حَرْف جَرّ , وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ " رُفِعَتْ " بِفَتْحِ الْعَيْن وَسُكُون التَّاء أَيْ السِّدْرَة لِي بِاللَّامِ أَيْ مِنْ أَجْلِي , وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي بَدْء الْخَلْق , وَيُجْمَع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ رُفِعَ إِلَيْهَا أَيْ اِرْتَقَى بِهِ وَظَهَرَتْ لَهُ , وَالرَّفْع إِلَى الشَّيْء يُطْلَق عَلَى التَّقْرِيب مِنْهُ , وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى : ( وَفُرُش مَرْفُوعَة ) أَيْ تَقْتَرِب لَهُمْ , وَوَقَعَ بَيَان سَبَب تَسْمِيَتهَا سِدْرَة الْمُنْتَهَى فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْد مُسْلِم وَلَفْظه " لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : انْتُهِيَ بِي إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاء السَّادِسَة وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَعْرُج مِنْ الْأَرْض فَيُقْبَض مِنْهَا , وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَهْبِط فَيُقْبَض مِنْهَا " وَقَالَ النَّوَوِيّ سُمِّيَتْ سِدْرَة الْمُنْتَهَى لِأَنَّ عِلْم الْمَلَائِكَة يَنْتَهِي إِلَيْهَا , وَلَمْ يُجَاوِزهَا أَحَد إِلَّا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْت : وَهَذَا لَا يُعَارِض حَدِيث اِبْن مَسْعُود الْمُتَقَدِّم , لَكِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود ثَابِت فِي الصَّحِيح فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ.
قُلْت : وَأَوْرَدَ النَّوَوِيّ هَذَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيض فَقَالَ : وَحُكِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ إِلَخْ.
كَذَا أَوْرَدَهُ فَأَشْعَرَهُ بِضَعْفِهِ عِنْده , وَلَا سِيَّمَا وَلَمْ يُصَرِّح بِرَفْعِهِ , وَهُوَ صَحِيح مَرْفُوع.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " : ظَاهِر حَدِيث أَنَس أَنَّهَا فِي السَّابِعَة لِقَوْلِهِ بَعْد ذِكْر السَّمَاء السَّابِعَة " ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَة " وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود أَنَّهَا فِي السَّادِسَة , وَهَذَا تَعَارُض لَا شَكَّ فِيهِ , وَحَدِيث أَنَس هُوَ قَوْل الْأَكْثَر , وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه وَصْفهَا بِأَنَّهَا الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا عِلْم كُلّ نَبِيّ مُرْسَل وَكُلّ مَلَك مُقَرَّب عَلَى مَا قَالَ كَعْب , قَالَ : وَمَا خَلْفهَا غَيْب لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه أَوْ مَنْ أَعْلَمهُ , وَبِهَذَا جَزَمَ إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد , وَقَالَ غَيْره : إِلَيْهَا مُنْتَهَى أَرْوَاح الشُّهَدَاء , قَالَ : وَيَتَرَجَّح حَدِيث أَنَس بِأَنَّهُ مَرْفُوع , وَحَدِيث اِبْن مَسْعُود مَوْقُوف , كَذَا قَالَ , وَلَمْ يُعَرِّج عَلَى الْجَمْع بَلْ جَزَمَ بِالتَّعَارُضِ.
قُلْت : وَلَا يُعَارِض قَوْله إِنَّهَا فِي السَّادِسَة مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ بَقِيَّة الْأَخْبَار أَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهَا بَعْد أَنْ دَخَلَ السَّمَاء السَّابِعَة لِأَنَّهُ يُحْمَل عَلَى أَنَّ أَصْلهَا فِي السَّمَاء السَّادِسَة وَأَغْصَانهَا وَفُرُوعهَا فِي السَّابِعَة , وَلَيْسَ فِي السَّادِسَة مِنْهَا إِلَّا أَصْل سَاقهَا , وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ أَوَّل الصَّلَاة " فَغَشِيَهَا أَلْوَان لَا أَدْرِي مَا هِيَ " وَبَقِيَّة حَدِيث اِبْن مَسْعُود الْمَذْكُور " قَالَ اللَّه تَعَالَى ( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا يَغْشَى ) قَالَ : فِرَاش مِنْ ذَهَب " كَذَا فَسَّرَ الْمُبْهَم فِي قَوْله : ( مَا يَغْشَى ) بِالْفِرَاشِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة يَزِيد بْن أَبِي مَالِك عَنْ أَنَس " جَرَاد مِنْ ذَهَب " قَالَ الْبَيْضَاوِيّ : " وَذِكْر الْفِرَاش وَقَعَ عَلَى سَبِيل التَّمْثِيل , لِأَنَّ مِنْ شَأْن الشَّجَر أَنْ يَسْقُط عَلَيْهَا الْجَرَاد وَشَبَهه , وَجَعَلَهَا مِنْ الذَّهَب لِصَفَاءِ لَوْنهَا وَإِضَاءَتهَا فِي نَفْسهَا " اِنْتَهَى.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ الذَّهَب حَقِيقَة وَيُخْلَقُ فِيهِ الطَّيَرَان , وَالْقُدْرَة صَالِحَة لِذَلِكَ.
وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد وَابْن عَبَّاس " يَغْشَاهَا الْمَلَائِكَة " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد الْبَيْهَقِيِّ " عَلَى كُلّ وَرَقَة مِنْهَا مَلَك " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة ثَابِت عَنْ أَنَس عِنْد مُسْلِم " فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْر اللَّه مَا غَشِيَهَا تَغَيَّرَتْ , فَمَا أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه يَسْتَطِيع أَنْ يَنْعَتهَا مِنْ حُسْنهَا " وَفِي رِوَايَة حُمَيْدٍ عَنْ أَنَس عِنْد اِبْن مَرْدَوَيْهِ نَحْوه لَكِنْ قَالَ تَحَوَّلَتْ قُوتًا وَنَحْو ذَلِكَ.
قَوْله : ( فَإِذَا نَبِقُهَا ) بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الْمُوَحَّدَة وَسُكُونهَا أَيْضًا , قَالَ اِبْن دِحْيَة : وَالْأَوَّل هُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِي الرِّوَايَة , أَيْ التَّحْرِيك , وَالنَّبْق مَعْرُوف وَهُوَ ثَمَر السِّدْر قَوْله : ( مِثْل قِلَال هَجَرَ ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْقِلَال بِالْكَسْرِ جَمْع قُلَّة بِالضَّمِّ هِيَ الْجِرَار , يُرِيد أَنَّ ثَمَرهَا فِي الْكُبْر مِثْل الْقِلَال , وَكَانَتْ مَعْرُوفَة عِنْد الْمُخَاطَبِينَ فَلِذَلِكَ وَقَعَ التَّمْثِيل بِهَا , قَالَ : وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ تَحْدِيد الْمَاء الْكَثِير بِهَا فِي قَوْله : " إِذَا بَلَغَ الْمَاء قُلَّتَيْنِ " , وَقَوْله : " هَجَرَ " بِفَتْحِ الْهَاء وَالْجِيم بَلْدَة لَا تَنْصَرِف لِلتَّأْنِيثِ وَالْعِلْمِيَّة , وَيَجُوز الصَّرْف.
قَوْله : ( وَإِذَا وَرَقهَا مِثْل آذَان الْفِيلَة ) بِكَسْرِ الْفَاء وَفَتْح التَّحْتَانِيَّة بَعْدهَا لَام جَمْع فِيل , وَوَقَعَ فِي بَدْء الْخَلْق " مِثْل آذَان الْفُيُول " وَهُوَ جَمْع فِيل أَيْضًا قَالَ اِبْن دِحْيَة : اُخْتِيرَتْ السِّدْرَة دُون غَيْرهَا لِأَنَّ فِيهَا ثَلَاثَة أَوْصَاف : ظِلّ مَمْدُود , وَطَعَام لَذِيذ , وَرَائِحَة زَكِيَّة فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْإِيمَان الَّذِي يَجْمَع الْقَوْل وَالْعَمَل وَالنِّيَّة , وَالظِّلّ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَل , وَالطَّعْم بِمَنْزِلَةِ النِّيَّة , وَالرَّائِحَة بِمَنْزِلَةِ الْقَوْل.
قَوْله : ( وَإِذَا أَرْبَعَة أَنْهَار ) فِي بَدْء الْخَلْق " فَإِذَا فِي أَصْلهَا - أَيْ فِي أَصْل سِدْرَة الْمُنْتَهَى - أَرْبَعَة أَنْهَار " وَلِمُسْلِمٍ " يَخْرُج مِنْ أَصْلهَا " وَوَقَعَ فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " أَرْبَعَة أَنْهَار مِنْ الْجَنَّة : النِّيل وَالْفُرَات وَسَيْحَانُ وَجَيْحَانُ " فَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون سِدْرَة الْمُنْتَهَى مَغْرُوسَة فِي الْجَنَّة وَالْأَنْهَار تَخْرُج مِنْ تَحْتهَا فَيَصِحّ أَنَّهَا مِنْ الْجَنَّة.
قَوْله : ( أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّة ) قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة فِيهِ أَنَّ الْبَاطِن أَجَلّ مِنْ الظَّاهِر , لِأَنَّ الْبَاطِن جُعِلَ فِي دَار الْبَقَاء وَالظَّاهِر جُعِلَ فِي دَار الْفِنَاء , وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الِاعْتِمَاد عَلَى مَا فِي الْبَاطِن كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّه لَا يَنْظُر إِلَى صُوَركُمْ وَلَكِنْ يَنْظُر إِلَى قُلُوبكُمْ ".
قَوْله : ( وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيل وَالْفُرَات ) وَقَعَ فِي رِوَايَة شَرِيك كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد أَنَّهُ رَأَى فِي السَّمَاء الدُّنْيَا نَهْرَيْنِ يَطَّرِدَانِ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل هُمَا النِّيل وَالْفُرَات عُنْصُرهمَا وَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّهُ رَأَى هَذَيْنِ النَّهْرَيْنِ عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهَى مَعَ نَهْرَيْ الْجَنَّة وَرَآهُمَا فِي السَّمَاء الدُّنْيَا دُون نَهْرَيْ الْجَنَّة وَأَرَادَ بِالْعُنْصُرِ عُنْصُر اِمْتِيَازهمَا بِسَمَاءِ الدُّنْيَا كَذَا قَالَ اِبْن دِحْيَة , وَوَقَعَ فِي حَدِيث شَرِيك أَيْضًا " وَمَضَى بِهِ يَرْقَى السَّمَاء فَإِذَا هُوَ بِنَهْرٍ آخَر عَلَيْهِ قَصْر مِنْ لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَإِذَا هُوَ مِسْك أَذْفَر فَقَالَ : مَا هَذَا يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ : هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي خَبَّأَ لَك رَبّك ".
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة يَزِيد بْن أَبِي مَالِك عَنْ أَنَس عِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم أَنَّهُ بَعْد أَنْ رَأَى إِبْرَاهِيم قَالَ : " ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِي عَلَى ظَهْر السَّمَاء السَّابِعَة حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى نَهْر عَلَيْهِ خِيَام اللُّؤْلُؤ وَالْيَاقُوت وَالزَّبَرْجَد , وَعَلَيْهِ طَيْر خُضْر , أَنْعَمَ طَيْر رَأَيْت , قَالَ جِبْرِيل : هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك اللَّه , فَإِذَا فِيهِ آنِيَة الذَّهَب وَالْفِضَّة يَجْرِي عَلَى رَضْرَاض مِنْ الْيَاقُوت وَالزُّمُرُّد , مَاؤُهُ أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَن , قَالَ فَأَخَذْت مِنْ آنِيَته فَاغْتَرَفْت مِنْ ذَلِكَ الْمَاء فَشَرِبْت فَإِذَا هُوَ أَحْلَى مِنْ الْعَسَل وَأَشَدّ رَائِحَة مِنْ الْمِسْك " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " فَإِذَا فِيهَا عَيْن تَجْرِي يُقَال لَهَا السَّلْسَبِيل فَيَنْشَقّ مِنْهَا نَهْرَانِ أَحَدهمَا الْكَوْثَر وَالْآخَر يُقَال لَهُ نَهْر الرَّحْمَة ".
قُلْت : فَيُمْكِن أَنْ يُفَسَّر بِهِمَا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي حَدِيث الْبَاب.
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُقَاتِل قَالَ : الْبَاطِنَانِ السَّلْسَبِيل وَالْكَوْثَر.
وَأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِم بِلَفْظِ " سَيُحَانُ وَجَيْحَانُ وَالنِّيل وَالْفُرَات مِنْ أَنْهَار الْجَنَّة " فَلَا يُغَايِر هَذَا لِأَنَّ الْمُرَاد بِهِ أَنَّ فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَنْهَار أَصْلهَا مِنْ الْجَنَّة , وَحِينَئِذٍ لَمْ يَثْبُت لِسَيْحُون وَجَيْحُون أَنَّهُمَا يَنْبُعَانِ مِنْ أَصْل سِدْرَة الْمُنْتَهَى , فَيَمْتَاز النِّيل وَالْفُرَات عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ.
وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي حَدِيث الْبَاب فَهُمَا غَيْر سَيْحُون وَجَيْحُون , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ النَّوَوِيّ : فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ أَصْل النِّيل وَالْفُرَات مِنْ الْجَنَّة , وَأَنَّهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ أَصْل سِدْرَة الْمُنْتَهَى , ثُمَّ يَسِيرَانِ حَيْثُ شَاءَ اللَّه , ثُمَّ يَنْزِلَانِ إِلَى الْأَرْض , ثُمَّ يَسِيرَانِ فِيهَا ثُمَّ يَخْرُجَانِ مِنْهَا , وَهَذَا لَا يَمْنَعهُ الْعَقْل , وَقَدْ شَهِدَ بِهِ ظَاهِر الْخَبَر فَلْيُعْتَمَدْ.
وَأَمَّا قَوْل عِيَاض : إِنَّ الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ أَصْل سِدْرَة الْمُنْتَهَى فِي الْأَرْض لِكَوْنِهِ قَالَ : إِنَّ النِّيل وَالْفُرَات يَخْرُجَانِ مِنْ أَصْلهَا وَهُمَا بِالْمُشَاهَدَةِ يَخْرُجَانِ مِنْ الْأَرْض فَيَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَكُون أَصْل السِّدْرَة فِي الْأَرْض , وَهُوَ مُتَعَقِّب , فَإِنَّ الْمُرَاد بِكَوْنِهِمَا يَخْرُجَانِ مِنْ أَصْلهَا غَيْر خُرُوجهمَا بِالنَّبْعِ مِنْ الْأَرْض.
وَالْحَاصِل أَنَّ أَصْلهَا فِي الْجَنَّة وَهُمَا يَخْرُجَانِ أَوَّلًا مِنْ أَصْلهَا ثُمَّ يَسِيرَانِ إِلَى أَنْ يَسْتَقِرَّا فِي الْأَرْض ثُمَّ يَنْبُعَانِ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَضِيلَة مَاء النِّيل وَالْفُرَات لِكَوْنِ مَنْبَعهمَا مِنْ الْجَنَّة , وَكَذَا سَيْحَان وَجِيحَانِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : لَعَلَّ تَرْك ذِكْرهمَا فِي حَدِيث الْإِسْرَاء لِكَوْنِهِمَا لَيْسَا أَصْلًا بِرَأْسِهِمَا.
وَإِنَّمَا يَحْتَمِل أَنْ يَتَفَرَّعَا عَنْ النِّيل وَالْفُرَات.
قَالَ : وَقِيلَ : وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى هَذِهِ الْأَنْهَار أَنَّهَا مِنْ الْجَنَّة تَشْبِيهًا لَهَا بِأَنْهَارِ الْجَنَّة لِمَا فِيهَا مِنْ شِدَّة الْعُذُوبَة وَالْحُسْن وَالْبَرَكَة , وَالْأَوَّل أَوْلَى , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
( تَنْبِيه ) : الْفُرَات بِالْمُثَنَّاةِ فِي الْخَطّ فِي حَالَتَيْ الْوَصْل وَالْوَقْف فِي الْقِرَاءَات الْمَشْهُورَة , وَجَاءَ فِي قِرَاءَة شَاذَّة أَنَّهَا هَاء تَأْنِيث , وَشَبَّهَهَا أَبُو الْمُظَفَّر بْن اللَّيْث بِالتَّابُوتِ وَالتَّابُّوهُ.
قَوْله : ( ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْت الْمَعْمُور ) زَادَ الْكُشْمِيهَنِيّ " يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك " وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي بَدْء الْخَلْق بِزِيَادَةِ " إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا آخِر مَا عَلَيْهِمْ " وَكَذَا وَقَعَ مَضْمُومًا إِلَى رِوَايَة قَتَادَةَ عَنْ أَنَس عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة , وَقَدْ بَيَّنْت فِي بَدْء الْخَلْق أَنَّهُ مُدْرَج , وَذَكَرْت مِنْ فَصْله مِنْ رِوَايَة قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَقَدْ قَدَّمْت مَا يَتَعَلَّق بِالْبَيْتِ الْمَعْمُور هُنَاكَ , وَوَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة أَيْضًا عِنْد مُسْلِم مِنْ طَرِيق ثَابِت عَنْ أَنَس وَفِيهِ أَيْضًا " ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ أَبَدًا " وَزَادَ اِبْن إِسْحَاق فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد الْبَزَّار أَنَّهُ رَأَى هُنَاكَ أَقْوَامًا بِيض الْوُجُوه وَأَقْوَامًا فِي أَلْوَانهمْ شَيْء فَدَخَلُوا نَهْرًا فَاغْتَسَلُوا فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَتْ أَلْوَانهمْ , فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل " هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتك خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا " , وَفِي رِوَايَة أَبِي سَعِيد عِنْد الْأُمَوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَنَّهُمْ " دَخَلُوا مَعَهُ الْبَيْت الْمَعْمُور وَصَلُّوا فِيهِ جَمِيعًا " وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَة أَكْثَر الْمَخْلُوقَات لِأَنَّهُ لَا يُعْرَف مِنْ جَمِيع الْعَوَامِل مَنْ يَتَجَدَّد مِنْ جِنْسه فِي كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْفًا غَيْر مَا ثَبَتَ عَنْ الْمَلَائِكَة فِي هَذَا الْخَبَر.
قَوْله : ( ثُمَّ أُتِيت بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْر وَإِنَاء مِنْ لَبَن وَإِنَاء مِنْ عَسَل , فَأَخَذْت اللَّبَن , فَقَالَ : هِيَ الْفِطْرَة الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا ) أَيْ دِين الْإِسْلَام.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَبَب تَسْمِيَة اللَّبَن فِطْرَة لِأَنَّهُ أَوَّل شَيْء يَدْخُل بَطْن الْمَوْلُود وَيَشُقّ أَمْعَاءَهُ , وَالسِّرّ فِي مَيْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ دُون غَيْره لِكَوْنِهِ كَانَ مَأْلُوفًا لَهُ ; وَلِأَنَّهُ لَا يَنْشَأ عَنْ جِنْسه مَفْسَدَة , وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة أَنَّ إِتْيَانه الْآنِيَة كَانَ بَعْد وُصُوله إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى , وَسَيَأْتِي فِي الْأَشْرِبَة مِنْ طَرِيق شُعْبَة عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَس قَالَ : " قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رُفِعَتْ لِي سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَإِذَا أَرْبَعَة أَنْهَار " فَذَكَرَهُ قَالَ : " وَأُتِيت بِثَلَاثَةِ أَقْدَاح " الْحَدِيث وَهَذَا مُوَافِق لِحَدِيثِ الْبَاب ; إِلَّا أَنَّ شُعْبَة لَمْ يَذْكُر فِي الْإِسْنَاد مَالِك بْن صَعْصَعَة.
وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد اِبْن عَائِذ فِي حَدِيث الْمِعْرَاج بَعْد ذِكْر إِبْرَاهِيم قَالَ : " ثُمَّ اِنْطَلَقْنَا , فَإِذَا نَحْنُ بِثَلَاثَةِ آنِيَة مُغَطَّاة , فَقَالَ جِبْرِيل : يَا مُحَمَّد أَلَا تَشْرَب مِمَّا سَقَاك رَبّك ؟ فَتَنَاوَلْت إِحْدَاهُمَا فَإِذَا هُوَ عَسَل فَشَرِبْت مِنْهُ قَلِيلًا , ثُمَّ تَنَاوَلْت الْآخَر فَإِذَا هُوَ لَبَن فَشَرِبْت مِنْهُ حَتَّى رَوِيت , فَقَالَ : أَلَا تَشْرَب مِنْ الثَّالِث ؟ قُلْت : قَدْ رَوِيت.
قَالَ : وَفَّقَك اللَّه " وَفِي رِوَايَة الْبَزَّار مِنْ هَذَا الْوَجْه أَنَّ الثَّالِث كَانَ خَمْرًا , لَكِنْ وَقَعَ عِنْده أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ , وَأَنَّ الْأَوَّل كَانَ مَاء وَلَمْ يَذْكُر الْعَسَل.
وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد أَحْمَد " فَلَمَّا أَتَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي , فَلَمَّا اِنْصَرَفَ جِيءَ بِقَدَحَيْنِ فِي أَحَدهمَا لَبَن وَفِي الْآخَر عَسَل , فَأَخَذَ اللَّبَن " الْحَدِيث , وَقَدْ وَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ طَرِيق ثَابِت عَنْ أَنَس أَيْضًا أَنَّ إِتْيَانه بِالْآنِيَةِ كَانَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْل الْمِعْرَاج وَلَفْظه " ثُمَّ دَخَلْت الْمَسْجِد فَصَلَّيْت فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْت فَجَاءَ جِبْرِيل بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْر وَإِنَاء مِنْ لَبَن , فَأَخَذْت اللَّبَن , فَقَالَ جِبْرِيل : أَخَذْت الْفِطْرَة.
ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاء " وَفِي حَدِيث شَدَّاد بْن أَوْس فَصَلَّيْت مِنْ الْمَسْجِد حَيْثُ شَاءَ اللَّه , وَأَخَذَنِي مِنْ الْعَطَش أَشَدّ مَا أَخَذَنِي , فَأَتَيْت بِإِنَاءَيْنِ أَحَدهمَا لَبَن وَالْآخَر عَسَل , فَعَدَلْت بَيْنهمَا , ثُمَّ هَدَانِي اللَّه فَأَخَذْت اللَّبَن , فَقَالَ شَيْخ بَيْن يَدَيَّ - يَعْنِي لِجِبْرِيل - أَخَذَ صَاحِبك الْفِطْرَة " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد اِبْن إِسْحَاق فِي قِصَّة الْإِسْرَاء " فَصَلَّى بِهِمْ - يَعْنِي الْأَنْبِيَاء - ثُمَّ أُتِيَ بِثَلَاثَةِ آنِيَة : إِنَاء فِيهِ لَبَن , وَإِنَاء فِيهِ خَمْر , وَإِنَاء فِيهِ مَاء , فَأَخَذْت اللَّبَن " الْحَدِيث.
وَفِي مُرْسَل الْحَسَن عِنْده نَحْوه لَكِنْ لَمْ يَذْكُر إِنَاء الْمَاء , وَوَقَعَ بَيَان مَكَان عَرْض الْآنِيَة فِي رِوَايَة سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد الْمُصَنِّف كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَّل الْأَشْرِبَة وَلَفْظه " أُتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاء بِإِنَاءٍ فِيهِ خَمْر وَإِنَاء فِيهِ لَبَن , فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَن , فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَاك لِلْفِطْرَةِ , لَوْ أَخَذْت الْخَمْر غَوَتْ أُمَّتك " وَهُوَ عِنْد مُسْلِم وَفِي رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن هَاشِم بْن عُتْبَة عَنْ أَنَس عِنْد الْبَيْهَقِيِّ " فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْمَاء وَالْخَمْر وَاللَّبَن فَأَخَذَ اللَّبَن , فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : أَصَبْت الْفِطْرَة , وَلَوْ شَرِبْت الْمَاء لَغَرِقْت وَغَرِقَتْ أُمَّتك , وَلَوْ شَرِبْت الْخَمْر لَغَوَيْت وَغَوَتْ أُمَّتك " وَيُجْمَع بَيْن هَذَا الِاخْتِلَاف إِمَّا بِحَمْلِ " ثُمَّ " عَلَى غَيْر بَابهَا مِنْ التَّرْتِيب وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى الْوَاو هُنَا , وَإِمَّا بِوُقُوعِ عَرْض الْآنِيَة مَرَّتَيْنِ : مَرَّة عِنْد فَرَاغه مِنْ الصَّلَاة بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَسَبَبه مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الْعَطَش , وَمَرَّة عِنْد وُصُوله إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى وَرُؤْيَة الْأَنْهَار الْأَرْبَعَة.
أَمَّا الِاخْتِلَاف فِي عَدَد الْآنِيَة وَمَا فِيهَا فَيُحْمَل عَلَى أَنَّ بَعْض الرُّوَاة ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرهُ الْآخَر , وَمَجْمُوعهَا أَرْبَعَة آنِيَة فِيهَا أَرْبَعَة أَشْيَاء مِنْ الْأَنْهَار الْأَرْبَعَة الَّتِي رَآهَا تَخْرُج مِنْ أَصْل سِدْرَة الْمُنْتَهَى.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد الطَّبَرِيّ لَمَّا ذَكَرَ سِدْرَة الْمُنْتَهَى " يَخْرُج أَصْلهَا مِنْ أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن , وَمِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه , وَمِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ , وَمِنْ عَسَل مُصَفًّى " فَلَعَلَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ كُلّ نَهْر إِنَاء.
وَجَاءَ عَنْ كَعْب أَنَّ نَهْر الْعَسَل نَهْر النِّيل وَنَهْر اللَّبَن نَهْر جَيْحَان وَنَهْر الْخَمْر نَهْر الْفُرَات وَنَهْر الْمَاء سَيْحَان , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله : ( ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَاة ) تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّق بِهَا فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث أَبِي ذَرّ فِي أَوَّل الصَّلَاة , وَالْحِكْمَة فِي تَخْصِيص فَرْض الصَّلَاة بِلَيْلَةِ الْإِسْرَاء أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عُرِجَ بِهِ رَأَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَة تَعَبُّد الْمَلَائِكَة وَأَنَّ مِنْهُمْ الْقَائِم فَلَا يَقْعُد وَالرَّاكِع فَلَا يَسْجُد وَالسَّاجِد فَلَا يَقْعُد , فَجَمَعَ اللَّه لَهُ وَلِأُمَّتِهِ تِلْكَ الْعِبَادَات كُلّهَا فِي كُلّ رَكْعَة يُصَلِّيهَا الْعَبْد , بِشَرَائِطِهَا مِنْ الطُّمَأْنِينَة وَالْإِخْلَاص , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن أَبِي جَمْرَة , وَقَالَ فِي اِخْتِصَاص فَرْضِيَّتهَا بِلَيْلَةِ الْإِسْرَاء إِشَارَة إِلَى عَظِيم بَيَانهَا , وَلِذَلِكَ اُخْتُصَّ فَرْضهَا بِكَوْنِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَة بَلْ بِمُرَاجَعَاتِ تَعَدَّدَتْ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانه.
قَوْله : ( وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّم ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّم " وَفِيهِ حَذْف تَقْدِير الْكَلَام : سَأَلْت رَبِّي حَتَّى اِسْتَحْيَيْت فَلَا أَرْجِع , فَإِنِّي إِنْ رَجَعْت صِرْت غَيْر رَاضٍ وَلَا مُسَلِّم , وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّم.
قَوْله : ( أَمْضَيْت فَرِيضَتِي , وَخَفَّفْت عَنْ عِبَادِي ) تَقَدَّمَ أَوَّل الصَّلَاة مِنْ رِوَايَة أَنَس عَنْ أَبِي ذَرّ " هُنَّ خَمْس وَهُنَّ خَمْسُونَ " وَتَقَدَّمَ شَرْحه , وَفِي رِوَايَة ثَابِت عَنْ أَنَس عِنْد مُسْلِم " حَتَّى قَالَ : يَا مُحَمَّد هِيَ خَمْس صَلَوَات فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة , كُلّ صَلَاة عَشْرَة فَتِلْكَ خَمْسُونَ صَلَاة , وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَة " الْحَدِيث , وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَة فِي الرِّقَاق.
وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن أَبِي مَالِك عَنْ أَنَس عِنْد النَّسَائِيِّ " وَأَتَيْت سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَغَشِيَتْنِي ضَبَابَة , فَخَرَرْتُ سَاجِدًا , فَقِيلَ لِي : إِنِّي يَوْم خَلَقْت السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَرَضْت عَلَيْك وَعَلَى أُمَّتك خَمْسِينَ صَلَاة فَقُمْ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتك " فَذَكَرَ مُرَاجَعَته مَعَ مُوسَى وَفِيهِ " فَإِنَّهُ فَرَضَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل صَلَاتَانِ فَمَا قَامُوا بِهِمَا " وَقَالَ فِي آخِره " فَخَمْس بِخَمْسِينَ فَقُمْ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتك , قَالَ فَعَرَفْت أَنَّهَا عَزْمَة مِنْ اللَّه , فَرَجَعْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ لِي اِرْجِعْ , فَلَمْ أَرْجِع ".
قَوْله : ( فَلَمَّا جَاوَزْت نَادَانِي مُنَادٍ : أَمْضَيْت فَرِيضَتِي وَخَفَّفْت عَنْ عِبَادِي ) هَذَا مِنْ أَقْوَى مَا اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى كَلَّمَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْإِسْرَاء بِغَيْرِ وَاسِطَة.
( تَكْمِلَة ) : وَقَعَ فِي غَيْر هَذِهِ الرِّوَايَة زِيَادَات رَآهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد سِدْرَة الْمُنْتَهَى لَمْ تُذْكَر فِي هَذِهِ الرِّوَايَة , مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّل الصَّلَاة " حَتَّى ظَهَرْت لِمُسْتَوًى أَسْمَع فِيهِ صَرِيف الْأَقْلَام " وَفِي رِوَايَة شَرِيك عَنْ أَنَس كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد " حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهَى , وَدَنَا الْجَبَّار رَبّ الْعِزَّة تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى , فَأَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاة " الْحَدِيث.
وَقَدْ اُسْتُشْكِلَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَاب التَّوْحِيد.
وَفِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ مِنْ الزِّيَادَة أَيْضًا " ثُمَّ أُدْخِلْت الْجَنَّة , فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذ اللُّؤْلُؤ , وَإِذَا تُرَابهَا الْمِسْك " وَعِنْد مُسْلِم مِنْ طَرِيق هَمَّام عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَس رَفَعَهُ " بَيْنَا أَنَا أَسِير فِي الْجَنَّة إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَّتَاهُ قِبَاب الدُّرّ الْمُجَوَّف , وَإِذَا طِينه مِسْك أَذْفَر , فَقَالَ جِبْرِيل : هَذَا الْكَوْثَر " وَلَهُ مِنْ طَرِيق شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَس " لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَذَكَرَ نَحْوه.
وَعِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم وَابْن عَائِذ مِنْ طَرِيق يَزِيد بْن أَبِي مَالِك عَنْ أَنَس " ثُمَّ اِنْطَلَقَ حَتَّى اِنْتَهَى بِي إِلَى الشَّجَرَة , فَغَشِيَنِي مِنْ كُلّ سَحَابَة فِيهَا مِنْ كُلّ لَوْن , فَتَأَخَّرَ جِبْرِيل.
وَخَرَرْت سَاجِدًا " وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْد مُسْلِم " وَأُعْطِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَات الْخَمْس , وَخَوَاتِم سُورَة الْبَقَرَة , وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِك بِاَللَّهِ مِنْ أُمَّته الْمُقْحِمَات , يَعْنِي الْكَبَائِر " وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة مِنْ الزِّيَادَة " ثُمَّ اِنْجَلَتْ عَنِّي السَّحَابَة وَأَخَذَ بِيَدِي جِبْرِيل , فَانْصَرَفْت سَرِيعًا فَأَتَيْت عَلَى إِبْرَاهِيم فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا , ثُمَّ أَتَيْت عَلَى مُوسَى فَقَالَ : مَا صَنَعْت " الْحَدِيث.
وَفِيهِ أَيْضًا " فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيل : مَا لِي لَمْ آتِ أَهْل سَمَاء إِلَّا رَحَّبُوا وَضَحِكُوا إِلَيَّ , غَيْر رَجُل وَاحِد فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلِيّ السَّلَام وَرَحَّبَ بِي وَلَمْ يَضْحَك إِلَيَّ ؟ قَالَ : يَا مُحَمَّد ذَاكَ مَالِك خَازِن جَهَنَّم , لَمْ يَضْحَك مُنْذُ خُلِقَ , وَلَوْ ضَحِكَ إِلَى أَحَد لَضَحِكَ إِلَيْك , وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ " حَتَّى فُتِحَتْ لَهُمَا أَبْوَاب السَّمَاء فَرَأَيَا الْجَنَّة وَالنَّار , وَوَعْد الْآخِرَة أَجْمَع " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " أَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِ الْجَنَّة , وَإِذَا رُمَّانهَا كَأَنَّهُ الدِّلَاء ; وَإِذَا طَيْرهَا كَأَنَّهَا الْبُخْت , وَأَنَّهُ عُرِضَتْ عَلَيْهِ النَّار , فَإِذَا هِيَ لَوْ طُرِحَ فِيهَا الْحِجَارَة وَالْحَدِيد لَأَكَلَتْهَا " وَفِي حَدِيث شَدَّاد بْن أَوْس " فَإِذَا جَهَنَّم تَكْشِف عَنْ مِثْل الزَّرَابِيّ , وَوَجَدْتهَا مِثْل الْحُمَّة السُّخْنَة " وَزَادَ فِيهِ أَنَّهُ رَآهَا فِي وَادِي بَيْت الْمَقْدِسِ , وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن أَبِي مَالِك عَنْ أَنَس عِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم " أَنَّ جِبْرِيل قَالَ : يَا مُحَمَّد هَلْ سَأَلْت رَبّك أَنْ يُرِيك الْحُور الْعِين ؟ قَالَ نَعَمْ : قَالَ : قَالَ : فَانْطَلِقْ إِلَى أُولَئِكَ النِّسْوَة فَسَلِّمْ عَلَيْهِنَّ.
قَالَ : فَأَتَيْت إِلَيْهِنَّ فَسَلَّمْت , فَرَدَدْت فَقُلْت : مَنْ أَنْتُنَّ ؟ فَقُلْنَ : " خَيِّرَات حِسَان " الْحَدِيث , وَفِي رِوَايَة أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا بُنَيّ إِنَّك لَاقٍ رَبّك اللَّيْلَة , وَإِنَّ أُمَّتك آخِر الْأُمَم وَأَضْعَفهَا , فَإِنْ اِسْتَطَعْت أَنْ تَكُون حَاجَتك أَوْ جُلّهَا فِي أُمَّتك فَافْعَلْ " وَفِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ بِأَسَانِيدِهِ فِي أَوَّل حَدِيث الْإِسْرَاء " كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَل رَبّه أَنْ يُرِيه الْجَنَّة وَالنَّار , فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَة السَّبْت لِسَبْعَ عَشْرَة لَيْلَة خَلَتْ مِنْ رَمَضَان قَبْل الْهِجْرَة بِثَمَانِيَةَ عَشَر شَهْرًا وَهُوَ نَائِم فِي بَيْته ظُهْرًا أَتَاهُ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل فَقَالَا : اِنْطَلِقْ إِلَى مَا سَأَلْت , فَانْطَلَقَا بِهِ إِلَى مَا بَيْن الْمَقَام وَزَمْزَم , فَأُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ , فَإِذَا هُوَ أَحْسَن شَيْء مَنْظَرًا , فَعَرَجَا بِهِ إِلَى السَّمَاوَات , فَلَقِيَ الْأَنْبِيَاء , وَانْتَهَى إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى , وَرَأَى الْجَنَّة وَالنَّار , وَفُرِضَ عَلَيْهِ الْخَمْس " فَلَوْ ثَبَتَ هَذَا لَكَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ مِعْرَاج آخَر لِقَوْلِهِ إِنَّهُ كَانَ ظُهْرًا , وَأَنَّ الْمِعْرَاج كَانَ مِنْ مَكَّة , وَهُوَ مُخَالِف لِمَا فِي الرِّوَايَات الصَّحِيحَة فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا.
وَيُعَكِّر عَلَى التَّعَدُّد قَوْله إِنَّ الصَّلَوَات فُرِضَتْ حِينَئِذٍ , إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أُعِيد ذِكْره تَأْكِيدًا , أَوْ فُرِّعَ عَلَى أَنَّ الْأَوَّل كَانَ مَنَامًا وَهَذَا يَقْظَة أَوْ بِالْعَكْسِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ أَنَّ لِلسَّمَاءِ أَبْوَابًا حَقِيقَة وَحَفَظَة مُوَكَّلِينَ بِهَا , وَفِيهِ إِثْبَات الِاسْتِئْذَان , وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ يَسْتَأْذِن أَنْ يَقُول أَنَا فُلَان , وَلَا يَقْتَصِر عَلَى أَنَا لِأَنَّهُ يُنَافِي مَطْلُوب الِاسْتِفْهَام , وَأَنَّ الْمَارّ يُسَلِّم عَلَى الْقَاعِد وَإِنْ كَانَ الْمَارّ أَفْضَل مِنْ الْقَاعِد , وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب تَلَقِّي أَهْل الْفَضْل بِالْبَشَرِ وَالتَّرْحِيب وَالثَّنَاء وَالدُّعَاء , وَجَوَاز مَدْح الْإِنْسَان الْمَأْمُون عَلَيْهِ الِافْتِتَان فِي وَجْهه , وَفِيهِ جَوَاز الِاسْتِنَاد إِلَى الْقِبْلَة بِالظَّهْرِ وَغَيْره مَأْخُوذ مِنْ اِسْتِنَاد إِبْرَاهِيم إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَهُوَ كَالْكَعْبَةِ فِي أَنَّهُ قِبْلَة مِنْ كُلّ جِهَة , وَفِيهِ جَوَاز نَسْخ الْحُكْم قَبْل وُقُوع الْفِعْل , وَقَدْ سَبَقَ الْبَحْث فِيهِ فِي أَوَّل الصَّلَاة , وَفِيهِ فَضْل السَّيْر بِاللَّيْلِ عَلَى السَّيْر بِالنَّهَارِ لِمَا وَقَعَ مِنْ الْإِسْرَاء بِاللَّيْلِ , وَلِذَلِكَ كَانَتْ أَكْثَر عِبَادَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ , وَكَانَ أَكْثَر سَفَره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ , وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الْأَرْض تُطْوَى بِاللَّيْلِ " وَفِيهِ أَنَّ التَّجْرِبَة أَقْوَى فِي تَحْصِيل الْمَطْلُوب مِنْ الْمَعْرِفَة الْكَثِيرَة , يُسْتَفَاد ذَلِكَ مِنْ قَوْل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَالَجَ النَّاس قَبْله وَجَرَّبَهُمْ , وَيُسْتَفَاد مِنْهُ تَحْكِيم الْعَادَة , وَالتَّنْبِيه بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى لِأَنَّ مَنْ سَلَفَ مِنْ الْأُمَم كَانُوا أَقْوَى أَبْدَانًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , وَقَدْ قَالَ مُوسَى فِي كَلَامه إِنَّهُ عَالَجَهُمْ عَلَى أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ فَمَا وَافَقُوهُ , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن أَبِي جَمْرَة قَالَ : وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ مَقَام الْخُلَّة مَقَام الرِّضَا وَالتَّسْلِيم , وَمَقَام التَّكْلِيم مَقَام الْإِدْلَال وَالِانْبِسَاط , وَمِنْ ثَمَّ اِسْتَبَدَّ مُوسَى بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَلَبِ التَّخْفِيف دُون إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , مَعَ أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الِاخْتِصَاص بِإِبْرَاهِيم أَزْيَد مِمَّا لَهُ مِنْ مُوسَى لِمَقَامِ الْأُبُوَّة وَرِفْعَة الْمَنْزِلَة وَالِاتِّبَاع فِي الْمِلَّة.
وَقَالَ غَيْره : الْحِكْمَة فِي ذَلِكَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي نَفْس الْحَدِيث مِنْ سَبْقه إِلَى مُعَالَجَة قَوْمه فِي هَذِهِ الْعِبَادَة بِعَيْنِهَا وَأَنَّهُمْ خَالَفُوهُ وَعَصَوْهُ.
وَفِيهِ أَنَّ الْجَنَّة وَالنَّار قَدْ خُلِقَتَا , لِقَوْلِهِ فِي بَعْض طُرُقه الَّتِي بَيَّنْتهَا " عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّة وَالنَّار " وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْث فِيهِ فِي بَدْء الْخَلْق.
وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الْإِكْثَار مِنْ سُؤَال اللَّه تَعَالَى وَتَكْثِير الشَّفَاعَة عِنْده , لِمَا وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَته مَشُورَة مُوسَى فِي سُؤَال التَّخْفِيف , وَفِيهِ فَضِيلَة الِاسْتِحْيَاء , وَبَذْل النَّصِيحَة لِمَنْ يَحْتَاج إِلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْ النَّاصِح فِي ذَلِكَ.
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ وَرُبَّمَا قَالَ فِي الْحِجْرِ مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدَّ قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي مَا يَعْنِي بِهِ قَالَ مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ قَالَ أَنَسٌ نَعَمْ يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ فَقَالَ هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ قَالَ هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا ثُمَّ قَالَا مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ قَالَ هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ قَالَ هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ قَالَ هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى قَالَ هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى قِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيكَ قَالَ أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ قَالَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ قَالَ مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ قَالَ هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ فَقُلْتُ مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَا أُمِرْتَ قَالَ أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أُمِرْتَ قُلْتُ أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ قَالَ سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ قَالَ فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي
عن ابن عباس رضي الله عنهما: «في قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} قال: هي رؤيا عين، أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أ...
عن كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، بطوله.<br> قال ابن بكير في حديثه: «ولقد شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة ا...
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: «شهد بي خالاي العقبة.».<br> قال أبو عبد الله: قال ابن عيينة: أحدهما البراء بن معرور.<br>
قال جابر : «أنا وأبي وخالي من أصحاب العقبة».<br>
عن ابن شهاب، عن عمه قال: أخبرني أبو إدريس عائذ الله: أن عبادة بن الصامت، من الذين شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أصحابه ليلة العق...
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: «إني من النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق...
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن خزرج، فوعكت فتمرق شعري فوفى...
عن عائشة رضي الله عنها، «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: أريتك في المنام مرتين، أرى أنك في سرقة من حرير، ويقول: هذه امرأتك، فاكشف عنها، فإذا هي...
عن هشام، عن أبيه قال: «توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين، فلبث سنتين، أو قريبا من ذلك، ونكح عائشة، وهي بنت ست سن...